التصنيف: جزائي

قانون العقوبات السوري

  • السرقة نهارة مع تعدد السارقين من مسكن أو معبد

    لا بد في هذه الصورة أن يتوفر ظرفي التعدد والمكان

    فظرف التشديد هنا مناطه قيام اثنين فأكثر بسرقة مسكن أو معبد أثناء النهار.

     ولقد سبق لنا تفصيل مدلولات التعدد والمسكن و المعبد.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أن المسكن أو المعبد لا يشكل ظرفا مشددة بذاته، بل لا بد أن يقوم إلى جانبه ظرف مشدد أخر، هو الليل أو تعدد السارقين.

     أما لو تمت السرقة من شخص واحد نهاراً فلا تشديد في هذه الحالة، وهو أمر منتقد، لأن علة التشديد هي حرمة المسكن ومكان العبادة، ولا فرق بين أن يقوم بها سارق واحد أو أكثر.

    بالتالي فإن خطة المشرع لم تكن موفقة بهذا الخصوص، فكان أولى بالمشرع أن يراعي بالتشديد حرمة هذه الأماكن بغض النظر عن ظرف الليل أو التعدد.

    و بتوظيف الرياضيات في ظرف التشديد هذا نخلص إلى المعادلة التالية:

     السرقة نهارة + تعدد السارقين + مسكن أو معبد = سرقة مشددة عقابها الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة.

  •  السرقة ليلاً من شخص واحد في مسكن أو معبد

     هذه الحالة تفترض توفر ظرفي تشديد، أحدهما زماني وهو الليل، والأخر مكاني، وهو المسكن أو المعبد، بشرط أن يكون السارق شخصاً واحداً.

     والظرف الزماني، أي الليل، تم سبق شرحه.

     أما الظرف المكاني فيجب أن تقع السرقة  إما في مكان سكنى الناس أو في معبد”.

    والحكمة من تشدید عقاب السرقة الواقعة في هذين المكانين تتمثل في انتهاك حرمة المسكن أو المعبد، والاعتداء على حق الملكية، إضافة إلى أن المجني عليه فيهما لا يتوقع في المجرى العادي للأمور أن يتعرض لاعتداء، كونه يخلد لراحته في منزله، أو يخشع لربه أثناء صلاته، أو لكون المعبد يتمتع بقدسية خاصة، لذلك فهو يتخلى عن وسائل الحيطة التي يتخذها عادة عند تواجده في غير هذه الأماكن، مما يسهل على السارق ارتكاب جريمته، ومما يعكس أيضا خطورة المجرم الذي يدخل المسكن أو المعبد وهو يتوقع أن يلقى مقاومة، فيضمر في نفسه إحباطها وردها بالعنف عند اللزوم.

    – مكان سكنى الناس.

    إن عبارة “مكان سكنى الناس” الواردة في النص غير واضحة المدلول.

     فهل تعني المكان المسكون فعلا، أو المعد للسكن أو المستخدم للسكن أو المخصص للسكن؟

     إن الترجمة الدقيقة المقابلة لعبارة مكان سكنى الناس في الأصل الفرنسي تعني مكان يستخدم للسكن “.

    وهذه العبارة تعطي دلالة واسعة بحيث تشمل المكان المسكون و المكان المعد للسكن.

    – والمكان المسكون هو المكان المستعمل بالفعل للسكن، أي للإقامة ليلا أو نهارا، لمدة طويلة أو قصيرة، سواء كان معد أصلا ليكون مسكناً، كالبيت والفندق  والملجئ و المستشفى، أو لم يكن معداً لذلك ابتداء ولكنه استخدم فعلا للسكن، كالمصنع أو المدرسة أو المحل التجاري، حين يقيم فيه حارساً أو بواباً، أي يتخذ فيه مكاناً لسكنه بمفرده أو مع أفراد عائلته.

     أما إذا كانت هذه الأماكن غير مسكونة إطلاقاً من حارس أو بواب، فلا تعتبر مسكناً بالمعنى المطلوب للتشديد .

    والمقصود بالسكن الإقامة، أي تخصيص المكان لمظاهر الحياة التي يحرص فيها الإنسان على أن يكون في عزلة حين يباشرها، كالخلود للراحة والنوم، والاستحمام وقضاء حاجاته الخاصة.

    ولا يشترط في المكان المسكون شكل معين، فقد يكون ثابتاً، کمنزل، أو متحركاً، كعربة أو زورق، وقد يكون كوخاً أو خيمة، أو غرفة في فندق.

    إذا ما يهم في اعتبار المكان المسكون ليس صفته أو شكله، بل تخصيصه فعلا للسكن، باتخاذه مقرا يخلد إليه الإنسان للراحة والنوم وقضاء حاجاته، حتى ولو كان المكان مؤسسة عامة أو خاصة يرتادها الناس بكثرة ثم ينصرفون، فما دام يقيم فيها حارس أو بواب فهي تأخذ حكم المسكن إذا تعرضت للسرقة.

    – أما المكان المعد للسكن، فهو المكان المهيأ للسكن ولكن صاحبه لا يقيم فيه إلا مؤقتا، کمنزل في مصيف أو في مشتی، أو شاليه على البحر، فتشدد عقوبة سارق هذا المكان ولو في غيبة مالكه.

    وتشديد العقاب لا يقتصر على السرقة التي ترتكب في المكان المسكون أو المعد للسكن بل يشمل أيضا ملحقات المكان المخصصة لمنفعته ومتصلة به مباشرة، كالحديقة و المستودع و المرآب .

     ويستوي في تشديد عقاب سرقة الأماكن المسكونة أو المعدة للسكن أو ملحقاتها أن يكون السارق غريباً عن المسكن أو واحداً ممن يقيمون فيه كخادم أو ضيف .

    بل أن التشديد يتحقق إذا كان صاحب البيت هو مرتكب السرقة، كما لو سرق مال ضيفه أو خادمه.

     فالتشديد يعتمد على مكان السرقة فحسب، فكل من يوجد فيه ويتعرض للسرقة يجب أن يكون له نصيبا في التمتع بحرمة المسكن.

    – المعبد

    المعبد هو كل مكان مخصص لإقامة شعائر دين من الأديان التي تقرها الدولة. ويستوي في الحماية المعبد المفتوح للجمهور والمعبد الخاص، كالمعابد الملحقة بدور التعليم أو المستشفيات.

     ويستوي أن تقع السرقة على مال من أموال المعبد نفسه، كسرقة أحد محتوياته، أو أن تقع السرقة على مال أحد الموجودين فيه.

     ويستوي كذلك أن يكون السارق غريباً عن مكان العبادة أو أحد العاملين فيه.

    ولا عبرة بدين المجني عليه ولا بسبب وجوده في المكان.

    فقد يكون أحد المصلين في جامع أو كنيسة، وقد يكون من دين أخر ويتواجد في المعبد لغير العبادة.

    ولهذا تشدد عقوبة السرقة إذا ارتكبت في مسجد أثري، كالجامع الأموي مثلا، على سائح أجنبي غیر مسلم، وكان وجوده في الجامع للزيارة أو للدراسة.

    فلدور العبادة قدسية وحرمة يجب أن لا تدنس بارتكاب السرقات فيها.

    و بتوظيف الرياضيات في ظرف التشديد هذا نخلص إلى المعادلة التالية:

     السارق واحد + الليل + مسكن أو مكان عبادة = سرقة مشددة عقابها الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة.

  • السرقة في الليل مع تعدد السارقين

     الليل وتعدد السارقين

    وهي حالة ممن حالات التشديد الواردة في الفقرة (أ) من المادة 628 من قانون العقوبات.

     إن اجتماع ظرفي الليل وتعدد السارقين يشدد عقاب السرقة نظرا لما يمثل اجتماعهما من خطورة خاصة على المجني عليهم، أو على النظام العام.

    – فظرف الليل هو ظرف مسهل لارتكاب السرقة نظرا لكون الناس يخلدون فيه للراحة والنوم، كما أنه يضعف قدرة المجني عليهم في الدفاع عن أموالهم مقارنة فيما لو ارتكبت السرقة نهاراً و المشرع السوري لم يحدد مدلول الليل بالرغم من اعتباره ظرفا مشددا للسرقة.

     ولليل مدلولان، مدلول فلكي باعتباره الفترة الزمنية الواقعة بين غروب الشمس وشروقها.

    ومدلول عرفي باعتباره الفترة الزمنية التي يخيم فيها الظلام.

     وبالرغم من تبني محكمة النقض السورية للمفهوم الفلكي بقولها :

    «الليل يشمل الفترة مابين غروب الشمس وطلوعها، فإن السرقة التي تقع في هذه الفترة يجب التشديد فيها»

      إلا أننا نخالف هذا الاتجاه و نميل إلى الأخذ بالمدلول العرفي، باعتبار أن الليل هو الفترة التي يسود فيها الظلام فعلا، لأن هذه الفترة هي التي تتوافر فيها حكمة التشديد.

     ذلك أن سهولة تنفيذ السرقة ترتبط بالظلام وهدوء الحياة فيه، والنوم، أكثر مما ترتبط باللحظة التي يحدد فيها الفلكيون غروب الشمس وشروقها.

     ناهيك عن أنه في بعض أوقات فصل الصيف تغيب الشمس بالرغم من استمرار الضوء لفترة لا بأس بها، فلا يعقل أن نعتبر السرقة الواقعة أثناء ذلك أنها تمت في الليل استنادا للمدلول الفلكي، وذلك لتعارضه مع الحكمة من التشديد، وهو وجود الظلام الذي سهل ارتكاب السرقة، وأبرز خطورة الفاعل الذي يستغل الظلام مضمرة في الغالب العزم على استعمال العنف مستترا بالعتمة إذا اقتضت السرقة ذلك.

     ولا ريب أن السرقة تعتبر واقعة في الليل و إن كانت قد بدأت في النهار إلا أنها لم تنتهي إلا ليلا، أو أنها بدأت لي ولم تنتهي إلا نهاراً.

    حيث يكفي أن يرتكب أي فعل من أفعال التنفيذ ليلاً حتى تتوفر علة التشديد، وإن لم تحصل النتيجة الانهار.

    – أما ظرف تعدد السارقين، فحكمة التشديد فيه واضحة أيضا فهو يسهل وقوع السرقة لخوف المجني عليه من مقاومة قد لا تجدي نفعا مع عدة أشخاص، فضلاً عن أن التعدد ينم عن خطورة كامنة في أشخاص السارقين، فتعدد المجرمين قد يعطي كل واحد منهم الجرأة لارتكاب أفعال خطيرة لا يقدم عليها لو كان بمفرده.

     وتطبيقاً لذلك فإن حكمة التشديد لا تتوفر إذا لم يقم بالسرقة سوى شخص واحد مع وجود متدخلين أو محرضين، وقد كان المشرع واضح في هذا المعنى بقوله «السارق اثنان فأكثر» أي وجود السارقين مجتمعين في مكان تنفيذ الجريمة، بصفة فاعلين وشركاء.

    وغني عن البيان أن تعدد السارقين يفترض وحدة الجريمة، ففي هذه الحالة فقط يمكن القول بأن مرتكبي السرقة قد تعددوا.

     أما إذا ارتكب عدة أشخاص لعدة جرائم سرقة، بحيث كان لكل سرقة فاعل واحد، فليس هناك تعدد وإن جمعت بين هذه السرقات صلات وثيقة كتقارب في الزمان أو المكان  ويمكننا تصور هذه الفرضية بتعرض أحد المنازل بذات الوقت للسرقة من الصين، لا يعرفان بعضهما، وإن محض الصدفة هي التي جعلتهما يسطوان على المنزل بذات الوقت.

    نخلص إذا بأن اجتماع طرفي الليل مع تعدد السارقين يجعل السرقة مشددة تشديداً جنحياً.

    وتجدر الإشارة إلى أنه إذا أضيف ظرف التقنع أو حمل السلاح لهذين الطرفين، أصبحت السرقة جنائية الوصف، ويطبق عليها التشديد الجنائي وفق المادة 626 ق.ع.

     وعلى ذلك لابد لاعتبار التشديد جنحي فقط اجتماع ظرفي الليل والتعدد، وإذا أردنا توظيف الرياضيات في ظرف التشديد هذا الخلصنا إلى المعادلة التالية:

     سرقة + ليل + تعدد = سرقة مشددة عقابها من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة.

  • صور التشديد الجنحي في جريمة السرقة

    جاء النص على جنح السرقة المشددة في المادتين 628 و629 من قانون العقوبات.

    وقد تضمنت هاتان المادتان مجموعة من الظروف المشددة للعقاب مع بقاء الجرم جنحي الوصف، والعقاب المشدد يتراوح بين الحبس سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة.

     ونص المادة 628 جاء كما يلي يقضي بالحبس مع الشغل سنة على الأقل وبالغرامة من مائة ليرة إلى ثلاثمائة ليرة إذا ارتكبت السرقة في إحدى الحالات الآتية:

     أ- ليلا و السارق اثنان فأكثر، أو في إحدى هاتين الصورتين في مكان سكنى الناس أو في معبد.

     ب- أن يكون السارق مقنعاً أو حاملا سلاح ظاهراً أو مخبأ.

     ج- أن يكون السارق خادماً مأجورة ويسرق من مال مخدومه، أو مال إنسان في بيت مخدومه أو في بيت أخر رافقه إليه، أو أن يكون السارق مستخدم أو عاملاً أو صانعة ويسرق في مصنع مخدومه أو مخزنه، أو في الأماكن التي يشتغلان عادة فيها.

     د- أن يكون السارق عسكرياً أو شبيهه ويسرق من أنزله عنده.

    أما المادة 629 فتنص على أنه

    “تنزل العقوبة نفسها بكل من أقدم على النشل أو السرقة بالصدم أو السرقة في القطارات أو السفن أو الطائرات أو الحافلات الكهربائية أو غيرها من الناقلات العامة أو في محطات سكك الحديد أو المطارات أو الجمارك أو على الأرصفة.

    وبتحليل هذين النصين نستخلص أنهما، تارة تشترطا لتشديد العقاب توفر ظرف مشدد واحد، وتارة أخرى توافر ظرفي تشديد.

     والحالات التي يشترط فيها توفر ظرفي تشديد جاءت في الفقرة (أ) من نص المادة 628 وهذه الحالات هي:

    • الليل + تعدد السارقين
    • • الليل + مسكن أو معبد (وجود سارق واحد)
    • تعدد السارقين + مسكن أو معبد (النهار)

     أما الحالات التي يشترط فيها توفر ظرف مشدد واحد فقد جاءت في الفقرات (ب – ج – د) من نص المادة 628، والمادة 629 وهي:

    • التقنع أو حمل السلاح الظاهر أو المخبأ.
    • كون السارق خادمة أو مستخدمة أو عاملا أو صانعة أو عسكريا.
    • السرقة بالنشل أو الصدمه
    • السرقة في وسائل النقل العامة وملحقاتها.

    و سندرس كل حالة من هذه الحالات على حدة.

  • السرقة البسيطة في القانون السوري

    جاء النص على السرقة البسيطة في المادة 634 ق. ع كما يلي:

    “1- كل سرقة أخرى غير معينة في هذا الفصل تستوجب عقوبة الحبس مع الشغل من شهر إلى سنة والغرامة حتى مائتي ليرة.

     2- ولا تنقص مدة الحبس مع الشغل عن ستة أشهر إذا كانت السرقة واقعة على الطاقة الكهربائية، ولا تطبق على الجرائم المعاقب عليها في هذه الفقرة الأسباب المخففة التقديرية وأحكام وقف التنفيذ …

    بتحليل هذا النص نستخلص النتائج التالية:

    1- إن هذا النص يتناول السرقة التي استكملت أركانها ولم يقترن بها أي ظرف مشدد أو مخفف. – إن المشرع قرر للسرقة البسيطة عقوبتي الحبس والغرامة معا، ولم يعط القاضي سلطة الخيار بينهما، وإن كان يتمتع بسلطة تقديرية بمر او حة عقوبتي الحبس والغرامة بين حديهما الأدنى والأعلى .

    2- إن الشروع في ارتكاب السرقة البسيطة معاقب عليه بصریح نص المادة 638 يتناول العقاب محاولة ارتكاب الجنح المنصوص عليها في هذا الفصل”.

     أي كل الجنح المنصوص عليها في فصل السرقة بما فيها السرقة البسطة.

    3- يمكن إضافة للعقوبة الحكم بوضع السارق تحت الحرية المراقبة أو بمنعه من الإقامة في مكان محدد كتدبير احترازي، وذلك بصریح نص المادة 639 ق.ع. ونصها

     “يمكن أن يوضع تحت الحرية المراقبة أو يمنع من الإقامة كل من حكم عليه بعقوبة مانعة للحرية من أجل سرقة أو محاولة سرقة.

     وهذا النص يشمل كل صور السرقة، جنائية أو جنحية، سواء كانت تامة أو مشروعا بها، بشرط أن يكون قد حكم على السارق بعقوبة مانعة للحرية.

    إذا يستبعد توقيعهما في جنح السرقة التي يحكم من أجلها بالغرامة فقط، كالسرقة المنصوص عليها في المادة 633 ق.ع.

     4- أشار المشرع صراحة إلى الطاقة الكهربائية، بخلاف كثير من التشريعات، وبذلك حسم الخلاف الذي كان محتدماً حول اعتبار الكهرباء مالاً منقولاً مادياً قابلاً ليكون محلاً لجرم السرقة.

  • الركن المعنوي في جريمة السرقة

    إن السرقة جريمة مقصودة لا تقع إلا إذا توفر القصد الجرمي لدى مرتكبها.

    ولا يمكن ملاحقة شخص بسرقة غير مقصودة مهما بلغت جسامة الخطأ الذي وقع به.

     فمن يأخذ حقيبة غيره ظانا أنها حقيبته بالرغم من اختلاف لوني الحقيبتين، فلا يعد سارق لها إذا ثبت، مثلا، أنه عند أخذه الحقيبة كان ساهي ولم ينتبه إلى اختلاف اللون.

     ولا يمكن ملاحقته بسرقة مقصودة لانتفاء علمه بملكية الغير لها، لاعتقاده أنها ملكه.

    وككل الجرائم المقصودة لا بد أن يتوفر لدى الفاعل القصد الجرمي العام، بعنصرية العلم والإرادة. لكن القصد العام لا يكفي وحده لقيام جريمة السرقة، بل لا بد أن يتوفر لدى الفاعل، إضافة للقصد العام، قصدأ جرمية خاصة، يتمثل بنية التملك.

    1- القصد الجرمي العام ( العلم والإرادة).

    يتوفر هذا القصد بعلم الفاعل بأركان الجريمة، واتجاه إرادته إلى ارتكاب الفعل وتحقيق النتيجة.

    و بإسقاط هذا المفهوم على السرقة نستخلص أنه لا بد لقيام القصد الجرمي العام فيها أن يعلم السارق أنه يستولي على مال مملوك للغير بدون رضاه، وأن تتجه إرادته للفعل والنتيجة، أي أن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للمال.

    أ- عنصر العلم.

    – فالفاعل يجب أن يكون عالما بأنه يأخذ مالا تعود ملكيته لغيره. فإذا انتفي علمه بهذه الواقعة غاب عن الجرم رکنه المعنوي، وبالتالي انتفت السرقة.

    فإذا اعتقد الفاعل ملكيته للمال الذي أخذه، أو اعتقد أن المال متروك أو مباح، انتفي القصد الجرمي لديه.

    فمن يستقل سيارة مشابهة لسيارته، ينتفي الركن المعنوي لديه، إذا كان يعتقد أنها سيارته. والطالب الذي يأخذ كتاب طالب أخر من على المقعد لا يعتبر سارقاً له إذا اعتقد أنه كتابه.

    والملاحظ في هذه الأمثلة أن جهل الشخص الملكية المال للغير يعتبر غلطاً في الواقع، واقعة على أوصاف الشيء، أو على ظروف أخذه، أي على أحد عناصر الفعل.

     إلا أن الأمر يصبح خلاف ذلك، ولا ينتفي القصد الجرمي، إذا وقع الشخص في غلط في القانون.

    كمن يستولي على قطعة أثرية ظاناً أن الآثار هي ملك لمكتشفها، أو إذا قام الدائن بالاستيلاء على مال لمدينة استيفاء لدينه، ظاناً بأن فعله مشروع.

    فالقاعدة المطبقة هنا أن الغلط الواقع على القانون لا ينفي الركن المعنوي، فالفاعل يعتبر سارقاً في هذه الأمثلة، إذلا جهل في القانون. .

     – كما يجب أن يعلم الفاعل بعدم رضاء المالك أو الحائز للمال على أخذ المال.

     أما إذا اعتقد أو ظن أن المجني عليه راضية بذلك، فينتفي لديه الركن المعنوي.

     كما لو اعتاد أحد الرعاة على رعي قطيعه في أرض احد الأشخاص بناء على موافقته.

    واستمر بذلك بالرغم من بيع الأرض لشخص أخر دون علمه بذلك. فهذا الراعي لا يمكن ملاحقته من قبل المالك الجديد بجرم السرقة لانتفاء علمه بعدم رضاء المالك الجديد عن تصرفه، واستمراره بفعله استنادا لموافقة المالك القديم.

    ب- عنصر الإرادة.

    إضافة للعلم بأركان الجريمة يجب أن تتجه إرادة الفاعل إلى الفعل والنتيجة.

     وكما أشرنا سابقاً، فإن جريمة السرقة  تتميز باندماج النتيجة مع الفعل، لأن النتيجة تتحقق بمجرد ارتكاب الفعل، وتتكامل معه.

     فلا بد لتوافر هذا العنصر أن تتجه إرادة الفاعل إلى النشاط الجرمي، أي إلى فعل الأخذ الذي يتمثل بمجموعة الحركات التي يأتيها الفاعل، والتي من شأنها إخراج المال من حيازة المجني عليه وإدخالها في حيازة أخرى.

    وينتفي هذا العنصر إذا كانت الإرادة مكرهة على الفعل، كمن يقوم بسرقة مال مملوك لغيره تحت تهديد السلاح أو الابتزاز.

     كما يجب أن تتجه الإرادة إلى إخراج الشيء مادية من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازة الفاعل أو حيازة غيره، وأن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للشيء.

    وينتفي القصد الجرمي إذا لم تتجه إرادة الفاعل إلى إخراج الشيء ماديا من حيازة المجني عليه، كأن يكون قد وضعه شخص أخر في جيبه أو في حقيبته دون علم منه.

     أو إذا استولى على الشيء معتقدا أن مالكه قد تخلى له نهائيا عنه، أي معتقدا أنه سلم له على سبيل الحيازة التامة، بينما كان قصد المجني عليه منصبا على تسليمه الحيازة الناقصة، كالعارية مثلا، أو في اليد العارضة فقط، لفحصه مثلا وإعادته إليه.

    1- القصد الجرمي الخاص (نية التملك).

    إن القصد الخاص في السرقة يتمثل بنية تملك الشيء.

    وهذا لا يعني أن يصبح السارق، بحكم القانون مالكا للشيء، باعتبار أن القانون لا يعتد بهذه النية، وأن السرقة ليست سببا معترفا به قانونا لاكتساب الملكية.

     فما تعنيه نية التملك هو إرادة الظهور على الشيء بمظهر المالك له، أي إرادة مباشرة السلطات التي ينطوي عليها حق الملكية.

    وهذه النية تقوم على عنصرين:

    عنصر سلبي يتمثل في إرادة حرمان المالك من سلطاته على الشيء، ويتجلى هذا العنصر بالعزم على الاحتفاظ بالشيء و عدم رده.

    و عنصر إيجابي يتمثل في اتجاه إرادة السارق إلى أن يحل محل المالك في سلطاته على الشيء، أي أن يتصرف بالشيء كما يفعل المالك، ويتجلى هذا العنصر بإرادة السارق أن يباشر على الشيء سلطة تشبه في مظهرها و عناصرها السلطة التي يعترف بها القانون للمالك.

     وهذا يعني أن نية التملك لا تتجه إلى الملكية كحق، لأن النية السيئة لا تنشئ حقاً في القانون ، و إنما تتجه إلى الملكية “كمركز واقعي وفحوى اقتصادي، أي مجموعة من السلطات والمزايا الفعلية .

     واستنادا إلى ما تقدم فإن نية التملك تتمثل في الاتجاه إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للشيء، وتنتفي تبعا لذلك إذا  كانت الإرادة قد اتجهت إلى اكتساب اليد العارضة على الشيء، كمن يأخذ شيئا بقصد الاطلاع عليه وإرجاعه إلى مكانه ولو كان ذلك الأخذ ضد إرادة المالك أو الحائز.

    أو كمن يأخذ الشيء على سبيل المزاح، باعتبار أن المزاح يفترض وضع يد عارض ومؤقت ويعني حتما العزم على رد الشيء.

    أما إذا تصرف بالمال ببيعه مثلا فيعتبر سارقاً له، فلا يجوز أن يبلغ المزاح حد التصرف في الشيء ببيعه، لأن التصرف سلطة لا يباشرها غير المالك.

     كما تنتفي نية التملك إذا كانت الإرادة قد اتجهت إلى اكتساب الحيازة الناقصة.

    ومن هذا القبيل من يأخذ شيئا بنية استعماله أو الانتفاع به مؤقتا ثم إعادته.

    فلا يعد سارقاً الطالب الذي يأخذ قلم زميله کي يستعمله ثم يعيده لصاحبه، أو الشخص الذي يأخذ دابة جاره ليحرث بها أرضه ويردها بعد ذلك.

    – وتجدر الإشارة إلى أن المشرع السوري قد أفرد الاستعمال أشياء الغير بدون وجه حق نصاً خاصاً في المادة 637 من قانون العقوبات السوري، كما يلي كل من استعمل دون حق شيئا يخص غيره، بصورة تلحق به ضررة، ولم يكن قاصدا اختلاس الشيء، عوقب بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة…، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

     والملاحظ في هذا النص عدم اعتبار المشرع الاستعمال أشياء الغير سرقة ما دام الفاعل لم يقصد الاستيلاء على الشيء، أي تملكه.

     إلا أنه يشترط الإيقاع العقاب أن يؤدي استعمال الشيء إلى ضرر يلحق بصاحب الشيء.

    أما في حالة انتفاء الضرر فلا عقاب.

    كما تجدر الإشارة إلى أن هذا النص لا يشمل السيارات، وان كان ينطبق عليها وصف استعمال أشياء الغير، إذا قام شخص بأخذ سيارة مملوكة لأخر وتنزه بها، ثم أعادها إلى مكانها أو تركها في مكان آخر.

    فلقد أفرد المشرع السوري لسرقة السيارة، ولاستعمالها دون قصد سرقتها، نصاً مستقلاً في صلب المادة 625 مكرر، معتبراً أن أخذ السيارة دون قصد تملكها جرم جنائي الوصف.

     وهو ما سنتناوله في معرض شرح الظروف المشددة لجريمة السرقة. كما تنتفي نية التملك لدى الدائن الذي يستولي على مال المدينه ضمانا و تأمينا لدينه دون أن يقصد تملكه، بل بقصد رده إلى صاحبه بعد الوفاء بالدين .

    وتنتفي النية أيضا لدى الشخص الذي يستولي على منقول لغيره، كمسدس أو سكين، لمنع أذاه، كما لو جرد الفاعل رجلاً من سلاحه خشية الإصابة به، فلا سرقة ولو أخفي هذا السلاح.

    – وعند توافر القصد الجرمي، العام والخاص، بالصورة التي سبق بيانها، تقوم جريمة السرقة، ولا عبرة بعد ذلك للباحث أو الدافع الذي دفع الفاعل إلى السرقة، سواء كان دافعا شريفا أو دنيئا .

     فيستوي أن يكون الدافع إلى السرقة الحاجة، أو التصدق على الفقراء، أو الطمع أو مجرد الانتقام، أو الرغبة في الإثراء أو في إفقار المجني عليه، كما لا يؤثر في قيام القصد، وتوفر السرقة، غنى السارق أو سمعته الشريفة ، فقد يكون مدفوعاً إليها بعامل الطمع في مال الغير.

    وبالرغم من عدم الاعتداد بالدافع في قيام القصد الجرمي، فإن للدافع أثرا في تقدير العقوبة، شدة أو ليناً، بحسب کونه شريفاً أو دنيئاً.

    – ولا بد لقيام القصد من معاصرته للفعل المادي الذي تتكون منه الجريمة، أما القصد اللاحق له فلا يكفي لقيام الجريمة.

    فإذا كان الاستيلاء على الشيء بحسن نية ثم نشأ سوء القصد بعد ذلك فلا سرقة.

    فلا يعد سارقاً من يأخذ متاعا لأخر معتقداً أنه مملوك له ثم تتبين له الحقيقة فيما بعد ورغم ذلك لم يرده لصاحبه.

    ولا يعد سارقاً أيضاً من يأخذ شيئاً يعتقد أنه قد أعير له أو أودع لديه، ثم تسوء نيته عندما يكتشف الحقيقة فيقرر الاستيلاء عليه.

     لكن الأمر يختلف إذا كانت يد الشخص على الشيء عارضة، ثم قامت لديه بعد وضع يده نية الاستيلاء عليه، فإن قصد السرقة يعد متوافرة لديه.

     وعلة ذلك أن وضع اليد العارضة على الشيء لا يشكل أخذا، باعتبار أنه لا ينطوي على تبديل الحيازة.

    فالحيازة باليد العارضة تبقى للمالك وليس لصاحب اليد العارضة، ومن ثم لا عبرة بأن نية التملك لم تكن متوفرة عند وضع اليد العارضة.

     وفعل الأخذ يرتكب حين يقرر صاحب اليد العارضة الاستيلاء على الشيء، لأنه في هذه اللحظة يخرجه من حيازة مالكه ويدخله في حيازته، وفي هذه اللحظة ذاتها توافرت نية التملك، وتحقق بذلك تعاصر القصد مع فعل الأخذ.

    وعليه يعد سارقاً من يتناول من صاحب محل بيع المجوهرات خاتما ليطلع عليه بغية شرائه، أي أن نيته كانت حسنة عند تناوله للخاتم، ولكن هذه النية ساءت بعد برهة، فهرب بالخاتم .

    كما يعد سارقاً أيضاً من يتناول شيئاً ليطلع عليه بدافع الفضول وبنية حسنة، ثم تسوء نيته بعد الاطلاع عليه فيفر به

    – ولا ريب أخيراً أن تقدير توافر أو انتفاء القصد الجرمي هي مسألة موضوع تعود لمحكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض.

    إلا أن إغفال الحكم التحدث عن القصد، إثباتا أو نفية، يجعله قاصرا في التعليل، وقابلا للطعن بالنقض

     

     

  • السرقة التامة والشروع فيها

     

    متى تقع السرقة تامة وما هي الحدود الفاصلة بين تمام السرقة والشروع فيها والأعمال التحضيرية لها؟

     يمر السلوك الإجرامي لجريمة السرقة بمرحلتي التنفيذ، فالإتمام، وقد تسبقهما مرحلة التحضير للجريمة. ولكل من هذه المراحل الثلاث ضابطه وحكمه.

     القاعدة العامة أن القانون لا يعاقب على الأعمال التحضيرية للجريمة إلا إذا شكلت بحد ذاتها جرائم مستقلة.

     والعقاب لا يكون إلا على ارتكاب الجريمة تامة أو على الشروع فيها على الأقل. والقاعدة في القانون السوري أن الشروع في الجنايات معاقب عليه دوماً، أما الشروع في الجنح فلا عقاب عليه إلا بنص، ولا عقاب على الشروع في المخالفات إطلاقاً.

    والسرقة منها ما هو جنائي الوصف ومنها ما هو جنحي .

    ولقد نص المشرع صراحة في صلب المادة 638 على عقاب الشروع في الجنح.

    لهذا كان من الأهمية بمكان وضع الحدود الفاصلة بين هذه المراحل الثلاث.

     هناك من الأعمال ما لا يثير تكييفها جدلا جدية. فإعداد المفاتيح المصنعة، أو الأدوات التي ستستخدم في السرقة تعتبر من الأعمال التحضيرية للسرقة.

     لكن قد يدق التكييف أحيانا بين العمل التحضيري و الشروع في الجرم، لذلك لا بد لنا أولا من تحديد الحالات التي تعتبر شروعة في السرقة النخلص إلى أن ما دون ذلك يعتبر عملاً تحضيرياً.

    ويمكن إيجاز الحالات التي تعتبر شروعاً في السرقة بثلاث:

    1- إذا بدء الفاعل في تنفيذ الركن المادي للسرقة، أي البدء في فعل الأخذ ذاته، بأن يضع الفاعل يده على الشيء المراد الاستيلاء عليه.

    كإمساك المجني عليه يد الفاعل وهي في جيبه وقد أطبقها على المال الذي قصد سرقته.

     2- إذا بدء الفاعل بفعل يعتبر ظرفاً مشددة لجريمة السرقة.

     كأن يبدأ بكسر الباب أو تسلق السور أو تجريب مفتاح مصنع في باب المكان المراد سرقته .

     3- إذا بدء الفاعل بفعل سابق على فعل الأخذ، إذا كان مثل هذا الفعل يدل دلالة قاطعة على انعقاد نيته وتصميمه على ارتكاب جريمته، بحيث يؤدي فعله فيما لو ترك يكمله إلى وقوع الجريمة مباشرة.

     ومن قبيل ذلك فتح باب المنزل لسرقة محتوياته و الدخول إلى فنائه.

    وإذا كانت هذه الحالات تشكل الحد الفاصل بين الأعمال التحضيرية للسرقة والشروع فيها، فإن الحد الفاصل بين السرقة التامة والشروع فيها يتجسد بتمام فعل الأخذ، الذي يفترض إخراج الشيء من حيازة المجني عليه و إدخاله في حيازة الفاعل أو أي شخص غيره، منشئاً بذلك حيازة جديدة للشيء كاملة وهادئة ومستقلة عن الحيازة الأولى التي أنهاها، ففي هذه الحالة تعتبر السرقة قد ارتكبت تامة.

    ويترتب على هذا التحديد نتیجتان هامتان و هما :

    1- إن السرقة من مسكن لا تعتبر تامة إلا إذا استطاع السارق مغادرة المسكن حاملاً معه المسروقات.

     أما استيلائه على المسروقات وبقاءه داخل المسكن، والقبض عليه في هذه المرحلة، فإن فعله يبقى في مرحلة الشروع التام في السرقة.

    وتعليل ذلك أن تمام السرقة يتم بنقل الحيازة أو تبديلها وإنشاء حيازة جديدة، وهذا لم يحصل، فمادام السارق موجوداً في المنزل فإن المسروقات التي استولى عليها لا تزال تعد في حيازة حائز المسكن، إذ هو يحوز مسكنه وما فيه.

    إلا أن هذه النتيجة ممكن أن لا تؤخذ على إطلاقها واعتبار السرقة تامة دون مغادرة السارق المسكن بالمسروقات إذا استطاع السارق إخراج الشيء من حيازة المجني عليه بحيث لم يعد في وسعه أن يباشر عليه سلطاته، كما لو كان المال المسروق طعاماً فأكله السارق في المنزل، أو إذا استطاع دفن المسروقات في حديقة المنزل بحيث لم يعد في وسع المجني عليه أن يعثر

    عليها

    2- إذا تنبه صاحب المال المسروق على السرقة وقاوم السارق، فالسرقة تبقى في مرحلة الشروع.

    ذلك لأن المقاومة تعني أن صاحب المال لا يزال متمسكا به، وأنه لم يخرج بعد من نطاق حيازته، حتى لو كان السارق واضعاً يده عليه، فإن المقاومة تبقيه عاجزا عن مباشرة سلطات المالك عليه.

    بالتالي فإن تمام السرقة في هذه الحالة تكون في حالة استطاع السارق أن يتغلب على مقاومة المجني عليه، وأن يخلص بالشيء لنفسه، وتكون له حيازة مستقرة يستطيع بموجبها مباشرة سلطات المالك على الشيء المسروق.

    – وتجدر الإشارة إلى أن عدم وجود المال المنوي سرقته وقت السرقة لا يحول دون قيام الشروع في السرقة طالما أن نية الفاعل قد اتجهت إليها.

    فمن يضع يده في جيب أخر لسرقة نقوده يعتبر شارعا في السرقة وإن تبين أن الجيب كانت خالية من النقود.

     وأن العدول الطوعي عن الشروع في السرقة ينفي الشروع بها إلا أن ذلك لا يحول دون معاقبة الفاعل إذا كانت أفعاله قبل العدول تشكل جرائم بحد ذاتها .

    فلو أن شخصاً مسلحاً دخل منزلا قاصدا سرقته، فاكتشف أن المنزل الشخص فقير، فأنه ضميره على فعلته و عدل عن رأيه بمحض إرادته، فخرج من المنزل، فقبض عليه، فلا يلاحق بجرم الشروع في السرقة لعدوله الطوعي عنها، وإنما يلاحق عن جرم خرق حرمة منزل، وجرم حيازة سلاح دون ترخيص.

    ويختلف الأمر إذا كان العدول قسرية، فهذا العدول لا ينفي الشروع.

     فلو هم سارق بمعالجة قفل سيارة بنية سرقتها أو سرقة محتوياتها، ففوجئ بسيارة شرطة قادمة، فلاذ بالفرار، وطورد حتى قبض عليه، فيسأل عن شروع في السرقة.

     ولكن ما الحل إذا ارتكب الفاعل السرقة تامة، ثم ندم على فعلته، فأعاد المال المسروق لصاحبه، أو دل صاحب المال على المكان الذي أخفى به المسروقات؟

    هذه الحالة ليست في الحقيقة سوى صورة من صور الندم الإيجابي التي عالجتها المادة 200 من قانون العقوبات.

     والتي يمكن تلخيصها بأن الفاعل في هذه الحالة يبقى مسئولاً عن جريمة سرقة تامة، ولكن إن نجحت مساعيه بعد ندمه، فذلك يعتبر ظرف مخففة للعقاب يعود تقديره للقاضي.

     أما إذا لم تنجح مساعيه فلا تخفيف .

    فالسارق الذي يعيد المال لصاحبه، فمساعيه قد نجحت. وذلك بخلاف الحالة التي يدل صاحب المال على المكان الذي أخفى به المسروقات، فيسعى المجني عليه إلى المكان فيفاجأ بأن شخصا أخر قد اكتشف وجودهم فاستولى عليهم .

    فهنا خابت مساعي السارق، فيلاحق عن سرقة تامة دون إمكانية إفادته من طرف الندم الإيجابي.