التصنيف: شرح قانون العقوبات

  • ماهي نظرية تعادل الأسباب في جريمة القتل؟

    نظرية تعادل الأسباب

    هذه النظرية تعتبر أن جميع العوامل التي ساهمت في حصول النتيجة الجرمية متساوية و متعادلة، بحيث يمكن اعتبار كل واحد منها سبباً في وقوعها على السواء.

    ويتطبيق ذلك على جرم القتل يمكن القول بأن علاقة السببية تقوم بين الاعتداء والوفاة إذا ثبت أن هذا الاعتداء ساهم في إحداث الوفاة، ولو كانت مساهمة محدودة، وكانت مساهمة العوامل الأخرى أكثر أهمية منه في إحداث الوفاة.

     فلو ساهمت مع الاعتداء عوامل طبيعية كمرض سابق كان المجني عليه يعاني منه، فالرابطة السيبية تبقى قائمة بين الاعتداء والوفاة.

     وإذا ساهمت في إحداث الوفاة أفعال أخرى فعلاقة السيبية تبقى قائمة.

     فلو دس أحدهم السم لزيد بقصد قتله، وقبل أن يسري السم في جسده ويقتله، يأتي شخص ثالث ويرديه قتيلاً بعيار ناري، فالقتل بالعيار الناري لا يقطع العلاقة السببية بين دس السم والوفاة. ويبقى من دس السم مسؤولاً عن الوفاة التي حصلت.

     كما أن العوامل التي تتدخل بعد ارتكاب الاعتداء فتزيد من جسامته و تقود إلى حدوث الوفاة لا تنفي العلاقة السيبية بين الاعتداء و النتيجة.

    فخطأ الطبيب المعالج، وان كان جسيماً، أو إصابة المجني عليه بمرض لاحق، أو احتراقه في المستشفى الذي نقل إليه للعلاج، كل ذلك لا ينفي علاقة السببية بين الاعتداء والوفاة.

    إذ لولا الجرح أو الأذى الذي أحدثه الفاعل بالمجني عليه لما تفاقمت إصابته واضطر للعلاج في المستشفى، ولما قصر الطبيب في علاجه، ولما وجد في المستشفى ساعة الحريق، وبالتالي لما حصلت الوفاة.

    الواضح أن هذه النظرية توسع كثيراً من نطاق السيبية، بحيث يصبح الشخص مسؤولاً عن نتائج لم يكن باستطاعته توقعها أو تلافيها.

     وبالتالي يفضى الأخذ بهذه النظرية إلى نتائج لا يمكن التسليم بها .

    فلو كان لدى شخص سلاح وأهمل حفظه، فسرقه شخص آخر وارتكب به جريمة قتل، يكون صاحب السلاح مسؤولاً عن جريمة القتل أسوة بالقاتل ! لأنه تبعا لهذه النظرية هناك سببان في إحداث الوفاة: فعل القتل بالمسدس، وإهمال مالك المسدس بالحفاظ عليه.

     فالوفاة ما كانت لتقع لو لم يطلق الشخص العيار الناري، وكذلك لو لم يهمل صاحب السلاح في إخفائه فيسرق منه.

     فالعاملان متكافئان في إحداث الوفاة، وكل منهما يعتبر سبباً في وفاة الضحية.

  • ماهي علاقة السببية في جريمة القتل؟

    علاقة السببية

    إن الإنسان لا يسأل عن جريمة ما إلا إذا كانت نتيجة سلوكه أو نشاطه.

     وما لم تقم هذه الرابطة المادية بين السلوك والنتيجة، فلا يمكن إسناد الجريمة إليه .

    وباعتبار أن الركن المادي لجرم القتل عبارة عن فعل يؤدي إلى الوفاة، فلا بد من توافر رابطة سببية بين الفعل والوفاة، أي أن يكون هذا الفعل هو سبب وقوع الوفاة.

    ولعلاقة السببية أهميتها في كل جريمة يتطلب ركنها المادي نتيجة جرمية ، إذ تستند هذه النتيجة إلى الفعل المرتكب، وتقيم بذلك وحدة الركن المادي، ومن ثم المسئولية.

     وجريمة القتل هي من هذه النوعية التي يستلزم فيها القانون لتمام الجريمة، وقيام المسئولية، حدوث نتيجة جرمية، هي إزهاق الروح.

     يفرق بهذا الخصوص بين نوعين من الجرائم:

     جرائم الضرر التي يتطلب القانون فيها حصول نتيجة جرمية ضارة. وهي اغلب الجرائم، ولذلك لا بد من البحث فيها عن العلاقة السببية.

     وجرائم الخطر و أو الجرائم الشكلية التي لا يستلزم قيامها حصول أية نتيجة جرمية، وإنما تترتب المسئولية فيها على حصول الفعل أو الامتناع عن الفعل. كما هو الحال في كافة المخالفات وبعض الجنح كحيازة سلاح دون ترخيص، والقيادة بسرعة، وبالتالي لا داعي هنا للبحث عن رابطة سببية ما دام ما يعاقب عليه القانون هذا هو مجرد القيام بالعمل دون حاجة الحصول نتيجة جرمية أو وقوع ضرر.

    فلكي يكون هناك جرم قتل تام يجب أن تحصل الوفاة فعلاً.

     أما إذا اقتصر الأمر على فعل الاعتداء على الضحية بقصد قتلها، ولم تحصل الوفاة ، فيقف الأمر عند حد الشروع وفقاً للقواعد العامة.

    أيضا في القتل غير المقصود، لا بد أن يؤدي الخطأ المرتكب إلى نتيجة محددة هي الوفاة.

    أما إذا اقتصر الأمر على الفعل الخاطئ، فيقف الأمر عند حد الإيذاء غير المقصود، باعتبار أن الشروع غير متصور في الجرائم غیر المقصودة.

     إذن فالقتل هو من الجرائم التي تفضي إلى نتيجة ضارة، هي الموت، والذي تكتسب به رابطة السببية أهمية كبيرة،  في توصيف الفعل، ومن ثم قيام المسئولية ورابطة السيبية لا تثير أية مشكلة عندما يكون نشاط الفاعل هو السبب أو العامل الوحيد في إحداث النتيجة.

    فعندما يطعن الفاعل الضحية بسكين في صدره، أو يطلق عليه النار، فيموت على أثرها، فليس هناك من شك بأن فعل الطعن أو إطلاق النار هو السبب الذي أدى إلى الوفاة.

    كما لا تثير رابطة السييية صعوبة كبيرة في حالة إذا لم يكن فعل الجاني هو السبب المباشر في وقوع النتيجة الجرمية، بل انضمت إليه عوامل و أسباب أخرى أفضت إليها مباشرة، وكانت جميع هذه العوامل والأسباب متولدة عن فعله.

    وهذه الحالة يطلق عليها حالة ” تسلسل النتائج المتولدة عن الفعل الواحد”، حيث يؤدي فيها الفعل إلى نتيجة تحدث بدورها نتيجة أخرى وهكذا دواليك دون تدخل أي عامل خارجي مستقل عن تسلسل النتائج على الوجه المذكور .

     ومثالها إضرام النار في مخزن و امتداده إلى منزل مجاور وقضائه على من فيه، أو دس السم في طعام زيد من الناس فيأكل معه بكر ويموت.

    وفي هذه الحالة يسأل الفاعل عن النتائج المباشرة و المتوقعة لفعله.

    أي أن رابطة السببية تقتصر في هذه الحالة على النتائج التي تتصل بفعل الجاني اتصالاً مباشرة، وتكون متوقعة.

    فامتداد النار إلى المنزل المجاور وحريق سكانه، أو أكل بكر مع زيد وموته، هي نتائج مباشرة ومتوقعة يسأل عنها الفاعل.

     أما أن يموت شخص وهو يحاول أن يخمد الحريق المندلع في المنزل فلا يمكن اعتباره نتيجة مباشرة ولا متوقعة لفعل الاعتداء الأصلي، وبالتالي تنقطع رابطة السببية بهذه الحالة.

    بيد أن وقائع الحياة العملية تبرز حالة أكثر تعقيداً في مسألة العلاقة السببية وهي حالة ” تعدد الأسباب “.

     فكثيرا ما تتداخل عوامل مختلفة مستقلة عن الفعل تتضافر معه في إحداث النتيجة وترجع إلى أسباب عديدة سواء بفعل الضحية نفسه أو فعل غير الضحية، أو ظروف خارجة عن هذا وذاك ، هذه العوامل تشترك مع نشاط الفاعل في إحداث النتيجة الجرمية، بحيث يصبح من غير الجائز القول بأن نشاط الفاعل كان هو السبب الوحيد والمباشر في حصول النتيجة.

     ومن صورها أن يهمل الضحية علاج نفسه بعد إصابته مما يؤدي إلى وفاته، أو يجهز شخص ثالث على الضحية بعد إصابته، أو يساعد ضعف صحة الضحية على وفاته، أو يشب حريق في المستشفى التي نقل إليها، أو تصطدم المركبة التي تنقله وينتهي الأمر إلى وفاته.

    فهل تقطع هذه العوامل الأخرى رابطة السببية بين نشاط الفاعل وحدوث النتيجة الجرمية، الوفاة، بعد أن تداخلت بينهما و أسهمت في إحداث ما وقع من ضرر، أم أن الفاعل يبقى مسئولا عن الجريمة رغم تدخل هذه العوامل؟

    لقد وضعت عدة نظريات لحل مسألة تعدد الأسباب ومن أهمها :

    1-  نظرية تعادل الأسباب

    2- نظرية السبب المباشر

    3- نظرية السبب الملائم

    سنوجز أهمها، ومن ثم نتطرق لموقف المشرع السوري منها.

  • شرح ركن النتيجة الجرمية في جريمة القتل

    النتيجة الجرمية: حصول الوفاة

    تعد وفاة الضحية النتيجة الجرمية في القتل، وهي بذلك أحد عناصر ركنه المادي.

    ولا تعتبر جريمة القتل تامة إلا إذا حصلت الوفاة بلفظ الضحية لأنفاسها الأخيرة .

     وتثبت الوفاة بكافة طرق الإثبات.

     وتحريك الدعوى بجرم القتل ومحاكمة الفاعل لا تتوقف على العثور على جثة القتيل.

    فالجثة هي جسم الجريمة وليست ركنا من أركانها، ووجود الجثة لا يعد شرطة للملاحقة والعقاب ما دام الدليل على وقوع القتل قائما ، ( إخفاء الجثة أو إذابتها بالأسيد ).

    إذن فحدوث الوفاة شرط لاستكمال الركن المادي كيانه، فإذا لم تحدث على الرغم من ارتكاب فعل الاعتداء على الحياة وتوافر القصد، فالواقعة شروع في قتل مقصود .

    أما إذا كان الفعل مقترناً بإحدى صور الخطأ، فإن حصول الموت شرط لتوفر جريمة القتل غير المقصود.

     لأن النتيجة الجرمية شرط لابد منه لقيام الجريمة وفرض العقاب في جميع الجرائم غير المقصودة.

     فهي إما أن تقع تامة وإما أن لا تقع. فليس هناك قتل خطأ ما لم تمت الضحية.

     و الشروع لا يمكن تصوره في الجرائم غير المقصودة.

    أما الجرائم المقصودة فإن حصلت النتيجة فالجريمة تامة، وان لم تحصل لسبب خارج عن إرادة الفاعل فالجريمة مشروعاً بها.

    والجدير بالذكر أن مساءلة الفاعل عن جرم القتل لا تشترط حصول الوفاة فوراً أثر وقوع فعل الاعتداء.

     فالفاعل يسأل عن القتل وان لم تقع الوفاة إلا بعد فترة من الزمن على ارتكاب الفعل قد تطول أو تقصر، بشرط توافر الرابطة السببية بين الاعتداء والنتيجة.

  • هل يمكن أن يحصل القتل بوسائل معنوية؟

    القتل بوسائل معنوية

    الغالب أن فعل الاعتداء في جرم القتل يكون مادياً محسوساً، يترك أثراً ظاهراً في جسم الضحية.

     كإطلاق النار أو الطعن أو الضرب أو الخنق أو تقديم السم.

     لكن الحياة لا تعدم حالات معينة ممكن أن يقتل بها شخص بوسائل معنوية، لا تترك أثراً مادياً ظاهراً على جسمه، وإنما تقع على أعصابه أو مشاعره فتحدث لديه اضطراباً يؤدي إلى موته ,كالتهديد والتخويف والترويع والإزعاج والكدر والإهانة.

     فهل تصلح هذه الوسائل ذات الأثر النفسي ليقوم بها الركن المادي للقتل؟

    يذهب بعض الفقه  إلى أن هذه الوسائل لا تصلح لتكوين الركن المادي للقتل لاستحالة إثبات العلاقة السببية بين الوسيلة المعنوية و الوفاة.

     فكيف يمكن للخبرة الطبية أن تثبت أن التخويف مثلا أو الإزعاج والتكدير هما اللذان أحدث اضطراباً في أجهزة الجسم أدى إلى الوفاة.

     وباعتبار أن العلاقة السببية عنصراً من عناصر الركن المادي، فالجريمة لا تقوم إلا بوجود هذه العلاقة.

     أما الرأي الراجح في الفقه و هو، بتقديرنا، ما يتبناه القانون السوري، فيرى أن الوسائل المعنوية تصلح أن تكون الركن المادي لجرم القتل.

     وأن صعوبة إثبات العلاقة السببية هو موضوع شكلي إجرائي لا ينفي المبدأ القاضي بإمكانية القتل بوسائل معنوية.

     فبفرض أن شخصاً أراد تعذيب أخر وقتله بحرمانه من النوم، حتى أودى به الأرق، فما الذي يمنع أن تؤلف هذه الواقعة جريمة قتل؟

    وبفرض أن أحد الورثة أراد التعجيل بوفاة المورث، المسن المريض، ففاجأه بنبأ مفجع، کوفاة زوجته أو أحد أبنائه، فأصيب بسكتة قلبية أودت بحياته.

    أفلم يقم الفاعل بقتل هذا الشخص بهذه الوسيلة؟

     وهل كان يختلف الوضع لو أنه استعمل وسيلة مادية؟

     أضف إلى ذلك، فإن القانون السوري لم يتعرض للوسائل التي قد يستعملها الفاعل في الاعتداء على حياة الآخرين، وإنما وضع الوسائل على صعيد واحد وساوى بينها.

    استنادا لذلك، ومع التسليم بأن الوسائل المعنوية نادراً ما تستخدم للقتل، وان استخدمت فإنه من العسير إثبات القصد الجرمي من جهة، واثبات العلاقة السببية بين الوسيلة والوفاة من جهة ثانية.

     إلا أن ندرة الاستخدام، وصعوبة الإثبات، لا يحول دون الاعتراف بإمكانية اللجوء للقتل بتلك الوسائل، واعتبارها کالوسائل المادية سواء بسواء؛ ما دامت قد أدت إلى ذات النتيجة، وتوفر القصد الجرمي، وثبت بالدليل القاطع الرابطة السببية بين تلك الوسيلة و الوفاة وذلك من خلال بعض الظروف الخارجية التي يمكن اعتمادها كدليل مادي على فعل الاعتداء.

     كاقتران الوسيلة المعنوية المستخدمة بأفعال خارجية، كحركات تهديد أو ضوضاء.

     أو ظهور آثار على جسم الضحية نتيجة للاضطراب الفيزيولوجي الذي عانى منه و يمكن معاينته للتأكد من أن مصدره هو اعتداء الفاعل .

  • هل يمكن أن يحصل القتل بالامتناع؟

     القتل بالامتناع

     إن الصورة العادية لجريمة القتل أنها جريمة ايجابية. أي أن ركنها المادي يتجسد بنشاط أو سلوك خارجي محسوس يصدر عن الفاعل .

     إلا أن المجرم قد يتوصل أحياناً بإحجامه أو امتناعه عن القيام بعمل ما، إلى تحقيق غرضه وإحداث النتيجة ذاتها إذا ما قام بعمل ايجابي .

    فهل يصلح الوقف السلبي، أو الامتناع أو الترك، أن يكون الركن المادي لجرم القتل؟

     

    الجواب على ذلك لا بد من تحديد المسألة بدقة. فامتناع الطبيب أو الممرضة عن تقديم الدواء إلى المريض في الوقت المحدد، بقصد قتله.

     وامتناع معلم السباحة عن إنقاذ أحد متدربيه الذي يغرق، قصدا بنية إماتته، وامتناع شخص عادي يرى أخر يوشك على الغرق عن إغاثته يقصد قتله.

     كلها أمثلة تتضمن سلوكا سلبياً من شخص يحجم عن القيام بما هو واجب عليه، مع توفر القصد الجرمي.

    إلا أن الواجب الملقى على عاتق هذا الشخص قد يكون واجباً قانونياً أو تعاقدياً، كما في المثال الأول والثاني؛ وقد يكون واجباً أدبياً أو أخلاقياً، كما في المثال الثالث.

    وفي ضوء ذلك، فإن القانون لا يجرم الامتناع عن القيام بما هو واجب أدبي، لأنه لا يتطلب ولا يفرض على الأشخاص الشهامة ، فلا يؤاخذ الشخص على امتناعه حتى ولو ثبت بالدليل القاطع أنه أراد النتيجة الجرمية، أي الوفاة.

     أما في الجانب الآخر، حيث يكون هناك واجب قانوني أو تعاقدي، فإن امتناع الشخص عن القيام بما هو واجب عليه يصلح أن يكون الركن المادي لجرم القتل إذا توافرت النية الجرمية. فالامتناع هنا كالفعل الايجابي.

    وهذا في الواقع موقف قانون العقوبات السوري.

    فلقد ساوى في ارتكاب الجرائم بين النشاط الايجابي والامتناع .

    بالتالي، فإن الركن المادي للجريمة ممكن أن يتجسد بنشاط ايجابي كما هو المعتاد، وممكن أن يتجسد أحياناً بسلوك سلبي شريطة أن يكون على الممتنع واجب قانوني أو تعاقدي أن يتدخل للمحافظة على حياة الضحية ورعاية سلامته.

     أما في حالة الامتناع المجرد، حيث لا يوجد واجب قانوني أو تعاقدي، ولو كان بسوء نية، فلا يوجد عليه أية مسئولية جزائية.

  • شرح عنصر الوسيلة المستخدمة في جرية القتل

    الركن المادي 

    إن التشريع الجزائي لا يعاقب على النوايا والمقاصد الشريرة ما لم تبرز إلى حيز الوجود في صورة نشاط ملموس، فعقد العزم الفردي أو الجماعي ، أو اتخاذ القرار بالقتل، لا يكفيان لقيام جرم القتل، وحتى التحضير لارتكاب القتل، بعد عقد العزم عليه، يتهيئة وسيلة القتل مثلا، لا يكفي القيام جرم القتل، بل لا بد أن يتعدى الفاعل هذه المراحل ويقوم باعتداء على حياة المجني عليه تنشأ عنه الوفاة، مع توفر نية إحداثها، هذا الاعتداء قد يتمثل بصورة فعل أو بصورة امتناع عن فعل، وهو ما يكون الركن المادي لجرم القتل .

     يتبين من ذلك، أن الركن المادي في جرائم القتل لا يختلف عن سائر الجرائم الأخرى من حيث انطوائه على عناصر ثلاثة: فعل الاعتداء على الحياة، والنتيجة التي تتمثل في وفاة الضحية، وعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة.

     

    فعل الاعتداء

    إن فعل الاعتداء على الحياة يتمثل بكل سلوك أو نشاط من شأنه إحداث وفاة الضحية. فإن حققها كانت جريمة القتل تامة، وان لم يحققها لأسباب خارجة عن إرادة الفاعل اقتصرت المسئولية على الشروع. إن دراسة فعل الاعتداء تثير مجموعة من التساؤلات:

     . هل يشترط في الوسيلة المستخدمة في الاعتداء أن تكون قاتلة بطبيعتها، أم يكفي حدوث الوفاة بغض النظر عن قدرة الوسيلة المستخدمة، إذا كانت قاتلة بطبيعتها أم غير قاتلة؟

    – هل يشترط أن يتمثل فعل الاعتداء بعمل ايجابي، أم ممكن أن يكون بامتناع سلبي؟

     هل يشترط أن يتمثل فعل الاعتداء بفعل مادي، أم ممكن أن يكون بفعل معنوي؟

    أولاً- الوسيلة المستخدمة في القتل

     لا عبرة للوسيلة التي استخدمها الفاعل في القتل، إذا كانت قاتلة بطبيعتها أم لا.

     فكل الوسائل سواء في قيام الركن المادي ما دامت قد أدى استخدامها لموت إنسان حي مع توافر القصد الجرمي بإزهاق الروح .

     فلا فرق بين قتل باستخدام سلاح، كالخنجر أو المسدس، وقتل دون سلاح عن طريق اليد كالخنق مثلا.

     ولا فرق بين أدواة القتل، کسلاح قاتل بطبيعته، كالمسدس، أو كسلاح من حيث الاستخدام أو من حيث المال، كسكين المطبخ مثلا.

    – فيستوي في نظر القانون أن يتجلى فعل الاعتداء بإطلاق النار من سلاح ناري، أو الضرب بآلة حادة، أو الإغراق أو الخنق أو الحرق أو استخدام السم .

    – يستوي أيضا أن يرتكب الفاعل الاعتداء بنفسه أو بواسطة غيره، إذا كان هذا الغير غير مسئول جزائيا، أو حسن النية. كأن يقوم بدفع مجنون لقتل خصمه.

     أو يسلم زوجة خصمه سما على أنه سكر أو طحين، وتقدمه لزوجها فيموت .

     ففي هذه الحالات يعتبر فاعلا معنويا للجريمة، أما الغير المنفذ حسن النية أو غير المسئول جزائيا فليس سوى أداة أو وسيلة استخدمها الفاعل لتنفيذ جريمته. وطبعا يختلف الأمر إذا كان الغير مسئول جزائيا، أو سيء النية، أي يعلم ماهية ما يقوم به، فهو بهذه الحالات فاعلاً أصلياً للجريمة، أما من حمله على القتل فيعتبر محرضاً، وتطبق عليه قواعد التحريض.

    – يستوي أيضا أن يوجه الفاعل بنفسه إلى الضحية الوسيلة المستخدمة في القتل، أي أن يصيب الاعتداء جسم الضحية مباشرة، أو أن يعد الفاعل وسيلة القتل ثم يترك للمجرى العادي للأمور أن يوصل إلى النتيجة المقصودة.

    كأن يضع سماً في طعام معد لخصمه فيأكله ويموت. أو يحفر حفرة في الطريق الذي يمر فيه عادة فيسقط فيها ويموت.

     – يستوي أيضا أن يؤدي فعل الاعتداء أثره فورا بإزهاق روح الضحية، أو يتراخي أثره، بعدم حصول الوفاة إلا بعد مدة، قد تطول أو تقصر، من وقوع الاعتداء.

     فالجرم في القانون السوري يعد مقترفا عندما تتم أفعال تنفيذه دون النظر إلى وقت حصول النتيجة ( المادة 6 فقرة 2 ق.ع ).

    فالقانون لا يتطلب أن يؤدي الاعتداء إلى إحداث الموت فورة، بل يبقى هذا الفعل اعتداء على الحياة بالرغم من تراخي النتيجة طالما ثبت توافر علاقة السببية بينهما.

     فالأمر سيان بإعطاء شخص سما سريع المفعول يقضي على حياته فورا، أو سما بطيء المفعول لا يقضي على حياة الضحية إلا بعد أسابيع أو أشهر.

    ففي الحالتين يصلح الفعل التكوين الركن المادي لجرم القتل .

     وتجدر الإشارة أخيرا، إلى أنه بالرغم من أن القانون السوري لا يعتد بوسيلة أو بأداة القتل، سواء كانت قائلة بطبيعتها أم لا، ويعتبر الجريمة التي لا يمكن وقوعها لأسباب تتعلق بوسيلة الاعتداء ( إطلاق النار بقصد القتل من مسدس غير محشو بالذخيرة )، أو بموضوع الاعتداء أو محله (الاعتداء على میت)، يعتبرها حالة من حالات الشروع ويعاقب فاعلها كذلك.

    إلا أن القانون استثنى من ذلك حالتين أوردهما في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 202 من قانون العقوبات.

    فبعد أن اعتبر نص الفقرة الأولى من المادة 202 الجريمة المستحيلة بمثابة شروع في الجرم بقوله يعاقب على الشروع وان لم يكن في الإمكان بلوغ الهدف بسبب ظرف مادي يجهله الفاعل”.

     عاد في الفقرتين الثانية والثالثة واستبعد إمكانية ملاحقة الجريمة المستحيلة كشروع في الجريمة.

     فالفقرة الثانية نصت على أن الفاعل لا يعاقب في هذه الحالة إذا أتى فعله عن غير فهم”.

    فمن يطلق النار من دمشق على خصمه في حمص قاصدا قتله، أو يحاول قتله بالسحر والشعوذة والتعاويذ، فالجريمة في الحالتين مستحيلة، إلا أن الأفعال تنم عن سذاجة تامة ونقص في الوعي والإدراك مما لا يشكل أية خطورة تستلزم عقاب فاعلها.

    أما الحالة الثانية فنصت عليها الفقرة الثالثة يقولها وكذلك لا يعاقب من ارتكب فعلاً وظن خطأ أنه يكون جريمة”.

    فإقدام شخص على سرقة مال تبين بعد ذلك أنه مملوك له.

     أو دهس طير أو نملة والاعتقاد بأنه قد قضى على روح بشرية كانت تتقمص النملة أو الطير، لإيمانه بتقمص الأرواح.

     فالفعل في هذه الحالات غير مجرم بالأصل إلا أن الفاعل يعتقد بعدم مشروعيته و أنه يشكل جريمة. وهذا الاعتقاد لا يغير من طبيعة الفعل المباحة.

  • ركن ازهاق روح الانسان في جريمة القتل

    الركن المفترض في جريمة القتل: الإنسان الحي

     

    يحمي القانون حق الإنسان في الحياة من خلال تجريمه لفعل إنهاء هذه الحياة بصورة غير مشروعة.

    وهذه الحماية تنصب على حياة كل إنسان بغض النظر عن جنسه وجنسيته ولونه ودينه ومركزه.

     والقتل لا يقع إلا على إنسان، أما إزهاق روح حيوان فلا يعد قتلا بالمعنى القانوني، وإنما يندرج تحت نموذج أخر من الجرائم، باعتباره من الجرائم الواقعة على الأموال، والمجنى عليه فيه هو مالك الحيوان.

     وحماية القانون لحياة الإنسان تبدأ منذ الولادة وتنتهي بالوفاة.

     ينبني على ذلك، أن الجنين في بطن أمه لا يعتبر إنساناً حياً صالحاً لأن يكون محلا لجرم القتل.

     فبالرغم من تمتع الجنين بالحياة، إلا أنها حياة من نوع مختلف عن الحياة التي يعتبرها المشرع في جرائم القتل، فهي حياة ” احتمالية في حين يحمي بنصوص القتل حياة يقينية”.

    يترتب على ذلك اختلاف القيمة القانونية لهذين النوعين من الحياة، ومدى الجدارة بالحماية الجزائية، و عدم اعتبار إزهاق روح الجنين في بطن أمه قتلاً، بل إدراجه تحت نموذج أخر من الجرائم، هو الإجهاض .

     إذن، فقبل الولادة يعتبر التخلص من الجنين مكوناً لجريمة الإجهاض.

     أما بعد الولادة فيعد الفعل قتلاً ما دام المولود قد ولد حياً.

     أما المرحلة التي ينتقل فيها الكائن البشري من صفة جنين إلى صفة إنسان فتبدأ منذ اللحظة التي تبدأ بها عملية الولادة، وليس من انتهاء أو تمام عملية الولادة.

     فبمجرد مفارقة الجنين لرحم أمه، وتنفسه برئتيه، يعتبر كائناً مستقلاً، ومن ثم إنساناً خاضعاً لحماية النصوص الخاصة بالقتل، حتى ولو ما زال متصلاً بأمه بالحبل السري.

    فالحبل السري هو وسيلة تغذية ينطبق عليه ما ينطبق على تغذية الوليد من حليب أمه بعد انفصاله عنها .

     إذن، منذ بدأ عملية الولادة، ومن باب أولى عند تمامها، ينتقل الكائن البشري من صفة جنين إلى صفة إنسان، تحميه نصوص القتل، ما دام قد ولد حياً، بغض النظر عن قابليته للحياة بعد ذلك .

    فإذا ثبت أنه سيموت بعد ذلك لمرض أو غيره، فذلك لا يبيح الاعتداء على حياته. و هو جدير بالحماية كذلك، ولو كان مشوهاً في خلقته أو ناقصاً في تكوينه، فهو يبقى إنسانة حياً جديرة بحماية القانون، فربما يتم التوصل إلى شفائه من عند الله تعالى، أو بتدخل طبي كأثر للتقدم العلمي.

     وعلى هذا الأساس أيضا يكون إزهاق روح مريض شفقة عليه بسبب الآلام التي يتحملها من مرض عضال أصابه، مكونا لجرم القتل، ولو تم الفعل بناء على إلحاح المريض وتلبية لرغبته في إنهاء حياته.

    وحماية القانون لحياة الإنسان منذ الولادة وحتى الوفاة تطال أيضا حياة المحكوم عليه بالإعدام.

    فالإقدام على قتل شخص محكوم بالإعدام ولو قبل دقيقة من تنفيذ الحكم الصادر بحقه، يعتبر قتلا.

     كما تطال هذه الحماية حياة من قرر الانتحار إذا طلب من أخر تنفيذ رغبته بإنهاء حياته، فقام هذا الأخر بإزهاق روحه.

     وإذا كان القانون يحمي حق الحياة في جرائم القتل، فإن وجود الحياة لدى الضحية قبل وقوع فعل الاعتداء عليه شرط أساسي لقيام جرم القتل.

    فالقتل لا يقع إلا على إنسان حي، أما إذا كان قد فارق الحياة قبل وقوع الفعل عليه، فليس هناك جريمة قتل.

    هذه المسألة تتعلق بالصورة التي يكون فيها الاعتداء قد وقع على جثة بعد أن فارقتها الروح. فلو أطلق شخص النار على أخر بنية قتله وأصابه، ثم تبين بعد ذلك أن الضحية قد فارق الحياة بسبب ذبحة قلبية قبل فعل إطلاق النار .

     أو أن يطلق الفاعل النار ليلا على سرير خصمه ظانا أنه نائم فيه، في حين أنه كان قد غادره قبل قليل.

    هذه الفرضيات تثير، في الحقيقة، مسألة الجريمة المستحيلة التي انقسم بشأنها الفكر الجزائي إلى اتجاهين.

     الأول: يأخذ بفكرة الجريمة المستحيلة، ويعتبر أن الاعتداء الواقع على ميت بقصد قتله لا يعد قتلاً ولا شروعاً في القتل، لأن الجريمة في هذه الحالة مستحيلة استحالة موضوعية مطلقة. فمحل جرم القتل يجب أن يكون إنسانا حياً، وفي هذه الفرضية انعدم هذا المحل، وبالتالي انعدمت الجريمة.

     والثاني: لا يعتد بفكرة الجريمة المستحيلة، ويعتبر أن الاعتداء الواقع على ميت بقصد قتله يعتبر شروعاً في القتل.

    والواقع أن أغلب التشريعات الجزائية، والفكر الجزائي الحديث ، ينكر ويستبعد فكرة الجريمة المستحيلة.

    والفكرة في ذلك أن العقاب يبني على أساس خطورة الفاعل.

    فعندما يقدم الفاعل على فعل يؤدي مباشرة إلى حصول الجريمة التي قصدها، فهو ينم عن شخصية خطيرة يستحق عليها العقاب.

    فما دامت الجريمة ممكنة الوقوع بنظر الفاعل بالوسيلة المستخدمة أو بالظروف التي باشر من خلالها نشاطه، فلا يهم بعد ذلك أن تكون هذه الجريمة غير ممكنة الوقوع فعلا، ما دامت أسباب عدم الوقوع خارجة عن إرادة الفاعل نفسه. فالجريمة المستحيلة، بنظر الفكر الجزائي الحديث ليست في الحقيقة سوى صورة من صور الشروع في الجريمة المنوي ارتكابها.

     وهذا ما أكده ونحاه بالفعل قانون العقوبات السوري، حيث عاقب في المادة (202) منه على الجريمة المستحيلة بمثل ما عاقب على الشروع.

     واستناداً لذلك فإن الاعتداء على جثة شخص فارق الحياة بقصد القتل، يلاحق فاعله كشارع في جرم القتل، لأنه أعرب عن خطورته من خلال الاعتداء على الضحية الذي ظنه على قيد الحياة، ولم يحل دون إتمام الجريمة التي انتواها وقام بكل ما هو ضروري لتنفيذها، سوى ظرف خارج عن إرادته، وهو وفاة الضحية بشكل مسبق.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1