ماهو تأثير ظروف النشاط الجرمي على قيام القصد في جرم القتل؟

تأثير ظروف النشاط الجرمي على قيام القصد

عندما يتحقق قصد الفاعل على الصورة التي بيناها، يتوفر عنصرا لعلم بأركان الجريمة، واتجاه الإرادة نحو النشاط والنتيجة معا، يتوفر الركن المعنوي لجرم القتل المقصود البسيط. ولا عبرة بعد ذلك للظروف الأخرى التي يمكن أن ترافق الفعل الجرمي:

فلا عبرة بكون القصد محددا أو غير محدد، ولا بالوسيلة المستخدمة في القتل، ولا بالدافع إليه، ولا بالغلط في شخص المجني عليه.

فكل هذه الظروف لا تعتبر من عناصر الركن المعنوي لجرم القتل المقصود وليس لها أثر في تكوينه.

أولا – القصد المحدد والقصد غير المحدد

يكون القصد محدداً في القتل عندما يهدف الفاعل إلى قتل شخص أو عدة أشخاص معينين بالذات.

أما عندما ينصب هدفه على قتل شخص أو أشخاص لا على التعيين، فيكون القصد غير محدد.

 و المثال التقليدي على القصد غير المحدد، إلقاء متفجرة في مكان عام، أو سوق، أو احتفال … ويستوي من حيث المسئولية أن يكون القصد محددا أو غير محدد.

 وعلة المساواة تكمن في توفر القصد في الحالتين. فكلاهما قصد مباشر تنصب فيه إرادة المجرم على النشاط و على النتيجة.

 والنتيجة في القتل هي إزهاق روح إنسان حي، أيا كان، بغض النظر عن شخصيته أو عن تعيينه بالذات.

ثانياً – القصد والوسيلة المستخدمة في القتل 

لا عبرة للوسيلة المستخدمة في القتل في توفر القصد الجرمي.

 فقد يستعمل الفاعل أداة غير قاتلة بطبيعتها كوسيلة في القتل، ويوجه إرادته إلى استعمال هذه الوسيلة، والى تحقيق الوفاة من خلالها. فالعصا الصغير أو سكين المطبخ ليستا أسلحة قاتلة بطبيعتها.

إلا أن إصرار الفاعل على القتل بهما جائز وممكن من خلال متابعة الطعن بالسكين في أماكن مختلفة من جسم الضحية، أو الضرب المتكرر بالعصا الصغيرة.

 بالمقابل، قد يستعمل الفاعل سلاحاً قاتلاً بطبيعته، كالمسدس، دون أن تتجه إرادته إلى إحداث الوفاة.

 كما لو أراد شخص تخويف شخص أخر لدفعه للهرب بإطلاق النار في الهواء، فاختل توازنه أثناء الإطلاق، فأصابت الرصاصة الشخص المراد تخويفه، فأردته قتيلا.

فسيان إذن أن تكون الوسيلة المستخدمة في القتل قاتلة بطبيعتها أم لا في توفر القصد الجرمي.

 بالمقابل تعتبر هذه الوسيلة أحيانا قرينة على استخلاص النية في القتل، وان كانت قرينة نسبية قابلة لإثبات العكس.

 فيمكن استخلاص نية القتل من خلال استعمال سلاح ناري، والإصابة في مقتل، کالرأس أو القلب.

كما يمكن اعتبار الوسيلة غير القاتلة قرينة على انتفاء النية، عند عدم ظهور ما يثبت خلاف ذلك. والخلاصة، إن وسيلة القتل لا يعتد بها في تكوين الركن المعنوي، وان كان يمكن الاستناد إليها في استخلاص النية أو نفيها.

ثالثاً – القصد والدافع

عرفت المادة 191 من قانون العقوبات الدافع في فقرتها الأولى بأنه

 “العلة التي تحمل الفاعل على الفعل، أو الغاية القصوى التي يتوخاها”.

وقضت في فقرتها الثانية بأن الدافع لا يكون “عنصراً من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي عينها القانون.

 يستخلص من نص الفقرة الثانية أنه عندما يعتبر الدافع عنصرا من العناصر التي تتكون منها الجريمة، معنى ذلك أنه أضحى مطلوباً كقصد جرمي خاص، إضافة للقصد الجرمي العام.

إذن، في القتل، ما دام قد توفر العلم والإرادة، فسيان أن يكون الدافع لارتكاب القتل الانتقام أو الثأر أو الجشع أو الشفقة أو الدفاع عن مبدأ أو عقيدة.

 فالوصف يبقى قت مقصودة مهما كان الدافع إليه، ولا تأثير له في تكوين الركن المعنوي القتل .

 إلا أن المشرع قد اعتبر في القتل المخفف و المشدد الدافع عنصرا في تكوين الجريمة وفق النموذج القانوني المطلوب، مستلزماً توفر الدافع، كقصد جرمی خاص لقيام هذه الجريمة المخففة أو المشددة بالذات.

فكما رأينا سابقا، فإن القتل المخفف الوارد في المادة 537، يستلزم لتخفيف العقاب على المرأة التي تقتل وليدها، أن يكون دافعها لذلك هو اتقاء العار.

 كما أن القتل المخفف الوارد في المادة 538يستلزم لتخفيف العقاب على القاتل أن يكون بدافع الشفقة.

فاتقاء العار والشفقة مطلوبان، كقصد جرمي خاص، لقيام النموذج القانوني لهذين الجرمين.

وعند انتفاء هذا القصد الخاص يبقى الوصف الجرمي للفعل قتلاً بسيطاً.

 كما شدد المشرع عقوبة القاتل الذي أقدم على فعله تمهيداً لارتكاب جريمة أو تسهيلاً لفرار فاعليها في المادة 535 من قانون العقوبات.

 فالتمهيد أو التسهيل هنا هو الدافع لارتكاب القتل، بالتالي يتطلبه المشرع كقصد جرمي خاص لهذا النموذج القانوني المشدد لجرم القتل.

 إضافة إلى اعتبار المشرع الدافع عنصراً في تكوين بعض الجرائم، داخلا في متطلبات عناصر الركن المعنوي فيها، كقصد جرمي خاص، فلقد أخذ المشرع الدافع بعين الاعتبار ليرتب عليه أثراً قانونياً، كعذر مخفف أو كسبب مشدد للعقاب، دون أن يتطلبه القانون عنصراً من عناصر الجريمة، أو قصد جرمية خاصة.

فلقد قضى في المادة 192 من قانون العقوبات بتخفيف عقاب أية جريمة إذا كان الدافع إلى ارتكابها شريفاً ؛ وبتشديد عقابها، في المادة 193، إذا كان الدافع إلى ارتكابها شائناً.

 

رابعاً – القصد والغلط في الشخص أو في الشخصية

يتحقق الغلط في الشخص عندما يخطئ الفاعل فيصيب غير الذي كان يقصده، أو يصيب من كان يقصده ويتجاوزه إلى شخص أخر، فالخطأ في الشخص يعني الخطأ في التنفيذ أو في توجيه الفعل .

 كما لو أطلق الجاني النار على خصمه فأصاب شخصا أخر مارا بجواره، أو أصاب خصمه و شخصا أخر معه.

 أما الغلط في الشخصية فيتحقق عندما يوجه الفاعل نشاطه الإجرامي نحو شخص ما معتقدا أنه شخص آخر .

 كما الو أطلق الجاني النار على بكر معتقدا أنه خصمه زيد. والمبدأ، كما أسلفنا، أن المشرع يحمي بجرم القتل حياة الإنسان بغض النظر عن شخص المجني عليه عندما يخطئ الفاعل في التنفيذ، أو عن شخصية المجني عليه، عندما يخطئ الفاعل في هوية ضحيته.

 فما دام الجاني قد قصد إزهاق روح إنسان حي، فإن جرم القتل المقصود يتحقق، ولا يعتد بالغلط الذي وقع به في قيام الركن المعنوي .

ولقد كرس المشرع السوري هذا المبدأ في نص المادة 205 من قانون العقوبات. ونصها:

“1- إذا وقعت الجريمة على غير الشخص المقصود بها عوقب الفاعل كما لو كان اقترف الفعل بحق من كان يقصد.

2- وإذا أصيب كلاهما أمكن زيادة النصف على العقوبة المذكورة في الفقرة السابقة”.

 نستنتج من هذا النص أن المشرع السوري ساوي في الحكم بين الغلط في الشخص أو في التنفيذ وبين الغلط في الشخصية، معتبرا أنه لا تأثير لذلك الغلط، مهما كان سببه، على قيام الركن المعنوي لجرم القتل المقصود.

 فما دام الفاعل قد وجه إرادته نحو إزهاق روح إنسان حي، فلا عبرة بعد ذلك إن أخطأ في التنفيذ فأصاب شخص آخر غير المقصود، أو أخطأ في الشخصية، فأصاب شخصا معتقدا أنه المقصود.

والملاحظ أن المشرع، من خلال نص الفقرة الثانية من المادة السابقة، قد شدد عقاب الفاعل إذا أخطأ في التنفيذ وأصاب الشخص المقصود و شخصا آخر غير المقصود، بزيادة نصف عقوبة جرم القتل المقصود في هذه الحالة ؛ ولم يعتبر هذه الواقعة جريمتين، قتل مقصود وقتل غير مقصود، بل جريمة واحدة مركبة ، ما دامت قد نتجت عن فعل واحد، تعددت نتائجه الجرمية، معتبرا تعدد الجرائم ظرفاً مشدداً للعقاب.

وهذا الحكم يشكل استثناء للقاعدة التي أقرها المشرع السوري في المادة 204 من قانون العقوبات، التي تقضي بإدغام العقوبات في حالة تعدد الجرائم المادي، أي تنفيذ عقوبة الجرم الأشد.

بالتالي، نستطيع القول أنه لا مجال لتطبيق القواعد العامة المتعلقة باجتماع الجرائم المادي على حالة الغلط في الشخص أو في التنفيذ.

خامساً- إثبات قصد القتل (نية إزهاق الروح)

إن القصد الجرمي المتمثل بنية إزهاق الروح وحده الذي يميز القتل المقصود عن غيره من جرائم الدم، كالقتل غير المقصود أو الإيذاء المفضي إلى الموت، ما دامت هذه الجرائم كلها تتحد في أركان جريمة القتل الأخرى: ركن المحل والركن المادي.

والنية عبارة عن أمر داخلي خفي لا يدرك بالحس الظاهر، وإنما يمكن استخلاصه من الظروف المحيطة بالدعوى والقرائن والأمارات و المظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتكشف عما يضمره في نفسه .

 واستخلاص هذه النية مسألة موضوعية يعود تقديرها لمحكمة الموضوع دون تعقيب أو رقابة من محكمة النقض.

إلا أن ذلك يبقى مشروط بأن يكون استخلاص المحكمة النية سائغة، وأن تكون الوقائع والظروف التي استندت عليها المحكمة، وأسست عليها استخلاص النية، تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي رتبتها عليها، وأن لا يكون فيما استنتجته المحكمة من ثبوت النية من وقائع الدعوى أو ظروفها شطط أو مجافاة لتلك الوقائع .

أما ظروف الدعوى والقرائن والأمارات والمظاهر الخارجية التي يستدل بها على وجود النية فهي:

الظروف المحيطة بالواقعة: كالعلاقة بين الجاني والمجني عليه من نزاع أو ثأر أو تهديد أو ضغينة.

 والظروف التي نفذ فيها الفعل : كالترصد والتمثيل بالجثة وتكرار الطعنات أو الطلقات النارية.

 وظروف الجاني: كوجود سوابق له.

والغرض الذي كان يسعى إلى تحقيقه: کالجشع والطمع.

 والوسائل التي استعملها لاقتراف الفعل، وموضع الإصابة وجسامتها ، وما إلى ذلك.

 فقد تستخلص المحكمة نية إزهاق الروح من الأداة التي استخدمها الفاعل ولو كان موضع الإصابة في مكان غير قاتل : كما لو استخدم الجاني سلاحا ناريا وأطلق منه النار على غريمه قاصدا قتله، فلم يصبه في مقتل لعدم خبرته في استعمال السلاح الناري.

 وقد تستخلصها المحكمة من إصابة المجني عليه في مقتل ولو بأداة غير قاتلة بطبيعتها: كالعصا الصغيرة إذا استعملت بشكل لا يدع مجالا للشك بوجود نية القتل، كتكرار الفاعل الضربات بها على رأس ضحيته حتى تهشم ومن باب أولى يصح استخلاص نية القتل من نوع الأداة المستخدمة إذا كانت قاتلة بطبيعتها ومن إصابة المجني عليه في مقتل، كالقلب أو الرأس.

– وبهذا ننهي دراسة جريمة القتل البسيط الواردة في المادة 533 من قانون العقوبات. وهي الجريمة الأساس لجميع جرائم القتل المقصود، بعد أن حللنا أركانها الثلاثة التي يجب أن تتوفر في جميع جرائم القتل المقصود: بسيطا كان أو مشددة أو مخفف.

وبالرغم من كفاية هذه الأركان القيام جرم القتل البسيط، فهي غير كافية لقيام جرائم القتل المشدد أو المخفف. تلك الجرائم التي لا بد أن تنضم فيها إلى الأركان السابقة، أسباب وظروف و عناصر إضافية تدعو إلى التشديد أو التخفيف، تم النصعليها في المواد 534 حتى 539 من قانون العقوبات.

Scroll to Top