السرقة التامة والشروع فيها

 

متى تقع السرقة تامة وما هي الحدود الفاصلة بين تمام السرقة والشروع فيها والأعمال التحضيرية لها؟

 يمر السلوك الإجرامي لجريمة السرقة بمرحلتي التنفيذ، فالإتمام، وقد تسبقهما مرحلة التحضير للجريمة. ولكل من هذه المراحل الثلاث ضابطه وحكمه.

 القاعدة العامة أن القانون لا يعاقب على الأعمال التحضيرية للجريمة إلا إذا شكلت بحد ذاتها جرائم مستقلة.

 والعقاب لا يكون إلا على ارتكاب الجريمة تامة أو على الشروع فيها على الأقل. والقاعدة في القانون السوري أن الشروع في الجنايات معاقب عليه دوماً، أما الشروع في الجنح فلا عقاب عليه إلا بنص، ولا عقاب على الشروع في المخالفات إطلاقاً.

والسرقة منها ما هو جنائي الوصف ومنها ما هو جنحي .

ولقد نص المشرع صراحة في صلب المادة 638 على عقاب الشروع في الجنح.

لهذا كان من الأهمية بمكان وضع الحدود الفاصلة بين هذه المراحل الثلاث.

 هناك من الأعمال ما لا يثير تكييفها جدلا جدية. فإعداد المفاتيح المصنعة، أو الأدوات التي ستستخدم في السرقة تعتبر من الأعمال التحضيرية للسرقة.

 لكن قد يدق التكييف أحيانا بين العمل التحضيري و الشروع في الجرم، لذلك لا بد لنا أولا من تحديد الحالات التي تعتبر شروعة في السرقة النخلص إلى أن ما دون ذلك يعتبر عملاً تحضيرياً.

ويمكن إيجاز الحالات التي تعتبر شروعاً في السرقة بثلاث:

1- إذا بدء الفاعل في تنفيذ الركن المادي للسرقة، أي البدء في فعل الأخذ ذاته، بأن يضع الفاعل يده على الشيء المراد الاستيلاء عليه.

كإمساك المجني عليه يد الفاعل وهي في جيبه وقد أطبقها على المال الذي قصد سرقته.

 2- إذا بدء الفاعل بفعل يعتبر ظرفاً مشددة لجريمة السرقة.

 كأن يبدأ بكسر الباب أو تسلق السور أو تجريب مفتاح مصنع في باب المكان المراد سرقته .

 3- إذا بدء الفاعل بفعل سابق على فعل الأخذ، إذا كان مثل هذا الفعل يدل دلالة قاطعة على انعقاد نيته وتصميمه على ارتكاب جريمته، بحيث يؤدي فعله فيما لو ترك يكمله إلى وقوع الجريمة مباشرة.

 ومن قبيل ذلك فتح باب المنزل لسرقة محتوياته و الدخول إلى فنائه.

وإذا كانت هذه الحالات تشكل الحد الفاصل بين الأعمال التحضيرية للسرقة والشروع فيها، فإن الحد الفاصل بين السرقة التامة والشروع فيها يتجسد بتمام فعل الأخذ، الذي يفترض إخراج الشيء من حيازة المجني عليه و إدخاله في حيازة الفاعل أو أي شخص غيره، منشئاً بذلك حيازة جديدة للشيء كاملة وهادئة ومستقلة عن الحيازة الأولى التي أنهاها، ففي هذه الحالة تعتبر السرقة قد ارتكبت تامة.

ويترتب على هذا التحديد نتیجتان هامتان و هما :

1- إن السرقة من مسكن لا تعتبر تامة إلا إذا استطاع السارق مغادرة المسكن حاملاً معه المسروقات.

 أما استيلائه على المسروقات وبقاءه داخل المسكن، والقبض عليه في هذه المرحلة، فإن فعله يبقى في مرحلة الشروع التام في السرقة.

وتعليل ذلك أن تمام السرقة يتم بنقل الحيازة أو تبديلها وإنشاء حيازة جديدة، وهذا لم يحصل، فمادام السارق موجوداً في المنزل فإن المسروقات التي استولى عليها لا تزال تعد في حيازة حائز المسكن، إذ هو يحوز مسكنه وما فيه.

إلا أن هذه النتيجة ممكن أن لا تؤخذ على إطلاقها واعتبار السرقة تامة دون مغادرة السارق المسكن بالمسروقات إذا استطاع السارق إخراج الشيء من حيازة المجني عليه بحيث لم يعد في وسعه أن يباشر عليه سلطاته، كما لو كان المال المسروق طعاماً فأكله السارق في المنزل، أو إذا استطاع دفن المسروقات في حديقة المنزل بحيث لم يعد في وسع المجني عليه أن يعثر

عليها

2- إذا تنبه صاحب المال المسروق على السرقة وقاوم السارق، فالسرقة تبقى في مرحلة الشروع.

ذلك لأن المقاومة تعني أن صاحب المال لا يزال متمسكا به، وأنه لم يخرج بعد من نطاق حيازته، حتى لو كان السارق واضعاً يده عليه، فإن المقاومة تبقيه عاجزا عن مباشرة سلطات المالك عليه.

بالتالي فإن تمام السرقة في هذه الحالة تكون في حالة استطاع السارق أن يتغلب على مقاومة المجني عليه، وأن يخلص بالشيء لنفسه، وتكون له حيازة مستقرة يستطيع بموجبها مباشرة سلطات المالك على الشيء المسروق.

– وتجدر الإشارة إلى أن عدم وجود المال المنوي سرقته وقت السرقة لا يحول دون قيام الشروع في السرقة طالما أن نية الفاعل قد اتجهت إليها.

فمن يضع يده في جيب أخر لسرقة نقوده يعتبر شارعا في السرقة وإن تبين أن الجيب كانت خالية من النقود.

 وأن العدول الطوعي عن الشروع في السرقة ينفي الشروع بها إلا أن ذلك لا يحول دون معاقبة الفاعل إذا كانت أفعاله قبل العدول تشكل جرائم بحد ذاتها .

فلو أن شخصاً مسلحاً دخل منزلا قاصدا سرقته، فاكتشف أن المنزل الشخص فقير، فأنه ضميره على فعلته و عدل عن رأيه بمحض إرادته، فخرج من المنزل، فقبض عليه، فلا يلاحق بجرم الشروع في السرقة لعدوله الطوعي عنها، وإنما يلاحق عن جرم خرق حرمة منزل، وجرم حيازة سلاح دون ترخيص.

ويختلف الأمر إذا كان العدول قسرية، فهذا العدول لا ينفي الشروع.

 فلو هم سارق بمعالجة قفل سيارة بنية سرقتها أو سرقة محتوياتها، ففوجئ بسيارة شرطة قادمة، فلاذ بالفرار، وطورد حتى قبض عليه، فيسأل عن شروع في السرقة.

 ولكن ما الحل إذا ارتكب الفاعل السرقة تامة، ثم ندم على فعلته، فأعاد المال المسروق لصاحبه، أو دل صاحب المال على المكان الذي أخفى به المسروقات؟

هذه الحالة ليست في الحقيقة سوى صورة من صور الندم الإيجابي التي عالجتها المادة 200 من قانون العقوبات.

 والتي يمكن تلخيصها بأن الفاعل في هذه الحالة يبقى مسئولاً عن جريمة سرقة تامة، ولكن إن نجحت مساعيه بعد ندمه، فذلك يعتبر ظرف مخففة للعقاب يعود تقديره للقاضي.

 أما إذا لم تنجح مساعيه فلا تخفيف .

فالسارق الذي يعيد المال لصاحبه، فمساعيه قد نجحت. وذلك بخلاف الحالة التي يدل صاحب المال على المكان الذي أخفى به المسروقات، فيسعى المجني عليه إلى المكان فيفاجأ بأن شخصا أخر قد اكتشف وجودهم فاستولى عليهم .

فهنا خابت مساعي السارق، فيلاحق عن سرقة تامة دون إمكانية إفادته من طرف الندم الإيجابي.

Scroll to Top