الوسم: افضل محامي

  •  جناية السطو على المساكن – المادة 622 عقوبات

    لا بد لقيام هذه الصورة من اجتماع خمسة شروط تشديد أوجبها النص صراحة بقوله:

    “يستوجب عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من خمس عشرة إلى عشرين سنة السرقة التي تقع مستجمعة الأحوال التالية:

     1- ليلاً

     2- بفعل شخصين أو أكثر

     3- الدخول إلى مكان لسكنى الناس أو ملحقاته، بواسطة الخلع أو استعمال مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة، أو بانتحال صفة موظف أو بارتداء زيه أو شاراته، أو التذرع بأمر من السلطة.

    4- أن يكون السارقون مقنعين، أو أن يكون أحدهم حاملاً سلاح ظاهرة أو مخبأ..

     5- أن يهدد السارقون أو أحدهم بالسلاح، أو يتوسل بأحد ضروب العنف على الأشخاص، إما لتهيئة الجناية أو لتسهيلها وإما لتأمين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المسروق”.

    الملاحظ في هذا النص أن هذه الجناية قد اجتمع فيها أغلب الظروف المشددة للسرقة، فكل طرف على حدة يكفي التشديد عقوبة السرقة، ومنها ما يجعلها جناية.

     فإذا اجتمعت على النحو الذي حدده المشرع فلا شك في أن السرقة تبلغ بذلك أقصى الخطورة وتكون جديرة بأشد العقوبات المقررة للسرقة.

     ولا ريب أن السطو على المساكن يرتكب من عصابات خطرة لا يتورع أفرادها عن استخدام أخطر الوسائل لتحقيق ماربهم. لهذا كان لا بد من الضرب بشدة على أيدي مرتكبيها، يجعل العقوبة أشد من عقوبة جريمة القتل العادية، أو مساوية لها على الأقل.

    ولقد سبق لنا تحديد المقصود بالظرف الأول والثاني و الرابع في معرض شرح ظروف التشديد الجنحي.

     أما الظرف الثالث، فلقد سبق لنا أيضا تحديد مدلول المسكن و ملحقاته، لذلك سنقصر الشرح على طريقة أو وسيلة دخول المسكن وملحقاته، ثم نتصدى للظرف الأخير الذي لم يسبق لنا تحديد مدلوله.

    1- وسيلة دخول المسكن وملحقاته.

    أشرنا سابقاً إلى أن المسكن هو المكان المسكون والمكان المعد للسكن.

    والمكان المسكون هو المكان المستخدم فعلا للسكن وإن لم يكن منزلاً أصلاً.

    أما المكان المعد للسكن فهو المكان المسكون فعلاً ولكن صاحبه لا يقيم فيه إلا مؤقتاً.

     وتأخذ ملحقات المسكن حكمه في التشديد.

     ولقد حدد النص، لتوافر ظرف التشديد، أن يتم دخول المسكن بإحدى وسيلتين:

     إما بالخلع أو باستخدام مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة.

     وإما بانتحال صفة رسمية كاذبة.

     الوسيلة الأولى:

    الخلع – المفاتيح المصنعة – الأدوات المخصوصة.

    – الخلع يتمثل بكل عمل عنيف يلجأ إليه السارق لإزالة حاجز يحول بينه وبين الدخول إلى المسكن.

     فهو وسيلة من وسائل العنف لفتح مدخل مغلق.

    والخلع لا يقتصر على مفهومه اللغوي المحدد بل هو يشمل كل وسيلة عنيفة تحقق اللسارق غايته، كالكسر والقطع والتحطيم والهدم والثقب .

     أما التسلق فلا يدخل ضمن مفهوم الخلع لانعدام خاصية العنف فيه.

     فالتسلق هو اجتياز المحيط الخارجي للمسكن من غير منافذه الطبيعية وبدون استخدام العنف، كتسلق السور أو تسلق شجرة أو ماسورة أو شرفة أو استعمال سلم.

     والخلع كما أسلفنا يشمل الكسر والثقب والقطع والتحطيم والهدم.

    لذلك يعتبر خلعاً إحداث ثقب بالجدار، تحطيم زجاج النافذة ،کسر قفل الباب.

     بالتالي إذا لم يستخدم السارق بدخوله المسكن العنف فإن فعله لا يعد خلع ولو كان دخوله المكان بغير حق، كما لو مد يده من فتحة الباب فرفع مزلاج الباب ودخل.

    وسیان لتوفر ظرف تشديد الخلع أن يكون خارجياً أو داخلياً .

     فخلع باب غرفة داخلية أو خلع نافذة أو كسر زجاجها أو كسر خزانة يستوي مع خلع الباب الرئيسي للمسكن.

     وتطبيقاً لذلك يتحقق الظرف المشدد بفعل من دخل المسكن بغیر خلع ثم كسر الخزنة وسرق ما تحتويه من مال.

    كما يتحقق الظرف المشدد بفعل نزيل الفندق الذي يكسر باب غرفة نزيل أخر ويسرق ماله.

    وسيان أيضا أن يقع الخلع بقصد دخول المسكن أو أن يقع لتسهيل خروج السارق بالمسروقات، لأن سرقة المساكن لا تتم إلا بمغادرة المسكن .

    والخلع المقصود بالنص كظرف مشدد هو الخلع الخارجي أو الداخلي مع استخدام العنف لتحطيم عقبة بقصد الدخول لتنفيذ السرقة، فالفعل المرتكب لتمكين السارق من المغادرة بالمسروقات هو فعل يرتكب في سبيل تنفيذ السرقة.

     – أما المفاتيح المصنعة فمدلولها اللغوي يعني استخدام أي مفتاح أخر غير المفتاح الحقيقي المستعمل فعلاً في الفتح.

     إلا أن الفقه والاجتهاد القضائي يعطي مفهوماً أوسع لمدلول المفتاح المصنع.

     لذلك يعتبر مفتاحاً مصنعاً يطبق عليه التشديد:

     1- المفتاح المقلد، أي المفتاح الذي يصنعه السارق تقليدا للمفتاح الأصلي.

    2- المفتاح الخاص بمكان أخر إذا اكتشف السارق صلاحيته لفتح المسكن المراد سرقته.

     3- النسخة الثانية أو الثالثة للمفتاح الأصلي .

    4- المفتاح الأصلي ذاته إذا ضاع أو سرق من صاحبه ولم يقم باستبداله، بل تابع استخدام نسخة ثانية عنه.

    لأن المفتاح الأصلي يكون في هذه الفرضية قد فقد تخصیصه الأصلي وأصبح هو المفتاح الثاني، فيعتبر بمثابة المصنع.

    أما إذا استبدله صاحبه، واستخدم السارق المفتاح الذي لديه للسرقة، فالظرف المشدد يعتبر متوافرة من باب أولى.

     5- الحصول بطريقة غير مشروعة على رمز فتح الباب الكترونية، أو على أرقامه السرية، في الأبواب التي لا يستخدم فيها مفاتيح تقليدية.

     وقد اعتبرت محكمة النقض السورية أنه يعد استعمالاً لمفتاح مصنع:

     6- استيلاء المدعى عليه بالحيلة على المفتاح الأصلي و عمل نسخة عنه و استعماله في السرقة .

     7- سرقة المفتاح الأصلي من صاحبه و استعماله في السرقة .

    8 – احتفاظ الخادم أو العامل بالمفتاح بعد تركه العمل واستخدامه في السرقة .

     وقد اعتبرت محكمة النقض بالمقابل أن صفة المفتاح المصنع تنتفي، وينتفي التشديد تبعا لذلك، في حالة وجود المفتاح الأصلي في حوزة المدعى عليه بصورة مشروعة، أي أن صاحب المسكن قد سلمه إياه ليدخل بيته بغيابه، فقام المدعى عليه في السرقة من داخل هذا المسكن .

    – أما الأدوات المخصوصة التي يستخدمها السارق لفتح الأبواب فيقصد بها أي أداة مخصصة من حيث صناعتها الفتح الأبواب، واستخدمها السارق لذات الغرض. كالكماشة والبينسة و الشريط الحديدي والعصا المعقوفة وما إلى ذلك.

    ويستوي أخيراً لقيام ظرف التشديد أن يستخدم المفتاح المصنع أو الأداة المخصوصة في فتح الباب الرئيسي أو الأبواب الداخلية.

     كما يستوي أن يستخدم المفتاح المصنع أو الأداة المخصوصة لتسهيل الدخول للمسكن أو لتسهيل الخروج منه بالمسروقات.

     فالمهم في ذلك أن يستخدم المفتاح أو الأداة المخصوصة بقصد السرقة .

    الوسيلة الثانية: استخدام صفة رسمية كاذبة.

    قد لا يلجأ السارقون في دخول المسكن المراد سرقته إلى الخلع أو إلى استعمال مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة، بل قد يلجئون إلى الحيلة والخداع في ذلك، بانتحال صفة موظف أو ارتداء زبه أو شار اته أو التذرع بأمر من السلطة لدخول المسكن.

     مستغلين بذلك ثقة الناس في رجال السلطة العامة، والطاعة التي يعدون أنفسهم ملزمين بها إزاءهم، ومعتدين بذات الوقت على هيبة الدولة باستغلالهم للثقة المرتبطة بموظفيها لارتكاب جريمتهم  وتتمثل هذه الوسيلة بقيام أحد السارقين، مثلا، بالادعاء أما صاحب السكن بأنه ضابط شرطة، وبأن من بصحبته هم عناصره.

     وقد لا يدعي السارق بصفته المزعومة بالقول، بل قد يقتصر الأمر على الظهور بمظهر الضابط بارتداء زيه أو شاراته الخاصة.

     ويشترط في الوظيفة المزعومة أن تتصل بوظيفة عامة، فلا يكفي انتحال صفة موظف في شركة مثلا، لأن هذه الوظيفة لا تولد ذات الثقة المنبثقة عن الوظيفة العامة، ولا يعتبر المواطن نفسه ملزمة بطاعة موظفيها، بالتالي لا يترتب عليها تبعا لذلك تسهیل ارتكاب السرقة.

     ولا يشترط في الوظيفة العامة المزعومة أن تكون من الوظائف السلطوية، ذات الرتب، كالشرطة والجيش، بل يكفي أن تكون من الوظائف التي توحي بالثقة بموظفيها، أو التي ينصاع الناس لأوامر السلطة فيها، كموظفي الإطفاء، أو الإحصاء أو المساحة أو الكهرباء أو الكادر الطبي وما إلى ذلك.

    أما التذرع بأمر السلطة فيتمثل في إدعاء السارق أنه يعتمد على أمر صادر له من السلطة يخوله دخول المسكن للقيام بإجراء رسمي كالتفتيش أو القبض أو إحصاء عدد السكان أو تلقيحهم من وباء مزعوم.

     وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يستوي في تحقق هذا الظرف المشدد أن يصدق صاحب المسكن هذه الصفة المزعومة أو لا يصدقها.

     فيكفي لذلك الادعاء بهذه الصفة أو الظهور بمظهرها أو التذرع بأمر السلطة لتحقق هذا الظرف المشدد، وليضاف إلى غيره من الظروف المكونة لجناية السطو على المساكن.

    2- التهديد بالسلاح أو استخدام العنف.

    إن التهديد بالسلاح أو استخدام العنف في السرقة يضعف مقاومة المجني عليه ويسهل ارتكابها.

     و هذا الظرف المشدد هو الظرف الخامس الواجب توافره، إضافة للظروف الأربعة السابق ذكرها، لقيام جناية السطو على المساكن.

    ويتمثل هذا الظرف بتهديد السارقين أو أحدهم بالسلاح، أو يتوسل بأحد ضروب العنف على الأشخاص، إما لتهيئة الجناية أو لتسهيلها وإما لتأمين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المسروق”.

    ولهذا الظرف المشدد صورتان ذكرهما النص: التهديد بالسلاح واستخدام العنف.

    الصورة الأولى – التهديد بالسلاح.

    يتمثل التهديد بالسلاح بقيام المهدد بالإنذار أو الوعيد الجدي للمجني عليه في السرقة أو غيره باستخدام السلاح ضده إذا قاوم تنفيذ السرقة.

     ويستوي في السلاح أن يكون سلاحاً بطبيعته أو سلاح بالتخصيص.

     كما يستوي أن يكون هذا  السلاح حقيقية أو زائفا، مادام أثر التهديد به على المجني عليه واحد، وهو دب الرعب في أوصاله ومنعه من إبداء أية مقاومة.

     ويستوي أن يتجسد التهديد بالقول أو بالفعل.

     فقد يأمر السارق المجني عليه بتسليم المال، أو بتسليم مفتاح الخزنة وإلا سيقتله، أو يشهر المسدس في وجهه، أو يقوم بتلقيمه أمامه.

    والتهديد بهذا المعنى يقتضي اتخاذ المهدد لموقف إيجابي يفصح عن عزمه.

     أما مجرد حمل السلاح، ولو كان ظاهرا، فلا يحمل في ذاته هذا المعنى.

     ولذلك اعتبر المشرع كل منهما ظرفاً مستقلاً لقيام جناية السطو على المساكن.

     ولكي يعتبر التهديد ظرفاً مشدداً للسرقة لا بد أن يكون الغرض منه تهيئة السرقة أو تسهیل ارتكابها أو تأمين هرب فاعليها أو الاستيلاء على المسروقات.

     فقد يلجأ أحد السارقين للتهديد بالسلاح ليمهد للسرقة بمنع الحارس من التدخل وحجزه في مكان ما ليستطيع السارقون الدخول للمسكن المراد سرقته.

     أما التهديد للتسهيل أو الهرب أو الاستيلاء، فالغاية منه إزالة ما يعترض تنفيذ السرقة من عقبات، كتهديد المجني عليه الذي ظهر فجأة للسارقين في المسكن، أو إذا حاول منع السارقين من الخروج بالمال خارج المسكن، أو لمنعه من اللحاق بهم عند فرارهم.

    أما التهديد الواقع لغير قصد السرقة فلا يشمله التشديد. كما لو هدد أحد السارقين أنثى في المسكن ليغتصبها، ثم استولى على خاتم ذهبي في يدها بعد اغتصابها، أو حالة مصادفة المجني عليه لأحد السارقين بعد مرور زمن على السرقة، ومحاولته الإمساك به، وقيام السارق بتهديده بعدم الاقتراب منه.

    الصورة الثانية – استعمال العنف

    هذه الصورة تتمثل بالإقدام على استخدام العنف بقصد السرقة.

     وهي تمثل أعلى درجات الخطورة الانطوائها على اعتداء على شخص الإنسان إضافة للاعتداء على ماله.

     والمشرع لم يحدد مدلول العنف المشدد لجريمة السرقة.

    وقد عرفته محكمة النقض السورية بأنه

    “كل عمل يعطل مقاومة المعتدى عليه ولو لم يترك أثرا ظاهرأ فيه… .  والعنف يشمل كل أنواع الشدة وضروب الأذي والتعذيب...

     يتضح من هذا التعريف أن العنف هو عبارة عن عمل مادي موجه مباشرة إلى جسم إنسان بقصد إضعاف مقاومته للتمكن من السرقة.

     ولا يشترط في هذا العنف أن يكون شديدا، أو يهدد الإنسان في حياته، أو يلحق به أذى، فأي درجة من العنف تكفي ولو لم تترك أثرا ظاهرا على المجنى عليه.

    وعلى ذلك يعد عنفاً ضرب المجني عليه أو دفعه أو إلقاءه على الأرض أو الإمساك به لتعطيل مقاومته .

    ويشترط لاعتبار العنف ظرفاً مشدداً أن يمارس بقصد السرقة، إما تمهيداً لها كضرب الحارس أو كم فمه أو الإمساك به وحجزه أو شد وثاقه کی يتمكن بقية السارقين من الدخول للمنزل المراد سرقته.

    وإما للتسهيل أو الهرب أو الاستيلاء حيث تكون الغاية من العنف إزالة ما يعترض تنفيذ السرقة من عقبات وما قلناه  في التهديد يصلح في العنف.

    وشرط اعتبار العنف ظرفاً للتشديد يقتضي أن يرتبط العنف بالسرقة ارتباط ” السبب بالمسيب أو العلة بالمعلول… أو ارتباط الوسيلة بالغاية.

     فإذا تخلف هذا الارتباط، بأن ارتكب العنف لغير قصد السرقة فلا محل لتوافر ظرف التشديد عندئذ.

     كما لو مارس أحد السارقين العنف على أنثي بقصد اغتصابها ثم استولى على ما ترتديه من مجوهرات عرضاً، أو اعتدى السارق بالضرب على شريكه في السرقة بغرض الاستئثار بالشيء المسروق، أو ضربه لخلافهما على طريقة توزيع المسروقات، أو اعتدى أحد السارقين بالضرب على المجني عليه لمجرد الاستهزاء به بعد الاستيلاء على ماله، أو رداً على شتيمة وجهها له المجني عليه.

     ففي هذه الحالات ينقطع الارتباط بين العنف والسرقة، وينتفي ظرف التشديد، ويعتبر العنف جرمأ مستقلا عن السرقة.

    – عند توافر ظرف التهديد أو العنف بقصد ارتكاب السرقة، بالمعنى السالف بيانه، وانضمامه إلى الظروف الأربعة الأخرى التي ذكرتها المادة 622، تقوم جناية السطو على المساكن، ويعاقب فاعلوها بالأشغال الشاقة المؤبدة، وللمحكمة، حسب ظروف الحال، صلاحية استبدال هذه العقوبة بالأشغال الشاقة المؤقتة من خمس عشرة إلى عشرين سنة.

  • السرقة التي يقوم بها العسكري

    ورد ظرف تشدید عقاب سرقة العسكري من مضيفه في الفقرة الأخيرة (د) من المادة 628 بقولها أن يكون السارق عسكرياً أو شبيهه و يسرق من أنزله عنده”.

    ولهذا الظرف المشدد أصل تاريخي حين كان العرف القديم جارياً بنزول العسكريين ضيوفاً لدى سكان المناطق التي يمرون بها أو يعسكرون فيها، فيلتزم المضيف بتقديم المأوى والمأكل والمشرب لضيوفه العسكريين.

    ومن الطبيعي تشدید عقاب العسكري الذي يخل بثقة المضيف فيقدم على سرقته.

     وبرأينا أن هذا الظرف لم يعد له ما يبرر وجوده في القانون نظرا لزوال العرف الذي كان يجري به.

     وهذا ما يتطلب تدخلا تشريعية بإلغاء الفقرة الأخيرة من المادة 628.

     بيد أن استمرار وجود هذا النص يدفعنا إلى تحليله.

    فلتوافر ظرف التشديد الوارد به يتطلب القانون توفر شرطين: صفة في السارق وصفة في المجني عليه.

    فالسارق يجب أن يكون أحد أفراد القوات المسلحة، برية أم بحرية أم جوية، أيا كان رتبته.

    أما كلمة “شبيهه” الواردة في النص فتعني الأشخاص غير العسكريين الملحقين بخدمة الجيش، كالأطباء والمهندسين والإداريين التابعين له.

    أما صفة المجني عليه، فهو الشخص الذي استضاف العسكري في منزله، أيا كانت صفته، عسكرياً كان أو مدنياً.

    ظرف التشديد يتوفر بمجرد استضافة هذا الشخص لأحد أفراد القوات المسلحة، أو شبيهه، في منزله، فيقدم العسكري على السرقة من منزل مضيفه.

  • السرقة نهارة مع تعدد السارقين من مسكن أو معبد

    لا بد في هذه الصورة أن يتوفر ظرفي التعدد والمكان

    فظرف التشديد هنا مناطه قيام اثنين فأكثر بسرقة مسكن أو معبد أثناء النهار.

     ولقد سبق لنا تفصيل مدلولات التعدد والمسكن و المعبد.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أن المسكن أو المعبد لا يشكل ظرفا مشددة بذاته، بل لا بد أن يقوم إلى جانبه ظرف مشدد أخر، هو الليل أو تعدد السارقين.

     أما لو تمت السرقة من شخص واحد نهاراً فلا تشديد في هذه الحالة، وهو أمر منتقد، لأن علة التشديد هي حرمة المسكن ومكان العبادة، ولا فرق بين أن يقوم بها سارق واحد أو أكثر.

    بالتالي فإن خطة المشرع لم تكن موفقة بهذا الخصوص، فكان أولى بالمشرع أن يراعي بالتشديد حرمة هذه الأماكن بغض النظر عن ظرف الليل أو التعدد.

    و بتوظيف الرياضيات في ظرف التشديد هذا نخلص إلى المعادلة التالية:

     السرقة نهارة + تعدد السارقين + مسكن أو معبد = سرقة مشددة عقابها الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة.

  •  السرقة ليلاً من شخص واحد في مسكن أو معبد

     هذه الحالة تفترض توفر ظرفي تشديد، أحدهما زماني وهو الليل، والأخر مكاني، وهو المسكن أو المعبد، بشرط أن يكون السارق شخصاً واحداً.

     والظرف الزماني، أي الليل، تم سبق شرحه.

     أما الظرف المكاني فيجب أن تقع السرقة  إما في مكان سكنى الناس أو في معبد”.

    والحكمة من تشدید عقاب السرقة الواقعة في هذين المكانين تتمثل في انتهاك حرمة المسكن أو المعبد، والاعتداء على حق الملكية، إضافة إلى أن المجني عليه فيهما لا يتوقع في المجرى العادي للأمور أن يتعرض لاعتداء، كونه يخلد لراحته في منزله، أو يخشع لربه أثناء صلاته، أو لكون المعبد يتمتع بقدسية خاصة، لذلك فهو يتخلى عن وسائل الحيطة التي يتخذها عادة عند تواجده في غير هذه الأماكن، مما يسهل على السارق ارتكاب جريمته، ومما يعكس أيضا خطورة المجرم الذي يدخل المسكن أو المعبد وهو يتوقع أن يلقى مقاومة، فيضمر في نفسه إحباطها وردها بالعنف عند اللزوم.

    – مكان سكنى الناس.

    إن عبارة “مكان سكنى الناس” الواردة في النص غير واضحة المدلول.

     فهل تعني المكان المسكون فعلا، أو المعد للسكن أو المستخدم للسكن أو المخصص للسكن؟

     إن الترجمة الدقيقة المقابلة لعبارة مكان سكنى الناس في الأصل الفرنسي تعني مكان يستخدم للسكن “.

    وهذه العبارة تعطي دلالة واسعة بحيث تشمل المكان المسكون و المكان المعد للسكن.

    – والمكان المسكون هو المكان المستعمل بالفعل للسكن، أي للإقامة ليلا أو نهارا، لمدة طويلة أو قصيرة، سواء كان معد أصلا ليكون مسكناً، كالبيت والفندق  والملجئ و المستشفى، أو لم يكن معداً لذلك ابتداء ولكنه استخدم فعلا للسكن، كالمصنع أو المدرسة أو المحل التجاري، حين يقيم فيه حارساً أو بواباً، أي يتخذ فيه مكاناً لسكنه بمفرده أو مع أفراد عائلته.

     أما إذا كانت هذه الأماكن غير مسكونة إطلاقاً من حارس أو بواب، فلا تعتبر مسكناً بالمعنى المطلوب للتشديد .

    والمقصود بالسكن الإقامة، أي تخصيص المكان لمظاهر الحياة التي يحرص فيها الإنسان على أن يكون في عزلة حين يباشرها، كالخلود للراحة والنوم، والاستحمام وقضاء حاجاته الخاصة.

    ولا يشترط في المكان المسكون شكل معين، فقد يكون ثابتاً، کمنزل، أو متحركاً، كعربة أو زورق، وقد يكون كوخاً أو خيمة، أو غرفة في فندق.

    إذا ما يهم في اعتبار المكان المسكون ليس صفته أو شكله، بل تخصيصه فعلا للسكن، باتخاذه مقرا يخلد إليه الإنسان للراحة والنوم وقضاء حاجاته، حتى ولو كان المكان مؤسسة عامة أو خاصة يرتادها الناس بكثرة ثم ينصرفون، فما دام يقيم فيها حارس أو بواب فهي تأخذ حكم المسكن إذا تعرضت للسرقة.

    – أما المكان المعد للسكن، فهو المكان المهيأ للسكن ولكن صاحبه لا يقيم فيه إلا مؤقتا، کمنزل في مصيف أو في مشتی، أو شاليه على البحر، فتشدد عقوبة سارق هذا المكان ولو في غيبة مالكه.

    وتشديد العقاب لا يقتصر على السرقة التي ترتكب في المكان المسكون أو المعد للسكن بل يشمل أيضا ملحقات المكان المخصصة لمنفعته ومتصلة به مباشرة، كالحديقة و المستودع و المرآب .

     ويستوي في تشديد عقاب سرقة الأماكن المسكونة أو المعدة للسكن أو ملحقاتها أن يكون السارق غريباً عن المسكن أو واحداً ممن يقيمون فيه كخادم أو ضيف .

    بل أن التشديد يتحقق إذا كان صاحب البيت هو مرتكب السرقة، كما لو سرق مال ضيفه أو خادمه.

     فالتشديد يعتمد على مكان السرقة فحسب، فكل من يوجد فيه ويتعرض للسرقة يجب أن يكون له نصيبا في التمتع بحرمة المسكن.

    – المعبد

    المعبد هو كل مكان مخصص لإقامة شعائر دين من الأديان التي تقرها الدولة. ويستوي في الحماية المعبد المفتوح للجمهور والمعبد الخاص، كالمعابد الملحقة بدور التعليم أو المستشفيات.

     ويستوي أن تقع السرقة على مال من أموال المعبد نفسه، كسرقة أحد محتوياته، أو أن تقع السرقة على مال أحد الموجودين فيه.

     ويستوي كذلك أن يكون السارق غريباً عن مكان العبادة أو أحد العاملين فيه.

    ولا عبرة بدين المجني عليه ولا بسبب وجوده في المكان.

    فقد يكون أحد المصلين في جامع أو كنيسة، وقد يكون من دين أخر ويتواجد في المعبد لغير العبادة.

    ولهذا تشدد عقوبة السرقة إذا ارتكبت في مسجد أثري، كالجامع الأموي مثلا، على سائح أجنبي غیر مسلم، وكان وجوده في الجامع للزيارة أو للدراسة.

    فلدور العبادة قدسية وحرمة يجب أن لا تدنس بارتكاب السرقات فيها.

    و بتوظيف الرياضيات في ظرف التشديد هذا نخلص إلى المعادلة التالية:

     السارق واحد + الليل + مسكن أو مكان عبادة = سرقة مشددة عقابها الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة.

  • هل يعاقب القانون على الشروع في جريمة الايذاء القصود؟

    هل يعاقب على الشروع في جرائم الإيذاء المقصود؟

     إن القواعد العامة في التشريع السوري تقضي بالعقاب على الشروع في الجنايات إطلاقا. أما الجنح فلا عقاب على الشروع فيها إلا بنص.

     ولا عقاب على الشروع في المخالفات إطلاقا.

    وباعتبار أن جرائم الإيذاء منها ما هو جنحي الوصف، وهي المستندة على معيار التعطيل عن العمل.

     ومنها ما هو جنائي الوصف وهي: الإيذاء المفضي إلى الموت، أو العامة الدائمة، أو إجهاض حامل مع العلم بحملها . ولم ينص المشرع صراحة على عقاب الشروع في جنح الإيذاء المقصود فلا مجال لبحث هذه المسألة بشأنها.

    أما جنايات الإيذاء المقصود فيرى بعض الفقه، أنه لا عقاب على الشروع فيها لأنه لا يتصور فيها الشروع أصلا.

     وحجتهم أن جنايات الإيذاء هي جرائم ذات نتائج تجاوز قصد الفاعل، أي متعدية القصد، فلا يتصور وفق القواعد العامة الشروع فيها.

     فجرائم الإيذاء لا تتحدد طبيعتها إلا إذا وقعت النتيجة فعلا، فإذا لم تقع فلا يمكن عقلا

     

    أن يسأل الفاعل عن شروع.

     فلو هم شخص بضرب خصمه بعصا ، فتدخل شخص أخر حال دون إصابة الخصم، فما هو الأساس الذي يمكن أن توصف بموجبه هذه الواقعة بالشروع؟

    فهذه الضربة لو أصابت الخصم، كان يمكن أن تؤدي إلى تعطيل عن العمل مدة أقل أو أكثر من عشرة أيام، أو إلى الوفاة، أو إلى إحداث عاهة دائمة.

     فمن الواضح أنه ما دام لا يمكن تحديد طبيعة الجريمة فلا يمكن القول بوجود شروع. والنتيجة الجرمية هي التي تحدد طبيعة هذه الجريمة، واستنادا إليها يكون العقاب.

     وإذا عدنا إلى قاعدة العقاب على الشروع في الجنايات إطلاقا، فيجب التحقق ذلك أن تتوفر أركان الشروع.

     فالشروع يفترض أن تتجه إرادة الفاعل إلى تحقيق نتيجة معينة، ويبدأ بالتنفيذ لتحقيق هذه النتيجة، فيتدخل ظرف خارجي يحول دون ذلك.

    وجرائم الإيذاء تفترض أن الفاعل أراد من فعله تحقيق نتيجة معينة، ولكن حدثت نتيجة أشد جسامة لم يكن يقصدها.

    فمن الطبيعي أن يكون الشروع غير متصور بالنسبة للنتيجة الجسيمة، لأن القصد لم يتجه إليها بالأصل، و هذا يعني انتفاء أحد أركان الشروع.

    وباعتبار أنه يوجد في القانون السوري ثلاث حالات للإيذاء الجنائي، وهي:

    الإيذاء المفضي إلى الموت، وإلى إحداث عاهة دائمة، وإلى إجهاض حامل مع العلم بحملها. يمكننا أن نستخلص أن بعضها لا يتصور فيه الشروع وبعضها الآخر يتصور الشروع فيه.

    فالإيذاء المفضي إلى الموت أو إلى الإجهاض مع العلم بالحمل لا يمكن تصور الشروع فيهما لأن النصوص فيها تعاقب من أجل حصول نتيجة جرمية معينة، الموت أو إسقاط الحمل، ويشترط أن لا يكون الفاعل قد قصد إحداث هذه النتيجة، وبالتالي لا شروع لاستحالة توافر شروطه القانونية.

    أما جناية الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة فيتصور الشروع فيها عندما يتوافر لدى الفاعل قصد إحداث العاهة، ويبدأ بالتنفيذ، ولا تحصل النتيجة لأسباب خارجة عن إرادته.

    وتطبيقا لذلك إذا هم أحد الأشخاص بفقء عين خصمه أو قطع ذراعه أو أذنه أو عضوه التناسلي، ثم تدخل شخص أخر وحال دون تحقيق النتيجة التي كان الفاعل يرغب في تحقيقها، يمكن ملاحقة هذا الشخص کشارع في جناية الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة ومعاقبته استنادا لذلك.

  • جريمة القتل لدفع سرقة المنزل نهار

    جريمة القتل لدفع سرقة المنزل نهار

    جاء النص على هذا العذر في المادة 549 من قانون العقوبات في فقرتها الثانية في معرض تقرير سبب التبرير الخاص بدفع الدخول إلى المنازل ليلا.

     “1- تعد الأفعال الآتية من قبيل الدفاع عن النفس:

     أ- ……………………..

     ب- الفعل المقترف عند دفع شخص دخل أو حاول الدخول ليلا إلى منزل أهل أو إلى ملحقاته الملاصقة بتسلق السياجات أو الجدران أو المداخل أو ثقبها أو كسرها أو باستعمال مفاتيح مقلدة أو أدوات خاصة.

    وإذا وقع الفعل نهار، فلا يستفيد الفاعل إلا من العذر المخفف عملا بالمادة 241″.

     

     بتحليل هذا النص نلاحظ أن المشرع اعتبر دفع الدخول إلى المنازل، بالقتل أو الإيذاء، سبباً مبرر إذا وقع الفعل ليلاً، وعذرا مخففا إذا وقع الفعل في النهار.

     فمن يرد بالقتل على من يدخل أو يحاول الدخول إلى منزله أو منزل غيره، لا عقاب عليه ولا مسئولية، إذا توفرت الشروط التالية:

     1- أن يكون المجني عليه قد دخل أو حاول الدخول إلى منزل مسكون فعلا، أو إلى حديقته أو مستودعه أو كراجه.

     2- أن يقوم المجني عليه بالتسلق خارجياً أو داخلياً، أو بثقب أو بكسر الأبواب أو السياجات أو الجدران، أو باستعمال مفاتيح مقلدة أو أدوات خاصة كالمطرقة أو المفك أو البينسة أو غيرها.

     3- أن يتم الفعل ليلاً أي بين غروب الشمس وشروقها.

    وتجدر الإشارة إلى أن حصول هذه الواقعة نهاراً لا تعني بشكل مطلق أن القاتل لا يستفيد إلا من عذر مخفف، بل قد يستفيد من سبب تبرير إذا استطاع إثبات أن إقدامه على القتل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق ولا مثار عن النفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه، وهو سبب التبرير الوارد في المادة 183 من قانون العقوبات.

     فإذا ثبت ذلك اعتبر القاتل في حالة دفاع مشروع ولو كانت الواقعة قد حصلت نهار .

  • جريمة القتل دفاعاً عن العرض والشرف في القانون السوري

    القتل دفاعاً عن العرض أو الشرف

    أورد المشرع السوري في المادة 548 من قانون العقوبات حكما يعفي بموجبه مرتكب القتل أو الإيذاء من العقاب، أو يخفف عقابه فقط، عند إقدامه على الفعل مدفوعاً بعامل العرض أو الشرف.

    وهذا العذر المحل او المخفف يعتبر انعكاساً لتقاليدنا الاجتماعية الموروثة منذ القدم، تلك التقاليد التي يستغلها البعض، أحياناً، ويسيء استخدامها مستفيداً من الرخصة القانونية بالقتل التي منحها المشرع في المادة 548، ليمارس سطوة الذكر على الأنثى التي لم تعد تأتلف مع التطور الاجتماعي والاقتصادي والعلمي الذي بلغه المجتمع، بمساواة الأنثى مع الذكر في الحياة العامة.

    وكثيرا ما نسمع عن إقدام أخ على قتل أخته أو أب على قتل ابنته لمجرد خروجها مع شاب غريب، أو زواجها به دون موافقتهما، أو لمجرد نشوء علاقة حب بريئة ونبيلة بينهما، مستغلين استغلالاً سيئاً لعادات المجتمع وأخلاقه ومثله وحرصه في المحافظة على الشرف والعرض.

    أما نص المادة 548 فجاء كما يلي:

     “1- يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل او إيذاء احدهما بغير عمد.

     2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع أخر”.

    بتحليل هذا النص نستخلص النقاط التالية:

     – إن الحكمة والأساس الذي يقوم عليه العذر الوارد فيه هو الاستفزاز العنيف الذي يبعث الإثارة في نفس الفاعل،  ويفقده أعصابه وحرية تفكيره.

    فهذه الحالة التي يوجد فيها مرتكب الفعل عند مفاجأته لزوجته أو قريبته في وضع حساس يثير في نفسه الغضب الشديد والاستفزاز نتيجة هذا المشهد الذي لم يتوقعه فيقدم على فعل القتل تحت تأثير الغضب و هول المفاجأة التي سيطرت على نفسه فأنقصت من قوة إرادته وحرية اختياره أو أعدمتهما، وهذا ما ينقص من مسئوليته الجزائية التي تقوم أصلاً على الإدراك وحرية الاختيار.

    – تطلب المشرع للاستفادة من العذر شروطاً خاصة بأطراف العذر تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه أو الصفات التي يجب توافرها فيهما.

    كما تطلب شروط خاصة بالواقعة التي أدت إلى ارتكاب القتل، الجرم المشهود أو الوضع المريب، وبظروف الحادثة من حيث توفر عنصر المفاجأة.

    أولا- الشروط المتعلقة بأطراف العذر.

    هذه الشروط تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه، ومدى أهمية وجود هذه العلاقة في الحكمة من تطبيق العذر.

     فنص المادة 548 اشترط وجود علاقة الزوجية أو رابطة القرابة بين أطراف العذر، وقام بتحديد الأشخاص المستفيدين من العذر وشخص المجني عليه بصورة حصرية لا يمكن التوسع فيها، ولا القياس عليها.

    1- علاقة الزوجية.

     عرف قانون الأحوال الشخصية في مادته الأولى الزواج بأنه

    “عقد بين رجل وامرأة تحل له شرع غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل”.

     وهذا النص هو المرجع في تحديد الصفة الزوجية بالنسبة للسوريين المسلمين وغير المسلمين .

    وهذا الزواج هو ما تشترط المادة 548 قيامه، أي الزواج الشرعي الذي استوفي كافة أركان انعقاده.

     أما العلاقة التي تقوم بين رجل وامرأة دون عقد زواج (concobinage، المساكنة)، فلا يستفيد بموجبها الجاني من العذر حتى ولو تجسدت هذه العلاقة بالاتصال الجنسي والعيش المشترك وإنجاب الأطفال، طالما أن هذه العلاقة غير شرعية.

     والعشيق الذي يفاجأ عشيقته في صلات جنسية مع شخص أخر فيقدم على قتلها أو إيذائها لا يستفيد من هذا العذر.

    والعلاقة الزوجية هي من العلاقات المؤقتة التي تبدأ في وقت محدد (بالعقد)، وتنتهي في وقت محدد أيضا، بالطلاق البائن أو الفسخ أو الموت.

    ولا يستفيد الشخص من العذر الوارد في المادة 548 إلا أثناء قيام العلاقة الزوجية، لا قبلها ولا بعدها.

     والطلاق الرجعي لا ينهي العلاقة الزوجية ما دامت عدته لم تنتهي، فالزوج يستفيد من العذر إذا قتل مطلقته رجعية إذا فاجأها بالأوضاع السابقة خلال فترة العدة .

    والواضح من نص المادة المذكورة أنها تشمل كلا طرفي العلاقة الزوجية  (الزوج والزوجة ) في الاستفادة من العذر الوارد بها، إذا أقدم أحدهما على قتل أو إيذاء الأخر حال مفاجأته بجرم الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.

     فباستخدامه لعبارة ” من فاجأ زوجه ” التي تفيد معنى الزوج والزوجة على حد سواء يقطع الجدل القائم على أن هذا الحق هو للزوج فقط دون الزوجة.

    لا سيما وأن عبارة زوجه هي ترجمة من الأصل الفرنسي لعبارة “conjoint” التي تفيد معنى الذكر والأنثى، ولا تقتصر على أحدهما.

    فضلا عن أن المشرع لو أراد قصر حق الاستفادة من العذر على الزوج فقط لكان ذكر بصراحة عبارة “زوجته” بدل “زوجة” على نحو ما فعلت تشريعات أخري .

    2- رابطة القربي.

    وسع المشرع في نص المادة 548 في منح العذر ، فلم يقصره فقط على الزوجين، وإنما مد نطاقه إلى الأقرباء بالدرجة التي حددها على سبيل الحصر ” بالأصول والفروع والأخوة “. فهؤلاء الأقرباء لا تقل درجة استفزازهم في هذا الموقف عن درجة استفزاز الزوج أو الزوجة، وذلك نظرا للصلة الوثيقة التي تربطهم بالمجني عليه، والتي قد تفوق علاقة الزوجية قرية في بعض الأحيان.

    صفة الجاني

    يلاحظ أن المشرع لم يأخذ في النص بكافة درجات القرابة للاستفادة من العذر، وإنما اشترط صلة قرابة معينة ومحددة على سبيل الحصر، وهي قرابة النسب، أي بين الأصول والفروع، ومن قرابة الحواشي، قرابة الأخوة فقط.

     وبذلك لا تصلح قرابة المصاهرة، ولا قرابة الرضاع، التي ليس لها أثر إلا في تحريم الزواج فقط .

     باختصار، إن القرابة المشتركة لتطبيق النص هي القرابة النسبية بين الأصول والفروع وبين الأخوة.

     ويستفيد من العذر الأصول والفروع سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، فالنص جاء مطلقاً بذكره عبارة ” أحد أصوله أو فروعه “، بالتالي، فالعذر يشمل الأباء والأمهات والجدود والجدات مهما علو ومهما علون، وكذلك الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات مهما نزلوا ومهما نزلن .

    أما الأخوة، فلا يستفيد من العذر، بتقديرنا، إلا الذكور فقط دون الأخوات الإناث  ذلك لأن النص جاء بعبارة أخته” بين أشخاص المجني عليهم، فالمخاطب فيه هو الذكر، وبالتالي وجب أن يكون الجاني ذكر” وليس أنثى، أي أخا لا أختاً،  وذلك بخلاف الأصول والفروع الذين ذكرهم النص بشكل مطلق دون تحديد جنسهم، مما يجعل القاعدة الفقهية القائلة المطلق يجري على إطلاقه” واجبة التطبيق بهذا الصدد.

     ويستوي في الأخوة أن يكونوا أشقاء أم غير أشقاء، المهم في ذلك، أن تكون قرابتهم قرابة نسب لا قرابة رضاع.

    صفة المجني عليه.

    لقد أفاد النص من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما”، إذن فالمجني عليه قد يكون شخصاً واحداً، وقد يكونوا شخصين، بشرط أن يتمتع أحدهما بإحدى صفتين هما: صفة الزوجية أو القرابة، وصفة الشريك.

    فقد يكون المجني عليه أحد طرفي العلاقة الزوجية، وهم الزوج أو الزوجة عندما يفاجئه زوجه الأخر بإحدى الأوضاع المحددة في النص.

    وقد يكون المجني عليه أحد الأصول أو الفروع أو الأخت، ولا يصلح أن يكون الأخ هو المجني عليه طالما أن النص قيد ذلك بعبارة “أو أخته”.

    وبالرغم من أن نص المادة 548 قد يوحي بأن المجني عليه من الأصول والفروع يمكن أن يكون أنثى كما يمكن أن يكون ذكراً، باستخدامه لعبارة أو أحد أصوله أو فروعه، التي تشير إلى الذكور والإناث على حد سواء.

    إلا أنه إذا كان يستوي في الجاني أن يكون ذكر أو أنثى في الأصول والفروع، فلا يمكن في المجني عليهم فيها إلا أن يكون أنثى. وهذا ما يؤكده النص الفرنسي الأصلي للمادة 548 القاطع الدلالة في أن المجني عليه في الأصول والفروع لابد أن يكون من الإناث  فكان الأولى بالنص العربي أن يكون واضحة وضوح النص الفرنسي بوجوب ذكر أو إحدى أصوله أو فروعه التي تشير إلى الإناث فقط دون الذكور.

    والخلاصة، أن الجاني في صلة القربي قد يكون ذكر أو أنثى، أما المجني عليه فيها فلا يمكن إلا أن يكون أنثى.

    أما الشريك في المعنى المقصود بالنص فهو الشخص الذي يأتي مع الزوج أو الزوجة أو إحدى الأصول أو الفروع أو الأخوات فعل الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء، أو يوجد مع أحدهم أو إحداهن في حالة مريبة.

     وسيان أن يكون هذا الشريك قريبا للجاني أو غريبة عنه، ذكراً كان أم أنثى، فلا عبرة بعلاقته بالجاني ولا بجنسه.

     المهم أن يضبط في إحدى الأوضاع المقررة في النص مع أحد الأشخاص المذكورين فيها. وسيان أيضا أن يقع القتل على الشريك وحده أم على الزوج أو الزوجة أو القريبة وحدها أم على كلاهما، فالجاني يستفيد من العذر.

    وتجدر الإشارة إلى أن العذر الوارد في النص هو من الأعذار الشخصية، فلا يستفيد منه إلا الشخص الذي يتوافر فيه.

     فإذا تعدد المشتركين في القتل والإيذاء فإن حكم العذر يسري فقط على الشخص الذي تم ذكره فقط في النص، من زوج أو أصل أو فرع أو أخ، أيا كان دوره في الجريمة، سواء كان فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً.

     أما المساهمين الأخرين فلا يطالهم الإعفاء، بل تطبق عليهم أحكام جرم القتل المقصود، كل حسب دوره في الجريمة.

    ثانيا – الشروط المتعلقة بالواقعة

    إضافة للشروط المتعلقة بأطراف العذر، فلقد تطلب المشرع شروط أخرى تتعلق بالواقعة الحاصلة بين هذه الأطراف.

     وهذه الواقعة لها وجهان:

     الأول، هو الفعل الذي يرتكبه المجني عليه ويفاجئه به الجاني فتثور ثائرته ويقدم على قتله أو إيذائه، ويتمثل هذا الفعل بالزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة مع شخص أخر.

    والثاني، وهو فعل الاعتداء الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجئته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال السابقة، ويتمثل بالقتل أو الإيذاء.

    1- المفاجأة.  

    إن المفاجأة هي الأساس الذي يرتكز عليه العذر .

    ولقد حدد المشرع الحالات الحصرية للمفاجأة وهي الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.

    والأسئلة التي تثار هنا:

    – ما معنى المفاجأة التي يتطلبها المشرع وعلى من يجب أن تقع؟ – ما مفهوم الزنا المشهود و الصلات الجنسية الفحشاء والحالة المريبة ومعيار التمييز بينهم؟

    – بالنسبة للتساؤل الأول، فظاهر النص يوحي بأن الشخص الذي يجب أن يتفاجيء هو المجني عليه فقط دون الجاني. فالنص أورد “من فاجئ زوجه أو …” ولم يورد من امن فوجئ بزوجه أو …. إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالمفاجأة يجب أن تقع على الجاني إضافة للمجني عليه.

    وذلك لأن علم الجاني بشكل يقيني بزنا زوجته، وعدم توفر عنصر المفاجأة بالنسبة له، لا يجعله مستفيدا من العذر لاسيما وأن نص المادة 548 اشترط أن يكون الجاني قد “أقدم على القتل أو الإيذاء بغير عمد”.

     وهذا ما لا يتوافر في حالة العلم اليقيني بزنا الزوجة، حيث يقدم الزوج على فعله بعد تفكير هادئ و عميق بعيدا عن الانفعال والغضب.

    إلا أنه يجب التمييز بهذا الصدد بين العلم اليقيني وبين مجرد الشك والارتياب .

     ففي الحالة الأولى، عندما يتيقن الجاني من خيانة زوجته أو قريبته فيقدم على القتل مصطنعة المفاجأة، ومدبراً وجود المجني عليها في وضع الزنا كي يستفيد من العذر.

     فهذا لا يستفيد طالما انتفي لديه عنصر المفاجأة الذي يخلق لديه الاستفزاز والغضب اللذان يدفعانه إلى ارتكاب الجريمة، كما أنه في أغلب الأحوال يتعمد القتل بدافع الانتقام.

    فالزوج الذي يكون واثقاً من خيانة زوجته فيدير الأمر لضبطها متلبسة بخطيئتها، كأن يتظاهر بأنه سيغيب عن البيت ثم يكمن فيه، ويقتل الاثنين متلبسين بالزنا، لا ينال من العذر شيئاً.

    أما ذاك الذي يرتاب ويشك بسلوكك زوجته أو أخته مثلا، فيراقبها ليتأكد من صحة شكوكه أو عدم صحتها، حتى إذا تشاهدها ترتكب الزنا، استحال شکه إلى يقين فثار وقتلها، فهذا الجاني يستفيد بلا ريب من العذر .

    فالشك أو الارتياب لا ينفي عنصر المفاجأة الذي يتحقق طالما أن احتمال الخيانة لدى الزوج يقابله احتمال عدم الخيانة .

    – أما التساؤل الثاني، فالزنا يقع بالاتصال الجنسي الكامل والطبيعي بين رجل وامرأة خارج إطار العلاقة الزوجية.

    وتتمثل الاستفادة من العذر عند مفاجأة الزوج لزوجته أو الأخ لأخته في حالة جماع مع شخص غريب.

    إلا أن مفهوم الزنا المشهود، حسب المادة 548، لا يقتصر على هذا المعنى الضيق فقط. فليس المقصود في هذا النص أن يشاهد الزوج زوجته في لحظة ارتكاب فعل الزنا نفسه بحيث تصبح الخيانة من الناحية الواقعية حقيقة ثابتة،، بل يكفي أن تكون فكرة الخيانة من الناحية التصورية ماثلة أمامه، أي أن تؤدي جميع الملابسات إلى هذه الفكرة وتجعلها مقبولة عق”.

    فيكفي أن يشاهد الزوج زوجته في ظروف لا تترك مجالا للشك عقلا في أن الزنا قد وقع أو أنه وشيك الوقوع.

    وتطبيقاُ لذلك قضت محكمة النقض السورية بقيام حالة الزنا المشهود في حالة وجود الزوجة وشريكها في غرفة مغلقة وانفرادهما معا في وقت متأخر من الليل .

    وقضت محكمة النقض المصرية بتوافر العذر إذا دخل الزوج غرفة النوم فوجد فيها المتهم مختفيا تحت السرير وكان خالعة حذاءه، وكانت الزوجة عند قدومه في حالة ارتباك شديد ولا يسترها شيء غير جلابية النوم، أو دخل المنزل فوجد زوجته وعشيقها بغير سراويل وقد وضعت ملابسهما الداخلية بعضها بجوار بعض، أو دخل المنزل فلاحظ وجود حركة تحت السرير وبرفعه الملاءة وجد الشريك ونصفه الأسفل عار وهو يمسك بملابسه .

     إلا أن الأمر قد لا يقتصر على هذه الصور، فلو فاجأ الزوج زوجته مع غريب في حالة جماع خلاف الطبيعة، أو فاجأها بحالة سحاق مع أخرى ، فهذه الحالات لا تشكل زنا بالمعنى القانوني.

    وهذا ما دفع المشرع السوري إلى إيراد عبارة أو صلات جنسية فحشاء” جنبا إلى جنب مع الزنا، ليطال تلك الوقائع الجنسية الفحشاء التي لا ينطبق عليها مفهوم الزنا.

    والنتيجة، فإن مفاجأة أحد طرفي العلاقة الزوجية للأخر أو أحد الأصول أو الفروع أو الأخ للأخت أو لإحدى الأصول أو الفروع في حالة الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء المشهودة، يمنح هذا الشخص رخصة في القتل أو الإيذاء، من خلال استفادته من العذر المحل من العقاب.

     

    الحالة المريبة

    عندما يفاجأ الزوج زوجته أو ابنته أو أمه أو الأخ أخته في حالة مريبة مع شخص آخر، فيقدم على القتل أو الإيذاء، يستفيد من عذر مخفف للعقاب.

     ولقد قلنا سابقا أنه إذا وجدت الزوجة أو من في حكمها في ظروف لا تدع مجالا للشك عقلا في أن الزنا قد وقع أو في سبيله إلى الوقوع فإن هذا يعتبر زن مشهود وفق المادة 548، كمشاهدة المجني عليها مع رجل أجنبي في الفراش وهما يرتديان الملابس الداخلية.

    أما الحالة المريبة فلا تعني مفاجأة المجني عليها في ظروف لا تدع مجالا للشك بوقوع الزنا أو في سبيله   إلى الوقوع، وإنما تعني الحالة التي تثير الشك والريبة بحدوث الزنا، أي أن هذه الحالة تكون غير مالوفة في المجرى العادي للأمور، ويعتقد معها بوقوع الزنا أو في سبيله إلى الوقوع.

    ففي الحالة المريبة لا يشاهد الجاني فعل الزنا الفعلي، ولا تكون الظروف قاطعة على وجه اليقين بوقوع الزنا، وإنما يشاهد حالة تدعو الظروف فيها إلى الارتياب بوقوع الزنا، والظروف التي تدعو إلى الشك هي الظروف المحيطة بالحالة، سواء أكانت موضوعية أم شخصية.

    وتطبيقاً لذلك اعتبرت محكمة النقض السورية أن

     “الوالد الذي يقتل ابنته في بيت عشيقها الذي تقيم معه، ويتعاطی معها الزنا والفجور في أي وقت، يستفيد من العذر المخفف، لأنها أوجدت نفسها في حالة مريبة و على فراش غير مشروع “.

     وفي قرار آخر اعتبرت محكمة النقض

    “أن المرأة التي تقيم في منزل قد أعد لارتكاب الفجور بها بصورة سرية أو علنية وأعدت نفسها لتلقي الجماع في أي وقت كان قد أصبحت في حالة مريبة و على فراش غير مشروع وجعلت الاعتداء عليها مقترنا بالعذر المخفف وفقا للمادة 548، فإقدام الفاعل على قتل شقيقته المومس في دار عشيقها يجعله مستفيداً من العذر المخفف.

     بالمقابل فلقد اتجه القضاء السوري إلى استبعاد توافر الحالة المريبة عند الشخص الذي يشاهد نتيجة الزنا فقط دون أن يشاهد الفعل أو الحالة المريبة.

    فلقد قضت محكمة النقض أن الفاعل لم يفاجأ ابنته المغدورة في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص أخر أو في حالة مريية وإنما شاهد عليها علائم الحمل سفاحا مما يجعل أمر استفادته من العذر المحل أو المخفف غير وارد حسب المادة 548، وان كان الفاعل يستفيد في هذا الحالة من عذر الدافع الشريف .

     ولا تعتبر الحالة المريبة متوفرة إذا كانت الظروف المحيطة بالواقعة معتادة بين الزوجة والشخص الذي فاجأها الزوج معه حسب العادات والتقاليد المتعارف عليها، وذلك كوجود الزوجة مع أحد محارمها، أو كانت طبيعة عملها تستدعي وجودها في تلك الحالة، كالطبيبة عندما تكشف على المريض.

    كما لا تعتبر الحالة المريبة متوافرة إذا كان الجاني قد راى المجني عليها في وضع تاباه التقاليد ولكنه لا يثير الشك في قيام الصلة الجنسية غير المشروعة بينها وبين آخر أو توقع قيامها، كمشاهدة الأخ لأخته في الطريق العام مع شخص غريب، أو تجلس معه في مكان عام، مطعم أو سينما.

    2- فعل الاعتداء.

    هو الفعل الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجأته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال المحددة بالنص مع شخص آخر، ويتمثل هذا الفعل بالقتل أو الإيذاء.

     والعذر يشمل جريمة القتل المقصود، وجريمة الإيذاء المقصود بكافة صورها الجنحية والجنائية.

     أما غير هذه الأفعال فلا يستفيد مرتكبها من العذر .

     فإقدام الجاني على إتلاف أموال المجني عليه، أو هتك عرض شريك الزانية أو اغتصاب إحدى محارمه وما إلى ذلك من اعتداءات لا يشملها العذر.

    وسيان أن يقع القتل أو الإيذاء بأية وسيلة، کالمسدس أو السكين أو الأيدي فقط.

    ولقد اشترط نص المادة 548 في فعل القتل أو الإيذاء أن يقع بغير عمد، ذلك لأن الذي يبرر الإعفاء أو التخفيف من العقوبة هو شدة الانفعال النفسي الذي يستبد بالجاني ويدفعه إلى ارتكاب الجريمة، فإذا انتفي هذا الانفعال لدى الجاني، كما في حالة القتل العمد، فلا تتحقق هذه الحكمة، حيث أن الجاني في حالة العمد يقدم على ارتكاب جريمته بعيداً عن الانفعال والغضب، وبعد أن أخذ الوقت الكافي من التفكير الهادئ و التصميم على ارتكاب جريمته.

    فلو فاجأ الزوج زوجته بحالة مريبة مع عشيقها ولم يقدم على قتلها فور المفاجأة بل انتظر فترة من الزمن كانت كافية لهدوء نفسه واستعادة وعيه ثم أقدم على قتلها فلا يستفيد من العذر لوقوع الفعل عمدا.

    كما يعتبر العمد متوافراً في حالة الجاني الذي يعرض عن فكرة القتل عند مفاجأة المجني عليها، ويستعيد توازنه، ويفكر ملياً، ثم يعود ويقتلها بعد فترة.

    أو حالة الجاني الذي يستدرج زوجته أو قريبته بعد علمه بخطيئتها إلى مكان ما، ثم يتآمر على قتلها ويخطط لذلك

    – أما عن أثر العذر على العقوبة:

     فالعذر المحل يعفي الجاني من العقوبة وحدها دون سائر الآثار القانونية، فيمكن توقيع تدابير الاحتراز وتدابير الإصلاح على المستفيد ما عدا العزلة (م 240 عقوبات).

     أما العذر المخفف فهو كما يدل اسمه يخفف العقاب فقط. ولقد سكت نص المادة 548 عن تحديد مفعول هذا العذر ومقداره.

    وعند السكوت يحيل القانون إلى نص المادة 241 من قانون العقوبات باعتبارها النص العام، وتخفف العقوبة وفقا لأحكامها .

     وبموجب هذا النص فإن الجناية تنقلب إلى جنحة، والجنحة إلى مخالفة.

    وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن فعل القتل أو الإيذاء في نص المادة 548 إذا لم يستجمع شروط العذر الوارد فيه، فقد يستجمع شروط العذر المخفف الوارد في المادة 242، وهو عذر الإثارة، أو شروط عذر الدافع الشريف الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات.

    – أما عذر الإثارة فبموجبه “يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير سحق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”.

     ويشترط الاستفادة مرتكب القتل أو الإيذاء من هذا العذر أن تستولي عليه ثورة غضب شديد تسلبه قسماً من وعيه وإرادته كنتيجة لتصرف، غیر محق وعلى جانب من الخطورة، قام به المجني عليه.

     أما إذا كان تصرف المجني عليه محق أو مشروعة، كإقدام الشرطي على القبض على السارق، فلا يحق للأخير أن يحتج بالاستفزاز إذا أقدم على الاعتداء على الشرطي.

    أما خطورة الفعل فأمر يقدر تبعا للظروف ولدرجة تأثيرها على مرتكب القتل أو الإيذاء.

     فما يثير شخصاً عصبية کثیر الحساسية قد لا يكون له أي أثر على شخص يتمتع بأعصاب هادئة ومزاج متزن.

     – أما الدافع الشريف، الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات، فقد يستفيد منه أيضأ مرتكبي جرائم العرض و الشرف عند فقدان شروط المادة 548.

     إلا أن تخفيف العقاب فيه يختلف عن الأعذار الأخرى. فعذر الإثارة يقلب الجناية إلى جنحة، أما عذر الدافع الشريف فيبقي على صفة الجناية المشمولة به .

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1