الوسم: محامي سوري في برلين

  • ماهو جرم إساءة الأمانة وماعقوبته في القانون السوري؟

    على غرار الاحتيال، لم يعرف المشرع السوري إساءة الائتمان. ويمكننا تعريفها بأنها استيلاء شخص على مال منقول يحوزه بناء أحد عقود الائتمان بتحويل حيازته من ناقصة إلى تامة، أي من حائز لحساب المالك إلى مدع الملكية .

     وجريمة إساءة الائتمان تفترض أن المال المنقول قد سلم إلى المدعى عليه تسليماً ناقلاً للحيازة الناقصة بناء على أحد العقود الائتمانية المحددة قانوناً بشكل حصري، وهي الوديعة و الوكالة والإجارة والعارية و الرهن والمقاولة والنقل وعقد الخدمات المجانية.

     وتشترك هذه العقود في أنها تفترض ثقة المسلم بالمستلم. فحيازة المستلم للمال هي حيازة ناقصة، فعليه أن يستعمله في غرض معين أو يحفظه، ثم عليه أن يرده إلى صاحبه عينا أو يرد ما يماثله أحيانا، بيد أنه يستغل وجود المنقول في حيازته فيخون الثقة التي أودعت فيه بمقتضى العقد، ويتصرف بالمال تصرف المالك .

     

    إساءة الائتمان والسرقة

    تتفق إساءة الائتمان مع السرقة في ركن المحل والركن المعنوي.

    فهما تقعان على حق الملكية، ومحل الجريمة فيهما هو المال المنقول، ويتوجب لقيامهما توفر نية التملك لدى الفاعل، أي اتجاه نيته للتصرف بالمال تصرف المالك.

    والخلاف بينهما يظهر في الركن المادي.

     فالسرقة تفترض أخذ مال الغير دون رضاه، في حين أنه في إساءة الائتمان يوجد الشيء في حيازة الفاعل برضا المجني عليه فهو الذي قام بتسليمه ماله بإرادته شريطة أن يرد إليه هذا المال فيما بعد.

    ففي إساءة الائتمان تتحقق الجريمة بتغيير صفة الحيازة وتحويلها من حيازة ناقصة إلى حيازة تامة خلافا للسرقة التي تقتضي أخذ الحيازة نفسها  .

    إساءة الائتمان والاحتيال

    تتفق إساءة الائتمان مع الاحتيال في ركن المحل والركن المعنوي أيضا.

     فهما تقعان على حق الملكية، إلا أن محل الجريمة في إساءة الائتمان لا يكون إلا منقولاً، في حين أن المحل في الاحتيال قد يكون منقولاً أو عقاراً.

    ويتوجب لقيامهما أيضاً توفر نية التملك، أي نية الظهور بمظهر المالك على المال.

    والخلاف بينهما يظهر في الركن المادي، فبالرغم من ضرورة توافر تسليم المال بشكل رضائي من المجني عليه،  إلا أن هذا الرضا في الاحتيال يكون معيبة بالخداع و الغش .

     بينما يكون التسليم في إساءة الائتمان تنفيذا لعقد مدني من عقود الائتمان، وتتحقق الجريمة بفعل يكشف عن إرادة المدعى عليه تحويل حيازته من ناقصة إلى تامة.

     

    النص القانوني لجرم اساءة الامانة

    لقد خصص المشرع نصين لجريمة إساءة الائتمان هما المادتان 656 و 657 من قانون العقوبات.

     أما نص المادة 656 فجاء كما يلي:

     “كل من أقدم قصدأ على كتم أو اختلاس أو إتلاف أو تمزيق سند يتضمن تعهدا أو إبراء، أو أي شيء منقول آخر سلم إليه على وجه الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو على سبيل العارية أو الرهن، أو لإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة شرط أن يعيده أو يقدمه أو يستعمله في أمر معين يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة تتراوح بين ربع قيمة الردود والعطل والضرر وبين نصفها على أن لا تنقص عن مائة ليرة “.

    أما المادة 657 فقد نصت على أن

    “كل من تصرف بمبلغ من المال أو بأشياء أخرى من المثليات سلمت إليه لعمل معين وهو يعلم أو كان يجب أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة مثلها ولم يبرئ ذمته رغم الإنذار، يعاقب بالحبس حتى سنة وبالغرامة حتى ربع قيمة الردود والعطل والضرر على أن لا تنقص الغرامة عن مائة ليرة “.

    والملاحظ من خلال هذين النصين دقة جريمة إساءة الائتمان وتعقيدها، لا سيما من خلال التصدي لها بنصين مستقلين. والتساؤل الذي يثار هنا، هل هناك علاقة بين نصي جريمة إساءة الائتمان، أم أن كل منهما يختص بجريمة مستقلة عن الأخرى؟

     إن الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي منا وضع الحدود الفاصلة بين الصورتين الواردتين في النصين المذكورين، ولا يمكن وضع هذه الحدود إلا عند التصدي لمحل الجريمة، كي يأتي الحديث ضمن السياق الطبيعي، لذلك سنؤجل الإجابة على هذا التساؤل لحين تحليل محل جريمة إساءة الائتمان.

    عقوبة إساءة الامانة

    تختلف العقوبة المقررة لجريمة إساءة الائتمان الواردة في المادة 656 عن تلك الواردة في المادة 657، فضلاً عن تشديد المشرع للعقوبة المقررة لإساءة الائتمان في المادة 658 من قانون العقوبات.

     وباعتبار أن صورتها الجريمة الواردتان في المادتين السابقتين تجرمان إساءة الائتمان البسيطة بينما تجرم المادة 658  إساءة الائتمان المشددة. لذلك سنبحث أولا في العقوبة البسيطة ثم نتكلم عن العقوبة المشددة.

    عقوبة إساءة الامانة البسيطة

    لقد حدد المشرع للصورة العامة لإساءة الائتمان الواردة في المادة 656، التي تشمل الأشياء القيمية والمالية، عقوبة أشد من عقوبة الصورة الخاصة لإساءة الائتمان بالأشياء المثلية الواردة في المادة 657.

     وعقوبة الصورة العامة هي الحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة تتراوح بين ربع قيمة الردود والعطل والضرر وبين نصفها على أن لا تنقص عن مئة ليرة.

    أما عقوبة الصورة الخاصة فهي الحبس المتراوح بين العشرة أيام والسنة والغرامة حتى ربع قيمة الردود والعطل والضرر على أن لا تنقص عن مئة ليرة.

     والملاحظ أن المشرع قد خرج في تحديد الغرامة عن أسلوبه المألوف في هذه العقوبة، وهو اعتماد الغرامة المحددة بين حدين، واعتمد الغرامة النسبية التي حددها استناداً إلى مقدار الضرر الناجم عن الفعل، على أن لا تقل في الحالتين عن مئة ليرة.

     ويبدو أن علة التفريق في الشدة بين عقوبتي الصورة العامة والصورة الخاصة تتمثل في تقدير المشرع أن الضرر

    عقوبة اساءة الأمانة المشددة:

    تم بحثها في مقال مستقل اضغط هنا

     

  • إساءة الائتمان في عقود الايجار

    الإيجار هو عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين، منقول أو عقار، مدة معينة، لقاء أجر معلوم (المادة 526 من القانون المدني).

    والأصل أن تقع إساءة الائتمان على المنقول إذا كان قد سلم على سبيل الإيجار، ويكون ذلك باختلاسه والتصرف به.

    أما مجر التأخير في رد الشيء المستأجر أو استمرار الانتفاع به بعد الميعاد المحدد في عقد الإيجار، أو الامتناع عن دفع الأجرة، أو الإهمال في المحافظة على الشيء مما أدى لهلاكه، فلا تقوم به إساءة الائتمان ما دام المستأجر لا ينكر ملكية المؤجر لهذا المال.

     إلا أن مستأجر العقار يمكن أن يرتكب جريمة إساءة الائتمان.

     فمن يستأجر شقة مفروشة، وهي عقار بطبيعته، ثم پستولى على أثاث الشقة، أو ينتزع أبوابها ونوافذها، ويستولي عليها فهو يرتكب جريمة إساءة الائتمان، باعتبار أن الأثاث هو عقار بالتخصيص، أما الأبواب والنوافذ، فهي عقار بالاتصال، وفق مفهوم قانون العقوبات الواسع للمنقول والأصل في محل الإيجار أن يكون مالا قيمية يرد بذاته بعد انقضاء المدة.

    ومع هذا فمن الممكن أن يكون هذا المحل مثلية يرد بذاته، وفي هذه الحالة يشترط انصراف إرادة المتعاقدين إلى ذلك.

    وتطبيقاً لذلك أن يؤجر شخص لأخر سندات لحاملها، وهي مال مثلي، ليستعين بها في الحصول على ثقة شخص يطلب منه قرضاً على أن پردها بذاتها، ولكنه اختلسها، فهو يرتكب جريمة إساءة الائتمان.

     وتجدر الإشارة إلى أن عقد الإيجار لا يفقد طبيعته باعتباره أحد العقود الائتمانية إذا نص في هذا العقد على دفع قيمة الشيء محل التعاقد في حالة عدم رده، لأن ذلك لا ينفي أن تكون نية المتعاقدين قد انصرفت إلى اعتبار العقد إيجاراً.

    واستخلاص هذه النية لتكييف العقد وإعطاءه الوصف الحقيقي من صلاحيات محكمة الموضوع وقرارها في ذلك يخضع لرقابة محكمة النقض.

  • اساءة الامانة في عقود الرهن

    إن المقصود بالرهن الذي أشارت إليه المادة 656 هو الرهن الحيازي الذي يضع به المدين منقولا في حيازة دائنه، أو حيازة شخص ثالث اتفق عليه المتعاقدان، ضمانا للدين.

    وهو يختلف عن الرهن التأميني الذي لا يقع إلا على عقار ولا يتضمن نقلا للحيازة إلى الدائن المرتهن.

    ويرتكب الدائن المرتهن إساءة الائتمان عندما يستغل وجود الشيء المنقول المرهون في حيازته فيستولي عليه مدعية ملكيته له و ناکرا ملكية المدين الراهن له.

     وعدم وفاء الراهن لدينه للمرتهن لا يبيح للأخير الاستيلاء على المال المرهون والتصرف به، فإن فعل فهو مسيء اللائتمان.

     ذلك أن سلطة المرتهن مقتصرة على حبس الشيء لحين استيفاء دينه بالتراضي، فإن لم يحصل فله أن يستوفي حقه من ثمن هذا الشيء، عن طريق مراجعة القضاء، بالتقدم والأولوية على أي دائن آخر للراهن .

     وذلك يعني أنه لا يجوز له التصرف بالمرهون أو تملكه ما لم يراجع القضاء، أما إذا استولى على المال المرهون دون الرجوع للقضاء قام في حقه جرم إساءة الائتمان.

     يبني على ذلك أن أي إخلال بشروط العقد من قبل المرتهن، لا يتضمن نكراناً لملكية الراهن للمال، لا تقوم به جريمة إساءة الائتمان، كما لو استعمل الشيء المرهون بدون موافقة الراهن، أو أساء استعماله إذا كان هناك موافقة، أو قصر في المحافظة عليه مما أدى لهلاکه.

    والأصل أن يقع الرهن الحيازي على المنقول، إلا أن ذلك لا يحول دون وقوعه أيضاً على العقار .

     ويمكننا تصور إساءة الائتمان في حالة الرهن الحيازي على عقار إذا قام المرتهن بالاستيلاء على بعض أجزاء هذا العقار سواء المخصصة لخدمته أو المتصلة به، تلك الأجزاء التي تعتبر موضوعا للتسليم الذي تقوم به جريمة إساءة الائتمان باعتبارها منقولات وفق مفهوم القانون الجزائي الواسع للمنقول.

    والأصل في الرهن الحيازي أن يكون المال المرهون مملوكاً للمدين.

     إلا أنه يجوز أن يكون المرهون ملكا لغير المدين، فيقدم شخص ما يملكه ضماناً لدين شخص أخر.

    فإذا قام المرتهن بالاستيلاء على هذا المال قام في حقه جرم إساءة الائتمان.

     وقد يتفق المتعاقدان على أن تكون حيازة المرهون لشخص ثالث، ففي هذه الحالة يرتكب الشخص الثالث إساءة الائتمان إذا اختلس المال المرهون باعتباره وديعة لديه، أما المرتهن فلا يتصور ارتكابه لإساءة الائتمان في هذه الحالة، باعتبار أن المال ليس في حيازته.

    والأصل أن يكون محل الرهن ما قيمياً حتى يتصور الالتزام برده عيناً.

    ولكن يجوز أن يكون محله مالا مثلياً إذا اتجهت نية الطرفين إلى اعتباره قيمياً ورده عيناً، فتقوم جريمة إساءة الائتمان بحق المرتهن إذا استولى على هذا المال المثلي.

     وتطبيقا لهذا يرتكب إساءة ائتمان رب العمل الذي يختلس النقود التي دفعها إليه مستخدموا المحل على سبيل التأمين عند دخولهم الخدمة لضمان حسن قيامهم بالعمل، متى كان من المتفق عليه رد الضمان بعينه و عدم التصرف فيه.

  • إساءة الأمانة في عقود المقاولة والنقل والخدمات المجانية

    تستخلص هذه العقود الثلاثة من العبارة التي أوردها المشرع في المادة 656 بقوله أن الشيء قد سلم “لإجراء عمل القاء أجرة أو بدون أجرة، كما تستخلص أيضاً من العبارة الواردة في المادة 657، بقوله أن الشيء المثلي أو النقود قد سلم العمل معين”.

     فالمقاول والناقل ومن تعهد بخدمة مجانية يتسلمون شيئاً مملوكاً لغيرهم لكي يقوموا حياله بعمل معين، فإذا استغل أحدهم وجود الشيء في حيازته فاستولى عليه قام في حقه جرم إساءة الائتمان.

     والمقاولة أو إجارة الصناعة هي عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً، أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الأخر (المادة 612 من القانون المدني).

    أما عقد النقل فهو صورة من صور عقد المقاولة يتميز عن سائر صوره بنوع الخدمة التي يتعهد الناقل بتقديمها، والتي تتمثل بتأمين انتقال شخص أو شيء من موضع إلى أخر .

     أما عقد الخدمات المجانية فهو لا يختلف بشيء عن عقد المقاولة سوى بغياب البدل أو الأجر. فبهذا العقد يقوم أحد طرفيه بعمل أو خدمة لصالح الطرف الأخر دون أن يتقاضى أجراً مقابله  وبهذه العقود الثلاثة يستلم أحد الطرفين من الأخر شيئا على سبيل الحيازة الناقصة، فإذا حول حيازته لهذا الشيء إلى حيازة تامة قامت بحقه جريمة إساءة الائتمان.

     فالطحان الذي يتسلم غلالاً لطحنها، والخياط الذي يتسلم قماشاً اليخيطه ثوباً، والنجار الذي يتسلم خشباً ليصنعه أثاثاً، إذا اختلس هؤلاء ما سلم إليهم، تقوم في حقهم جريمة إساءة الائتمان.

    ويسأل أيضاً عن إساءة الائتمان الناقل الذي يتسلم طردا لنقله إلى مكان معين، فيستولي عليه. كما يسأل عن هذه الجريمة الصديق الذي يتطوع لإصلاح شيء لصديقه أو لتصنيعه أو لنقله إلى شخص أخر إذا اختلس ما سلم إليه.

    ومن المسلم به أن الشرط الأساسي لارتكاب إساءة الائتمان في هذه العقود هو أن تكون الأشياء قد سلمت على سبيل الحيازة الناقصة، أي من أجل القيام بالعمل ثم ردها عيناً، سواء في صورتها الأصلية أو بعد أن يدخل التعديل عليها.

     وتطبيقاً لذلك إذا تسلم النجار أخشابا ليصنع منها أثاثاً، وتسلم معها مبلغاً من النقود كأجر معجل له، وإذا تسلم الخياط قطعة قماش ليخيطها بنطالاً، وتسلم معها مبلغاً من النقود كأجر معجل.

    فإساءة الائتمان تقوم في حق النجار والخياط إذا لم يرد الأخشاب أو قطعة القماش بعينها، لأن عقد المقاولة يلزمه بردها، إما مصنعة أثاثاً أو بنطالاً، وإما بذاتها دون تصنيع.

     أما إذا رد الأخشاب أو قطعة القماش دون تصنيع ولم يرد المبلغ الذي تسلمه، فلا تقوم الجريمة في حقه، لأن النقود سلمت إليه تسليما ناقلاً للحيازة التامة، أي لتصبح ملكاً له باعتبارها أجرة معجلة، ولا يغير من صفتها هذه أن يكون الغرض من تسليمها إنفاقها في غرض معين ، كأن يكون النجار أو الخياط قد استلم المبلغ ليكون له أجرأ معجلاً وليتمكن من شراء بعض المواد التي تدخل في صناعة الأثاث أو الخياطة، كالطلاء أو المسامير أو نوع معين من الخيوط وما إلى ذلك.

     وغني عن البيان أن إساءة الائتمان لا تقوم بحق من يخل بأي التزام أخر من الالتزامات التي تولدها هذه العقود الثلاثة، ولكن تقوم في حق من يخل بالتزام الرد عيناً أو مثلا، فلا يكفي في قيامها إهمال المستلم أو تقصيره في المحافظة على الشيء ولو أدى لهلاکه.

    فما دام لا ينكر ملكية المسلم للشيء، وذلك بالاستيلاء عليه أو اختلاسه، فلا جريمة

  • ماهو عقوبة الاحتيال بمناسبة إصدار أسهم أو سندات؟

    نصت المادة 642 من قانون العقوبات على ظرفين مشددين للاحتيال، بقولها: تضاعف العقوبة إذا ارتكب الجرم في إحدى الحالات الآتية:

      أ- …………

     ب- بفعل شخص يلتمس من العامة ما لإصدار أسهم أو سندات أو غيرها من الوثائق لشركة أو لمشروع ما”.

    إن علة تشدید عقاب هذا الاحتيال تتمثل في أنه لا يمس مجني عليه معين بذاته، بل يتخذ من الكافة مجني عليهم.

    فضلاً عن أنه ينال بالضرر صغار المدخرين الذين ينطلي عليهم الخداع، لاسيما وأن المحتال يلجأ عادة إلى وسائل النشر العامة. إضافة إلى أن هذا النوع من الاحتيال يؤدي إلى إضعاف ثقة الجمهور في قواعد إصدار الأسهم و السندات وما إليها، ويزعزع الاقتصاد الوطني .

     وهذه الحالة تفترض أن يلتمس المحتال مالا من العامة لإصدار أسهم أو سندات أو غيرها من الوثائق لشركة أو المشروع ما.

    فيشترط إذا لتوافر هذا الظرف المشدد أن يتوجه المحتال إلى عامة أو كافة الناس دون تخصیص، بالتالي لا يكفي التوجه إلى أشخاص معينين لتوافر هذا الظرف.

     و شرط التوجه إلى العامة يفترض أن يستخدم المحتال وسيلة من وسائل العلانية حتى يمكن القول بأنه يتوجه إلى كل الناس.

     ومن أمثلة وسائل العلانية الصحف والإذاعة والتلفاز، أو لصق الإعلانات على الجدران أو توزيع منشورات في الطريق العام .

     و تطبيقاً لذلك تنتفي وسيلة العلانية، وينتفي تبعاً لها الظرف المشدد، إذا استخدم الفاعل للاتصال بالناس وسائل خاصة كالمراسلات أو الزيارات المنزلية لعدد محدود من الناس.

    ويشترط أخيراً أن يكون الغرض من الاحتيال تمويل عملية الإصدار أسهم أو سندات أو أي وثائق أخرى.

    والإصدار معناه الدعوة إلى الاكتتاب في الأوراق المالية المطروحة للتداول سواء بقصد إنشاء شركة جديدة أو زيادة رأسمال شركة قائمة بالفعل.

     وتطبيقاً لذلك ينتفي الظرف المشدد إذا كان هدف المحتال هو بيع أو رهن أسهم أو سندات موجودة من قبل، إذ ليس من شأن ذلك جلب رأسمال جديد.

  • العلاقة السببية في جرم الاحتيال

    لا يكفي لقيام الركن المادي لجرم الاحتيال أن يمارس الفاعل خداعة بإحدى الوسائل الخمس التي أوردها المشرع، و أن تتحقق نتيجة الجريمة وهي تسليم المجني عليه للمحتال مالا نتيجة الغلط الذي أوقعه به بخداعه، بل لابد أن تتوفر رابطة سببية بين النشاط و النتيجة، بحيث يمكن القول أن النتيجة قد سببها النشاط.

    بناء على ذلك فإن علاقة السببية في الاحتيال تستلزم لقيامها ثلاثة شروط مجتمعة:

    – الرابطة السببية بين فعل الخداع والغلط

    – الرابطة السببية بين الغلط والتسليم

    – وجوب أن يسبق فعل الخداع تسليم المال

    وباجتماع هذه الشروط الثلاثة تعتبر جريمة الاحتيال قد ارتكبت تامة. وفي حال انتفاءها أو انتفاء أحدها تنتفي رابطة السبية.

    إلا أن انتفاء رابطة السببية وإن كان يحول دون تحقق جريمة الاحتيال التامة فقد يتحقق به الشروع في الاحتيال إذا توافرت شرائطه، كما سنرى لاحقا.

    الشرط الأول – الرابط السببية بين فعل الخداع والغلط.

    يجب أن يكون فعل الخداع هو الذي أوقع المجني عليه في الغلط.

    ويتحقق هذا الشرط عندما يؤدي الخداع الذي يمارسه الفاعل إلى جعل المجني عليه يفهم الأمور على غير حقيقتها ويعتقد أن بتسليمه المال سيحقق منفعة أو مصلحة ما.

     بالتالي إذا كان المجني عليه عالما بحقيقة ما وقع عليه من خداع، أو اكتشف هذا الخداع، معنى ذلك أنه الم يقع في الغلط، فإذا سلم مالا بالرغم من ذلك، فلا تقوم رابطة السببية في هذه الحالة، باعتبار أن نشاط الفاعل لم يؤدي إلى وقوع المجني عليه في الغلط ودفعه إلى التسليم، وإنما قد يتم هذا التسليم لاعتبارات أخرى لا صلة لها بفعل الخداع .

     وتطبيقا لذلك أن يزعم شخص بكونه تاجر كبير أمام المجني عليه، وأنه يستثمر أموال العديد من الناس بمردود مغر، وكان حاضرا أثناء ذلك مجموعة من الأشخاص استعان بهم الفاعل لتأييد مزاعمه، فقام المجني عليه بتسليمه مبلغا من المال تحت تأثير الخوف من هؤلاء الأشخاص على الرغم من أنه اكتشف ذلك الكذب ولم يقع في الغلط. أو أن يحاول شخص الحصول على مبلغ من المال من أخر مدعيا أنه يجمع تبرعات لمؤسسة خيرية، فيكتشف الشخص الآخر خداعه، ولكنه يسلمه مع ذلك مبلغا من المال رغبة منه في التخلص من إلحاحه .

    ففي هذه الحالات تنتفي الرابطة السببية بين فعل الخداع وتسليم المال لأن فعل الخداع لم يؤدي إلى وقوع المجني عليه في

    غلط. ويختلف الحكم، وتتوافر رابطة السببية تبعا لذلك بين فعل الخداع و الغلط إذا أدى فعل الخداع إلى وقوع المجني عليه في غلط، حتى ولو لم يكن فعل الخداع هو السبب الوحيد الدافع إلى هذا الغلط، فيكفي أن يكون فعل الخداع أحد الأسباب التي أسهمت في الوقوع في الغلط الدافع إلى تسليم المال.

    وتطبيقا لذلك، إذا كان المجني عليه في مثالنا السابق عن التاجر قد صدق مزاعم التاجر المزعوم ووقع في الغلط، إلا أن تسليمه للمال لم يكن فقط بسبب الغلط الذي أوقعه فيه خداع المحتال، بل كان أيضا بسبب حبه للتفاخر و الظهور ،أمام الأشخاص الموجودين، بمظهر الثري المقتدر رغبة منه في الحصول منهم أو من أحدهم على بعض المزايا. فهنا رابطة السببية بين النشاط و الغلط تعتبر متوفرة بالرغم من عدم إنفراد النشاط في إيقاع المجني عليه في الغلط.

    الشرط الثاني – الرابطة السببية بين الغلط والتسليم.

    أي أن يسلم المجني عليه المال للمحتال نتيجة للغلط الذي أوقعه فيه بخداعه، فالغلط يجب أن يكون هو الدافع إلى التسليم. وبناء على ذلك تنتفي رابطة السيبية بين الفعل والتسليم إذا لم يكن الغلط هو الذي دفع المجني عليه إلى تسليم ماله وإنما كان سيسلم المال ولو لم يقع في غلط، لأن ثمة اعتبارات أخرى هي التي حملته على التسليم .

     والمثال على ذلك أن يدعي أحدهم أمامك بأنه يجمع تبرعات لمؤسسة خيرية، فتسلمه مبلغا من المال، ليس لأنك قد انخدعت بزعمه، وإنما لأنك معتاد على التبرع والإحسان للأخرين.

    وهناك فرضية أخرى تنتفي فيها رابطة السببية بين فعل الخداع والتسليم، إذا تم التسليم ليس بسبب الغلط الذي حاول الفاعل إيقاع المسلم به، وإنما بسبب غلط أخر وقع به الأخير لم يكن للفاعل شأن به.

    مثال ذلك أن يدعي احدهم كذبة أن لديه شركة تدر أرباحاً طائلة ويطلب من أحدهم مالا ليستثمره له، فيسلمه المال، ويثبت بعد ذلك أن تسلیم المال لم يكن بسبب الإدعاء بوجود الشركة، فهذا الإدعاء لم يكن محل اعتبار في نظره، بل كان التسليم بناء على تشابه في الأسماء بين الفاعل وبين شخصية تجارية معروفة، لم يستغله الفاعل، بل انخدع به مسلم المال من تلقاء ذاته .

    الشرط الثالث – ضرورة أن يسبق فعل الاحتيال تسليم المال.

    إن تدرج جرم الاحتيال من خداع إلى غلط إلى تسليم يفترض أن يكون النشاط سابقاً على النتيجة حتى يمكن القول بأن النشاط سبب النتيجة، وهذا التدرج يجب أن يكون بذات الترتيب المذكور وإلا انتفت الرابطة السببية.

     وبناء على ذلك لا تتوافر رابطة السيبية بالنسبة لمن يتسلم المال من المجني عليه دون احتيال ثم يصدر عنه خداعا بإحدى وسائله الخمس كي يتمكن من الفرار بالمال أو التخلص من التزام نشأ في ذمته نتيجة لتسلمه هذا المال.

    والمثال على ذلك أن يسلم صاحب محل المجوهرات الزبون عقدا ثمينا ليفحصه، ثم يدعي الزبون اسم مستعارة أو صفة كاذبة كي يشغله ويتمكن من الفرار به بذريعة أنه يريد أن تفحصه زوجته الموجودة في السيارة.

     ففي هذه الواقعة أتى فعل الخداع بعد التسليم، بالتالي تنتفي الرابطة السيبية، وينتفي جرم الاحتيال تبعا لذلك، ويعتبر الفعل سرقة كون التسليم الحاصل فيها قد نقل اليد العارضية فقط .

  • الاحتيال عن طريق  استعمال اسم مستعار أو صفة كاذبة مع أمثلة

    هذه الوسيلة الخامسة والأخيرة من وسائل الاحتيال التي عددتها المادة 641.

     ولا يشترط المشرع لتوافرها سوى استخدام المحتال لاسم مستعار أو لصفة كاذية.

     أي أن الكذب بالاسم أو الصفة الذي يؤدي إلى حمل الغير على تسليم المال يعتبر كافيا لقيام هذه الوسيلة دون اشتراط تدعيم هذا الكذب بمظاهر خارجية .

     إلا أنه يشترط لتحقق الاحتيال بهذه الوسيلة أن لا يكون الادعاء واضح الكذب بحيث يتبين حقيقته الشخص العادي. فإذا ادعى شخص أنه تاجر كبير وطلب مالا من شخص ليستثمره له، وكان ملبسه ومظهره لا يتفقان بحال مع صفة التاجر، فإن فعل هذا الشخص لا يعتبر احتيالاً حتى ولو استطاع الحصول على مال من هذا الشخص.

     كما يشترط أيضاً أن يأتي الشخص فعلا إيجابياً بأن ينتحل الاسم أو الصفة الكاذبة، أما إذا ترك المجني يعتقد خطأ في صفة ليست له، أو كانت له وزالت عنه، وتمكن بذلك من الحصول على مال الغير فإن جريمة الاحتيال لا تقوم في حقه، ويبقى الخلاف بينه وبين المجني عليه عند قبض المال و عدم إنجاز ما وعد به أو تلكأ في إنجازه مدني الصفة لا عنصر جزائي فيه”.

    1- الاسم المستعار

    الاسم المستعار هو كل اسم غير الاسم الحقيقي للفاعل.

    وسواء كان ذلك الاسم الشخص حقيقي أو لشخص خيالي لا وجود له، وسواء كان الاسم كله كاذبة أو بعضه فقط، وسواء لقي التحريف الاسم الأول أو الثاني أو اللقب.

     فيعتبر مرتكباً للاحتيال بهذه الوسيلة من ينتحل اسم عائلة أو لقبها.

     إلا أن اسم الشهرة لا يعتبر من الأسماء المستعارة ولو اختلف إلى حد كبير عن الإسم الحقيقي للشخص، لأن اسم الشهرة هو اسم يثبت لصاحبه با لاستعمال، فهو إذن اسم غير مستعار.

     ولا ترتكب جريمة الاحتيال كذلك بهذه الوسيلة في حالة تشابه أو تطابق اسم المدعى عليه مع اسم شخصية معروفة، فانتحل هذه الشخصية وترتب على ذلك تسليمه مالا بناء على ذلك الاسم.

     فالفاعل هنا لم يستعمل اسماً مستعاراً، بل استعمل اسمه الحقيقي. إلا أن الفاعل هنا يسأل عن جريمة الاحتيال باستعمال الدسائس لأنه انتحل شخصية الغير ودعم كذبه بسظهر خارجي هو تطابق أو تشابه الأسماء.

    2- الصفة الكاذبة

    يراد بالصفة المركز الذي يشغله شخص بين الناس بمقتضى وظيفته أو مولده أو حرفته.

    ويتمثل استعمال الصفة الكاذبة بانتحال لقب أو وظيفة أو مهنة أو رتبة أو قرابة، أو أية صفة توحي بالثقة دون مطالبة مدعيها تقديم دليل يثبت صحتها .

     أما الصفات التي تتطلب تقديم ما يثبت تمتع الشخص بالصفة التي يدعيها فإن مجرد الادعاء الكاذب يحمل تلك الصفة لا تتحقق به وسيلة استعمال صفة كاذبة، ولا تقوم معه بالتالي جريمة الاحتيال.

    ولما كانت الصفات التي اعتاد الناس على عدم تطلب دليل يثبت صحتها عديدة لا تقبل الحصر، فنذكر منها صفة الطبيب والمحامي والمهندس والضابط والموظف والتاجر .

     فمن يدعي كذبة إحدى هذه الصفات وأمثالها ويحمل الغير على تسليمه مالاً يرتكب جريمة الاحتيال.

     أما الصفات التي تتطلب تقديم ما يثبت صحتها، فمثالها صفة الدائن والمالك وبلوغ سن الرشد. فمن يدعي كذباً أنه دائن ويطلب الوفاء بما يدعي من دين، أو يدعي أنه مالك لما يحوزه الغير وهو ليس كذلك، ويطلب تسليمه إليه، أو يدعي أنه راشد في حين أنه قاصر ليحمل الغير على التعاقد معه أو على إجراء تصرف قانوني يسلمه بموجبه ما، ففي هذه الفرضيات لا يرتكب مدعي الصفة جريمة الاحتيال إذا اعتقد الغير في ادعائه وسلمه ما، لأنه كان يجب على من سله المال أن يطالبه بتقديم الدليل الذي يثبت حمله لإحدى هذه الصفات.

    فهذه الصفات هي من النوع التي اعتاد الناس على تطلب دليل يثبت صحتها، فإذا قصر الشخص في ذلك فيكون قد قصر في حق نفسه.

    بيد أن هذه الادعاءات قد تندرج ضمن وسيلة استعمال الدسائس إذا أيدها الشخص بمظاهر خارجية.

    كما لو وضع القاصر لحية وشاربأ مستعاراً ليبدو أكبر سناً ويستطيع بذلك حمل الغير على تسليمه مالاً.

     أو أبرز مدعي صفة الدائن سندا مزورة مطالبة باستيفائه.

     أو أبرز المالك سنداً مزورة يثبت ملكيته للشيء الذي يطالب بتسليمه له.

     وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن الصفة تكون كاذبة إذا كانت غير ثابتة للشخص وقت ادعائها، سواء لأنها لم تثبت له أصلا، أو لم تثبت له بعد، أو كانت ثابتة له ثم زالت عنه.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1