التصنيف: شرح قانون العقوبات

  • السرقة البسيطة في القانون السوري

    جاء النص على السرقة البسيطة في المادة 634 ق. ع كما يلي:

    “1- كل سرقة أخرى غير معينة في هذا الفصل تستوجب عقوبة الحبس مع الشغل من شهر إلى سنة والغرامة حتى مائتي ليرة.

     2- ولا تنقص مدة الحبس مع الشغل عن ستة أشهر إذا كانت السرقة واقعة على الطاقة الكهربائية، ولا تطبق على الجرائم المعاقب عليها في هذه الفقرة الأسباب المخففة التقديرية وأحكام وقف التنفيذ …

    بتحليل هذا النص نستخلص النتائج التالية:

    1- إن هذا النص يتناول السرقة التي استكملت أركانها ولم يقترن بها أي ظرف مشدد أو مخفف. – إن المشرع قرر للسرقة البسيطة عقوبتي الحبس والغرامة معا، ولم يعط القاضي سلطة الخيار بينهما، وإن كان يتمتع بسلطة تقديرية بمر او حة عقوبتي الحبس والغرامة بين حديهما الأدنى والأعلى .

    2- إن الشروع في ارتكاب السرقة البسيطة معاقب عليه بصریح نص المادة 638 يتناول العقاب محاولة ارتكاب الجنح المنصوص عليها في هذا الفصل”.

     أي كل الجنح المنصوص عليها في فصل السرقة بما فيها السرقة البسطة.

    3- يمكن إضافة للعقوبة الحكم بوضع السارق تحت الحرية المراقبة أو بمنعه من الإقامة في مكان محدد كتدبير احترازي، وذلك بصریح نص المادة 639 ق.ع. ونصها

     “يمكن أن يوضع تحت الحرية المراقبة أو يمنع من الإقامة كل من حكم عليه بعقوبة مانعة للحرية من أجل سرقة أو محاولة سرقة.

     وهذا النص يشمل كل صور السرقة، جنائية أو جنحية، سواء كانت تامة أو مشروعا بها، بشرط أن يكون قد حكم على السارق بعقوبة مانعة للحرية.

    إذا يستبعد توقيعهما في جنح السرقة التي يحكم من أجلها بالغرامة فقط، كالسرقة المنصوص عليها في المادة 633 ق.ع.

     4- أشار المشرع صراحة إلى الطاقة الكهربائية، بخلاف كثير من التشريعات، وبذلك حسم الخلاف الذي كان محتدماً حول اعتبار الكهرباء مالاً منقولاً مادياً قابلاً ليكون محلاً لجرم السرقة.

  • الركن المعنوي في جريمة السرقة

    إن السرقة جريمة مقصودة لا تقع إلا إذا توفر القصد الجرمي لدى مرتكبها.

    ولا يمكن ملاحقة شخص بسرقة غير مقصودة مهما بلغت جسامة الخطأ الذي وقع به.

     فمن يأخذ حقيبة غيره ظانا أنها حقيبته بالرغم من اختلاف لوني الحقيبتين، فلا يعد سارق لها إذا ثبت، مثلا، أنه عند أخذه الحقيبة كان ساهي ولم ينتبه إلى اختلاف اللون.

     ولا يمكن ملاحقته بسرقة مقصودة لانتفاء علمه بملكية الغير لها، لاعتقاده أنها ملكه.

    وككل الجرائم المقصودة لا بد أن يتوفر لدى الفاعل القصد الجرمي العام، بعنصرية العلم والإرادة. لكن القصد العام لا يكفي وحده لقيام جريمة السرقة، بل لا بد أن يتوفر لدى الفاعل، إضافة للقصد العام، قصدأ جرمية خاصة، يتمثل بنية التملك.

    1- القصد الجرمي العام ( العلم والإرادة).

    يتوفر هذا القصد بعلم الفاعل بأركان الجريمة، واتجاه إرادته إلى ارتكاب الفعل وتحقيق النتيجة.

    و بإسقاط هذا المفهوم على السرقة نستخلص أنه لا بد لقيام القصد الجرمي العام فيها أن يعلم السارق أنه يستولي على مال مملوك للغير بدون رضاه، وأن تتجه إرادته للفعل والنتيجة، أي أن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للمال.

    أ- عنصر العلم.

    – فالفاعل يجب أن يكون عالما بأنه يأخذ مالا تعود ملكيته لغيره. فإذا انتفي علمه بهذه الواقعة غاب عن الجرم رکنه المعنوي، وبالتالي انتفت السرقة.

    فإذا اعتقد الفاعل ملكيته للمال الذي أخذه، أو اعتقد أن المال متروك أو مباح، انتفي القصد الجرمي لديه.

    فمن يستقل سيارة مشابهة لسيارته، ينتفي الركن المعنوي لديه، إذا كان يعتقد أنها سيارته. والطالب الذي يأخذ كتاب طالب أخر من على المقعد لا يعتبر سارقاً له إذا اعتقد أنه كتابه.

    والملاحظ في هذه الأمثلة أن جهل الشخص الملكية المال للغير يعتبر غلطاً في الواقع، واقعة على أوصاف الشيء، أو على ظروف أخذه، أي على أحد عناصر الفعل.

     إلا أن الأمر يصبح خلاف ذلك، ولا ينتفي القصد الجرمي، إذا وقع الشخص في غلط في القانون.

    كمن يستولي على قطعة أثرية ظاناً أن الآثار هي ملك لمكتشفها، أو إذا قام الدائن بالاستيلاء على مال لمدينة استيفاء لدينه، ظاناً بأن فعله مشروع.

    فالقاعدة المطبقة هنا أن الغلط الواقع على القانون لا ينفي الركن المعنوي، فالفاعل يعتبر سارقاً في هذه الأمثلة، إذلا جهل في القانون. .

     – كما يجب أن يعلم الفاعل بعدم رضاء المالك أو الحائز للمال على أخذ المال.

     أما إذا اعتقد أو ظن أن المجني عليه راضية بذلك، فينتفي لديه الركن المعنوي.

     كما لو اعتاد أحد الرعاة على رعي قطيعه في أرض احد الأشخاص بناء على موافقته.

    واستمر بذلك بالرغم من بيع الأرض لشخص أخر دون علمه بذلك. فهذا الراعي لا يمكن ملاحقته من قبل المالك الجديد بجرم السرقة لانتفاء علمه بعدم رضاء المالك الجديد عن تصرفه، واستمراره بفعله استنادا لموافقة المالك القديم.

    ب- عنصر الإرادة.

    إضافة للعلم بأركان الجريمة يجب أن تتجه إرادة الفاعل إلى الفعل والنتيجة.

     وكما أشرنا سابقاً، فإن جريمة السرقة  تتميز باندماج النتيجة مع الفعل، لأن النتيجة تتحقق بمجرد ارتكاب الفعل، وتتكامل معه.

     فلا بد لتوافر هذا العنصر أن تتجه إرادة الفاعل إلى النشاط الجرمي، أي إلى فعل الأخذ الذي يتمثل بمجموعة الحركات التي يأتيها الفاعل، والتي من شأنها إخراج المال من حيازة المجني عليه وإدخالها في حيازة أخرى.

    وينتفي هذا العنصر إذا كانت الإرادة مكرهة على الفعل، كمن يقوم بسرقة مال مملوك لغيره تحت تهديد السلاح أو الابتزاز.

     كما يجب أن تتجه الإرادة إلى إخراج الشيء مادية من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازة الفاعل أو حيازة غيره، وأن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للشيء.

    وينتفي القصد الجرمي إذا لم تتجه إرادة الفاعل إلى إخراج الشيء ماديا من حيازة المجني عليه، كأن يكون قد وضعه شخص أخر في جيبه أو في حقيبته دون علم منه.

     أو إذا استولى على الشيء معتقدا أن مالكه قد تخلى له نهائيا عنه، أي معتقدا أنه سلم له على سبيل الحيازة التامة، بينما كان قصد المجني عليه منصبا على تسليمه الحيازة الناقصة، كالعارية مثلا، أو في اليد العارضة فقط، لفحصه مثلا وإعادته إليه.

    1- القصد الجرمي الخاص (نية التملك).

    إن القصد الخاص في السرقة يتمثل بنية تملك الشيء.

    وهذا لا يعني أن يصبح السارق، بحكم القانون مالكا للشيء، باعتبار أن القانون لا يعتد بهذه النية، وأن السرقة ليست سببا معترفا به قانونا لاكتساب الملكية.

     فما تعنيه نية التملك هو إرادة الظهور على الشيء بمظهر المالك له، أي إرادة مباشرة السلطات التي ينطوي عليها حق الملكية.

    وهذه النية تقوم على عنصرين:

    عنصر سلبي يتمثل في إرادة حرمان المالك من سلطاته على الشيء، ويتجلى هذا العنصر بالعزم على الاحتفاظ بالشيء و عدم رده.

    و عنصر إيجابي يتمثل في اتجاه إرادة السارق إلى أن يحل محل المالك في سلطاته على الشيء، أي أن يتصرف بالشيء كما يفعل المالك، ويتجلى هذا العنصر بإرادة السارق أن يباشر على الشيء سلطة تشبه في مظهرها و عناصرها السلطة التي يعترف بها القانون للمالك.

     وهذا يعني أن نية التملك لا تتجه إلى الملكية كحق، لأن النية السيئة لا تنشئ حقاً في القانون ، و إنما تتجه إلى الملكية “كمركز واقعي وفحوى اقتصادي، أي مجموعة من السلطات والمزايا الفعلية .

     واستنادا إلى ما تقدم فإن نية التملك تتمثل في الاتجاه إلى الاستيلاء على الحيازة التامة للشيء، وتنتفي تبعا لذلك إذا  كانت الإرادة قد اتجهت إلى اكتساب اليد العارضة على الشيء، كمن يأخذ شيئا بقصد الاطلاع عليه وإرجاعه إلى مكانه ولو كان ذلك الأخذ ضد إرادة المالك أو الحائز.

    أو كمن يأخذ الشيء على سبيل المزاح، باعتبار أن المزاح يفترض وضع يد عارض ومؤقت ويعني حتما العزم على رد الشيء.

    أما إذا تصرف بالمال ببيعه مثلا فيعتبر سارقاً له، فلا يجوز أن يبلغ المزاح حد التصرف في الشيء ببيعه، لأن التصرف سلطة لا يباشرها غير المالك.

     كما تنتفي نية التملك إذا كانت الإرادة قد اتجهت إلى اكتساب الحيازة الناقصة.

    ومن هذا القبيل من يأخذ شيئا بنية استعماله أو الانتفاع به مؤقتا ثم إعادته.

    فلا يعد سارقاً الطالب الذي يأخذ قلم زميله کي يستعمله ثم يعيده لصاحبه، أو الشخص الذي يأخذ دابة جاره ليحرث بها أرضه ويردها بعد ذلك.

    – وتجدر الإشارة إلى أن المشرع السوري قد أفرد الاستعمال أشياء الغير بدون وجه حق نصاً خاصاً في المادة 637 من قانون العقوبات السوري، كما يلي كل من استعمل دون حق شيئا يخص غيره، بصورة تلحق به ضررة، ولم يكن قاصدا اختلاس الشيء، عوقب بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة…، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

     والملاحظ في هذا النص عدم اعتبار المشرع الاستعمال أشياء الغير سرقة ما دام الفاعل لم يقصد الاستيلاء على الشيء، أي تملكه.

     إلا أنه يشترط الإيقاع العقاب أن يؤدي استعمال الشيء إلى ضرر يلحق بصاحب الشيء.

    أما في حالة انتفاء الضرر فلا عقاب.

    كما تجدر الإشارة إلى أن هذا النص لا يشمل السيارات، وان كان ينطبق عليها وصف استعمال أشياء الغير، إذا قام شخص بأخذ سيارة مملوكة لأخر وتنزه بها، ثم أعادها إلى مكانها أو تركها في مكان آخر.

    فلقد أفرد المشرع السوري لسرقة السيارة، ولاستعمالها دون قصد سرقتها، نصاً مستقلاً في صلب المادة 625 مكرر، معتبراً أن أخذ السيارة دون قصد تملكها جرم جنائي الوصف.

     وهو ما سنتناوله في معرض شرح الظروف المشددة لجريمة السرقة. كما تنتفي نية التملك لدى الدائن الذي يستولي على مال المدينه ضمانا و تأمينا لدينه دون أن يقصد تملكه، بل بقصد رده إلى صاحبه بعد الوفاء بالدين .

    وتنتفي النية أيضا لدى الشخص الذي يستولي على منقول لغيره، كمسدس أو سكين، لمنع أذاه، كما لو جرد الفاعل رجلاً من سلاحه خشية الإصابة به، فلا سرقة ولو أخفي هذا السلاح.

    – وعند توافر القصد الجرمي، العام والخاص، بالصورة التي سبق بيانها، تقوم جريمة السرقة، ولا عبرة بعد ذلك للباحث أو الدافع الذي دفع الفاعل إلى السرقة، سواء كان دافعا شريفا أو دنيئا .

     فيستوي أن يكون الدافع إلى السرقة الحاجة، أو التصدق على الفقراء، أو الطمع أو مجرد الانتقام، أو الرغبة في الإثراء أو في إفقار المجني عليه، كما لا يؤثر في قيام القصد، وتوفر السرقة، غنى السارق أو سمعته الشريفة ، فقد يكون مدفوعاً إليها بعامل الطمع في مال الغير.

    وبالرغم من عدم الاعتداد بالدافع في قيام القصد الجرمي، فإن للدافع أثرا في تقدير العقوبة، شدة أو ليناً، بحسب کونه شريفاً أو دنيئاً.

    – ولا بد لقيام القصد من معاصرته للفعل المادي الذي تتكون منه الجريمة، أما القصد اللاحق له فلا يكفي لقيام الجريمة.

    فإذا كان الاستيلاء على الشيء بحسن نية ثم نشأ سوء القصد بعد ذلك فلا سرقة.

    فلا يعد سارقاً من يأخذ متاعا لأخر معتقداً أنه مملوك له ثم تتبين له الحقيقة فيما بعد ورغم ذلك لم يرده لصاحبه.

    ولا يعد سارقاً أيضاً من يأخذ شيئاً يعتقد أنه قد أعير له أو أودع لديه، ثم تسوء نيته عندما يكتشف الحقيقة فيقرر الاستيلاء عليه.

     لكن الأمر يختلف إذا كانت يد الشخص على الشيء عارضة، ثم قامت لديه بعد وضع يده نية الاستيلاء عليه، فإن قصد السرقة يعد متوافرة لديه.

     وعلة ذلك أن وضع اليد العارضة على الشيء لا يشكل أخذا، باعتبار أنه لا ينطوي على تبديل الحيازة.

    فالحيازة باليد العارضة تبقى للمالك وليس لصاحب اليد العارضة، ومن ثم لا عبرة بأن نية التملك لم تكن متوفرة عند وضع اليد العارضة.

     وفعل الأخذ يرتكب حين يقرر صاحب اليد العارضة الاستيلاء على الشيء، لأنه في هذه اللحظة يخرجه من حيازة مالكه ويدخله في حيازته، وفي هذه اللحظة ذاتها توافرت نية التملك، وتحقق بذلك تعاصر القصد مع فعل الأخذ.

    وعليه يعد سارقاً من يتناول من صاحب محل بيع المجوهرات خاتما ليطلع عليه بغية شرائه، أي أن نيته كانت حسنة عند تناوله للخاتم، ولكن هذه النية ساءت بعد برهة، فهرب بالخاتم .

    كما يعد سارقاً أيضاً من يتناول شيئاً ليطلع عليه بدافع الفضول وبنية حسنة، ثم تسوء نيته بعد الاطلاع عليه فيفر به

    – ولا ريب أخيراً أن تقدير توافر أو انتفاء القصد الجرمي هي مسألة موضوع تعود لمحكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض.

    إلا أن إغفال الحكم التحدث عن القصد، إثباتا أو نفية، يجعله قاصرا في التعليل، وقابلا للطعن بالنقض

     

     

  • السرقة التامة والشروع فيها

     

    متى تقع السرقة تامة وما هي الحدود الفاصلة بين تمام السرقة والشروع فيها والأعمال التحضيرية لها؟

     يمر السلوك الإجرامي لجريمة السرقة بمرحلتي التنفيذ، فالإتمام، وقد تسبقهما مرحلة التحضير للجريمة. ولكل من هذه المراحل الثلاث ضابطه وحكمه.

     القاعدة العامة أن القانون لا يعاقب على الأعمال التحضيرية للجريمة إلا إذا شكلت بحد ذاتها جرائم مستقلة.

     والعقاب لا يكون إلا على ارتكاب الجريمة تامة أو على الشروع فيها على الأقل. والقاعدة في القانون السوري أن الشروع في الجنايات معاقب عليه دوماً، أما الشروع في الجنح فلا عقاب عليه إلا بنص، ولا عقاب على الشروع في المخالفات إطلاقاً.

    والسرقة منها ما هو جنائي الوصف ومنها ما هو جنحي .

    ولقد نص المشرع صراحة في صلب المادة 638 على عقاب الشروع في الجنح.

    لهذا كان من الأهمية بمكان وضع الحدود الفاصلة بين هذه المراحل الثلاث.

     هناك من الأعمال ما لا يثير تكييفها جدلا جدية. فإعداد المفاتيح المصنعة، أو الأدوات التي ستستخدم في السرقة تعتبر من الأعمال التحضيرية للسرقة.

     لكن قد يدق التكييف أحيانا بين العمل التحضيري و الشروع في الجرم، لذلك لا بد لنا أولا من تحديد الحالات التي تعتبر شروعة في السرقة النخلص إلى أن ما دون ذلك يعتبر عملاً تحضيرياً.

    ويمكن إيجاز الحالات التي تعتبر شروعاً في السرقة بثلاث:

    1- إذا بدء الفاعل في تنفيذ الركن المادي للسرقة، أي البدء في فعل الأخذ ذاته، بأن يضع الفاعل يده على الشيء المراد الاستيلاء عليه.

    كإمساك المجني عليه يد الفاعل وهي في جيبه وقد أطبقها على المال الذي قصد سرقته.

     2- إذا بدء الفاعل بفعل يعتبر ظرفاً مشددة لجريمة السرقة.

     كأن يبدأ بكسر الباب أو تسلق السور أو تجريب مفتاح مصنع في باب المكان المراد سرقته .

     3- إذا بدء الفاعل بفعل سابق على فعل الأخذ، إذا كان مثل هذا الفعل يدل دلالة قاطعة على انعقاد نيته وتصميمه على ارتكاب جريمته، بحيث يؤدي فعله فيما لو ترك يكمله إلى وقوع الجريمة مباشرة.

     ومن قبيل ذلك فتح باب المنزل لسرقة محتوياته و الدخول إلى فنائه.

    وإذا كانت هذه الحالات تشكل الحد الفاصل بين الأعمال التحضيرية للسرقة والشروع فيها، فإن الحد الفاصل بين السرقة التامة والشروع فيها يتجسد بتمام فعل الأخذ، الذي يفترض إخراج الشيء من حيازة المجني عليه و إدخاله في حيازة الفاعل أو أي شخص غيره، منشئاً بذلك حيازة جديدة للشيء كاملة وهادئة ومستقلة عن الحيازة الأولى التي أنهاها، ففي هذه الحالة تعتبر السرقة قد ارتكبت تامة.

    ويترتب على هذا التحديد نتیجتان هامتان و هما :

    1- إن السرقة من مسكن لا تعتبر تامة إلا إذا استطاع السارق مغادرة المسكن حاملاً معه المسروقات.

     أما استيلائه على المسروقات وبقاءه داخل المسكن، والقبض عليه في هذه المرحلة، فإن فعله يبقى في مرحلة الشروع التام في السرقة.

    وتعليل ذلك أن تمام السرقة يتم بنقل الحيازة أو تبديلها وإنشاء حيازة جديدة، وهذا لم يحصل، فمادام السارق موجوداً في المنزل فإن المسروقات التي استولى عليها لا تزال تعد في حيازة حائز المسكن، إذ هو يحوز مسكنه وما فيه.

    إلا أن هذه النتيجة ممكن أن لا تؤخذ على إطلاقها واعتبار السرقة تامة دون مغادرة السارق المسكن بالمسروقات إذا استطاع السارق إخراج الشيء من حيازة المجني عليه بحيث لم يعد في وسعه أن يباشر عليه سلطاته، كما لو كان المال المسروق طعاماً فأكله السارق في المنزل، أو إذا استطاع دفن المسروقات في حديقة المنزل بحيث لم يعد في وسع المجني عليه أن يعثر

    عليها

    2- إذا تنبه صاحب المال المسروق على السرقة وقاوم السارق، فالسرقة تبقى في مرحلة الشروع.

    ذلك لأن المقاومة تعني أن صاحب المال لا يزال متمسكا به، وأنه لم يخرج بعد من نطاق حيازته، حتى لو كان السارق واضعاً يده عليه، فإن المقاومة تبقيه عاجزا عن مباشرة سلطات المالك عليه.

    بالتالي فإن تمام السرقة في هذه الحالة تكون في حالة استطاع السارق أن يتغلب على مقاومة المجني عليه، وأن يخلص بالشيء لنفسه، وتكون له حيازة مستقرة يستطيع بموجبها مباشرة سلطات المالك على الشيء المسروق.

    – وتجدر الإشارة إلى أن عدم وجود المال المنوي سرقته وقت السرقة لا يحول دون قيام الشروع في السرقة طالما أن نية الفاعل قد اتجهت إليها.

    فمن يضع يده في جيب أخر لسرقة نقوده يعتبر شارعا في السرقة وإن تبين أن الجيب كانت خالية من النقود.

     وأن العدول الطوعي عن الشروع في السرقة ينفي الشروع بها إلا أن ذلك لا يحول دون معاقبة الفاعل إذا كانت أفعاله قبل العدول تشكل جرائم بحد ذاتها .

    فلو أن شخصاً مسلحاً دخل منزلا قاصدا سرقته، فاكتشف أن المنزل الشخص فقير، فأنه ضميره على فعلته و عدل عن رأيه بمحض إرادته، فخرج من المنزل، فقبض عليه، فلا يلاحق بجرم الشروع في السرقة لعدوله الطوعي عنها، وإنما يلاحق عن جرم خرق حرمة منزل، وجرم حيازة سلاح دون ترخيص.

    ويختلف الأمر إذا كان العدول قسرية، فهذا العدول لا ينفي الشروع.

     فلو هم سارق بمعالجة قفل سيارة بنية سرقتها أو سرقة محتوياتها، ففوجئ بسيارة شرطة قادمة، فلاذ بالفرار، وطورد حتى قبض عليه، فيسأل عن شروع في السرقة.

     ولكن ما الحل إذا ارتكب الفاعل السرقة تامة، ثم ندم على فعلته، فأعاد المال المسروق لصاحبه، أو دل صاحب المال على المكان الذي أخفى به المسروقات؟

    هذه الحالة ليست في الحقيقة سوى صورة من صور الندم الإيجابي التي عالجتها المادة 200 من قانون العقوبات.

     والتي يمكن تلخيصها بأن الفاعل في هذه الحالة يبقى مسئولاً عن جريمة سرقة تامة، ولكن إن نجحت مساعيه بعد ندمه، فذلك يعتبر ظرف مخففة للعقاب يعود تقديره للقاضي.

     أما إذا لم تنجح مساعيه فلا تخفيف .

    فالسارق الذي يعيد المال لصاحبه، فمساعيه قد نجحت. وذلك بخلاف الحالة التي يدل صاحب المال على المكان الذي أخفى به المسروقات، فيسعى المجني عليه إلى المكان فيفاجأ بأن شخصا أخر قد اكتشف وجودهم فاستولى عليهم .

    فهنا خابت مساعي السارق، فيلاحق عن سرقة تامة دون إمكانية إفادته من طرف الندم الإيجابي.

  • الركن المادي في جريمة السرقة

     

    إن الركن المادي لجريمة السرقة يتجسد، كما عرفته المادة 621 من قانون العقوبات، بالأخذ دون الرضاء.

    وككل الجرائم لا بد أن يتوافر في الركن المادي ثلاثة عناصر:

     النشاط الجرمي – النتيجة – العلاقة السببية التي تربط بين النشاط والنتيجة.

    والنشاط الجرمي في السرقة يتمثل بفعل الأخذ دون الرضاء، أما النتيجة فتتمثل بتبديل الحيازة، بخروج الشيء المسروق من حيازة المجني عليه ودخوله في حيازة السارق أو غيره.

    ويجب أخيراً أن ترتبط النتيجة بالسلوك برابطة سببية، معناها أن يكون انتقال الحيازة سيبه سلوك الفاعل.

    وتتميز السرقة عن غيرها من الجرائم بتداخل واندماج النشاط الجرمي مع النتيجة في التطبيق، بحيث يجتمع في الفعل النتيجة والعلاقة السببية.

    فعندما ترتكب السرقة تامة بالأخذ دون الرضا فإن نتيجتها، وهي تبديل الحيازة، تتحقق مع الفعل وتندمج فيه، بحيث تصبح دراسة الفعل هي دراسة للنتيجة والعلاقة السببية بذات الوقت، بحيث لا يصبح هناك مبرر لدراسة كل عنصر من عناصر الركن المادي بشكل منفصل.

    ولا تتضح أهمية الفصل بين الفعل والنتيجة إلا عندما تتوقف السرقة في مرحلة الشروع، فيكون لدينا الفعل الذي لم تتحقق نتيجته، فيصبح من الضرورة الفصل بينهما في الدراسة.

     و المشرع لم يحدد بنص المادة 621 المقصود بكلمة الأخذ التي يمكن تعريفها بأنها الاستيلاء على الحيازة التامة لمال منقول بدون رضاء مالكه أو حائزه.

    نستخلص من هذا التعريف أن الأخذ لا يقوم إلا إذا توافر عنصران:

    عنصر مادي يتمثل بالاستيلاء على الحيازة.

     وعنصر معنوي يتمثل بعدم رضاء مالك المنقول أو حائزه عن الفعل  .

    الأخذ (الاستيلاء على الحيازة)

    يتوافر الأخذ عندما يقوم الفاعل بنشاط مادي ينقل به المال إلى حيازته، بغض النظر عن الطريقة التي اتبعها، سواء بالخطف أو النقل أو النزع أو السلب.

    المهم في ذلك أن يتم الاستيلاء على المنقول بنشاط الفاعل، ولكن ليس من الضروري أن يكون هذا الاستيلاء بيده.

     فيعد سارقاً من يدرب قرداً على النشل ويطبقها القرد فعلا.

     كما يعد سارقاً من يطلب من نادل في مطعم أن يناوله معطفاً موضوع على مقعد موهما إياه أنه صاحبه، فيناوله النادل المعطف بحسن نية، فيستولي عليه ويفر به.

    كذلك يكفي أن يهيئ السارق أسباب انتقال الحيازة إليه، كمن يحول مجرى مياه جاره إلى أرضه، بإزالة عقبة أو عائق، حتى تتحدر إليها عند ورودها.

    بيد أنه يشترط لاعتبار الفاعل سارقاً أن ينقل الشيء إلى حيازته، أما إذا أعدمه في مكانه، بإحراقه مثلا أو أطلقه، كما لو كان طائراً في قفص وفتح له الباب فطار، فلا يعد الفاعل سارقاً. والاستيلاء الذي يقوم به الأخذ هو الاستيلاء على الحيازة التامة.

     والحيازة التامة تعطي صاحبها على الشيء المحاز كافة سلطات المالك على ملکه، بغض النظر إذا كانت مستندة إلى حق مشروع الملكية، أو غير مشروع كالسرقة.

     وللحيازة التامة عنصران: عنصر مادي ويعني السيطرة المادية على الشيء، وعنصر معنوي معناه إرادة الحائز التصرف بالشيء تصرف المالك.

    إذن، فالاستيلاء الذي يقوم به الأخذ، ويلاحق بموجبه الفاعل عن جرم السرقة هو الاستيلاء على الحيازة التامة بعنصریها المادي والمعنوي.

    أي أن يستولي الفاعل مادياً على الشيء، مريداً إنهاء حيازة صاحبه عليه و إنشاء حيازة جديدة له أو لغيره، متصرفاً بالمال تصرف المالك.

     أما إذا كان الاستيلاء على الحيازة الناقصة، مريدا استعمال الشيء فقط، وإعادته لمالكه، فلا تقوم بذلك السرقة، لأن الفاعل لم ينكر ملكية صاحب المال.

     ومن هذا القبيل أيضا الاستيلاء على اليد العارضة، فمن يستولي على مال منقول بهدف معاينته أو فحصه ويعيده مباشرة لصاحبه، لا يعتبر سارقة أيضا.

     يستخلص من تحديد الأخذ استنادا لهذا المفهوم نتيجتان:

    الأولى: أن الأخذ لا يتوافر إذا كان الشيء في حيازة المدعى عليه بشكل مسبق.

     الثانية: أن التسليم ينفي الأخذ.

    أولا- الحيازة المسبقة للمدعى عليه.

    فعندما يكون الشيء المنقول في حيازة المدعى عليه ابتداء، ويمتنع عن رده إلى مالكه أو حائزه، متصرفاً به تصرف المالك، فلا يعد سارقاً له لأنه لم يحصل منه أخذ.

     فالبائع الذي يرفض تسليم المبيع إلى المشتري بعد قبضه للمنه، لا يعد سارقا له، لأنه لم يخرج من حيازته أصلاً ويأخذه من المشتري خفية أو عنوة.

    أما لو سلمه المبيع ثم قام بالاستيلاء عليه بعد ذلك، فهنا يكون قد فقد حيازته للشيء بتسليمه، فيعد سارقا له.

    وكأمثلة أخرى لهذه الحالة، إذا كان الشيء المنقول في حيازة شخص ونازعه الغير على ملكيته، وحكم لهذا الغير بأحقيته بملكيته، فرفض تسليمه، فلا يعد سارقاً له لأنه ظل محتفظاً بحيازة الشيء أثناء المنازعة على الملكية، فانتفي بذلك الركن المادي للسرقة المتمثل بالأخذ. أو إذا كان الشخص يحوز الشيء بناء على عقد ائتماني، كالإيجار أو العارية، وانتهت مدة العقد، فوجب عليه رد المال للمؤجر أو المعير، فرفض رده ناكر ملكيته له، ومتصرفا به تصرف المالك، فهذا لا يعد سارقاً أيضا لأنه لم يتنازل عن الحيازة أصلاً ثم يستولي على الشيء بعد ذلك كي يعد سارقاً.

     ففي هذا المثال يعتبر الفاعل مرتكباً لجرم إساءة الائتمان.

    ثانيا – التسليم النافي للأخذ.

    إن تسليم الشيء المنقول يمنع توافر عنصر الركن المادي، المتمثل بالأخذ.

     فالتسليم يتعارض مع فكرة سلب الحيازة أو الاستيلاء عليها. والتسليم المسبق ينفي الأخذ سواء كان حر، أو كان مبنية على غلط، أو كان مشوبة بالغش والخداع. إلا أنه ليس كل تسليم ينفي الأخذ، بل لا بد أن يتوافر به ثلاثة شروط مجتمعة.

    شروط التسليم النافي للأخذ

    لا بد أن يتوافر في التسليم النافي للأخذ الشروط التالية: الصفة – الإرادة الحرة المميزة – التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة.

    1- الصفة.

    كي ينفي التسليم الأخذ يجب أن يكون حاصلا من شخص له صفة على الشيء فينقل بموجب هذه الصفة حيازة المال، وشرط الصفة يتوافر بمالك الشيء أو حائز.

     ففي المثال السابق عن النادل والمعطف، فصحيح أن النادل سلم المعطف إلى الزبون السارق، إلا أن هذا التسليم لا ينفي الأخذ باعتبار أن النادل ليس بذي صفة على هذا المعطف، فهو ليس إلا أداة استخدمها الزبون في سرقة المعطف بدل أن يأخذه بيده مباشرة.

     إلا أن الأمر يختلف إذا كان هذا النادل قد تسلم المعطف من صاحبه على سبيل الأمانة، فيصبح ذا صفة على المعطف، وهو ما يجري عليه العمل ببعض المطاعم الراقية، ويدعى (الفيستيير – vestiere)، حيث يسلم الزبون معطفه للفيستيير فيسلمه الأخير کرتاً مرقماً يستطيع بموجبه استلام معطفه عند مغادرة المكان.

    فلو أخطأ الفيستيير وسلم المعطف الزبون آخر غير صاحبه، فهذا الزبون لا يعتبر سارقاً للمعطف إذا اكتشف الأمر وسكت عنه، لأنه استلمه من صاحب صفة عليه، وهذا التسليم ينفي الأخذ.

    2- الإرادة الحرة المميزة

    يجب أن يكون التسليم النافي للأخذ صادرة عن شخص ذي صفة باختياره وبإرادته الحرة، ومدرك للآثار القانونية للعمل الذي يقوم به. فلا عبر بتسليم المكره والصبي غير المميز والمجنون والمعتوه.

     فالتسليم في هذه الأحوال هو تسليم أني لا يعتد به. فمن تسلم منقولا من مكره أو مجنون واستولى عليه متصرفا به تصرف المالك يعتبر سارقاً.

    3- التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة

    إن التسليم الذي ينفي ركن الأخذ في جريمة السرقة هو الذي ينقل الحيازة كاملة بقصد التخلي نهائيا عن حيازة الشيء، أو هو التسليم الذي ينقل الحيازة الناقصة، وهي الحيازة على سبيل الأمانة بموجب إحدى العقود الائتمانية.

    أما مجرد التسليم المادي الذي لا ينقل حيازة، تامة أو ناقصة، وتكون به يد المستلم على الشيء يد عارضة فلا ينفي الأخذ. والحيازة التامة، كما أسلفنا ، تعطى صاحبها على الشيء المحاز ممارسة كافة سلطات المالك على ملکه، بغض النظر إذا كانت مستندة إلى حق مشروع كالملكية، أو غير مشروع كالسرقة .

    وللحيازة التامة عنصران: عنصر مادي ويعني السيطرة المادية على الشيء، و عنصر معنوي ويعني إرادة الحائز التصرف بالشيء تصرف المالك.

    أما الحيازة الناقصة فتكون للشخص الذي يتوفر في حيازته للشيء العنصر المادي فقط، أي السيطرة على الشيء، دون عنصرها المعنوي.

     وهي الحيازة على سبيل الأمانة بموجب إحدى العقود الائتمانية كالوديعة و العارية والإيجار والرهن…

     والحائز على سبيل الأمانة إنما يحوز الشيء لحساب مالكه بناء على عقد يلتزم برد الشيء عند نهاية مدته، مما يستبعد معه أي إدعاء من جانبه بملكية الشيء .

    أما اليد العارضة فلا تعتبر نوعا من الحيازة، بل هي مجرد وضع يد مادي على الشيء دون أن يكون لواضع اليد أي حق أو سلطة على الشيء .

     و الحيازة تبقى لمن سلم الشيء، أما المستلم فيكون اتصاله بالشيء اتصلا مادية بحتاً، أي يكون الشيء عرضاً بين يديه ويتوجب عليه أن يرده بعد وقت يسير ، ويخضع دوما لرقابة من له الحق على الشيء.

     ومن أمثلتها حالة الجمال الذي يحمل للمسافر حقيبته في المطار أو في محطة القطار تحت بصره ورقابته، والخادمة في المنزل بالنسبة لمحتوياته، والعامل في المصنع بالنسبة للأدوات التي يستخدمها أثناء عمله، ومن هذا  القبيل أيضا من يتناول شيئا لمعاينته أو لتفحصه أو لتقدير ثمنه، كمالك السيارة الذي يسلمها إلى آخر لفحصها وتجريبها تمهيدا لشرائها، وصاحب محل المجوهرات الذي يسلم قطعة ذهبية لزبون أو زبونة ليعاينها قبل شرائها.

    إلا أن التسليم لا يشترط أن يكون حقيقياً كما في الأمثلة السابقة، بل قد يكون التسليم حكمياً، من هذا القبيل الأدوات التي يقدمها صاحب المطعم للزبائن و الفندق للنزلاء ومتاع المنزل بالنسبة للضيوف، ففي هذه الحالات جميعا إذا  استولى صاحب اليد العارضية على الشيء يعتبر سارقاً له.

    وتطبيقا لما سبق شرحه، لو أن مالكة لمنقول سلمه إلى شخص آخر، فإن الاحتمالات التي نواجهها تكون كالتالي:

    – إذا كان التسليم بقصد التخلي النهائي عن المنقول، فهو تسليم ناقل للحيازة التامة، بالتالي فالمستلم لا يعد سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك.

     – إذا كان التسليم بقصد الإعارة أو الوديعة أو الإيجار، فهو تسليم ناقل للحيازة الناقصة، إذا فالمستلم لا يعد سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك، بل مسيئا للأمانة.

    – إذا كان التسليم بقصد المعاينة أو الفحص أو تقدير قيمة الشيء أو القيام بعمل معين تحت إشراف ورقابة المسلم, أو كان التسليم حكمياً، كحالة متاع المنزل بالنسبة للضيوف، وأدوات المطعم والفندق بالنسبة للزبائن والنزلاء، فهو تسليم يد عارضة، بالتالي إذا استولى المستلم على الشيء مريداً التصرف به تصرف المالك، يعتبر سارقا له، لأن تسليم اليد العارضة لا يعتبر تسليماً ناقلاً للحيازة التامة أو الناقصة.

     باختصار، فإن التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة ينفي ركن الأخذ، إذا ينفي جرم السرقة. أما تسليم اليد العارضة فيقوم به ركن الأخذ، وبالتالي جرم السرقة.

    – وبالرغم من وضوح فكرة اليد العارضة، فإن تطبيقها في بعض الحالات يثير التساؤل حول حكمها.

     كحالة تسليح شيء بداخله شيء آخر يجهله المسلم، وحالة متاع المنزل بالنسبة للزوجين والأولاد.

     – من صور الحالة الأولى أن يسلم زبون معطفه لصاحب محل تنظيف الثياب، فيكتشف صاحب المحل وجود مبلغ من المال، أو خاتم ثمين، في جيب المعطف، فيستولى عليه، فهل يعتبر سارقا له؟

    ما من شكك في أن تسليم الزبون لمعطفه هو تسلیم ناقل للحيازة الناقصة، فإذا استولى صاحب المحل على المعطف عد مسيئا للائتمان.

     إلا أن هذا التسليم الناقل للحيازة الناقصة يتناول المعطف فقط، باعتبار أن صاحبه يجهل وجود المبلغ أو الخاتم بداخله، بالتالي فلا وجود للتسليم أصلا بالنسبة لهما، باعتبار أن من خصائص التسليم أنه إرادي.

    إلا أن عدم وجود التسليم لا يعني أن الاستيلاء عليهما يشكل جرم السرقة، فصاحب المحل لم يقم بأي نشاط إيجابي ينقل به حيازة الشيء من صاحبه إلى حيازته أو حيازة غيره، بل دخل الشيء في حيازته بصورة طارئة نتيجة عدم علم صاحب المعطف بوجود المبلغ أو الخاتم بداخله.

     فحكم هذه الحالة يطاله نص المادة 659 الخاص بالأشياء الضائعة أو المفقودة، السالفة الذكر، وهي من الجرائم الملحقة بإساءة الائتمان، كل من استملك أو اختلس …..أي شيء منقول دخل في حيازته…… أو بصورة طارئة أو بقوة قاهرة عوقب بالحبس……

    أما بالنسبة لحالة متاع المنزل، فما من شك بأن يد الابن على المنقولات المملوكة لوالده يد عارضة، فإذا استولى على أي شيء منها عد سارقا له، إلا إذا سلم إليه على سبيل الأمانة .

     أما عن حالة الزوجين، فإذا كان المال خاصة بأحدهما، كالنقود، واستولى عليه الأخر عد سارق له .

    أما إذا كان المال في حيازته على سبيل الأمانة، فاستولى عليه متصرفاً به تصرف المالك، عد مسيئا للائتمان، وإذا كان المال مملوكة للزوجين معا وفي حيازتهما معا في نفس الوقت، فيعتبر كل منهما في هذه الحالة أمينة على حصة الأخر من المال، فإذا استولى عليه وتصرف به تصرف المالك اعتبر مسيئا للائتمان.

    – ومتى كان التسليم ناقلاً للحيازة الكاملة أو الناقصة فإنه ينفي السرقة لانتفاء ركن الأخذ ولو بني على غلط، أو كان نتيجة غش أو خداع.

    أ- التسليم الناشئ عن غلط.

    يخلط الشخص عندما يتوهم أو يعتقد بما يخالف الحقيقة والواقع. والتسليم الناشئ عن غلط قد يكون في ذات الشيء أو في قيمته أو كميته أو في شخص المستلم.

    ومن أمثلة الغلط في ذات الشيء أن يرد کواء إلى زبون عنده معطف غير معطفه ظان أنه له فيأخذه الزبون مع علمه بالغلط الذي وقع به الكواء.

     أو يرد مصلح الساعات لزبون ساعة زبون آخر فيأخذها الزبون مع علمه بالغلط الذي وقع به المسلم.

    ومن قبيل الغلط في قيمة الشيء أو كميته أن يسلم المشتري للبائع ورقة من فئة الخمسمائة ليرة ظنا منه أنها من فئة المائة ليرة فيأخذها البائع وهو يعلم بما وقع به المشتري من غلط.

    أو أن يسلم المدين لدائنه أكثر من الدين المستحق عليه متوهم أن ما سلمه هو قيمة الدين، فيستلم الدائن المبلغ وهو عالم بالغلط الذي وقع به المدين.

    ومن أمثلة الغلط في شخص المستلم أن يسلم شخص بضاعة لأخر معتقدا أنه صاحب الحق فيها، أو أن يوفي المدين بدين عليه إلى شخص يظنه دائنه، فيستلم الشخص البضاعة أو الدين ويسكت عن الغلط الذي وقع به المسلم.

    ففي هذه الأمثلة عندما يمتنع المستلم عن رد الشيء، ويتصرف به تصرف المالك، فلا يعد سارقا، لأن التسليم هنا ينفي الأخذ، فهو قد تم عن إدراك واختيار من ذي صفة وناقلا للحيازة.

    وليس من شك في أن القانون المدني يجيز لمن وقع في غلط من هذا النوع أن يبطل التصرف إذا كان الطرف الأخر عالما بالغلط، ولكن ما يعنينا هو موقف القانون الجزائي بهذا الخصوص.

     ولقد حسم المشرع السوري هذه المسألة باعتباره الفاعل مرتكبا للجريمة الواردة في المادة 659 من قانون العقوبات، وهي من الجرائم الملحقة بإساءة الائتمان، كما أسلفنا، ونصها

     “1- كل من استملك أو اختلس، أو رفض أن يرد، أو كتم لقطة، أو أي شيء منقول دخل في حيازته غلط، أو بصورة طارئة، أو بقوة قاهرة، يعاقب بالحبس حتى سنة وبغرامة….

    ب- التسليم الناشئ عن غش أو خداع

    لاحظنا في التسليم الناشئ عن غلط أن موقف المستلم يكون فيه سلبياً.

     فالمسلم هو الذي يقع بالغلط من تلقاء نفسه. أما في حالة التسليم الناشئ عن غش أو خداع فموقف المستلم هنا مختلف، فلا يقتصر على موقف سلبي منه بعلمه بالغلط والسكوت عنه، وإنما يقوم بإيقاع المستلم في الغلط، بالكذب عليه و غشه، مما يدفعه إلى تسليمه المال.

    وهذا الغلط بدوره قد ينصب على ذات الشيء أو على قيمته أو كمیته أو على شخص المستلم. والتسليم الناشئ عن الغش يأخذ حكم التسليم الناشئ عن الغلط بكونهما ينفيا الأخذ، ولا يعد المستلم فيهما سارقاً، لأن إرادة المسلم، بغض النظر عما شابها من عيب، قد اتجهت فعلا إلى نقل الحيازة.

     وقد يقتصر الغش في هذه الحالة على مجرد التدليس وفق المفهوم المدني، الذي يعطي المتضرر منه الحق بإيطال التصرف أو العقد أمام القضاء المدني.

    وقد يتجاوز الغش المفهوم المدني إذا ترافق مع وسائل احتيالية أوقعت المسلم بالغلط ودفعته إلى تسليم المال، فهنا نكون أمام جريمة احتيال إذا توافرت سائر أركانها.

     إذاً المعيار الذي يمكن اعتماده هنا هو درجة الغش.

    فإذا  كان الغش يسيراً فقد لا تقوم به جريمة، أما إذا كان جسيما، فهو يشكل جرم الاحتيال  ومن قبيل ذلك أن يستولي الشخص على مال غيره مقابل إيداع شيء لديه على سبيل الرهن ثم يتضح فيما بعد أن ما أودعه عديم القيمة.

    أو أن يشتري الشخص سلعة ويدفع ثمنها بورقة مالية لم تعد قابلة للتداول قانوناً موهماً البائع بأنها ورقة نقد متداولة.

     أو يعرض الشخص على أخر سلعة تافهة موهما إياه بأنها ذات قيمة كبيرة، ويطلب ثمناً كبيراً زاعما أن الصفقة في مصلحة الشخص الأخر ويستولي بذلك على مال قيمته أضعاف قيمة السلعة.

     ففي جميع هذه الحالات يكون هناك تسليما نافية للأخذ، ولكن الفعل قد يشكل جرم احتيال إذا توافرت سائر أركانه الأخرى.

     

    عدم الرضا

    إضافة لوجوب توفر الأخذ المتمثل بالاستيلاء على الحيازة التامة، لا بد لاكتمال عناصر الأخذ، أن يتم الاستيلاء دون رضاء المالك أو الحائز للمال.

     وهذا ما أفصح عنه نص المادة 621 بتعريفه للسرقة “بأخذ مال الغير المنقول دون رضاه “. وبتوافر هذين العنصرين يكتمل الركن المادي للسرقة.

    أما إذا تحقق العنصر الأول، أي الاستيلاء على المال، ولكن برضاء المالك أو الحائز ، فينتفي بذلك الأخذ، ولا تقوم بالتالي جريمة السرقة .

    ورضاء المالك كاف لانتفاء السرقة سواء كان المال في حيازته أو في حيازة غيره.

    أما إذا كان المال في حيازة غير المالك، فإن رضاء كل من المالك أو الحائز على حدة يكفي لانتفاء الأخذ.

     فلو أن مستأجرة المنقول قام بتسليمه الشخص أخر، دون رضاء المالك، فلا يعد من استلمه سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك.

     ولكنه قد يسأل مع المستأجر عن جريمة إساءة الائتمان.

     أما لو قام المالك بتسليم المنقول المؤجر إلى شخص آخر، دون رضاء المستأجر، فلا يعد من استلمه سارقا له، ولا يستطيع المستأجر العودة على المؤجر إلا بدعوى مدنية، كتنفيذ العقد أو فسخ العقد، دون إمكانية ملاحقة المالك و المستلم بدعوى جزائية، ما دام المالك قد تصرف بملكه، ولكنه يكون قد خالف شروط عقد الإيجار.

    أما إذا كان المال في يد عارضة فلا عبرة بالرضا الصادر عن صاحبها . فاليد العارضة لا تعطي صاحبها أي حق أو سلطة على الشيء، فإذا قام بالاستيلاء على الشيء عد سارقاً له، وإذا سلم الشيء لشخص أخر، يعتبر الشخص الأخر سارقاً أيضا، إذا كان يعلم بطبيعة حيازته للمال .

    فالحمال في المطار أو في محطة القطار تعتبر بده عارضة على الحقيبة التي يسلمه إياها المسافر، بالتالي لا يعتد برضائه بتسليم الحقيقية لشخص أخر، لأن الرضا يكون في هذه الحالة لصاحب الحقيبة.

    وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة 621 أشار إلى عدم الرضا وليس عدم العلم.

    نستنتج من ذلك أن لا تلازم بين عدم الرضا و عدم العلم .

    فالمطلوب عدم الرضا ولو كان المجني عليه يعلم بفعل الأخذ.

     وهذه الحالة تتوفر في السرقة بالإكراه، أو عند عدم اعتراض المجني عليه واستدراجه للسارق ليتمكن من القبض عليه متلبساً .

     ففي هذه الحالات يعتبر الفاعل سارقا، بالرغم من علم المجني عليه بالسرقة، وذلك لانتفاء رضاءه. وعلى العكس من ذلك فقد يأخذ الفاعل المال دون علم صاحبه، ولكن ظروف الحال تثبت أنه كان راض عن أخذه، فلا تقوم بذلك السرقة.

     فصاحب الدار لا يرى ضيوفه وهم يأكلون من ثمار حديقته ولكن ظروف الحال يستدل منها على موافقته.

    والأب لا يبصر ولده وهو يستولي على بعض ماله، ولكن طبيعة العلاقة بينهما تدل على أن الأب راض بفعل ابنه في حدود معينة.

    والرضا ينتج أثره في نفي السرقة ولو كان الفاعل لا يعلم به.

     فعدم الرضا من المالك أو الحائز هو أحد عناصر الركن المادي الذي ينتج أثره دون اشتراط علم الفاعل به.

     فقد يقدم شخص على الاستيلاء على مال مملوك للغير، ويكون هذا الغير راضيا بذلك، فلا يعتبر الفعل سرقة إلا بنظر الفاعل.

    ويستوي في عدم الرضا أن يكون صريحاً أو ضمنياً. ويمكن استخلاص عدم الرضا الصريح من تمسك المجني عليه بالمال ومقاومته للسارق.

    أما عدم الرضا الضمني فيمكن استخلاصه من ظروف وملابسات الواقعة، كعدم المقاومة نتيجة خوف المجني عليه من أن يلحق السارق به الأذى، أو وجود المال في خزنة محكمة الإغلاق، احتاج السارق لفتحها استخدام أدوات مخصوصة.

    وغني عن البيان أن الرضا النافي للأخذ يشترط فيه أن يصدر من ذي صفة وهو المالك أو الحائز حيازة ناقصة، وأن يكون صادرة عن إرادة مميزة حرة، كما أشرنا سابقا في التسليم النافي للأخذ، فلا قيمة للرضا الصادر عن مجنون أو معتوه أو صبي غير مميز أو مكره. والعبرة في توافر الرضا النافي للأخذ هو وقت فعل الأخذ، أما إذا كان لاحقا للفعل فهو لا ينفيه، ولا يمنع من قيام السرقة. فلو أقدم شخص على سرقة مال مملوك للغير دون رضاه، ثم صفح عنه، أو رضي أن يحتفظ بالمال المسروق، فهذا لا ينفي عن الفعل وصف السرقة.

  • هل يشكل الاستيلاء على الأشياء المباحة أو المتروكة أو الضائعة جرم السرقة؟

    لا يكفي لاعتبار الشخص سارقاً أن يكون الشيء المسروق غير مملوك له، وإنما يجب فضلا عن ذلك أن يكون الشيء مملوكاً لشخص أخر عند الاستيلاء عليه.

     يبني على هذا أن الأشياء التي لا مالك لها لا تكون محلا للسرقة، وهي الأشياء المباحة والمتروكة.

    أما الأشياء التي خرجت من حيازة أصحابها ماديا ولكنها بقيت في ملكيتهم تكون محلاً للسرقة، وهي الأشياء المفقودة أو الضائعة.

    1- الأشياء المباحة والمتروكة

    – الشيء المباح هو الشيء الذي لا مالك له، ولم يكن في وقت مملوك لأحد، والاستيلاء عليه سبب من أسباب کسب الملكية يقره القانون ويرتب عليه آثاره. فالماء والكلأ، والحيوان في الغاب أو الصحراء، والسمك في الماء، والطير في الهواء، كلها أشياء مباحة إذا سبقت إليها يد إنسان فحازها ملكها، فإذا استولى عليها شخص أخر منه كان فعله سرقة.

    ولكن الطيور المستأنسة والحيوانات الأليفة لا يسري عليها هذا الحكم، فهي لا تعتبر مالاً مباحاً ولو خرجت من يد صاحبها، لأن حق الملكية يلازمها، وإنما يسري عليها حكم الأشياء المفقودة أو الضائعة.

    وكذلك لا تعتبر أموالاً مباحة المال العام أو الخاص المملوك للدولة، مثل الشوارع والساحات والحدائق العامة والأبنية الحكومية والآثار.

     فهذه جميعها تصلح محلا لجرم السرقة. كمن يستولي على إحدى الأوابد التاريخية.

     – أما الأشياء المتروكة، فهي المنقولات التي يتخلى عنها مالكها بقصد النزول عن ملكيته. مثالها ما يفرغه المتعهدون من الأتربة أو بقايا تعهدات البناء، أو الأشياء التي يلقيها أصحابها في الحاويات، أو يضعونها أمام منازلهم كي يتلقفها أشخاص بحاجة إليها، كأدوات منزلية أو كهربائية أو ملبوسات أو بقايا طعام.

     فهذه أشياء لا يشكل أخذها سرقة، باعتبار أن مالكها قد تخلى تماما عن ملكيته لها، وأصبحت بحكم الأشياء المباحة التي لا مالك لها.

    2- الأشياء الضائعة والكنز

    إن الاختلاف واضح بين الأشياء المياحة والمتروكة وبين الأشياء الضائعة أو المفقودة.

     فالأولى لا مالك لها، بينما  الثانية فملكيتها ثابتة لصاحبها . فضياع المال لا ينهي ملكية من ضاع منه، فهو فقد حيازته المادية للمال مع بقائه قانونا مالكة له.

    ويبني على ذلك أن مالك المال المفقود له الحق قانوناً باسترداد ماله ممن يوجد بين يديه ولو كان قد اشتراه من الغير بحسن نية.

    لكن هل يعتبر من التقط مالاً مفقوداً واحتفظ به سارقا له؟

    في الواقع إن السرقة هي اعتداء على الملكية وعلى الحيازة.

     فقد يسرق المال ليس من يد مالكه بل من يد حائزه فقط، كما لو سرق المال المؤجر أو المعار أو المودع…

    والسرقة تفترض نشاطاً إيجابياً من السارق ينقل بواسطته المال من حيازة إلى حيازة.

    أي ينهي حيازة الحائز وينشئ للمال حيازة جديدة.

     ففيما يتعلق بالمال المفقود، أو اللقطة كما يطلق عليها المشرع السوري، فإن ملتقط المال لم يقم بأي نشاط إيجابي ينهي به حيازة المالك وينشأ لنفسه أو لغيره حيازة جديدة كي يعتبر سارقاً. والشيء المفقود لم يعد في حيازة أحد، ومن ثم لا يتحقق بالاستيلاء عليه الاعتداء على حيازة الغير الذي تفترضه السرقة.

     وما قلناه يصح أن يقال أيضاً في الكنز، فالكنز، الذي لم تثبت ملكيته لأحد، هو ملك مشترك بين مالك العقار الذي وجد به، ومكتشفه ولو لم يكن مالكة للأرض المدفون بها الكنز، والدولة.

    وعليه فمن يكتشف کنزا فيستولي عليه كاملا، فهو بذلك يعتدي على ملكية غيره، ولكنه لا يعتدي على حيازة غيره، فالكنز ليس في حيازة أحد.

     لذلك أخرج المشرع السوري هاتين الصورتين من الاستيلاء على مال الغير من نطاق السرقة، واعتبرها جريمة خاصة ملحقة بإساءة الائتمان وليست إساءة ائتمان، وفق المادة 659 من قانون العقوبات التي تنص على أن:

    “1- كل من استملك أو اختلس أو رفض أن يرد أو كتم لقطة أو أي شيء منقول دخل في حيازته غلطاً أو بصورة طارئة أو بقوة قاهرة، يعاقب بالحبس حتى سنة وبغرامة….

    2- تسري أحكام هذه المادة على من أصاب کنزاً بما يتعلق بالنصيب العائد لغيره”.

  • شرط أن يكون المال مملوكاً للغير في جريمة السرقة

    القاعدة أن الإنسان لا يسرق ماله.

     فالسرقة هي اعتداء على الملكية، وهذا الاعتداء لا يمكن تصوره إلا إذا أصاب مالا غير مملوك للسارق.

     إلا أنه لا يكفي لقيام السرقة أن ينصب الاعتداء على مال غير مملوك للسارق، بل يجب أن يكون المال مملوكة للغير وقت الاستيلاء عليه.

    وبذلك يتحلل هذا الشرط إلى عنصرين: عدم ملكية السارق للشيء، وملكية الغير للشيء.

    أولا- أن يكون المال غير مملوك للسارق.

    السرقة جريمة من جرائم الاعتداء على المال بقصد تملكه.

    فلا يتصور إذن حصولها من مالك. ويبني على هذا أن من يستولي على ماله لا يكون سارقاً ولو اعتقد أن المال يملكه غيره.

     فإذا تسلل شخص إلى منزل عائلته وسرق منه مالاً مملوكاً لأبيه فإنه لا يعد سارقاً إذا تبين بعد ذلك أن الأب كان قد توفي وقت الاستيلاء على المال، وأن هذا الابن هو وارثه الوحيد.

    وإذا كان المال المملوك للمدعى عليه في حيازة غيره فاسترده خفية أو عنوة فلا تقوم بفعله سرقة.

    وعلى ذلك فالمؤجر الذي يستولي على الشيء المؤجر قبل انتهاء مدة عقد الأجار لا يعد سارقا ولو كان المستأجر قد أدى الأجرة كاملة.

    وينطبق هذا الحكم على المعير والمودع أيضا.

     فهؤلاء لا يعتبرون سارقين إذا استردوا أموالهم من حائزيها ولو كانت لهؤلاء الحائزين تجاه المالك حقوق تخولهم الاحتفاظ بحيازة المال، فهم يستولون على ما يملكون.

    وإذا كان الاستيلاء على المال في الحالات السابقة لا يعد سرقة، فمن باب أولى أن تأخذ نفس الحكم فرضية انتزاع المالك ماله ممن سبق له سرقته منه، لأن سرقة المال لا تجرد صاحبه حق ملكيته وإن سلبته حيازته.

     وعلى ذلك فالمالك حين يسترد ماله ممن سرقه لا يعد سارقاً لأنه يستعيد بفعله مالا يملكه ولا يستولي على مال مملوك للغير.

     إلا أن الأمر يختلف عند إقدام شخص على سرقة مال مسروق ممن سرقه.

    فهذا الشخص يعتبر بدوره سارقاً، لأن في فعله اعتداء على ملكية مالكه الشرعي، ولا عبرة بكون حائزه غير ذي حق، فالمجني عليه هو المالك..

    وتطبيقا لذات الحكم فإن من يستولي على أشياء غير مرخص للأفراد بحيازتها، كالمخدرات، يعتبر سارقا لها.

     فبالرغم من أن القانون لا يعترف بملكية حائزها لها، فهي محل الملكية عامة هي ملكية الدولة لها، إذ أن مصادرتها حتمية، ومن ثم فالفعل يشكل اعتداء لا شك فيه على هذه الملكية .

     إلا أنه إذا كان الفاعل لا يعاقب على الاستيلاء على ماله، فهذا لا يعفيه من المسئولية عن الأفعال التي قد يرتكبها في سبيل الحصول على ماله إذا كانت تشكل جرائم أخرى.

     فهو يؤاخذ على الإكراه أو العنف الذي يصاحب الفعل، أو على انتهاكه حرمة ملك الغير في سبيل الحصول على المال وهكذا.

    و إذا ثبت عدم ملكية المدعى عليه الشيء الذي استولى عليه فإنه يعد سارقاً له ولو كانت له حقوق تجاه مالك الشيء فقام بالاستيلاء على المال مقابل تلك الحقوق.

    فالدائن الذي يستولي على مال مملوك لمدينة وفاء لدينه يعتبر سارق ولو كان ما أخذه يساوي قيمة الدين .

    وكذلك المؤجر الذي يستولي على محصول الأرض المؤجرة أو بعض منقولات المستأجر مقابل الأجرة، والعامل في مصنع الذي يستولي على أدوات من المصنع نظير ما بقي له من أجر لدى صاحب العمل. والسبب في ذلك أن القانون قد نظم طرقا وإجراءات خاصة لاستيفاء الحقوق، وعلى صاحب الحق اللجوء إلى هذه الطرق لاستیفاء حقه.

    ويطبق هذا الحكم أيضا ولو كان الفاعل مالكا بطريق الاشتراك مع غيره.

    و على ذلك يعتبر سارقاً الشريك الذي يستولي على جزء من البضائع من الشركة أو على أي شيء من أشياء الشركة.

    والسبب في ذلك أن الشريك ليس بمالك للشيء المشترك ملكية خالصة حتى يقال أنه استولى على ملكه، وإنما  يشارك الشريك الأخر في كل جزئية من جزئيات المال المشترك.

    أما في ما يتعلق بالملكية الشائعة بالميراث، أي حالة مجموعة من الورثة يملكون على الشيوع مال المورث، فإن قيام أحد الورثة، قبل القسمة، بالاستيلاء أو التصرف بشيء من أشياء التركة الشائعة يعتبر سرقة برأي الفقه الجزائي استنادا لذات الحجة المتعلقة بالشراكة.

     فالوريث على الشيوع ليس بمالك للشيء ملكية خالصة، وإنما يشاركه الورثة الأخرين في ملكية كل جزئية من جزئيات المال المشاع.

    بيد أن المشرع السوري، والاجتهاد القضائي في سورية، يعتبر هذا التصرف إساءة للائتمان وليس سرقة.

     فلقد نصت المادة 850 من القانون المدني على أن يعاقب بعقوبة إساءة الائتمان كل من استولی غشاً على شيء من أشياء التركة ولو كان وارثا”.

    ومن التطبيقات القضائية بهذا الخصوص ما جاء في حكم محكمة النقض “أن السرقة هي أخذ مال الغير المنقول بدون رضاه، ولذلك فإن أخذ الوارث شيئا من أموال التركة لا يوصف بأنه سرقة لأنه أخذ مال غيره بصورة شائعة، والشبهة في ذلك تفسر لمصلحته، وهذا ما أشارت إليه المادة 850 من القانون المدني إذا اعتبرت الاستيلاء بطريق الغش على شيء من التركة إساءة للأمانة”.

    أما الشيء المتنازع عليه، فإذا كانت ملكية المال المدعى بسرقته متنازعا عليها بين المدعى عليه والمدعي، فإن اعتبار المدعى عليه سارقا أم لا يتوقف على الفصل في مسألة الملكية.

     فإن قضي باعتبار المدعى عليه مالكه الوحيد فلا سرقة في فعله لأنه لم يعتدي على ملكية غيره، أما إذا قضي باعتبار الشيء ملكا للمدعي وحده أو قضي باعتباره مشتركة بينهما فهو سارق له لأنه اعتدى على ملكية غير.

  • ركن رجريمة السرقة بأن يكون محل السرقة منقولاً

    جاء في المادة 621 من قانون العقوبات أن السرقة هي “أخذ مال الغير المنقول…“.

     فالسرقة لا تقع على عقار.

    فمن يستولي على عقار غيره بنية تملكه يعتبر مرتكبا لجرم غصب العقار حسب المادة 723 من قانون العقوبات وليس مرتكبا لجرم السرقة.

     وبالرغم من أن التمييز بين المنقول والعقار هي من موضوعات القانون المدني، فإن للمنقول في القانون الجزائي معنى قد يختلف عن معناه في القانون المدني.

     فللمنقول في القانون المدني صورتان:

    فهو إما منقول بطبيعته، ويتمثل بكل شيء مادي يقبل الحركة والنقل من مكانه دون تعرضه للتلف.

    وإما منقول بحسب المال، ويتمثل بالعقار الذي سيصبح منقولا، كالأشجار المعدة للقطع والمباني المهيأة للهدم والمحاصيل الزراعية التي مالها الحصاد.

    أما العقار في المفهوم المدني فهو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف. ويدخل في هذا المفهوم، إضافة للعقار بطبيعته كقطعة أرض أو بناء أو مسكن، العقار بالاتصال، وهو المنقول بطبيعته الذي يتصل بالعقار اتصالاً مادياً فيحمل اسمه ويأخذ حكمه، كأبواب المنازل ونوافذها .

     و العقار بالتخصيص، وهو المنقول بطبيعته الذي سخر لخدمة العقار کالات المصنع.

     أما القانون الجزائي، فإن كان يتبنى الفكرة الأساسية التي يقوم عليها المفهوم المدني في التمييز بين المنقول والعقار ، إلا أنه لا يتقبل جميع نتائجها، ويرفض جانبا منها.

    ففي المفهوم الجزائي يعتبر منقولاً قابلاً للسرقة كل مال يمكن تغيير موضعه، أي يقبل الحركة والنقل من مكانه سواء أصابه تلف أم لم يصبه.

    وهذا يعني، بخلاف المفهوم المدني، أن الشيء يعتبر منقوة ولو كان جزءا من العقار إذا انفصل عنه لأي سبب كان.

    وتطبيقا لذلك يعتبر منقولاً صالحاً كمحل لجرم السرقة في المفهوم الجزائي:

     1- المنقول بطبيعته، وهو كل شيء ممكن رفعه من مكانه وجعله في مكان آخر، كالنقود والملابس والأثاث والسيارات والوثائق والسندات والمخطوطات … الخ

     2- العقار بالتخصيص، وهو المنقول بطبيعته الذي سخر لخدمة العقار، كالات الزراعة والماشية التابعة للأرض والات المصانع وماكينات المصاعد الكهربائية.

     3- العقار بالاتصال، وهو المنقول بطبيعته الذي يتصل بالعقار اتصالاً مادياً متى انفصل عن العقار الثابت فيصبح بذلك من المنقولات، كالنوافذ والأبواب والمواسير والأشجار.

     فمن يضبط مثلا وهو يحاول نزع نافذة أو اقتلاع شجرة بقصد تملكها يعتبر شارعاً في جرم السرقة.

    نستخلص من ذلك أن المنقول في المفهوم الجزائي هو كل شيء يمكن نقله من مكانه بأية وسيلة سواء أدى هذا النقل إلى تلف أم لا، وسواء أدى إلى تغيير هيئته أم لا.

     وبذلك لا يخرج من نطاق المنقولات سوی العقار بطبيعته، وهو المال الثابت في مكانه الذي لا يمكن تصور نقله من مكانه كقطة أرض أو منزل في بناء قائم.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1