جناية السطو على المساكن – المادة 622 عقوبات

لا بد لقيام هذه الصورة من اجتماع خمسة شروط تشديد أوجبها النص صراحة بقوله:

“يستوجب عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من خمس عشرة إلى عشرين سنة السرقة التي تقع مستجمعة الأحوال التالية:

 1- ليلاً

 2- بفعل شخصين أو أكثر

 3- الدخول إلى مكان لسكنى الناس أو ملحقاته، بواسطة الخلع أو استعمال مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة، أو بانتحال صفة موظف أو بارتداء زيه أو شاراته، أو التذرع بأمر من السلطة.

4- أن يكون السارقون مقنعين، أو أن يكون أحدهم حاملاً سلاح ظاهرة أو مخبأ..

 5- أن يهدد السارقون أو أحدهم بالسلاح، أو يتوسل بأحد ضروب العنف على الأشخاص، إما لتهيئة الجناية أو لتسهيلها وإما لتأمين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المسروق”.

الملاحظ في هذا النص أن هذه الجناية قد اجتمع فيها أغلب الظروف المشددة للسرقة، فكل طرف على حدة يكفي التشديد عقوبة السرقة، ومنها ما يجعلها جناية.

 فإذا اجتمعت على النحو الذي حدده المشرع فلا شك في أن السرقة تبلغ بذلك أقصى الخطورة وتكون جديرة بأشد العقوبات المقررة للسرقة.

 ولا ريب أن السطو على المساكن يرتكب من عصابات خطرة لا يتورع أفرادها عن استخدام أخطر الوسائل لتحقيق ماربهم. لهذا كان لا بد من الضرب بشدة على أيدي مرتكبيها، يجعل العقوبة أشد من عقوبة جريمة القتل العادية، أو مساوية لها على الأقل.

ولقد سبق لنا تحديد المقصود بالظرف الأول والثاني و الرابع في معرض شرح ظروف التشديد الجنحي.

 أما الظرف الثالث، فلقد سبق لنا أيضا تحديد مدلول المسكن و ملحقاته، لذلك سنقصر الشرح على طريقة أو وسيلة دخول المسكن وملحقاته، ثم نتصدى للظرف الأخير الذي لم يسبق لنا تحديد مدلوله.

1- وسيلة دخول المسكن وملحقاته.

أشرنا سابقاً إلى أن المسكن هو المكان المسكون والمكان المعد للسكن.

والمكان المسكون هو المكان المستخدم فعلا للسكن وإن لم يكن منزلاً أصلاً.

أما المكان المعد للسكن فهو المكان المسكون فعلاً ولكن صاحبه لا يقيم فيه إلا مؤقتاً.

 وتأخذ ملحقات المسكن حكمه في التشديد.

 ولقد حدد النص، لتوافر ظرف التشديد، أن يتم دخول المسكن بإحدى وسيلتين:

 إما بالخلع أو باستخدام مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة.

 وإما بانتحال صفة رسمية كاذبة.

 الوسيلة الأولى:

الخلع – المفاتيح المصنعة – الأدوات المخصوصة.

– الخلع يتمثل بكل عمل عنيف يلجأ إليه السارق لإزالة حاجز يحول بينه وبين الدخول إلى المسكن.

 فهو وسيلة من وسائل العنف لفتح مدخل مغلق.

والخلع لا يقتصر على مفهومه اللغوي المحدد بل هو يشمل كل وسيلة عنيفة تحقق اللسارق غايته، كالكسر والقطع والتحطيم والهدم والثقب .

 أما التسلق فلا يدخل ضمن مفهوم الخلع لانعدام خاصية العنف فيه.

 فالتسلق هو اجتياز المحيط الخارجي للمسكن من غير منافذه الطبيعية وبدون استخدام العنف، كتسلق السور أو تسلق شجرة أو ماسورة أو شرفة أو استعمال سلم.

 والخلع كما أسلفنا يشمل الكسر والثقب والقطع والتحطيم والهدم.

لذلك يعتبر خلعاً إحداث ثقب بالجدار، تحطيم زجاج النافذة ،کسر قفل الباب.

 بالتالي إذا لم يستخدم السارق بدخوله المسكن العنف فإن فعله لا يعد خلع ولو كان دخوله المكان بغير حق، كما لو مد يده من فتحة الباب فرفع مزلاج الباب ودخل.

وسیان لتوفر ظرف تشديد الخلع أن يكون خارجياً أو داخلياً .

 فخلع باب غرفة داخلية أو خلع نافذة أو كسر زجاجها أو كسر خزانة يستوي مع خلع الباب الرئيسي للمسكن.

 وتطبيقاً لذلك يتحقق الظرف المشدد بفعل من دخل المسكن بغیر خلع ثم كسر الخزنة وسرق ما تحتويه من مال.

كما يتحقق الظرف المشدد بفعل نزيل الفندق الذي يكسر باب غرفة نزيل أخر ويسرق ماله.

وسيان أيضا أن يقع الخلع بقصد دخول المسكن أو أن يقع لتسهيل خروج السارق بالمسروقات، لأن سرقة المساكن لا تتم إلا بمغادرة المسكن .

والخلع المقصود بالنص كظرف مشدد هو الخلع الخارجي أو الداخلي مع استخدام العنف لتحطيم عقبة بقصد الدخول لتنفيذ السرقة، فالفعل المرتكب لتمكين السارق من المغادرة بالمسروقات هو فعل يرتكب في سبيل تنفيذ السرقة.

 – أما المفاتيح المصنعة فمدلولها اللغوي يعني استخدام أي مفتاح أخر غير المفتاح الحقيقي المستعمل فعلاً في الفتح.

 إلا أن الفقه والاجتهاد القضائي يعطي مفهوماً أوسع لمدلول المفتاح المصنع.

 لذلك يعتبر مفتاحاً مصنعاً يطبق عليه التشديد:

 1- المفتاح المقلد، أي المفتاح الذي يصنعه السارق تقليدا للمفتاح الأصلي.

2- المفتاح الخاص بمكان أخر إذا اكتشف السارق صلاحيته لفتح المسكن المراد سرقته.

 3- النسخة الثانية أو الثالثة للمفتاح الأصلي .

4- المفتاح الأصلي ذاته إذا ضاع أو سرق من صاحبه ولم يقم باستبداله، بل تابع استخدام نسخة ثانية عنه.

لأن المفتاح الأصلي يكون في هذه الفرضية قد فقد تخصیصه الأصلي وأصبح هو المفتاح الثاني، فيعتبر بمثابة المصنع.

أما إذا استبدله صاحبه، واستخدم السارق المفتاح الذي لديه للسرقة، فالظرف المشدد يعتبر متوافرة من باب أولى.

 5- الحصول بطريقة غير مشروعة على رمز فتح الباب الكترونية، أو على أرقامه السرية، في الأبواب التي لا يستخدم فيها مفاتيح تقليدية.

 وقد اعتبرت محكمة النقض السورية أنه يعد استعمالاً لمفتاح مصنع:

 6- استيلاء المدعى عليه بالحيلة على المفتاح الأصلي و عمل نسخة عنه و استعماله في السرقة .

 7- سرقة المفتاح الأصلي من صاحبه و استعماله في السرقة .

8 – احتفاظ الخادم أو العامل بالمفتاح بعد تركه العمل واستخدامه في السرقة .

 وقد اعتبرت محكمة النقض بالمقابل أن صفة المفتاح المصنع تنتفي، وينتفي التشديد تبعا لذلك، في حالة وجود المفتاح الأصلي في حوزة المدعى عليه بصورة مشروعة، أي أن صاحب المسكن قد سلمه إياه ليدخل بيته بغيابه، فقام المدعى عليه في السرقة من داخل هذا المسكن .

– أما الأدوات المخصوصة التي يستخدمها السارق لفتح الأبواب فيقصد بها أي أداة مخصصة من حيث صناعتها الفتح الأبواب، واستخدمها السارق لذات الغرض. كالكماشة والبينسة و الشريط الحديدي والعصا المعقوفة وما إلى ذلك.

ويستوي أخيراً لقيام ظرف التشديد أن يستخدم المفتاح المصنع أو الأداة المخصوصة في فتح الباب الرئيسي أو الأبواب الداخلية.

 كما يستوي أن يستخدم المفتاح المصنع أو الأداة المخصوصة لتسهيل الدخول للمسكن أو لتسهيل الخروج منه بالمسروقات.

 فالمهم في ذلك أن يستخدم المفتاح أو الأداة المخصوصة بقصد السرقة .

الوسيلة الثانية: استخدام صفة رسمية كاذبة.

قد لا يلجأ السارقون في دخول المسكن المراد سرقته إلى الخلع أو إلى استعمال مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة، بل قد يلجئون إلى الحيلة والخداع في ذلك، بانتحال صفة موظف أو ارتداء زبه أو شار اته أو التذرع بأمر من السلطة لدخول المسكن.

 مستغلين بذلك ثقة الناس في رجال السلطة العامة، والطاعة التي يعدون أنفسهم ملزمين بها إزاءهم، ومعتدين بذات الوقت على هيبة الدولة باستغلالهم للثقة المرتبطة بموظفيها لارتكاب جريمتهم  وتتمثل هذه الوسيلة بقيام أحد السارقين، مثلا، بالادعاء أما صاحب السكن بأنه ضابط شرطة، وبأن من بصحبته هم عناصره.

 وقد لا يدعي السارق بصفته المزعومة بالقول، بل قد يقتصر الأمر على الظهور بمظهر الضابط بارتداء زيه أو شاراته الخاصة.

 ويشترط في الوظيفة المزعومة أن تتصل بوظيفة عامة، فلا يكفي انتحال صفة موظف في شركة مثلا، لأن هذه الوظيفة لا تولد ذات الثقة المنبثقة عن الوظيفة العامة، ولا يعتبر المواطن نفسه ملزمة بطاعة موظفيها، بالتالي لا يترتب عليها تبعا لذلك تسهیل ارتكاب السرقة.

 ولا يشترط في الوظيفة العامة المزعومة أن تكون من الوظائف السلطوية، ذات الرتب، كالشرطة والجيش، بل يكفي أن تكون من الوظائف التي توحي بالثقة بموظفيها، أو التي ينصاع الناس لأوامر السلطة فيها، كموظفي الإطفاء، أو الإحصاء أو المساحة أو الكهرباء أو الكادر الطبي وما إلى ذلك.

أما التذرع بأمر السلطة فيتمثل في إدعاء السارق أنه يعتمد على أمر صادر له من السلطة يخوله دخول المسكن للقيام بإجراء رسمي كالتفتيش أو القبض أو إحصاء عدد السكان أو تلقيحهم من وباء مزعوم.

 وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يستوي في تحقق هذا الظرف المشدد أن يصدق صاحب المسكن هذه الصفة المزعومة أو لا يصدقها.

 فيكفي لذلك الادعاء بهذه الصفة أو الظهور بمظهرها أو التذرع بأمر السلطة لتحقق هذا الظرف المشدد، وليضاف إلى غيره من الظروف المكونة لجناية السطو على المساكن.

2- التهديد بالسلاح أو استخدام العنف.

إن التهديد بالسلاح أو استخدام العنف في السرقة يضعف مقاومة المجني عليه ويسهل ارتكابها.

 و هذا الظرف المشدد هو الظرف الخامس الواجب توافره، إضافة للظروف الأربعة السابق ذكرها، لقيام جناية السطو على المساكن.

ويتمثل هذا الظرف بتهديد السارقين أو أحدهم بالسلاح، أو يتوسل بأحد ضروب العنف على الأشخاص، إما لتهيئة الجناية أو لتسهيلها وإما لتأمين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المسروق”.

ولهذا الظرف المشدد صورتان ذكرهما النص: التهديد بالسلاح واستخدام العنف.

الصورة الأولى – التهديد بالسلاح.

يتمثل التهديد بالسلاح بقيام المهدد بالإنذار أو الوعيد الجدي للمجني عليه في السرقة أو غيره باستخدام السلاح ضده إذا قاوم تنفيذ السرقة.

 ويستوي في السلاح أن يكون سلاحاً بطبيعته أو سلاح بالتخصيص.

 كما يستوي أن يكون هذا  السلاح حقيقية أو زائفا، مادام أثر التهديد به على المجني عليه واحد، وهو دب الرعب في أوصاله ومنعه من إبداء أية مقاومة.

 ويستوي أن يتجسد التهديد بالقول أو بالفعل.

 فقد يأمر السارق المجني عليه بتسليم المال، أو بتسليم مفتاح الخزنة وإلا سيقتله، أو يشهر المسدس في وجهه، أو يقوم بتلقيمه أمامه.

والتهديد بهذا المعنى يقتضي اتخاذ المهدد لموقف إيجابي يفصح عن عزمه.

 أما مجرد حمل السلاح، ولو كان ظاهرا، فلا يحمل في ذاته هذا المعنى.

 ولذلك اعتبر المشرع كل منهما ظرفاً مستقلاً لقيام جناية السطو على المساكن.

 ولكي يعتبر التهديد ظرفاً مشدداً للسرقة لا بد أن يكون الغرض منه تهيئة السرقة أو تسهیل ارتكابها أو تأمين هرب فاعليها أو الاستيلاء على المسروقات.

 فقد يلجأ أحد السارقين للتهديد بالسلاح ليمهد للسرقة بمنع الحارس من التدخل وحجزه في مكان ما ليستطيع السارقون الدخول للمسكن المراد سرقته.

 أما التهديد للتسهيل أو الهرب أو الاستيلاء، فالغاية منه إزالة ما يعترض تنفيذ السرقة من عقبات، كتهديد المجني عليه الذي ظهر فجأة للسارقين في المسكن، أو إذا حاول منع السارقين من الخروج بالمال خارج المسكن، أو لمنعه من اللحاق بهم عند فرارهم.

أما التهديد الواقع لغير قصد السرقة فلا يشمله التشديد. كما لو هدد أحد السارقين أنثى في المسكن ليغتصبها، ثم استولى على خاتم ذهبي في يدها بعد اغتصابها، أو حالة مصادفة المجني عليه لأحد السارقين بعد مرور زمن على السرقة، ومحاولته الإمساك به، وقيام السارق بتهديده بعدم الاقتراب منه.

الصورة الثانية – استعمال العنف

هذه الصورة تتمثل بالإقدام على استخدام العنف بقصد السرقة.

 وهي تمثل أعلى درجات الخطورة الانطوائها على اعتداء على شخص الإنسان إضافة للاعتداء على ماله.

 والمشرع لم يحدد مدلول العنف المشدد لجريمة السرقة.

وقد عرفته محكمة النقض السورية بأنه

“كل عمل يعطل مقاومة المعتدى عليه ولو لم يترك أثرا ظاهرأ فيه… .  والعنف يشمل كل أنواع الشدة وضروب الأذي والتعذيب...

 يتضح من هذا التعريف أن العنف هو عبارة عن عمل مادي موجه مباشرة إلى جسم إنسان بقصد إضعاف مقاومته للتمكن من السرقة.

 ولا يشترط في هذا العنف أن يكون شديدا، أو يهدد الإنسان في حياته، أو يلحق به أذى، فأي درجة من العنف تكفي ولو لم تترك أثرا ظاهرا على المجنى عليه.

وعلى ذلك يعد عنفاً ضرب المجني عليه أو دفعه أو إلقاءه على الأرض أو الإمساك به لتعطيل مقاومته .

ويشترط لاعتبار العنف ظرفاً مشدداً أن يمارس بقصد السرقة، إما تمهيداً لها كضرب الحارس أو كم فمه أو الإمساك به وحجزه أو شد وثاقه کی يتمكن بقية السارقين من الدخول للمنزل المراد سرقته.

وإما للتسهيل أو الهرب أو الاستيلاء حيث تكون الغاية من العنف إزالة ما يعترض تنفيذ السرقة من عقبات وما قلناه  في التهديد يصلح في العنف.

وشرط اعتبار العنف ظرفاً للتشديد يقتضي أن يرتبط العنف بالسرقة ارتباط ” السبب بالمسيب أو العلة بالمعلول… أو ارتباط الوسيلة بالغاية.

 فإذا تخلف هذا الارتباط، بأن ارتكب العنف لغير قصد السرقة فلا محل لتوافر ظرف التشديد عندئذ.

 كما لو مارس أحد السارقين العنف على أنثي بقصد اغتصابها ثم استولى على ما ترتديه من مجوهرات عرضاً، أو اعتدى السارق بالضرب على شريكه في السرقة بغرض الاستئثار بالشيء المسروق، أو ضربه لخلافهما على طريقة توزيع المسروقات، أو اعتدى أحد السارقين بالضرب على المجني عليه لمجرد الاستهزاء به بعد الاستيلاء على ماله، أو رداً على شتيمة وجهها له المجني عليه.

 ففي هذه الحالات ينقطع الارتباط بين العنف والسرقة، وينتفي ظرف التشديد، ويعتبر العنف جرمأ مستقلا عن السرقة.

– عند توافر ظرف التهديد أو العنف بقصد ارتكاب السرقة، بالمعنى السالف بيانه، وانضمامه إلى الظروف الأربعة الأخرى التي ذكرتها المادة 622، تقوم جناية السطو على المساكن، ويعاقب فاعلوها بالأشغال الشاقة المؤبدة، وللمحكمة، حسب ظروف الحال، صلاحية استبدال هذه العقوبة بالأشغال الشاقة المؤقتة من خمس عشرة إلى عشرين سنة.

Scroll to Top