الوسم: استشارة قانونية

  • اساءة الامانة في عقود الرهن

    إن المقصود بالرهن الذي أشارت إليه المادة 656 هو الرهن الحيازي الذي يضع به المدين منقولا في حيازة دائنه، أو حيازة شخص ثالث اتفق عليه المتعاقدان، ضمانا للدين.

    وهو يختلف عن الرهن التأميني الذي لا يقع إلا على عقار ولا يتضمن نقلا للحيازة إلى الدائن المرتهن.

    ويرتكب الدائن المرتهن إساءة الائتمان عندما يستغل وجود الشيء المنقول المرهون في حيازته فيستولي عليه مدعية ملكيته له و ناکرا ملكية المدين الراهن له.

     وعدم وفاء الراهن لدينه للمرتهن لا يبيح للأخير الاستيلاء على المال المرهون والتصرف به، فإن فعل فهو مسيء اللائتمان.

     ذلك أن سلطة المرتهن مقتصرة على حبس الشيء لحين استيفاء دينه بالتراضي، فإن لم يحصل فله أن يستوفي حقه من ثمن هذا الشيء، عن طريق مراجعة القضاء، بالتقدم والأولوية على أي دائن آخر للراهن .

     وذلك يعني أنه لا يجوز له التصرف بالمرهون أو تملكه ما لم يراجع القضاء، أما إذا استولى على المال المرهون دون الرجوع للقضاء قام في حقه جرم إساءة الائتمان.

     يبني على ذلك أن أي إخلال بشروط العقد من قبل المرتهن، لا يتضمن نكراناً لملكية الراهن للمال، لا تقوم به جريمة إساءة الائتمان، كما لو استعمل الشيء المرهون بدون موافقة الراهن، أو أساء استعماله إذا كان هناك موافقة، أو قصر في المحافظة عليه مما أدى لهلاکه.

    والأصل أن يقع الرهن الحيازي على المنقول، إلا أن ذلك لا يحول دون وقوعه أيضاً على العقار .

     ويمكننا تصور إساءة الائتمان في حالة الرهن الحيازي على عقار إذا قام المرتهن بالاستيلاء على بعض أجزاء هذا العقار سواء المخصصة لخدمته أو المتصلة به، تلك الأجزاء التي تعتبر موضوعا للتسليم الذي تقوم به جريمة إساءة الائتمان باعتبارها منقولات وفق مفهوم القانون الجزائي الواسع للمنقول.

    والأصل في الرهن الحيازي أن يكون المال المرهون مملوكاً للمدين.

     إلا أنه يجوز أن يكون المرهون ملكا لغير المدين، فيقدم شخص ما يملكه ضماناً لدين شخص أخر.

    فإذا قام المرتهن بالاستيلاء على هذا المال قام في حقه جرم إساءة الائتمان.

     وقد يتفق المتعاقدان على أن تكون حيازة المرهون لشخص ثالث، ففي هذه الحالة يرتكب الشخص الثالث إساءة الائتمان إذا اختلس المال المرهون باعتباره وديعة لديه، أما المرتهن فلا يتصور ارتكابه لإساءة الائتمان في هذه الحالة، باعتبار أن المال ليس في حيازته.

    والأصل أن يكون محل الرهن ما قيمياً حتى يتصور الالتزام برده عيناً.

    ولكن يجوز أن يكون محله مالا مثلياً إذا اتجهت نية الطرفين إلى اعتباره قيمياً ورده عيناً، فتقوم جريمة إساءة الائتمان بحق المرتهن إذا استولى على هذا المال المثلي.

     وتطبيقا لهذا يرتكب إساءة ائتمان رب العمل الذي يختلس النقود التي دفعها إليه مستخدموا المحل على سبيل التأمين عند دخولهم الخدمة لضمان حسن قيامهم بالعمل، متى كان من المتفق عليه رد الضمان بعينه و عدم التصرف فيه.

  • النتيجة الجرمية في إساءة الائتمان

    إن النتيجة الجرمية، كعنصر من عناصر الركن المادي لإساءة الائتمان، تتمثل بالضرر الذي يترتب على النشاط الجرمي فيها. فلا بد من توافر الضرر لاكتمال عناصر الركن المادي .

    وقد أشارت المواد 656-657 إلى ضرورة حصول الضرر فيها عندما حددت إحدى عقوبتي الجريمة بأنها الغرامية التي تتراوح بين ربع قيمة الردود والعطل والضرر وبين نصفها…” (المادة 656).

     والغرامة “حتى ربع قيمة الردود والعطل والضرر… (المادة 657).

     

    والضرر في إساءة الائتمان هو الضرر بمفهومه العام، فهو في جوهره اعتداء على حق أو مصلحة يحميها القانون، سواء تمثل هذا الاعتداء في تفويت کسب أو تحقيق خسارة.

     استناداً لذلك فإن الضرر في إساءة الائتمان يجب أن يفهم بأوسع معانيه: فيستوي فيه أن يكون مادياً أو معنوياً، حقيقياً أو احتمالياً، جسيماً أو يسيراً، يصيب مالك الشيء أو غيره ممن لهم على الشيء حقوق.

     كما يستوي فيه أن يكون المتضرر شخصا طبيعية أو اعتباري، معينة أو غير معين.

     كما يستوي فيه أن يكون المدعى عليه قد حصل على كسب من فعله أم لم يحصل  والضرر المادي الذي يصيب الذمة المالية للمجني عليه يساويه الضرر المعنوي الذي يصيب السمعة والمكانة. وتطبيقاً لذلك يعتبر مسئولاً عن إساءة الائتمان العامل بشركة لتوزيع الحليب الذي يضيف ماء إليه ويسلمه للزبائن، ويحتفظ لنفسه بثمن الكمية الزائدة، لأن الشركة وإن لم يصبها ضرر مادي، باعتبار أنه يرد إليها ثمن كمية الحليب الذي تم تسليمه، فقد يصيبها ضرر معنوي يتمثل في فقدانها لثقة زبائنها إذا اكتشفوا هذا الغش .

     ولا يشترط أن يصيب المجني عليه ضرر بالفعل أو حال، بل يكفي أن يكون هذا الضرر محتملا .

     ومن أمثلة الضرر المحتمل أن يتسلم وكيل مبلغا من المال ليدفعه سدادا لرسم أو أجر لعمل فينجز ما أسند إليه بغير مقابل أو بمقابل أقل، ولكن بطريقة غير مشروعة، ثم يحتفظ بما تبقى لنفسه.

    فالضرر هنا وإن لم يكن حالا إلا أنه محتمل، فقد يتعرض الموكل مستقبلا للمطالبة بالمبلغ كله أو بالفرق، وقد يطالب فضلا عن ذلك بالتعويض.

    ويستوي في تحقق الضرر کون قيمة الشيء محل إساءة الائتمان كبيراً أو ضئيللاً.

    إضافة إلى ذلك فإنه لا عبرة بشخصية المتضرر من الجريمة، فقد يكون المالك نفسه، وهو الأصل، ولكن قد يطال الضرر أيضا الحائز حيازة ناقصة.

    فالعبرة في هذه الحالة بصفة الأمين لا بصفة المالك. فكما تصيب إساءة الائتمان بالضرر مالك المال باعتبارها تشكل اعتداء على حق الملكية، إلا أنها قد تصيب بالضرر من كانوا يحوزون المال حيازة قانونية ثم استأمنوا الفاعل عليه فأساء الأمانة.

    ومثال ذلك المودع لديه والمرتهن والوكيل إذا أجروا ما في يدهم إلى غير هم، فاختلس المستأجر المال أو تصرف به.

    فالضرر هنا يصيب هؤلاء الأشخاص فضلا عن المالك.

    وتقوم جريمة إساءة الائتمان سواء كان المتضرر شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً كشركة أو مؤسسة أو مستشفى، معيناً أو غير معين.

    وتطبيقاً لذلك فإن من يجمع تبرعات لصالح منكوبي كارثة ثم يستولي عليها لنفسه يرتكب إساءة  الائتمان بالرغم من أن الأشخاص، طبيعيين أو معنويين، الذين سوف توزع عليهم هذه المعونات لم يحددوا أو يعينوا  بعد، ذلك أنه يكفي وجود أشخاص أياً كانوا سيصيبهم الضرر من جراء فعل المدعى عليه .

    وعندما يتوفر الضرر بالصور السابقة الذكر يتوفر عنصر النتيجة الجرمية في إساءة الائتمان بصرف النظر عما إذا  حقق المدعى عليه كسب من وراء فعله أم لا.

    وما يؤكد ذلك أن المشرع قد حدد بعض صور النشاط الجرمي التي قد لا ينال الفاعل فيها أي مكسب، كصورتي الإتلاف والتمزيق .

     وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن الضرر بمفهومه العام المشار إليه لا يتحقق في إساءة الائتمان بالنقود والأشياء المثلية بمجرد التصرف بها ما لم يترافق مع هذا التصرف إرادة الاستمرار في تغيير الحيازة من ناقصة إلى تامة، والإصرار على هذا الاستمرار.

     لذلك اشترطت المادة 657 توجيه الإنذار لرد مثل المال أو نوعه.

     بالتالي ما دام ممكناً لمستلم المال المثلي أو النقود أن يرد مثله أو نوعه في أي وقت، فإن الضرر، أي الاعتداء على الملكية، لا يظهر إلا بعد توجيه الإنذار وعدم رد مثل المال أو نوعه.

     فعبارة “عدم إبراء ذمته رغم الإنذار ” تشير إلى هذا المعني بوضوح.

    والإنذار هو إخطار يوجهه مالك المال إلى المؤتمن عليه، عن طريق الكاتب بالعدل، يطالبه به بإبراء ذمته خلال فترة معينة.

     إذن لا تتحقق النتيجة الجرمية، في إساءة الائتمان في الأشياء المثلية إلا في حالة عدم إبراء المدعى عليه ذمته بعد توجيه الإنذار إليه..

     وإبراء الذمة في الأشياء المثلية يكون بإعادة مثل المال أو نوعه، وهذا ما دعا محكمة النقض السورية إلى اعتبار ” الإنذار ركن من أركان جريمة إساءة الائتمان وليس وسيلة من وسائل إثباتها.

    فالمشرع اشترط أن يسبق الإدعاء بهذه الجريمة إنذار ليتدبر المؤتمن أمره ويبرئ ذمته بتسليم المال أو الشيء الذي أؤتمن عليه أو مثيلا له  يستخلص من ذلك أن النتيجة الجرمية في صورة إساءة الائتمان بالأشياء المثلية لا تظهر بمجرد الامتناع عن التسليم أو التصرف بالمال الذي أؤتمن عليه والذي يبقى بإمكانه إعادة منله، وإنما تتحقق بالامتناع عن إبراء الذمة بعد الإنذار .

  • ماهي حالات تشديد عقوبة إساءة الائتمان؟

    جاء في المادة 658 من قانون العقوبات ما يلي:

     “1- تشدد وفقا لمنطوق المادة 247 العقوبات المنصوص عليه في المادتين 656 و 657 إذا ارتكب الجرم أحد الأشخاص المذكورين أدناه بالأموال المسلمة إليهم أو المناط أمرها بهم وهم:

    أ- مدير مؤسسة خيرية وكل شخص مسئول عن أموالها

     ب- وصي القاصر وفاقد الأهلية أو ممثله

     ج- منفذ الوصية أو عقد الزواج

    د- كل محام أو كاتب عدل أو وكيل أعمال مفوض

    هـ –  كل مستخدم أو خادم مأجور

     و- كل شخص مستناب من السلطة الإدارة أموال تخص الدولة أو الأفراد أو لحراستها

     2- ويمكن أن يمنع المجرم منعا باتاً عن ممارسة العمل الذي ارتكب بسببه الجرم”.

    من الواضح أن علة التشديد تتمثل في أن كلا من الصفات التي استلزمها المشرع لهذا التشديد ينطوي على قدر من الثقة لا يتوافر في المؤتمن على المال في مجال الجريمة العادية.

     ومن شأن هذه الثقة أن تسهل لصاحبها إساءة الائتمان، وأن تكشف تبعا لهذا عن شدة خطورته الإجرامية.

    ويشترط لتشديد العقوبة أن تقوم في الأصل جريمة إساءة الائتمان بأركانها التي سبق شرحها، ثم تتوافر بذات الوقت في مرتكبها إحدى الصفات الست التي أوردها المشرع على سبيل الحصر في النص.

    كما يشترط أن يكون التسليم المولد للمركز الائتماني قد تم استناداً إلى إحدى الصفات المذكورة. وتطبيقا لذلك، إذا كان المال قد سلم، مثلا، المحام بصفته الشخصية كصديق أو قريب وليس بصفته كمحام، فتصرف به، فالجريمة إساءة ائتمان بسيطة وليست مشددة.

    أما الصفات التي شدد العقاب في حال توفرها، فهي كما جاءت في النص:

    أ- مدير مؤسسة خيرية وكل شخص مسئول عن أموالها.

    والمؤسسات الخيرية هي التي لا تستهدف تحقيق الربح من نشاطاتها، أيا كان الغرض الخيري الذي تسعى لتحقيقه، سواء كان اجتماعي أو علمي أو ديني، والتشديد يطال في هذه الحالة مدير تلك المؤسسة وأي شخص أخر مسئول عن أموالها، كأمين الصندوق ومدير الحسابات، وبصفة عامة كل شخص مسئول عن تحصيل إيراداتها أو الاحتفاظ بها أو التصرف فيها وفقا للأغراض المحددة لها.

    ب- وصی القاصر وفاقد الأهلية أو ممثله.

     والتشديد يشمل هنا كل من ينوب عن فاقد الأهلية أو ناقصها أيا كان سبب فقدان الأهلية أو نقصه. کولي القاصر أو وصية والقيم على المجنون أو المعتوه، وأيا كان مصدر الإنابة، سواء كان القانون أو القضاء أو الإرادة.

    ج- منفذ الوصية أو عقد الزواج.

     هنا يتناول التشديد الشخص الذي يتسلم مالا من الموصي بمقتضی عقد الوصية ليسلمه إلى الموصى له بعد وفاة الموصي، فيستولي عليه.

     ويتناول أيضا الشخص الذي يعود إليه الإشراف على إرساء العلاقات المالية بين الزوجين في الإطار الذي يحدده عقد الزواج، أي المشرف على أن تكون في حيازة أحد الزوجين أو كليهما أموال معينة قد تكون مملوكة للزوج الأخر.

    فهذا الشخص تقتضي مهمته أن يحوز هذه الأموال ليسلمها إلى أحد الزوجين الذي ينبغي أن تكون في يده وفقا لشروط عقد الزواج، فهو يرتكب إساءة ائتمان إذا استولى عليها لنفسه.

    د- كل محام أو كاتب عدل أو وكيل أعمال مفوض .

     فهؤلاء إذا استلموا أموالا استنادا إلى صفاتهم هذه کي يسلموها لأصحاب الحق فيها أو ليستخدموها لمصلحة صاحب الحق، فيستولوا عليها لأنفسهم، يشدد العقاب عليهم.

    هـ – كل مستخدم أو خادم مأجور.

     لهذين التعبيرين ذات المدلول الذي سبق وشرحناه بالنسبة للسرقة.

     والجامع بينهما انقطاعهما لعمل لحساب شخص، طبيعي أو معنوي، وتقاضيهما أجرا لقاء ذلك العمل.

     أما الفارق بينهما فهو طبيعة عمل كل منهما، فهو ذهني بالنسبة للمستخدم، كأمين السر أو المحاسب، ومادي بالنسبة للخادم يتمثل بانقطاع شخص للقيام بالأعمال المادية التي يحتاج إليها شخص أخر في حياته اليومية، سواء كان ملحقا ببيته، كالخادمة والبواب، أم بشخصه كالسائق. وتقوم جريمة إساءة الائتمان المشددة بحق المستخدم أو الخادم إذا تسلم أي منهما بمقتضى صفته هذه مالاً منقولاً من مخدومه على سبيل الأمانة، فيستولي عليه لنفسه.

    و – كل شخص مستناب من السلطة لإدارة أموال تخص الدولة أو الأفراد أو لحراستها.

    هذا الظرف المشدد يشمل أي شخص تكلفه السلطة أو تعهد إليه بإدارة أموالها المنقولة أو أموال الأفراد المنقولة أو لحراسة أي من هذه الأموال .

    والفرض هنا أن الأموال تسلم لأحد الأشخاص لإدارتها كوكيل أو لحراستها كوديع، أي على سبيل الحيازة الناقصة، فيستولي عليها لنفسه.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أنه كي يتوفر هذا الظرف يشترط أن لا يكون الشخص موظفاً عاماً ولا مكلفا بخدمة عامة يتسلم مالا بحكم وظيفته، أي أن تسلمه للمال هو أحد الاختصاصات التي ترتبط بوظيفته، فهنا يصبح استيلاء هذا الشخص على الأموال مشکلا لجريمة الاختلاس وليس جريمة إساءة الائتمان.

     إذن يجب توافر هذا الظرف أن يكون الشخص الذي كلفته الدولة بإدارة أو بحراسة الأموال فردا عادياً أو موظفاً عاما ليس من اختصاصه إدارة أموال الدولة أو الأفراد أو حراستها، ولكن كلف بذلك على وجه رسمي.

     والمثال على هذه الحالة أن تسلم الدولة إلى مقاول مواد أولية ليستعين بها في تنفيذ مشروع لحسابها فيستولي عليها، أو أن تعود إلى أحد الأشخاص بتحصيل أموال بعض المواطنين السوريين المستحقة من قبل دولة أجنبية فيحصلها ويستولي عليها لنفسه.

    – أما عقوبة إساءة الائتمان المشددة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص فلقد أحال المشرع إلى المادة 247 من قانون العقوبات مقدار التشديد الذي ترتفع إليه العقوبات المنصوص عليها في المادتين 656 و 657.

    وهذا يعني أن تزاد عقوبة الحبس من الثلث إلى النصف وأن تضاعف الغرامة.

     أي يزاد على الحد الأدنى للعقوبة ثلثه وعلى الحد الأعلى نصفه.

    فعقوبة المادة 656 و هي من شهرين إلى سنتين تصبح بعد التشديد من شهرين وعشرين يوماً حتى الثلاث سنوات مع مضاعفة الغرامة.

    أما عقوبة المادة 657 و هي الحبس حتى سنة فتصبح بعد التشديد الحبس حتى سنة ونصف وتضاعف الغرامة.

    بالإضافة إلى ذلك فإنه يجوز أن يمنع المدعى عليه منعا باتا من ممارسة العمل الذي ارتكب بسببه أو بمناسبته الجرم.

  • الركن المعنوي في جرم الاحتيال

    الاحتيال كالسرقة جريمة مقصودة، لا يمكن أن تقع بخطأ مهما بلغت درجة جسامته.

    ولا يكفي القصد العام وحده الوقوع جرم الاحتيال، بل يجب فضلا عن ذلك أن يقوم لدى المحتال قصد خاص، يتمثل بنية تملك المال.

    القصد الخاص

    يتمثل القصد الخاص في الاحتيال بنية تملك المال المستولى عليه أو تمليكه للغير مباشرة. وبمعنى أخر فإن القصد الخاص يتمثل بنية الظهور بمظهر المالك على الشيء المسلم للمحتال، ونية مباشرة كافة سلطات المالك عليه، وعند تخلف هذه النية ينتفى الاحتيال لانتفاء القصد الخاص.

     وبناء على ذلك، لا يقوم هذا القصد إذا تسلم الفاعل المال بالخداع بقصد الانتفاع به ثم إعادته بعد ذلك لصاحبه، أو إذا تسلمه لفحصه ومعاينته ثم رده.

    كما ينتفي القصد الخاص على من ينتحل صفة ليست له بقصد حمل البائع على قبول تقسيط ثمن سلعة ، دفع جزءاً من الثمن معجلاً ثم قام بسداد بعض الأقساط، ولكنه عجز في النهاية عن دفع الباقي، لأن نيته لم تكن متجهة إلى الاستيلاء على مال البائع وتملكه، وإنما اتجهت فقط إلى مجرد أخذ رضائه بالبيع بثمن بعضه مقسط وبعضه معجل

    وتجدر الإشارة إلى أن القصد الخاص لا يتطلب اتجاه إرادة الفاعل إلى الإثراء.

    فمجرد اتجاه النية إلى مباشرة سلطات المالك على المال المستولى عليه يعتبر كافية بغض النظر عن الآثار التي تترتب على ذلك بالنسبة لذمة المجني عليه.

     فمن استولى بالخداع على مال مملوك للغير، وتبرع به، يعتبر القصد الخاص متوفر لديه، ويلاحق بجرم الاحتيال.

    الدافع أو الباعث على الاحتيال

    إن الدافع في التشريع السوري يخضع للقاعدة الواردة في المادة (191 فقرة 2 من قانون العقوبات) والقاضية بأن “الدافع لا يكون عنصرا من عناصر التجريم”.

    وتطبيقا لذلك عندما يتوفر القصد الجرمي للاحتيال بشقيه العام والخاص، فلا اعتداد بعد ذلك بالدافع أو الباعث الذي حرك نشاط الفاعل، فيستوي أن يكون الدافع أو الباعث الطمع أو الانتقام من المجني عليه، أو أن يكون الانتفاع بالمال الذي استولى عليه لإنفاقه على نفسه في علاج أو تعليم أو التصدق به للفقراء.

     وتطبيقا لذلك يعد مرتكباً لجريمة الاحتيال الدائن الذي يستولي بالخداع على مال لمدينه يعادل قيمة دينه، ذلك أن الرغبة في استيفاء الدين هو مجرد دافع لا ينفي القصد الجرمي.

    فالدافع سواء كان شريف أو شائناً يعتبر أمراً زائداً عن حاجة القصد الجرمي في الاحتيال الذي يكفي فيه توفر العلم والإرادة.

     العلم بأركان الجريمة وإرادة النشاط الجرمي و النتيجة الجرمية وثبوت نية التملك.

     

  • الاحتيال عن طريق التصرف بأموال بغير صفة

    هذه هي الوسيلة الرابعة من وسائل الاحتيال الواردة في نص المادة 641، والتي عبر عنها بقوله:

     “أو بتصرفه بأموال منقولة أو غير منقولة وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف بها”.

    وباعتبار أن الاحتيال في أصله يعتمد على الكذب فإنه يفترض في هذه الطريقة أن يكون الفاعل قد أقدم على التصرف بالمال وهو يزعم أن له صفة للتصرف فيه، كمالك أو كنائب عن المالك.

    وبناء على ذلك إذا اعترف المتصرف بالمال للمتصرف إليه بأنه لا يملك على الشيء سلطة التصرف به، فإن هذا التصرف لا يعد احتيالاً حتى ولو استولى المتصرف على مقابل مالي، لأن المتصرف لم يكذب، ولأن المتصرف له لم يخدع. والذي يميز هذه الوسيلة عما سبقها من وسائل أن المشرع يكتفي فيها بالكذب المجرد دون اشتراط تأييد هذا الكذب مظاهر خارجية .

     والملاحظ أن المشرع لم يكن موققا باشتراطه العلم بعدم وجود الصفة ضمن صيغة النص. فالجرم يقع بمجرد التصرف بمال ليس للمتصرف صفة للتصرف فيه، أما العلم فهو أحد عناصر الركن المعنوي للاحتيال، والمشرع بذلك يكون قد أقحمه في الوسيلة وهي من عناصر الركن المادي.

     لذلك كان أولى بالمشرع إغفال ذكر عبارة العلم هنا باعتبار العلم مطلوب حتماً في الركن المعنوي للجريمة.

     فالمالك الذي يتصرف بماله دون أن يعلم أن هناك سبباً قانونياً يمنعه من ذلك لا يرتكب جرم الاحتيال لغياب الركن المعنوي.

     ويثار التساؤل هنا عن تحديد المجني عليه بجرم الاحتيال باستعمال هذه الوسيلة، أهو المتصرف إليه، أم المالك الأصيل للمال، أم الاثنين معاً؟

     إن المجني عليه في هذه الوسيلة ليس سوى المتصرف إليه فقط. أما مالك المال الذي كان محلاً للتصرف فلا يعتبر مجنياً عليه في جريمة الاحتيال هذه، ولكنه قد يكون مجنياً عليه في جريمة أخرى، قد تكون سرقة أو إساءة ائتمان، وقد تكون جريمة احتيال مستقلة.

    فإذا كان المحتال قد سرق المال من المالك وتصرف به للغير، فهو سارق بمواجهة المالك ومحتال بمواجهة المتصرف إليه.

     أما إذا كان المال موجود تحت يده على سبيل الأمانة فتصرف به، فهو مسيء للائتمان بمواجهة المالك، ومحتال بمواجهة المتصرف إليه.

     أما إذا كان قد استولى على المال بالحيلة والخداع من مالكه ثم تصرف به، فهو يرتكب جريمتي احتيال مستقلتين، أولاهما ضحيتها المالك، والأخرى ضحيتها المتصرف إليه.

    إذن يشترط لتوافر هذه الوسيلة الاحتيالية شرطين:

    – التصرف بمال منقول أو عقار. – انتفاء الصفة في التصرف.

    1- التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة.

    إن المقصود بالتصرف هنا كل عمل قانوني يتعلق بحق عيني. فقد يكون هذا العمل القانوني ناقلاً للملكية كما في لبيع أو المقايضة أو الهبة بمقابل مادي ، وقد يكون تصرفاً صادرة عن الإرادة المنفردة كالوصية إذا تعلقت بمال ليس للموصي سلطة التصرف فيه وكان يفرض على الموصى له التزاماً بتسليم شيء في حياته.

     كما يجوز أن يكون هذا التصرف متعلقا بحق عيني آخر غير حق الملكية كالانتفاع أو الارتفاق أو الرهن.

    وبناء على ما تقدم يخرج من مجال التصرف الذي يقوم به الاحتيال كل عمل قانوني يتعلق بحق شخصي، لأن الحقوق الشخصية تقتصر على إنشاء موجبات لا حقوقاً عينية.

    فتأجير عقار الغير لقاء أجرة دفعها المستأجر مقدما لا يشكل جريمة احتيال لأن عقد الإيجار لا يعتبر تصرف قانونية في جريمة الاحتيال.

     وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض السورية أنه لا يعتبر تصرف في ملك الغير قيام الوكيل بتأجير مال الموكل بعد عزل وكالته، فالتأجير هذا لا يعد تصرفة قانونية لقيام جرم الاحتيال و إنما يجعل الوكيل المعزول مسئول مدني عن الأضرار التي ألحقها بموكله بسبب ذلك الإجراء الذي صدر عنه بصورة غير قانونية”

    وإذا تحقق التصرف، بالمعنى السالف ذكره، فيستوي بعد ذلك أن يكون محل التصرف ما منقوة أو عقارا، كما يستوي أن يكون المحتال قد سلم المال المتصرف فيه إلى المجني عليه أو لم يسلمه، لأنه ليس من شروط صحة التصرف أن يسلم المحتال ما تصرف فيه إلى المجني عليه، فالتصرف ينعقد قانوناً بالتقاء الإرادتين.

    ولذلك تقع الجريمة تامة ولو لم يحدث التسليم. وبعبارة أخرى إن جريمة الاحتيال تقع بانعقاد هذا التصرف والاستيلاء على المقابل من المجني عليه حتى ولو لم يحدث التسليم .

    2- انتفاء الصفة في التصرف بالمال.

    إن سلطة التصرف بالمال تكون أصلا لمالكه.

     والمالك قد يمارس هذه السلطة بنفسه أو بواسطة نائبه، سواء كانت النيابة قانونية كنيابة الولى، أو قضائية كنيابة القيم أو الوصي، أو اتفاقية كنيابة الوكيل.

    والقاعدة أن تصرف النائب كتصرف الأصيل سواء بسواء.

    – بناء على ذلك فإن تصرف المالك بملكه ينفي جرم الاحتيال، بشرط عدم وجود قيود قانونية على سلطته في التصرف بماله، فإذا كان هناك سبب قانوني يحرم المالك بموجبه من التصرف بماله، ثم تصرف فيه رغم ذلك يكون قد تصرف في مال ليست له صفة التصرف فيه، ومن ثم يرتكب الاحتيال بهذه الوسيلة.

     والمثال على ذلك المدين المحجوز على ماله حجزا تنفيذياً.

     فالقانون يمنع مالك العقار أو المنقول المحجوز عليه حجزا تنفيذيا أن يتصرف به.

    وكذلك المالك الذي آل إليه المال مع تقييد ملكيته بشرط المنع من التصرف حيث يكون هذا الشرط صحيح .

     والمسألة التي تثار هنا تتعلق بمالك العقار الذي يبعه عدة مرات قبل أن يسجل عقد البيع لأي من المشترين في السجل العقاري، فهل تتوافر هذه الوسيلة ويتوافر بموجبها جرم الاحتيال بحقه؟

     إن هذا المالك لا يرتكب جريمة الاحتيال لأن ملكية العقار لا تنتقل قانوناً من البائع إلى الشاري إلا بالتسجيل.

     يترتب على ذلك أن البائع يظل مالكة للعقار وله حق التصرف فيه إلى أن يتم تسجيل عقد البيع، فإذا باع ذات العقار قبل التسجيل لشخص ثان كان البيع صحيحاً، إذا لا يعتبر وارداً على ملك الغير ولا تقوم في حقه بالتالي جريمة الاحتيال لأنه يكون قد تصرف فيما يملك.

    وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض السورية

     “أن بيع المالك عقاره مرة ثانية لا يشكل جرم الاحتيال طالما أن العقار مسجل باسمه في السجل العقاري ولم ينتقل إلى اسم المشتري الأول، والخلاف بين المتعاقدين هنا هو خلاف مدني .

    ولكن إذا اعترفنا بأن مالك العقار الذي باعه بعقد لم يقيد بعد في السجل العقاري لا يرتكب جريمة الاحتيال، بوسيلة التصرف بأموال ليس له صفة للتصرف فيها، إذا باعه ثانية، أفلا يعتبر جرم الاحتيال باستعمال الدسائس قائما بحقه؟

    نعتقد بإمكانية ملاحقة هذا الشخص بجرم الاحتيال باستعماله للدسائس المتمثلة بالكذب المدعم بمظهر خارجي، سواء بصفته كمالك، أو بوجود المنزل في حيازته، أو بتقديمه لسند الملكية كمظهر خارجي مادي يدعم مزاعمه.

    أضف إلى ذلك أن المالك في هذه الحالة يمتنع عليه التصرف بالعقار بعد أن باعه أول مرة بعقد لم يسجل بعد، لأنه ملتزم تجاه المشتري الأول بالامتناع عن إجراء أي تصرف من شأنه أن يعيق تسجيل المشتري الأول و انتقال الملكية إليه، فإذا باع العقار مرة ثانية كان هذا إخلالاً منه بالتزامه المذكور، الأمر الذي يعتبر معه متصرفاً في مال يملكه، ولكن ليس له حق التصرف فيه، فتقوم في حقه جريمة الاحتيال.

    واستطراداً نقول أن البائع حين يتعاقد مع المشتري الثاني قد يكون متواطئاً مع المشتري الأول لسلب أموال المشتري الثاني، حيث يسارع الاثنان إلى نقل الملكية إضراراً به مما يدخل هذا أيضا في إطار استعمال الدسائس.

    – أما بالنسبة للنائب، فكما أشرنا، فهو يعتبر صاحب صفة للتصرف بالمال، وتصرفه به كتصرف الأصيل ذاته، فكلاهما ينتج أثاره القانونية ويرتبها في ذمة الأصيل، حقوقا كانت أو التزامات.

    أما إذا خرج النائب عن حدود نیابته زالت عنه صفته وجاز وقوع الجريمة منه.

     فالوكيل أو النائب الذي انقضت وكالته أو نیابته أو إذا عزل أو إذا خرج عن حدود النيابة ثم تصرف في مال الأصيل يرتكب جريمة الاحتيال.

    وتطبيقا لذلك فإن بيع الوكيل المعزول لعقار موكله بعد عزله يعتبر تصرفا بأموال ليس له صفة للتصرف فيها، ويلاحق بجرم الاحتيال.

    وإذا كان الاحتيال بهذه الوسيلة يتوفر بحق المالك الذي يتصرف بماله بالرغم من وجود سبب قانوني يمنعه من التصرف به، ويتوفر أيضا بحق النائب الذي يتصرف بالمال بعد عزله أو انقضاء نيابته أو وكالته، فمن باب أولى أن يقوم الاحتيال بحق الشخص الذي يتصرف بالمال وهو ليس مالكا له، وليس له حق التصرف فيه، كالمحتال الذي يبيع مال الغير دون أن يكون نائبا عنه .

  • عنصر فعل الخداع في الركن المادي لجرم الاحتيال

    النشاط الجرمي (فعل الخداع)

    إن فعل الخداع يعني تغيير الحقيقة في شأن واقعة ما تغييراً يؤدي إلى وقوع المجني عليه في غلط يدفعه إلى تسليم ماله إلى المحتال .

    فقوام الخداع هو الكذب المستهدف إيقاع شخص في الغلط للاستيلاء على ماله.

     ولكن ليس كل كذب يقوم به النشاط الجرمي في الاحتيال، بل لا بد أن يتجلى هذا الكذب بإحدى الوسائل الخمسة التي حددها نص المادة 641 وهي:

     1- دس الدسائس.

     2- تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.

     3- ظرف مهد له الفاعل أو ظرف استفاد منه.

     4- استعمال اسم مستعار أو صفة غير حقيقية.

     5- التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة يعلم المحتال أنه ليس ذي صفة للتصرف فيها.

    نستخلص من ذلك أن أي كذب أخر لا يدخل ضمن هذه الوسائل الخمسة لا يمكن أن يشكل النشاط الجرمي للاحتيال.

    وعلة ذلك واضحة، فلقد انتقى المشرع أخطر الوسائل التي تجسد الكذب والخداع، والتي تمثل خطرا على الملكية والثقة وحسن النية في المعاملات، وارتأى إسباغ الصفة الجرمية عليها . فالمشرع يتطلب من الناس كافة قدرة عادية من الحيطة والحرص في تعاملاتهم مع بعضهم، بحيث لا يستسلمون لأي كذب أو خداع يتعرضون له.

     ومن ثم فهو لا يحميهم إلا إذا تعرضوا لأساليب لا يتيسر للحيطة والحذر العاديين اكتشافها، وهو ما ارتاد المشرع في الأساليب الخمسة التي ذكرها والتي اعتبرها الأكثر وقوع و شمو وخطرة.

     أما إذا انخدع شخص بكذية ساذجة لا تنطوي ضمن هذه الأساليب المحددة، ولا تنطلي على أي شخص عادي أخر، فيكون هذا الشخص قد قصر في حق نفسه ولا يستحق الحماية الجزائية، فالقانون لا يحمي المغفلين.

    فلو باع شخص منزله لأخر وقبض نصف الثمن على العقد وأجل النصف الآخر للدفع عند التنازل عن الملكية في السجل العقاري، فأي إنسان عادي على قدر من الحيطة والحذر لا يمكن أن ينقل ملكية العقار إلا بعد استلامه النصف الآخر من ثمن المنزل.

     فلو ادعى المشتري، في مثالنا، كذبا أنه بحاجة لنقل الملكية لأية غاية، ووعده بأداء بقية الثمن بعد ذلك، فانخدع البائع بكذب المشتري وتنازل له عن الملكية دون قبض الثمن، ثم نكر المشتري عليه بقية قيمة المنزل.

     فإن كذب المشتري هذا لا يشكل النشاط الجرمي للاحتيال، لا سيما وأن البائع لم يتأكد من كذب المشتري بتقصي الحقيقة حول مزاعمه، ولم يقم المشتري بالتالي بأي مناورات احتيالية أو مظاهر خارجية تؤيد كذبه، بل اكتفى بالكذب المجرد الذي صدقه البائع، فقصر في حق نفسه، وخسر الحماية الجزائية بهذا التقصير.

    تخلص من ذلك إلى أنه لا بد لقيام النشاط الجرمي في الاحتيال أن يتوفر الكذب الذي يمكن أن ينطلي على أي شخص عادي، أي أن يتم الكذب بصورة إحدى الوسائل التي حددها نص المادة 641، فيقع المجني عليه في الغلط، فيسلم المحتال ماله معتقداً أن ما يفعله صواب .

    والسؤال الذي يعرض هنا يتعلق بعدد وسائل الخداع التي نص عليها المشرع: أهي وسائل خمس كما يبدو من ظاهر النص؟

    يرى بعض الفقه أن عدد هذه الوسائل ثلاث فقط، باعتبار أنه “ليس ثمة اختلاف من حيث العناصر والطبيعة القانونية بين الوسيلة الأولى، وهي استعمال الدسائس وبين الوسيلتين الثانية والثالثة “،

     إذ أن الأخريين ليستا مستقلتين عن الأولى، بل هما مجرد تفصيل وتوضيح لها.

    وهناك رأي فقهي أخر، نؤيده، يرى أن وسائل الخداع خمسة، وأن مركز الوسيلة الأولى من الوسيلة الثانية والثالثة كمركز الأنموذج العام من الخاص، وليس کمركز المجمل غير الموضح من المفصل الموضح، ومن المقرر أن المركز الخاص يتضمن جميع عناصر التكوين التي يحتويها المركز العام ويضيف إليها عناصر مخصصة، وفي هذا يختلف المركز الخاص عن المركز المفصل والموضح “.

    ونحن بتأييدنا لهذا الرأي نستند على حرفية نص المادة 641 من قانون العقوبات التي حددت وسائل الاحتيال صراحة بخمسة، فلا يعقل أن نعتبر الوسائل ثلاثة قبالة ذلك وإلا سنعتبر أن الوسيلتين الثانية والثالثة مجرد تزيد غير مدروس من المشرع، وهذا غير معقول.

  •  جناية السطو على المساكن – المادة 622 عقوبات

    لا بد لقيام هذه الصورة من اجتماع خمسة شروط تشديد أوجبها النص صراحة بقوله:

    “يستوجب عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من خمس عشرة إلى عشرين سنة السرقة التي تقع مستجمعة الأحوال التالية:

     1- ليلاً

     2- بفعل شخصين أو أكثر

     3- الدخول إلى مكان لسكنى الناس أو ملحقاته، بواسطة الخلع أو استعمال مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة، أو بانتحال صفة موظف أو بارتداء زيه أو شاراته، أو التذرع بأمر من السلطة.

    4- أن يكون السارقون مقنعين، أو أن يكون أحدهم حاملاً سلاح ظاهرة أو مخبأ..

     5- أن يهدد السارقون أو أحدهم بالسلاح، أو يتوسل بأحد ضروب العنف على الأشخاص، إما لتهيئة الجناية أو لتسهيلها وإما لتأمين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المسروق”.

    الملاحظ في هذا النص أن هذه الجناية قد اجتمع فيها أغلب الظروف المشددة للسرقة، فكل طرف على حدة يكفي التشديد عقوبة السرقة، ومنها ما يجعلها جناية.

     فإذا اجتمعت على النحو الذي حدده المشرع فلا شك في أن السرقة تبلغ بذلك أقصى الخطورة وتكون جديرة بأشد العقوبات المقررة للسرقة.

     ولا ريب أن السطو على المساكن يرتكب من عصابات خطرة لا يتورع أفرادها عن استخدام أخطر الوسائل لتحقيق ماربهم. لهذا كان لا بد من الضرب بشدة على أيدي مرتكبيها، يجعل العقوبة أشد من عقوبة جريمة القتل العادية، أو مساوية لها على الأقل.

    ولقد سبق لنا تحديد المقصود بالظرف الأول والثاني و الرابع في معرض شرح ظروف التشديد الجنحي.

     أما الظرف الثالث، فلقد سبق لنا أيضا تحديد مدلول المسكن و ملحقاته، لذلك سنقصر الشرح على طريقة أو وسيلة دخول المسكن وملحقاته، ثم نتصدى للظرف الأخير الذي لم يسبق لنا تحديد مدلوله.

    1- وسيلة دخول المسكن وملحقاته.

    أشرنا سابقاً إلى أن المسكن هو المكان المسكون والمكان المعد للسكن.

    والمكان المسكون هو المكان المستخدم فعلا للسكن وإن لم يكن منزلاً أصلاً.

    أما المكان المعد للسكن فهو المكان المسكون فعلاً ولكن صاحبه لا يقيم فيه إلا مؤقتاً.

     وتأخذ ملحقات المسكن حكمه في التشديد.

     ولقد حدد النص، لتوافر ظرف التشديد، أن يتم دخول المسكن بإحدى وسيلتين:

     إما بالخلع أو باستخدام مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة.

     وإما بانتحال صفة رسمية كاذبة.

     الوسيلة الأولى:

    الخلع – المفاتيح المصنعة – الأدوات المخصوصة.

    – الخلع يتمثل بكل عمل عنيف يلجأ إليه السارق لإزالة حاجز يحول بينه وبين الدخول إلى المسكن.

     فهو وسيلة من وسائل العنف لفتح مدخل مغلق.

    والخلع لا يقتصر على مفهومه اللغوي المحدد بل هو يشمل كل وسيلة عنيفة تحقق اللسارق غايته، كالكسر والقطع والتحطيم والهدم والثقب .

     أما التسلق فلا يدخل ضمن مفهوم الخلع لانعدام خاصية العنف فيه.

     فالتسلق هو اجتياز المحيط الخارجي للمسكن من غير منافذه الطبيعية وبدون استخدام العنف، كتسلق السور أو تسلق شجرة أو ماسورة أو شرفة أو استعمال سلم.

     والخلع كما أسلفنا يشمل الكسر والثقب والقطع والتحطيم والهدم.

    لذلك يعتبر خلعاً إحداث ثقب بالجدار، تحطيم زجاج النافذة ،کسر قفل الباب.

     بالتالي إذا لم يستخدم السارق بدخوله المسكن العنف فإن فعله لا يعد خلع ولو كان دخوله المكان بغير حق، كما لو مد يده من فتحة الباب فرفع مزلاج الباب ودخل.

    وسیان لتوفر ظرف تشديد الخلع أن يكون خارجياً أو داخلياً .

     فخلع باب غرفة داخلية أو خلع نافذة أو كسر زجاجها أو كسر خزانة يستوي مع خلع الباب الرئيسي للمسكن.

     وتطبيقاً لذلك يتحقق الظرف المشدد بفعل من دخل المسكن بغیر خلع ثم كسر الخزنة وسرق ما تحتويه من مال.

    كما يتحقق الظرف المشدد بفعل نزيل الفندق الذي يكسر باب غرفة نزيل أخر ويسرق ماله.

    وسيان أيضا أن يقع الخلع بقصد دخول المسكن أو أن يقع لتسهيل خروج السارق بالمسروقات، لأن سرقة المساكن لا تتم إلا بمغادرة المسكن .

    والخلع المقصود بالنص كظرف مشدد هو الخلع الخارجي أو الداخلي مع استخدام العنف لتحطيم عقبة بقصد الدخول لتنفيذ السرقة، فالفعل المرتكب لتمكين السارق من المغادرة بالمسروقات هو فعل يرتكب في سبيل تنفيذ السرقة.

     – أما المفاتيح المصنعة فمدلولها اللغوي يعني استخدام أي مفتاح أخر غير المفتاح الحقيقي المستعمل فعلاً في الفتح.

     إلا أن الفقه والاجتهاد القضائي يعطي مفهوماً أوسع لمدلول المفتاح المصنع.

     لذلك يعتبر مفتاحاً مصنعاً يطبق عليه التشديد:

     1- المفتاح المقلد، أي المفتاح الذي يصنعه السارق تقليدا للمفتاح الأصلي.

    2- المفتاح الخاص بمكان أخر إذا اكتشف السارق صلاحيته لفتح المسكن المراد سرقته.

     3- النسخة الثانية أو الثالثة للمفتاح الأصلي .

    4- المفتاح الأصلي ذاته إذا ضاع أو سرق من صاحبه ولم يقم باستبداله، بل تابع استخدام نسخة ثانية عنه.

    لأن المفتاح الأصلي يكون في هذه الفرضية قد فقد تخصیصه الأصلي وأصبح هو المفتاح الثاني، فيعتبر بمثابة المصنع.

    أما إذا استبدله صاحبه، واستخدم السارق المفتاح الذي لديه للسرقة، فالظرف المشدد يعتبر متوافرة من باب أولى.

     5- الحصول بطريقة غير مشروعة على رمز فتح الباب الكترونية، أو على أرقامه السرية، في الأبواب التي لا يستخدم فيها مفاتيح تقليدية.

     وقد اعتبرت محكمة النقض السورية أنه يعد استعمالاً لمفتاح مصنع:

     6- استيلاء المدعى عليه بالحيلة على المفتاح الأصلي و عمل نسخة عنه و استعماله في السرقة .

     7- سرقة المفتاح الأصلي من صاحبه و استعماله في السرقة .

    8 – احتفاظ الخادم أو العامل بالمفتاح بعد تركه العمل واستخدامه في السرقة .

     وقد اعتبرت محكمة النقض بالمقابل أن صفة المفتاح المصنع تنتفي، وينتفي التشديد تبعا لذلك، في حالة وجود المفتاح الأصلي في حوزة المدعى عليه بصورة مشروعة، أي أن صاحب المسكن قد سلمه إياه ليدخل بيته بغيابه، فقام المدعى عليه في السرقة من داخل هذا المسكن .

    – أما الأدوات المخصوصة التي يستخدمها السارق لفتح الأبواب فيقصد بها أي أداة مخصصة من حيث صناعتها الفتح الأبواب، واستخدمها السارق لذات الغرض. كالكماشة والبينسة و الشريط الحديدي والعصا المعقوفة وما إلى ذلك.

    ويستوي أخيراً لقيام ظرف التشديد أن يستخدم المفتاح المصنع أو الأداة المخصوصة في فتح الباب الرئيسي أو الأبواب الداخلية.

     كما يستوي أن يستخدم المفتاح المصنع أو الأداة المخصوصة لتسهيل الدخول للمسكن أو لتسهيل الخروج منه بالمسروقات.

     فالمهم في ذلك أن يستخدم المفتاح أو الأداة المخصوصة بقصد السرقة .

    الوسيلة الثانية: استخدام صفة رسمية كاذبة.

    قد لا يلجأ السارقون في دخول المسكن المراد سرقته إلى الخلع أو إلى استعمال مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة، بل قد يلجئون إلى الحيلة والخداع في ذلك، بانتحال صفة موظف أو ارتداء زبه أو شار اته أو التذرع بأمر من السلطة لدخول المسكن.

     مستغلين بذلك ثقة الناس في رجال السلطة العامة، والطاعة التي يعدون أنفسهم ملزمين بها إزاءهم، ومعتدين بذات الوقت على هيبة الدولة باستغلالهم للثقة المرتبطة بموظفيها لارتكاب جريمتهم  وتتمثل هذه الوسيلة بقيام أحد السارقين، مثلا، بالادعاء أما صاحب السكن بأنه ضابط شرطة، وبأن من بصحبته هم عناصره.

     وقد لا يدعي السارق بصفته المزعومة بالقول، بل قد يقتصر الأمر على الظهور بمظهر الضابط بارتداء زيه أو شاراته الخاصة.

     ويشترط في الوظيفة المزعومة أن تتصل بوظيفة عامة، فلا يكفي انتحال صفة موظف في شركة مثلا، لأن هذه الوظيفة لا تولد ذات الثقة المنبثقة عن الوظيفة العامة، ولا يعتبر المواطن نفسه ملزمة بطاعة موظفيها، بالتالي لا يترتب عليها تبعا لذلك تسهیل ارتكاب السرقة.

     ولا يشترط في الوظيفة العامة المزعومة أن تكون من الوظائف السلطوية، ذات الرتب، كالشرطة والجيش، بل يكفي أن تكون من الوظائف التي توحي بالثقة بموظفيها، أو التي ينصاع الناس لأوامر السلطة فيها، كموظفي الإطفاء، أو الإحصاء أو المساحة أو الكهرباء أو الكادر الطبي وما إلى ذلك.

    أما التذرع بأمر السلطة فيتمثل في إدعاء السارق أنه يعتمد على أمر صادر له من السلطة يخوله دخول المسكن للقيام بإجراء رسمي كالتفتيش أو القبض أو إحصاء عدد السكان أو تلقيحهم من وباء مزعوم.

     وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يستوي في تحقق هذا الظرف المشدد أن يصدق صاحب المسكن هذه الصفة المزعومة أو لا يصدقها.

     فيكفي لذلك الادعاء بهذه الصفة أو الظهور بمظهرها أو التذرع بأمر السلطة لتحقق هذا الظرف المشدد، وليضاف إلى غيره من الظروف المكونة لجناية السطو على المساكن.

    2- التهديد بالسلاح أو استخدام العنف.

    إن التهديد بالسلاح أو استخدام العنف في السرقة يضعف مقاومة المجني عليه ويسهل ارتكابها.

     و هذا الظرف المشدد هو الظرف الخامس الواجب توافره، إضافة للظروف الأربعة السابق ذكرها، لقيام جناية السطو على المساكن.

    ويتمثل هذا الظرف بتهديد السارقين أو أحدهم بالسلاح، أو يتوسل بأحد ضروب العنف على الأشخاص، إما لتهيئة الجناية أو لتسهيلها وإما لتأمين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المسروق”.

    ولهذا الظرف المشدد صورتان ذكرهما النص: التهديد بالسلاح واستخدام العنف.

    الصورة الأولى – التهديد بالسلاح.

    يتمثل التهديد بالسلاح بقيام المهدد بالإنذار أو الوعيد الجدي للمجني عليه في السرقة أو غيره باستخدام السلاح ضده إذا قاوم تنفيذ السرقة.

     ويستوي في السلاح أن يكون سلاحاً بطبيعته أو سلاح بالتخصيص.

     كما يستوي أن يكون هذا  السلاح حقيقية أو زائفا، مادام أثر التهديد به على المجني عليه واحد، وهو دب الرعب في أوصاله ومنعه من إبداء أية مقاومة.

     ويستوي أن يتجسد التهديد بالقول أو بالفعل.

     فقد يأمر السارق المجني عليه بتسليم المال، أو بتسليم مفتاح الخزنة وإلا سيقتله، أو يشهر المسدس في وجهه، أو يقوم بتلقيمه أمامه.

    والتهديد بهذا المعنى يقتضي اتخاذ المهدد لموقف إيجابي يفصح عن عزمه.

     أما مجرد حمل السلاح، ولو كان ظاهرا، فلا يحمل في ذاته هذا المعنى.

     ولذلك اعتبر المشرع كل منهما ظرفاً مستقلاً لقيام جناية السطو على المساكن.

     ولكي يعتبر التهديد ظرفاً مشدداً للسرقة لا بد أن يكون الغرض منه تهيئة السرقة أو تسهیل ارتكابها أو تأمين هرب فاعليها أو الاستيلاء على المسروقات.

     فقد يلجأ أحد السارقين للتهديد بالسلاح ليمهد للسرقة بمنع الحارس من التدخل وحجزه في مكان ما ليستطيع السارقون الدخول للمسكن المراد سرقته.

     أما التهديد للتسهيل أو الهرب أو الاستيلاء، فالغاية منه إزالة ما يعترض تنفيذ السرقة من عقبات، كتهديد المجني عليه الذي ظهر فجأة للسارقين في المسكن، أو إذا حاول منع السارقين من الخروج بالمال خارج المسكن، أو لمنعه من اللحاق بهم عند فرارهم.

    أما التهديد الواقع لغير قصد السرقة فلا يشمله التشديد. كما لو هدد أحد السارقين أنثى في المسكن ليغتصبها، ثم استولى على خاتم ذهبي في يدها بعد اغتصابها، أو حالة مصادفة المجني عليه لأحد السارقين بعد مرور زمن على السرقة، ومحاولته الإمساك به، وقيام السارق بتهديده بعدم الاقتراب منه.

    الصورة الثانية – استعمال العنف

    هذه الصورة تتمثل بالإقدام على استخدام العنف بقصد السرقة.

     وهي تمثل أعلى درجات الخطورة الانطوائها على اعتداء على شخص الإنسان إضافة للاعتداء على ماله.

     والمشرع لم يحدد مدلول العنف المشدد لجريمة السرقة.

    وقد عرفته محكمة النقض السورية بأنه

    “كل عمل يعطل مقاومة المعتدى عليه ولو لم يترك أثرا ظاهرأ فيه… .  والعنف يشمل كل أنواع الشدة وضروب الأذي والتعذيب...

     يتضح من هذا التعريف أن العنف هو عبارة عن عمل مادي موجه مباشرة إلى جسم إنسان بقصد إضعاف مقاومته للتمكن من السرقة.

     ولا يشترط في هذا العنف أن يكون شديدا، أو يهدد الإنسان في حياته، أو يلحق به أذى، فأي درجة من العنف تكفي ولو لم تترك أثرا ظاهرا على المجنى عليه.

    وعلى ذلك يعد عنفاً ضرب المجني عليه أو دفعه أو إلقاءه على الأرض أو الإمساك به لتعطيل مقاومته .

    ويشترط لاعتبار العنف ظرفاً مشدداً أن يمارس بقصد السرقة، إما تمهيداً لها كضرب الحارس أو كم فمه أو الإمساك به وحجزه أو شد وثاقه کی يتمكن بقية السارقين من الدخول للمنزل المراد سرقته.

    وإما للتسهيل أو الهرب أو الاستيلاء حيث تكون الغاية من العنف إزالة ما يعترض تنفيذ السرقة من عقبات وما قلناه  في التهديد يصلح في العنف.

    وشرط اعتبار العنف ظرفاً للتشديد يقتضي أن يرتبط العنف بالسرقة ارتباط ” السبب بالمسيب أو العلة بالمعلول… أو ارتباط الوسيلة بالغاية.

     فإذا تخلف هذا الارتباط، بأن ارتكب العنف لغير قصد السرقة فلا محل لتوافر ظرف التشديد عندئذ.

     كما لو مارس أحد السارقين العنف على أنثي بقصد اغتصابها ثم استولى على ما ترتديه من مجوهرات عرضاً، أو اعتدى السارق بالضرب على شريكه في السرقة بغرض الاستئثار بالشيء المسروق، أو ضربه لخلافهما على طريقة توزيع المسروقات، أو اعتدى أحد السارقين بالضرب على المجني عليه لمجرد الاستهزاء به بعد الاستيلاء على ماله، أو رداً على شتيمة وجهها له المجني عليه.

     ففي هذه الحالات ينقطع الارتباط بين العنف والسرقة، وينتفي ظرف التشديد، ويعتبر العنف جرمأ مستقلا عن السرقة.

    – عند توافر ظرف التهديد أو العنف بقصد ارتكاب السرقة، بالمعنى السالف بيانه، وانضمامه إلى الظروف الأربعة الأخرى التي ذكرتها المادة 622، تقوم جناية السطو على المساكن، ويعاقب فاعلوها بالأشغال الشاقة المؤبدة، وللمحكمة، حسب ظروف الحال، صلاحية استبدال هذه العقوبة بالأشغال الشاقة المؤقتة من خمس عشرة إلى عشرين سنة.

1