التصنيف: قانون العقوبات الخاص

  • ماهي حالات الإعفاء والتخفيف من عقوبة اساءة الأمانة؟

    حالات الإعفاء والتخفيفمن العقوبة الواردة في المواد 660-661-662 من قانون العقوبات، والتي تشمل في نطاقها جرائم السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان، والتي سبق شرحها مفصلاً عند دراسة أحكام السرقة، والتي نلخصها بصدد إساءة الائتمان بالنقاط التالية:

    1- بحسب المادة 660، فإن عقوبة إساءة الائتمان المنصوص عليها في القانون يخفض منها الثلثان إذا كان المجني عليهم فيها من الأصول أو الفروع أو الأزواج أو من ذوي الولاية الشرعية أو الفعلية، ويعفون من العقاب إذا أزالوا الضرر الذي أحدثوه.

    بالتالي، فهذا النص يعتبر علاقة القربي التي نص عليها بمثابة عذر مخفف للعقوبة.

     فإن ارتكب الزوج حيال زوجته أو الابن حيال أبيه إساءة ائتمان، فيعاقب بثلث العقوبة المقررة للجرم العادي الواردة في المادتين 656 و 657.

    و إذا أزيل الضرر، بإعادة المال المساء الائتمان فيه أو رد ثمنه، فيستفيد الفاعل من عذر محل من العقاب .

    وحتى في حالة التكرار يبقى القريب مستفيدا من عذر مخفف.

    فإذا عاود المجرم جرمه خلال خمس سنوات قضي عليه بالعقوبة المنصوص عليها في القانون مخفض منها الثلث.

    2- بحسب المادة 661 لا تلاحق إلا بناء على شكوى الفريق المتضرر جريمة إساءة الائتمان بصورتيها العامة والخاصة.

    وهذا يعني تقييد حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى بهذه الجريمة بتقديم شكوى من المتضرر، عندئذ تستعيد النيابة حريتها وتحرك دعوى الحق العام. وإذا أسقط المشتكي دعواه أثناء نظر الدعوى تسقط تبعا لذلك دعوى الحق العام، وتسقط العقوبة إذا أتى الإسقاط بعد صدور الحكم .

    علماً بأن جريمة إساءة الائتمان المترافقة بإحدى الحالات المشددة المنصوص عليها في المادة 658 لم يقيدها المشرع بتقديم شكوى من الفريق المتضرر، بل تلاحق عفوا من قبل النيابة العامة،، ولا تسقط بالإسقاط .

    3- بحسب المادة 662، تخفف العقوبة إلى النصف إذا كان الضرر أو النافع الناتج عن الجريمة تافها، أو إذا أزال الفاعل الضرر كله، بإعادة المال المساء الائتمان فيه أو رد ثمنه قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة.

     أما إذا أزيل الضرر كله أثناء نظر الدعوى وقبل صدور أي حكم بالأساس ولو غير مبرم فيخفض ربع العقو

  • ماهو عقوبة الاحتيال بمناسبة إصدار أسهم أو سندات؟

    نصت المادة 642 من قانون العقوبات على ظرفين مشددين للاحتيال، بقولها: تضاعف العقوبة إذا ارتكب الجرم في إحدى الحالات الآتية:

      أ- …………

     ب- بفعل شخص يلتمس من العامة ما لإصدار أسهم أو سندات أو غيرها من الوثائق لشركة أو لمشروع ما”.

    إن علة تشدید عقاب هذا الاحتيال تتمثل في أنه لا يمس مجني عليه معين بذاته، بل يتخذ من الكافة مجني عليهم.

    فضلاً عن أنه ينال بالضرر صغار المدخرين الذين ينطلي عليهم الخداع، لاسيما وأن المحتال يلجأ عادة إلى وسائل النشر العامة. إضافة إلى أن هذا النوع من الاحتيال يؤدي إلى إضعاف ثقة الجمهور في قواعد إصدار الأسهم و السندات وما إليها، ويزعزع الاقتصاد الوطني .

     وهذه الحالة تفترض أن يلتمس المحتال مالا من العامة لإصدار أسهم أو سندات أو غيرها من الوثائق لشركة أو المشروع ما.

    فيشترط إذا لتوافر هذا الظرف المشدد أن يتوجه المحتال إلى عامة أو كافة الناس دون تخصیص، بالتالي لا يكفي التوجه إلى أشخاص معينين لتوافر هذا الظرف.

     و شرط التوجه إلى العامة يفترض أن يستخدم المحتال وسيلة من وسائل العلانية حتى يمكن القول بأنه يتوجه إلى كل الناس.

     ومن أمثلة وسائل العلانية الصحف والإذاعة والتلفاز، أو لصق الإعلانات على الجدران أو توزيع منشورات في الطريق العام .

     و تطبيقاً لذلك تنتفي وسيلة العلانية، وينتفي تبعاً لها الظرف المشدد، إذا استخدم الفاعل للاتصال بالناس وسائل خاصة كالمراسلات أو الزيارات المنزلية لعدد محدود من الناس.

    ويشترط أخيراً أن يكون الغرض من الاحتيال تمويل عملية الإصدار أسهم أو سندات أو أي وثائق أخرى.

    والإصدار معناه الدعوة إلى الاكتتاب في الأوراق المالية المطروحة للتداول سواء بقصد إنشاء شركة جديدة أو زيادة رأسمال شركة قائمة بالفعل.

     وتطبيقاً لذلك ينتفي الظرف المشدد إذا كان هدف المحتال هو بيع أو رهن أسهم أو سندات موجودة من قبل، إذ ليس من شأن ذلك جلب رأسمال جديد.

  • ماهو عقوبة جرم الاحتيال لتأمين وظيفة عامة؟

    إن علة تشدید عقاب هذا الاحتيال تتمثل في أنه يخل بثقة المواطنين عامة في القواعد القانونية التي بمقتضاها يتم شغل الوظائف العامة أو أعمال الإدارة العامة، من حيث شروط التعيين فيها ونزاهة إجراءات هذا التعيين.

    فقد نصت المادة 51 من قانون العقوبات على أن

     ” تتراوح مدة الحبس بين عشرة أيام وثلاث سنوات إلا إذا انطوى القانون على نص خاص “.

    وهذه الحالة تفترض أن يقوم المحتال بخداع المجني عليه بزعمه القدرة على تعيينه في وظيفة عامة أو العمل لدى إحدى الإدارات العامة في الدولة، فيؤدي خداعه إلى وقوع المجني عليه في غلط يدفعه إلى تسليم المال للمحتال لقاء قيامه بهذه المهمة.

     ويستوي لقيام الاحتيال بهذه الحالة أن تتوافر في المجني عليه شروط التعيين في الوظيفة أو العمل العام أو لا تتوافر فيه تلك الشروط.

    والشرط الأساسي لقيام هذا الظرف المشدد هو الإدعاء كذبة بالقدرة على تأمين الوظيفة أو العمل.

     بالتالي لا يتوافر هذا الظرف المشدد، ولا يقوم الاحتيال أصلاً، إذا كان المدعى عليه صادقاً في إدعائه واتجهت نيته فعلا إلى تأمين هذه الوظيفة.

     وإن كان من الممكن أن يتوافر في حقه جرم الرشوة أو جرم صرف النفوذ إذا توافرت أركانهما.

    ويشترط كذلك لتوافر هذا الظرف أن يكون إدعاء المحتال منصبة على تأمين وظيفة عامة أو عمل في إحدى الإدارات العامة أيا كانت درجة هذه الوظيفة أو العمل، وأياً كان الراتب، وأياً كان النظام القانوني لهذه الوظيفة أو لهذا العمل.

    وينتفي الظرف المشدد، تبعا لذلك، إذا انصب الاحتيال على تأمين عمل خاص لدى شخص طبيعي أو شركة أو مؤسسة خاصة.

  • الركن المعنوي في جرم الاحتيال

    الاحتيال كالسرقة جريمة مقصودة، لا يمكن أن تقع بخطأ مهما بلغت درجة جسامته.

    ولا يكفي القصد العام وحده الوقوع جرم الاحتيال، بل يجب فضلا عن ذلك أن يقوم لدى المحتال قصد خاص، يتمثل بنية تملك المال.

    القصد الخاص

    يتمثل القصد الخاص في الاحتيال بنية تملك المال المستولى عليه أو تمليكه للغير مباشرة. وبمعنى أخر فإن القصد الخاص يتمثل بنية الظهور بمظهر المالك على الشيء المسلم للمحتال، ونية مباشرة كافة سلطات المالك عليه، وعند تخلف هذه النية ينتفى الاحتيال لانتفاء القصد الخاص.

     وبناء على ذلك، لا يقوم هذا القصد إذا تسلم الفاعل المال بالخداع بقصد الانتفاع به ثم إعادته بعد ذلك لصاحبه، أو إذا تسلمه لفحصه ومعاينته ثم رده.

    كما ينتفي القصد الخاص على من ينتحل صفة ليست له بقصد حمل البائع على قبول تقسيط ثمن سلعة ، دفع جزءاً من الثمن معجلاً ثم قام بسداد بعض الأقساط، ولكنه عجز في النهاية عن دفع الباقي، لأن نيته لم تكن متجهة إلى الاستيلاء على مال البائع وتملكه، وإنما اتجهت فقط إلى مجرد أخذ رضائه بالبيع بثمن بعضه مقسط وبعضه معجل

    وتجدر الإشارة إلى أن القصد الخاص لا يتطلب اتجاه إرادة الفاعل إلى الإثراء.

    فمجرد اتجاه النية إلى مباشرة سلطات المالك على المال المستولى عليه يعتبر كافية بغض النظر عن الآثار التي تترتب على ذلك بالنسبة لذمة المجني عليه.

     فمن استولى بالخداع على مال مملوك للغير، وتبرع به، يعتبر القصد الخاص متوفر لديه، ويلاحق بجرم الاحتيال.

    الدافع أو الباعث على الاحتيال

    إن الدافع في التشريع السوري يخضع للقاعدة الواردة في المادة (191 فقرة 2 من قانون العقوبات) والقاضية بأن “الدافع لا يكون عنصرا من عناصر التجريم”.

    وتطبيقا لذلك عندما يتوفر القصد الجرمي للاحتيال بشقيه العام والخاص، فلا اعتداد بعد ذلك بالدافع أو الباعث الذي حرك نشاط الفاعل، فيستوي أن يكون الدافع أو الباعث الطمع أو الانتقام من المجني عليه، أو أن يكون الانتفاع بالمال الذي استولى عليه لإنفاقه على نفسه في علاج أو تعليم أو التصدق به للفقراء.

     وتطبيقا لذلك يعد مرتكباً لجريمة الاحتيال الدائن الذي يستولي بالخداع على مال لمدينه يعادل قيمة دينه، ذلك أن الرغبة في استيفاء الدين هو مجرد دافع لا ينفي القصد الجرمي.

    فالدافع سواء كان شريف أو شائناً يعتبر أمراً زائداً عن حاجة القصد الجرمي في الاحتيال الذي يكفي فيه توفر العلم والإرادة.

     العلم بأركان الجريمة وإرادة النشاط الجرمي و النتيجة الجرمية وثبوت نية التملك.

     

  • الشروع في الاحتيال وعقوبته مع أمثلة تطبيقية

    عاقب المشرع بنص المادة 641 على جريمة الاحتيال بعقوبة جنحية الوصف، والقاعدة العامة في التشريع السوري حسب نص المادة 201 من قانون العقوبات، أن الشروع في الجنح لا عقاب عليه إلا بنص، وقد ورد العقاب على الشروع في الاحتيال في الفقرة الثانية من المادة 641 ونصها:

    «2- يطبق العقاب نفسه في محاولة ارتكاب هذا الجرم»

    والملاحظ أن المشرع السوري قد سوى من حيث العقوبة بين جريمة الاحتيال التامة والشروع فيها.

    ولابد لدراسة الشروع في الاحتيال من وضع معيار للتمييز بينه وبين الأعمال التحضيرية التي لا عقاب عليها ومن معرفة الحد الفاصل بين الشروع والاحتيال التام.

    تقع جريمة الاحتيال تامة إذا تحققت نتيجتها الجرمية، وهذه النتيجة هي التسليم.

     أي أنه عندما يسلم المجني عليه للمحتال المال نتيجة للغلط الذي أوقعه فيه بخداعه يعتبر الاحتيال تامة، ومادون التسليم فقد يشكل النشاط شروعاً في الاحتيال وعقابه عقاب الجرم التام، وقد يشكل عملا تحضيرية للاحتيال لا عقاب عليه إلا إذا شكل بحد ذاته جرم مستقلا وقد عرفت المادة 199 من قانون العقوبات السوري الشروع بأنه:

    كل محاولة لارتكاب جناية بدأت بأفعال ترمي مباشرة إلى اقترافها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم يحل دون إتمامها سوى ظروف خارجة عن إرادة الفاعل»..

    وتطبيقا لما جاء في هذا النص فإن الاحتيال يعد مشروعاً فيه إذا ما كانت وسائل الخداع ترمي مباشرة إلى حصول التسليم.

     ومعنى ذلك، أنه يعد عملاً تحضيرياً للاحتيال، كل نشاط يأتيه المدعى عليه قبل مرحلة استعمال وسائل الخداع إزاء المجني عليه، أي كل نشاط يأتيه الفاعل قبل سعيه إلى الاتصال بالمجني عليه لخداعه .

     إذا فالحد الفاصل بين العمل التحضيري و الشروع هو السعي إلى الاتصال بالمجني عليه لخداعه، وكل نشاط يسبق هذا السعي هو مجرد عمل تحضيري، وهذا السعي في ذاته هو البدء في التنفيذ.

    باختصار نقول أن إعداد وسائل الاحتيال وترتيبها والعمل على إعطائها قوة إقناعية للتأثير بها على الغير يعد عملاً تحضيرياً، أما استخدام هذه الوسائل بمواجهة المجني عليه بعد شروعاً سواء كان الأخير معنيا أم غير معين، وسواء كان موجودا عند مباشرة النشاط أم غير موجود ويتأمل المحتال أن يقع في حبائل خداعه أي شخص في المستقبل.

     وتطبيق لذلك يعتبر عملاً تحضيرياً قيام الفاعل بإعداد مكتب للشركة الوهمية التي سيدعو الناس للاكتتاب بها، أو تزوير الأوراق تمهيدا لاستخدامها بعد ذلك لتدعيم الكذب، أو الاتفاق مع شخص ثالث لتدعيم كذبه الذي سيدلي به أمام المجني عليه.

     ويعتبر شروعاً في الاحتيال وضع إعلان في صحيفة يبين فيه مزايا الشركة الوهمية ويدعو الناس إلى الاكتتاب بها، أو تقديم السند الزور إلى المجني عليه لتدعيم كذبه، أو الإدلاء بالكذب أمام المجني عليه بحضور الشخص الثالث المستعد لتدعيم هذا الكذب.

    وقد يتخذ الشروع في الاحتيال صورة الجريمة المستحيلة، والقاعدة أن المشرع السوري لم يعتد بالجريمة المستحيلة، واعتبرها شروعة في الجريمة، واستثنى من ذلك حالة إذا أتى الفاعل فعله عن غير فهم، أو ارتكب فعلا مباحأ ظانا  أنه يشكل جريمة (مادة 202 من قانون العقوبات).

    والمثال على الجريمة المستحيلة أن يزعم أحدهم أمام المجني عليه أنه مدير لإحدى الشركات ويطلب منه ما ليستثمره له، في الوقت الذي يكون فيه المجني عليه هو المدير الحقيقي لهذه الشركة، أو أحد أقربائه أو احد الموظفين لديه.

     ومن أمثلة الاحتيال عن غير فهم، أن يدعي شخص النبوة أو انه صلاح الدين الأيوبي أو الظاهر بيبرس ويطالب بالمزايا المرتبطة بهذا المركز الذي يدعيه.

     والمثال على الجريمة الوهمية في الاحتيال أن تكون الادعاءات التي يدلي بها الفاعل إلى المجني عليه صادقة تماما بحيث يستحيل تصور الخداع فيها، في حين أن الفاعل يعتقد أنها كاذبة ويستهدف خداع المجني عليه والاستيلاء على بعض ماله.

     وتجدر الإشارة إلى أن العدول الطوعي عن الشروع في الاحتيال لا عقاب عليه إلا إذا شكلت الأفعال التي قام بها قبل العدول جرمأ مستقلاً (مادة 199 فقرة 3).

    بيد أنه لابد أن يكون العدول اختيارية وليس قسرية، أي أن يعود العدول لإرادة الفاعل وليس لسبب خارج عن إرادته.

    فمن يخدع أخر ليسلمه مالاً، وقبل التسليم يتراجع من تلقاء نفسه يعتبر عدولا طوعية لا عقاب عليه، أما إذا  تراجع لأنه شعر أن أمره قد افتضح أولم يثمر خداعه، وطلب منه المزيد من الإثبات عن مزاعمه، ففضل الرجوع الفشله، فلا يعتد هنا بعدوله، ويعتبر شارعا في الجريمة.

    ولا ننسى أن العدول عن الجريمة بعد إتمامها لا يعتد به، فالمحتال الذي يتسلم المال من المجني عليه بعد خداعه، ثم يندم على فعله ويعيد المال لصاحبه، يعتبر مرتكباً لجرم الاحتيال التام، ورد المال لا ينفي المسؤولية عنه ولا يؤثر على أركان الجريمة.

    فالرد هنا ليس عدولاً وإنما ندما، فيطبق على فاعله قواعد الندم الإيجابي الواردة في الفقرة الأخيرة من المادة 200 من قانون العقوبات التي منحت للقاضي سلطة تخفيض العقوبة حتى الثلثين إذا نجحت مساعي الفاعل في الندم الإيجابي، أي إذا أعاد المال فعلاً إلى المجني عليه، أما إذا لم تنجح مساعيه، فلا تخفيف في هذه الحالة، كما لو اتصل بالمجني عليه بعد استيلائه على ماله وأخبره بوجود المال مخبأ في مكان معين، فلم يعثر المجني عليه على ماله نتيجة عثور شخص أخر عليه وأخذه.

  • العلاقة السببية في جرم الاحتيال

    لا يكفي لقيام الركن المادي لجرم الاحتيال أن يمارس الفاعل خداعة بإحدى الوسائل الخمس التي أوردها المشرع، و أن تتحقق نتيجة الجريمة وهي تسليم المجني عليه للمحتال مالا نتيجة الغلط الذي أوقعه به بخداعه، بل لابد أن تتوفر رابطة سببية بين النشاط و النتيجة، بحيث يمكن القول أن النتيجة قد سببها النشاط.

    بناء على ذلك فإن علاقة السببية في الاحتيال تستلزم لقيامها ثلاثة شروط مجتمعة:

    – الرابطة السببية بين فعل الخداع والغلط

    – الرابطة السببية بين الغلط والتسليم

    – وجوب أن يسبق فعل الخداع تسليم المال

    وباجتماع هذه الشروط الثلاثة تعتبر جريمة الاحتيال قد ارتكبت تامة. وفي حال انتفاءها أو انتفاء أحدها تنتفي رابطة السبية.

    إلا أن انتفاء رابطة السببية وإن كان يحول دون تحقق جريمة الاحتيال التامة فقد يتحقق به الشروع في الاحتيال إذا توافرت شرائطه، كما سنرى لاحقا.

    الشرط الأول – الرابط السببية بين فعل الخداع والغلط.

    يجب أن يكون فعل الخداع هو الذي أوقع المجني عليه في الغلط.

    ويتحقق هذا الشرط عندما يؤدي الخداع الذي يمارسه الفاعل إلى جعل المجني عليه يفهم الأمور على غير حقيقتها ويعتقد أن بتسليمه المال سيحقق منفعة أو مصلحة ما.

     بالتالي إذا كان المجني عليه عالما بحقيقة ما وقع عليه من خداع، أو اكتشف هذا الخداع، معنى ذلك أنه الم يقع في الغلط، فإذا سلم مالا بالرغم من ذلك، فلا تقوم رابطة السببية في هذه الحالة، باعتبار أن نشاط الفاعل لم يؤدي إلى وقوع المجني عليه في الغلط ودفعه إلى التسليم، وإنما قد يتم هذا التسليم لاعتبارات أخرى لا صلة لها بفعل الخداع .

     وتطبيقا لذلك أن يزعم شخص بكونه تاجر كبير أمام المجني عليه، وأنه يستثمر أموال العديد من الناس بمردود مغر، وكان حاضرا أثناء ذلك مجموعة من الأشخاص استعان بهم الفاعل لتأييد مزاعمه، فقام المجني عليه بتسليمه مبلغا من المال تحت تأثير الخوف من هؤلاء الأشخاص على الرغم من أنه اكتشف ذلك الكذب ولم يقع في الغلط. أو أن يحاول شخص الحصول على مبلغ من المال من أخر مدعيا أنه يجمع تبرعات لمؤسسة خيرية، فيكتشف الشخص الآخر خداعه، ولكنه يسلمه مع ذلك مبلغا من المال رغبة منه في التخلص من إلحاحه .

    ففي هذه الحالات تنتفي الرابطة السببية بين فعل الخداع وتسليم المال لأن فعل الخداع لم يؤدي إلى وقوع المجني عليه في

    غلط. ويختلف الحكم، وتتوافر رابطة السببية تبعا لذلك بين فعل الخداع و الغلط إذا أدى فعل الخداع إلى وقوع المجني عليه في غلط، حتى ولو لم يكن فعل الخداع هو السبب الوحيد الدافع إلى هذا الغلط، فيكفي أن يكون فعل الخداع أحد الأسباب التي أسهمت في الوقوع في الغلط الدافع إلى تسليم المال.

    وتطبيقا لذلك، إذا كان المجني عليه في مثالنا السابق عن التاجر قد صدق مزاعم التاجر المزعوم ووقع في الغلط، إلا أن تسليمه للمال لم يكن فقط بسبب الغلط الذي أوقعه فيه خداع المحتال، بل كان أيضا بسبب حبه للتفاخر و الظهور ،أمام الأشخاص الموجودين، بمظهر الثري المقتدر رغبة منه في الحصول منهم أو من أحدهم على بعض المزايا. فهنا رابطة السببية بين النشاط و الغلط تعتبر متوفرة بالرغم من عدم إنفراد النشاط في إيقاع المجني عليه في الغلط.

    الشرط الثاني – الرابطة السببية بين الغلط والتسليم.

    أي أن يسلم المجني عليه المال للمحتال نتيجة للغلط الذي أوقعه فيه بخداعه، فالغلط يجب أن يكون هو الدافع إلى التسليم. وبناء على ذلك تنتفي رابطة السيبية بين الفعل والتسليم إذا لم يكن الغلط هو الذي دفع المجني عليه إلى تسليم ماله وإنما كان سيسلم المال ولو لم يقع في غلط، لأن ثمة اعتبارات أخرى هي التي حملته على التسليم .

     والمثال على ذلك أن يدعي أحدهم أمامك بأنه يجمع تبرعات لمؤسسة خيرية، فتسلمه مبلغا من المال، ليس لأنك قد انخدعت بزعمه، وإنما لأنك معتاد على التبرع والإحسان للأخرين.

    وهناك فرضية أخرى تنتفي فيها رابطة السببية بين فعل الخداع والتسليم، إذا تم التسليم ليس بسبب الغلط الذي حاول الفاعل إيقاع المسلم به، وإنما بسبب غلط أخر وقع به الأخير لم يكن للفاعل شأن به.

    مثال ذلك أن يدعي احدهم كذبة أن لديه شركة تدر أرباحاً طائلة ويطلب من أحدهم مالا ليستثمره له، فيسلمه المال، ويثبت بعد ذلك أن تسلیم المال لم يكن بسبب الإدعاء بوجود الشركة، فهذا الإدعاء لم يكن محل اعتبار في نظره، بل كان التسليم بناء على تشابه في الأسماء بين الفاعل وبين شخصية تجارية معروفة، لم يستغله الفاعل، بل انخدع به مسلم المال من تلقاء ذاته .

    الشرط الثالث – ضرورة أن يسبق فعل الاحتيال تسليم المال.

    إن تدرج جرم الاحتيال من خداع إلى غلط إلى تسليم يفترض أن يكون النشاط سابقاً على النتيجة حتى يمكن القول بأن النشاط سبب النتيجة، وهذا التدرج يجب أن يكون بذات الترتيب المذكور وإلا انتفت الرابطة السببية.

     وبناء على ذلك لا تتوافر رابطة السيبية بالنسبة لمن يتسلم المال من المجني عليه دون احتيال ثم يصدر عنه خداعا بإحدى وسائله الخمس كي يتمكن من الفرار بالمال أو التخلص من التزام نشأ في ذمته نتيجة لتسلمه هذا المال.

    والمثال على ذلك أن يسلم صاحب محل المجوهرات الزبون عقدا ثمينا ليفحصه، ثم يدعي الزبون اسم مستعارة أو صفة كاذبة كي يشغله ويتمكن من الفرار به بذريعة أنه يريد أن تفحصه زوجته الموجودة في السيارة.

     ففي هذه الواقعة أتى فعل الخداع بعد التسليم، بالتالي تنتفي الرابطة السيبية، وينتفي جرم الاحتيال تبعا لذلك، ويعتبر الفعل سرقة كون التسليم الحاصل فيها قد نقل اليد العارضية فقط .

  • النتيجة الجرمية (تسليم المال) في جرم الاحتيال مع أمثلة

    نستطيع استخلاص النتيجة الجرمية في الاحتيال من نص المادة 641، حيث عبرت عنها بقولها “

    كل من حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو أسناداً تتضمن تعهداً أو إبراء فاستولى عليها احتيالاً…”.

    من هنا يتضح أن النتيجة الجرمية للاحتيال هي التسليم الصادر من المجني عليه إلى المحتال تحت تأثير الغلط الذي أوقعه فيه بخداعه.

     هذا التسليم المتمثل بنقل حيازة مال من المجني عليه إلى المحتال يفترض فيه أن يكون وليد إرادة معيبة. واتجاه الإرادة المعيبة إلى تسليم المال هو الذي يميز جريمة الاحتيال عن جريمة السرقة.

     فالتسليم في السرقة ينفي عنصر الأخذ حتى ولو كان نتيجة غلط أو خداع.

    أما الاحتيال فيتم باتجاه إرادة المجني عليه إلى تسليم المال إلى المحتال، وإن كانت هذه الإرادة معيبة.

     وبتعبير أخر، فإن إرادة المجني عليه في السرقة لا ترضى عن استيلاء السارق على المال، بينما تتجه إرادة المجني عليه في الاحتيال إلى تسليم المال عن رضا.

    وزيادة في الإيضاح نورد المثال التالي: لنفترض أن شخصا أتى منزل أحد الناس مدعية بأنه موظف في مؤسسة الكهرباء مكلف بفحص التمديدات الداخلية، فقام بإدخاله، وأثناء انشغاله المزعوم بالفحص شاهد مبلغا من المال على منضدة فأخذه.

     فهنا لا يتوافر بفعله جرم الاحتيال بل جرم السرقة، لأن إرادة صاحب المنزل لم تتجه إلى تسليمه النقود.

     إلا أن الحال يختلف فيما لو ادعى هذا الشخص أنه مكلف من مؤسسة الكهرباء بتحصيل الاشتراكات الشهرية، فقام صاحب المنزل بتسليمه المال، فالجريمة هنا احتيال لا سرقة، لأن إرادة المجنى عليه اتجهت فعلا إلى التسليم.

    – إضافة إلى وجوب اتجاه الإرادة إلى التسليم لا بد أيضا أن يتحقق نوع من الاتصال المادي بين المحتال وبين المال الذي يسلم إليه .

     إلا أن ذلك لا يعني أن التسليم لا يتم إلا بالمناولة المادية، فالتسليم هو عمل قانوني بمقتضاه ينقل المجني عليه حيازة المال إلى المحتال وليست المناولة المادية سوى المظهر المادي لهذا العمل، أو هي على الأقل أثر .

    وبناء على ذلك فثمة حالات كثيرة تتم فيها جريمة الاحتيال بالتسليم دون أن يصطحب بمناولة مادية للشيء. وتطبيقا لذلك فإن التسليم يتحقق سواء بالمناولة يدا بيد أو بتسليم مفتاح المكان الذي يوجد به المال، أو بوضع المال تحت تصرف المحتال بحيث يتسلمه حينما يريد.

     ويتحقق التسليم أيضأ سواء قام به المجني عليه نفسه أو شخص أخر، وسواء كان المستلم هو المحتال ذاته أو شخص أخر .

    فمن يحتال على شخص فيو همه بقدرته على استحضار الأرواح ومخاطبة الجن ويحمله على دفع مبلغ من المال، فسيان بعدئذ أن يدفع المال عنه قريب أو صديق، وأن يتسلمه المحتال ذاته أو مستخدما لديه أو قريب أو صديق، سواء كان هذا الشخص مساهمة في الاحتيال أو حسن النية.

     ومن تطبيقات التسليم غير المصحوب بمناولة مادية حمل المجني عليه بالخداع على وضع توقيعه أسفل سند يقدمه إليه المحتال، أو على تسجيل اسمه في دفتر لديه على أنه ممن يستحقون في ذمته مبلغا من المال، أو على إدراج اسمه في قائمة من يستحقون إعانات بطالة أو شيخوخة أو تعويضا تقاعدية، أو أن يحذف من دفاتره مبلغاً ثابتاً في ذمة المحتال.

     بناء على ذلك فالتسليم يتحقق في الأحوال السابقة طالما أن الإرادة اتجهت إليه واتخذت مظهرا ماديا يتمثل في اتصال المحتال بالمال بأي وسيلة كانت أو بواسطة أي شخص كان.

     

    ومتى حصل التسليم الذي اتجهت إليه الإرادة المعيبة قام جرم الاحتيال ولو لم يصب المجني عليه ضرر مالي منه،  أو بمعنى أخر أن تنقص ثروة المجني عليه في مجموعها.

     فللضرر في جرم الاحتيال مفهوم أخر غير نقصان العنصر الإيجابي لذمة المجني عليه.

    فهذا الضرر يتحقق بمجرد العدوان على الملكية والمساس بحرية الإرادة.

     وتطبيقا لذلك فجرم الاحتيال يتحقق بحق من يحصل على قرض بإحدى الطرق الاحتيالية التي نصت عليها المادة 641 ولو ثبتت ملاءته المادية وقدرته وعزمه على الوفاء.

     ومن خدع أخر ليحمله على تسليمه شيئا يرتكب جريمة الاحتيال ولو ترك للمجني عليه ثمنه أو أكثر منه .

    كما يرتكب الاحتيال أيضا الدائن الذي يقوم بتحصیل مال لمدينه بإحدى طرق الاحتيال کي يستطيع أن يفيه دينه.

    ومتى حصل التسليم الذي اتجهت إليه الإرادة المعيبة نسيان أن تكون حيازة المجني عليه للمال مشروعة أو غير مشروعة.

    فالاحتيال يقوم بحق من يستولي على مال بإحدى طرق الاحتيال سواء كان حائز المال مالكاً شرعياً له، أو سارقأ له أو متحصلاً عليه من جريمة أيا كانت .

    و العلة في ذلك أن المال المسروق أو المتحصل عن جريمة هو محل الملكية مالكه الشرعي، وهي ملكية واجبة الاحترام وقد وقع الاعتداء عليها، وبالإضافة إلى ذلك فقد وقع الاعتداء على حرية إرادة الحائز.

     ولا عبرة أيضا في تسليم المال للغرض الذي يسعى وراءه المجني عليه منه، مشروعا كان أو غير مشروع .

     فقد يسلم المجني عليه المال للمحتال ليستثمره له، أو ليحقق له منفعة مشروعة أيا كانت، وقد يسلمه المال لتحقيق غرض غير مشروع كتقديم رشوة إلى موظف أو تهريب مواد يمنع استيرادها، أو إقامة علاقة غير شريفة مع فتاة، فيستغل المحتال ذلك ويمنيه بتحقيق ما يريد ويتسلم منه مالا نظير سعيه إلى معاونته فيما يسعى إليه.

     فعلى الرغم من عدم مشروعية الغرض الذي سلم لأجله المال، فإن ملكية المال تبقى واجبة الاحترام، وقد تحقق فيها الاعتداء على هذه الملكية إضافة للاعتداء على حرية إرادة المجنى عليه.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1