شرح عنصر الوسيلة المستخدمة في جرية القتل

الركن المادي 

إن التشريع الجزائي لا يعاقب على النوايا والمقاصد الشريرة ما لم تبرز إلى حيز الوجود في صورة نشاط ملموس، فعقد العزم الفردي أو الجماعي ، أو اتخاذ القرار بالقتل، لا يكفيان لقيام جرم القتل، وحتى التحضير لارتكاب القتل، بعد عقد العزم عليه، يتهيئة وسيلة القتل مثلا، لا يكفي القيام جرم القتل، بل لا بد أن يتعدى الفاعل هذه المراحل ويقوم باعتداء على حياة المجني عليه تنشأ عنه الوفاة، مع توفر نية إحداثها، هذا الاعتداء قد يتمثل بصورة فعل أو بصورة امتناع عن فعل، وهو ما يكون الركن المادي لجرم القتل .

 يتبين من ذلك، أن الركن المادي في جرائم القتل لا يختلف عن سائر الجرائم الأخرى من حيث انطوائه على عناصر ثلاثة: فعل الاعتداء على الحياة، والنتيجة التي تتمثل في وفاة الضحية، وعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة.

 

فعل الاعتداء

إن فعل الاعتداء على الحياة يتمثل بكل سلوك أو نشاط من شأنه إحداث وفاة الضحية. فإن حققها كانت جريمة القتل تامة، وان لم يحققها لأسباب خارجة عن إرادة الفاعل اقتصرت المسئولية على الشروع. إن دراسة فعل الاعتداء تثير مجموعة من التساؤلات:

 . هل يشترط في الوسيلة المستخدمة في الاعتداء أن تكون قاتلة بطبيعتها، أم يكفي حدوث الوفاة بغض النظر عن قدرة الوسيلة المستخدمة، إذا كانت قاتلة بطبيعتها أم غير قاتلة؟

– هل يشترط أن يتمثل فعل الاعتداء بعمل ايجابي، أم ممكن أن يكون بامتناع سلبي؟

 هل يشترط أن يتمثل فعل الاعتداء بفعل مادي، أم ممكن أن يكون بفعل معنوي؟

أولاً- الوسيلة المستخدمة في القتل

 لا عبرة للوسيلة التي استخدمها الفاعل في القتل، إذا كانت قاتلة بطبيعتها أم لا.

 فكل الوسائل سواء في قيام الركن المادي ما دامت قد أدى استخدامها لموت إنسان حي مع توافر القصد الجرمي بإزهاق الروح .

 فلا فرق بين قتل باستخدام سلاح، كالخنجر أو المسدس، وقتل دون سلاح عن طريق اليد كالخنق مثلا.

 ولا فرق بين أدواة القتل، کسلاح قاتل بطبيعته، كالمسدس، أو كسلاح من حيث الاستخدام أو من حيث المال، كسكين المطبخ مثلا.

– فيستوي في نظر القانون أن يتجلى فعل الاعتداء بإطلاق النار من سلاح ناري، أو الضرب بآلة حادة، أو الإغراق أو الخنق أو الحرق أو استخدام السم .

– يستوي أيضا أن يرتكب الفاعل الاعتداء بنفسه أو بواسطة غيره، إذا كان هذا الغير غير مسئول جزائيا، أو حسن النية. كأن يقوم بدفع مجنون لقتل خصمه.

 أو يسلم زوجة خصمه سما على أنه سكر أو طحين، وتقدمه لزوجها فيموت .

 ففي هذه الحالات يعتبر فاعلا معنويا للجريمة، أما الغير المنفذ حسن النية أو غير المسئول جزائيا فليس سوى أداة أو وسيلة استخدمها الفاعل لتنفيذ جريمته. وطبعا يختلف الأمر إذا كان الغير مسئول جزائيا، أو سيء النية، أي يعلم ماهية ما يقوم به، فهو بهذه الحالات فاعلاً أصلياً للجريمة، أما من حمله على القتل فيعتبر محرضاً، وتطبق عليه قواعد التحريض.

– يستوي أيضا أن يوجه الفاعل بنفسه إلى الضحية الوسيلة المستخدمة في القتل، أي أن يصيب الاعتداء جسم الضحية مباشرة، أو أن يعد الفاعل وسيلة القتل ثم يترك للمجرى العادي للأمور أن يوصل إلى النتيجة المقصودة.

كأن يضع سماً في طعام معد لخصمه فيأكله ويموت. أو يحفر حفرة في الطريق الذي يمر فيه عادة فيسقط فيها ويموت.

 – يستوي أيضا أن يؤدي فعل الاعتداء أثره فورا بإزهاق روح الضحية، أو يتراخي أثره، بعدم حصول الوفاة إلا بعد مدة، قد تطول أو تقصر، من وقوع الاعتداء.

 فالجرم في القانون السوري يعد مقترفا عندما تتم أفعال تنفيذه دون النظر إلى وقت حصول النتيجة ( المادة 6 فقرة 2 ق.ع ).

فالقانون لا يتطلب أن يؤدي الاعتداء إلى إحداث الموت فورة، بل يبقى هذا الفعل اعتداء على الحياة بالرغم من تراخي النتيجة طالما ثبت توافر علاقة السببية بينهما.

 فالأمر سيان بإعطاء شخص سما سريع المفعول يقضي على حياته فورا، أو سما بطيء المفعول لا يقضي على حياة الضحية إلا بعد أسابيع أو أشهر.

ففي الحالتين يصلح الفعل التكوين الركن المادي لجرم القتل .

 وتجدر الإشارة أخيرا، إلى أنه بالرغم من أن القانون السوري لا يعتد بوسيلة أو بأداة القتل، سواء كانت قائلة بطبيعتها أم لا، ويعتبر الجريمة التي لا يمكن وقوعها لأسباب تتعلق بوسيلة الاعتداء ( إطلاق النار بقصد القتل من مسدس غير محشو بالذخيرة )، أو بموضوع الاعتداء أو محله (الاعتداء على میت)، يعتبرها حالة من حالات الشروع ويعاقب فاعلها كذلك.

إلا أن القانون استثنى من ذلك حالتين أوردهما في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 202 من قانون العقوبات.

فبعد أن اعتبر نص الفقرة الأولى من المادة 202 الجريمة المستحيلة بمثابة شروع في الجرم بقوله يعاقب على الشروع وان لم يكن في الإمكان بلوغ الهدف بسبب ظرف مادي يجهله الفاعل”.

 عاد في الفقرتين الثانية والثالثة واستبعد إمكانية ملاحقة الجريمة المستحيلة كشروع في الجريمة.

 فالفقرة الثانية نصت على أن الفاعل لا يعاقب في هذه الحالة إذا أتى فعله عن غير فهم”.

فمن يطلق النار من دمشق على خصمه في حمص قاصدا قتله، أو يحاول قتله بالسحر والشعوذة والتعاويذ، فالجريمة في الحالتين مستحيلة، إلا أن الأفعال تنم عن سذاجة تامة ونقص في الوعي والإدراك مما لا يشكل أية خطورة تستلزم عقاب فاعلها.

أما الحالة الثانية فنصت عليها الفقرة الثالثة يقولها وكذلك لا يعاقب من ارتكب فعلاً وظن خطأ أنه يكون جريمة”.

فإقدام شخص على سرقة مال تبين بعد ذلك أنه مملوك له.

 أو دهس طير أو نملة والاعتقاد بأنه قد قضى على روح بشرية كانت تتقمص النملة أو الطير، لإيمانه بتقمص الأرواح.

 فالفعل في هذه الحالات غير مجرم بالأصل إلا أن الفاعل يعتقد بعدم مشروعيته و أنه يشكل جريمة. وهذا الاعتقاد لا يغير من طبيعة الفعل المباحة.

Scroll to Top