الوسم: شركة محاماة

  • أشكال الشركات وأنواعها

    تتخذ الشركات المؤسسة في سورية أحد الأشكال التالية: شركة التضامن، وشركة التوصية، وشركة المحاصة، وشركة المحدودة المسؤولية، والشركة المساهمة.

    أما شركة التوصية المساهمة فلم يرد ذكرها بين أشكال الشركات التي تؤسس في سوريا.

    وتعد أشكال الشركات المذكورة في قانون الشركات السوري واردة على سبيل الحصر.

     فلا يجوز تكوين شركة تجارية في شكل آخر غير أحد الأشكال الخمسة المذكورة أعلاه، وإلا لحقها البطلان المتعلق بالنظام العام.

     ومبرر تحديد أشكال الشركات تحديد حصريا يرجع إلى أن كثرة الأشكال تؤدي إلى لغلط وصعوبة التمييز، لاسيما وأن الأشكال الخمسة المذكورة تعد كافية للاستجابة لجميع الحاجات الاقتصادية.

    ومع ذلك فإنه يمكن التمييز بين عدة أنواع من الشركات، المدنية والتجارية وشركات الأشخاص وشركات الأموال، إضافة إلى أنواع أخرى من الشركات التي ورد ذكرها في قانون الشركات.

    1- الشركات المدنية والشركات التجارية:

    تعد الشركة تجارية إذا كانت غايتها ممارسة عمل تجاري أو إذا اتخذت شكل شركة مساهمة أو محدودة المسؤولية (مادة 1/6 شركات).

     وعليه، فإن الشركات تكون تجارية إما بموضوعها وهي شركة التضامن وشركة التوصية وشركة المحاصة أو تجارية بشكلها أيا كان موضوع عملها إذا أسست على شكل شركة مساهمة أو محدودة المسؤولية.

    ومع ذلك عرف المشرع الشركات المدنية بأنها الشركات التي تؤسس بين شركاء من ذوي الاختصاص والمهن الفكرية أو التي يكون موضوعها مدنية وتخضع لأحكام القانون المدني وأحكام القوانين الخاصة بها وعقودها وأنظمتها الداخلية (مادة 6/6 شركات).

    وعليه، فإن الشركات التجارية بموضوعها تأخذ الصفة التجارية إذا أسست لتحقيق أحد أنواع المشاريع التجارية التي ورد ذكرها في قانون التجارة أو أي عمل تتوافر فيه مقومات المشروع.

    ما لم تكن هذه الشركة من نوع الشركات التجارية بشكلها فإنها تأخذ الصفة التجارية أيا كان موضوع عملها، وهي كما ذكرنا الشركة المحدودة المسؤولية والشركات المساهمة.

    ويترتب على اكتساب الشركة الصفة التجارية أنها تعد من التجار وتلتزم بالتزاماتهم وتخضع لنظام الصلح الواقي الإفلاس وبشكل عام إلى مختلف الأحكام المنطبقة على التجار .

     2- شركات الأموال وشركات الأشخاص:

    يحاول البعض تقسيم أنواع الشركات إلى قسمين رئيسين تبعا لدرجة الرابطة التي تقوم بين الشركاء هما: شركات الأشخاص وشركات الأموال.

     أ- شركات الأشخاص:

    تتألف شركات الأشخاص أساسأ بين أشخاص يعرف بعضهم بعضا ويتعاقدون بمراعاة أشخاص الشركاء وصفاتهم الخاصة.

    وتسمى هذه الشركات أيضأ بشركات الحصص نظرة أن مساهمة الشريك فيها تكون بتقديم حصة في رأس المال يقابلها حصة في الربح.

    وبما أن هذه الشركات تقوم على الاعتبار الشخصي أي الثقة المتبادلة بين الشركاء، تلعب فيها شخصية الشريك دورا رئيسياً، فلا يجوز له التنازل عن حصته إلا بقيود معينة،

    كما قد تنتهي الشركة إذا ما طرأ على شخصية الشريك ما يؤدي إلى انعدامها كالحجز والإفلاس أو الإعسار أو الوفاة أحيانا.

     ويدخل تحت هذه المجموعة من الشركات التضامن والتوصية والمحاصة.

     ب- شركات الأموال:

     وهي الشركات التي تقوم على الاعتبار المالي، ولا اعتداد فيها بالاعتبار الشخصي لكل شريك.

     فلا يعتد فيها بشخصية الشريك بصفة رئيسية، بل العبرة فيها بما يقدمه كل شريك من مال.

    وعليه فإن أي أمر يطرأ على شخصية الشريك لا يؤثر على وجود الشركة، كما أنه يجوز للشريك التصرف في حصته دون حاجة إلى موافقة الشركاء.

     فالشركاء قد يتغيرون بالتصرف في الحصة أو بالوفاة، ولكن الأموال تبقى ثابتة لا تتغير، وهذا هو الاعتبار الهام في هذه الشركات.

     وتسمى الحصص في رأس مال هذه الشركات بالأسهم، لذلك تسمى أيضا بشركات الأسهم، ويسمى الشركاء فيها مساهمين. وهؤلاء المساهمون لا يسألون عن ديون الشركة إلا في حدود قيمة أسهمهم.

     وتشمل شركات الأسهم الشركة المساهمة وهي أهم أنواع الشركات على الإطلاق.

     ج- الشركات ذات الطبيعة المختلطة:

    وهي الشركات التي يمتزج فيها الاعتبار الشخصي بالاعتبار المالي وينضوي تحت لواء هذه المجموعة شركة التوصية المساهمة والشركة ذات المسؤولية المحدودة.

     ولما كان من النادر جدا تأسيس شركة توصية مساهمة في سورية لذلك لم يأت المشرع على ذكر أحكامها في قانون الشركات، وبالتالي ألغيت كافة الأحكام المتعلقة بها في قانون التجارة رقم 149 الملغي.

    وستقتصر دراستنا على الشركة المحدودة المسؤولية.

    هذا ويتفق الفقه، على أن الشركات ذات  المختلطة هي أقرب إلى شركات الأموال منها إلى شركات الأشخاص.

     ومن ثم يقسمون الشركات على مجموعتين هما شركات الأشخاص وشركات الأموال، لذلك سنتناول  دراسة الشركة المحدودة المسؤولية في الباب المخصص لشركات الأموال.

  • القواعد التي تحكم الشركات التجارية في القانون السوري

    مر التشريع التجاري في سورية، وبالتالي تشريع الشركات، بمراحل مختلفة منذ العهد العثماني حتى يومنا هذا.

     ففي العهد العثماني كانت هنالك عدة مصادر للأحكام القانونية المتعلقة بالشركات أهمها، مجلة الأحكام العدلية وقانون التجارة العثماني الذي تبنی مضمون قانون التجارة الفرنسي لعام 1807 مع ما ورد فيه من أحكام حول الشركات التجارية، وقانون 21 جمادى الأخرى سنة 1323 المتعلق بشركات الضمان، ثم قانون 24 محرم سنة 1333 المتعلق بالشركات الأجنبية المغفلة.

    وفي عهد الانتداب، صدر عن المفوض السامي بعض القرارات المتعلقة بالشركات، من أبرزها القرار رقم 97 تاریخ 14 نيسان سنة 1925 والمتعلق بجنسية الشركات المغفلة، والقرار رقم 96 لسنة 1926 المتعلق بالشركات الأجنبية وما طرأ عليه من تعديلات.

     

    وبعد جلاء الفرنسيين وفي عام 1949/6/22 ، أصدر المشرع السوري قانون التجارة بالمرسوم التشريعي رقم 149 وطبق اعتبارا من 1949/9/1 .

    وقد تبنى فيه المشرع أحكام قانون التجارة اللبناني مع تعديلات طفيفة.

     وطبقت أحكام الشركات الواردة في قانون التجارة والقانون المدني في حال عدم وجود نص في قانون التجارة. وفي الوقت الحاضر، ومع التطوير والتحديث التشريعي الذي تشهده سوريا، فقد أصدر المشرع قانون الشركات رقم 3 تاریخ 1429/3/6 هجري الموافق ل 2008/3/13 ودخل حيز النفاذ اعتبارا من تاريخ 2008/4/1 .

    وبموجبه فقد ألغى المشرع أحكام الكتاب الثاني من قانون التجارة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 149 لعام 1949 وتعديلاته المتعلقة بالشركات التجارية اعتبارا من تاريخ نفاذه (مادة 224 شركات).

    وأصبحت الشركات تخضع لأحكام قانون خاص بها هو قانون الشركات، ولقواعد القانون المدني فيما يختص بعقد الشركة شرط ألا تكون القواعد مخالفة لأحكام قانون الشركات مخالفة صريحة أو ضمنية (مادة 3/2 شركات).

    ومن الرجوع إلى قانون الشركات نجد أنه قد قسم إلى اثني عشر باباً.

    1- الباب الأول: ويتضمن الأحكام العامة التي تشمل جميع أنواع الشركات المواد 1-28).

     2- الباب الثاني: ويبحث في شركة التضامن (المواد 29-43).

    3- الباب الثالث: ويتضمن النصوص المتعلقة بشركة التوصية (المواد 44 -50).

     4- الباب الرابع: ويتضمن الأحكام الخاصة بشركة المحاصة (المواد 51-54).

     5- الباب الخامس: ويقتصر على بحث الأحكام الخاصة بالشركة المحدودة المسؤولية المواد 55-85).

    6- الباب السادس: ويتضمن النصوص المتعلقة بالشركات المساهمة (المواد 86-213).

     7- الباب السابع: وينظم الأحكام المتعلقة بالشركة القابضة (المواد 204 -208).

     8- الباب الثامن: وجاء بأحكام تتعلق بالشركة الخارجية (المواد 209-211).

     9- الباب التاسع: ويتعلق بأحكام خاصة بتحويل الشكل القانوني للشركات التضامنية والتوصية المواد 212-213) وتحويل الشكل القانوني للشركات المحدودة المسؤولية المادة 214) وتحويل الشكل القانوني للشركات المساهمة (المادتان 215-216) وخص بقاء الشخصية الاعتبارية للشركة التي جرى تحويلها (المادة 217).

    10- الباب العاشر : وينظم أحكام اندماج الشركات المواد 218-222).

     11- الباب الحادي عشر: وضع بموجبه المشرع أحكاماً انتقالية (المادتان 223-224).

    12- الباب الثاني عشر: ويتضمن أحكاما عامة تتعلق برقابة وزارة الاقتصاد ورسوم التصديق ونشر قانون الشركات المواد 225-227).

  • أهمية الشركات التجارية وتطورها التاريخي

     أهمية الشركات التجارية

    إن مزاولة التجارة لا تقتصر على الأفراد، بل تزاولها أيضا جماعات من الأشخاص الاعتبارية تسمى “الشركات”،

    ذلك أن أهم المشاريع من حيث ضخامة الأعمال وقيمتها و عوامل الإنتاج التي تساهم فيها قد لا يقوى الفرد الواحد على النهوض بها، لما تتطلبه من جهود كبيرة وأموال كثيرة، تحتاج إلى تضافر عدة أشخاص ليقوموا بهذه المشاريع الكبيرة التي يعجز الفرد عن القيام بها وحده.

    وقد زادت الحاجة إلى توحيد الجهود وتجميع الأموال بعد الثورة الصناعية، لما أصبحت تتطلبه المشروعات الكبيرة من طاقات مالية كبيرة وخبرات فنية متنوعة لا يقوى الأفراد على القيام بها متفرقين.

    وعليه فقد أصبحت الشركات الأداة المثلى للنهوض الاقتصادي، بل تعاظمت هذه الأهمية لدرجة أصبحت معها هذه الشركات، وبخاصة الشركات المساهمة، تشكل قوة اقتصادية واجتماعية تخشى الدولة من سطوتها وترى من واجبها أن تسهر على رقابتها حتى لا تنحرف عن الطريق السوي وتصبح أداة للاستغلال الاجتماعي أو للسيطرة السياسية.

    إن الاعتراف للشركة بذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء يمكن الشركاء من تحديد مسؤوليتهم عن الأعمال التجارية التي يقومون بها من خلال الشركة بحدود ما يملكون من حصص أو أسهم في رأس مال الشركة، ما لم تكن صفة الشركاء متضامنين،

    الأمر الذي يترتب عليه تفادي عيوب المشروعات التجارية الفردية التي يكون فيها مالك المشروع مسؤولاً عن التزامات المشروع في كل ذمته المالية، أي بأمواله الحاضرة والمستقبلية، غير تلك المستثمرة في المشروع،

    وقد يترتب على هذه المسؤولية غير المحدودة عن ديون المشروع شهر إفلاس مالكه وتصفية جميع أمواله وينعكس سلبا على ماله لا بل وشخصه.

    ولتفادي هذه النتائج يلجأ الأفراد إلى تكوين شركات تكون مسؤوليتهم فيها محدودة بحدود ما يملكون من حصص أو أسهم في رأس مال الشركة، فإذا أعسرت الشركة وأصبحت أموالها مستغرقة بديونها، نجت أموال الشركاء من التنفيذ عليها وأدى قيام الشركة إلى تحديد مسؤوليتهم عن ديونها بالأموال التي خصصوها للمساهمة في رأسمالها.

    إن أهمية الشركات لا تقتصر على قدرتها على توحيد الجهود وتجميع الأموال اللازمة الاستغلال المشروعات الاقتصادية الكبرى، بل تحقق الشركة لهذه المشروعات استقرار، ودوامة تعجز عنه طاقة الأفراد مهما وحدوا جهودهم وضموها،

    فالشركة تتمتع بوجود ذاتي وبأهلية وذمة مالية مستقلة، يتيح للشركاء إلحاق بعض أموالهم بشركة يؤسسونها، فلا تدخل في ذمتهم المالية وإنما تلحق بذمة الشركة، بحيث يتمثل حق الشريك في الشركة في اكتساب حصة أو أسهم في رأسمالها تمنحه حقاً حيالها لا ينصب على كل مال من أموالها ولا يشكل حصة شائعة فيه،

    فيعد المال ملكا للشركة وحق الشريك على الشركة حقاً مستقلاً يتراوح بين الحق الشخصي والحق الفكري أي الحق في منقول غير مادي.

     وعليه، فإن الضريبة التي تفرض على أموال الشركة تتناول الشركة لا شخص الشركاء، ولا تمس أموالهم الموظفة في نشاطات أخرى لاسيما إذا كانت الضريبة تصاعدية تفرض على شرائح.

     كما يمكن الاستفادة من الإعفاءات الضريبية والمزايا التي تمنحها الدولة لبعض الاستثمارات، أو الاستثمارات في مناطق نائية فيؤسس الأفراد شركات تستفيد من الشروط المطلوبة للاستفادة من هذه المزايا والإعفاءات.

    التطور التاريخي للشركات 

    تعد الشركة نظاماً قديماً جداً عرفه البابليون ونظمه قانون حمورابي كما انتشرت الشركات المدنية منها والتجارية لدى اليونان، وكانت تؤسس غالبا لتعاطي الأعمال المصرفية ومشاريع النقل البحري والتعدين.

    كما نشأت الشركة في روما، في بادئ عهدها، من اتفاق بين الورثة على البقاء في حالة الشيوع بالنسبة لتركة المورث، وعلى إدارة هذه التركة فيما بينهم.

     ثم ظهرت فيما بعد الشركات باتفاق بين أشخاص لا تربط بينهم صلة القرابة على استثمار رأسمال مشترك، ولم تكن تتمتع بالشخصية الاعتبارية إلا إذا منحت هذه الشخصية بمرسوم خاص، كان من الصعب جداً الحصول عليه ما لم يكن موضوع الشركة يقوم على استثمار معادن الذهب والفضة، لذلك كان كل شريك مسؤولا شخصية عن تصرفاته.

    أما في الفقه الإسلامي، فقد كانت التجارة من أشرف أسباب الكسب وأعلاه عند العرب وخاصة في شبه الجزيرة العربية، وقد كرس فقهاء الشريعة الإسلامية عدة أنواع من الشركات تناولتها مجلة الأحكام العدلية إلى أن وضع قانون التجارة العثماني في 8 شعبان 1266 للهجرة فتبنى أحكام التجارة الفرنسي لعام 1807.

    وقسم الفقه الإسلامي الشركات إلى عدة أنواع أهمها شركة المفاوضة وشركة العنان.

    أما في أوربا وفي القرون الوسطى فقد انتشرت التجارة فيها ولاسيما في المدن الإيطالية وظهر فيها كل من شركتي التضامن والتوصية البسيطة،

    كما كرس أمر لويس الرابع عشر لعام 1673 حول التجارة البرية كلا من شركتي التضامن والتوصية البسيطة، وأطلق على الأولى اسم الشركة العامة وسماها سفاري شركة ” الاسم المشترك، ولا يزال هذا الاسم يطلق عليها في القانون الفرنسي ” Société en nom collectif “.

    وباكتشاف أميركا وانتشار التجارة بين أوربا والقارات الأخرى ولحاجة الشركات إلى رؤوس أموال وفيرة يصعب على شركتي التضامن والتوصية تداركها فقد أسست شركات المساهمة يكتتب في رأسمالها صغار المدخرين وتشرف الدولة عليها.

    وعليه، فقد نظمت تشريعات كل من ألمانيا وإنكلترا وسويسرا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وغيرها من التشريعات الأجنبية موضوع الشركات وكيفية عملها وأنواعها.

  • حجية الدليل الرقمي وتقدير قيمته في سوريا

    نصت المادة 25 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي :

    ( أ- يعود للمحكمة تقدير قيمة الدليل الرقمي، شريطة تحقق ما يلي:

     1) أن تكون الأجهزة الحاسوبية أو المنظومات المعلوماتية المستمد منها هذا الدليل تعمل

    على نحو سليم.

    2) ألا يطرأ على الدليل المقدم إلى المحكمة أي تغيير خلال مدة حفظه.

    ب – يعد الدليل الرقمي المقدم إلى المحكمة مستجمعة للشرطين الواردين في الفقرة (أ) من هذه المادة، ما لم يثبت العكس.)

    يستمد القاضي الجزائي قناعته من أي دليل يطمئن إليه من الأدلة التي تقدم في الدعوى دون التقيد بدليل معين، ما لم ينص القانون على غير ذلك؛ فلا يوجد أدلة يحظر القانون عليه قبولها.

    فالقانون أمد القاضي الجزائي بسلطة واسعة وحرية كاملة في مجال الإثبات، فله أن يأخذ من الأدلة ما تطمئن له عقيدته، ويطرح ما لا يرتاح إليه.

    وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 175 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقولها :

    ( تقام البيئية في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات، ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية).

    و الدليل الرقمي يندرج تحت طائفة القرائن القضائية إذا تم الحصول عليه بطريقة مشروعة، ويمكن للقاضي الجزائي الأخذ به سواء في إطار الإدانة أم البراءة، إذا توفرت في هذا الدليل الشرطين

    التاليين:

    1- السلامة:

    أي أن تكون الأجهزة الحاسوبية أو المنظومات المعلوماتية المستمد منها هذا الدليل تعمل على نحو سليم، بحيث لا يتطرق الشك في دقته.

    2- المطابقة:

    أن لا يطرأ على هذا الدليل أي تغيير خلال فترة حفظه، أي أن يكون الدليل الرقمي المقدم إلى المحكمة هو نفس الدليل الذي تم جمعه وحفظه.

    وقد وضع المشرع قرينة قانونية بسيطة في الفقرة (ب) من المادة 25، تتضمن أن الدليل الرقمي المقدم إلى المحكمة يع مستجمع لشرطي السلامة والمطابقة المشار إليهما ما لم يثبت العكس.

    أما بالنسبة إلى الدفوع المتعلقة بهذين الشرطين، فإن هذه الدفوع يجب أن لا تنال من قيمة الدليل الرقمي إذا جاءت على شكل تخمين دون أن يوجد دليل يدعمها. وهذا ما سارت عليه المحاكم الأمريكية كما رأينا.

    وفيما يتعلق بكيفية تقدير قيمة الدليل الرقمي، فإننا نؤيد ما ذهب إليه جانب من الفقه العربي من ضرورة التمييز بين أمرين، هما:

    الأمر الأول: القيمة العلمية القاطعة للدليل.

    الأمر الثاني: الظروف والملابسات التي وجد فيها الدليل.

    فتقدير القاضي لا يتناول القيمة العلمية القاطعة للدليل، ذلك لأن قيمة الدليل تقوم على أسس علمية دقيقة، ولا حرية للقاضي في مناقشة الحقائق العلمية الثابتة.

    أما ما يتعلق بالظروف والملابسات التي وجد فيها هذا الدليل، فإنها تدخل في نطاق تقديره الشخصي لأنها من طبيعة عمله، ومن ثم فللقاضي الجزائي أن يطرح الدليل المستخرج من الحاسوب عندما يجد أن وجوده لا يتفق منطقية مع ظروف الواقعة.

    فمجرد توفر الدليل العلمي لا يعني أن يحكم القاضي مباشرة دون البحث بالظروف والملابسات .

    وبعد أن انتهينا من دراسة فصل الأحكام الإجرائية للجريمة المعلوماتية، لا بد لنا من الإشارة بأن المادة 35 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية، قضت بأن يطبق قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ على كل ما لم يرد عليه نص في الأحكام الإجرائية للجرائم الواردة في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية.

  • حجية الدليل الرقمي في أميركا وإنكلترا وفرنسا والمنظمات الدولية

    لا تقف الصعوبات التي تواجه الدليل الرقمي عند حد كيفية الحصول عليه وإجراءات حفظه، بل تمتد إلى مدى القوة الثبوتية التي يتمتع بها هذا الدليل، ومدى حرية قاضي الموضوع بالاقتناع به لبناء الحكم على أساسه بالبراءة أو الإدانة.

    لذلك حاول المشرع والقضاء والفقه المقارن التصدي لهذه المسألة، وذلك بتحديد الشروط التي يجب توفرها في الدليل الرقمي أو في مخرجات الحاسوب حتى يمكن قبوله من قبل القاضي الجزائي.

    وبناء على ما تقدم، سنتناول حجية الدليل الرقمي في الولايات المتحدة الأمريكية وإنكلترا وفرنسا، والمنظمة الدولية لدليل الحاسوب.

    أولاً- الولايات المتحدة الأمريكية:

    تبتی قانون الإثبات الفيدرالي في المادة /1002/ منه قاعدة الدليل الأفضل، ويقصد بهذه القاعدة أنه عند إثبات مضمون كتابات أو سجلات أو صور، فإن أصل هذه الكتابات أو السجلات أو الصور يجب أن يكون متوفرة، أي يجب تقديمه إلى المحكمة.

    وقاعدة الدليل الأفضل التي تعبر عن أصالة الدليل تقف حائلا أمام الدليل الرقمي، لأن ما يتم تقديمه إلى المحكمة ليس الملفات الإلكترونية المخزنة في الحاسوب، وإنما نسخ عن هذه الملفات. ولذلك فقد حسم المشرع الأمريكي هذه المسألة لصالح الدليل الرقمي في المادة 1001/3 من قانون الإثبات الأمريكي والتي نصت على ما يلي:

    (إذا كانت البيانات مخزنة في حاسوب أو آلة مشابهة، فإن أي مخرجات مطبوعة منها أو مخرجات يمكن قراءتها بالنظر إليها وتعكس دقة البيانات، تعد بيانات أصلية) .

    يتضمن هذا القانون القواعد المقبولة في الإثبات أمام المحاكم الاتحادية في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن محاكم الولايات تتبع قواعدها الخاصة مثل “كاليفورنيا” و”واشنطن”.

     وقد وضع هذا القانون بناء على اقتراح المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية أول مرة عام 1975، وجرى تعديله عدة مرات، وهو متوفر على الإنترنت مع تعديلاته حتى 2008/12/1.

    ووفقا لهذه المادة، فإن البيانات أو المعلومات التي تم الحصول عليها من الإنترنت، والتي تم استخراجها بواسطة الطابعة، تعد دليلاً أصليلاً كاملاً، ولا حاجة لجلب الحاسوب إلى قاعة المحكمة.

    أما فيما يخص القوة الإثباتية للسجلات الإلكترونية، فإن المرشد الفيدرالي الأمريكي لتفتيش وضبط الحواسيب الصادر في عام 2002 يميز بين نوعين من السجلات، وهما:

    النوع الأول – السجلات المخزنة في الحاسوب:

    وهي الوثائق الإلكترونية التي تحتوي على كتابات عائدة لشخص ما، ومن أمثلتها رسائل البريد الإلكتروني، وملفات الورد Word، ورسائل غرف الدردشة على الإنترنت.

    وهذه الوثائق تتضمن إفادات بشرية، وتعد كالشهادة على السماع في مجال الإثبات .

    النوع الثاني – السجلات المأخوذة من الحاسوب:

    وهي عبارة عن نتائج برامج الحاسوب التي لا تمسها الأيدي البشرية، ومن أمثلتها سجلات الدخول إلى الإنترنت، وسجلات الهاتف، وإيصالات الصراف الآلي وغيرها.

    فهذه السجلات لا تتضمن إفادات بشرية، وإنما هي عبارة عن نتائج البرامج الحاسوبية.

    فالصراف الآلي مثلاً يمكن أن يعطي إيصالا يتضمن أن /100/ دولار أمريكي قد تم إيداعها في الحساب عند الساعة 2.25 مساء، وهذا النوع من السجلات يمكن للمحاكم أن تأخذ به، إذا كان برنامج الحاسوب يؤدي عمله على نحو جيد وسليم.

    وبناء على هذه القواعد، فإن الفقه في أمريكا يرى بأنه حتى يكون الدليل الرقمي مقبوة أمام المحكمة، يجب أن يتوفر فيه الشروط التالية :

    •  أن لا يطرأ على محتويات السجل الإلكتروني أي تغيير، أي أن يكون الدليل المقدم إلى المحكمة هو نفس الدليل الذي تم جمعه، ويمكن للشخص الذي قام بجمع الدليل أن يشهد بذلك أمام المحكمة، وهذا ما يطلق عليه مفهوم سلسلة الرعاية” Chain of Custody، ويقصد بذلك أن الدليل الرقمي منذ لحظة جمعه وحتى لحظة تقديمه إلى المحكمة لم يطرأ عليه أي تغيير، ولا يوجد أي احتمال اللعبث به، وأنه تمت مراعاة سلامته حتى يبقى بنفس الحالة التي وجد عليها .
    • أن تكون المعلومات الموجودة في السجل، قد صدرت فعلا عن المصدر المزعوم، سواء كان هذا المصدر الإنسان أم الآلة.
    • أن تكون المعلومات الموجودة في السجل، والمتعلقة بالوقت والتاريخ، معلومات دقيقة.

    أما القضاء الأمريكي فقد تعرض في العديد من القضايا إلى مسألتي الأصالة والصحة.

    ففي إحدى القضايا، قررت المحكمة: “إن عضو مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI الذي كان حاضراً عندما تم ضبط الحاسوب الخاص بالمتهم، يمكن أن يقرر صحة الملفات المضبوطة. .

     وفي قضية أخرى قبلت المحكمة سجلات الهاتف بعد أن أكدت موظفة الفواتير في الشركة أصالة هذه السجلات .

     كما قبلت إحدى المحاكم الدليل الرقمي رغم الدفوع المتعلقة بالعبث بهذا الدليل، لأن هذه الدفوع جاءت على شكل تخمين، دون أن يوجد أي دليل يدعمها .

    وفي إحدى القضايا قررت المحكمة: “إن حقيقة وجود احتمال بتعديل البيانات الموجودة في الحاسوب غير كافية للقول بعدم جدارة الدليل.

     ” كما ذكرت وزارة العدل الأمريكية في المرشد الفيدرالي لتفتيش وضبط الحواسيب، وصولا إلى الدليل الإلكتروني في التحقيقات الجنائية: “إن غياب دليل واضح على حدوث العبث في الدليل، لا يؤثر على أصالة ودقة سجلات الحاسوب .

    ثانيا – إنكلترا:

    في عام 1948 صدر في إنكلترا قانون الشرطة والإثبات الجنائي (Pace).

     وقد حدد هذا القانون الصلاحيات الشرطة إنكلترا” و “ويلز”، وهو قانون يهدف إلى إقامة التوازن بين قوى الشرطة البريطانية وحقوق الأفراد، ويتناول الية تفتيش الأماكن، وكيفية معاملة المشتبه بهم، والاعتقال وغير ذلك.

    وقد تم تعديل هذا القانون في 14 تشرين الأول عام 2002.

    كما ركز هذا القانون بصفة أساسية على قبول مخرجات الحاسوب كدليل في الإثبات، حيث حدد المشرع الإنكليزي في المادة 69 من هذا القانون الشروط الواجب توفرها في المستند الناتج عن الحاسوب، حتى قبل كدليل في الإثبات. وهذه الشروط هي:

    • عدم وجود أسس معقولة للاعتقاد بأن البيان يفقد الدقة بسبب الاستخدام غير المناسب أو الخاطئ للحاسوب.
    • أن الحاسوب كان يعمل في جميع الأحوال بصورة سليمة، وإذا لم يكن كذلك، فإن أي جزء لم يكن يعمل فيه بصورة سليمة، أو كان معط” عن العمل، لم يكن ليؤثر في إخراج المستند أو دقة محتوياته.

    وقد علق مجلس اللوردات على المادة 69 المشار إليها، بأنه: “يمكن للشهادة الشخصية الصادرة عن شخص على علم بطريقة تشغيل الحاسوب، أن تعطي الثقة بالدليل، وليس بالضروري أن يكون هذا الشخص خبيرة بالحاسوب .

    وبناء على ذلك قبلت المحاكم الإنكليزية فيما يتعلق بسلامة نظام الحاسوب بشهادة أشخاص لديهم علم بطريقة عمل نظام الحاسوب .

    ثالثاً- فرنسا:

    يتناول الفقه في فرنسا حجية مخرجات الحاسوب في المواد الجنائية، في إطار مسألة أوسع وأعم، هي مسألة قبول الأدلة الناشئة عن الآلة أو الأدلة العلمية، مثل الرادارات، وأجهزة التصوير، وأشرطةالتسجيل، وأجهزة التنصت.

    أما القضاء فقد قبل هذه الأدلة إذا توفرت فيها مجموعة من الشروط، من أهمها أن يتم الحصول عليها بطريقة شرعية ونزيهة، وأن يتم مناقشتها حضورياً من قبل الأطراف.

    وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن أشرطة التسجيل الممغنطة، التي يكون لها قيمة دلائل الإثبات، يمكن أن تكون صالحة للتقديم أمام القضاء الجنائي .

    أما بالنسبة إلى قناعة القاضي الجزائي، فإن الأدلة الإلكترونية تخضع لحرية القاضي في الاقتناع الذاتي، بحيث يمكن أن يطرح مثل هذه الأدلة – رغم قطعيتها من الناحية العلمية – عندما يجد أن الدليل الإلكتروني لا يتسق منطقية مع ظروف الواقعة وملابساتها

    رابعاً – المنظمة الدولية لدليل الحاسوب:

    تأسست المنظمة الدولية لدليل الحاسوب IOCE في عام 1995، وتتكون من الجهات الحكومية المسؤولة عن تطبيق القانون، أو من الهيئات الحكومية التي تزاول التحقيق في مجال الحاسوب. وتهدف هذه المنظمة إلى تزويد الجهات الدولية القانونية بكيفية تبادل المعلومات بتحقيقات جرائم الحاسوب والمسائل ذات الصلة بالمعلوماتية الشرعية.

    كما تقوم بتنظيم عملية الاتصال بين أعضائها، وتقدم التوصيات اللازمة في هذا المجال، وتقيم المؤتمرات المتعلقة بنشاطاتها.

    وإضافة إلى ذلك فإن المنظمة وضعت المعايير المطلوبة في دليل الحاسوب، وقد تمت المصادقة على هذه المعايير خلال المؤتمر الدولي للبحث المعلوماتي والجريمة التقنية، المنعقد في تشرين الأول عام 1999 (IHCFC)(37)، وهذه المعايير هي :

    • عدم تغير الدليل أثناء ضبطه.
    • أن تتم عملية الضبط من قبل شخص مؤهل في المعلوماتية الشرعية.
    • جميع النشاطات المتعلقة بالضبط والوصول والتخزين ونقل الدليل الرقمي، يجب أن تكون موثقة ومحفوظة بغرض التدقيق.
    • أن يكون الشخص الذي بحوزته الدليل الرقمي مسؤولا عن جميع الإجراءات المتعلقة بهذا الدليل.
    • أن تكون الجهات المسؤولة عن ضبط وتخزين ونقل الدليل الرقمي والوصول إليه مسؤولة عن تطبيق هذه المبادئ.
  • مصادر الدليل الرقمي ودور الإنترنت في التحقيقات الجرمية

     يمكن الوصول إلى الدليل الرقمي المتعلق بجرائم المعلوماتية عن طريق البحث في المصدرين التاليين:

    أ- أنظمة الحاسوب وملحقاتها:

    تعد الحواسيب مصدرا غنية بالأدلة الرقمية، وخاصة تلك الحواسيب الشخصية التي تعد بمثابة أرشفة سلوكية للأفراد.

    فهذه الحواسيب تحتوي على الكثير من المعلومات المتعلقة بنشاطات الأفراد ورغباتهم .

    فالملفات الشخصية أو ملفات النظام وغيرها من أنواع الملفات التي تكون مخزنة عادة في الأقراص الصلبة أو الأقراص الليزرية CD أو الذواكر المعروفة ب Flash Memory  كثيراً ما  تحتوي على معلومات تتعلق بالجريمة وتفيد في عملية التحقيق .

    وعملية حجز الحاسوب أو ضبطه بقصد تفحصه، تعد نقطة البداية في الكشف عن خفايا جريمة المعلوماتية، لأن الحاسوب هو وسيلة النفاذ إلى هذه الشبكة، أيا كان شكل هذا الحاسوب.

    ويجب أن تشمل عملية الفحص جميع البرمجيات المخزنة في المكونات الصلبة أو الذواكر الملحقة بالحاسوب، وجميع البرمجيات التي تم إلغاؤها من ذي قبل، كما يجب التأكد من أن المكونات الصلبة والبرمجيات تعمل بشكل سليم ومنتظم، وأن الحاسوب غير مصاب بفيروس يؤثر على نظامه أو على ملفات التشغيل أو التنفيذ، لأن ذلك يمكن أن ينال من صحة الدليل الرقمي المستخلص عند عرضه على القضاء .  

    ب – أنظمة الاتصال بالإنترنت:

    تشمل عملية فحص أنظمة الاتصال بالإنترنت، فحص حركة التنزيل والتحميل ودرجة الاستيعاب، والشبكات المحلية، والنظام الأمني المحاط بالإنترنت…الخ.

     فعملية الفحص هذه قد تؤدي إلى الحصول على دليل رقمي يفيد في كشف الحقيقة.

    ولعل أهم المسائل المثارة في صدد فحص أنظمة الاتصال بالإنترنت هي مسألة تحديد مكان الجريمة، أو الحاسوب الذي ارتكب بواسطته النشاط الجرمي، حيث يمكن معرفة هذا الحاسوب عن طريق تتبع الحركة العكسية لمسار الإنترنت ، ويستخدم في عملية التتبع هذه نظام فحص إلكتروني يطلق عليه علم البصمات المعاصر أو علم بصمات القرن الواحد والعشرين، وهو منهج تم استخدامه في العديد من الجرائم، مثل تتبع مبتكر فيروس “ميليسا“، وكذلك في التوصل إلى الشخص الذي ابتكر موقع خدمات “بلومبرمج” الأخبار المال، وهو موقع احتيالي يرفع أسعار الأسهم بطريقة الخداع.

    ومن الملاحظ أن ما يتم التوصل إليه بفضل تتبع الحركة العكسية لمسار الإنترنت هو عنوان رقمي فقط IP adress، وهذا الدليل الرقمي لا يكفي لنسبة الجريمة إلى مالك الحاسوب، إذ من الممكن ألا يكون هو مرتكب الجريمة، كما لو كان حاسوبه مسروقاً، أو مؤجرة في أحد مقاهي الإنترنت، أو أن يكون عنوانه الرقمي الخاص به مسروقاً، أو أن يكون هناك من يستخدم حاسوبه دون تصريح من مالكه، أو أن المشتبه به لا يعرف أي شيء عن الإنترنت…الخ.

     الأمر الذي يتطلب من جهات التحقيق توفير الدليل المادي كالاعتراف أو الشهادة أو الخبرة…الخ إلى جانب الدليل الرقمي، حتى يمكن أن تنسب الجريمة إلى مرتكبها.

    أما خدمات شبكة الإنترنت، فهي تحتوي على الكثير من المعلومات حول أنماط سلوك الأفراد في وقت محدد، فيمكن عن طريق فحص هذه الخدمات معرفة الرسائل الإلكترونية التي قام الجاني أو المجني عليه بإرسالها أو استقبالها، والمواقع الإلكترونية التي سبقت زيارتها، وغرف الدردشة التي تم الدخول إليها، حيث يستطيع المحقق أو الخبير المعلوماتي بعد أن يصل إلى هذه المعلومات، أن يتصل بجميع الأفراد الذين كانوا على اتصال مع الجاني أو المجني عليه قبل ارتكاب الجريمة، وذلك عن طريق إرسال الرسائل الإلكترونية إليهم، وسؤالهم عن أي معلومات تتعلق بالجريمة.

    وعلى المحقق أو الخبير المعلوماتي أن يوثق جميع مراحل عملية البحث، بحيث يشير إلى زمان البحث ومكان المعلومة وكيفية الحصول عليها، وأن يستخدم البرمجيات التي تحافظ على مواقع الوت التي عمل بها؛ لأنه من المعروف أن المعلومات تتغير على الإنترنت من لحظة إلى أخرى .

    وقد يتخذ الدليل الرقمي المستمد من الحاسوب أو الإنترنت شكل المخرجات الورقية التي يتم الحصول عليها عن طريق الطابعات أو الراسمات، كما يمكن أن يتخذ الشكل الإلكتروني كالأقراص الليزرية وغيرها من الأشكال الإلكترونية.

    وإلى جانب ذلك يوجد مخرج ثالث وهو عرض المعلومات والبيانات المتعلقة بالدليل الرقمي عن طريق شاشة الحاسوب. ويطلق على جميع هذه الأشكال مصطلح مخرجات الحاسوب .

    ومن أمثلة القضايا التي تظهر دور الإنترنت في عملية التحقيق، قضية تتعلق بالاحتيال عبر الإنترنت، تتلخص وقائعها بقيام شخص يدعى “كوري ستيل” Cory Steele من ولاية “مینسوتا” الأمريكية، وهو صاحب شركة التجارة الأدوية اسمها Advanced Express System، بإنشاء موقع الصيدلية غير شرعية على الإنترنت باسم Swift RX.com ، حيث كان يقوم بالاحتيال على الناس عبر هذا الموقع، عن طريق عرض الأدوية للبيع بدون وصفات طبية، وتلقي الثمن عبر الإنترنت من خلال بطاقات الائتمان، وعدم إرسال هذه الأدوية إلى المشترين.

    وقد بدأت مجريات هذه القضية عندما لاحظ أحد المستأجرين في البناء الذي يوجد فيه مقر شركة المدعو “كوري” مظاهر الثراء الفاحش على هذا الأخير، الذي كان يملك عدة سيارات فخمة مثل Ferrari، Mercedes ،Lamborghini ، فقام هذا الجار بالبحث عن اسم الشركة عبر الإنترنت، حيث تبين له أن لهذه الشركة عدة مواقع إلكترونية، وأن هناك الكثير من الأشخاص الذين كانوا يشتكون من احتيالات هذه الشركة.

     عندها اتصل بمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI وأعلمهم بهذه المعلومات.

    وبعد تلقي هذا الإخبار، بدأ أحد المحققين في مكتب التحقيقات الفيدرالي بجمع معلومات إضافية عن المدعو “كوري” وذلك عن طريق محركات البحث مثل whois google، حيث تبين بأن الموقع الإلكتروني للصيدلية Swift RX.com كان مسجلاً على مزود خدمة إنترنت في سويسرا، وله عنوان تجاري في المملكة المتحدة، وكان ذلك بهدف عرقلة عملية التعقب من قبل المحققين، كما تبين بأن هناك العديد من مواقع الصيدليات غير الشرعية على الإنترنت التي تعود لشركة المدعو “كوري”، وهذه المواقع مسجلة تحت أسماء وعناوين مختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومستضافة من قبل مزودي خدمة الإنترنت في تكساس، وأوهايو، ومينيسوتا.

    كما توصل المحقق المسؤول عن هذه القضية إلى معلومات تفيد بأن المدعو “كوري” كان يستخدم مبرمجة حاسوب لاختراق المواقع الإلكترونية للصيدليات المنافسة عبر الإنترنت، وذلك بهدف سرقة المعلومات المتعلقة بالزبائن، إضافة إلى أن “كوري” كان يتعامل مع مجموعة من الأفراد القادرين على سرقة عناوين الإنترنت، حيث كانت هذه العناوين المسروقة تستخدم في إرسال الإعلانات الدوائية الوهمية إلى الزبائن.

    وبعد جمع هذه المعلومات من قبل المحقق، قام بإرسال تقريره إلى معاونة المحامي العام في أمريكا، التي قامت بتشكيل فريق لمتابعة التحقيق والبحث عن معلومات إضافية تتعلق بالمدعو “كوري”، وقررت على الفور إغلاق مواقع الصيدليات غير الشرعية على الإنترنت، وأصدرت عدة مذكرات تفتيش المقر الشركة، حيث قام فريق التحقيق بمصادرة مجموعة من الحواسيب من هذا المقر.

    وقد تم مراجعة وتدقيق جميع الأدلة الحاسوبية والوثائقية، كما تم ضبط جميع الرسائل الإلكترونية بين المشتبه به وشركائه، حيث أعطت هذه الرسائل الصورة الحقيقية لأعمال المدعو “كوري” والتاريخ الكامل لهذه الأعمال، كما تم سماع ما يقرب من مئة شاهد في هذه القضية.

    وقد تبين بأن مبيعات الصيدليات غير الشرعية كانت تصل إلى /28 مليون دولار شهريا من خلال استخدام/17/ موقعاً إلكترونياً.

    أما المدعو “كوري”، فقد تم إلقاء القبض عليه في المطار بعد عودته من الخارج، حيث كان يقوم بالبحث عن أماكن ليؤسس فيها أعماله في الخارج، وقد حكم عليه بالسجن لمدة /20/ عاما، وبمصادرة ما يعادل خمسة ملايين دولار من ممتلكاته .

    ومن الملاحظ بأن الدليل الرقمي يتمتع بأهمية بالغة في عملية التحقيق بجرائم المعلوماتية، إلا أنه لا بد من أن يكون هناك دائمة أدلة مادية (كالاعتراف أو الخبرة الفنية مثلا) يتم الاستناد إليها إلى جانب الدليل الرقمي حتى تكتمل صورة الجريمة.

  • إجراءات الضبط والحجز في الجرائم الالكترونية

    الضبط هو الأثر المباشر للتفتيش. فالعلاقة وثيقة بين التفتيش والضبط، فإذا بطلت إجراءات التفتيش بطل الضبط.

    وقد يتم الضبط من غير تفتيش، عندما يقدم المشتبه به باختياره الأشياء المتعلقة بالجريمة.

    والضبط هو الوسيلة القانونية التي تضع بواسطتها السلطة المختصة يدها على جميع الأشياء التي وقعت عليها الجريمة أو نتجت عنها أو استعملت باقترافها، كالأسلحة والأشياء المسروقة، والثياب الملوثة بالدم، والأوراق… وغير ذلك.

    وقد أجاز القانون السوري ضبط كل ما يعد من آثار الجريمة، وسائر الأشياء والأوراق التي تساعد على إظهار الحقيقة، سواء أكانت تؤيد التهمة أم تنفيها.

    وقد أوجب القانون عرض الأشياء المضبوطة على المدعى عليه أو على من ينوب عنه للمصادقة والتوقيع عليها، فإذا امتنع، صرح القائم بالضبط بذلك في المحضر.

    أما بالنسبة إلى إجراءات ضبط المكونات المعنوية للحاسوب والإنترنت، فإن البيانات والمعلومات لا يمكن ضبطها بشكل منفصل عن أجهزة وأدوات التخزين، فالحاسوب والأجهزة الملحقة به، هي بمثابة الأوعية المادية التي تحتوي هذه المعلومات والبيانات، وهي تشبه الحقيبة التي تحفظ فيها الأوراق.

     وقد أجاز المشرع في الفقرة (ه) من المادة 26 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية للضابطة العدلية الحصول على نسخة من البيانات والمعلومات والبرمجيات الحاسوبية التي تم تفتيشها، ويمكن للضابطة العدلية في حالات الضرورة ضبط الأجهزة والبرمجيات الحاسوبية المستخدمة أو جزء من مكوناتها.

    ولذلك يرى الفقه المقارن أن على رجل الضابطة العدلية عندما يصل إلى مسرح الجريمة، أن يتبع في ضبط المعلومات الرقمية الإجراءات التالية :

    • تأمين مسرح الجريمة الرقمية من العبث، إذ يجب عزل الحواسيب عن الشبكة، لتجنب إجراء أي تغيير على الأدلة الرقمية من قبل الغير. كما يجب رفع البصمات عن الأجهزة لمقارنتها فيما بعد ببصمة المشتبه به.
    • حجز الحاسوب أو القرص الصلب، وجميع الحاويات المادية والذواكر، كالسواقات والأقراص الممغنطة.
    • وضع ملصقات على الأشياء المضبوطة، وتوثيقها وتغليفها، وتحضيرها لنقلها بالحالة التي كانت عليها إلى مكان الاختبار والفحص.
    • تحرير محضر بعد إجراء عملية الفحص، يتضمن ذكر جميع الإجراءات السابقة، والنتائج التي تم التوصل إليها بنتيجة الفحص.

    وبناء على ذلك، فإن ضبط الأدلة الرقمية يجب أن يتناسب مع ماهيتها، بحيث ينصب الضبط على جميع الأجهزة والأدوات التي تم تخزين المعلومات فيها، لأن ضبط المعلومات والبيانات لا يمكن أن يتم بمعزل عن وسائط التخزين.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1