الركن المعنوي في جريمة الايذاء المقصود

الركن المعنوي

إن جريمة الإيذاء لا تتطلب سوى القصد الجرمي العام بعنصرية: العلم والإرادة.

 العلم بأركان الجريمة، وإرادة ارتكاب الفعل وإرادة تحقيق نتيجته .

1- العلم:

 يتوجب أن يكون الفاعل عالمة وقت ارتكاب الفعل بأن فعله يقع على جسم إنسان حي. وينتفي القصد لانتفاء العلم إذا ظن الفاعل أنه يوجه فعله إلى جثة فارقتها الحياة، في حين أن المجني عليه كان مغمى عليه ولا يزال حياً.

 أو إذا أطلق الصياد النار على شجرة معتقدا بوجود طائر عليها فإذا به إنساناً.

 وان أمكن ملاحقته عن إيذاء غير مقصود إذا توفر الخطأ بفعله بإحدي صوره الثلاثة.

كما يتوجب أن يكون الفاعل عالما بأن من شأن فعله المساس بسلامة المجني عليه.

 وينتفي القصد لانتفاء العلم إذا قدم الفاعل للمجني عليه مادة يعتقد أنها الدواء الذي يتناوله، فإذا بها مادة سامة.

ويتوجب أخيرا أن يتوقع الفاعل أن فعله سيترتب عليه مساس بسلامة جسم المجني عليه، أي أن يتوقع النتيجة الجرمية، ذلك أنه بغير هذا التوقع لا تتصور إرادة هذه النتيجة التي تعد جوهر القصد.

فلتوافر القصد الجرمي لا بد أن يتوقع الفاعل المساس الذي طال جسم المجني عليه كأثر لفعله، ولا يغني عن ذلك أنه كان في استطاعته توقع ذلك، ففي هذه الحالة لا ينسب إليه سوى جريمة إيذاء غير مقصود.

 فإذا قدم الفاعل للمجني عليه مادة سامة ليستعملها في إبادة حشرات حديقته، فقام المجني عليه بتناولها، ينتفي القصد في هذه الجريمة.

2- الإرادة:

 يتوجب أن تتوجه إرادة الفاعل نحو الفعل الذي قام به، ونحو إيذاء المجني عليه أو المساس وجوب توجه الإرادة نحو الفعل والنتيجة.

فإذا لم تتوجه الإرادة إلى الفعل، لكون الفاعل مكرها على الضرب أو الجرح أو الإيذاء ينتفي القصد الجرمي لديه.

وكذلك ينتفي هذا القصد إذا لم تتجه الإرادة إلى تحقيق النتيجة، أي المساس بسلامة جسم المجني عليه، ولو اتجهت أساساً حرة مختارة إلى الفعل، في حالة إذا كان الفاعل لم يتوقع هذه النتيجة إطلاقا، أو أنه توقع حدوثها ولم يرضى بها.

وتطبيقاً لذلك ينتفي القصد الجرمي لانتفاء إرادة النتيجة في حالة قيام شخص بإطلاق الرصاص ابتهاجاً في مناسبة ما، فيصيب أحد الأشخاص بجروح.

 أو قيام شخص بقذف حجر نحو كلب لإبعاده عنه فيصيب احد الأشخاص.

 وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من تخلف القصد الجرمي في هذه الحالات، فإن الفاعل قد يلاحق عن إيذاء غير مقصود إذا ثبت لديه الخطأ.

ولكن الفاعل عندما يتوقع النتيجة كأثر لفعله فيقبل احتمال وقوعها، أي يقبل بالمخاطرة، فنكون أمام جريمة مقصودة استنادا للقصد الاحتمالي الذي يستوي مع القصد المباشر من حيث قيام الركن المعنوي.

ومتى توفر القصد الجرمي بالشكل السالف بیانه تحقق الركن المعنوي في جريمة الإيذاء.

 وهذا القصد كاف لوحده لمساءلة الفاعل بصرف النظر عن وجود نية خاصة تتمثل بالإضرار بالمجني عليه أم لا.

فنية الإضرار ليست عنصراً من عناصر القصد. فالفاعل يسأل عن إيذاء مقصود ولو كانت نيته قد اتجهت إلى المزاح أو إلى شفاء المجني عليه، أو إلى إنقاذه بدفعه کي لا يصاب بطلقة نارية مثلا.

 فهذه النوايا ليست سوى بواعث لا تأثير لها في قيام القصد الجرمي، والقاعدة أن البواعث لا عبرة لها ولو كانت شريفة، وإن يقام لها وزن في تقدير العقاب .

كما لا يؤثر في قيام القصد الجرمي وقوع غلط في شخص المجني عليه، أي الخطأ في توجيه الفعل، أو غلط في الشخصية.

 وتطبيقاً لذلك يتوفر الإيذاء المقصود بحق من قذف خصمه بحجر فأخطأه وأصاب أخر، أو ضرب شخصا أعتقد خطأ أنه غريمه، كذلك لا يؤثر في قيام القصد كونه محددا أو غير محدد. فتكون الجريمة مقصودة ولو كان الفاعل أراد من فعله إيذاء شخص أو أشخاص لا على التعيين.

وتطبيقا لذلك يقوم جرم الإيذاء المقصود بمواجهة الشخص الذي يلقي حجرة على مجموعة من الأشخاص مریدا إصابة أي منهم. أو الشخص الذي يضع مواد ضارة في بئر يشرب منه أهل القرية التي يوجد بها.

ونشير أخيرا إلى أنه لا عبرة أيضا لرضاء المجني عليه بما وقع عليه من ضرب أو جرح أو إيذاء. فهذا الرضا لا ينفي القصد الجرمي ولا يبيح الفعل، ما دام الفاعل قد ارتكب الايذاء عن علم و إرادة.

Scroll to Top