النتيجة الجرمية (تسليم المال) في جرم الاحتيال مع أمثلة

نستطيع استخلاص النتيجة الجرمية في الاحتيال من نص المادة 641، حيث عبرت عنها بقولها “

كل من حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو أسناداً تتضمن تعهداً أو إبراء فاستولى عليها احتيالاً…”.

من هنا يتضح أن النتيجة الجرمية للاحتيال هي التسليم الصادر من المجني عليه إلى المحتال تحت تأثير الغلط الذي أوقعه فيه بخداعه.

 هذا التسليم المتمثل بنقل حيازة مال من المجني عليه إلى المحتال يفترض فيه أن يكون وليد إرادة معيبة. واتجاه الإرادة المعيبة إلى تسليم المال هو الذي يميز جريمة الاحتيال عن جريمة السرقة.

 فالتسليم في السرقة ينفي عنصر الأخذ حتى ولو كان نتيجة غلط أو خداع.

أما الاحتيال فيتم باتجاه إرادة المجني عليه إلى تسليم المال إلى المحتال، وإن كانت هذه الإرادة معيبة.

 وبتعبير أخر، فإن إرادة المجني عليه في السرقة لا ترضى عن استيلاء السارق على المال، بينما تتجه إرادة المجني عليه في الاحتيال إلى تسليم المال عن رضا.

وزيادة في الإيضاح نورد المثال التالي: لنفترض أن شخصا أتى منزل أحد الناس مدعية بأنه موظف في مؤسسة الكهرباء مكلف بفحص التمديدات الداخلية، فقام بإدخاله، وأثناء انشغاله المزعوم بالفحص شاهد مبلغا من المال على منضدة فأخذه.

 فهنا لا يتوافر بفعله جرم الاحتيال بل جرم السرقة، لأن إرادة صاحب المنزل لم تتجه إلى تسليمه النقود.

 إلا أن الحال يختلف فيما لو ادعى هذا الشخص أنه مكلف من مؤسسة الكهرباء بتحصيل الاشتراكات الشهرية، فقام صاحب المنزل بتسليمه المال، فالجريمة هنا احتيال لا سرقة، لأن إرادة المجنى عليه اتجهت فعلا إلى التسليم.

– إضافة إلى وجوب اتجاه الإرادة إلى التسليم لا بد أيضا أن يتحقق نوع من الاتصال المادي بين المحتال وبين المال الذي يسلم إليه .

 إلا أن ذلك لا يعني أن التسليم لا يتم إلا بالمناولة المادية، فالتسليم هو عمل قانوني بمقتضاه ينقل المجني عليه حيازة المال إلى المحتال وليست المناولة المادية سوى المظهر المادي لهذا العمل، أو هي على الأقل أثر .

وبناء على ذلك فثمة حالات كثيرة تتم فيها جريمة الاحتيال بالتسليم دون أن يصطحب بمناولة مادية للشيء. وتطبيقا لذلك فإن التسليم يتحقق سواء بالمناولة يدا بيد أو بتسليم مفتاح المكان الذي يوجد به المال، أو بوضع المال تحت تصرف المحتال بحيث يتسلمه حينما يريد.

 ويتحقق التسليم أيضأ سواء قام به المجني عليه نفسه أو شخص أخر، وسواء كان المستلم هو المحتال ذاته أو شخص أخر .

فمن يحتال على شخص فيو همه بقدرته على استحضار الأرواح ومخاطبة الجن ويحمله على دفع مبلغ من المال، فسيان بعدئذ أن يدفع المال عنه قريب أو صديق، وأن يتسلمه المحتال ذاته أو مستخدما لديه أو قريب أو صديق، سواء كان هذا الشخص مساهمة في الاحتيال أو حسن النية.

 ومن تطبيقات التسليم غير المصحوب بمناولة مادية حمل المجني عليه بالخداع على وضع توقيعه أسفل سند يقدمه إليه المحتال، أو على تسجيل اسمه في دفتر لديه على أنه ممن يستحقون في ذمته مبلغا من المال، أو على إدراج اسمه في قائمة من يستحقون إعانات بطالة أو شيخوخة أو تعويضا تقاعدية، أو أن يحذف من دفاتره مبلغاً ثابتاً في ذمة المحتال.

 بناء على ذلك فالتسليم يتحقق في الأحوال السابقة طالما أن الإرادة اتجهت إليه واتخذت مظهرا ماديا يتمثل في اتصال المحتال بالمال بأي وسيلة كانت أو بواسطة أي شخص كان.

 

ومتى حصل التسليم الذي اتجهت إليه الإرادة المعيبة قام جرم الاحتيال ولو لم يصب المجني عليه ضرر مالي منه،  أو بمعنى أخر أن تنقص ثروة المجني عليه في مجموعها.

 فللضرر في جرم الاحتيال مفهوم أخر غير نقصان العنصر الإيجابي لذمة المجني عليه.

فهذا الضرر يتحقق بمجرد العدوان على الملكية والمساس بحرية الإرادة.

 وتطبيقا لذلك فجرم الاحتيال يتحقق بحق من يحصل على قرض بإحدى الطرق الاحتيالية التي نصت عليها المادة 641 ولو ثبتت ملاءته المادية وقدرته وعزمه على الوفاء.

 ومن خدع أخر ليحمله على تسليمه شيئا يرتكب جريمة الاحتيال ولو ترك للمجني عليه ثمنه أو أكثر منه .

كما يرتكب الاحتيال أيضا الدائن الذي يقوم بتحصیل مال لمدينه بإحدى طرق الاحتيال کي يستطيع أن يفيه دينه.

ومتى حصل التسليم الذي اتجهت إليه الإرادة المعيبة نسيان أن تكون حيازة المجني عليه للمال مشروعة أو غير مشروعة.

فالاحتيال يقوم بحق من يستولي على مال بإحدى طرق الاحتيال سواء كان حائز المال مالكاً شرعياً له، أو سارقأ له أو متحصلاً عليه من جريمة أيا كانت .

و العلة في ذلك أن المال المسروق أو المتحصل عن جريمة هو محل الملكية مالكه الشرعي، وهي ملكية واجبة الاحترام وقد وقع الاعتداء عليها، وبالإضافة إلى ذلك فقد وقع الاعتداء على حرية إرادة الحائز.

 ولا عبرة أيضا في تسليم المال للغرض الذي يسعى وراءه المجني عليه منه، مشروعا كان أو غير مشروع .

 فقد يسلم المجني عليه المال للمحتال ليستثمره له، أو ليحقق له منفعة مشروعة أيا كانت، وقد يسلمه المال لتحقيق غرض غير مشروع كتقديم رشوة إلى موظف أو تهريب مواد يمنع استيرادها، أو إقامة علاقة غير شريفة مع فتاة، فيستغل المحتال ذلك ويمنيه بتحقيق ما يريد ويتسلم منه مالا نظير سعيه إلى معاونته فيما يسعى إليه.

 فعلى الرغم من عدم مشروعية الغرض الذي سلم لأجله المال، فإن ملكية المال تبقى واجبة الاحترام، وقد تحقق فيها الاعتداء على هذه الملكية إضافة للاعتداء على حرية إرادة المجنى عليه.

Scroll to Top