الوسم: اشطر محامي في حمص

  • جريمة السلب بالعنف حسب المادة 624 عقوبات عام

     

    أورد المشرع هذه السرقة المشددة في المادة 624، ونصها:

     “1- إذا رافق السرقة عنف على الأشخاص سواء لتهيئة الجريمة أو تسهيلها وسواء لتأمين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المسروق يعاقب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤقتة.

     2- لا تنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا تسبب عن العنف رضوض أو جروح أو إذا رافقته إحدى الحالات الأربعة الأولى المعينة في المادة 622″.

    إن العنف كما عرفته محكمة النقض السورية يعني الإكراه وأي عمل من أعمال القسر والإجبار يأتيه السارق ويوقعه على جسم المجني عليه ليحبط المقاومة التي يبديها “.

    توالعنف يجب أن يقترن بصلة مع السرقة ومرافق لها وعنصراً من عناصر تكوينها وتهيئتها أو تسهيلها أو لتأمين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المسروق، وأن يكون هذا العنف هو الوسيلة الوحيدة لتنفيذ السرقة ولقد سبق دراسة ظرف العنف على الأشخاص عند دراسة المادة 622، فنحيل إليه تجنبا للتكرار، مع إبداء الملاحظات التالية:

     – إن العنف المقصود كظرف مشدد لهذه الجناية هو صورة من صور الإكراه المادي، بالتالي فهو يتطلب عملاً مادياً.

    يستبعد إذن من نطاقه التهديد بالأقوال أو الإشارات الذي يشكل إكراهاً معنوياً مهما بلغ تأثيره على المجني عليه، ولو سهل اقتراف السرقة نتيجة خوف المجني عليه من التهديد.

    أما التهديد بالسلاح فيدخل في مدلول العنف، لا سيما وأن المشرع ساوى بينهما في المادة 622، معتبرا أن كل منهما له ذات الأثر في إضعاف مقاومة المجني عليه وتسهيل السرقة.

    وبذلك يكون هذا التهديد هو الصورة الوحيدة من الإكراه المعنوي التي تعد من قبيل العنف .

     ولقد عبرت محكمة النقض السورية عن هذا المنحى بقولها

     ” إن العنف هو كل عمل يؤثر في مقاومة المعتدى عليه ويعطلها حتى لا يقاوم السرقة… والتهديد بمسدس حربي يدخل ضمن مفهوم العنف “ .

     وفي مكان آخر قضت بأن الإكراه بنوعية المادي والمعنوي يعتبر أعلى درجات العنف، وكل إكراه هو عنف ولا عكس في ذلك…

     وكان إعطاء المخدر حتى يفقد المجني عليه شعوره تسهيلا للسرقة يعد من أقوى أنواع الإكراه والعنف، لأن إعطاء المخدر هو من الطرق القسرية التي تعطل الإرادة وتعدمها وتمكن السارق من إنجاز عمله”.

    – إن العنف يجب أن يوجه إلى الأشخاص. أما أعمال العنف والاعتداء الموجهة إلى الأشياء أو الحيوانات فلا يتحقق بها معنى العنف، كظرف مشدد، ولو كانت بقصد تسهیل ارتكاب السرقة.

    من هذا القبيل كسر الخزن أو الخزائن للاستيلاء على ما بداخلها، قتل كلب الحراسة أو ضربه لإسكاته للتمكن من السرقة.

     والعنف الموجه إلى الأشخاص لا يشترط أن يقع على المجني عليه في السرقة، بل يستوي أن يكون موجها ضده أو ضد أي شخص يتدخل ويحاول مقاومة السارق .

     – يجب أن يكون ارتكاب العنف تمهيداً للسرقة أو تسهيلاً لها أو لرب الفاعلين أو للاستيلاء على المسروقات . أي يجب معاصرة العنف للسرقة.

    أما العنف المرتكب بعد تمام السرقة فلا يعد ظرفاً مشددة لها، بل جريمة مستقلة عنها.

    ومثالها لو تعرض شخص للنشل وهرب اللص، إلا أن المجني عليه استطاع التعرف على وجهه، ثم صادفه بعد زمن وحاول القبض عليه فضربه اللص ليتخلص منه.

     ولقد سبق لنا الاستشهاد ببعض الأمثلة بهذا الخصوص عند مناقشة المادة 622، فنحيل عليها.

    – عاقب المشرع على جناية السلب بالعنف بالأشغال الشاقة من ثلاث إلى خمس عشرة سنة، ورفع مقدار التشديد، بالصعود بالحد الأدنى إلى خمس سنوات، إذا نتج عن العنف رضوض أو جروح أو رافقته إحدى الحالات الأربع الأولى المعينة في المادة 622.

     فالعنف بحد ذاته خطر عندما يمارس تسهيلا للسرقة، وتزداد خطورته إذا أفضى إلى رضوض أو جروح.

     والرض كالضرب في المعنى، يتمثل بالضغط على جسم الإنسان باليد أو بأداة دون أن يؤدي إلى تمزق في الأوعية الدموية أي إلى نزف دماء، سواء ترك الرض أثرا أم لم يترك، فإن أدى الفعل إلى نزف دماء يصبح جرحا، سواء أكان النزف خارجية أم داخلية.

    وتزداد أيضا خطورة العنف إذا ارتكب في ظروف تزيد من درجة إرهابه للمجني عليه، کارتكابه ليلاً أو من قبل عدة أشخاص أو في مسكن أو كون السارقين مقنعين أو كان أحدهم يحمل سلاح ظاهرة أو مخبأ. ولقد سبق لنا تحديد مدلول كل هذه الظروف سابقا.

  • السرقة على الطريق العام أو في القطار الحديدي

    أورد المشرع هذه السرقة المشددة في المادة 623 ونصها:

     “1- إذا وقعت السرقة على الطريق العام أو في القطار الحديدي مستجمعة حالتين من الحالات المعنية في المادة السابقة يقضي بالأشغال الشاقة من خمس عشرة إلى عشرين سنة.

     2- وإذا لم تتوفر في هذه السرقة إلا إحدى تلك الحالات كان العقاب الأشغال الشاقة المؤقتة سبع سنوات على الأقل.

     3- وفي الحالات الأخرى تكون العقوبة الأشغال الشاقة من ثلاث إلى عشر سنوات”.

    بتحليل هذا النص نلاحظ أن تشدید عقاب السرقة في هذه الحالات مرده الظرف المكاني.

     فلقد اعتبر المشرع أن السرقة الواقعة على الطريق العام تعكس خطورة السارق وجرأته، وتسهل له ارتكاب جريمته نتيجة لانعزال المكان الذي اختاره للسرقة، فجريمة قطع الطريق تعتبر من أخطر الجرائم وغالبا ما ترتكب من عدة أشخاص مسلحين.

    أما السرقة في القطار فهي أيضاً تعكس جرأة وخطورة السارق لاختياره مكانة متحركة ومغلقة لتنفيذ سرقته.

     فسير القطار وضيق مساحته يحول دون إمكانية هرب السارق بما سرقه، لهذا فلا يبقى لديه خيار إذا اكتشف أمره سوي مواجهة كافة الركاب الذين يتواجدون داخل القطار، وبالتالي كي يستطيع إحكام سيطرته فلا بد له من اللجوء إلى العنف، مما يضفي على جريمته خطورة مضاعفة.

    وباعتبار أن التشديد في هذه السرقة يتناول ظرف المكان الذي حدده المشرع بالطريق العام و القطار، لذلك لابد من تحديد مدلول كل منهما:

    1- الطريق العام

    الطريق العام هو الطريق البري الذي يرتاده الناس ويصل بين المدن والقرى ويقع خارج حدود هذه المدن والقرى، ويباح فيه المرور في كل وقت و بدون قيد وترجع خطورة السرقة في الطريق العام وفق هذا المعنى إلى امتداد الطريق في مناطق بعيدة عن العمران والتجمعات السكنية بالإضافة إلى صعوبة تواجد سلطات الأمن على امتداد الطريق.

     ولقد عرفت محكمة النقض السورية المقصود بالطريق العام بكونه

    “الطريق الواقع خارج المدن والموصل بين بلدتين لا داخلها، لأن الغاية من تشديد العقوبة للسرقات الواقعة فيه هو حماية المسافرين في الأمكنة حيث لا يوجد فيها من يسعفهم وأما في المدن المكتظة فالمسافرين لا يحتاجون إلى هذه الحماية لأنهم محاطون بمن ينجدهم عند الضرورة “.

    واستنادا لهذا المدلول للطريق العام، فإن الشوارع والساحات الواقعة داخل المدن أو القرى تخرج عن مفهوم الطريق العام، وبالتالي لا يشدد جرم السرقة الواقع فيها حتى ولو وقعت في وقت كان فيه أي من هذه الأماكن خالية من المارة، وذلك لأن حكمة التشديد في هذه الحالة تكون منتفية.

    2- القطار الحديدي

    إن مدلول القطار الحديدي واضح لا يحتاج إلى تفسير.

     فهو وسيلة النقل بين المدن والقرى التي تسير على قضبان حديدية.

     وكل ما يشترط في هذا الظرف أن يكون القطار مسافراً أو على أهبة السفر لا متوقف بصورة ثابتة في إحدى المحطات .

    والملاحظ أن النص اقتصر في التشديد على القطار دون غيره من وسائل النقل البرية أو البحرية.

     والملفت بهذا الصدد التناقض الذي وقع به المشرع السوري في إطار تشدید عقاب السرقة في القطارات.

     فلقد رأينا في معرض شرح المادة 629 أن المشرع شدد عقاب السرقة تشديدة جنحية، وهو الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، إذا وقعت في وسائل النقل العامة، وذكر من بينها القطارات، ثم عاد وشدد عقاب السرقة تشديداً جنائياً في صلب المادة 623 إذا وقعت في القطار الحديدي، معتبراً في الفقرة الثالثة من ذات المادة أن السرقة في القطار دون أن يرافقها أي ظرف مشدد جرماً جنائي الوصف عقابه الأشغال الشاقة من ثلاث إلى عشر سنوات.

    وأمام هذا التناقض الواضح بين نصي المادتين 629 و 623 اللتان لا يمكن التوفيق بينهما نرى ضرورة تدخل المشرع السوري لرفع هذا التناقض واعتبار التشديد إما جنحياً بحذف عبارة «القطار الحديدي» من نص المادة 623 و إما تشديدة جنائية بحذف عبارة «القطارات» من نص المادة 629 من قانون العقوبات.

     وإلى أن يتم تدخل المشرع لرفع التناقض الذي وقع به، يثور التساؤل التالي :

     أي من النصين واجب التطبيق؟

     إن النصوص الجزائية في حالة الغموض يجب تفسيرها لمصلحة المتهم، فالعبرة عند التطبيق إذن بالنص الأصلح للمتهم، وهو في حالتنا هذه هو نص المادة 629، باعتبار أن التشديد الجنحي أصلح للمتهم من التشديد الجنائي.

    أما بالنسبة لتشديد العقاب على السرقة على الطريق العام أو في القطار الحديدي فلقد تضمن نص المادة 623 ثلاث درجات من التشديد :

     1- إذا لم يترافق مع السرقة أي حالة من الحالات الواردة في المادة 622، فالعقوبة تشدد إلى الأشغال الشاقة من ثلاث إلى عشر سنوات .

    ومثالها قيام شخص واحد غیر مسلح بالسرقة نهاراً في الطريق العام أو في القطار الحديدي.

    2- إذا ترافق مع الطريق العام أو القطار الحديدي حالة واحدة فقط من الحالات الواردة في المادة 622، فالعقوبة تشدد إلى الأشغال الشاقة من سبع سنوات إلى خمس عشرة سنة (فقرة ثانية).

    ومثالها قيام مجموعة أشخاص بالسرقة نهارا في الطريق العام، أو قيام شخص واحد بالسرقة ليلا في القطار الحديدي .

    3- إذا ترافق مع الطريق العام أو القطار الحديدي حالتين من الحالات الواردة في المادة 622، تشدد العقوبة إلى الأشغال الشاقة من خمس عشرة إلى عشرين سنة (فقرة أولى).

     ومثالها قيام عدة أشخاص بالسرقة ليلا في الطريق العام أو في القطارات.

  •  السرقة ليلاً من شخص واحد في مسكن أو معبد

     هذه الحالة تفترض توفر ظرفي تشديد، أحدهما زماني وهو الليل، والأخر مكاني، وهو المسكن أو المعبد، بشرط أن يكون السارق شخصاً واحداً.

     والظرف الزماني، أي الليل، تم سبق شرحه.

     أما الظرف المكاني فيجب أن تقع السرقة  إما في مكان سكنى الناس أو في معبد”.

    والحكمة من تشدید عقاب السرقة الواقعة في هذين المكانين تتمثل في انتهاك حرمة المسكن أو المعبد، والاعتداء على حق الملكية، إضافة إلى أن المجني عليه فيهما لا يتوقع في المجرى العادي للأمور أن يتعرض لاعتداء، كونه يخلد لراحته في منزله، أو يخشع لربه أثناء صلاته، أو لكون المعبد يتمتع بقدسية خاصة، لذلك فهو يتخلى عن وسائل الحيطة التي يتخذها عادة عند تواجده في غير هذه الأماكن، مما يسهل على السارق ارتكاب جريمته، ومما يعكس أيضا خطورة المجرم الذي يدخل المسكن أو المعبد وهو يتوقع أن يلقى مقاومة، فيضمر في نفسه إحباطها وردها بالعنف عند اللزوم.

    – مكان سكنى الناس.

    إن عبارة “مكان سكنى الناس” الواردة في النص غير واضحة المدلول.

     فهل تعني المكان المسكون فعلا، أو المعد للسكن أو المستخدم للسكن أو المخصص للسكن؟

     إن الترجمة الدقيقة المقابلة لعبارة مكان سكنى الناس في الأصل الفرنسي تعني مكان يستخدم للسكن “.

    وهذه العبارة تعطي دلالة واسعة بحيث تشمل المكان المسكون و المكان المعد للسكن.

    – والمكان المسكون هو المكان المستعمل بالفعل للسكن، أي للإقامة ليلا أو نهارا، لمدة طويلة أو قصيرة، سواء كان معد أصلا ليكون مسكناً، كالبيت والفندق  والملجئ و المستشفى، أو لم يكن معداً لذلك ابتداء ولكنه استخدم فعلا للسكن، كالمصنع أو المدرسة أو المحل التجاري، حين يقيم فيه حارساً أو بواباً، أي يتخذ فيه مكاناً لسكنه بمفرده أو مع أفراد عائلته.

     أما إذا كانت هذه الأماكن غير مسكونة إطلاقاً من حارس أو بواب، فلا تعتبر مسكناً بالمعنى المطلوب للتشديد .

    والمقصود بالسكن الإقامة، أي تخصيص المكان لمظاهر الحياة التي يحرص فيها الإنسان على أن يكون في عزلة حين يباشرها، كالخلود للراحة والنوم، والاستحمام وقضاء حاجاته الخاصة.

    ولا يشترط في المكان المسكون شكل معين، فقد يكون ثابتاً، کمنزل، أو متحركاً، كعربة أو زورق، وقد يكون كوخاً أو خيمة، أو غرفة في فندق.

    إذا ما يهم في اعتبار المكان المسكون ليس صفته أو شكله، بل تخصيصه فعلا للسكن، باتخاذه مقرا يخلد إليه الإنسان للراحة والنوم وقضاء حاجاته، حتى ولو كان المكان مؤسسة عامة أو خاصة يرتادها الناس بكثرة ثم ينصرفون، فما دام يقيم فيها حارس أو بواب فهي تأخذ حكم المسكن إذا تعرضت للسرقة.

    – أما المكان المعد للسكن، فهو المكان المهيأ للسكن ولكن صاحبه لا يقيم فيه إلا مؤقتا، کمنزل في مصيف أو في مشتی، أو شاليه على البحر، فتشدد عقوبة سارق هذا المكان ولو في غيبة مالكه.

    وتشديد العقاب لا يقتصر على السرقة التي ترتكب في المكان المسكون أو المعد للسكن بل يشمل أيضا ملحقات المكان المخصصة لمنفعته ومتصلة به مباشرة، كالحديقة و المستودع و المرآب .

     ويستوي في تشديد عقاب سرقة الأماكن المسكونة أو المعدة للسكن أو ملحقاتها أن يكون السارق غريباً عن المسكن أو واحداً ممن يقيمون فيه كخادم أو ضيف .

    بل أن التشديد يتحقق إذا كان صاحب البيت هو مرتكب السرقة، كما لو سرق مال ضيفه أو خادمه.

     فالتشديد يعتمد على مكان السرقة فحسب، فكل من يوجد فيه ويتعرض للسرقة يجب أن يكون له نصيبا في التمتع بحرمة المسكن.

    – المعبد

    المعبد هو كل مكان مخصص لإقامة شعائر دين من الأديان التي تقرها الدولة. ويستوي في الحماية المعبد المفتوح للجمهور والمعبد الخاص، كالمعابد الملحقة بدور التعليم أو المستشفيات.

     ويستوي أن تقع السرقة على مال من أموال المعبد نفسه، كسرقة أحد محتوياته، أو أن تقع السرقة على مال أحد الموجودين فيه.

     ويستوي كذلك أن يكون السارق غريباً عن مكان العبادة أو أحد العاملين فيه.

    ولا عبرة بدين المجني عليه ولا بسبب وجوده في المكان.

    فقد يكون أحد المصلين في جامع أو كنيسة، وقد يكون من دين أخر ويتواجد في المعبد لغير العبادة.

    ولهذا تشدد عقوبة السرقة إذا ارتكبت في مسجد أثري، كالجامع الأموي مثلا، على سائح أجنبي غیر مسلم، وكان وجوده في الجامع للزيارة أو للدراسة.

    فلدور العبادة قدسية وحرمة يجب أن لا تدنس بارتكاب السرقات فيها.

    و بتوظيف الرياضيات في ظرف التشديد هذا نخلص إلى المعادلة التالية:

     السارق واحد + الليل + مسكن أو مكان عبادة = سرقة مشددة عقابها الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة.

  • الركن المعنوي في جريمة السرقة

    إن السرقة جريمة مقصودة لا تقع إلا إذا توفر القصد الجرمي لدى مرتكبها.

    ولا يمكن ملاحقة شخص بسرقة غير مقصودة مهما بلغت جسامة الخطأ الذي وقع به.

     فمن يأخذ حقيبة غيره ظانا أنها حقيبته بالرغم من اختلاف لوني الحقيبتين، فلا يعد سارق لها إذا ثبت، مثلا، أنه عند أخذه الحقيبة كان ساهي ولم ينتبه إلى اختلاف اللون.

     ولا يمكن ملاحقته بسرقة مقصودة لانتفاء علمه بملكية الغير لها، لاعتقاده أنها ملكه.

    وككل الجرائم المقصودة لا بد أن يتوفر لدى الفاعل القصد الجرمي العام، بعنصرية العلم والإرادة. لكن القصد العام لا يكفي وحده لقيام جريمة السرقة، بل لا بد أن يتوفر لدى الفاعل، إضافة للقصد العام، قصدأ جرمية خاصة، يتمثل بنية التملك.

    1- القصد الجرمي العام ( العلم والإرادة).

    يتوفر هذا القصد بعلم الفاعل بأركان الجريمة، واتجاه إرادته إلى ارتكاب الفعل وتحقيق النتيجة.

    و بإسقاط هذا المفهوم على السرقة نستخلص أنه لا بد لقيام القصد الجرمي العام فيها أن يعلم السارق أنه يستولي على مال مملوك للغير بدون رضاه، وأن تتجه إرادته للفعل والنتيجة، أي أن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للمال.

    أ- عنصر العلم.

    – فالفاعل يجب أن يكون عالما بأنه يأخذ مالا تعود ملكيته لغيره. فإذا انتفي علمه بهذه الواقعة غاب عن الجرم رکنه المعنوي، وبالتالي انتفت السرقة.

    فإذا اعتقد الفاعل ملكيته للمال الذي أخذه، أو اعتقد أن المال متروك أو مباح، انتفي القصد الجرمي لديه.

    فمن يستقل سيارة مشابهة لسيارته، ينتفي الركن المعنوي لديه، إذا كان يعتقد أنها سيارته. والطالب الذي يأخذ كتاب طالب أخر من على المقعد لا يعتبر سارقاً له إذا اعتقد أنه كتابه.

    والملاحظ في هذه الأمثلة أن جهل الشخص الملكية المال للغير يعتبر غلطاً في الواقع، واقعة على أوصاف الشيء، أو على ظروف أخذه، أي على أحد عناصر الفعل.

     إلا أن الأمر يصبح خلاف ذلك، ولا ينتفي القصد الجرمي، إذا وقع الشخص في غلط في القانون.

    كمن يستولي على قطعة أثرية ظاناً أن الآثار هي ملك لمكتشفها، أو إذا قام الدائن بالاستيلاء على مال لمدينة استيفاء لدينه، ظاناً بأن فعله مشروع.

    فالقاعدة المطبقة هنا أن الغلط الواقع على القانون لا ينفي الركن المعنوي، فالفاعل يعتبر سارقاً في هذه الأمثلة، إذلا جهل في القانون. .

     – كما يجب أن يعلم الفاعل بعدم رضاء المالك أو الحائز للمال على أخذ المال.

     أما إذا اعتقد أو ظن أن المجني عليه راضية بذلك، فينتفي لديه الركن المعنوي.

     كما لو اعتاد أحد الرعاة على رعي قطيعه في أرض احد الأشخاص بناء على موافقته.

    واستمر بذلك بالرغم من بيع الأرض لشخص أخر دون علمه بذلك. فهذا الراعي لا يمكن ملاحقته من قبل المالك الجديد بجرم السرقة لانتفاء علمه بعدم رضاء المالك الجديد عن تصرفه، واستمراره بفعله استنادا لموافقة المالك القديم.

    ب- عنصر الإرادة.

    إضافة للعلم بأركان الجريمة يجب أن تتجه إرادة الفاعل إلى الفعل والنتيجة.

     وكما أشرنا سابقاً، فإن جريمة السرقة  تتميز باندماج النتيجة مع الفعل، لأن النتيجة تتحقق بمجرد ارتكاب الفعل، وتتكامل معه.

     فلا بد لتوافر هذا العنصر أن تتجه إرادة الفاعل إلى النشاط الجرمي، أي إلى فعل الأخذ الذي يتمثل بمجموعة الحركات التي يأتيها الفاعل، والتي من شأنها إخراج المال من حيازة المجني عليه وإدخالها في حيازة أخرى.

    وينتفي هذا العنصر إذا كانت الإرادة مكرهة على الفعل، كمن يقوم بسرقة مال مملوك لغيره تحت تهديد السلاح أو الابتزاز.

     كما يجب أن تتجه الإرادة إلى إخراج الشيء مادية من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازة الفاعل أو حيازة غيره، وأن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للشيء.

    وينتفي القصد الجرمي إذا لم تتجه إرادة الفاعل إلى إخراج الشيء ماديا من حيازة المجني عليه، كأن يكون قد وضعه شخص أخر في جيبه أو في حقيبته دون علم منه.

     أو إذا استولى على الشيء معتقدا أن مالكه قد تخلى له نهائيا عنه، أي معتقدا أنه سلم له على سبيل الحيازة التامة، بينما كان قصد المجني عليه منصبا على تسليمه الحيازة الناقصة، كالعارية مثلا، أو في اليد العارضة فقط، لفحصه مثلا وإعادته إليه.

    1- القصد الجرمي الخاص (نية التملك).

    إن القصد الخاص في السرقة يتمثل بنية تملك الشيء.

    وهذا لا يعني أن يصبح السارق، بحكم القانون مالكا للشيء، باعتبار أن القانون لا يعتد بهذه النية، وأن السرقة ليست سببا معترفا به قانونا لاكتساب الملكية.

     فما تعنيه نية التملك هو إرادة الظهور على الشيء بمظهر المالك له، أي إرادة مباشرة السلطات التي ينطوي عليها حق الملكية.

    وهذه النية تقوم على عنصرين:

    عنصر سلبي يتمثل في إرادة حرمان المالك من سلطاته على الشيء، ويتجلى هذا العنصر بالعزم على الاحتفاظ بالشيء و عدم رده.

    و عنصر إيجابي يتمثل في اتجاه إرادة السارق إلى أن يحل محل المالك في سلطاته على الشيء، أي أن يتصرف بالشيء كما يفعل المالك، ويتجلى هذا العنصر بإرادة السارق أن يباشر على الشيء سلطة تشبه في مظهرها و عناصرها السلطة التي يعترف بها القانون للمالك.

     وهذا يعني أن نية التملك لا تتجه إلى الملكية كحق، لأن النية السيئة لا تنشئ حقاً في القانون ، و إنما تتجه إلى الملكية “كمركز واقعي وفحوى اقتصادي، أي مجموعة من السلطات والمزايا الفعلية .

     واستنادا إلى ما تقدم فإن نية التملك تتمثل في الاتجاه إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للشيء، وتنتفي تبعا لذلك إذا  كانت الإرادة قد اتجهت إلى اكتساب اليد العارضة على الشيء، كمن يأخذ شيئا بقصد الاطلاع عليه وإرجاعه إلى مكانه ولو كان ذلك الأخذ ضد إرادة المالك أو الحائز.

    أو كمن يأخذ الشيء على سبيل المزاح، باعتبار أن المزاح يفترض وضع يد عارض ومؤقت ويعني حتما العزم على رد الشيء.

    أما إذا تصرف بالمال ببيعه مثلا فيعتبر سارقاً له، فلا يجوز أن يبلغ المزاح حد التصرف في الشيء ببيعه، لأن التصرف سلطة لا يباشرها غير المالك.

     كما تنتفي نية التملك إذا كانت الإرادة قد اتجهت إلى اكتساب الحيازة الناقصة.

    ومن هذا القبيل من يأخذ شيئا بنية استعماله أو الانتفاع به مؤقتا ثم إعادته.

    فلا يعد سارقاً الطالب الذي يأخذ قلم زميله کي يستعمله ثم يعيده لصاحبه، أو الشخص الذي يأخذ دابة جاره ليحرث بها أرضه ويردها بعد ذلك.

    – وتجدر الإشارة إلى أن المشرع السوري قد أفرد الاستعمال أشياء الغير بدون وجه حق نصاً خاصاً في المادة 637 من قانون العقوبات السوري، كما يلي كل من استعمل دون حق شيئا يخص غيره، بصورة تلحق به ضررة، ولم يكن قاصدا اختلاس الشيء، عوقب بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة…، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

     والملاحظ في هذا النص عدم اعتبار المشرع الاستعمال أشياء الغير سرقة ما دام الفاعل لم يقصد الاستيلاء على الشيء، أي تملكه.

     إلا أنه يشترط الإيقاع العقاب أن يؤدي استعمال الشيء إلى ضرر يلحق بصاحب الشيء.

    أما في حالة انتفاء الضرر فلا عقاب.

    كما تجدر الإشارة إلى أن هذا النص لا يشمل السيارات، وان كان ينطبق عليها وصف استعمال أشياء الغير، إذا قام شخص بأخذ سيارة مملوكة لأخر وتنزه بها، ثم أعادها إلى مكانها أو تركها في مكان آخر.

    فلقد أفرد المشرع السوري لسرقة السيارة، ولاستعمالها دون قصد سرقتها، نصاً مستقلاً في صلب المادة 625 مكرر، معتبراً أن أخذ السيارة دون قصد تملكها جرم جنائي الوصف.

     وهو ما سنتناوله في معرض شرح الظروف المشددة لجريمة السرقة. كما تنتفي نية التملك لدى الدائن الذي يستولي على مال المدينه ضمانا و تأمينا لدينه دون أن يقصد تملكه، بل بقصد رده إلى صاحبه بعد الوفاء بالدين .

    وتنتفي النية أيضا لدى الشخص الذي يستولي على منقول لغيره، كمسدس أو سكين، لمنع أذاه، كما لو جرد الفاعل رجلاً من سلاحه خشية الإصابة به، فلا سرقة ولو أخفي هذا السلاح.

    – وعند توافر القصد الجرمي، العام والخاص، بالصورة التي سبق بيانها، تقوم جريمة السرقة، ولا عبرة بعد ذلك للباحث أو الدافع الذي دفع الفاعل إلى السرقة، سواء كان دافعا شريفا أو دنيئا .

     فيستوي أن يكون الدافع إلى السرقة الحاجة، أو التصدق على الفقراء، أو الطمع أو مجرد الانتقام، أو الرغبة في الإثراء أو في إفقار المجني عليه، كما لا يؤثر في قيام القصد، وتوفر السرقة، غنى السارق أو سمعته الشريفة ، فقد يكون مدفوعاً إليها بعامل الطمع في مال الغير.

    وبالرغم من عدم الاعتداد بالدافع في قيام القصد الجرمي، فإن للدافع أثرا في تقدير العقوبة، شدة أو ليناً، بحسب کونه شريفاً أو دنيئاً.

    – ولا بد لقيام القصد من معاصرته للفعل المادي الذي تتكون منه الجريمة، أما القصد اللاحق له فلا يكفي لقيام الجريمة.

    فإذا كان الاستيلاء على الشيء بحسن نية ثم نشأ سوء القصد بعد ذلك فلا سرقة.

    فلا يعد سارقاً من يأخذ متاعا لأخر معتقداً أنه مملوك له ثم تتبين له الحقيقة فيما بعد ورغم ذلك لم يرده لصاحبه.

    ولا يعد سارقاً أيضاً من يأخذ شيئاً يعتقد أنه قد أعير له أو أودع لديه، ثم تسوء نيته عندما يكتشف الحقيقة فيقرر الاستيلاء عليه.

     لكن الأمر يختلف إذا كانت يد الشخص على الشيء عارضة، ثم قامت لديه بعد وضع يده نية الاستيلاء عليه، فإن قصد السرقة يعد متوافرة لديه.

     وعلة ذلك أن وضع اليد العارضة على الشيء لا يشكل أخذا، باعتبار أنه لا ينطوي على تبديل الحيازة.

    فالحيازة باليد العارضة تبقى للمالك وليس لصاحب اليد العارضة، ومن ثم لا عبرة بأن نية التملك لم تكن متوفرة عند وضع اليد العارضة.

     وفعل الأخذ يرتكب حين يقرر صاحب اليد العارضة الاستيلاء على الشيء، لأنه في هذه اللحظة يخرجه من حيازة مالكه ويدخله في حيازته، وفي هذه اللحظة ذاتها توافرت نية التملك، وتحقق بذلك تعاصر القصد مع فعل الأخذ.

    وعليه يعد سارقاً من يتناول من صاحب محل بيع المجوهرات خاتما ليطلع عليه بغية شرائه، أي أن نيته كانت حسنة عند تناوله للخاتم، ولكن هذه النية ساءت بعد برهة، فهرب بالخاتم .

    كما يعد سارقاً أيضاً من يتناول شيئاً ليطلع عليه بدافع الفضول وبنية حسنة، ثم تسوء نيته بعد الاطلاع عليه فيفر به

    – ولا ريب أخيراً أن تقدير توافر أو انتفاء القصد الجرمي هي مسألة موضوع تعود لمحكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض.

    إلا أن إغفال الحكم التحدث عن القصد، إثباتا أو نفية، يجعله قاصرا في التعليل، وقابلا للطعن بالنقض

     

     

  • النتيجة الجرمية في الايذاء والقتل غير المقصود

    النتيجة الجرمية

    لا بد في الجرائم غير المقصودة أن يؤدي الخطأ لنتيجة ضارة كي تترتب المسئولية الجزائية والمدنية. بينما النتيجة الضارة غير واجبة دائما في الجرائم المقصودة.

    فقد يترتب على الفعل المقصود مسئولية جزائية دون أن يكون هناك ضرر يعد سبباً للتعويض المدني، كما هو الحال في التحريض على ارتكاب جريمة الذي لم يؤدي إلى نتيجة أو لم يلقى قبولا من الشخص المحرض فهو لم يلحق ضررا بالمجني عليه

    وتتمثل النتيجة الضارة في المادة 550 و 551 بالوفاة أو الإيذاء.

    وإذا لم تقع هذه النتيجة الضارة فلا سبيل لتطبيق هاتين المادتين مهما كانت درجة الخطأ المعزوة للفاعل.

    وكلما كانت النتيجة الضارة الناشئة عن الخطأ جسيمة كلما كانت العقوبة أشد.

    فعندما يفضي الخطأ إلى وفاة المجني عليه يطبق على الفاعل العقاب الوارد في المادة 550.

    أما إذا كان الضرر لم يصل إلى الوفاة، بل لمجرد المساس بسلامة المجني عليه الجسدية طبق على الفاعل العقاب الوارد في المادة 551.

    ولقد تدرج المشرع في العقاب الوارد في هذه المادة استنادا إلى خطورة الإصابة اللاحقة بالمجني عليه، كما سنرى لاحقاً.

    والركن المادي لجرم القتل أو الإيذاء عن غير قصد لا يختلف عن الركن المادي لجرم القتل أو الإيذاء قصداً.

    فالعقاب واجب على كل فعل أو امتناع عن فعل يؤدي إلى إزهاق روح إنسان أو إلى مجرد المساس بسلامته البدنية.

    ولا عبرة للوسيلة التي استخدمت في القتل أو الإيذاء فيستوي أن يكون سلاحا قاتلا بطبيعته أو غير قاتل .

    كما يستوي أن يكون الفعل ضرباً أو جرحا ًأو عضأ أو رضاً أو نقل عدوى. كما لو تسبب أحدهم بعدم احتياطه في نقل عدوى مرض إلى آخر، فمات الشخص أو تأذى.

    ويستوي أن تنتج الوفاة أو الإيذاء عن وسيلة مادية أو عن وسيلة معنوية.

    فكما يصلح أي فعل مادي ركنة للقتل أو الإيذاء المقصود و غير المقصود، كإطلاق النار أو الضرب أو الطعن، يصلح أيضا الفعل المعنوي من ترهيب أو ترعيب أو تخويف أو نبأ مفجع، لقيام الركن المادي في القتل والإيذاء المقصود وغير المقصود.

    ولنضرب على ذلك المثال التالي:

    بفرض أن شخصاً يهوى تربية العقارب أو الأفاعي ويحتفظ بإحداها في منزله دون أن يضعها في قفص.

    ونسي وأعطى مفاتيح المنزل لصديقه الذي ما أن دخل المنزل حتى فوجئ بعقرب أو أفعى بوجهه، فوقع مغشياً عليه من هول الصدمة، وأصيب بنزيف حاد أدى لوفاته.

    فالخطأ الذي وقع به صاحب المنزل بعدم الاحتياط بوضع الحيوان في قفص هو الذي أدى إلى مفاجأة المجني عليه والصدمة التي أصابته وأدت لوفاته.

    وهذا ما يرتب عليه المسئولية الجزائية والمدنية عن النتيجة الحاصلة، وملاحقته عن جرم القتل غير المقصود.

     

  • هل يعاقب القانون على الشروع في جريمة الايذاء القصود؟

    هل يعاقب على الشروع في جرائم الإيذاء المقصود؟

     إن القواعد العامة في التشريع السوري تقضي بالعقاب على الشروع في الجنايات إطلاقا. أما الجنح فلا عقاب على الشروع فيها إلا بنص.

     ولا عقاب على الشروع في المخالفات إطلاقا.

    وباعتبار أن جرائم الإيذاء منها ما هو جنحي الوصف، وهي المستندة على معيار التعطيل عن العمل.

     ومنها ما هو جنائي الوصف وهي: الإيذاء المفضي إلى الموت، أو العامة الدائمة، أو إجهاض حامل مع العلم بحملها . ولم ينص المشرع صراحة على عقاب الشروع في جنح الإيذاء المقصود فلا مجال لبحث هذه المسألة بشأنها.

    أما جنايات الإيذاء المقصود فيرى بعض الفقه، أنه لا عقاب على الشروع فيها لأنه لا يتصور فيها الشروع أصلا.

     وحجتهم أن جنايات الإيذاء هي جرائم ذات نتائج تجاوز قصد الفاعل، أي متعدية القصد، فلا يتصور وفق القواعد العامة الشروع فيها.

     فجرائم الإيذاء لا تتحدد طبيعتها إلا إذا وقعت النتيجة فعلا، فإذا لم تقع فلا يمكن عقلا

     

    أن يسأل الفاعل عن شروع.

     فلو هم شخص بضرب خصمه بعصا ، فتدخل شخص أخر حال دون إصابة الخصم، فما هو الأساس الذي يمكن أن توصف بموجبه هذه الواقعة بالشروع؟

    فهذه الضربة لو أصابت الخصم، كان يمكن أن تؤدي إلى تعطيل عن العمل مدة أقل أو أكثر من عشرة أيام، أو إلى الوفاة، أو إلى إحداث عاهة دائمة.

     فمن الواضح أنه ما دام لا يمكن تحديد طبيعة الجريمة فلا يمكن القول بوجود شروع. والنتيجة الجرمية هي التي تحدد طبيعة هذه الجريمة، واستنادا إليها يكون العقاب.

     وإذا عدنا إلى قاعدة العقاب على الشروع في الجنايات إطلاقا، فيجب التحقق ذلك أن تتوفر أركان الشروع.

     فالشروع يفترض أن تتجه إرادة الفاعل إلى تحقيق نتيجة معينة، ويبدأ بالتنفيذ لتحقيق هذه النتيجة، فيتدخل ظرف خارجي يحول دون ذلك.

    وجرائم الإيذاء تفترض أن الفاعل أراد من فعله تحقيق نتيجة معينة، ولكن حدثت نتيجة أشد جسامة لم يكن يقصدها.

    فمن الطبيعي أن يكون الشروع غير متصور بالنسبة للنتيجة الجسيمة، لأن القصد لم يتجه إليها بالأصل، و هذا يعني انتفاء أحد أركان الشروع.

    وباعتبار أنه يوجد في القانون السوري ثلاث حالات للإيذاء الجنائي، وهي:

    الإيذاء المفضي إلى الموت، وإلى إحداث عاهة دائمة، وإلى إجهاض حامل مع العلم بحملها. يمكننا أن نستخلص أن بعضها لا يتصور فيه الشروع وبعضها الآخر يتصور الشروع فيه.

    فالإيذاء المفضي إلى الموت أو إلى الإجهاض مع العلم بالحمل لا يمكن تصور الشروع فيهما لأن النصوص فيها تعاقب من أجل حصول نتيجة جرمية معينة، الموت أو إسقاط الحمل، ويشترط أن لا يكون الفاعل قد قصد إحداث هذه النتيجة، وبالتالي لا شروع لاستحالة توافر شروطه القانونية.

    أما جناية الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة فيتصور الشروع فيها عندما يتوافر لدى الفاعل قصد إحداث العاهة، ويبدأ بالتنفيذ، ولا تحصل النتيجة لأسباب خارجة عن إرادته.

    وتطبيقا لذلك إذا هم أحد الأشخاص بفقء عين خصمه أو قطع ذراعه أو أذنه أو عضوه التناسلي، ثم تدخل شخص أخر وحال دون تحقيق النتيجة التي كان الفاعل يرغب في تحقيقها، يمكن ملاحقة هذا الشخص کشارع في جناية الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة ومعاقبته استنادا لذلك.

  • ماهو الايذاء المقصود وماهي أنواعه في القانون السوري؟

    الإيذاء المقصود

    يشترك الإيذاء مع القتل في أن كلاهما يشكلان اعتداء إنسان على إنسان أخر.

     فإن أدى الاعتداء، مقصوداً كان أم غير مقصود، إلى إزهاق روح المجني عليه، نكون أما جرم القتل. أما إذا أدى الاعتداء، مقصودا كان أم غير مقصود، إلى المساس بسلامة المجني عليه الجسدية. نكون أمام جرم الإيذاء.

    ويشترك الإيذاء مع القتل في محل الاعتداء، وهو الإنسان الحي، بالتالي لا يقع جرم الإيذاء على حيوان، وإنما يعتبر إضرارا بأموال الغير (م 715 ق.ع)، أو جريمة إساءة معاملة (م 748- 749 ق.ع).

     كما لا يقع الإيذاء على الجنين، وإنما تحمي الجنين نصوص الإجهاض. وما يصح قوله في القتل يصح قوله في الإيذاء بهذا الخصوص، ولقد سبق لنا الإفاضة في شرح ذلك.

    إذا فالإيذاء يتمثل بأفعال الاعتداء التي تستهدف المساس بسلامة الإنسان الجسدية. وتختلف صور الإيذاء في القانون، شدة أو بساطة، استنادا إلى خطورة الإصابة اللاحقة بالمجني عليه، وليس استنادا إلى ما كان يرمي إليه الفاعل.

     فإذا ضرب الجاني المجني عليه صفعة على وجهه، قاصداً مجرد إيلامه، فأدت الصفعة إلى فقدان البصر في إحدى عيني المجني عليه، يلاحق الفاعل استنادا إلى خطورة الإصابة التي لحقت الصفعة إلى فقدان البصر في إحدى عيني المجني عليه، يلاحق الفاعل استنادا إلى خطورة الإصابة التي لحقت بالضحية، وهي إحداث عاهة دائمة، حتى ولو لم يكن يقصدها أصلا.

    وكما رأينا في جرائم القتل المقصود أن الركن المعنوي فيها يتميز بتوافر نية إزهاق الروح، فإن الركن المعنوي في جميع صور الإيذاء المقصود يتميز بانصراف نية الفاعل إلى المساس بالسلامة البدنية للمجني عليه.

     فمتى توفرت هذه النية يلاحق الفاعل عن جرم الإيذاء، ليس استنادا لخطورة نيته، وإنما، كما أسلفنا، استنادا لخطورة الإصابة اللاحقة بالمجني عليه. فكلما ازدادت درجة جسامة الضرر أو الأذى، ازدادت خطورة مسئولية مرتكبه، وبالتالي ازدادت جسامة العقوبة المترتبة عليه.

    نخلص من ذلك، إلى أن جرائم الإيذاء تشترك مع بعضها في الركن المادي وفي الركن المعنوي، إلا أن ما يميزها عن بعضها البعض هو نصوص التجريم التي تحدد الصور المختلفة للإيذاء.

     فلقد قسم المشرع السوري جرائم الإيذاء إلى أصناف أو درجات، استنادا لخطورة الضرر اللاحق بالمجني عليه معتمدة التدرج في الجسامة استناداً إلى معيار مادي هو التعطيل عن العمل لمدة أقل من عشرة أيام، أو بين العشرة أيام و العشرين يوما، أو أكثر من عشرين يوماً ففي هذه الحالات تشدد العقوبة تشديداً جنحياً.

    إلا أنها تنقلب إلى جناية إذا أدى الإيذاء إلى إحداث عاهة دائمة، أو أدى إلى إجهاض حامل مع العلم بحملها، أو أدى إلى الوفاة دون قصد إحداثه .

    وتجدر الإشارة إلى أن تصنيف جرائم الإيذاء استناداً إلى خطورة الإصابة اللاحقة بالمجني عليه لا يقتصر فقط على جرائم الإيذاء المقصودة، التي تتطلب توافر نية المساس بسلامة المجني عليه الجسدية، بل إن معیار خطورة الإصابة هو أيضا الذي يحدد صور الإيذاء غير المقصود، الذي يكتفي فيه بتوافر الخطأ لقيام الركن المعنوي، بصورة إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة.

    وباعتبار أن جرائم الإيذاء المقصود تجمعها أحكام مشتركة ناتجة عن اشتراکها جميعها بالركن المادي وبالركن المعنوي. وأن ما يميزها عن بعضها هي النصوص التجريمية التي صنف بموجبها المشرع هذه الجرائم إلى درجات مختلفة استنادا لخطورة الإصابة اللاحقة بالمجني عليه.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1