الوسم: محامي عربي في فرانكفورت

  • السرقة التي يقوم بها الخادم والمستخدم والعامل والصانع

    جاء هذا الظرف المشدد في الفقرة (ج) من المادة 628 ق. ع مستنداً على صفة السارق.

    وحكمة تشديد العقاب فيها أن هؤلاء الأشخاص، من خدم أو عمال ومن إليهم يتمتعون بثقة مخدومهم أو مستخدمهم، وهو لهذا يضع بين أيديهم أمواله التي تتطلبها أعمالهم، ولا يدور بخلده سرقتهم لها وإلا لما فعل ذلك أو لكان، على الأقل، احتاط لعدم وقوع السرقة.

     لهذا يشكل إقدام هذه الفئة من الأشخاص على السرقة إهدارا للثقة التي منحت إليهم، وسهلت لهم ارتكابها، مما يستدعي تشديد العقاب عليهم.

    والملاحظ أن نص الفقرة السابقة يشمل طائفتين من الأشخاص هما الخدم من جهة، والمستخدمون والعمال والصناع من جهة أخرى، وجعل النص لكل طائفة أحكامها الخاصة لتوافر التشديد .

    أ- الخدم.

    لقد أوجب المشرع لتوفر ظرف التشديد أن تقع السرقة من خادم مأجور، على مال مخدومه أو مال غيره في بيت مخدومه أو في بيت أخر رافقه إليه.

    وهذا يعني ضرورة توافر ثلاثة شروط: صفة الخادم، و الخدمة المأجورة، وأن تقع السرقة إضرار بالمخدوم.

    – والخادم هو الشخص الذي ينقطع للقيام بالأعمال التي يحتاجها مخدومه أو عائلته في شئون الحياة اليومية، أي يقوم بالخدمة بصفة منتظمة.

    كالخادسة والحارس والسائق الخاص ومربية الأطفال، سواء أنام في مكان عمله أو في مسكن خاص بعيد عنه.

     والانقطاع  عن العمل هو الذي يميز الخادم عن غيره من الأشخاص الذين يقومون بأعمال للمخدوم ولكن ليس على وجه الانقطاع أو بصفة منتظمة.

     فالبستاني الذي يهتم بالحديقة من حين لأخر، ومنظفة المنزل التي تقوم بالعمل يوماً في الأسبوع أو في الشهر وعامل التنظيف الذي يجمع القمامة من أمام المنازل، فهؤلاء لا يعدون من الخدم المقصودين بهذا النص.

    – والخدمة المأجورة نص المشرع صراحة على وجوب توفرها.

     والأجر هو كل ما يحصل عليه الخادم في مقابل عمله أيا كان شكله أو طريقة دفعه.

    فسيان أن يكون مادياً، أي نقداً، أو عينياً كثياب أو طعام أو مأوى.

     وسيان أن يدفع أسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً.

    وشرط الأجر هو الذي يضفي على المدعى عليه صفة الخادم في معرض تطبيق ظرف التشديد.

    لذلك يستبعد من عداد الخدم الصديق الذي يساعد صديقه في قضاء حاجاته أثناء مرضه ولو انقطع لذلك، والسيدة الفقيرة التي تعيش في كنف قريبها المقتدر وتسهر على قضاء مصلحته وعائلته، وتتلقى بين الحين والأخر بعض الهبات أو تشارك قريبها طعامه .

     فهؤلاء لا يصدق عليهم أنهم يتقاضون أجرا، وبالتالي تنتفي عنهم صفة الخادم.

    – ويجب أن تقع السرقة إضراراً بالمخدوم.

    ويتمثل ذلك في حالتين وردتا بالنص:

     أن يكون المال المسروق للمخدوم بغض النظر عن مكان وقوع السرقة، سواء داخل منزله أو خارجه.

     أو أن يكون المال المسروق ليس للمخدوم، وإنما لشخص أخر، بغض النظر عن مكان وقوع السرقة، سواء داخل منزل مخدومه، كما لو سرق الخادم مالاً عائداً لأحد ضيوفه، أو في منزل أخر، كما لو سرق الخادم ما عائدة لشخص أخر كان مخدومه في ضيافته.

    ب- المستخدم والعامل والصانع.

    لقد أوجب المشرع لتوافر ظرف التشديد أن تقع السرقة من مستخدم أو عامل أو صانع ويسرق في مصنع مخدومه أو مخزنه أو في الأماكن التي يشتغلون عادة فيها.

    وهذا يعني ضرورة توافر شرطين:

     صفة في السارق، ومكان السرقة.

     – صفة السارق؛

    تطلب المشرع في السارق أن يحمل إحدى صفات ثلاث:

     مستخدم أو عامل أو صانع. وهؤلاء لا يصدق عليهم وصف الخدم بالنظر إلى طبيعة الأعمال التي يؤدونها. فهم وإن كانوا ينقطعون لخدمة الغير كالخدم، إلا أن الأعمال التي يقومون بها ليست أعمالاً مادية تتصل بشخص الغير، وإنما هي أعمال يغلب عليها الطابع المهني أو الفني أو اليدوي، كالسكرتير والمحاسب الخصوصي والكاتب والعامل في معمل أو محل تجاري و عامل الزراعة في الريف.

     فهؤلاء جميعاً يقومون بعمل لشخص أخر على وجه الاعتياد والانتظام النسبي.

     وهذا الاعتياد هو الذي يمنح القائم بالعمل ثقة رب العمل ويتيح له أن يدخل بحرية إلى الأماكن العائدة للمجني عليه.

    يستخلص من ذلك أن ظرف التشديد هذا لا يتوافر إذا ارتكبت السرقة من عامل استدعي عرضا إلى منزل ليقوم فيه بعمل ثم ينصرف، كتصليح جهاز كهربائي أو تمديد كهرباء أو توصيل الغسالة الأوتوماتك وما إلى ذلك، لأن العامل هنا لا يحوز ثقة صاحب المنزل الذي لا ينفك عن رقابته له.

    – مكان السرقة؛

    تطلب المشرع أن يسرق المستخدم أو العامل من مصنع المخدوم أو مخزنه أو في الأماكن التي يشتغلان عادة فيها هو العامل الذي يسرق من مصنع رب عمله يشدد عقابه سواء كان المال المسروق عائدا لرب العمل أو لغيره.

    فقد تقع السرقة على إحدى أدوات المعمل أو على شيء مملوك لغير صاحب العمل وجد في المصنع لإصلاحه، أو على مال عائد لعامل أخر.

     ويأخذ ذات الحكم الصانع الذي يسرق من مخزن رب عمله التاجر، فيطاله التشديد أيضا سواء كان محل السرقة مالا من المخزن أو ما تعود ملكيته لصانع أخر أو لشخص غريب وجد ماله في المخزن كوديعة مثلا.

     ولا يقتصر الأمر برأينا على المصنع والمخزن اللذان ذكر هما النص على سبيل التمثيل وليس على سبيل الحصر.

     فالتشديد يطال أيضاً العامل الزراعي الذي يسرق في الأرض التي يعمل عليها مالاً عائداً لمالك الأرض أو لغيره من العمال أو لشخص غريب أيضا.

    ولا يقتصر التشديد على السرقة الحاصلة من هذه الفئة في أماكن العمل العائدة لرب عملهم فقط، بل أن هناك طائفة من العمال يعملون في أماكن تعود لغير رب العمل، كما لو كان الأخير مقاولاً مثلاً، فتقع السرقة من أحد عماله في مكان تنفيذ العمل لدى الغير و على مال مملوك لرب عمله أو لأحد العمال أو لشخص غريب، فيطاله تشديد العقاب.

  • هل يشكل الاستيلاء على الأشياء المباحة أو المتروكة أو الضائعة جرم السرقة؟

    لا يكفي لاعتبار الشخص سارقاً أن يكون الشيء المسروق غير مملوك له، وإنما يجب فضلا عن ذلك أن يكون الشيء مملوكاً لشخص أخر عند الاستيلاء عليه.

     يبني على هذا أن الأشياء التي لا مالك لها لا تكون محلا للسرقة، وهي الأشياء المباحة والمتروكة.

    أما الأشياء التي خرجت من حيازة أصحابها ماديا ولكنها بقيت في ملكيتهم تكون محلاً للسرقة، وهي الأشياء المفقودة أو الضائعة.

    1- الأشياء المباحة والمتروكة

    – الشيء المباح هو الشيء الذي لا مالك له، ولم يكن في وقت مملوك لأحد، والاستيلاء عليه سبب من أسباب کسب الملكية يقره القانون ويرتب عليه آثاره. فالماء والكلأ، والحيوان في الغاب أو الصحراء، والسمك في الماء، والطير في الهواء، كلها أشياء مباحة إذا سبقت إليها يد إنسان فحازها ملكها، فإذا استولى عليها شخص أخر منه كان فعله سرقة.

    ولكن الطيور المستأنسة والحيوانات الأليفة لا يسري عليها هذا الحكم، فهي لا تعتبر مالاً مباحاً ولو خرجت من يد صاحبها، لأن حق الملكية يلازمها، وإنما يسري عليها حكم الأشياء المفقودة أو الضائعة.

    وكذلك لا تعتبر أموالاً مباحة المال العام أو الخاص المملوك للدولة، مثل الشوارع والساحات والحدائق العامة والأبنية الحكومية والآثار.

     فهذه جميعها تصلح محلا لجرم السرقة. كمن يستولي على إحدى الأوابد التاريخية.

     – أما الأشياء المتروكة، فهي المنقولات التي يتخلى عنها مالكها بقصد النزول عن ملكيته. مثالها ما يفرغه المتعهدون من الأتربة أو بقايا تعهدات البناء، أو الأشياء التي يلقيها أصحابها في الحاويات، أو يضعونها أمام منازلهم كي يتلقفها أشخاص بحاجة إليها، كأدوات منزلية أو كهربائية أو ملبوسات أو بقايا طعام.

     فهذه أشياء لا يشكل أخذها سرقة، باعتبار أن مالكها قد تخلى تماما عن ملكيته لها، وأصبحت بحكم الأشياء المباحة التي لا مالك لها.

    2- الأشياء الضائعة والكنز

    إن الاختلاف واضح بين الأشياء المياحة والمتروكة وبين الأشياء الضائعة أو المفقودة.

     فالأولى لا مالك لها، بينما  الثانية فملكيتها ثابتة لصاحبها . فضياع المال لا ينهي ملكية من ضاع منه، فهو فقد حيازته المادية للمال مع بقائه قانونا مالكة له.

    ويبني على ذلك أن مالك المال المفقود له الحق قانوناً باسترداد ماله ممن يوجد بين يديه ولو كان قد اشتراه من الغير بحسن نية.

    لكن هل يعتبر من التقط مالاً مفقوداً واحتفظ به سارقا له؟

    في الواقع إن السرقة هي اعتداء على الملكية وعلى الحيازة.

     فقد يسرق المال ليس من يد مالكه بل من يد حائزه فقط، كما لو سرق المال المؤجر أو المعار أو المودع…

    والسرقة تفترض نشاطاً إيجابياً من السارق ينقل بواسطته المال من حيازة إلى حيازة.

    أي ينهي حيازة الحائز وينشئ للمال حيازة جديدة.

     ففيما يتعلق بالمال المفقود، أو اللقطة كما يطلق عليها المشرع السوري، فإن ملتقط المال لم يقم بأي نشاط إيجابي ينهي به حيازة المالك وينشأ لنفسه أو لغيره حيازة جديدة كي يعتبر سارقاً. والشيء المفقود لم يعد في حيازة أحد، ومن ثم لا يتحقق بالاستيلاء عليه الاعتداء على حيازة الغير الذي تفترضه السرقة.

     وما قلناه يصح أن يقال أيضاً في الكنز، فالكنز، الذي لم تثبت ملكيته لأحد، هو ملك مشترك بين مالك العقار الذي وجد به، ومكتشفه ولو لم يكن مالكة للأرض المدفون بها الكنز، والدولة.

    وعليه فمن يكتشف کنزا فيستولي عليه كاملا، فهو بذلك يعتدي على ملكية غيره، ولكنه لا يعتدي على حيازة غيره، فالكنز ليس في حيازة أحد.

     لذلك أخرج المشرع السوري هاتين الصورتين من الاستيلاء على مال الغير من نطاق السرقة، واعتبرها جريمة خاصة ملحقة بإساءة الائتمان وليست إساءة ائتمان، وفق المادة 659 من قانون العقوبات التي تنص على أن:

    “1- كل من استملك أو اختلس أو رفض أن يرد أو كتم لقطة أو أي شيء منقول دخل في حيازته غلطاً أو بصورة طارئة أو بقوة قاهرة، يعاقب بالحبس حتى سنة وبغرامة….

    2- تسري أحكام هذه المادة على من أصاب کنزاً بما يتعلق بالنصيب العائد لغيره”.

  • ركن جريمة السرقة بأن يكون محل السرقة مالاً

    يشترط أن يكون الشيء محل الأخذ مالاً.

    والمال هو كل شيء يصلح لأن يكون محلا لحق الملكية، ما لم يكن خارجا عن التعامل بطبيعته، أي لا يقبل بطبيعته أن يكون محلا لحق الملكية .

    و الشيء الذي يخرج بطبيعته عن العامل هو الشيء المباح كمياه البحار والأنهار، و الهواء في الجو، والسمك في الماء والطيور في الهواء.

    بيد أنه إذا تحددت هذه الأشياء، فإنها تصلح محلا للاستئثار بها، فتصبح أموالاً.

     كما لو احتجز شخص كمية من ماء البحر في وعاء لغاية ينتفع بها، وتعرض هذا الوعاء للأخذ، يعتبر الفعل سرقة.

    – هل يصلح الإنسان محلاً لجرم السرقة؟

    إن الإنسان ليس مالا ولا يقبل بطبيعته أن يكون محلا لحق الملكية، فهو صاحب الحق وليس محله. و على ذلك فإن خطف فتاة أو طفل لا يعد سرقة بل جريمة خطف.

    كما أن حقوق الإنسان المرتبطة بشخصه، کشرفه وحريته، لا تصلح محلا للسرقة. فمن يسلب أخر حريته لا يعد سارقا لها، وإن كان يرتكب جريمة أخرى بنظر القانون. .

     وإذا كان الإنسان لا يعتبر مالا بحكم القانون، فإن الأشياء المنفصلة عنه والمتجردة من صفة الأدمية، كشعره أو دمه أو أسنانه، تصبح مالاً صالحاً لأن يكون محلاً لجرم السرقة.

     فالمرأة يمكنها أن تقص شعرها وأن تبيعه أو تتعامل به بأي طريقة بوصفه مالاً.

    فإذا تعرض للأخذ دون رضاها اعتبر الفعل سرقة.

     ويأخذ حكم الأشياء المنفصلة عن الجسم، الأطراف والأعضاء الصناعية التي يستخدمها الإنسان بدلا من أطرافه وأعضائه الطبيعية.

    فهي لا تعد جزءا من الإنسان بالرغم من أدائها لوظائف الأعضاء الطبيعية. لذلك تظل معتبرة على أصلها ما صالحاً لأن يكون محلا للسرقة.

    كمن يأخذ طقم أسنان صناعية لغيره، أو شعر مستعارة تضعه امرأة على رأسها.

     وإذا مات الشخص تزول عنه صفة الإنسان وتصبح جثته بمجرد موته مالا إذا أودعت في متحف بسبب قيمتها التاريخية أو العلمية.

    فالاستيلاء على مومياء من متحف يعتبر سرقة كون الجثة مملوكة للمتحف.

     إلا أن الإشكالية تظهر في الاستيلاء على جثة ميت من المقبرة.

     فجثث الأموات في المدافن لا تكون مملوكة لأحد، والاستيلاء عليها لا يعد سرقة، وإن كان القانون يحميها بنصوص خاصة، كجريمة انتهاك حرمة ميت.

    – هل تصلح الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون محلاً لجرم السرقة؟

     إن الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون هي الأشياء التي ينكر عليها القانون المدني صفة المال، وبالتالي يحظر التعامل بها كالمخدرات والنقود المزيفة والأسلحة غير المرخصة.

    إلا أن موقف القانون الجزائي في هذه الحالة يختلف عن موقف القانون المدني.

     فقانون العقوبات في السرقة يدخل هذه الأشياء ضمن طائفة الأموال، وبالتالي تصلح محلاً للسرقة.

     وعليه فإن أخذ مخدرات دون رضاء حائزها يعد سرقة.

     ويفسر الاختلاف بين نظرتي القانون المدني وقانون العقوبات أن الأول ينظم التعامل بين الأفراد فينفي صفة المال عما لا يجيز التعامل فيه.

     أما قانون العقوبات فيحمي الحق لذاته ولو كان الفرد لا يصلح لاكتسابه و إنما كانت الدولة وحدها هي ذات الصلاحية لذلك، بل ولو كان من غير الجائز التعامل فيه بحكم القانون. فمصير هذه الأشياء هو المصادرة أي صيرورتها ملكا للدولة.

     بالنتيجة ما لا يعد مالاً في القانون المدني قد يعد كذلك في قانون العقوبات.

     – والمال يصلح لأن يكون محلاً للأخذ في جريمة السرقة سواء كان سند حيازته مشروعاً أو غير مشروع.

     فسواء كان المال لدى المالك أو لدى حائز له حيازة ناقصة كالمستعير أو المستأجر، أو كان لدى سارق له، فإن أخذه بدون رضاء مالكه أو حائزه يعتبر سرقة، لأن المال المسروق له مالك، فضلا عن توافر صفة المال فيه.

    – والمال لابد أن تكون له قيمة، أي متقوماً .

     أما إذا لم تكن له أية قيمة فتنتفي عنه صفة المال، ولا يصلح بالتالي محلا للسرقة. كما هو حال أحجار الطريق أو أعقاب السجاير أو قشر البيض.

     وما دام المال متقوماً فلا أهمية بعد ذلك لقيمته كبرت أم صغرت.

     فتفاهة الشيء المسروق لا تأثير لها في قيام السرقة ما دام هو في نظر القانون مالاً.

    علما أن المشرع السوري جعل من تفاهة المال المسروق سبباً لتخفيف عقوبة السرقة.

    بيد أن هذه القيمة لا يشترط أن تكون مادية، أي مالية يعبر عنها بمبلغ من النقود، وإنما يكفي أن يكون للشيء قيمة معنوية أو عاطفية لدى صاحبه.

    فالخطابات الشخصية والصور والتذكارات، كخصلة شعر شخص عزيز، تصلح أن تكون محلاً للسرقة طالما أن لها قيمة معنوية أو عاطفية في نظر صاحبها .

     فالعبرة في ثبوت القيمة للشيء من عدمها هي بتقدير صاحبه، فالشیء قيمته أساساً من نظرة صاحبه إليه.

     ولا بد ن يراعى عما إذا كان الشيء ذا قيمة أو عديم القيمة التاريخ أو الوقت الذي تم به فعل الأخذ. فهذا الوقت هو الذي يعتد به.

     فإذا لم يكن للشيء أية قيمة عند أخذه ثم أصبح بعد ذلك ذو قيمة، لأي سبب كان، فهذا التحول لا يغير من طبيعة الأمر شيئاً ولا يجعل الاستيلاء عليه سرقة.

  • العلاقة السببية بين الخطأ والوفاة أو الإيذاء

    العلاقة السببية بين الخطأ والوفاة أو الإيذاء

    کي تترتب مسئولية شخص عن قتل أو إيذاء خطأ لا يكفي أن تحصل هذه النتيجة الضارة، وأن يرتكب هذا الشخص الخطأ.

    بل لا بد أن يكون الخطأ هو الذي سبب النتيجة. وبعبارة أخرى لا بد من توفر رابطة سبية بين خطأ الشخص وموت الضحية أو إيذاءه.

    ولقد سبق لنا إيضاح أسس السببية التي اعتمدها المشرع السوري في المادة 203 من قانون العقوبات بمناسبة الحديث عن جرم القتل المقصود، وما قيل هناك يصح هنا.

    وحسبنا أن نشير هنا أنه لا يكفي ثبوت الخطأ من الفاعل لترتب مسئوليته عن النتيجة مهما بلغت درجة جسامة هذا الخطأ، بل لابد من إثبات أن هذا الخطأ هو الذي نشأت عنه الوفاة أو الإيذاء.

    فلو أن شخصاً يقود سيارته بسرعة تتجاوز الحد المسموح، أو يقود وهو سكران، أو بدون رخصة قيادة، فكلها أفعال خاطئة، ثم جاء شخص وألقى بنفسه تحت عجلات السيارة ومات ، فتصرف السائق الخاطئ وحده لا يكفي لمساءلته عن وفاة الشخص ما دام لم يثبت أن هذه التصرفات الخاطئة هي التي تسببت بالحادث.

    وعليه لا توجد علاقة بين خطأ السائق وموت الضحية، أي تنتفي رابطة السببية بين الخطأ والنتيجة الضارة، وبانتفائها تنتفي مسئولية السائق عن القتل الخطأ، ويسأل فقط عن مخالفته لأنظمة المرور.

    وتطبيقا لقواعد السيبية في التشريع السوري، فإن هذه الرابطة تتوفر عندما يكون الموت أو الإيذاء قد نتج عن خطأ الفاعل ولو كان ثمة عوامل أخرى تضافرت مع الخطأ في إحداث النتيجة، مادام الموت أو الإيذاء لا يمكن تصور حدوثه لولا خطأ الفاعل.

    وهذا تطبيقاً لنظرية تعادل الأسباب التي أخذ بها المشرع السوري في الفقرة الأولى من المادة 203.

    فلو أن شخصاً ارتكب خطأ أدى لجرح شخص مصاب بمرض السكر، فساهم الجرح مع الخطأ في موت الضحية. أو قاد الفاعل سيارته مسرعا في شارع مزدحم فصدم شخصا قطع الطريق من غير المكان المخصص للمشاة، أو قاد سيارته ليلا وهو في حالة سكر قصدم سيارة أخرى تسير بدون أضواء.

    ففي هذه الفرضيات حتى ولو نتج الضرر عن السبب الأخر مباشرة، إلا أن ذلك لا يقطع الرابطة السببية بين خطأ الفاعل والنتيجة.

    بيد أنه تطبيقا للمادة 554 من قانون العقوبات إذا نشأ الموت أو الإيذاء نتيجة خطأ الفاعل ونتيجة أسباب أخرى تضافرت مع الخطأ، وكانت مستقلة عن خطأ الفاعل ومجهولة كليا منه، فيمكن تخفيض عقوبة الفاعل بالمقدار المبين بالمادة 199 من قانون العقوبات.

    ونلاحظ هنا أن حكم هذه المادة جاء بتخفيف للعقاب فقط، وأن هذه الأسباب الأخرى التي تضافرت مع الخطأ أبقت مسئولية الفاعل عن النتيجة، وبالتالي تبقى العلاقة السيبية متوفرة بين الخطأ والنتيجة في هذه الفرضية.

    ولو استرجعنا المثال السابق حول جرح الشخص المصاب بمرض السكر، فلو أن الفاعل كان يجهل مرض المجني عليه لأمكن تطبيق نص المادة 554 عليه وتخفيف عقوبته.

    إلا أن الأمر يختلف إذا تضافر مع خطأ الفاعل عامل آخر جاء لاحقا للسلوك الخاطئ و مستقلا عنه و غير مألوف في ظروف ارتكاب الفعل وكاف بحد ذاته لإحداث النتيجة.

    فهذا السبب يقطع الرابطة السبية بين الخطأ والنتيجة، ويسأل المخطئ فقط عن سلوكه الخاطئ .وهذا تطبيق لنظرية السيبية الملائمة التي أقرها المشرع في الفقرة الثانية من المادة 203. وتطبيقا لذلك لا تعتبر السببية قائمة في حال كان الشخص يركب فوق أكياس تحملها سيارة نقل وعند اقتراب السيارة من جسر وعلى وشك المرور من تحته وقف ذلك الشخص فاصطدم بحافة الجسر وتوفي.

    فرغم سلوك السائق الخاطئ فهو لا يعتبر مسئولاً عن الوفاة نتدخل عامل غير مألوف، وهو وقوف المجني عليه، الذي أدى إلى تحقق النتيجة، والذي قطع الرابطة السببية بين سلوك السائق الخاطئ ووفاة المجني عليه. ولا يشترط أن تكون الوفاة أو الإيذاء ناتجة مباشرة عن خطأ الفاعل. لذلك يسال عن قتل غير مقصود من تسبب بخطئه في جرح المجني عليه إذا مات هذا الأخير أثناء عملية جراحية كان من المفيد إجراؤها لتقليل العجز الناتج عن الجرم في وظيفة العضو المصاب ,

    كما لا يشترط أن يكون الشخص المسئول هو الذي أحدث القتل أو الإيذاء بنفسه، بل يكفي أن يكون هو المتسبب فيه بخطئه وإن حصل القتل بفعل غيره. ومثاله الأب الذي يترك سلاحه في المنزل دون أن يخفيه، أو الذي يعطي سلاحه لطفله ليلعب به ظانا أنه قد أفرغه من الذخيرة، فيؤدي ذلك إلى انطلاق رصاصة قاتلة من السلاح. فالأب يسأل عن القتل الخطأ وإن لم يكن لسلوكه صلة مادية بالوفاة.

     

  • جناية الإيذاء المفضي إلى إجهاض حامل مع العلم بحملها

    الإيذاء المفضي إلى إجهاض حامل مع العلم بحملها

    نصت المادة 544 على هذه الصورة بقولها

    “يعاقب بالعقوبة نفسها من تسبب بإحدى الطرائق المذكورة في المادة 540 بإجهاض حامل، وهو على علم بحملها“.

    بتحليل هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

    1- لقد ساوى المشرع في هذا النص بين عقوبة الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة وعقوبة الإيذاء المفضي إلى إجهاض حامل مع العلم بحملها، وهذه العقوبة هي الأشغال الشاقة من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.

    2- يفترض هذا النص وقوع اعتداء بصورة ضرب أو جرح أو إيذاء على امرأة حبلى.

    3- إن النتيجة الجرمية المترتبة على الاعتداء لم تتوقف عند المساس بالسلامة الجسدية للمرأة، بل تجاوزت ذلك إلى الجنين الذي تحمله، فأدى الاعتداء إلى إجهاض المرأة، أي إلى إسقاط الجنين قبل الأوان.

    وسيان أن يسقط الجنين حيا أو ميتا، فالجريمة قائمة ما دام الإسقاط قد حصل قبل أوان الولادة. وتختلف هذه الحالة عن حالة قتل الوليد، التي تفترض أن الطفل قد ولد ولادة طبيعية ثم أزهقت روحه أثناء عملية الولادة أو بعدها مباشرة.

    4- لا بد لقيام الركن المعنوي في هذه الجريمة أن تتجه نية الفاعل إلى المساس بالسلامة الجسدية للمرأة، وهو القصد المطلوب توفره في كافة جرائم الإيذاء.

    إلا أنه لا يكفي لوحده لتحقق هذه الجريمة، بل يشترط أن يتوفر لدى الفاعل العلم المسبق بحمل المرأة، ومع ذلك يقدم الفاعل على ضربها أو إيذائها ولكن دون أن يقصد إجهاضها.

    وهذا هو العنصر الأساسي في هذه الجريمة.

    فإذا أقدم الفاعل على ضرب المرأة و هو يجهل حملها فلا يطبق عليه نص المادة 544، ولو تم إسقاط الجنين نتيجة الضرب.

    وتقتصر مسئوليته على النتائج الأخرى غير الإجهاض ، ويطبق عيه أحكام جرائم الإيذاء الأخرى بحسب جسامة النتيجة المترتبة على فعله.

    أما إذا أقدم الفاعل على ضرب المرأة قاصدا إسقاط حملها، فيسأل الفاعل هنا على جرم الإجهاض، المعاقب عليه في المواد 527 إلى 532 من قانون العقوبات.

    5- وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن كافة جرائم الإيذاء السابقة، سواء الجنحية منها أم الجنائية يشدد عقابها وفق نص المادة 545 “إذا اقترف الفعل بإحدى الحالات المبينة في المادتين 534 و 535” أي الحالات المؤدية إلى تشديد عقوبة القتل.

    وهذا التشديد يؤدي إلى زيادة العقوبة من الثلث إلى النصف ومضاعفة الغرامة.

  • جريمة القتل دفاعاً عن العرض والشرف في القانون السوري

    القتل دفاعاً عن العرض أو الشرف

    أورد المشرع السوري في المادة 548 من قانون العقوبات حكما يعفي بموجبه مرتكب القتل أو الإيذاء من العقاب، أو يخفف عقابه فقط، عند إقدامه على الفعل مدفوعاً بعامل العرض أو الشرف.

    وهذا العذر المحل او المخفف يعتبر انعكاساً لتقاليدنا الاجتماعية الموروثة منذ القدم، تلك التقاليد التي يستغلها البعض، أحياناً، ويسيء استخدامها مستفيداً من الرخصة القانونية بالقتل التي منحها المشرع في المادة 548، ليمارس سطوة الذكر على الأنثى التي لم تعد تأتلف مع التطور الاجتماعي والاقتصادي والعلمي الذي بلغه المجتمع، بمساواة الأنثى مع الذكر في الحياة العامة.

    وكثيرا ما نسمع عن إقدام أخ على قتل أخته أو أب على قتل ابنته لمجرد خروجها مع شاب غريب، أو زواجها به دون موافقتهما، أو لمجرد نشوء علاقة حب بريئة ونبيلة بينهما، مستغلين استغلالاً سيئاً لعادات المجتمع وأخلاقه ومثله وحرصه في المحافظة على الشرف والعرض.

    أما نص المادة 548 فجاء كما يلي:

     “1- يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل او إيذاء احدهما بغير عمد.

     2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع أخر”.

    بتحليل هذا النص نستخلص النقاط التالية:

     – إن الحكمة والأساس الذي يقوم عليه العذر الوارد فيه هو الاستفزاز العنيف الذي يبعث الإثارة في نفس الفاعل،  ويفقده أعصابه وحرية تفكيره.

    فهذه الحالة التي يوجد فيها مرتكب الفعل عند مفاجأته لزوجته أو قريبته في وضع حساس يثير في نفسه الغضب الشديد والاستفزاز نتيجة هذا المشهد الذي لم يتوقعه فيقدم على فعل القتل تحت تأثير الغضب و هول المفاجأة التي سيطرت على نفسه فأنقصت من قوة إرادته وحرية اختياره أو أعدمتهما، وهذا ما ينقص من مسئوليته الجزائية التي تقوم أصلاً على الإدراك وحرية الاختيار.

    – تطلب المشرع للاستفادة من العذر شروطاً خاصة بأطراف العذر تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه أو الصفات التي يجب توافرها فيهما.

    كما تطلب شروط خاصة بالواقعة التي أدت إلى ارتكاب القتل، الجرم المشهود أو الوضع المريب، وبظروف الحادثة من حيث توفر عنصر المفاجأة.

    أولا- الشروط المتعلقة بأطراف العذر.

    هذه الشروط تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه، ومدى أهمية وجود هذه العلاقة في الحكمة من تطبيق العذر.

     فنص المادة 548 اشترط وجود علاقة الزوجية أو رابطة القرابة بين أطراف العذر، وقام بتحديد الأشخاص المستفيدين من العذر وشخص المجني عليه بصورة حصرية لا يمكن التوسع فيها، ولا القياس عليها.

    1- علاقة الزوجية.

     عرف قانون الأحوال الشخصية في مادته الأولى الزواج بأنه

    “عقد بين رجل وامرأة تحل له شرع غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل”.

     وهذا النص هو المرجع في تحديد الصفة الزوجية بالنسبة للسوريين المسلمين وغير المسلمين .

    وهذا الزواج هو ما تشترط المادة 548 قيامه، أي الزواج الشرعي الذي استوفي كافة أركان انعقاده.

     أما العلاقة التي تقوم بين رجل وامرأة دون عقد زواج (concobinage، المساكنة)، فلا يستفيد بموجبها الجاني من العذر حتى ولو تجسدت هذه العلاقة بالاتصال الجنسي والعيش المشترك وإنجاب الأطفال، طالما أن هذه العلاقة غير شرعية.

     والعشيق الذي يفاجأ عشيقته في صلات جنسية مع شخص أخر فيقدم على قتلها أو إيذائها لا يستفيد من هذا العذر.

    والعلاقة الزوجية هي من العلاقات المؤقتة التي تبدأ في وقت محدد (بالعقد)، وتنتهي في وقت محدد أيضا، بالطلاق البائن أو الفسخ أو الموت.

    ولا يستفيد الشخص من العذر الوارد في المادة 548 إلا أثناء قيام العلاقة الزوجية، لا قبلها ولا بعدها.

     والطلاق الرجعي لا ينهي العلاقة الزوجية ما دامت عدته لم تنتهي، فالزوج يستفيد من العذر إذا قتل مطلقته رجعية إذا فاجأها بالأوضاع السابقة خلال فترة العدة .

    والواضح من نص المادة المذكورة أنها تشمل كلا طرفي العلاقة الزوجية  (الزوج والزوجة ) في الاستفادة من العذر الوارد بها، إذا أقدم أحدهما على قتل أو إيذاء الأخر حال مفاجأته بجرم الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.

     فباستخدامه لعبارة ” من فاجأ زوجه ” التي تفيد معنى الزوج والزوجة على حد سواء يقطع الجدل القائم على أن هذا الحق هو للزوج فقط دون الزوجة.

    لا سيما وأن عبارة زوجه هي ترجمة من الأصل الفرنسي لعبارة “conjoint” التي تفيد معنى الذكر والأنثى، ولا تقتصر على أحدهما.

    فضلا عن أن المشرع لو أراد قصر حق الاستفادة من العذر على الزوج فقط لكان ذكر بصراحة عبارة “زوجته” بدل “زوجة” على نحو ما فعلت تشريعات أخري .

    2- رابطة القربي.

    وسع المشرع في نص المادة 548 في منح العذر ، فلم يقصره فقط على الزوجين، وإنما مد نطاقه إلى الأقرباء بالدرجة التي حددها على سبيل الحصر ” بالأصول والفروع والأخوة “. فهؤلاء الأقرباء لا تقل درجة استفزازهم في هذا الموقف عن درجة استفزاز الزوج أو الزوجة، وذلك نظرا للصلة الوثيقة التي تربطهم بالمجني عليه، والتي قد تفوق علاقة الزوجية قرية في بعض الأحيان.

    صفة الجاني

    يلاحظ أن المشرع لم يأخذ في النص بكافة درجات القرابة للاستفادة من العذر، وإنما اشترط صلة قرابة معينة ومحددة على سبيل الحصر، وهي قرابة النسب، أي بين الأصول والفروع، ومن قرابة الحواشي، قرابة الأخوة فقط.

     وبذلك لا تصلح قرابة المصاهرة، ولا قرابة الرضاع، التي ليس لها أثر إلا في تحريم الزواج فقط .

     باختصار، إن القرابة المشتركة لتطبيق النص هي القرابة النسبية بين الأصول والفروع وبين الأخوة.

     ويستفيد من العذر الأصول والفروع سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، فالنص جاء مطلقاً بذكره عبارة ” أحد أصوله أو فروعه “، بالتالي، فالعذر يشمل الأباء والأمهات والجدود والجدات مهما علو ومهما علون، وكذلك الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات مهما نزلوا ومهما نزلن .

    أما الأخوة، فلا يستفيد من العذر، بتقديرنا، إلا الذكور فقط دون الأخوات الإناث  ذلك لأن النص جاء بعبارة أخته” بين أشخاص المجني عليهم، فالمخاطب فيه هو الذكر، وبالتالي وجب أن يكون الجاني ذكر” وليس أنثى، أي أخا لا أختاً،  وذلك بخلاف الأصول والفروع الذين ذكرهم النص بشكل مطلق دون تحديد جنسهم، مما يجعل القاعدة الفقهية القائلة المطلق يجري على إطلاقه” واجبة التطبيق بهذا الصدد.

     ويستوي في الأخوة أن يكونوا أشقاء أم غير أشقاء، المهم في ذلك، أن تكون قرابتهم قرابة نسب لا قرابة رضاع.

    صفة المجني عليه.

    لقد أفاد النص من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما”، إذن فالمجني عليه قد يكون شخصاً واحداً، وقد يكونوا شخصين، بشرط أن يتمتع أحدهما بإحدى صفتين هما: صفة الزوجية أو القرابة، وصفة الشريك.

    فقد يكون المجني عليه أحد طرفي العلاقة الزوجية، وهم الزوج أو الزوجة عندما يفاجئه زوجه الأخر بإحدى الأوضاع المحددة في النص.

    وقد يكون المجني عليه أحد الأصول أو الفروع أو الأخت، ولا يصلح أن يكون الأخ هو المجني عليه طالما أن النص قيد ذلك بعبارة “أو أخته”.

    وبالرغم من أن نص المادة 548 قد يوحي بأن المجني عليه من الأصول والفروع يمكن أن يكون أنثى كما يمكن أن يكون ذكراً، باستخدامه لعبارة أو أحد أصوله أو فروعه، التي تشير إلى الذكور والإناث على حد سواء.

    إلا أنه إذا كان يستوي في الجاني أن يكون ذكر أو أنثى في الأصول والفروع، فلا يمكن في المجني عليهم فيها إلا أن يكون أنثى. وهذا ما يؤكده النص الفرنسي الأصلي للمادة 548 القاطع الدلالة في أن المجني عليه في الأصول والفروع لابد أن يكون من الإناث  فكان الأولى بالنص العربي أن يكون واضحة وضوح النص الفرنسي بوجوب ذكر أو إحدى أصوله أو فروعه التي تشير إلى الإناث فقط دون الذكور.

    والخلاصة، أن الجاني في صلة القربي قد يكون ذكر أو أنثى، أما المجني عليه فيها فلا يمكن إلا أن يكون أنثى.

    أما الشريك في المعنى المقصود بالنص فهو الشخص الذي يأتي مع الزوج أو الزوجة أو إحدى الأصول أو الفروع أو الأخوات فعل الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء، أو يوجد مع أحدهم أو إحداهن في حالة مريبة.

     وسيان أن يكون هذا الشريك قريبا للجاني أو غريبة عنه، ذكراً كان أم أنثى، فلا عبرة بعلاقته بالجاني ولا بجنسه.

     المهم أن يضبط في إحدى الأوضاع المقررة في النص مع أحد الأشخاص المذكورين فيها. وسيان أيضا أن يقع القتل على الشريك وحده أم على الزوج أو الزوجة أو القريبة وحدها أم على كلاهما، فالجاني يستفيد من العذر.

    وتجدر الإشارة إلى أن العذر الوارد في النص هو من الأعذار الشخصية، فلا يستفيد منه إلا الشخص الذي يتوافر فيه.

     فإذا تعدد المشتركين في القتل والإيذاء فإن حكم العذر يسري فقط على الشخص الذي تم ذكره فقط في النص، من زوج أو أصل أو فرع أو أخ، أيا كان دوره في الجريمة، سواء كان فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً.

     أما المساهمين الأخرين فلا يطالهم الإعفاء، بل تطبق عليهم أحكام جرم القتل المقصود، كل حسب دوره في الجريمة.

    ثانيا – الشروط المتعلقة بالواقعة

    إضافة للشروط المتعلقة بأطراف العذر، فلقد تطلب المشرع شروط أخرى تتعلق بالواقعة الحاصلة بين هذه الأطراف.

     وهذه الواقعة لها وجهان:

     الأول، هو الفعل الذي يرتكبه المجني عليه ويفاجئه به الجاني فتثور ثائرته ويقدم على قتله أو إيذائه، ويتمثل هذا الفعل بالزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة مع شخص أخر.

    والثاني، وهو فعل الاعتداء الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجئته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال السابقة، ويتمثل بالقتل أو الإيذاء.

    1- المفاجأة.  

    إن المفاجأة هي الأساس الذي يرتكز عليه العذر .

    ولقد حدد المشرع الحالات الحصرية للمفاجأة وهي الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.

    والأسئلة التي تثار هنا:

    – ما معنى المفاجأة التي يتطلبها المشرع وعلى من يجب أن تقع؟ – ما مفهوم الزنا المشهود و الصلات الجنسية الفحشاء والحالة المريبة ومعيار التمييز بينهم؟

    – بالنسبة للتساؤل الأول، فظاهر النص يوحي بأن الشخص الذي يجب أن يتفاجيء هو المجني عليه فقط دون الجاني. فالنص أورد “من فاجئ زوجه أو …” ولم يورد من امن فوجئ بزوجه أو …. إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالمفاجأة يجب أن تقع على الجاني إضافة للمجني عليه.

    وذلك لأن علم الجاني بشكل يقيني بزنا زوجته، وعدم توفر عنصر المفاجأة بالنسبة له، لا يجعله مستفيدا من العذر لاسيما وأن نص المادة 548 اشترط أن يكون الجاني قد “أقدم على القتل أو الإيذاء بغير عمد”.

     وهذا ما لا يتوافر في حالة العلم اليقيني بزنا الزوجة، حيث يقدم الزوج على فعله بعد تفكير هادئ و عميق بعيدا عن الانفعال والغضب.

    إلا أنه يجب التمييز بهذا الصدد بين العلم اليقيني وبين مجرد الشك والارتياب .

     ففي الحالة الأولى، عندما يتيقن الجاني من خيانة زوجته أو قريبته فيقدم على القتل مصطنعة المفاجأة، ومدبراً وجود المجني عليها في وضع الزنا كي يستفيد من العذر.

     فهذا لا يستفيد طالما انتفي لديه عنصر المفاجأة الذي يخلق لديه الاستفزاز والغضب اللذان يدفعانه إلى ارتكاب الجريمة، كما أنه في أغلب الأحوال يتعمد القتل بدافع الانتقام.

    فالزوج الذي يكون واثقاً من خيانة زوجته فيدير الأمر لضبطها متلبسة بخطيئتها، كأن يتظاهر بأنه سيغيب عن البيت ثم يكمن فيه، ويقتل الاثنين متلبسين بالزنا، لا ينال من العذر شيئاً.

    أما ذاك الذي يرتاب ويشك بسلوكك زوجته أو أخته مثلا، فيراقبها ليتأكد من صحة شكوكه أو عدم صحتها، حتى إذا تشاهدها ترتكب الزنا، استحال شکه إلى يقين فثار وقتلها، فهذا الجاني يستفيد بلا ريب من العذر .

    فالشك أو الارتياب لا ينفي عنصر المفاجأة الذي يتحقق طالما أن احتمال الخيانة لدى الزوج يقابله احتمال عدم الخيانة .

    – أما التساؤل الثاني، فالزنا يقع بالاتصال الجنسي الكامل والطبيعي بين رجل وامرأة خارج إطار العلاقة الزوجية.

    وتتمثل الاستفادة من العذر عند مفاجأة الزوج لزوجته أو الأخ لأخته في حالة جماع مع شخص غريب.

    إلا أن مفهوم الزنا المشهود، حسب المادة 548، لا يقتصر على هذا المعنى الضيق فقط. فليس المقصود في هذا النص أن يشاهد الزوج زوجته في لحظة ارتكاب فعل الزنا نفسه بحيث تصبح الخيانة من الناحية الواقعية حقيقة ثابتة،، بل يكفي أن تكون فكرة الخيانة من الناحية التصورية ماثلة أمامه، أي أن تؤدي جميع الملابسات إلى هذه الفكرة وتجعلها مقبولة عق”.

    فيكفي أن يشاهد الزوج زوجته في ظروف لا تترك مجالا للشك عقلا في أن الزنا قد وقع أو أنه وشيك الوقوع.

    وتطبيقاُ لذلك قضت محكمة النقض السورية بقيام حالة الزنا المشهود في حالة وجود الزوجة وشريكها في غرفة مغلقة وانفرادهما معا في وقت متأخر من الليل .

    وقضت محكمة النقض المصرية بتوافر العذر إذا دخل الزوج غرفة النوم فوجد فيها المتهم مختفيا تحت السرير وكان خالعة حذاءه، وكانت الزوجة عند قدومه في حالة ارتباك شديد ولا يسترها شيء غير جلابية النوم، أو دخل المنزل فوجد زوجته وعشيقها بغير سراويل وقد وضعت ملابسهما الداخلية بعضها بجوار بعض، أو دخل المنزل فلاحظ وجود حركة تحت السرير وبرفعه الملاءة وجد الشريك ونصفه الأسفل عار وهو يمسك بملابسه .

     إلا أن الأمر قد لا يقتصر على هذه الصور، فلو فاجأ الزوج زوجته مع غريب في حالة جماع خلاف الطبيعة، أو فاجأها بحالة سحاق مع أخرى ، فهذه الحالات لا تشكل زنا بالمعنى القانوني.

    وهذا ما دفع المشرع السوري إلى إيراد عبارة أو صلات جنسية فحشاء” جنبا إلى جنب مع الزنا، ليطال تلك الوقائع الجنسية الفحشاء التي لا ينطبق عليها مفهوم الزنا.

    والنتيجة، فإن مفاجأة أحد طرفي العلاقة الزوجية للأخر أو أحد الأصول أو الفروع أو الأخ للأخت أو لإحدى الأصول أو الفروع في حالة الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء المشهودة، يمنح هذا الشخص رخصة في القتل أو الإيذاء، من خلال استفادته من العذر المحل من العقاب.

     

    الحالة المريبة

    عندما يفاجأ الزوج زوجته أو ابنته أو أمه أو الأخ أخته في حالة مريبة مع شخص آخر، فيقدم على القتل أو الإيذاء، يستفيد من عذر مخفف للعقاب.

     ولقد قلنا سابقا أنه إذا وجدت الزوجة أو من في حكمها في ظروف لا تدع مجالا للشك عقلا في أن الزنا قد وقع أو في سبيله إلى الوقوع فإن هذا يعتبر زن مشهود وفق المادة 548، كمشاهدة المجني عليها مع رجل أجنبي في الفراش وهما يرتديان الملابس الداخلية.

    أما الحالة المريبة فلا تعني مفاجأة المجني عليها في ظروف لا تدع مجالا للشك بوقوع الزنا أو في سبيله   إلى الوقوع، وإنما تعني الحالة التي تثير الشك والريبة بحدوث الزنا، أي أن هذه الحالة تكون غير مالوفة في المجرى العادي للأمور، ويعتقد معها بوقوع الزنا أو في سبيله إلى الوقوع.

    ففي الحالة المريبة لا يشاهد الجاني فعل الزنا الفعلي، ولا تكون الظروف قاطعة على وجه اليقين بوقوع الزنا، وإنما يشاهد حالة تدعو الظروف فيها إلى الارتياب بوقوع الزنا، والظروف التي تدعو إلى الشك هي الظروف المحيطة بالحالة، سواء أكانت موضوعية أم شخصية.

    وتطبيقاً لذلك اعتبرت محكمة النقض السورية أن

     “الوالد الذي يقتل ابنته في بيت عشيقها الذي تقيم معه، ويتعاطی معها الزنا والفجور في أي وقت، يستفيد من العذر المخفف، لأنها أوجدت نفسها في حالة مريبة و على فراش غير مشروع “.

     وفي قرار آخر اعتبرت محكمة النقض

    “أن المرأة التي تقيم في منزل قد أعد لارتكاب الفجور بها بصورة سرية أو علنية وأعدت نفسها لتلقي الجماع في أي وقت كان قد أصبحت في حالة مريبة و على فراش غير مشروع وجعلت الاعتداء عليها مقترنا بالعذر المخفف وفقا للمادة 548، فإقدام الفاعل على قتل شقيقته المومس في دار عشيقها يجعله مستفيداً من العذر المخفف.

     بالمقابل فلقد اتجه القضاء السوري إلى استبعاد توافر الحالة المريبة عند الشخص الذي يشاهد نتيجة الزنا فقط دون أن يشاهد الفعل أو الحالة المريبة.

    فلقد قضت محكمة النقض أن الفاعل لم يفاجأ ابنته المغدورة في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص أخر أو في حالة مريية وإنما شاهد عليها علائم الحمل سفاحا مما يجعل أمر استفادته من العذر المحل أو المخفف غير وارد حسب المادة 548، وان كان الفاعل يستفيد في هذا الحالة من عذر الدافع الشريف .

     ولا تعتبر الحالة المريبة متوفرة إذا كانت الظروف المحيطة بالواقعة معتادة بين الزوجة والشخص الذي فاجأها الزوج معه حسب العادات والتقاليد المتعارف عليها، وذلك كوجود الزوجة مع أحد محارمها، أو كانت طبيعة عملها تستدعي وجودها في تلك الحالة، كالطبيبة عندما تكشف على المريض.

    كما لا تعتبر الحالة المريبة متوافرة إذا كان الجاني قد راى المجني عليها في وضع تاباه التقاليد ولكنه لا يثير الشك في قيام الصلة الجنسية غير المشروعة بينها وبين آخر أو توقع قيامها، كمشاهدة الأخ لأخته في الطريق العام مع شخص غريب، أو تجلس معه في مكان عام، مطعم أو سينما.

    2- فعل الاعتداء.

    هو الفعل الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجأته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال المحددة بالنص مع شخص آخر، ويتمثل هذا الفعل بالقتل أو الإيذاء.

     والعذر يشمل جريمة القتل المقصود، وجريمة الإيذاء المقصود بكافة صورها الجنحية والجنائية.

     أما غير هذه الأفعال فلا يستفيد مرتكبها من العذر .

     فإقدام الجاني على إتلاف أموال المجني عليه، أو هتك عرض شريك الزانية أو اغتصاب إحدى محارمه وما إلى ذلك من اعتداءات لا يشملها العذر.

    وسيان أن يقع القتل أو الإيذاء بأية وسيلة، کالمسدس أو السكين أو الأيدي فقط.

    ولقد اشترط نص المادة 548 في فعل القتل أو الإيذاء أن يقع بغير عمد، ذلك لأن الذي يبرر الإعفاء أو التخفيف من العقوبة هو شدة الانفعال النفسي الذي يستبد بالجاني ويدفعه إلى ارتكاب الجريمة، فإذا انتفي هذا الانفعال لدى الجاني، كما في حالة القتل العمد، فلا تتحقق هذه الحكمة، حيث أن الجاني في حالة العمد يقدم على ارتكاب جريمته بعيداً عن الانفعال والغضب، وبعد أن أخذ الوقت الكافي من التفكير الهادئ و التصميم على ارتكاب جريمته.

    فلو فاجأ الزوج زوجته بحالة مريبة مع عشيقها ولم يقدم على قتلها فور المفاجأة بل انتظر فترة من الزمن كانت كافية لهدوء نفسه واستعادة وعيه ثم أقدم على قتلها فلا يستفيد من العذر لوقوع الفعل عمدا.

    كما يعتبر العمد متوافراً في حالة الجاني الذي يعرض عن فكرة القتل عند مفاجأة المجني عليها، ويستعيد توازنه، ويفكر ملياً، ثم يعود ويقتلها بعد فترة.

    أو حالة الجاني الذي يستدرج زوجته أو قريبته بعد علمه بخطيئتها إلى مكان ما، ثم يتآمر على قتلها ويخطط لذلك

    – أما عن أثر العذر على العقوبة:

     فالعذر المحل يعفي الجاني من العقوبة وحدها دون سائر الآثار القانونية، فيمكن توقيع تدابير الاحتراز وتدابير الإصلاح على المستفيد ما عدا العزلة (م 240 عقوبات).

     أما العذر المخفف فهو كما يدل اسمه يخفف العقاب فقط. ولقد سكت نص المادة 548 عن تحديد مفعول هذا العذر ومقداره.

    وعند السكوت يحيل القانون إلى نص المادة 241 من قانون العقوبات باعتبارها النص العام، وتخفف العقوبة وفقا لأحكامها .

     وبموجب هذا النص فإن الجناية تنقلب إلى جنحة، والجنحة إلى مخالفة.

    وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن فعل القتل أو الإيذاء في نص المادة 548 إذا لم يستجمع شروط العذر الوارد فيه، فقد يستجمع شروط العذر المخفف الوارد في المادة 242، وهو عذر الإثارة، أو شروط عذر الدافع الشريف الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات.

    – أما عذر الإثارة فبموجبه “يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير سحق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”.

     ويشترط الاستفادة مرتكب القتل أو الإيذاء من هذا العذر أن تستولي عليه ثورة غضب شديد تسلبه قسماً من وعيه وإرادته كنتيجة لتصرف، غیر محق وعلى جانب من الخطورة، قام به المجني عليه.

     أما إذا كان تصرف المجني عليه محق أو مشروعة، كإقدام الشرطي على القبض على السارق، فلا يحق للأخير أن يحتج بالاستفزاز إذا أقدم على الاعتداء على الشرطي.

    أما خطورة الفعل فأمر يقدر تبعا للظروف ولدرجة تأثيرها على مرتكب القتل أو الإيذاء.

     فما يثير شخصاً عصبية کثیر الحساسية قد لا يكون له أي أثر على شخص يتمتع بأعصاب هادئة ومزاج متزن.

     – أما الدافع الشريف، الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات، فقد يستفيد منه أيضأ مرتكبي جرائم العرض و الشرف عند فقدان شروط المادة 548.

     إلا أن تخفيف العقاب فيه يختلف عن الأعذار الأخرى. فعذر الإثارة يقلب الجناية إلى جنحة، أما عذر الدافع الشريف فيبقي على صفة الجناية المشمولة به .

  • ماهو القصد الاحتمالي والنتائج الاحتمالية في جريمة القتل؟

    القصد الاحتمالي والنتائج الاحتمالية

    يجب التمييز بين القصد الاحتمالي بالمعنى المقصود في المادة 190، وبين النتائج الاحتمالية التي خالف بها المشرع، ينصوص صريحة وحالات خاصة، المبدأ الذي أقره في المادة المذكورة، بإلقاء عبء هذه النتائج الاحتمالية على الفاعل لمجرد أنها حصلت من فعله ولو لم ينصرف إليها قصده أو يوجه إليها إرادته أو يقبلها، بل ولو لم يتوقعها إطلاقاً.

    والمثال على ذلك في جرم القتل ، نص المادة 536 من قانون العقوبات التي عاقبت على التسبب بموت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو العنف أو الشدة أو أي عمل آخر مقصود”.

    فلو ضرب أحدهم خصمه لكمة على وجهه قاصداً المساس بسلامته الجسدية، ولم يقصد قتله، فمات المجني عليه من آثر اللكمة.

     فالفاعل يسأل بحسب النص المذكور عن وفاة الشخص، بالرغم من عدم اتجاه إرادته إلى هذه النتيجة، التي اتجهت أصلاً إلى مجرد المساس بسلامته البدنية.

     فهذا الجرم ليس في واقع الأمر سوى قتل خطأ لو لم يجعل منه المشرع جر ماً خاصاً، معرباً عن رغبته في أن يكون الفاعل مسؤولاً عن النتيجة الحاصلة، الوفاة، التي تجاوزت قصده، وإن لم يكن يتوقع حدوثها حين إقدامه على الضرب.

    فالقانون اعتبر الضرب أو اللكم الذي أفضى إلى الوفاة يتضمن بذاته خطر وقوع هذه النتيجة، وقد كان على الفاعل أن يأخذ بعين الاعتبار احتمال وقوعها.

     لذلك يعاقب القانون هذا الشخص على هذه النتيجة الاحتمالية الضارة، لمجرد حصولها، وإن لم تكن متوقعة أو محتملة الوقوع في ظروف ارتكاب الفعل.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1