الوسم: استشارات محامي

  • السرقة نهارة مع تعدد السارقين من مسكن أو معبد

    لا بد في هذه الصورة أن يتوفر ظرفي التعدد والمكان

    فظرف التشديد هنا مناطه قيام اثنين فأكثر بسرقة مسكن أو معبد أثناء النهار.

     ولقد سبق لنا تفصيل مدلولات التعدد والمسكن و المعبد.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أن المسكن أو المعبد لا يشكل ظرفا مشددة بذاته، بل لا بد أن يقوم إلى جانبه ظرف مشدد أخر، هو الليل أو تعدد السارقين.

     أما لو تمت السرقة من شخص واحد نهاراً فلا تشديد في هذه الحالة، وهو أمر منتقد، لأن علة التشديد هي حرمة المسكن ومكان العبادة، ولا فرق بين أن يقوم بها سارق واحد أو أكثر.

    بالتالي فإن خطة المشرع لم تكن موفقة بهذا الخصوص، فكان أولى بالمشرع أن يراعي بالتشديد حرمة هذه الأماكن بغض النظر عن ظرف الليل أو التعدد.

    و بتوظيف الرياضيات في ظرف التشديد هذا نخلص إلى المعادلة التالية:

     السرقة نهارة + تعدد السارقين + مسكن أو معبد = سرقة مشددة عقابها الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة.

  • الركن المعنوي في جريمة السرقة

    إن السرقة جريمة مقصودة لا تقع إلا إذا توفر القصد الجرمي لدى مرتكبها.

    ولا يمكن ملاحقة شخص بسرقة غير مقصودة مهما بلغت جسامة الخطأ الذي وقع به.

     فمن يأخذ حقيبة غيره ظانا أنها حقيبته بالرغم من اختلاف لوني الحقيبتين، فلا يعد سارق لها إذا ثبت، مثلا، أنه عند أخذه الحقيبة كان ساهي ولم ينتبه إلى اختلاف اللون.

     ولا يمكن ملاحقته بسرقة مقصودة لانتفاء علمه بملكية الغير لها، لاعتقاده أنها ملكه.

    وككل الجرائم المقصودة لا بد أن يتوفر لدى الفاعل القصد الجرمي العام، بعنصرية العلم والإرادة. لكن القصد العام لا يكفي وحده لقيام جريمة السرقة، بل لا بد أن يتوفر لدى الفاعل، إضافة للقصد العام، قصدأ جرمية خاصة، يتمثل بنية التملك.

    1- القصد الجرمي العام ( العلم والإرادة).

    يتوفر هذا القصد بعلم الفاعل بأركان الجريمة، واتجاه إرادته إلى ارتكاب الفعل وتحقيق النتيجة.

    و بإسقاط هذا المفهوم على السرقة نستخلص أنه لا بد لقيام القصد الجرمي العام فيها أن يعلم السارق أنه يستولي على مال مملوك للغير بدون رضاه، وأن تتجه إرادته للفعل والنتيجة، أي أن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للمال.

    أ- عنصر العلم.

    – فالفاعل يجب أن يكون عالما بأنه يأخذ مالا تعود ملكيته لغيره. فإذا انتفي علمه بهذه الواقعة غاب عن الجرم رکنه المعنوي، وبالتالي انتفت السرقة.

    فإذا اعتقد الفاعل ملكيته للمال الذي أخذه، أو اعتقد أن المال متروك أو مباح، انتفي القصد الجرمي لديه.

    فمن يستقل سيارة مشابهة لسيارته، ينتفي الركن المعنوي لديه، إذا كان يعتقد أنها سيارته. والطالب الذي يأخذ كتاب طالب أخر من على المقعد لا يعتبر سارقاً له إذا اعتقد أنه كتابه.

    والملاحظ في هذه الأمثلة أن جهل الشخص الملكية المال للغير يعتبر غلطاً في الواقع، واقعة على أوصاف الشيء، أو على ظروف أخذه، أي على أحد عناصر الفعل.

     إلا أن الأمر يصبح خلاف ذلك، ولا ينتفي القصد الجرمي، إذا وقع الشخص في غلط في القانون.

    كمن يستولي على قطعة أثرية ظاناً أن الآثار هي ملك لمكتشفها، أو إذا قام الدائن بالاستيلاء على مال لمدينة استيفاء لدينه، ظاناً بأن فعله مشروع.

    فالقاعدة المطبقة هنا أن الغلط الواقع على القانون لا ينفي الركن المعنوي، فالفاعل يعتبر سارقاً في هذه الأمثلة، إذلا جهل في القانون. .

     – كما يجب أن يعلم الفاعل بعدم رضاء المالك أو الحائز للمال على أخذ المال.

     أما إذا اعتقد أو ظن أن المجني عليه راضية بذلك، فينتفي لديه الركن المعنوي.

     كما لو اعتاد أحد الرعاة على رعي قطيعه في أرض احد الأشخاص بناء على موافقته.

    واستمر بذلك بالرغم من بيع الأرض لشخص أخر دون علمه بذلك. فهذا الراعي لا يمكن ملاحقته من قبل المالك الجديد بجرم السرقة لانتفاء علمه بعدم رضاء المالك الجديد عن تصرفه، واستمراره بفعله استنادا لموافقة المالك القديم.

    ب- عنصر الإرادة.

    إضافة للعلم بأركان الجريمة يجب أن تتجه إرادة الفاعل إلى الفعل والنتيجة.

     وكما أشرنا سابقاً، فإن جريمة السرقة  تتميز باندماج النتيجة مع الفعل، لأن النتيجة تتحقق بمجرد ارتكاب الفعل، وتتكامل معه.

     فلا بد لتوافر هذا العنصر أن تتجه إرادة الفاعل إلى النشاط الجرمي، أي إلى فعل الأخذ الذي يتمثل بمجموعة الحركات التي يأتيها الفاعل، والتي من شأنها إخراج المال من حيازة المجني عليه وإدخالها في حيازة أخرى.

    وينتفي هذا العنصر إذا كانت الإرادة مكرهة على الفعل، كمن يقوم بسرقة مال مملوك لغيره تحت تهديد السلاح أو الابتزاز.

     كما يجب أن تتجه الإرادة إلى إخراج الشيء مادية من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازة الفاعل أو حيازة غيره، وأن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للشيء.

    وينتفي القصد الجرمي إذا لم تتجه إرادة الفاعل إلى إخراج الشيء ماديا من حيازة المجني عليه، كأن يكون قد وضعه شخص أخر في جيبه أو في حقيبته دون علم منه.

     أو إذا استولى على الشيء معتقدا أن مالكه قد تخلى له نهائيا عنه، أي معتقدا أنه سلم له على سبيل الحيازة التامة، بينما كان قصد المجني عليه منصبا على تسليمه الحيازة الناقصة، كالعارية مثلا، أو في اليد العارضة فقط، لفحصه مثلا وإعادته إليه.

    1- القصد الجرمي الخاص (نية التملك).

    إن القصد الخاص في السرقة يتمثل بنية تملك الشيء.

    وهذا لا يعني أن يصبح السارق، بحكم القانون مالكا للشيء، باعتبار أن القانون لا يعتد بهذه النية، وأن السرقة ليست سببا معترفا به قانونا لاكتساب الملكية.

     فما تعنيه نية التملك هو إرادة الظهور على الشيء بمظهر المالك له، أي إرادة مباشرة السلطات التي ينطوي عليها حق الملكية.

    وهذه النية تقوم على عنصرين:

    عنصر سلبي يتمثل في إرادة حرمان المالك من سلطاته على الشيء، ويتجلى هذا العنصر بالعزم على الاحتفاظ بالشيء و عدم رده.

    و عنصر إيجابي يتمثل في اتجاه إرادة السارق إلى أن يحل محل المالك في سلطاته على الشيء، أي أن يتصرف بالشيء كما يفعل المالك، ويتجلى هذا العنصر بإرادة السارق أن يباشر على الشيء سلطة تشبه في مظهرها و عناصرها السلطة التي يعترف بها القانون للمالك.

     وهذا يعني أن نية التملك لا تتجه إلى الملكية كحق، لأن النية السيئة لا تنشئ حقاً في القانون ، و إنما تتجه إلى الملكية “كمركز واقعي وفحوى اقتصادي، أي مجموعة من السلطات والمزايا الفعلية .

     واستنادا إلى ما تقدم فإن نية التملك تتمثل في الاتجاه إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للشيء، وتنتفي تبعا لذلك إذا  كانت الإرادة قد اتجهت إلى اكتساب اليد العارضة على الشيء، كمن يأخذ شيئا بقصد الاطلاع عليه وإرجاعه إلى مكانه ولو كان ذلك الأخذ ضد إرادة المالك أو الحائز.

    أو كمن يأخذ الشيء على سبيل المزاح، باعتبار أن المزاح يفترض وضع يد عارض ومؤقت ويعني حتما العزم على رد الشيء.

    أما إذا تصرف بالمال ببيعه مثلا فيعتبر سارقاً له، فلا يجوز أن يبلغ المزاح حد التصرف في الشيء ببيعه، لأن التصرف سلطة لا يباشرها غير المالك.

     كما تنتفي نية التملك إذا كانت الإرادة قد اتجهت إلى اكتساب الحيازة الناقصة.

    ومن هذا القبيل من يأخذ شيئا بنية استعماله أو الانتفاع به مؤقتا ثم إعادته.

    فلا يعد سارقاً الطالب الذي يأخذ قلم زميله کي يستعمله ثم يعيده لصاحبه، أو الشخص الذي يأخذ دابة جاره ليحرث بها أرضه ويردها بعد ذلك.

    – وتجدر الإشارة إلى أن المشرع السوري قد أفرد الاستعمال أشياء الغير بدون وجه حق نصاً خاصاً في المادة 637 من قانون العقوبات السوري، كما يلي كل من استعمل دون حق شيئا يخص غيره، بصورة تلحق به ضررة، ولم يكن قاصدا اختلاس الشيء، عوقب بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة…، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

     والملاحظ في هذا النص عدم اعتبار المشرع الاستعمال أشياء الغير سرقة ما دام الفاعل لم يقصد الاستيلاء على الشيء، أي تملكه.

     إلا أنه يشترط الإيقاع العقاب أن يؤدي استعمال الشيء إلى ضرر يلحق بصاحب الشيء.

    أما في حالة انتفاء الضرر فلا عقاب.

    كما تجدر الإشارة إلى أن هذا النص لا يشمل السيارات، وان كان ينطبق عليها وصف استعمال أشياء الغير، إذا قام شخص بأخذ سيارة مملوكة لأخر وتنزه بها، ثم أعادها إلى مكانها أو تركها في مكان آخر.

    فلقد أفرد المشرع السوري لسرقة السيارة، ولاستعمالها دون قصد سرقتها، نصاً مستقلاً في صلب المادة 625 مكرر، معتبراً أن أخذ السيارة دون قصد تملكها جرم جنائي الوصف.

     وهو ما سنتناوله في معرض شرح الظروف المشددة لجريمة السرقة. كما تنتفي نية التملك لدى الدائن الذي يستولي على مال المدينه ضمانا و تأمينا لدينه دون أن يقصد تملكه، بل بقصد رده إلى صاحبه بعد الوفاء بالدين .

    وتنتفي النية أيضا لدى الشخص الذي يستولي على منقول لغيره، كمسدس أو سكين، لمنع أذاه، كما لو جرد الفاعل رجلاً من سلاحه خشية الإصابة به، فلا سرقة ولو أخفي هذا السلاح.

    – وعند توافر القصد الجرمي، العام والخاص، بالصورة التي سبق بيانها، تقوم جريمة السرقة، ولا عبرة بعد ذلك للباحث أو الدافع الذي دفع الفاعل إلى السرقة، سواء كان دافعا شريفا أو دنيئا .

     فيستوي أن يكون الدافع إلى السرقة الحاجة، أو التصدق على الفقراء، أو الطمع أو مجرد الانتقام، أو الرغبة في الإثراء أو في إفقار المجني عليه، كما لا يؤثر في قيام القصد، وتوفر السرقة، غنى السارق أو سمعته الشريفة ، فقد يكون مدفوعاً إليها بعامل الطمع في مال الغير.

    وبالرغم من عدم الاعتداد بالدافع في قيام القصد الجرمي، فإن للدافع أثرا في تقدير العقوبة، شدة أو ليناً، بحسب کونه شريفاً أو دنيئاً.

    – ولا بد لقيام القصد من معاصرته للفعل المادي الذي تتكون منه الجريمة، أما القصد اللاحق له فلا يكفي لقيام الجريمة.

    فإذا كان الاستيلاء على الشيء بحسن نية ثم نشأ سوء القصد بعد ذلك فلا سرقة.

    فلا يعد سارقاً من يأخذ متاعا لأخر معتقداً أنه مملوك له ثم تتبين له الحقيقة فيما بعد ورغم ذلك لم يرده لصاحبه.

    ولا يعد سارقاً أيضاً من يأخذ شيئاً يعتقد أنه قد أعير له أو أودع لديه، ثم تسوء نيته عندما يكتشف الحقيقة فيقرر الاستيلاء عليه.

     لكن الأمر يختلف إذا كانت يد الشخص على الشيء عارضة، ثم قامت لديه بعد وضع يده نية الاستيلاء عليه، فإن قصد السرقة يعد متوافرة لديه.

     وعلة ذلك أن وضع اليد العارضة على الشيء لا يشكل أخذا، باعتبار أنه لا ينطوي على تبديل الحيازة.

    فالحيازة باليد العارضة تبقى للمالك وليس لصاحب اليد العارضة، ومن ثم لا عبرة بأن نية التملك لم تكن متوفرة عند وضع اليد العارضة.

     وفعل الأخذ يرتكب حين يقرر صاحب اليد العارضة الاستيلاء على الشيء، لأنه في هذه اللحظة يخرجه من حيازة مالكه ويدخله في حيازته، وفي هذه اللحظة ذاتها توافرت نية التملك، وتحقق بذلك تعاصر القصد مع فعل الأخذ.

    وعليه يعد سارقاً من يتناول من صاحب محل بيع المجوهرات خاتما ليطلع عليه بغية شرائه، أي أن نيته كانت حسنة عند تناوله للخاتم، ولكن هذه النية ساءت بعد برهة، فهرب بالخاتم .

    كما يعد سارقاً أيضاً من يتناول شيئاً ليطلع عليه بدافع الفضول وبنية حسنة، ثم تسوء نيته بعد الاطلاع عليه فيفر به

    – ولا ريب أخيراً أن تقدير توافر أو انتفاء القصد الجرمي هي مسألة موضوع تعود لمحكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض.

    إلا أن إغفال الحكم التحدث عن القصد، إثباتا أو نفية، يجعله قاصرا في التعليل، وقابلا للطعن بالنقض

     

     

  • ماهي جريمة القتل أو الإيذاء الواقع أثناء مشاجرة وما أركانها؟

    القتل أو الإيذاء الواقع أثناء مشاجرة

    هذه الحالة نصت عليها المادة 546 كما يلي: “- إذا وقع قتل شخص أو إيذاؤه أثناء مشاجرة اشترك فيها جماعة، ولم تمكن معرفة الفاعل بالذات عوقب جميع من حاولوا الإيقاع بالمجني عليه بعقوبة الجريمة المقترفة بعد تخفيض العقوبة حتى نصفها. – وإذا كانت الجريمة تستوجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد قضي بالعقاب لا أقل من عشر

    سنوات”.

    يلاحظ في هذا النص أن المشرع أوجد به حكمة خاصة للمشاجرة التي ينتج عنها قتل أحد الأشخاص أو إيذائه دون أن يعرف الفاعل .

    فمجرد الاشتراك في مشاجرة من هذا النوع يعتبره القانون جريمة قائمة بذاتها يعاقب عليها بنصف العقوبة المقررة لجريمة القتل أو الإيذاء التي ارتكبت. يستنتج من ذلك أن المشاجرة التي لم تفض إلى موت أو إيذاء لا يطبق عليها النص المذكور، ولا يعاقب عليها أصلا.

     كذلك إذا عرف مرتكب فعل القتل أو الإيذاء فلا مجال أيضا التطبيق النص المذكور، وإنما تطبق على هذه الواقعة قواعد المساهمة الجرمية، فيعاقب المساهمين كل على حسب الدور الذي قام به من فاعل أو شريك أو متدخل.

     فالمشرع إذن أوجد هذا النص ليحل به مشكلة صعوبة إثبات مرتكب الفعل القاتل أو المؤذي في المعارك الجماعية التي يصعب معرفة وتحديد مسئولية المشتركين فيها، معتبراً جهالة الفاعل في هذه الجريمة عذراً قانونياً مخففاً لعقوبة القتل أو الإيذاء الناتج عنها.

    أركان الجريمة

    لا بد أن يتوفر لقيام هذه الجريمة أربعة أركان: وجود مشاجرة – نتج عنها قتل أو إيذاء – لم يعرف مرتكبه – القصد الجرمي.

    1- وجود مشاجرة:

     المشاجرة تعني العراك والمضاربة بين عدة أشخاص يتبادلون فيها العنف، سواء باحتكاك مباشر بينهم أو بدون احتكاك مباشر، كما لو تمت المشاجرة بالرمي بالحجارة بين أطرافها. وعلى الأغلب فإن العراك الجماعي يتخلله عنف وجرح ورض وإيذاء وموت أحيانا.

    والمشاجرة بهذا المعنى لا تتوفر في حالة الملاسنة والسباب والشتائم، حتى لو أدت إلى إيذاء أو موت لأحد بين اثنين ومات أحدهما أو تعرض لأذى، فالفاعل فيها معروف حتماً.

     بالتالي لتطبيق حكم المادة المذكورة لا بد أن يكون الفاعل مجهولاً.

    وجهالة الفاعل تفترض أن يكون المشتركين ثلاثة على الأقل، قتل أحدهم أو تعرض لأذى دون أن يعرف الفاعل.

    2- أن ينتج عن المشاجرة قتل أو إيذاء:

     إن هذه النتيجة الجرمية هي الشرط الأساسي للعقاب على الاشتراك بمشاجرة، باعتبار أنه لا عقاب على الاشتراك بمشاجرة ما لم تؤدي إلى وفاة أو إيذاء.

    ومتى قامت الصلة السببية بين المشاجرة و النتيجة الحاصلة، فهل يسأل كل من ساهم في المشاجرة عن هذه النتيجة؟ الواضح أن المشرع السوري لم يطلق المسئولية عن النتيجة الحاصلة على جميع من ساهم بالمشاجرة، بل قيدها  بالمساهمين الذين حاولوا الإيقاع بالمجني عليه.

    وان كانت هذه العبارة يعتريها اللبس والغموض في صياغتها، وكان أولى بالمشرع استعمال صياغة أوضح وأدق للتعبير عن إرادته في قصر العقاب عن النتيجة الحاصلة على الأشخاص الذين ثبت عليهم عملياً بين المساهمين الذين حاولوا الإيقاع أنهم سعوا لقتل المجني عليه أو إيذاءه، مع التسليم بصعوبة التمييز بالمجني عليه والمساهمين الذين لم يحاولوا ذلك.

    وعند توفر الشرط الأساسي للعقاب في هذه الجريمة، وهو حصول النتيجة الجرمية المتمثلة بالوفاة أو الإيذاء، فسيان، بعد ذلك، أن يكون المجني عليه فيها مشتركاً في المشاجرة أو غير مشترك: كأن يقتل شخص كان ماراً مصادفة أثناء المشاجرة، أو متفرجاً عليها، أو شخص حاول تفريق المتشاجرين فأصيب بطعنة طائشة لم يعرف مصدرها.

    وسيان أيضاً وسيلة المساهمة في المشاجرة، مادية كانت أم معنوية.

    فقد تتجلى المساهمة بصورة مادية، بإحدى وسائل التدخل: كما لو استعد مثلا زيد وبكر للدخول في عراك مع عمر وأخيه، فيقوم أحدهم بتزويد زيد وبكر بأدوات للاعتداء على عمر، وبالفعل تنتهي المشاجرة بإيذاء عمر أو وفاته دون معرفة الفاعل، فيلاحق زيد وبكر عن الجرم الوارد في المادة 546، أما من قدم لهم الأدوات فيلاحق کمتدخل في هذه الجريمة، على ضوء المادة 218 من قانون العقوبات.

    وقد تتجلى المساهمة بصورة معنوية، بالتحريض: كما لو حمل أحدهم فئة من المتشاجرين على النيل من أحد المساهمين فيها، وبالفعل تم النيل منه قتلاً أو إيذاء دون معرفة الفاعل، فيسأل المحرض مع المساهمين الأخرين عن الجريمة الواردة في المادة 546.

    3- جهالة الفاعل:

     إن العلة من عقاب المشتركين في المشاجرة ممن حاولوا الإيقاع بالسجني عليه بدون تمييز تكمن في هذا الركن. فلقيام هذه الجريمة لا بد أن يكون مرتكب القتل أو الإيذاء مجهولا. لأنه لو عرف الفاعل لعوقب لوحده

    عن النتيجة الحاصلة، الموت أو الإيذاء، ولعوقب باقي المشتركين وفق قواعد المساهمة الجرمية، كشريك أو متدخل او محرض، أي لعوقب كل مساهم عن الدور الذي قام به فقط.

    4- القصد الجرمي:

    لم يكتف المشرع لقيام هذه الجريمة بضرورة توافر القصد الجرمي العام المتمثل بقصد الاشتراك بالمشاجرة، بل تتطلب، إضافة لذلك، توافر قصداً جرميً خاصً متمثلاً بقصد الإيقاع بالمجنى عليه.

    لا بد إذن لقيام هذه الجريمة أن يتوفر لدى الفاعل عناصر القصد العام، بعلمه بأركان الجريمة، من حيث كونه يشترك بمشاجرة قد ينتج عنها أذا من نوع ما، واتجاه إرادته، حرة مختارة، إلى دخول المشاجرة، دون أن يكون مكرها أو في حالة ضرورة، أو أن يكون في حالة دفاع مشروع عن النفس برد الاعتداء عنه أو عن غيره.

     فلو كان كذلك الاستفاد من سبب تبرير أو مانع عقاب إذا توافرت شروطه.

     وأن لا يقتصر قصده على مجرد التفرج على المشاجرة أو على تفريق المشتركين فيها عن بعضهم. فمثل هؤلاء لا يعتبرون قد اشتركوا بالمشاجرة بالمعنی القانوني.

    إضافة لضرورة توافر القصد العام، لابد أن يتوفر لدى الفاعل قصداً جرمياً خاصاً متمثلاً باتجاه إرادته إلى الإيقاع بالمجني عليه، أي اتجاه إرادته إلى النتيجة الحاصلة، من موت أو إيذاء. بالتالي، کي يسأل المشترك بمشاجرة عن النتيجة التي تولدت عنها لابد أن يثبت لديه القصد الخاص، أي اتجاه إرادته لهذه النتيجة، مع التسليم بصعوبة ذلك في المشاجرات التي يكثر فيها عدد المشاركين.

    وغني عن البيان أن إصابة المشترك في مشاجرة بجروح أو رضوض مهما بلغت جسامتها لا يمنع من ملاحقته عن موت أحد المشتركين أو إيذاءه، إذا ثبت أنه أراد هذه النتيجة من خلال محاولته الإيقاع بالمجني عليه.

    – عند توافر أركان الجريمة يعاقب جميع من حاول الإيقاع بالمجني عليه من المشتركين بعقوبة الجريمة المقترفة المؤقتة بعد تخفيضها حتى النصف.

     أما إذا كانت العقوبة الإعدام أو المؤبد، فيجب أن لا تقل العقوبة عن عشر سنوات.

    وقد أورد المشرع لهذه العقوبة ظرفا مشددا نص عليه في المادة 547، كما يلي: التشدد العقوبات السابق ذكرها وفاقا لما نصت عليه المادة 247 على من كان السبب في المشاجرة”.

    يلاحظ في هذا النص أن عبارة “السبب في المشاجرة” يعتريها اللبس والغموض وعدم الدقة في الصياغة.

     فمن هو الشخص المسبب للمشاجرة؟ هل هو من نشأت المشاجرة من أجله؟ أم هو من بدأها؟ أم هو من أشعل فتيلها وحرض عليها؟

    في الحقيقة لا يمكن أن يكون مسبب المشاجرة، المعني بالنص، هو الذي حصلت بسببه أو من أجله المشاجرة.

     فقد تنشأ المشاجرة مثلاً بسبب توجيه كلام غزل إلى أنثى أو التحرش بها، فتثور حمية من كان معها، أو أحد أقاربها أو معارفها، فتبدأ المشاجرة وينتج عنها قتل او إيذاء.

     فلا يعقل أن تلاحق الفتاة بهذه الجريمة لمجرد أن المشاجرة قد نشأت بسببها، فكيف بتشدید عقابها ! فهي لم تشترك فيها ولم تحاول الإيقاع بالمجني عليه.

     بتقديرنا، أن مسبب المشاجرة الذي يستحق تشدید عقابه هو من أشعل نار ها وحرض عليها، سواء اشترك بها أم لم يشترك.

     فعلة التشديد تكمن في خطورة ما قام به هذا الشخص.

  • ماهي عقوبة جريمة الحمل أو المساعدة على الانتحار وما أركانها؟

    الحمل أو المساعدة على الانتحار

    لم يعتبر المشرع الحديث، على خلاف التشريعات الجزائية القديمة، الانتحار جرماً معاقباً عليه.

     فالنظرة القانونية الحديثة تعتبر أن حياة الإنسان حق من حقوقه الشخصية، له التصرف فيها دون أن يحاسبه أحد.

     وإذا كان المشرع الحديث لا يعاقب الإنسان على قتل نفسه أو إيذائه إياها، فإن موقفه يختلف تجاه الشخص الذي يحمل الغير أو يساعده على قتل نفسه.

    بعض التشريعات، كالمصري، لا يعاقب هذا الشخص باعتبار أن الانتحار هو فعل مباح، فالتحريض والمساعدة على فعل مباح يعتبر مباحأ أيضاً  بعض التشريعات الأخري  تعتبر أفعال الحمل و المساعدة على الانتحار أفعالاً غير مشروعة، بالرغم من اعتبارها مباح، كان لا بد للمشرع من إيجاد نص خاص وصريح بالمعاقبة عليها.

    وهذا ما أخذ به المشرع السوري بنص المادة 539 من قانون العقوبات، كما يلي:

    “1- من حمل إنسانا بأي وسيلة كانت على الانتحار أو ساعده بطريقة من الطرق المذكورة في المادة 218 – الفقرات أ- ب – د – على قتل نفسه، عوقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر إذا تم الانتحار.

     2- وعوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين في حالة الشروع في الانتحار إذا نجم عنه إيذاء أو عجز دائم.

     3- وإذا كان الشخص المحمول أو المساعد على الانتحار حدثا دون الخامسة عشرة من عمره أو معتوها طبقت عقوبات التحريض على القتل أو التدخل فيه”.

     

    من استقراء هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

    1- أن المشرع السوري لا يجرم الانتحار بحد ذاته، ولكنه يجرم الحمل أو المساعدة عليه.

     2- أن المشرع لا يعاقب على الحمل أو المساعدة على الانتحار إلا إذا حصلت النتيجة الجرمية الضارة، وهي وفاة المنتحر أو عجزه الدائم أو إيذاءه.

     أما إذا تم فعل الحمل أو المساعدة، وأقدم المنتحر فعلا على الانتحار، إلا أن مساعيه لم تفلح، فلم يمت، ولم يصب بعجز أو إيذاء، كأن يخطى في التنفيذ أو يتدخل شخص آخر فينقذه، فلا مجال الملاحقة من حمله أو ساعده على ذلك.

     3- لا عقاب على الشروع في الحمل أو المساعدة على الانتحار.

    لأنه لا بد للعقاب من تحقق النتيجة التي استوجبها المشرع، أي الوفاة أو العجز أو الإيذاء.

     4- يستبعد تطبيق أحكام المادة 539 إذا وقع الحمل على الانتحار أو المساعدة عليه على حدث دون الخامسة عشرة من عمره أو على معتوه.

    فالشخص الذي يقوم بهذه الأفعال في هذه الحالة يعتبر فاعلا معنويا لجريمة القتل، ويطبق عليه أحكام التحريض على القتل أو التدخل فيه، ويستبعد تطبيق المادة 539.

    أركان الجريمة

    لهذه الجريمة ركنين مادي و معنوي.

    أولا- الركن المادي :

    لابد أن يتوفر في الركن المادي لهذه الجريمة أربعة عناصر:

     – النشاط الجرمي الذي يتمثل في صورة الحمل على الانتحار أو صورة المساعدة عليه.

     – النتيجة الجرمية المتمثلة في الانتحار الفعلي أو حدوث إيذاء أو عجز دائم.

     – الرابطة السببية بين النشاط و النتيجة.

    – أن يكون المجني عليه أهلا للمسئولية الجزائية.

    1– النشاط الجرمي:

     ويتجلی كما أسلفنا بصورة الحمل على الانتحار، وصورة المساعدة عليه.

    الصورة الأولى – الحمل على الانتحار .

    إن الحمل على الانتحار يعني خلق فكرة قتل النفس لدى الشخص وحمله على تنفيذها.

    وحمل شخص بأي وسيلة، مادية كانت أم معنوية، على قتل نفسه، يعني وفق المدلول اللغوي تحريضه على الانتحار.

    إلا أن المشرع لم يستخدم عبارة التحريض، لأن هذه العبارة لا تطلق، حسب المادة 216 من قانون العقوبات إلا على من حمل أو حاول أن يحمل شخص أخر بأي وسيلة كانت على ارتكاب جريمة”.

    وباعتبار أن المشرع السوري لم يعتبر الانتحار بحد ذاته جريمة، لذلك فإن المدلول القانوني لكلمة تحريض لا ينطبق هذا على الفعل المذكور.

     إضافة إلى أن الأحكام العامة للتحريض، الواردة في المادة 217، تقضي بعقاب المحرض سواء أفضى التحريض إلى نتيجة أم لم يفض.

     بخلاف الجرم الوارد في المادة 539، حيث أن حصول النتيجة الجرمية شرط لازم للعقاب فيه. فمن يحمل إنسانا أو يساعده على الانتحار لا يعاقب إلا إذا تم الانتحار أو شرع به على الأقل.

    ولا بد أن يكون فعل الحمل هو السبب في وقوع الانتحار أو الشروع فيه، أي لا بد أن تتوافر الرابطة السببية بين الانتحار والحمل عليه، أي ثبوت أنه لولا الحمل لما أقدم المجني عليه على قتل نفسه أو على الشروع فيه على الأقل.

     فلو حاول زيد أن يحمل بكرة، بأي وسيلة، على الانتحار، إلا أن ذلك لم يفض إلى نتيجة، وبعد مدة أقدم بكر على قتل نفسه لسبب أخر، فهنا تنتفي الرابطة السببية بين الانتحار وبين فعل زيد، ولم يعد هناك مجال للتجريم والعقاب.

    الصورة الثانية – المساعدة على الانتحار.

    في هذه الصورة من صور الركن المادي للجريمة لا يقوم الفاعل بخلق فكرة الانتحار لدى الشخص، وإنما تكون هذه الفكرة موجودة لدى الشخص، بيد أنه يتردد في تنفيذها، فيقوم الجاني بمساعدته على ذلك.

     وهذه المساعدة لا يعاقب عليها الفاعل إلا إذا تمثلت بإحدى الحالات الثلاث التي نصت عليها الفقرات (أ – ب – د) (9) من المادة 218 من قانون العقوبات المتعلقة بالتدخل الجرمي، وهذه الحالات الثلاث هي:

    أ- إعطاء الإرشادات :

    ومثالها إرشاد المنتحر إلى طريقة سهلة وسريعة في قتل النفس، لا ينتج عنها ألما، باستخدام سلاح ناري كوسيلة أفضل و أسرع في إزهاق الروح من استخدام السم، أو من القفز من مكان شاهق، الذي قد يسبب آلام شديدة قبل حصول الوفاة.

     ب- تشديد العزيمة:

    هذه الحالة تفترض أن المنتحر قد اتخذ قراره بقتل نفسه، إلا أنه متردد، خائف، ومتهيب منه، فيكون دور الفاعل عندئذ تقوية عزيمته وتشجيعه على الإقدام على ذلك.

     كأن يسود الحياة في مخيلة تاجر مفلس مهدد بالسجن، ويقنعه بصعوبة خروجه من مأزقه، وتعهده بإعالة عائلته، فيقوي أعصابه ويحرره من رهبة الموت.

     د- المساعدة الفعلية:

    على خلاف الحالتين السابقتين حيث تكون المساعدة فيهما معنوية، ومقتصرة على المرحلة التي تسبق الانتحار.

    فهذه الحالة تتمثل بالمساعدة المادية التي يقدمها الفاعل عند البدء بمرحلة الإعداد للانتحار أو أثناء مرحلته التنفيذية.

    فهنا يقوم الفاعل بمساعدة المنتحر على الأفعال التي هيأت الانتحار أو سهلت أو أتمت ارتكابه.

    كإعطاء المنتحر الأداة التي سيقتل نفسه بها، أو إقفال المكان الذي سيقوم المجني عليه بقتل نفسه فيه كي لا تصل إليه النجدة إلا بعد فوات الأوان، أو إحداث جلبة وضوضاء في المكان كي لا ينتبه أحد إلى المنتحر أثناء قتل نفسه.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا بد في أفعال المساعدة هذه أن تبقى ذات طابع سلبي.

     أما إذا تحولت إلى أفعال ذات طابع ايجابي، فيختلف الوصف القانوني للجريمة من مساعدة على الانتحار إلى قتل مقصود.

    ومثالها أن يجبن المجني عليه عن قتل نفسه فيطلب من الفاعل المساعدة، فيقوم بقتله، بإطلاق النار عليه، أو خنقه، أو فتح ماسورة الغاز، أو دفعه من مكان مرتفع.

     فهذا نرى أن الفاعل قد تعدى دور المساعدة إلى دور التنفيذ المباشر.

    2- النتيجة الجرمية:

     يجب أن يؤدي ارتكاب إحدى صورتي الركن المادي إلى حدوث الوفاة فعلا، أو إلى حدوث إيذاء أو عجز دائم .وفي حال لم تتحقق مثل هذه النتيجة فلا عقاب .

    فحدوث النتيجة الجرمية الضارة التي أرادها الفاعل من وراء صورة الحمل أو صورة المساعدة، شرط أساسي من شروط المعاقبة وتطبيق أحكام المادة 539.

    فيفرض قيام شخص بحمل شخص أخر على قتل نفسه، وقدم له الوسيلة لذلك بعد إقناعه بها، إلا أن هذا الشخص تراجع عن تنفيذ الانتحار، بعد اقتناعه به، أو أنه أقدم فعلاً على الانتحار وتناول سماً لذلك، إلا أن الكمية كانت غير كافية إطلاقاً لإحداث الوفاة، أو حتى لتصيبه بعجز أو لتسبب له أذى، فلا عقاب في مثل هذه الحالات على الحمل أو المساعدة، وذلك لعدم تحقق النتيجة التي تطلبها النص القانوني صراحة.

    و تأكيداً لاعتبار المشرع حصول النتيجة الجرمية كشرط أساسي للعقاب، جعله من جسامة هذه النتيجة معيارا لتقدير العقوبة، دون الالتفات بذلك إلى خطورة الفعل الذاتية.

     فعند حصول الوفاة فعلا نتيجة الحمل أو المساعدة، تكون العقوبة جنائية الوصف تتراوح بين الثلاث والعشر سنوات اعتقال.

     أما إذا لم تحصل الوفاة، ونتج فقط عن الحمل أو المساعدة إيذاء أو عجز دائم، تكون العقوبة جنحية الوصف تتراوح بين الثلاثة أشهر والسنتين حبس.

    3- العلاقة السببية:

    لابد أن ترتبط النتيجة الجرمية الضارة بنشاط الفاعل ارتباط السيب بالمسبب.

    أي أن يكون الانتحار التام، أو الإيذاء أو العجز الدائم، ناتجة مباشرة عن فعل الحمل أو المساعدة، بحيث انه لولا قيام الفاعل بهذا النشاط لما قتل الشخص نفسه، أو شرع به على الأقل.

    4- أن لا يكون المجني عليه عديم المسؤولية:

     إن أهلية المنتحر هنا تعتبر عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة، أو شرطاً مسبقاً، وليست ركن من أركانها.

     باعتبار أن غياب أحد أركان الجريمة ينفي الجريمة أصلاً، أما وجوب توفر العنصر أو الشرط المسبق يفيد قيام الجريمة وفق النموذج القانوني المطلوب، وفي حال غيابه، ينتفي قيام الجرم وفق هذا النموذج.

    فلقيام النموذج القانوني لجريمة الحمل أو المساعدة على الانتحار لا بد أن يكون المجني عليه أهلاً للمسئولية الجزائية، وفي حال انتفاء مسئوليته، يستبعد تطبيق المادة 539، أي ينتفي النموذج القانوني المطلوب هنا ويصبح الفعل معاقبة عليه وفق نموذج أخر، هو القتل البسيط أو المشدد، باعتبار أن من حمل أو ساعد وفق هذا النموذج أصبح فاعلا معنويا للجريمة.

    وقد أشارت الفقرة 3 من المادة 539 إلى هذه الحالة بصراحة، بقولها “إذا كان الشخص

    المحمول أو المساعد على الانتحار حدثا دون الخامسة عشرة من عمره أو معتوها طبقت عقوبات التحريض على القتل أو التدخل فيه”.

    بالرغم من أن هذا النص يعتريه اللبس والغموض في صياغته، سواء فيما يتعلق بعبارة ” دون الخامسة عشرة ” أو عبارة “معتوها”، ولم تكن إرادة المشرع فيه واضحة، يمكننا القول أن هذا النص يشمل الأشخاص العديمي الأهلية كالمجانين و المعاتيه، إلى جانب الأحداث الذين لم يتموا الخامسة عشرة من أعمارهم، وهذا المعنى هو الأقرب إلى الصواب والى إرادة المشرع الحقيقية.

    بذلك نستطيع أن نستخلص أنه لابد لتطبيق المادة 539 أن يقع الحمل أو المساعدة على الانتحار على شخص أتم الخامسة عشرة من عمره، وكان أهلاً للمسئولية الجزائية.

    أما إذا كان هذا الشخص لم يتم الخامسة عشرة من عمره، أو أتمها إلا أنه كان مجنوناً أو معتوها، فيستبعد تطبيق نص المادة 539، ويطبق بحق الفاعل أحكام التحريض على القتل والتدخل فيه، ويصبح من حمل أو ساعد على الانتحار، محرضاً أو متدخلا في القتل، أو فاعلاً أصلياً لجرم القتل المقصود، ويعاقب كذلك حتى ولو لم يفض التحريض أو التدخل إلى نتيجة، تبعا لنظرية الفاعل المعنوي، باعتبار أن من يحرض شخصا غير أهل للمسئولية على ارتكاب جريمة يصبح فاعلا معنويا لهذا الجرم وليس محرضا عليه.

    ثانياً – الركن المعنوي

    لا بد لقيام هذه الجريمة من توفر القصد الجرمي العام لدى من حمل أو ساعد على الانتحار. أي أن يأتي فعله عن علم وإرادة. فيجب أن ينصب علمه وإدراكه على أنه يحمل شخصاً على الانتحار أو يساعده على ذلك، وأن تتجه إرادته إلى النتيجة الجرمية الضارة، أي الانتحار. فلو أعطی زید سماً لبكر ليضعه في طعام أو شراب عمر، إلا أن بكر تناوله ومات، لا يطبق على زيد الجرم الوارد في المادة 539، الحمل أو المساعدة على الانتحار، بل يطبق عليه أحكام التحريض أو التدخل في جرم القتل.

    وجريمة الحمل أو المساعدة على الانتحار لا يمكن أن تقع غير مقصودة، استنادا للخطأ، كما لو أهمل الفاعل أو لم يتخذ الحيطة أو الحذر فترك سلاحه في مكان ظاهر فتلقفه احدهم وانتحر به.

    ولا عبرة بالباعث الذي حدا بالفاعل إلى حمل شخص أو مساعدته على قتل نفسه في قيام القصد الجرمي. فالركن المعنوي يعتبر قائما عندما يتوفر القصد الجرمي بصرف النظر عن الباعث أو الدافع الذي يعتد به فقط في تقدير العقوبة، بتشديدها إذا كان دنيئاً أو سافلاً: كما لو ساعده على الانتحار طمعاً في ماله، وبتخفيفها إذا كان شريفاً: كما الو ساعده على الانتحار معتقدا بأن وفاته ستحقق فائدة كبيرة للبشرية أو لفئة محددة من الناس.

    – عند توفر أركان الجريمة، بالشكل السالف تفصيله، يعاقب الفاعل استنادا إلى خطورة النتيجة الجرمية الحاصلة.

    فإذا أدى نشاط الفاعل إلى وفاة المنتحر عوقب الفاعل بالاعتقال من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.

    أما إذا أدى نشاط الفاعل إلى عجز دائم أو إيذاء فقط، يعاقب الفاعل بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين. ولا ننسى أن حصول هذه النتيجة الجرمية شرط أساسي للعقاب، ففي حال انتقائها ينتفي العقاب، بالرغم من قيام الفاعل بالنشاط الجرمي من حمل أو مساعدة على الانتحار.

    وفي حال انصب الحمل أو المساعدة على حدث لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو على مجنون أو معتوه، فيستبعد تطبيق أحكام المادة 539، ويعاقب الشخص كفاعل معنوي لجريمة القتل سواء أدي حمله أو مساعدته إلى نتيجة أم لا.

  • القتل العمد في القانون السوري

    التشديد تبعاً لقصد الجاني (العمد la prénnéditation)

    إن التشديد المبني على العمد يستند على القصد المصمم عليه، أو النية المبينة لدى الفاعل. فالقاتل الذي يقدم على فعله قصداً بتصميم مسبق، أي بنية مبيتة، لهو أخطر من القائل الذي يقدم على فعله دون تصمیم مسبق، أي بنية آنية، وهي النية التي توجد لدي الفاعل وقت ارتكاب الجريمة.

     كما يحدث في جرائم المشاجرات أو الجرائم التي تحدث فجأة بغير تدبیر سابق، فيرتكبها الأشخاص تحت تأثير الانفعال والغضب. فخطورة القاتل الإجرامية تظهر بشكل واضح عندما يعد لتنفيذ جريمته بهدوء وروية وتصميم، واعيا لكل آثارها و عواقبها ومع ذلك يقدم على ارتكابها.

    والملاحظ أن المشرع السوري لم يعرف معنى العمد، الذي يطلق عليه في تشريعات أخرى عبارة سبق الإصرار.

     ويمكننا تعريف العمد بأنه

     (التروي والتدبر والتفكير الهادئ بالجريمة قبل الإقدام عليها وانتهاء ذلك بالتصميم على ارتكابها).

     أما الاجتهاد القضائي، فنستطيع تلمس تحديده لمعنى العمد من خلال بعض الأحكام الصادرة عنه.

    فلقد اعتبرت محكمة النقض السورية بأن العمد في جريمة القتل يستلزم حتماً أن يكون الجاني قد أتم تفكيره وعزمه في هدوء يسمح بترديد الفكر بين الإقدام والإحجام وترجيح أحدهما على الآخر، وأن يكون للجاني من الفرصة ما يسمح له بالتروي والتفكير المطمئن فيما هو مقدم عليه، وان يكون قد رتب ما عزم عليه وهيأ وسائله وهو هادئ البال .

     واعتبرت أيضا أن ” العمد “لا يتم إلا بعد أن يفكر المجرم فيما عزم عليه ويتدبر عواقبه ويصمم على ارتكابه ويهيئ أسبابه، بعد أن يكون لديه متسع من الوقت يكفي لإزالة حالة التوتر والانفعال، ثم يقدم عليه هادئ النفس مطمئن البال، فإذا لم يتيسر له التدبير والتفكير وارتكب الجرم تحت تأثير الغضب والهياج فلا يكون العمد متوفرة .

    نستخلص من ذلك أن العبرة في وجود العمد هو هدوء البال، بعد زوال الغضب، والتروي في ما للجريمة وما عليها، ثم تنفيذها بعد التصميم عليها.

     وهذا يفترض مضي فترة من الزمن قد تطول أو تقصر بين مرحلة التصميم ومرحلة التنفيذ، هذه الفترة لا بد منها ليتخلص الفاعل من الانفعال، الذي سببته الواقعة التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة، ويفكر ويتروى في جريمته ببال هادئ.

     وعلى هذا فالعمد يتألف من عنصرين:

     العنصر النفسي المتمثل في التفكير الهادئ والتروي في القتل،

     والعنصر الزمني المتمثل بتوافر التصميم على القتل قبل تنفيذه فعلا.

     والعنصر النفسي أهم من العنصر الزمني، بل إن هذا الأخير ليست له أهمية ذاتية، وإنما هو متطلب من أجل العنصر النفسي.

     فتوافر التفكير الهادئ والروية يقتضي مضي فترة كافية من الزمن، والتفكير الهادئ غير متصور عند اتخاذ قرار الجريمة وتنفيذها بمجرد أن تخطر فكرتها بيال الشخص، بل لا بد أن يستغرق التفكير الهادئ فترة من الزمن.

     بيد أن العنصر الزمني غير كاف في ذاته، فإذا ثبت مضي فترة من الزمن بين التفكير في الجريمة والتصميم عليها وتنفيذها، ولكن ثبت كذلك أنه لم يتوافر لدى الفاعل خلال هذا الوقت الهدوء في التفكير والسيطرة على النفس، بل ظل تحت تأثير الغضب والهياج الناتج عن الواقعة المسببة للقتل، فإن العمد لا يعد متوافراً.

     وبذلك قضت محكمة النقض السورية بأن

     ” العبرة في توافر العمد ليس بمضي الزمن لذاته بصرف النظر عن طوله أو قصره، بل العبرة فيما يقع في ذلك الزمن من هدوء ووعي وإدراك ومن تفكير وتدبير “ .

     بل أن أهمية العنصر الزمني قد تتناقص لأقصى حد إذا ثبت لدى القائل هدوء التفكير بالرغم من قصر المدة الفاصلة بين فكرة الجريمة والتصميم عليها ثم تنفيذها.

    وهذا يعني أن الضابط في تحديد هذا الزمن هو صلاحيته للتفكير الهادئ بالنظر إلى ظروف كل واقعة والى شخصية الفاعل.

     فالمدة المطلوبة لزوال حالة الهياج والغضب، ولتوافر الروية والتفكير الهادئ تختلف باختلاف الأشخاص والظروف، فقد تكون ساعة أو يوما أو أسبوعا أو شهرة أو سنة، وتقديرها يعود إلى قاضي الموضوع.

     وعند توافر العمد، بالمعنى الذي سبق شرحه، فلا عبرة بعد ذلك يكون القصد محدداً أو غير محدد، أو كان ثمة غلط في الشخص أو في الشخصية.

    فالعمد يعد متوافر سواء كان قصد القتل محددة بشخص معين أو غير محدد.

     فيكفي أن يصمم الفاعل على إزهاق روح أي إنسان يعترض سبيله أو يقابله.

     كما يعد العمد متوافرة ولو كان القتل معلقا على شرط أو متوقفا على حدوث أمر.

    فيسأل عن قتل عمد من صمم بعد تفكير هادئ على قتل مدینه إذا طالبه بدينه، أو من صممت على قتل زوجها إذا تزوج عليها.

    كما لا ينفي الغلط في الشخصية أو في الشخص توافر العمد. فيعتبر متعمداً من صمم على قتل شخص بعد تفكير وتروي فأودى فعله بحياة شخص أخر اعتقده غريمه، أو أصاب شخصا أخر غير غريمه لأنه لم يحسن توجيه فعله.

     والعمد يعد من الظروف المشددة الشخصية التي يقتصر أثرها على من توافرت به من المساهمين في الجريمة، ولا تشمل غيره من فاعل أو شريك أو متدخل.

    وباعتبار أن العمد (القصد أو النية المبينة) يعتبر من الأمور الداخلية، فإن الاستدلال عليه يكون من خلال الوقائع والظروف المادية الخارجية التي أحاطت بالجريمة، والتي تدل على ما كان يضمره الفاعل بداخله: كأن يعد عدته للقتل بشراء السلاح، ومراقبة غريمه، و أماكن تواجده، ووضع خطة لطمس معالم وأدلة الجريمة…

    واستخلاص العمد يعتبر من المسائل الموضوعية التي تدخل ضمن سلطة محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض، بشرط أن يكون هذا الاستخلاص مقبول عقلاً، ولا يتنافى مع مدلول العمد .

  •  ماسبب تشديد عقوبة قتل حدث دون الخامسة عشرة من عمره؟

     قتل حدث دون الخامسة عشرة من عمره

    إن الحكمة من تشديد العقاب في هذه الحالة تتجلى في حرص المشرع على حماية الأحداث الذين يتصفون بالضعف والعجز عن حماية أنفسهم.

     وان كنا نرى أن هذه الحكمة لا تقتصر فقط على الأحداث، بل تطال أيضا كل إنسان لا يقدر على الدفاع عن نفسه، الضعف أو عجز أو عاهة أو كبر سن.

     فكان أولى بالمشرع أن يمد شمول هذا النص لهؤلاء أيضا.

    والملاحظ أن المشرع لم يوفق باستخدامه لعبارة (دون الخامسة عشرة)، وكان الأولى به أن يستخدم عبارة (لم يتم الخامسة عشرة)، لا سيما وأنه قام بهذا التعديل بصدد الجرائم المتعلقة بالأخلاق والآداب كلها، حيث استعاض عن كلمة “دون” بكلمة لم يتم”.

     وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا بد لتطبيق نص التشديد هذا أن لا يكون القاتل أحد أصول الحدث، ففي هذه الحالة يطبق على القائل ظرف التشديد الوارد في المادة 535، قتل الأصول أو الفروع، وعقابه الإعدام.

     وأن لا يكون القتل مما ينطبق عليه ظرف التخفيف الوارد في المادة 337، قتل الأم لوليدها الذي حملت به سفاحاً، حيث يصبح العقاب الاعتقال من ثلاث إلى خمس عشرة سنة. ويفترض علم الجاني بسن الحدث، أي علمه بأن فعله يقع على حدث دون الخامسة عشرة من عمره، فإذا انتفى علمه انتفى تبعاً لذلك ظرف التشديد.

    والعلم بسن الحدث يثبت غالباً من مظهر الحدث لا سيما إذا كان بعيداً عن السن المذكورة.

     أما إذا كان مظهر الحدث يوحي بأنه تجاوز هذه السن، فلا بد من إثبات علم الجاني بسن الحدث بكافة طرق الإثبات، وإلا فلا مجال للتشديد لعدم ثبوت العلم.

  • ماهي عقوبة  قتل الموظف أثناء ممارسته وظيفته أو بسببها؟

     قتل الموظف أثناء ممارسته وظيفته أو بسببها

    ليس الهدف من تشديد العقاب هنا منح شخص الموظف هذه الحظوة.

     فالقانون يحمي أرواح الناس دون تمييز بينهم في الصفات أو الوظائف.

     وإنما يجد التشديد علته في حرمة الوظيفة العامة، تلك الوظيفة التي تعكس هيبة الدولة. فالتشديد إذن لا يهدف إلى حماية شخص الموظف بل حماية حرمة وظيفته.

    ولا بد لتوافر ظرف التشديد في هذه الحالة أن يتوفر عنصرين:

    . أن يكون المجني عليه موظفاً .

     أن يقتل الموظف أثناء ممارسته لوظيفته أو بسببها

    العنصر الأول- أن يكون المجني عليه موظفاً

    يعطي القانون الجزائي للموظف معنى أوسع وأشمل من المعنى الذي يعطيه له القانون الإداري.

     فللموظف في القانون الإداري معناً ضيقاً بكونه الشخص الذي يمارس عملاً دائماً في إحدى ملاكات الإدارة العامة.

    أما المشرع الجزائي فلقد أعطى للموظف مدلولاً واسعاً عندما عرفه في المادة 340 من قانون العقوبات، تحت باب الجرائم الواقعة على الإدارة العامة ونصها “يعد موظفا بالمعنى المقصود في هذا الباب كل موظف عام في السلك الإداري أو القضائي، وكل ضابط من ضباط السلطة المدنية أو العسكرية أو فرد من أفرادها، وكل عامل أو مستخدم في الدولة أو في إدارة عامة .

     والملاحظ أن المشرع أراد أن تكون الألفاظ الموظف العام والمستخدم والعامل دلالات واسعة ومعاني عامة تجعلها صالحة لأن تشمل كل من تنيط الدولة به عملا من أعمالها، أو تعهد إليه بمهمة دائمة أو مؤقتة، بأجر أو تعويض، ويعين بقرار أو بعقد، موظفا كان أم مستخدما أم عاملا.

    ولا ريب أن معنى الموظف الوارد في المادة 340 لا يقتصر فقط على النصوص القانونية الخاصة بالجرائم الواقعة على الإدارة العامة، وإنما يشمل أيضا، لاتحاد العلة، حكم الفقرة الرابعة من المادة 534، الخاصة بتشديد القتل الواقع على موظف.

    العنصر الثاني – أن يقتل الموظف في إحدى حالتين:

     الأولى: أثناء تأديته لوظيفته

    الثانية: بسبب وظيفته.

    الحالة الأولى:

    عندما يقع القتل على الموظف وهو يؤدي واجبات وظيفته، بصرف النظر عن الدافع لارتكاب القتل، سواء كان بسبب عمل من أعمال الوظيفة: كما لو أقدم شخص على قتل قاض على منصة الحكم، أو قتل شرطي يلاحقه للقبض عليه ؛

     أو كان لسبب خارج عن أعمال الوظيفة: كما لو أقدم الفاعل على قتل الموظف بدافع العداوة الشخصية أو الحقد أو الكراهية أو الانتقام الشخصي، أو لأي سبب خارج عن إطار الوظيفة التي يشغلها الموظف.

    والملاحظ في هذه الحالة أن العبرة بالتشديد هو للزمن الذي قتل به الموظف.

     فعندما يقع القتل على الموظف في وقت كان يقوم به بعمل من أعمال وظيفته تتحقق علة التشديد، بصرف النظر عن الدافع للقتل، سواء تعلق بالوظيفة أم لا، وبصرف النظر عن المكان الذي يؤدي به الموظف عمله، سواء كان في دائرته الرسمية أم في أي مكان آخر يقوم فيه بمهمة تتعلق بعمله:

     كقتل شرطي يقوم بدورية في شارع من شوارع المدينة، وسواء قام بمهمته أثناء الدوام الرسمي أو بعده:

     كقتل موظف في مكان عمله ليلا، بعد الدوام الرسمي، وهو يقوم بانجاز بعض الأعمال المتراكمة عليه، وسواء كان يرتدي بزته أو لباسه الرسمي عند الاعتداء عليه أم لا:

     كقتل رجل أمن متخف بلباس مدني يلاحق قضية مخدرات

    الحالة الثانية:

    عندما يقع القتل على الموظف، خارج أوقات ممارسة الوظيفة، ولكن الأمر يتعلق بها، أي بسبب وظيفته. كما لو رفض الموظف إعطاء رخصة حمل سلاح لأحد الأشخاص، أو تأخر أو ماطل في إنجاز معاملته، فقام هذا الشخص بقتل الموظف في الطريق أو في بيته.

    أو إذا قام شخص بقتل قاض بعد خروجه على التقاعد، وذلك بسبب حكمه عليه بعقوبة جزائية عندما كان على رأس عمله.

    فكما هو ملاحظ في هذه الحالات أن القتل لا يقع بذات الزمن الذي يمارس فيه الموظف وظيفته، وإنما في زمن لاحق، ولكن بشرط أن يكون سبب القتل ناجماً عن عمل من الأعمال التي قام بها الموظف.

    وتجدر الإشارة أنه لابد لإعمال ظرف التشديد في هذه الحالة أن يكون القاتل على علم بالعنصرين الواجب تو فراهما، أي علمه بأن فعله يقع على موظف، أثناء ممارسته لوظيفته، أو في معرض ممارسته لها أو بسببها.

    فإذا انتفى علمه انتفى تبعاً لذلك ظرف التشديد.

     فقيام شخص بقتل موظف وهو يجهل صفته أو يجهل أنه يقوم بعمل من أعمال وظيفته، أو بقتله خارج الوظيفة بسبب خلاف شخصي لا علاقة له بالوظيفة، لا مجال لتشديد العقاب عليه، وان كان المجني عليه موظفاً.

    والسؤال الذي يتبادر هنا هو: هل تنتفي الحكمة من التشديد إذا أقدم الفاعل على قتل موظف تجاوز حدود سلطته أو اختصاصه، أو قام بعمل غير مشروع متجاوزا به الحدود الذي رسمها له القانون؟

    کون عمل الموظف مشروعاً أو غير مشروع، لاسيما وأن الحكمة من التشديد تستمد من الوظيفة وليس من شخص الموظف.

    أضف إلى ذلك أن بإمكان أي شخص اللجوء للطرق القانونية للشكوى، أو لإبطال الأعمال الغير مشروعة التي يتجاوز بها الموظفون حدود اختصاصاتهم، سواء كان إبطالاً إدارياً أو قضائياً، والتعويض عن الضرر الناشئ عن هذه الأعمال .

    إلا أن لهذه القاعدة استثناء يتعلق بمدى فداحة أو خطورة العمل غير المشروع.

     فعندما يكون العمل الوظيفي الذي قام به الموظف مخالفة للقانون بشكل فاضح، عندئذ يفقد الموظف صفته ويعتبر كالفرد العادي.

     كمن يقتل شرطية يقتحم منزله ليلا دون إذن شرعي يخوله ذلك، أو من يقتل موظفاً بادره بالاعتداء عليها دون وجه حق، بحيث بلغ الاعتداء درجة من الخطورة أفقدت القاتل أعصابه وألهبت غضبه.

     فعمل الموظف في هذين المثالين بلغ فيهما انعدام المشروعية حدا جعله منقطع الصلة بواجبات الوظيفة وأعمالها، وخارجا خروجاً تاماً على مقتضياتها.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1