الوسم: اشطر محامي في حمص

  • جريمة القتل لدفع سرقة المنزل نهار

    جريمة القتل لدفع سرقة المنزل نهار

    جاء النص على هذا العذر في المادة 549 من قانون العقوبات في فقرتها الثانية في معرض تقرير سبب التبرير الخاص بدفع الدخول إلى المنازل ليلا.

     “1- تعد الأفعال الآتية من قبيل الدفاع عن النفس:

     أ- ……………………..

     ب- الفعل المقترف عند دفع شخص دخل أو حاول الدخول ليلا إلى منزل أهل أو إلى ملحقاته الملاصقة بتسلق السياجات أو الجدران أو المداخل أو ثقبها أو كسرها أو باستعمال مفاتيح مقلدة أو أدوات خاصة.

    وإذا وقع الفعل نهار، فلا يستفيد الفاعل إلا من العذر المخفف عملا بالمادة 241″.

     

     بتحليل هذا النص نلاحظ أن المشرع اعتبر دفع الدخول إلى المنازل، بالقتل أو الإيذاء، سبباً مبرر إذا وقع الفعل ليلاً، وعذرا مخففا إذا وقع الفعل في النهار.

     فمن يرد بالقتل على من يدخل أو يحاول الدخول إلى منزله أو منزل غيره، لا عقاب عليه ولا مسئولية، إذا توفرت الشروط التالية:

     1- أن يكون المجني عليه قد دخل أو حاول الدخول إلى منزل مسكون فعلا، أو إلى حديقته أو مستودعه أو كراجه.

     2- أن يقوم المجني عليه بالتسلق خارجياً أو داخلياً، أو بثقب أو بكسر الأبواب أو السياجات أو الجدران، أو باستعمال مفاتيح مقلدة أو أدوات خاصة كالمطرقة أو المفك أو البينسة أو غيرها.

     3- أن يتم الفعل ليلاً أي بين غروب الشمس وشروقها.

    وتجدر الإشارة إلى أن حصول هذه الواقعة نهاراً لا تعني بشكل مطلق أن القاتل لا يستفيد إلا من عذر مخفف، بل قد يستفيد من سبب تبرير إذا استطاع إثبات أن إقدامه على القتل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق ولا مثار عن النفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه، وهو سبب التبرير الوارد في المادة 183 من قانون العقوبات.

     فإذا ثبت ذلك اعتبر القاتل في حالة دفاع مشروع ولو كانت الواقعة قد حصلت نهار .

  • جريمة القتل دفاعاً عن العرض والشرف في القانون السوري

    القتل دفاعاً عن العرض أو الشرف

    أورد المشرع السوري في المادة 548 من قانون العقوبات حكما يعفي بموجبه مرتكب القتل أو الإيذاء من العقاب، أو يخفف عقابه فقط، عند إقدامه على الفعل مدفوعاً بعامل العرض أو الشرف.

    وهذا العذر المحل او المخفف يعتبر انعكاساً لتقاليدنا الاجتماعية الموروثة منذ القدم، تلك التقاليد التي يستغلها البعض، أحياناً، ويسيء استخدامها مستفيداً من الرخصة القانونية بالقتل التي منحها المشرع في المادة 548، ليمارس سطوة الذكر على الأنثى التي لم تعد تأتلف مع التطور الاجتماعي والاقتصادي والعلمي الذي بلغه المجتمع، بمساواة الأنثى مع الذكر في الحياة العامة.

    وكثيرا ما نسمع عن إقدام أخ على قتل أخته أو أب على قتل ابنته لمجرد خروجها مع شاب غريب، أو زواجها به دون موافقتهما، أو لمجرد نشوء علاقة حب بريئة ونبيلة بينهما، مستغلين استغلالاً سيئاً لعادات المجتمع وأخلاقه ومثله وحرصه في المحافظة على الشرف والعرض.

    أما نص المادة 548 فجاء كما يلي:

     “1- يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل او إيذاء احدهما بغير عمد.

     2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع أخر”.

    بتحليل هذا النص نستخلص النقاط التالية:

     – إن الحكمة والأساس الذي يقوم عليه العذر الوارد فيه هو الاستفزاز العنيف الذي يبعث الإثارة في نفس الفاعل،  ويفقده أعصابه وحرية تفكيره.

    فهذه الحالة التي يوجد فيها مرتكب الفعل عند مفاجأته لزوجته أو قريبته في وضع حساس يثير في نفسه الغضب الشديد والاستفزاز نتيجة هذا المشهد الذي لم يتوقعه فيقدم على فعل القتل تحت تأثير الغضب و هول المفاجأة التي سيطرت على نفسه فأنقصت من قوة إرادته وحرية اختياره أو أعدمتهما، وهذا ما ينقص من مسئوليته الجزائية التي تقوم أصلاً على الإدراك وحرية الاختيار.

    – تطلب المشرع للاستفادة من العذر شروطاً خاصة بأطراف العذر تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه أو الصفات التي يجب توافرها فيهما.

    كما تطلب شروط خاصة بالواقعة التي أدت إلى ارتكاب القتل، الجرم المشهود أو الوضع المريب، وبظروف الحادثة من حيث توفر عنصر المفاجأة.

    أولا- الشروط المتعلقة بأطراف العذر.

    هذه الشروط تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه، ومدى أهمية وجود هذه العلاقة في الحكمة من تطبيق العذر.

     فنص المادة 548 اشترط وجود علاقة الزوجية أو رابطة القرابة بين أطراف العذر، وقام بتحديد الأشخاص المستفيدين من العذر وشخص المجني عليه بصورة حصرية لا يمكن التوسع فيها، ولا القياس عليها.

    1- علاقة الزوجية.

     عرف قانون الأحوال الشخصية في مادته الأولى الزواج بأنه

    “عقد بين رجل وامرأة تحل له شرع غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل”.

     وهذا النص هو المرجع في تحديد الصفة الزوجية بالنسبة للسوريين المسلمين وغير المسلمين .

    وهذا الزواج هو ما تشترط المادة 548 قيامه، أي الزواج الشرعي الذي استوفي كافة أركان انعقاده.

     أما العلاقة التي تقوم بين رجل وامرأة دون عقد زواج (concobinage، المساكنة)، فلا يستفيد بموجبها الجاني من العذر حتى ولو تجسدت هذه العلاقة بالاتصال الجنسي والعيش المشترك وإنجاب الأطفال، طالما أن هذه العلاقة غير شرعية.

     والعشيق الذي يفاجأ عشيقته في صلات جنسية مع شخص أخر فيقدم على قتلها أو إيذائها لا يستفيد من هذا العذر.

    والعلاقة الزوجية هي من العلاقات المؤقتة التي تبدأ في وقت محدد (بالعقد)، وتنتهي في وقت محدد أيضا، بالطلاق البائن أو الفسخ أو الموت.

    ولا يستفيد الشخص من العذر الوارد في المادة 548 إلا أثناء قيام العلاقة الزوجية، لا قبلها ولا بعدها.

     والطلاق الرجعي لا ينهي العلاقة الزوجية ما دامت عدته لم تنتهي، فالزوج يستفيد من العذر إذا قتل مطلقته رجعية إذا فاجأها بالأوضاع السابقة خلال فترة العدة .

    والواضح من نص المادة المذكورة أنها تشمل كلا طرفي العلاقة الزوجية  (الزوج والزوجة ) في الاستفادة من العذر الوارد بها، إذا أقدم أحدهما على قتل أو إيذاء الأخر حال مفاجأته بجرم الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.

     فباستخدامه لعبارة ” من فاجأ زوجه ” التي تفيد معنى الزوج والزوجة على حد سواء يقطع الجدل القائم على أن هذا الحق هو للزوج فقط دون الزوجة.

    لا سيما وأن عبارة زوجه هي ترجمة من الأصل الفرنسي لعبارة “conjoint” التي تفيد معنى الذكر والأنثى، ولا تقتصر على أحدهما.

    فضلا عن أن المشرع لو أراد قصر حق الاستفادة من العذر على الزوج فقط لكان ذكر بصراحة عبارة “زوجته” بدل “زوجة” على نحو ما فعلت تشريعات أخري .

    2- رابطة القربي.

    وسع المشرع في نص المادة 548 في منح العذر ، فلم يقصره فقط على الزوجين، وإنما مد نطاقه إلى الأقرباء بالدرجة التي حددها على سبيل الحصر ” بالأصول والفروع والأخوة “. فهؤلاء الأقرباء لا تقل درجة استفزازهم في هذا الموقف عن درجة استفزاز الزوج أو الزوجة، وذلك نظرا للصلة الوثيقة التي تربطهم بالمجني عليه، والتي قد تفوق علاقة الزوجية قرية في بعض الأحيان.

    صفة الجاني

    يلاحظ أن المشرع لم يأخذ في النص بكافة درجات القرابة للاستفادة من العذر، وإنما اشترط صلة قرابة معينة ومحددة على سبيل الحصر، وهي قرابة النسب، أي بين الأصول والفروع، ومن قرابة الحواشي، قرابة الأخوة فقط.

     وبذلك لا تصلح قرابة المصاهرة، ولا قرابة الرضاع، التي ليس لها أثر إلا في تحريم الزواج فقط .

     باختصار، إن القرابة المشتركة لتطبيق النص هي القرابة النسبية بين الأصول والفروع وبين الأخوة.

     ويستفيد من العذر الأصول والفروع سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، فالنص جاء مطلقاً بذكره عبارة ” أحد أصوله أو فروعه “، بالتالي، فالعذر يشمل الأباء والأمهات والجدود والجدات مهما علو ومهما علون، وكذلك الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات مهما نزلوا ومهما نزلن .

    أما الأخوة، فلا يستفيد من العذر، بتقديرنا، إلا الذكور فقط دون الأخوات الإناث  ذلك لأن النص جاء بعبارة أخته” بين أشخاص المجني عليهم، فالمخاطب فيه هو الذكر، وبالتالي وجب أن يكون الجاني ذكر” وليس أنثى، أي أخا لا أختاً،  وذلك بخلاف الأصول والفروع الذين ذكرهم النص بشكل مطلق دون تحديد جنسهم، مما يجعل القاعدة الفقهية القائلة المطلق يجري على إطلاقه” واجبة التطبيق بهذا الصدد.

     ويستوي في الأخوة أن يكونوا أشقاء أم غير أشقاء، المهم في ذلك، أن تكون قرابتهم قرابة نسب لا قرابة رضاع.

    صفة المجني عليه.

    لقد أفاد النص من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما”، إذن فالمجني عليه قد يكون شخصاً واحداً، وقد يكونوا شخصين، بشرط أن يتمتع أحدهما بإحدى صفتين هما: صفة الزوجية أو القرابة، وصفة الشريك.

    فقد يكون المجني عليه أحد طرفي العلاقة الزوجية، وهم الزوج أو الزوجة عندما يفاجئه زوجه الأخر بإحدى الأوضاع المحددة في النص.

    وقد يكون المجني عليه أحد الأصول أو الفروع أو الأخت، ولا يصلح أن يكون الأخ هو المجني عليه طالما أن النص قيد ذلك بعبارة “أو أخته”.

    وبالرغم من أن نص المادة 548 قد يوحي بأن المجني عليه من الأصول والفروع يمكن أن يكون أنثى كما يمكن أن يكون ذكراً، باستخدامه لعبارة أو أحد أصوله أو فروعه، التي تشير إلى الذكور والإناث على حد سواء.

    إلا أنه إذا كان يستوي في الجاني أن يكون ذكر أو أنثى في الأصول والفروع، فلا يمكن في المجني عليهم فيها إلا أن يكون أنثى. وهذا ما يؤكده النص الفرنسي الأصلي للمادة 548 القاطع الدلالة في أن المجني عليه في الأصول والفروع لابد أن يكون من الإناث  فكان الأولى بالنص العربي أن يكون واضحة وضوح النص الفرنسي بوجوب ذكر أو إحدى أصوله أو فروعه التي تشير إلى الإناث فقط دون الذكور.

    والخلاصة، أن الجاني في صلة القربي قد يكون ذكر أو أنثى، أما المجني عليه فيها فلا يمكن إلا أن يكون أنثى.

    أما الشريك في المعنى المقصود بالنص فهو الشخص الذي يأتي مع الزوج أو الزوجة أو إحدى الأصول أو الفروع أو الأخوات فعل الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء، أو يوجد مع أحدهم أو إحداهن في حالة مريبة.

     وسيان أن يكون هذا الشريك قريبا للجاني أو غريبة عنه، ذكراً كان أم أنثى، فلا عبرة بعلاقته بالجاني ولا بجنسه.

     المهم أن يضبط في إحدى الأوضاع المقررة في النص مع أحد الأشخاص المذكورين فيها. وسيان أيضا أن يقع القتل على الشريك وحده أم على الزوج أو الزوجة أو القريبة وحدها أم على كلاهما، فالجاني يستفيد من العذر.

    وتجدر الإشارة إلى أن العذر الوارد في النص هو من الأعذار الشخصية، فلا يستفيد منه إلا الشخص الذي يتوافر فيه.

     فإذا تعدد المشتركين في القتل والإيذاء فإن حكم العذر يسري فقط على الشخص الذي تم ذكره فقط في النص، من زوج أو أصل أو فرع أو أخ، أيا كان دوره في الجريمة، سواء كان فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً.

     أما المساهمين الأخرين فلا يطالهم الإعفاء، بل تطبق عليهم أحكام جرم القتل المقصود، كل حسب دوره في الجريمة.

    ثانيا – الشروط المتعلقة بالواقعة

    إضافة للشروط المتعلقة بأطراف العذر، فلقد تطلب المشرع شروط أخرى تتعلق بالواقعة الحاصلة بين هذه الأطراف.

     وهذه الواقعة لها وجهان:

     الأول، هو الفعل الذي يرتكبه المجني عليه ويفاجئه به الجاني فتثور ثائرته ويقدم على قتله أو إيذائه، ويتمثل هذا الفعل بالزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة مع شخص أخر.

    والثاني، وهو فعل الاعتداء الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجئته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال السابقة، ويتمثل بالقتل أو الإيذاء.

    1- المفاجأة.  

    إن المفاجأة هي الأساس الذي يرتكز عليه العذر .

    ولقد حدد المشرع الحالات الحصرية للمفاجأة وهي الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.

    والأسئلة التي تثار هنا:

    – ما معنى المفاجأة التي يتطلبها المشرع وعلى من يجب أن تقع؟ – ما مفهوم الزنا المشهود و الصلات الجنسية الفحشاء والحالة المريبة ومعيار التمييز بينهم؟

    – بالنسبة للتساؤل الأول، فظاهر النص يوحي بأن الشخص الذي يجب أن يتفاجيء هو المجني عليه فقط دون الجاني. فالنص أورد “من فاجئ زوجه أو …” ولم يورد من امن فوجئ بزوجه أو …. إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالمفاجأة يجب أن تقع على الجاني إضافة للمجني عليه.

    وذلك لأن علم الجاني بشكل يقيني بزنا زوجته، وعدم توفر عنصر المفاجأة بالنسبة له، لا يجعله مستفيدا من العذر لاسيما وأن نص المادة 548 اشترط أن يكون الجاني قد “أقدم على القتل أو الإيذاء بغير عمد”.

     وهذا ما لا يتوافر في حالة العلم اليقيني بزنا الزوجة، حيث يقدم الزوج على فعله بعد تفكير هادئ و عميق بعيدا عن الانفعال والغضب.

    إلا أنه يجب التمييز بهذا الصدد بين العلم اليقيني وبين مجرد الشك والارتياب .

     ففي الحالة الأولى، عندما يتيقن الجاني من خيانة زوجته أو قريبته فيقدم على القتل مصطنعة المفاجأة، ومدبراً وجود المجني عليها في وضع الزنا كي يستفيد من العذر.

     فهذا لا يستفيد طالما انتفي لديه عنصر المفاجأة الذي يخلق لديه الاستفزاز والغضب اللذان يدفعانه إلى ارتكاب الجريمة، كما أنه في أغلب الأحوال يتعمد القتل بدافع الانتقام.

    فالزوج الذي يكون واثقاً من خيانة زوجته فيدير الأمر لضبطها متلبسة بخطيئتها، كأن يتظاهر بأنه سيغيب عن البيت ثم يكمن فيه، ويقتل الاثنين متلبسين بالزنا، لا ينال من العذر شيئاً.

    أما ذاك الذي يرتاب ويشك بسلوكك زوجته أو أخته مثلا، فيراقبها ليتأكد من صحة شكوكه أو عدم صحتها، حتى إذا تشاهدها ترتكب الزنا، استحال شکه إلى يقين فثار وقتلها، فهذا الجاني يستفيد بلا ريب من العذر .

    فالشك أو الارتياب لا ينفي عنصر المفاجأة الذي يتحقق طالما أن احتمال الخيانة لدى الزوج يقابله احتمال عدم الخيانة .

    – أما التساؤل الثاني، فالزنا يقع بالاتصال الجنسي الكامل والطبيعي بين رجل وامرأة خارج إطار العلاقة الزوجية.

    وتتمثل الاستفادة من العذر عند مفاجأة الزوج لزوجته أو الأخ لأخته في حالة جماع مع شخص غريب.

    إلا أن مفهوم الزنا المشهود، حسب المادة 548، لا يقتصر على هذا المعنى الضيق فقط. فليس المقصود في هذا النص أن يشاهد الزوج زوجته في لحظة ارتكاب فعل الزنا نفسه بحيث تصبح الخيانة من الناحية الواقعية حقيقة ثابتة،، بل يكفي أن تكون فكرة الخيانة من الناحية التصورية ماثلة أمامه، أي أن تؤدي جميع الملابسات إلى هذه الفكرة وتجعلها مقبولة عق”.

    فيكفي أن يشاهد الزوج زوجته في ظروف لا تترك مجالا للشك عقلا في أن الزنا قد وقع أو أنه وشيك الوقوع.

    وتطبيقاُ لذلك قضت محكمة النقض السورية بقيام حالة الزنا المشهود في حالة وجود الزوجة وشريكها في غرفة مغلقة وانفرادهما معا في وقت متأخر من الليل .

    وقضت محكمة النقض المصرية بتوافر العذر إذا دخل الزوج غرفة النوم فوجد فيها المتهم مختفيا تحت السرير وكان خالعة حذاءه، وكانت الزوجة عند قدومه في حالة ارتباك شديد ولا يسترها شيء غير جلابية النوم، أو دخل المنزل فوجد زوجته وعشيقها بغير سراويل وقد وضعت ملابسهما الداخلية بعضها بجوار بعض، أو دخل المنزل فلاحظ وجود حركة تحت السرير وبرفعه الملاءة وجد الشريك ونصفه الأسفل عار وهو يمسك بملابسه .

     إلا أن الأمر قد لا يقتصر على هذه الصور، فلو فاجأ الزوج زوجته مع غريب في حالة جماع خلاف الطبيعة، أو فاجأها بحالة سحاق مع أخرى ، فهذه الحالات لا تشكل زنا بالمعنى القانوني.

    وهذا ما دفع المشرع السوري إلى إيراد عبارة أو صلات جنسية فحشاء” جنبا إلى جنب مع الزنا، ليطال تلك الوقائع الجنسية الفحشاء التي لا ينطبق عليها مفهوم الزنا.

    والنتيجة، فإن مفاجأة أحد طرفي العلاقة الزوجية للأخر أو أحد الأصول أو الفروع أو الأخ للأخت أو لإحدى الأصول أو الفروع في حالة الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء المشهودة، يمنح هذا الشخص رخصة في القتل أو الإيذاء، من خلال استفادته من العذر المحل من العقاب.

     

    الحالة المريبة

    عندما يفاجأ الزوج زوجته أو ابنته أو أمه أو الأخ أخته في حالة مريبة مع شخص آخر، فيقدم على القتل أو الإيذاء، يستفيد من عذر مخفف للعقاب.

     ولقد قلنا سابقا أنه إذا وجدت الزوجة أو من في حكمها في ظروف لا تدع مجالا للشك عقلا في أن الزنا قد وقع أو في سبيله إلى الوقوع فإن هذا يعتبر زن مشهود وفق المادة 548، كمشاهدة المجني عليها مع رجل أجنبي في الفراش وهما يرتديان الملابس الداخلية.

    أما الحالة المريبة فلا تعني مفاجأة المجني عليها في ظروف لا تدع مجالا للشك بوقوع الزنا أو في سبيله   إلى الوقوع، وإنما تعني الحالة التي تثير الشك والريبة بحدوث الزنا، أي أن هذه الحالة تكون غير مالوفة في المجرى العادي للأمور، ويعتقد معها بوقوع الزنا أو في سبيله إلى الوقوع.

    ففي الحالة المريبة لا يشاهد الجاني فعل الزنا الفعلي، ولا تكون الظروف قاطعة على وجه اليقين بوقوع الزنا، وإنما يشاهد حالة تدعو الظروف فيها إلى الارتياب بوقوع الزنا، والظروف التي تدعو إلى الشك هي الظروف المحيطة بالحالة، سواء أكانت موضوعية أم شخصية.

    وتطبيقاً لذلك اعتبرت محكمة النقض السورية أن

     “الوالد الذي يقتل ابنته في بيت عشيقها الذي تقيم معه، ويتعاطی معها الزنا والفجور في أي وقت، يستفيد من العذر المخفف، لأنها أوجدت نفسها في حالة مريبة و على فراش غير مشروع “.

     وفي قرار آخر اعتبرت محكمة النقض

    “أن المرأة التي تقيم في منزل قد أعد لارتكاب الفجور بها بصورة سرية أو علنية وأعدت نفسها لتلقي الجماع في أي وقت كان قد أصبحت في حالة مريبة و على فراش غير مشروع وجعلت الاعتداء عليها مقترنا بالعذر المخفف وفقا للمادة 548، فإقدام الفاعل على قتل شقيقته المومس في دار عشيقها يجعله مستفيداً من العذر المخفف.

     بالمقابل فلقد اتجه القضاء السوري إلى استبعاد توافر الحالة المريبة عند الشخص الذي يشاهد نتيجة الزنا فقط دون أن يشاهد الفعل أو الحالة المريبة.

    فلقد قضت محكمة النقض أن الفاعل لم يفاجأ ابنته المغدورة في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص أخر أو في حالة مريية وإنما شاهد عليها علائم الحمل سفاحا مما يجعل أمر استفادته من العذر المحل أو المخفف غير وارد حسب المادة 548، وان كان الفاعل يستفيد في هذا الحالة من عذر الدافع الشريف .

     ولا تعتبر الحالة المريبة متوفرة إذا كانت الظروف المحيطة بالواقعة معتادة بين الزوجة والشخص الذي فاجأها الزوج معه حسب العادات والتقاليد المتعارف عليها، وذلك كوجود الزوجة مع أحد محارمها، أو كانت طبيعة عملها تستدعي وجودها في تلك الحالة، كالطبيبة عندما تكشف على المريض.

    كما لا تعتبر الحالة المريبة متوافرة إذا كان الجاني قد راى المجني عليها في وضع تاباه التقاليد ولكنه لا يثير الشك في قيام الصلة الجنسية غير المشروعة بينها وبين آخر أو توقع قيامها، كمشاهدة الأخ لأخته في الطريق العام مع شخص غريب، أو تجلس معه في مكان عام، مطعم أو سينما.

    2- فعل الاعتداء.

    هو الفعل الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجأته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال المحددة بالنص مع شخص آخر، ويتمثل هذا الفعل بالقتل أو الإيذاء.

     والعذر يشمل جريمة القتل المقصود، وجريمة الإيذاء المقصود بكافة صورها الجنحية والجنائية.

     أما غير هذه الأفعال فلا يستفيد مرتكبها من العذر .

     فإقدام الجاني على إتلاف أموال المجني عليه، أو هتك عرض شريك الزانية أو اغتصاب إحدى محارمه وما إلى ذلك من اعتداءات لا يشملها العذر.

    وسيان أن يقع القتل أو الإيذاء بأية وسيلة، کالمسدس أو السكين أو الأيدي فقط.

    ولقد اشترط نص المادة 548 في فعل القتل أو الإيذاء أن يقع بغير عمد، ذلك لأن الذي يبرر الإعفاء أو التخفيف من العقوبة هو شدة الانفعال النفسي الذي يستبد بالجاني ويدفعه إلى ارتكاب الجريمة، فإذا انتفي هذا الانفعال لدى الجاني، كما في حالة القتل العمد، فلا تتحقق هذه الحكمة، حيث أن الجاني في حالة العمد يقدم على ارتكاب جريمته بعيداً عن الانفعال والغضب، وبعد أن أخذ الوقت الكافي من التفكير الهادئ و التصميم على ارتكاب جريمته.

    فلو فاجأ الزوج زوجته بحالة مريبة مع عشيقها ولم يقدم على قتلها فور المفاجأة بل انتظر فترة من الزمن كانت كافية لهدوء نفسه واستعادة وعيه ثم أقدم على قتلها فلا يستفيد من العذر لوقوع الفعل عمدا.

    كما يعتبر العمد متوافراً في حالة الجاني الذي يعرض عن فكرة القتل عند مفاجأة المجني عليها، ويستعيد توازنه، ويفكر ملياً، ثم يعود ويقتلها بعد فترة.

    أو حالة الجاني الذي يستدرج زوجته أو قريبته بعد علمه بخطيئتها إلى مكان ما، ثم يتآمر على قتلها ويخطط لذلك

    – أما عن أثر العذر على العقوبة:

     فالعذر المحل يعفي الجاني من العقوبة وحدها دون سائر الآثار القانونية، فيمكن توقيع تدابير الاحتراز وتدابير الإصلاح على المستفيد ما عدا العزلة (م 240 عقوبات).

     أما العذر المخفف فهو كما يدل اسمه يخفف العقاب فقط. ولقد سكت نص المادة 548 عن تحديد مفعول هذا العذر ومقداره.

    وعند السكوت يحيل القانون إلى نص المادة 241 من قانون العقوبات باعتبارها النص العام، وتخفف العقوبة وفقا لأحكامها .

     وبموجب هذا النص فإن الجناية تنقلب إلى جنحة، والجنحة إلى مخالفة.

    وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن فعل القتل أو الإيذاء في نص المادة 548 إذا لم يستجمع شروط العذر الوارد فيه، فقد يستجمع شروط العذر المخفف الوارد في المادة 242، وهو عذر الإثارة، أو شروط عذر الدافع الشريف الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات.

    – أما عذر الإثارة فبموجبه “يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير سحق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”.

     ويشترط الاستفادة مرتكب القتل أو الإيذاء من هذا العذر أن تستولي عليه ثورة غضب شديد تسلبه قسماً من وعيه وإرادته كنتيجة لتصرف، غیر محق وعلى جانب من الخطورة، قام به المجني عليه.

     أما إذا كان تصرف المجني عليه محق أو مشروعة، كإقدام الشرطي على القبض على السارق، فلا يحق للأخير أن يحتج بالاستفزاز إذا أقدم على الاعتداء على الشرطي.

    أما خطورة الفعل فأمر يقدر تبعا للظروف ولدرجة تأثيرها على مرتكب القتل أو الإيذاء.

     فما يثير شخصاً عصبية کثیر الحساسية قد لا يكون له أي أثر على شخص يتمتع بأعصاب هادئة ومزاج متزن.

     – أما الدافع الشريف، الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات، فقد يستفيد منه أيضأ مرتكبي جرائم العرض و الشرف عند فقدان شروط المادة 548.

     إلا أن تخفيف العقاب فيه يختلف عن الأعذار الأخرى. فعذر الإثارة يقلب الجناية إلى جنحة، أما عذر الدافع الشريف فيبقي على صفة الجناية المشمولة به .

  •  ماسبب تشديد عقوبة قتل حدث دون الخامسة عشرة من عمره؟

     قتل حدث دون الخامسة عشرة من عمره

    إن الحكمة من تشديد العقاب في هذه الحالة تتجلى في حرص المشرع على حماية الأحداث الذين يتصفون بالضعف والعجز عن حماية أنفسهم.

     وان كنا نرى أن هذه الحكمة لا تقتصر فقط على الأحداث، بل تطال أيضا كل إنسان لا يقدر على الدفاع عن نفسه، الضعف أو عجز أو عاهة أو كبر سن.

     فكان أولى بالمشرع أن يمد شمول هذا النص لهؤلاء أيضا.

    والملاحظ أن المشرع لم يوفق باستخدامه لعبارة (دون الخامسة عشرة)، وكان الأولى به أن يستخدم عبارة (لم يتم الخامسة عشرة)، لا سيما وأنه قام بهذا التعديل بصدد الجرائم المتعلقة بالأخلاق والآداب كلها، حيث استعاض عن كلمة “دون” بكلمة لم يتم”.

     وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا بد لتطبيق نص التشديد هذا أن لا يكون القاتل أحد أصول الحدث، ففي هذه الحالة يطبق على القائل ظرف التشديد الوارد في المادة 535، قتل الأصول أو الفروع، وعقابه الإعدام.

     وأن لا يكون القتل مما ينطبق عليه ظرف التخفيف الوارد في المادة 337، قتل الأم لوليدها الذي حملت به سفاحاً، حيث يصبح العقاب الاعتقال من ثلاث إلى خمس عشرة سنة. ويفترض علم الجاني بسن الحدث، أي علمه بأن فعله يقع على حدث دون الخامسة عشرة من عمره، فإذا انتفى علمه انتفى تبعاً لذلك ظرف التشديد.

    والعلم بسن الحدث يثبت غالباً من مظهر الحدث لا سيما إذا كان بعيداً عن السن المذكورة.

     أما إذا كان مظهر الحدث يوحي بأنه تجاوز هذه السن، فلا بد من إثبات علم الجاني بسن الحدث بكافة طرق الإثبات، وإلا فلا مجال للتشديد لعدم ثبوت العلم.

  • ماهو  القتل تمهيداً لجنحة أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها أو للتهرب من العقاب؟

     القتل تمهيدا لجنحة أو تسهيلاً أو تنفيذا لها أو تسهيلاً لفرار المحرضين على تلك الجنحة أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب.

     

    تجدر الإشارة هنا إلى أنه كي يتوفر هذا السبب المشدد، الوارد في الفقرة الثانية من المادة 534، وتصبح العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، لابد أن تكون الغاية من القتل إما ارتكاب جريمة، أو التخلص من عقاب جريمة ذات وصفي جنحي.

    أما إذا كانت الغاية من القتل ارتكاب جريمة أو التخلص من عقاب جريمة ذات وصف جنائي، فيطبق عندئذ التشديد الوارد في المادة 535، ليصبح العقاب الإعدام وبالتالي فإن وصف الجريمة التي ارتكب القتل من أجلها هو الذي يحدد مقدار التشديد، والنص الواجب التطبيق.

    أما الحكمة من تشديد العقاب لهذا السبب فتتمثل في الخطورة البالغة الشخصية المجرم الذي يتخذ القتل، وهو من أخطر الجرائم، كوسيلة لتنفيذ جريمة أخرى أو للتخلص من مسؤوليتها ؛ مما يدل على مدى استخفافه بأرواح الناس.

     والمستغرب في موقف المشرع اقتصاره على الجنح والجنايات وإغفال المخالفات.

    فالشخص الذي يقتل تمهيداً الارتكاب مخالفة أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها لا يشدد عقابه بالرغم من توفر علة التشديد في المخالفات من باب أولى.

     فمن يقتل ليرتكب مخالفة لهو أخطر وأشد استخفاف بالقيم من ذاك الذي يقتل ليرتكب جنحة أو جناية.

    فالشخص الذي لا يتورع عن إزهاق روح إنسان كي يتسنى له ارتكاب مخالفة سير مثلا، أو للتهرب من مسئوليتها، لهو أولى بتشديد العقاب عليه من ذاك الذي يقتل بغاية السرقة جنحية كانت أو جنائية.

    وبتحليل الفقرة الثانية من المادة 534 يلاحظ أنها تحتوي على حالتين من حالات التشديد.

     

    الحالة الأولى:

    عندما يقدم الفاعل على القتل تمهيدا لارتكاب جنحة أو تسهیل ارتكابها أو تنفيذا لها، أي لارتكابها بالفعل.

    – والتمهيد هنا يعني اللجوء للقتل كعمل تحضيري لارتكاب الجنحة، أي أن القتل يقع قبل البدء بتنفيذ الجنحة. كمن يقتل أحد الأشخاص ليمهد لنفسه أو لغيره نشل محفظته.

     ويشدد عقاب القاتل هنا ولو لم ترتكب جريمة النشل لأي سبب من الأسباب، مادام النشل هو الغاية التي دفعت الفاعل للقتل.

     – أما تسهیل ارتكاب الجنحة أو تنفيذها ففيها يتزامن القتل مع ارتكاب الجنحة أو البدء بتنفيذها .

     كالنشال الذي يقتل ضحيته کي يستطيع إتمام نشل محفظته، أو يقتله عندما يضبطه، وهو يحاول نشله.

    الحالة الثانية:

    عندما يقدم الفاعل على القتل للتخلص من المسئولية الناشئة عن الجنحة. وتفترض هذه الحالة أن يقع القتل بعد ارتكاب الجنحة، للتمكن من الهرب، أو للإفلات من الملاحقة أو التوقيف أو المحاكمة.

    ومثالها أن يقترف الفاعل جنحة السرقة وينتبه عليه المجني عليه فيحاول الإمساك به، فلا يجد طريقة إلا قتله ليستطيع الهرب.

     أو يلاحقه رجل أمن، فلا يستطيع السارق الإفلات منه إلا بقتله ليتخلص من التوقيف.

     أو أن يلجأ السارق إلى قتل الشاهد الذي شاهده وهو يسرق، كي لا يدان بعقوبة السرقة.

    نستخلص من الحالتين السابقتين نتيجة مفادها:

    أنه ليس كل تلازم بين جريمة القتل وجنحة يعتبر كافيا لتشديد عقوبة القتل، بل لا بد أن يكون القتل هو الذي ساعد على ارتكاب الجرم الآخر، وذلك بإحدى الحالات المنصوص عليها قانونا (التمهيد أو التسهيل أو التنفيذ).

     ولابد أن يكون هناك علاقة سببية بين الجنحة والقتل، أي يجب أن تكون الجنحة هي سبب وقوع القتل لا العكس.

    فإذا كانت الجنحة هي التي مهدت للقتل أو سهلت ارتكابه فلا يتحقق التشديد القانوني.

     فحمل سلاح دون ترخيص يشكل جرماً جنحوي الوصف. فإذا تم القتل به فلا يمكن أن يؤدي إلى تشديد عقاب القتل.

     وإقدام الجاني على قتل ضحيته، ثم خطر بباله سرقة نقوده، فهذا أيضا لا يتوافر سبب التشديد، لأن السرقة لم تكن هي الدافع على القتل، ولم تكن الهدف الذي ارتكب الفاعل القتل من أجل تحقيقه.

    وتجدر الإشارة إلى أن النص القانوني في هاتين الحالتين لا يشترط أن يكون القاتل هو نفسه مرتكب الجنحة.

    بل يستوي في ذلك أن يكون الفاعل قد قتل تمهيدا أو تسهيلا أو تنفيذا لجنحة يرتكبها هو أو سواه، أو أن يقتل ليساعد نفسه أو يساعد غيره على الهرب أو التملص من المسئولية، سواء كان هو أم كان الأخر فاعلا للجنحة أو متدخلا فيها أو محرضا عليها.

     ولقد أشارت الفقرة الثانية من المادة 334 إلى هذه الصورة بصراحة عندما أوجبت التشديد على القائل “.. تسهيلا لفرار المحرضين على جنحة أو فاعليها أو المتدخلين فيها، أو للحيلولة بينهم وبين العقاب”.

    كما يستوي في نظر القانون، لتوافر سبب التشديد، أن يكون المجني عليه هو ذاته من وقع عليه القتل والجنحة، أو يكون المقتول شخصا أخر غير المجني عليه في الجنحة.

     فيستوي إذن أن يقع الفعلين على شخص واحد: کمن يتعرض للقتل بغاية سرقة أمواله، أو أن يكون لكل فعل منهما ضحية مختلفة: كمن يتعرض للقتل لأنه شاهد السرقة الواقعة على

  • ماهو تأثير ظروف النشاط الجرمي على قيام القصد في جرم القتل؟

    تأثير ظروف النشاط الجرمي على قيام القصد

    عندما يتحقق قصد الفاعل على الصورة التي بيناها، يتوفر عنصرا لعلم بأركان الجريمة، واتجاه الإرادة نحو النشاط والنتيجة معا، يتوفر الركن المعنوي لجرم القتل المقصود البسيط. ولا عبرة بعد ذلك للظروف الأخرى التي يمكن أن ترافق الفعل الجرمي:

    فلا عبرة بكون القصد محددا أو غير محدد، ولا بالوسيلة المستخدمة في القتل، ولا بالدافع إليه، ولا بالغلط في شخص المجني عليه.

    فكل هذه الظروف لا تعتبر من عناصر الركن المعنوي لجرم القتل المقصود وليس لها أثر في تكوينه.

    أولا – القصد المحدد والقصد غير المحدد

    يكون القصد محدداً في القتل عندما يهدف الفاعل إلى قتل شخص أو عدة أشخاص معينين بالذات.

    أما عندما ينصب هدفه على قتل شخص أو أشخاص لا على التعيين، فيكون القصد غير محدد.

     و المثال التقليدي على القصد غير المحدد، إلقاء متفجرة في مكان عام، أو سوق، أو احتفال … ويستوي من حيث المسئولية أن يكون القصد محددا أو غير محدد.

     وعلة المساواة تكمن في توفر القصد في الحالتين. فكلاهما قصد مباشر تنصب فيه إرادة المجرم على النشاط و على النتيجة.

     والنتيجة في القتل هي إزهاق روح إنسان حي، أيا كان، بغض النظر عن شخصيته أو عن تعيينه بالذات.

    ثانياً – القصد والوسيلة المستخدمة في القتل 

    لا عبرة للوسيلة المستخدمة في القتل في توفر القصد الجرمي.

     فقد يستعمل الفاعل أداة غير قاتلة بطبيعتها كوسيلة في القتل، ويوجه إرادته إلى استعمال هذه الوسيلة، والى تحقيق الوفاة من خلالها. فالعصا الصغير أو سكين المطبخ ليستا أسلحة قاتلة بطبيعتها.

    إلا أن إصرار الفاعل على القتل بهما جائز وممكن من خلال متابعة الطعن بالسكين في أماكن مختلفة من جسم الضحية، أو الضرب المتكرر بالعصا الصغيرة.

     بالمقابل، قد يستعمل الفاعل سلاحاً قاتلاً بطبيعته، كالمسدس، دون أن تتجه إرادته إلى إحداث الوفاة.

     كما لو أراد شخص تخويف شخص أخر لدفعه للهرب بإطلاق النار في الهواء، فاختل توازنه أثناء الإطلاق، فأصابت الرصاصة الشخص المراد تخويفه، فأردته قتيلا.

    فسيان إذن أن تكون الوسيلة المستخدمة في القتل قاتلة بطبيعتها أم لا في توفر القصد الجرمي.

     بالمقابل تعتبر هذه الوسيلة أحيانا قرينة على استخلاص النية في القتل، وان كانت قرينة نسبية قابلة لإثبات العكس.

     فيمكن استخلاص نية القتل من خلال استعمال سلاح ناري، والإصابة في مقتل، کالرأس أو القلب.

    كما يمكن اعتبار الوسيلة غير القاتلة قرينة على انتفاء النية، عند عدم ظهور ما يثبت خلاف ذلك. والخلاصة، إن وسيلة القتل لا يعتد بها في تكوين الركن المعنوي، وان كان يمكن الاستناد إليها في استخلاص النية أو نفيها.

    ثالثاً – القصد والدافع

    عرفت المادة 191 من قانون العقوبات الدافع في فقرتها الأولى بأنه

     “العلة التي تحمل الفاعل على الفعل، أو الغاية القصوى التي يتوخاها”.

    وقضت في فقرتها الثانية بأن الدافع لا يكون “عنصراً من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي عينها القانون.

     يستخلص من نص الفقرة الثانية أنه عندما يعتبر الدافع عنصرا من العناصر التي تتكون منها الجريمة، معنى ذلك أنه أضحى مطلوباً كقصد جرمي خاص، إضافة للقصد الجرمي العام.

    إذن، في القتل، ما دام قد توفر العلم والإرادة، فسيان أن يكون الدافع لارتكاب القتل الانتقام أو الثأر أو الجشع أو الشفقة أو الدفاع عن مبدأ أو عقيدة.

     فالوصف يبقى قت مقصودة مهما كان الدافع إليه، ولا تأثير له في تكوين الركن المعنوي القتل .

     إلا أن المشرع قد اعتبر في القتل المخفف و المشدد الدافع عنصرا في تكوين الجريمة وفق النموذج القانوني المطلوب، مستلزماً توفر الدافع، كقصد جرمی خاص لقيام هذه الجريمة المخففة أو المشددة بالذات.

    فكما رأينا سابقا، فإن القتل المخفف الوارد في المادة 537، يستلزم لتخفيف العقاب على المرأة التي تقتل وليدها، أن يكون دافعها لذلك هو اتقاء العار.

     كما أن القتل المخفف الوارد في المادة 538يستلزم لتخفيف العقاب على القاتل أن يكون بدافع الشفقة.

    فاتقاء العار والشفقة مطلوبان، كقصد جرمي خاص، لقيام النموذج القانوني لهذين الجرمين.

    وعند انتفاء هذا القصد الخاص يبقى الوصف الجرمي للفعل قتلاً بسيطاً.

     كما شدد المشرع عقوبة القاتل الذي أقدم على فعله تمهيداً لارتكاب جريمة أو تسهيلاً لفرار فاعليها في المادة 535 من قانون العقوبات.

     فالتمهيد أو التسهيل هنا هو الدافع لارتكاب القتل، بالتالي يتطلبه المشرع كقصد جرمي خاص لهذا النموذج القانوني المشدد لجرم القتل.

     إضافة إلى اعتبار المشرع الدافع عنصراً في تكوين بعض الجرائم، داخلا في متطلبات عناصر الركن المعنوي فيها، كقصد جرمي خاص، فلقد أخذ المشرع الدافع بعين الاعتبار ليرتب عليه أثراً قانونياً، كعذر مخفف أو كسبب مشدد للعقاب، دون أن يتطلبه القانون عنصراً من عناصر الجريمة، أو قصد جرمية خاصة.

    فلقد قضى في المادة 192 من قانون العقوبات بتخفيف عقاب أية جريمة إذا كان الدافع إلى ارتكابها شريفاً ؛ وبتشديد عقابها، في المادة 193، إذا كان الدافع إلى ارتكابها شائناً.

     

    رابعاً – القصد والغلط في الشخص أو في الشخصية

    يتحقق الغلط في الشخص عندما يخطئ الفاعل فيصيب غير الذي كان يقصده، أو يصيب من كان يقصده ويتجاوزه إلى شخص أخر، فالخطأ في الشخص يعني الخطأ في التنفيذ أو في توجيه الفعل .

     كما لو أطلق الجاني النار على خصمه فأصاب شخصا أخر مارا بجواره، أو أصاب خصمه و شخصا أخر معه.

     أما الغلط في الشخصية فيتحقق عندما يوجه الفاعل نشاطه الإجرامي نحو شخص ما معتقدا أنه شخص آخر .

     كما الو أطلق الجاني النار على بكر معتقدا أنه خصمه زيد. والمبدأ، كما أسلفنا، أن المشرع يحمي بجرم القتل حياة الإنسان بغض النظر عن شخص المجني عليه عندما يخطئ الفاعل في التنفيذ، أو عن شخصية المجني عليه، عندما يخطئ الفاعل في هوية ضحيته.

     فما دام الجاني قد قصد إزهاق روح إنسان حي، فإن جرم القتل المقصود يتحقق، ولا يعتد بالغلط الذي وقع به في قيام الركن المعنوي .

    ولقد كرس المشرع السوري هذا المبدأ في نص المادة 205 من قانون العقوبات. ونصها:

    “1- إذا وقعت الجريمة على غير الشخص المقصود بها عوقب الفاعل كما لو كان اقترف الفعل بحق من كان يقصد.

    2- وإذا أصيب كلاهما أمكن زيادة النصف على العقوبة المذكورة في الفقرة السابقة”.

     نستنتج من هذا النص أن المشرع السوري ساوي في الحكم بين الغلط في الشخص أو في التنفيذ وبين الغلط في الشخصية، معتبرا أنه لا تأثير لذلك الغلط، مهما كان سببه، على قيام الركن المعنوي لجرم القتل المقصود.

     فما دام الفاعل قد وجه إرادته نحو إزهاق روح إنسان حي، فلا عبرة بعد ذلك إن أخطأ في التنفيذ فأصاب شخص آخر غير المقصود، أو أخطأ في الشخصية، فأصاب شخصا معتقدا أنه المقصود.

    والملاحظ أن المشرع، من خلال نص الفقرة الثانية من المادة السابقة، قد شدد عقاب الفاعل إذا أخطأ في التنفيذ وأصاب الشخص المقصود و شخصا آخر غير المقصود، بزيادة نصف عقوبة جرم القتل المقصود في هذه الحالة ؛ ولم يعتبر هذه الواقعة جريمتين، قتل مقصود وقتل غير مقصود، بل جريمة واحدة مركبة ، ما دامت قد نتجت عن فعل واحد، تعددت نتائجه الجرمية، معتبرا تعدد الجرائم ظرفاً مشدداً للعقاب.

    وهذا الحكم يشكل استثناء للقاعدة التي أقرها المشرع السوري في المادة 204 من قانون العقوبات، التي تقضي بإدغام العقوبات في حالة تعدد الجرائم المادي، أي تنفيذ عقوبة الجرم الأشد.

    بالتالي، نستطيع القول أنه لا مجال لتطبيق القواعد العامة المتعلقة باجتماع الجرائم المادي على حالة الغلط في الشخص أو في التنفيذ.

    خامساً- إثبات قصد القتل (نية إزهاق الروح)

    إن القصد الجرمي المتمثل بنية إزهاق الروح وحده الذي يميز القتل المقصود عن غيره من جرائم الدم، كالقتل غير المقصود أو الإيذاء المفضي إلى الموت، ما دامت هذه الجرائم كلها تتحد في أركان جريمة القتل الأخرى: ركن المحل والركن المادي.

    والنية عبارة عن أمر داخلي خفي لا يدرك بالحس الظاهر، وإنما يمكن استخلاصه من الظروف المحيطة بالدعوى والقرائن والأمارات و المظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتكشف عما يضمره في نفسه .

     واستخلاص هذه النية مسألة موضوعية يعود تقديرها لمحكمة الموضوع دون تعقيب أو رقابة من محكمة النقض.

    إلا أن ذلك يبقى مشروط بأن يكون استخلاص المحكمة النية سائغة، وأن تكون الوقائع والظروف التي استندت عليها المحكمة، وأسست عليها استخلاص النية، تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي رتبتها عليها، وأن لا يكون فيما استنتجته المحكمة من ثبوت النية من وقائع الدعوى أو ظروفها شطط أو مجافاة لتلك الوقائع .

    أما ظروف الدعوى والقرائن والأمارات والمظاهر الخارجية التي يستدل بها على وجود النية فهي:

    الظروف المحيطة بالواقعة: كالعلاقة بين الجاني والمجني عليه من نزاع أو ثأر أو تهديد أو ضغينة.

     والظروف التي نفذ فيها الفعل : كالترصد والتمثيل بالجثة وتكرار الطعنات أو الطلقات النارية.

     وظروف الجاني: كوجود سوابق له.

    والغرض الذي كان يسعى إلى تحقيقه: کالجشع والطمع.

     والوسائل التي استعملها لاقتراف الفعل، وموضع الإصابة وجسامتها ، وما إلى ذلك.

     فقد تستخلص المحكمة نية إزهاق الروح من الأداة التي استخدمها الفاعل ولو كان موضع الإصابة في مكان غير قاتل : كما لو استخدم الجاني سلاحا ناريا وأطلق منه النار على غريمه قاصدا قتله، فلم يصبه في مقتل لعدم خبرته في استعمال السلاح الناري.

     وقد تستخلصها المحكمة من إصابة المجني عليه في مقتل ولو بأداة غير قاتلة بطبيعتها: كالعصا الصغيرة إذا استعملت بشكل لا يدع مجالا للشك بوجود نية القتل، كتكرار الفاعل الضربات بها على رأس ضحيته حتى تهشم ومن باب أولى يصح استخلاص نية القتل من نوع الأداة المستخدمة إذا كانت قاتلة بطبيعتها ومن إصابة المجني عليه في مقتل، كالقلب أو الرأس.

    – وبهذا ننهي دراسة جريمة القتل البسيط الواردة في المادة 533 من قانون العقوبات. وهي الجريمة الأساس لجميع جرائم القتل المقصود، بعد أن حللنا أركانها الثلاثة التي يجب أن تتوفر في جميع جرائم القتل المقصود: بسيطا كان أو مشددة أو مخفف.

    وبالرغم من كفاية هذه الأركان القيام جرم القتل البسيط، فهي غير كافية لقيام جرائم القتل المشدد أو المخفف. تلك الجرائم التي لا بد أن تنضم فيها إلى الأركان السابقة، أسباب وظروف و عناصر إضافية تدعو إلى التشديد أو التخفيف، تم النصعليها في المواد 534 حتى 539 من قانون العقوبات.

  • ماهي علاقة السببية في جريمة القتل؟

    علاقة السببية

    إن الإنسان لا يسأل عن جريمة ما إلا إذا كانت نتيجة سلوكه أو نشاطه.

     وما لم تقم هذه الرابطة المادية بين السلوك والنتيجة، فلا يمكن إسناد الجريمة إليه .

    وباعتبار أن الركن المادي لجرم القتل عبارة عن فعل يؤدي إلى الوفاة، فلا بد من توافر رابطة سببية بين الفعل والوفاة، أي أن يكون هذا الفعل هو سبب وقوع الوفاة.

    ولعلاقة السببية أهميتها في كل جريمة يتطلب ركنها المادي نتيجة جرمية ، إذ تستند هذه النتيجة إلى الفعل المرتكب، وتقيم بذلك وحدة الركن المادي، ومن ثم المسئولية.

     وجريمة القتل هي من هذه النوعية التي يستلزم فيها القانون لتمام الجريمة، وقيام المسئولية، حدوث نتيجة جرمية، هي إزهاق الروح.

     يفرق بهذا الخصوص بين نوعين من الجرائم:

     جرائم الضرر التي يتطلب القانون فيها حصول نتيجة جرمية ضارة. وهي اغلب الجرائم، ولذلك لا بد من البحث فيها عن العلاقة السببية.

     وجرائم الخطر و أو الجرائم الشكلية التي لا يستلزم قيامها حصول أية نتيجة جرمية، وإنما تترتب المسئولية فيها على حصول الفعل أو الامتناع عن الفعل. كما هو الحال في كافة المخالفات وبعض الجنح كحيازة سلاح دون ترخيص، والقيادة بسرعة، وبالتالي لا داعي هنا للبحث عن رابطة سببية ما دام ما يعاقب عليه القانون هذا هو مجرد القيام بالعمل دون حاجة الحصول نتيجة جرمية أو وقوع ضرر.

    فلكي يكون هناك جرم قتل تام يجب أن تحصل الوفاة فعلاً.

     أما إذا اقتصر الأمر على فعل الاعتداء على الضحية بقصد قتلها، ولم تحصل الوفاة ، فيقف الأمر عند حد الشروع وفقاً للقواعد العامة.

    أيضا في القتل غير المقصود، لا بد أن يؤدي الخطأ المرتكب إلى نتيجة محددة هي الوفاة.

    أما إذا اقتصر الأمر على الفعل الخاطئ، فيقف الأمر عند حد الإيذاء غير المقصود، باعتبار أن الشروع غير متصور في الجرائم غیر المقصودة.

     إذن فالقتل هو من الجرائم التي تفضي إلى نتيجة ضارة، هي الموت، والذي تكتسب به رابطة السببية أهمية كبيرة،  في توصيف الفعل، ومن ثم قيام المسئولية ورابطة السيبية لا تثير أية مشكلة عندما يكون نشاط الفاعل هو السبب أو العامل الوحيد في إحداث النتيجة.

    فعندما يطعن الفاعل الضحية بسكين في صدره، أو يطلق عليه النار، فيموت على أثرها، فليس هناك من شك بأن فعل الطعن أو إطلاق النار هو السبب الذي أدى إلى الوفاة.

    كما لا تثير رابطة السييية صعوبة كبيرة في حالة إذا لم يكن فعل الجاني هو السبب المباشر في وقوع النتيجة الجرمية، بل انضمت إليه عوامل و أسباب أخرى أفضت إليها مباشرة، وكانت جميع هذه العوامل والأسباب متولدة عن فعله.

    وهذه الحالة يطلق عليها حالة ” تسلسل النتائج المتولدة عن الفعل الواحد”، حيث يؤدي فيها الفعل إلى نتيجة تحدث بدورها نتيجة أخرى وهكذا دواليك دون تدخل أي عامل خارجي مستقل عن تسلسل النتائج على الوجه المذكور .

     ومثالها إضرام النار في مخزن و امتداده إلى منزل مجاور وقضائه على من فيه، أو دس السم في طعام زيد من الناس فيأكل معه بكر ويموت.

    وفي هذه الحالة يسأل الفاعل عن النتائج المباشرة و المتوقعة لفعله.

    أي أن رابطة السببية تقتصر في هذه الحالة على النتائج التي تتصل بفعل الجاني اتصالاً مباشرة، وتكون متوقعة.

    فامتداد النار إلى المنزل المجاور وحريق سكانه، أو أكل بكر مع زيد وموته، هي نتائج مباشرة ومتوقعة يسأل عنها الفاعل.

     أما أن يموت شخص وهو يحاول أن يخمد الحريق المندلع في المنزل فلا يمكن اعتباره نتيجة مباشرة ولا متوقعة لفعل الاعتداء الأصلي، وبالتالي تنقطع رابطة السببية بهذه الحالة.

    بيد أن وقائع الحياة العملية تبرز حالة أكثر تعقيداً في مسألة العلاقة السببية وهي حالة ” تعدد الأسباب “.

     فكثيرا ما تتداخل عوامل مختلفة مستقلة عن الفعل تتضافر معه في إحداث النتيجة وترجع إلى أسباب عديدة سواء بفعل الضحية نفسه أو فعل غير الضحية، أو ظروف خارجة عن هذا وذاك ، هذه العوامل تشترك مع نشاط الفاعل في إحداث النتيجة الجرمية، بحيث يصبح من غير الجائز القول بأن نشاط الفاعل كان هو السبب الوحيد والمباشر في حصول النتيجة.

     ومن صورها أن يهمل الضحية علاج نفسه بعد إصابته مما يؤدي إلى وفاته، أو يجهز شخص ثالث على الضحية بعد إصابته، أو يساعد ضعف صحة الضحية على وفاته، أو يشب حريق في المستشفى التي نقل إليها، أو تصطدم المركبة التي تنقله وينتهي الأمر إلى وفاته.

    فهل تقطع هذه العوامل الأخرى رابطة السببية بين نشاط الفاعل وحدوث النتيجة الجرمية، الوفاة، بعد أن تداخلت بينهما و أسهمت في إحداث ما وقع من ضرر، أم أن الفاعل يبقى مسئولا عن الجريمة رغم تدخل هذه العوامل؟

    لقد وضعت عدة نظريات لحل مسألة تعدد الأسباب ومن أهمها :

    1-  نظرية تعادل الأسباب

    2- نظرية السبب المباشر

    3- نظرية السبب الملائم

    سنوجز أهمها، ومن ثم نتطرق لموقف المشرع السوري منها.

  • ماهي جريمة القتل البسيط وماهي أركانها؟

    القتل البسيط

     

    قلنا أن القتل المقصود يكون بسيطاً، ويطبق على فاعله العقاب المنصوص عليه في المادة 533، إذا لم يقترن بظرف من ظروف التشديد الواردة في المواد 534 – 535، أو بظرف من ظروف التخفيف الواردة في المواد 537-538 – 539 والقتل المقصود بكافة صوره هو جنائي الوصف، يتراوح العقاب فيه بين الثلاث سنوات كحد أدنى، والإعدام كحد أعلى.

    أما أركان القتل المقصود فهي واحدة أيضا في كافة صوره، البسيط أو المشدد أو المخفف، وهي ثلاثة:

    الركن المفترض: وهو خاص بمحل جريمة القتل، الذي يجب أن يكون إنسان على قيد الحياة أثناء وقوع الفعل عليه.

    الركن المادي: وهو فعل الاعتداء الواقع على الضحية، والذي تنشأ عنه الوفاة.

     الركن المعنوي: وهو القصد الجرمي الواجب توافره لدى الفاعل، وهو قصد إزهاق الروح.

    هذه الأركان أفصحت عنها المادة 533 من قانون العقوبات بقولها:

    ” من قتل إنساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة.

     وهذا النص يشير، كما أسلفنا، إلى الجريمة الأساس في القتل، ويطبق عند وقوع القتل مجرداَ عن أي حالة من حالات التشديد أو التخفيف. وهو يتضمن الأركان الثلاثة التي يجب توافرها في القتل بكافة صوره، وهي المحل، والفعل، والقصد.

    هذه الأركان الثلاثة، وان كانت مستنبطة من نص المادة 333 التي تحدثت عن القتل البسيط، إلا أنها أركان مشتركة يوجب القانون توافرها في جميع صور القتل المقصود، ما كان منها بسيطاً أو مشدداً أو مخففاً.

     فعند وقوع قتل مقصود ينظر إلى اجتماع هذه الأركان الثلاثة، فإن اجتمعت فيه دون أن ينضم إليها ظرف من ظروف التشديد أو التخفيف، اعتبر القتل بسيطاً، وطبق على فاعله العقاب الوارد في المادة 533. فهذه الأركان كافية إذن لقيام جرم القتل البسيط.

    أما إذا انضم إلى هذه الأركان ظرف تشديد أو ظرف تخفيف، اعتبر القتل مشددا أو مخفف. بالتالي فهذه الأركان لا تعتبر كافية لوحدها لقيام القتل المشدد أو المخفف، بل لا بد أن يتوفر إضافة إليها أحد ظروف التشديد أو التخفيف.

     – وقد عرف الفقيه الفرنسي غارو Garaud القتل المقصود بأنه “إزهاق روح إنسان قصدأ وبغير حق بفعل إنسان أخر .

     وقد عرفته المادة 221- 1 من قانون العقوبات الفرنسي الصادر عام 1994 بأنه “فعل إعطاء الموت قصدا للغير “.

    اما قانون العقوبات المصري فلقد نص في المادة 234 على القتل المقصود بقوله “من قتل إنسان عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب….

     من خلال هذه التعاريف، وما ورد في نص المادة 533 من قانون العقوبات السوري، يمكن القول بأن القتل المقصود هو فعل يودي بحياة إنسان قصدا.

     وهو ككل جريمة ينصب على موضوع أو محل معين، و المحل فيه هو الإنسان الحي، وهو ما يشكل الركن المفترض لجرم القتل.

     ويتكون من فعل يفضي إلى وفاة الضحية، وهو ما يشكل الركن المادي.

     وأخيرا يتطلب قصدأ جرمية، أي أن تتجه إرادة الفاعل إلى إزهاق روح الضحية، وهو الركن المعنوي.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1