الوسم: محامي مجاني في برلين

  • جناية الايذاء المفضي الى الموت

    الإيذاء المفضي إلى الموت

    نصت المادة 536 على هذه الصورة بقولها

     “1- من تسبب بموت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو العنف أو الشدة أو بأي عمل أخر مقصود عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل.

    2- ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا اقترف الفعل بإحدى الحالات المنصوص عليها في المادتين السابقتين”.

    بتحليل هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

     1- لقد أورد المشرع هذا النص ضمن نصوص جرائم القتل، وكان الأولى به إدراجه ضمن جرائم الإيذاء باعتباره أشد صوره خطورة.

     وذلك أسوة بجرم الإيذاء المفضي إلى الإجهاض الذي ميزه المشرع و أورده ضمن نصوص الإيذاء وليس ضمن نصوص الإجهاض.

     2- تمثل هذه الصورة من صور الإيذاء الجرم الأخطر والأشد ضررة فيها، حيث يؤدي الاعتداء إلى إزهاق روح المجني عليه دون أن يكون الفاعل قاصدأ ذلك.

    3- لا تختلف هذه الصورة عن سابقاتها من صور الإيذاء في الركن المادي المتمثل بأي فعل من أفعال الإيذاء كالضرب أو الجرح أو العنف أو الشدة.

     ولا شك أن سلوك الفاعل يشمل الفعل الإيجابي والفعل السلبي ( أي بالامتناع ).

    فتتوفر الجريمة في حالة ضرب الجاني للمجني عليه أو جرحه بنية إيذائه، فيموت المعتدى عليه نتيجة ذلك.

     أو حالة امتناع الممرضة عن تقديم الدواء في موعده للمريض بقصد الإضرار بصحته فقط، فيموت المريض جراء ذلك، دون أن يتوفر لديها نية قتله.

     كما يشمل سلوك الفاعل الفعل المادي والفعل المعنوي. فتتوفر الجريمة سواء قام الفاعل بإيذاء المجني عليه ماديا، بالطعن أو الضرب باليد أو العصا أو السكين أو الحجارة…الخ، أو إيذاءه معنوية، كترويعه أو تخويفه أو إسماعه نبأ محزنة، أو تسبيب الام نفسية له، وغير ذلك من أنواع التعذيب أو الإيذاء المعنوي .

    كما لو أطلق الفاعل النار تخويفا للمجني عليه، فيموت الأخير من شدة الرعب.

     4- إن النتيجة الجرمية في الجريمة تتمثل بوفاة المجني عليه الذي تعرض للضرب أو الجرح. فلا بد لتحقق هذه الجريمة من حصول الوفاة وإلا فلا مجال لتطبيق نص المادة 536، حتى ولو كان فعل الاعتداء من شأنه إحداث الوفاة.

    – ولا مجال، كما أسلفنا، لتصور الشروع في هذه الجريمة.

    لأن من شروط الشروع توافر قصد إحداث نتيجة معينة، ولا يمكن إعمال هذا الشرط بالنسبة لهذه الجريمة، فلا يمكن أن يتوفر بحق الفاعل قصد إحداث النتيجة التي وقعت أي قصد الوصول إلى موت المجني عليه وإلا لأصبح الجرم قت مقصودة وليس إيذاء مفضية إلى الموت.

     فجرائم الإيذاء يعاقب عليها وفقا للنتيجة التي تقع بالفعل وعلى مقدار خطورتها، وما دام لا يتصور في حق الفاعل إلا توفر القصد الجرمي العام، أي نية المساس بالسلامة البدنية للمجني عليه، فإنه لا يمكن تصور توفر الشروع في هذه الجريمة.

    – وسيان أن تحصل النتيجة الجرمية، أي الوفاة، مباشرة بعد الضرب أو الجرح، أو بعد فترة زمنية تطول أم تقصر.

     فطالما أن الرابطة السببية متوفرة بین الضرب أو الجرح والوفاة، فيسأل الفاعل عن الجريمة ولو طال زمن حصول الموت.

    والمسألة الذي تثار هنا:

    إذا حكم على الفاعل بإحدى جرائم الإيذاء، وأصبح الحكم مبرما.  وأثناء تنفيذ المحكوم عليه العقوبته توفي المجني عليه، وثبت أن سبب الوفاة هو فعل الاعتداء الذي حكم بشأنه المجرم، فما الحل في هذه الحالة؟

     لقد أورد المشرع حل هذه المسألة في المادة 181من قانون العقوبات التي عالجت مسألة تفاقم النتيجة الجرمية اللفعل الواحد.

     وبموجبها عند تفاقم النتيجة (الوفاة بسبب الإصابة) يصبح الجرم قابلا لوصف أشد، فيلاحق الفاعل بهذا الوصف الجديد، وتنفذ العقوبة الأشد دون سواها.

     فإذا كانت العقوبة المقضي بها سابقا قد نفذت، فيجب إسقاط مدتها من العقوبة الجديدة.

     5- يتمثل الركن المعنوي في هذه الجريمة، كغيرها من جرائم الإيذاء في اتجاه النية إلى المساس بسلامة المجني عليه الجسدية، فيقدم الفاعل على ضرب المجني عليه قاصدا إيذاءه فقط، فيؤدي فعله إلى موته دون أن يقصد إحداثه، ودون أن يتوقع حصوله.

     فهذه الجريمة من الجرائم المتعدية القصد، التي يسأل الفاعل عن نتيجتها التي لم يقصدها أصلاً، كونه يتحمل تبعة سلوكه الضار منذ البداية وما يترتب عليه من نتائج ضارة وإن لم يكن يتوقعها.

    ويختلف الأمر إذا ثبت على الفاعل توقعه عند ضربه للمجني عليه حصول الوفاة كنتيجة محتملة لفعله وقبوله بها، راضية بالمخاطرة.

     ففي هذه الحالة تكون أمام جريمة قتل مقصود استنادا للقصد الاحتمالي الذي يساوي القصد المباشر، ويسأل الفاعل بمقتضى المادة 533، وليس إيذاء مفضية إلى الموت.

    6- إن العقوبة المقررة لهذه الجريمة هي الأشغال الشاقة من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة.

     وتشدد هذه العقوبة برفع الحد الأدنى إلى سبع سنوات إذا اقترن فعل الإيذاء بإحدى الحالات المنصوص عليها في المادتين 534 و 535.

     وهي حالات تشدید جرم القتل إلى المؤبد أو الإعدام.

     

  • جناية الإيذاء المفضي إلى إجهاض حامل مع العلم بحملها

    الإيذاء المفضي إلى إجهاض حامل مع العلم بحملها

    نصت المادة 544 على هذه الصورة بقولها

    “يعاقب بالعقوبة نفسها من تسبب بإحدى الطرائق المذكورة في المادة 540 بإجهاض حامل، وهو على علم بحملها“.

    بتحليل هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

    1- لقد ساوى المشرع في هذا النص بين عقوبة الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة وعقوبة الإيذاء المفضي إلى إجهاض حامل مع العلم بحملها، وهذه العقوبة هي الأشغال الشاقة من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.

    2- يفترض هذا النص وقوع اعتداء بصورة ضرب أو جرح أو إيذاء على امرأة حبلى.

    3- إن النتيجة الجرمية المترتبة على الاعتداء لم تتوقف عند المساس بالسلامة الجسدية للمرأة، بل تجاوزت ذلك إلى الجنين الذي تحمله، فأدى الاعتداء إلى إجهاض المرأة، أي إلى إسقاط الجنين قبل الأوان.

    وسيان أن يسقط الجنين حيا أو ميتا، فالجريمة قائمة ما دام الإسقاط قد حصل قبل أوان الولادة. وتختلف هذه الحالة عن حالة قتل الوليد، التي تفترض أن الطفل قد ولد ولادة طبيعية ثم أزهقت روحه أثناء عملية الولادة أو بعدها مباشرة.

    4- لا بد لقيام الركن المعنوي في هذه الجريمة أن تتجه نية الفاعل إلى المساس بالسلامة الجسدية للمرأة، وهو القصد المطلوب توفره في كافة جرائم الإيذاء.

    إلا أنه لا يكفي لوحده لتحقق هذه الجريمة، بل يشترط أن يتوفر لدى الفاعل العلم المسبق بحمل المرأة، ومع ذلك يقدم الفاعل على ضربها أو إيذائها ولكن دون أن يقصد إجهاضها.

    وهذا هو العنصر الأساسي في هذه الجريمة.

    فإذا أقدم الفاعل على ضرب المرأة و هو يجهل حملها فلا يطبق عليه نص المادة 544، ولو تم إسقاط الجنين نتيجة الضرب.

    وتقتصر مسئوليته على النتائج الأخرى غير الإجهاض ، ويطبق عيه أحكام جرائم الإيذاء الأخرى بحسب جسامة النتيجة المترتبة على فعله.

    أما إذا أقدم الفاعل على ضرب المرأة قاصدا إسقاط حملها، فيسأل الفاعل هنا على جرم الإجهاض، المعاقب عليه في المواد 527 إلى 532 من قانون العقوبات.

    5- وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن كافة جرائم الإيذاء السابقة، سواء الجنحية منها أم الجنائية يشدد عقابها وفق نص المادة 545 “إذا اقترف الفعل بإحدى الحالات المبينة في المادتين 534 و 535” أي الحالات المؤدية إلى تشديد عقوبة القتل.

    وهذا التشديد يؤدي إلى زيادة العقوبة من الثلث إلى النصف ومضاعفة الغرامة.

  • جناية الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة

    جناية الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة

    جاء النص على هذه الصورة في المادة 543 كما يلي:

     “إذا أدى الفعل إلى قطع، أو استئصال عضو، أو بتر أحد الأطراف، أو إلى تعطيلهما، أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل، أو تسبب في إحداث تشويه جسيم، أو أية عاهة أخرى دائمة، أو لها مظهر العامة الدائمة، عوقب المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر”.

    بتحليل هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

     1- يجب أن يتوفر في هذا الجرم ذات الأركان العامة التي تشترك بها جميع جرائم الإيذاء بصورها الجنحية والجنائية، سواء ما تعلق بفعل الضرب أو الجرح أو الإيذاء، أي الركن المادي، أو ما تعلق بقصد الإضرار بالسلامة الجسدية للمجني عليه، وهو القصد الجرمي العام المطلوب في كافة جرائم الإيذاء، أي الركن المعنوي.

    2- لا بد لتطبيق نص المادة 543 من توفر النتيجة الجرمية المطلوبة به، والتي عددها النص:

    من قطع أو استئصال العضو أو من بتر لأحد الأطراف أو تعطيله، أو من تعطيل أحد الحواس، أو من إحداث تشويه جسيم أو أية عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة.

    وليس التعداد الذي أورده النص سوى أمثلة، على سبيل التمثيل لا الحصر، عن العاهة الدائمة.

    3- لم يورد المشرع في النص تعريفا للعاهة الدائمة، بل اكتفي كما أشرنا بذكر بعض صورها. ويمكن تعريف العاهة الدائمة استنادا لهذه الصور بأنها

    “حرمان المجني عليه كليا أو جزئيا من منفعة أحد أعضائه أو أطرافه أو حواسه، أو من جماله، حرمانة نهائي “.

     إذا فالعاهة تعني فقد عضو من أعضاء الجسم، سواء كان خارجي أم داخلي، أو حاسة من حواسه، أو تعطيلهما، أو تشويههما بشكل دائم، أي غير قابل للشفاء.

    وتقدير ذلك يعود لقاضي الموضوع الذي يسترشد بالتقرير الطبي وبحالة المصاب.

    ولا ينفي عدم قابلية الشفاء أن يكون الطب قد توصل إلى وضع بديل صناعي للعضو المفقود أو التالف، كأذن صناعية، أو ساق صناعية.

    وتعتبر عاهة دائمة ولو كان من الممكن شفاعها عن طريق جراحة دقيقة تعرض حياة المجني عليه للخطر، إذا رفض المجني عليه إجراءها، فالمجني عليه لا يلزم بإجراء هذه العملية الجراحية.

    4- لم يحدد المشرع نسبة مئوية معينة للنقص الذي لحق منفعة العضو أو الحاسة لتكوين العاهة الدائمة. وهذا يعني أن العاهة تتحقق بهذا النقص مهما كان ضئيلاً.

     فضالة النسبة المئوية لا تنفي صفة العاهة. كما أنه لا يؤثر في قيام العاهة عدم إمكان تقديرها بنسبة مئوية.

    وتطبيقا لذلك فإن عاهة العين تثبت بمجرد فقد البصر فيها، وإن كان المجني عليه يعاني قبل ذلك من ضعف في الإبصار بها.

     فما دام المجني عليه كان يبصر بعينه قبل الاعتداء عليه، ولو بشكل ضئيل، وفقد معظم بصره أو فقده بشكل تام نتيجة الاعتداء، فالعاهة الدائمة تعتبر متوفرة .

     – من الأمثلة على العامة الدائمة فقد البصر أو ضعفه ولو كان مقصورة على إحدى العينين، فقد أو ضعف حاسة الشم أو السمع أو القدرة على النطق، فقد أحد الأصابع أو عدم القدرة على ثنيه، قطع صيوان الأذن، استئصال الطحال أو الكلية ولو كان المجني عليه مصابة بمرض بهما سابقا .

     5- لقد ساوى المشرع بين العاهة الدائمة وبين العاهة التي لها مظهر العاهة الدائمة وإن لم تكن في حقيقتها كذلك.

    وبذلك يحمي المشرع جمال الجسم، بحمايته لفقد جمال أحد أعضائه، إضافة لحماية وظائف الجسم.

     فلو أدى الإيذاء إلى تشويه جسيم في الوجه، كانحراف واضح في الأنف، أو فقد الشعر، أو حرق إحدى الوجنتين، فهو يأخذ مظهر العاهة الدائمة وإن لم يكن ينطوي على فقد عضو من أعضاء الوجه أو جزء منه، أو تعطيل وظيفة حاسة من الحواس.

    وحسنا فعل المشرع بذلك، فما من شك بأن تشويه الوجه يكون له أثر في نفس المجني عليه لا يقل عن فقدان عضو أو تعطيل حاسة من حواسه.

    – إن العقوبة المفروضة على مرتكب هذه الجريمة هي عقوبة جنائية تتراوح بين الثلاث سنوات و العشر سنوات أشغال شاقة.

  • جنحة الايذاء المقصود اذا كان التعطيل عن العمل من 11 – 20 يوم

    الإيذاء المفضي إلى تعطيل عن العمل المدة تتراوح بين إحدى عشرة يوما وعشرين يوما.

    نصت على هذه الصورة المشددة من صور الإيذاء المادة 541 كما يلي:

    “1- إذا نجم عن الأذي الحاصل تعطیل شخص عن العمل مدة تزيد عن عشرة أيام عوقب المجرم بالحبس مدة لا تتجاوز السنة وبغرامة خمسين ليرة على الأكثر أو بإحدى هاتين العقوبتين.

    2- وإذا تنازل الشاکی عن حقه خفضت العقوبة إلى النصف”.

    بتحليل هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

    1- إن معيار العقاب على هذه الجريمة هو أن يؤدي الإيذاء إلى تعطيل عن العمل لمدة تتجاوز العشرة أيام ولا تتجاوز العشرين يوما، بخلاف جرم الإيذاء البسيط الذي يعاقب عليه سواء نتج عن الإيذاء تعطيل عن العمل لم يتجاوز العشرة أيام أو لم ينتج عن الإيذاء أي تعطيل.

     2- إن مفهوم التعطيل عن العمل الذي يعتد به هو العجز عن القيام بالأعمال الجسدية أو البدنية المعتادة ، كالمشي أو تحريك الرجل أو الذراع… الخ، وليس العجز عن القيام بالأعمال المهنية، أي الأعمال المرتبطة بوظيفة المجني عليه، سواء كانت بدنية أم ذهنية.

     فلو أصيب لاعب كرة قدم إصابة أعجزته عن ممارسة اللعب مدة شهرين، لكنها لم تعجزه عن السير بها .

    أو أصيب موسيقي يعزف على الكمان في يده إصابة منعته من القدرة على العزف، إلا أنها لم تحل دون قيامه بالأعمال الجسدية او الفكرية المعتادة، لا يمكن اعتبار ذلك تعطيلا عن العمل في هاتين الفرضيتين.

     بالمقابل لو أصيب شاعر أو أديب إصابة أقعدته في فراشه، ومنعته من القدرة على تحريك إحدى ساقيه، يعتبر ذلك تعطيلاً عن العمل وإن لم يحل ذلك دون قيامه بالتأليف أو بتدوين الشعر.

    3- إن مفهوم التعطيل عن العمل لا يقتصر على عجز المجني عليه التام عن القيام بالأعمال البدنية، بل يشمل أيضا العجز الجزئي .

    بالتالي يتوفر التعطيل عن العمل وان استطاع المجني عليه أن يباشر من غير إجهاد بعض الأعمال الحياتية الخفيفة، كالأكل والشرب والكلام، بينما هو عاجز عن مزاولة الأعمال البدنية العادية كالمشي مثلا.

     وتحديد درجة العجز أو التعطيل عن العمل مسألة يعود تقديرها القاضي الموضوع الذي يسترشد بتقرير الخبرة الطبية.

    4 – لا بد لتطبيق المادة 541 أن تتجاوز مدة التعطيل العشرة أيام، وأن لا تتجاوز العشرين يوماً .

    فما دون العشرة أيام نكون بصدد جنحة الإيذاء البسيط الواردة في المادة 540، وما فوق العشرين يوما نكون بصدد الجريمة الواردة في المادة 542.

    ويدخل في حساب مدة التعطيل عن العمل اليوم الذي ارتكب فيه الفاعل الضرب أو الجرح أو الإيذاء، واليوم الذي ينتهي به العجز عن العمل.

    5- إن العقوبة التي تفرض على مرتكب الجرم الوارد في المادة 541 هي الحبس من عشرة أيام حتى السنة والغرامة البسيطة، وترك المشرع للقاضي الخيار بين الحكم بهما معا أو بإحداهما فقط.

    6- لم يربط المشرع مصير هذه الدعوى بيد المجني عليه.

    فالنيابة العامة تستطيع من تلقاء نفسها تحريك الدعوى العامة فيها دون تقديم شكوى من المتضرر. ويقتصر تأثير المجني عليه في هذه الدعوى على تخفيض عقوبة الجريمة حتى نصفها إذا تنازل عن دعواه.

  • الركن المعنوي في جريمة الايذاء المقصود

    الركن المعنوي

    إن جريمة الإيذاء لا تتطلب سوى القصد الجرمي العام بعنصرية: العلم والإرادة.

     العلم بأركان الجريمة، وإرادة ارتكاب الفعل وإرادة تحقيق نتيجته .

    1- العلم:

     يتوجب أن يكون الفاعل عالمة وقت ارتكاب الفعل بأن فعله يقع على جسم إنسان حي. وينتفي القصد لانتفاء العلم إذا ظن الفاعل أنه يوجه فعله إلى جثة فارقتها الحياة، في حين أن المجني عليه كان مغمى عليه ولا يزال حياً.

     أو إذا أطلق الصياد النار على شجرة معتقدا بوجود طائر عليها فإذا به إنساناً.

     وان أمكن ملاحقته عن إيذاء غير مقصود إذا توفر الخطأ بفعله بإحدي صوره الثلاثة.

    كما يتوجب أن يكون الفاعل عالما بأن من شأن فعله المساس بسلامة المجني عليه.

     وينتفي القصد لانتفاء العلم إذا قدم الفاعل للمجني عليه مادة يعتقد أنها الدواء الذي يتناوله، فإذا بها مادة سامة.

    ويتوجب أخيرا أن يتوقع الفاعل أن فعله سيترتب عليه مساس بسلامة جسم المجني عليه، أي أن يتوقع النتيجة الجرمية، ذلك أنه بغير هذا التوقع لا تتصور إرادة هذه النتيجة التي تعد جوهر القصد.

    فلتوافر القصد الجرمي لا بد أن يتوقع الفاعل المساس الذي طال جسم المجني عليه كأثر لفعله، ولا يغني عن ذلك أنه كان في استطاعته توقع ذلك، ففي هذه الحالة لا ينسب إليه سوى جريمة إيذاء غير مقصود.

     فإذا قدم الفاعل للمجني عليه مادة سامة ليستعملها في إبادة حشرات حديقته، فقام المجني عليه بتناولها، ينتفي القصد في هذه الجريمة.

    2- الإرادة:

     يتوجب أن تتوجه إرادة الفاعل نحو الفعل الذي قام به، ونحو إيذاء المجني عليه أو المساس وجوب توجه الإرادة نحو الفعل والنتيجة.

    فإذا لم تتوجه الإرادة إلى الفعل، لكون الفاعل مكرها على الضرب أو الجرح أو الإيذاء ينتفي القصد الجرمي لديه.

    وكذلك ينتفي هذا القصد إذا لم تتجه الإرادة إلى تحقيق النتيجة، أي المساس بسلامة جسم المجني عليه، ولو اتجهت أساساً حرة مختارة إلى الفعل، في حالة إذا كان الفاعل لم يتوقع هذه النتيجة إطلاقا، أو أنه توقع حدوثها ولم يرضى بها.

    وتطبيقاً لذلك ينتفي القصد الجرمي لانتفاء إرادة النتيجة في حالة قيام شخص بإطلاق الرصاص ابتهاجاً في مناسبة ما، فيصيب أحد الأشخاص بجروح.

     أو قيام شخص بقذف حجر نحو كلب لإبعاده عنه فيصيب احد الأشخاص.

     وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من تخلف القصد الجرمي في هذه الحالات، فإن الفاعل قد يلاحق عن إيذاء غير مقصود إذا ثبت لديه الخطأ.

    ولكن الفاعل عندما يتوقع النتيجة كأثر لفعله فيقبل احتمال وقوعها، أي يقبل بالمخاطرة، فنكون أمام جريمة مقصودة استنادا للقصد الاحتمالي الذي يستوي مع القصد المباشر من حيث قيام الركن المعنوي.

    ومتى توفر القصد الجرمي بالشكل السالف بیانه تحقق الركن المعنوي في جريمة الإيذاء.

     وهذا القصد كاف لوحده لمساءلة الفاعل بصرف النظر عن وجود نية خاصة تتمثل بالإضرار بالمجني عليه أم لا.

    فنية الإضرار ليست عنصراً من عناصر القصد. فالفاعل يسأل عن إيذاء مقصود ولو كانت نيته قد اتجهت إلى المزاح أو إلى شفاء المجني عليه، أو إلى إنقاذه بدفعه کي لا يصاب بطلقة نارية مثلا.

     فهذه النوايا ليست سوى بواعث لا تأثير لها في قيام القصد الجرمي، والقاعدة أن البواعث لا عبرة لها ولو كانت شريفة، وإن يقام لها وزن في تقدير العقاب .

    كما لا يؤثر في قيام القصد الجرمي وقوع غلط في شخص المجني عليه، أي الخطأ في توجيه الفعل، أو غلط في الشخصية.

     وتطبيقاً لذلك يتوفر الإيذاء المقصود بحق من قذف خصمه بحجر فأخطأه وأصاب أخر، أو ضرب شخصا أعتقد خطأ أنه غريمه، كذلك لا يؤثر في قيام القصد كونه محددا أو غير محدد. فتكون الجريمة مقصودة ولو كان الفاعل أراد من فعله إيذاء شخص أو أشخاص لا على التعيين.

    وتطبيقا لذلك يقوم جرم الإيذاء المقصود بمواجهة الشخص الذي يلقي حجرة على مجموعة من الأشخاص مریدا إصابة أي منهم. أو الشخص الذي يضع مواد ضارة في بئر يشرب منه أهل القرية التي يوجد بها.

    ونشير أخيرا إلى أنه لا عبرة أيضا لرضاء المجني عليه بما وقع عليه من ضرب أو جرح أو إيذاء. فهذا الرضا لا ينفي القصد الجرمي ولا يبيح الفعل، ما دام الفاعل قد ارتكب الايذاء عن علم و إرادة.

  • ماهو القتل بدافع الشفقة وماهي عقوبته؟

    القتل بدافع الشفقة

    مما لاشك فيه أن هناك فارق كبير بين الشخص الذي يقدم على القتل بدافع العطف والرحمة الإنسانية، وإشفاقاً على المجني عليه، المريض الذي يعاني آلام شديدة من جراء داء عضال عجز الطب عن شفائه، وبناء على رضاه وإلحاحه في الطلب، وذاك الذي يقدم على القتل بغياً وعدواناً وإضرار بالغير، منقاداً بالأعم الأغلب بدافع دنيء، طمعاً أو جشعاً أو انتقام ….. فالأول يستحق الشفقة والرأفة من جانب المشرع بمقابل الشدة التي يجب أن يؤخذ بها الثاني.

    وإن كانت هذه النظرة تعتبر مخالفة لموقف الدين، الذي لا يعتبر حياة الإنسان حقا من حقوقه، بل هي من حقوق الله، الذي وحده يهب الحياة، ووحده له الحق في سلبها.

    وبالرغم من عدم تأثير الدافع، مبدئياً، على وصف القتل، وعدم الاعتداد به كعنصر من عناصر التجريم، إلا أن المشرع راعى حالة إقدام الشخص على القتل مدفوعاً بعامل إنساني نبيل هو الشفقة والرحمة، وخفف عقاب القتل الواقع بدافع الشفقة معتبراً هذا الدافع قصد جرمياً خاصاً لا بد من توافره لقيام النموذج القانوني المطلوب لهذه الجريمة.

    ولقد نصت على هذه الصورة المخففة للقتل المادة 538 من قانون العقوبات، كما يلي:

     “يعاقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل إنساناً قصداً بعامل الإشفاق بناء على إلحاحه بالطلب”.

     بتحليل هذا النص نستخلص أنه لا بد أن تتوفر في هذه الجريمة الأركان العامة لجريمة القتل البسيط، من اعتداء مميت ونية إزهاق الروح، إضافة لركنين خاصين بهذه الجريمة بالذات، أحدهما يتعلق بالمجني عليه وهو إلحاحه بالطلب، والثاني يتعلق بالركن المعنوي، وهو ضرورة توافر قصدأ جرمية خاصة لدى الفاعل متمثلاً بدافع الشفقة.

    أولا: إلحاح المجني عليه بالطلب.

     إن عبارة بناء على إلحاحه بالطلب، الواردة في صلب النص، تقتضي أن يصدر طلب الخلاص من الحياة من المجني عليه حتى يستفيد قاتله من التخفيف.

     فالمجني عليه هو صاحب المبادرة في طلب الموت.

     أما إذا كانت المبادرة صادرة عن القاتل، بأن أقنع المجني عليه المريض أن يخلصه من الامه وعذابه بتعجيل موته، فلا يستفيد من هذا النص حتى ولو كان دافعه الشفقة.

     بل يلاحق عن جرم القتل البسيط، وان كان يؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد العقوبة نبل الدافع، بمنح القائل عذر الدافع الشريف العام الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات.

    وطلب التعجيل بالموت يجب أن يكون صريحا واضحا وجدية، لا لبس فيه ولا غموض.

    أما مجرد التعبير عن الرغبة في الموت وطلبه للتخلص من الآلام المبرحة فلا يكفي لأخذ هذا الطلب بعين الاعتبار.

     ولم يشترط القانون صيغة أو شكل معين في الطلب.

    فسيان أن يكون كتابي أو شفهياً، لفظاً أو إشارة، ما دام ينم بوضوح عن رغبة المريض في الموت، فهو يحقق شرط التخفيف.

    والمهم في هذه الحالة هو إثبات صدور الطلب من المجني عليه بصرف النظر عن طريقته أو شكله أو صيغته.

    ولا يكفي لاعتبار هذا الركن متوفرة مجرد طلب المجني عليه الصريح والواضح والجدي التعجيل في موته، بل يجب أن يلح في هذا الطلب، أي أن يصدر منه هذا الطلب أكثر من مرة مع الإصرار عليه.

     فصدور الطلب لمرة واحدة لا يكفي لتخفيف العقاب مهما كان هذا الطلب جدية.

    ولا بد أخيراً کي يعتد بالطلب أن يصدر من شخص أهل للمسئولية الجزائية.

     أي صدور الطلب عن إرادة حرة وواعية.

     فالطلب الصادر من مريض مجنون أو قاصر أو مكره لا يعتد به بتاتاً .

    ثانيا: القصد الجرمي الخاص.

    لابد أن يتوفر لدى الفاعل، إضافة للقصد الجرمي العام لجرم القتل البسيط، قصد جرمية خاصة متمثلا بالدافع الذي دفع القاتل إلى القتل.

    فهذا لا يكفي مجرد طلب المريض الجدي والمتكرر لإنهاء حياته تخلصة من آلامه، بل لا بد أن يتفاعل القاتل إنسانية مع هذا المريض، فيشفق عليه لما يعانيه من الام لا تحتمل، نتيجة هذا المرض الميئوس من شفائه، فيعجل بوفاته شفقة عليه ورحمة به.

     فيجب إذن أن يثبت توفر هذا القصد الخاص في نفس الجاني حين إقدامه على تلبية طلب المجني عليه الموت.

     أما إذا انقاد القاتل الدافع أخر غير الشفقة، وأقدم على قتل المريض بناء على طلبة الصريح والجدي، ليوفر مثلا على نفسه نفقات علاجه، أو ليستفيد من وصية حررها لصالحه، أو ليستفيد من جثته علمياً، أو للحصول على أية مصلحة، فلا مجال لتخفيف عقابه.

    – عند توفر الأركان، بالشكل السابق شرحه، تقوم الجريمة الواردة بالمادة 538، ويعاقب فاعلها بعقوبة جنائية تتراوح بين الثلاث و العشر سنوات.

    – ودافع الشفقة هو سبب تخفيف شخصي يستفيد منه فقط من يثبت قيامه لديه.

     أما غيره من المساهمين في الجريمة فلا يستفيدون منه ما داموا لم يعملوا بدافع الشفقة.

  • هل يمكن أن يحصل القتل بوسائل معنوية؟

    القتل بوسائل معنوية

    الغالب أن فعل الاعتداء في جرم القتل يكون مادياً محسوساً، يترك أثراً ظاهراً في جسم الضحية.

     كإطلاق النار أو الطعن أو الضرب أو الخنق أو تقديم السم.

     لكن الحياة لا تعدم حالات معينة ممكن أن يقتل بها شخص بوسائل معنوية، لا تترك أثراً مادياً ظاهراً على جسمه، وإنما تقع على أعصابه أو مشاعره فتحدث لديه اضطراباً يؤدي إلى موته ,كالتهديد والتخويف والترويع والإزعاج والكدر والإهانة.

     فهل تصلح هذه الوسائل ذات الأثر النفسي ليقوم بها الركن المادي للقتل؟

    يذهب بعض الفقه  إلى أن هذه الوسائل لا تصلح لتكوين الركن المادي للقتل لاستحالة إثبات العلاقة السببية بين الوسيلة المعنوية و الوفاة.

     فكيف يمكن للخبرة الطبية أن تثبت أن التخويف مثلا أو الإزعاج والتكدير هما اللذان أحدث اضطراباً في أجهزة الجسم أدى إلى الوفاة.

     وباعتبار أن العلاقة السببية عنصراً من عناصر الركن المادي، فالجريمة لا تقوم إلا بوجود هذه العلاقة.

     أما الرأي الراجح في الفقه و هو، بتقديرنا، ما يتبناه القانون السوري، فيرى أن الوسائل المعنوية تصلح أن تكون الركن المادي لجرم القتل.

     وأن صعوبة إثبات العلاقة السببية هو موضوع شكلي إجرائي لا ينفي المبدأ القاضي بإمكانية القتل بوسائل معنوية.

     فبفرض أن شخصاً أراد تعذيب أخر وقتله بحرمانه من النوم، حتى أودى به الأرق، فما الذي يمنع أن تؤلف هذه الواقعة جريمة قتل؟

    وبفرض أن أحد الورثة أراد التعجيل بوفاة المورث، المسن المريض، ففاجأه بنبأ مفجع، کوفاة زوجته أو أحد أبنائه، فأصيب بسكتة قلبية أودت بحياته.

    أفلم يقم الفاعل بقتل هذا الشخص بهذه الوسيلة؟

     وهل كان يختلف الوضع لو أنه استعمل وسيلة مادية؟

     أضف إلى ذلك، فإن القانون السوري لم يتعرض للوسائل التي قد يستعملها الفاعل في الاعتداء على حياة الآخرين، وإنما وضع الوسائل على صعيد واحد وساوى بينها.

    استنادا لذلك، ومع التسليم بأن الوسائل المعنوية نادراً ما تستخدم للقتل، وان استخدمت فإنه من العسير إثبات القصد الجرمي من جهة، واثبات العلاقة السببية بين الوسيلة والوفاة من جهة ثانية.

     إلا أن ندرة الاستخدام، وصعوبة الإثبات، لا يحول دون الاعتراف بإمكانية اللجوء للقتل بتلك الوسائل، واعتبارها کالوسائل المادية سواء بسواء؛ ما دامت قد أدت إلى ذات النتيجة، وتوفر القصد الجرمي، وثبت بالدليل القاطع الرابطة السببية بين تلك الوسيلة و الوفاة وذلك من خلال بعض الظروف الخارجية التي يمكن اعتمادها كدليل مادي على فعل الاعتداء.

     كاقتران الوسيلة المعنوية المستخدمة بأفعال خارجية، كحركات تهديد أو ضوضاء.

     أو ظهور آثار على جسم الضحية نتيجة للاضطراب الفيزيولوجي الذي عانى منه و يمكن معاينته للتأكد من أن مصدره هو اعتداء الفاعل .

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1