الوسم: دليل المحامين العرب في برلين

  • جرم سرقة الحيوانات والآلات والمواد الزراعية

    أورد المشرع هذه السرقة في المادة 630 كما يلي:

    “كل من يسرق الخيل أو الدواب المعدة للحمل أو الجر أو الركوب وسائر المواشي الكبيرة أو الصغيرة أو آلات الزراعة يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مائة إلى ثلاثمائة ليرة، وكل من يسرق ما أعد للبيع من الحطب أو خشب البناء المقطوع والحجارة من المقالع أو السمك من الشبك أو العلق من البرك أو الطيور من القن أو النحل من الخلايا يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من مائة ليرة إلى مائتي ليرة.

    وبتحليل هذا النص نستخلص أنه يتناول نوعين من السرقات، لكل نوع عقوبة محددة:

    الأول: ويتناول سرقة الحيوانات أو آلات الزراعة.

     وفيها يعاقب الفاعل بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة، إذا أقدم على سرقة الدواب والمواشي سواء كانت في حراسة أحد أم لا، وسواء كانت وقت سرقتها في مكان مملوك لصاحبها أم لا، ما لم يكن هذا المكان من شأنه تشدید عقاب السرقة أيا كانت.

     فلقد سبق و أشرنا إلى أن الات الزراعة والماشية تعتبر من المنقولات المسخرة لخدمة العقار في مفهوم القانون الجزائي، أي عقارات بالتخصيص.

     وبالتالي فإن سرقتها من مكان مقفل محاط بالجدران، أو من مسكن ينطبق عليه وصف السرقة المشددة.

     أما ألات الزراعة فهي تشمل أي أداة تستخدم في زراعة الأرض، سواء للفلاحة أو للحصاد وما إلى ذلك، يدوية كانت أم ميكانيكية، صغيرة كانت أم كبيرة، كالفئوس والمحاريث يدوية أم ميكانيكية.

    الثاني: ويتناول سرقة بعض الأشياء من الأماكن التي تستخرج منها،

    وفيها يعاقب الفاعل بالحبس من شهر إلى سنة والغرامة، إذا أقدم على سرقة الحطب المعد للبيع وخشب البناء المقطوع والحجارة من المقالع والسمك من الشبك والعلق من البرك (العلق هو نوع من الديدان تعيش في البرك، له فوائد طبية، باستخدامه أحيانا في امتصاص الدم الفاسد. و الطيور من القن والنحل من الخلايا.

    ويلاحظ على هذه الأشياء أنها مملوكة لأشخاص معينين، وليست مباحة.

    فأغلب هذه الأشياء وإن كانت في الأصل أشياء مباحة إلا أنها أصبحت ما يصلح محلاً لجرم السرقة بمجرد حيازتها من أحد الأشخاص.

  • ركن جريمة السرقة بأن يكون محل السرقة ذو طبيعة مادية

    إن مفهوم السرقة يتضمن الاستيلاء على الحيازة الكاملة لشيء له صفة المنقول ونقله من مكانه.

    وهذا المفهوم لا يستوي إلا إذا كان هذا الشيء مادياً.

     والشيء المادي هو “كل ما يشغل حيزا من فراغ هذا الكون ويستطيع الإنسان أن يدركه ببعض حواسه”.

     أو هو “كل ماله كيان ذاتي مستقل في العالم الخارجي، أو هو كل ماله طول و عرض وسمك بصرف النظر عن حجمه أو وزنه أو هيئته “.

     إذن فمناط الصفة المادية للشيء هو إمكان السيطرة المادية عليه وصلاحيته للتملك.

    نستخلص من ذلك نتيجتين:

     – الأولى:

    أن الأشياء المعنوية، أي غير المادية، لا تصلح محلا للسرقة، كالحقوق والأفكار والألحان والمخترعات والشعر، لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس وليس لها كيان مادي يمكن الاستيلاء عليه.

     بيد أن هذه الأشياء تتحول إلى منقولات مادية صالحة لتكون محلا للسرقة إذا أفرغت في وعاء مادي، کسند أو كتاب أو نوتة موسيقية أو براءة اختراع، لأن السرقة هنا تقع على المادة التي دون بها الحق أو الكتاب الذي وضعت به الأفكار أو النوتة التي تتضمن اللحن الموسيقي أو براءة الاختراع. أما الحقوق في حد ذاتها والأفكار والألحان والمخترعات فليس لها كيان مادي يصلح ليكون محلا للسرقة .

    – الثانية:

    يستوي في أن يكون هذا الشيء المادي الذي يأخذ صفة المنقول جسم صلب أو سائلا أو غازية، فهو ذو کیان مادي وان اختلفت مادته. والأشياء الصلبة لا يمكن حصرها، فمنها النقود والمواشي والآلات…الخ.

     أما الأشياء السائلة، كالماء والزيت والكحول والبترول، فهي سوائل مادية يمكن إحرازها و تملكها، ويخضع الاستيلاء عليها لوصف السرقة.

    وعلى ذلك يعتبر سارقاً من يسحب الماء من أرض جاره وينقلها إلى أرضه.

     كما يعتبر سارقاً من يستولي على كمية من مياه الشرب أكثر مما حسبه العداد باستعماله طريقة من طرق الغش لأخذ الماء.

     كأن يضع ماسورة قبل العداد الذي وضعته الشركة دون أن يجعل الماء يمر بالعداد، أو يجعله يمر بالعداد ولكنه تلاعب في حركته بإبطاء تلك الحركة عن السير العادي.

    أما إذا ترك العداد يحسب مقدار كمية المياه المستهلكة بطريقة عادية ثم قام بعد ذلك بتغيير الرقم الحقيقي المبين بالعداد إلى رقم أقل منه فإنه لا يعد مرتكبا لجريمة السرقة، لأن كمية المياه وقت أخذها إنما أخذت واستهلكت بطريقة نظامية، لأن العداد كان يحسبها في أثناء الأخذ بصورة صحيحة، فلم تؤخذ بدون رضاء الشركة، إذ يستفاد هذا الرضا من مرور المياه بالعداد مرورة طبيعية، وإن كان يعتبر سلوكه هذا غشا عقدية غير مشروع في مقدار دین الشركة على مدينها، أو يعتبر غشا قد يصل إلى حد الاحتيال إذا توافرت شروطه، ولكنه ليس سرقة.

    أما الأشياء الغازية، فبالرغم من أنها لا تدرك بالعين المجردة، إلا أنها تأخذ حكم الأشياء الصلبة والسائلة، لأنه يمكن حيازتها ونقلها وتملكها من خلال ما تعبأ فيه من أنابيب أو قوارير لاستخدامها في الأغراض الاقتصادية.

     ويدخل ضمن هذا المفهوم الطاقة الكهربائية والمغناطيسية التي تعمل على نقل الصوت عبر الأسلاك التلفونية والطاقة النووية.

     فهي طاقات تخضع للسيطرة كغيرها من الأشياء المادية، فهي تعبأ وتنقل وتجاز وتقاس ويتحكم فيها سواء بالاستهلاك أو عدمه، و تصلح محلا لحق التملك، وبالتاي محلا لجرم السرقة.

    وقد نص المشرع السوري صراحة في المادة 621 فقرة 2 من قانون العقوبات على أن “القوة المحرزة تنزل منزلة الأشياء المنقولة في تطبيق القوانين الجزائية”.

     وبذلك أدخل المشرع الكهرباء والغاز والبخار في قائمة الأموال التي تصلح محلا لجرم السرقة.

     وعلى ذلك يعتبر سرقة الحصول خلسة على التيار الكهربائي بمد سلك من الخط الرئيسي أو بوضع سلك بطرفي العداد يمر منه التيار دون تسجيله في العداد، باعتبار أن الكهرباء في هذه الحالة لم تسلم رضائياً وفق الشروط التي وضعتها شركة الكهرباء.

     أما التلاعب بالعداد بعد الاستحصال على الكهرباء أصوة بتخفيض الكمية المسجلة فيشكل غشا في كمية البضاعة المتعاقد عليها، أو احتيالاً إذا توافرت شروطه وليس سرقة.

    ويعتبر مرتكبا لجرم السرقة ايضا، وليس جرم استعمال اشياء الغير دون وجه حق، من يستولي على الخط الهاتفي لجاره، سواء تعطل خط الجار المجني عليه أم لم يتعطل.

     فالخط الهاتفي له قيمة مالية تتمثل في تكاليف الاشتراك والمكالمات التلفونية المستهلكة، وقام المتهم بتملك قيمة المكالمات الهاتفية التي استعملها وهو يعلم بأنه غير مالك للخط الهاتفي، ودون رضاء صاحب الخط المجني عليه.

  • نقاط الاتفاق والاختلاف بين جرائم السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة.

    تتفق هذه الجرائم في ما بينها في كثير من الوجوه، حتى أنها تكاد تختلط مع بعضها في بعض الأحيان. هذا التقارب هو السبب الذي دفع بالتشريعات القديمة، كالقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم، إلى دمج هذه الجرائم في جريمة واحدة هي اغتيال مال الغير .

     فهذه الجرائم تتفق في ما بينها في الموضوع وفي القصد من ارتكابها. فموضوعها أو محل الجريمة فيها هو المال المملوك للغير. وقصد الفاعل فيها يتمثل بنية تملك المال، أي نيته أن يحل محل المالك في ما له من سلطات على المال.

    إلا أنه بالرغم من تماثل هذه الجرائم في الموضوع والقصد، فإنها تختلف مع ذلك في الوسيلة التي يلجأ إليها الفاعل للحصول على مال الغير.

     ففي السرقة ينتزع السارق حيازة المال بغير رضاء صاحبه خلسة أو عنوة.

    وفي الاحتيال يحصل المحتال على المال من صاحبه باختياره، وإنما تحت تأثير طرق احتيالية.

     وفي إساءة الائتمان، أيضا يكون المال في حيازة مسيء الأمانة باختيار صاحبه، استنادا إلى عقد من عقود الائتمان كالعارية والوديعة والإجارة والرهن….

    تلك العقود التي تعطي للفاعل الحق بحيازة المال حيازة مؤقتة، فيخون الثقة ويغير نيته في حيازة الشيء من حيازة مؤقتة إلى حيازة دائمة تامة، أي بقصد تملك المال. كالمستعير الذي يدعي ملكيته للشيء المعار، و مستأجر المنقول الذي يدعي ملكية المنقول المؤجر … الخ

  • جريمة القتل أو الايذاء من غير قصد

    القتل والإيذاء عن غير قصد

    قليلة هي الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات إذا ارتكبت عن غير قصد. والقتل والإيذاء تعتبر من أهمها.

    فهذه الجرائم يعتمد المشرع اتجاهها سياسة العقاب ليس استناداً إلى قصد جرمي وإنما استناداً إلى خطأ وقع به الفاعل أدى إلى موت الضحية أو إيذائها.

    والحكمة في تجريم القتل والإيذاء خطأ تكمن في رغبة المشرع بصيانة أرواح الناس وسلامتهم البدنية، ولو كان الفعل في الحالتين ناتج عن خطأ لا عن قصد.

    ولضرورة كون السياسة التي يعتمدها المشرع في العقاب عادلة، يجب أن يميز في العقاب بين القتل والإيذاء قصدأ والقتل والإيذاء خطأ بجعل المسئولية الناتجة عن الخطأ أخف بكثير من تلك الناتجة عن القصد.

     وتجدر الإشارة إلى أن جرائم القتل والإيذاء خطأ تتحد مع بعضها في أركان الجريمة، سواء منها الركن المفترض وهو الإنسان الحي، أو الركن المادي المتمثل في سلوك الفاعل، أو في الركن المعنوي وهو الخطأ الذي يتجسد بإحدى صور ثلاث:

     الإهمال – قلة الاحتراز – عدم مراعاة الشرائع والأنظمة.

    إلا أن الفرق بين القتل والإيذاء خطأ يظهر في جسامة النتيجة الجرمية المتولدة عن هذا الخطأ، فبينما تتمثل هذه النتيجة في القتل بالوفاة، نراها في الإيذاء تتمثل بمجرد المساس بصحة المجني عليه أو بسلامته الجسدية.

    هذا التوافق بين القتل والإيذاء الخطأ هو ما دفع المشرع السوري إلى تناول أحكامهما معا و على التوالي في المواد 550 إلى 553 من قانون العقوبات.

    حيث تناول أو جرم القتل في المادة 550 كما يلي:

    “من سبب موت إنسان عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”.

    ثم تصدى للإيذاء غير المقصود في المادة 551 على الشكل التالي:

    1- إذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا إيذاء كالذي نصت عليه المواد 542 -544 كان العقاب من شهرين إلى سنة.

     2- يعاقب على كل إيذاء آخر غير مقصود بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بغرامة لا تتجاوز المائة ليرة.

     3- وتعلق الملاحقة على شكوى المجني عليه إذا لم ينجم عن الإيذاء مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تجاوز العشرة أيام ويكون لتنازل الشاكي عن حقه نفس المفاعيل المبينة في المادتين 540 – 541″.

    ونتيجة لكثرة حوادث القتل والإيذاء الخطأ الناجمة عن استعمال السيارات أورد المشرع نص المادة 552 كما يلي:

    “كل سائق مركبة تسبب بحادث ولو مادي، ولم يقف من فوراُ، أو لم يعني بالمجني عليه، أو حاول التملص من التبعة بالهرب يعاقب بالحبس التكديري وبغرامة لا تتجاوز الخمسين ليرة”.

    ثم أورد المشرع في نص المادة 553 ظرفاً مشدداً للقتل والإيذاء غير المقصودين كما يلي:

    “يزاد على العقوبات المذكورة في المادتين 550 و 551 نصفها إذا اقترف المجرم أحد الأفعال الواردة في المادة السابقة”.

    يتبين من مراجعة نص المادتين 550 و 551 أن أركان جريمتي القتل والإيذاء خطأ واحدة، وكل ما في الأمر أن المشرع وضعهما في نصين مختلفين بسبب اختلاف النتيجة في كل منهما، فهي في الأولى الوفاة وفي الأخرى المساس بسلامة الضحية البدنية

     وهذه الأركان هي: الركن المفترض – الركن المادي – الركن المعنوي.

    والركن المفترض يقتضي وقوع فعل الاعتداء على إنسان حي. ولقد سبق التصدي لهذا الركن في معرض الحديث عن أركان القتل المقصود وما يصح قوله هناك يصح قوله هنا.

    والركن المادي له ثلاثة عناصر:

     نشاط الفاعل سواء تمثل بصورة إيجابية أو سلبية. والنتيجة الضارة الناجمة عن هذا النشاط وهي الوفاة أو الإصابة. والرابطة السببية بين النشاط و النتيجة.

     أما الركن المعنوي فيتمثل في الخطأ. والخطأ هذا هو انعكاس لنشاط الفاعل، أي أن ثمة تلازم بين نشاط الفاعل وخطئه، فهذا الخطأ يكمن في النشاط الذي يأتيه الفاعل”.

    فسائق السيارة عندما يقود بسرعة يرتكب نشاطاً محرماً هو السرعة وهذا النشاط بحد ذاته يؤلف الخطأ وينطوي على الركن المعنوي.

    وبناء على هذا التلازم بين النشاط والخطا سيتم تناول النشاط الجرمي والركن المعنوي معا تحت عنوان الخطا، متطرقين ضمنها للأشخاص المسئولين، إضافة للنتيجة المعاقب عليها والعلاقة السببية بين الخطأ والنتيجة. ثم نتطرق إلى درجات القتل والإيذاء الخطأ أي أوصافهما القانونية المختلفة.

  • جناية الايذاء المفضي الى الموت

    الإيذاء المفضي إلى الموت

    نصت المادة 536 على هذه الصورة بقولها

     “1- من تسبب بموت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو العنف أو الشدة أو بأي عمل أخر مقصود عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل.

    2- ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا اقترف الفعل بإحدى الحالات المنصوص عليها في المادتين السابقتين”.

    بتحليل هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

     1- لقد أورد المشرع هذا النص ضمن نصوص جرائم القتل، وكان الأولى به إدراجه ضمن جرائم الإيذاء باعتباره أشد صوره خطورة.

     وذلك أسوة بجرم الإيذاء المفضي إلى الإجهاض الذي ميزه المشرع و أورده ضمن نصوص الإيذاء وليس ضمن نصوص الإجهاض.

     2- تمثل هذه الصورة من صور الإيذاء الجرم الأخطر والأشد ضررة فيها، حيث يؤدي الاعتداء إلى إزهاق روح المجني عليه دون أن يكون الفاعل قاصدأ ذلك.

    3- لا تختلف هذه الصورة عن سابقاتها من صور الإيذاء في الركن المادي المتمثل بأي فعل من أفعال الإيذاء كالضرب أو الجرح أو العنف أو الشدة.

     ولا شك أن سلوك الفاعل يشمل الفعل الإيجابي والفعل السلبي ( أي بالامتناع ).

    فتتوفر الجريمة في حالة ضرب الجاني للمجني عليه أو جرحه بنية إيذائه، فيموت المعتدى عليه نتيجة ذلك.

     أو حالة امتناع الممرضة عن تقديم الدواء في موعده للمريض بقصد الإضرار بصحته فقط، فيموت المريض جراء ذلك، دون أن يتوفر لديها نية قتله.

     كما يشمل سلوك الفاعل الفعل المادي والفعل المعنوي. فتتوفر الجريمة سواء قام الفاعل بإيذاء المجني عليه ماديا، بالطعن أو الضرب باليد أو العصا أو السكين أو الحجارة…الخ، أو إيذاءه معنوية، كترويعه أو تخويفه أو إسماعه نبأ محزنة، أو تسبيب الام نفسية له، وغير ذلك من أنواع التعذيب أو الإيذاء المعنوي .

    كما لو أطلق الفاعل النار تخويفا للمجني عليه، فيموت الأخير من شدة الرعب.

     4- إن النتيجة الجرمية في الجريمة تتمثل بوفاة المجني عليه الذي تعرض للضرب أو الجرح. فلا بد لتحقق هذه الجريمة من حصول الوفاة وإلا فلا مجال لتطبيق نص المادة 536، حتى ولو كان فعل الاعتداء من شأنه إحداث الوفاة.

    – ولا مجال، كما أسلفنا، لتصور الشروع في هذه الجريمة.

    لأن من شروط الشروع توافر قصد إحداث نتيجة معينة، ولا يمكن إعمال هذا الشرط بالنسبة لهذه الجريمة، فلا يمكن أن يتوفر بحق الفاعل قصد إحداث النتيجة التي وقعت أي قصد الوصول إلى موت المجني عليه وإلا لأصبح الجرم قت مقصودة وليس إيذاء مفضية إلى الموت.

     فجرائم الإيذاء يعاقب عليها وفقا للنتيجة التي تقع بالفعل وعلى مقدار خطورتها، وما دام لا يتصور في حق الفاعل إلا توفر القصد الجرمي العام، أي نية المساس بالسلامة البدنية للمجني عليه، فإنه لا يمكن تصور توفر الشروع في هذه الجريمة.

    – وسيان أن تحصل النتيجة الجرمية، أي الوفاة، مباشرة بعد الضرب أو الجرح، أو بعد فترة زمنية تطول أم تقصر.

     فطالما أن الرابطة السببية متوفرة بین الضرب أو الجرح والوفاة، فيسأل الفاعل عن الجريمة ولو طال زمن حصول الموت.

    والمسألة الذي تثار هنا:

    إذا حكم على الفاعل بإحدى جرائم الإيذاء، وأصبح الحكم مبرما.  وأثناء تنفيذ المحكوم عليه العقوبته توفي المجني عليه، وثبت أن سبب الوفاة هو فعل الاعتداء الذي حكم بشأنه المجرم، فما الحل في هذه الحالة؟

     لقد أورد المشرع حل هذه المسألة في المادة 181من قانون العقوبات التي عالجت مسألة تفاقم النتيجة الجرمية اللفعل الواحد.

     وبموجبها عند تفاقم النتيجة (الوفاة بسبب الإصابة) يصبح الجرم قابلا لوصف أشد، فيلاحق الفاعل بهذا الوصف الجديد، وتنفذ العقوبة الأشد دون سواها.

     فإذا كانت العقوبة المقضي بها سابقا قد نفذت، فيجب إسقاط مدتها من العقوبة الجديدة.

     5- يتمثل الركن المعنوي في هذه الجريمة، كغيرها من جرائم الإيذاء في اتجاه النية إلى المساس بسلامة المجني عليه الجسدية، فيقدم الفاعل على ضرب المجني عليه قاصدا إيذاءه فقط، فيؤدي فعله إلى موته دون أن يقصد إحداثه، ودون أن يتوقع حصوله.

     فهذه الجريمة من الجرائم المتعدية القصد، التي يسأل الفاعل عن نتيجتها التي لم يقصدها أصلاً، كونه يتحمل تبعة سلوكه الضار منذ البداية وما يترتب عليه من نتائج ضارة وإن لم يكن يتوقعها.

    ويختلف الأمر إذا ثبت على الفاعل توقعه عند ضربه للمجني عليه حصول الوفاة كنتيجة محتملة لفعله وقبوله بها، راضية بالمخاطرة.

     ففي هذه الحالة تكون أمام جريمة قتل مقصود استنادا للقصد الاحتمالي الذي يساوي القصد المباشر، ويسأل الفاعل بمقتضى المادة 533، وليس إيذاء مفضية إلى الموت.

    6- إن العقوبة المقررة لهذه الجريمة هي الأشغال الشاقة من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة.

     وتشدد هذه العقوبة برفع الحد الأدنى إلى سبع سنوات إذا اقترن فعل الإيذاء بإحدى الحالات المنصوص عليها في المادتين 534 و 535.

     وهي حالات تشدید جرم القتل إلى المؤبد أو الإعدام.

     

  • جناية الإيذاء المفضي إلى إجهاض حامل مع العلم بحملها

    الإيذاء المفضي إلى إجهاض حامل مع العلم بحملها

    نصت المادة 544 على هذه الصورة بقولها

    “يعاقب بالعقوبة نفسها من تسبب بإحدى الطرائق المذكورة في المادة 540 بإجهاض حامل، وهو على علم بحملها“.

    بتحليل هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

    1- لقد ساوى المشرع في هذا النص بين عقوبة الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة وعقوبة الإيذاء المفضي إلى إجهاض حامل مع العلم بحملها، وهذه العقوبة هي الأشغال الشاقة من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.

    2- يفترض هذا النص وقوع اعتداء بصورة ضرب أو جرح أو إيذاء على امرأة حبلى.

    3- إن النتيجة الجرمية المترتبة على الاعتداء لم تتوقف عند المساس بالسلامة الجسدية للمرأة، بل تجاوزت ذلك إلى الجنين الذي تحمله، فأدى الاعتداء إلى إجهاض المرأة، أي إلى إسقاط الجنين قبل الأوان.

    وسيان أن يسقط الجنين حيا أو ميتا، فالجريمة قائمة ما دام الإسقاط قد حصل قبل أوان الولادة. وتختلف هذه الحالة عن حالة قتل الوليد، التي تفترض أن الطفل قد ولد ولادة طبيعية ثم أزهقت روحه أثناء عملية الولادة أو بعدها مباشرة.

    4- لا بد لقيام الركن المعنوي في هذه الجريمة أن تتجه نية الفاعل إلى المساس بالسلامة الجسدية للمرأة، وهو القصد المطلوب توفره في كافة جرائم الإيذاء.

    إلا أنه لا يكفي لوحده لتحقق هذه الجريمة، بل يشترط أن يتوفر لدى الفاعل العلم المسبق بحمل المرأة، ومع ذلك يقدم الفاعل على ضربها أو إيذائها ولكن دون أن يقصد إجهاضها.

    وهذا هو العنصر الأساسي في هذه الجريمة.

    فإذا أقدم الفاعل على ضرب المرأة و هو يجهل حملها فلا يطبق عليه نص المادة 544، ولو تم إسقاط الجنين نتيجة الضرب.

    وتقتصر مسئوليته على النتائج الأخرى غير الإجهاض ، ويطبق عيه أحكام جرائم الإيذاء الأخرى بحسب جسامة النتيجة المترتبة على فعله.

    أما إذا أقدم الفاعل على ضرب المرأة قاصدا إسقاط حملها، فيسأل الفاعل هنا على جرم الإجهاض، المعاقب عليه في المواد 527 إلى 532 من قانون العقوبات.

    5- وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن كافة جرائم الإيذاء السابقة، سواء الجنحية منها أم الجنائية يشدد عقابها وفق نص المادة 545 “إذا اقترف الفعل بإحدى الحالات المبينة في المادتين 534 و 535” أي الحالات المؤدية إلى تشديد عقوبة القتل.

    وهذا التشديد يؤدي إلى زيادة العقوبة من الثلث إلى النصف ومضاعفة الغرامة.

  • جناية الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة

    جناية الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة

    جاء النص على هذه الصورة في المادة 543 كما يلي:

     “إذا أدى الفعل إلى قطع، أو استئصال عضو، أو بتر أحد الأطراف، أو إلى تعطيلهما، أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل، أو تسبب في إحداث تشويه جسيم، أو أية عاهة أخرى دائمة، أو لها مظهر العامة الدائمة، عوقب المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر”.

    بتحليل هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

     1- يجب أن يتوفر في هذا الجرم ذات الأركان العامة التي تشترك بها جميع جرائم الإيذاء بصورها الجنحية والجنائية، سواء ما تعلق بفعل الضرب أو الجرح أو الإيذاء، أي الركن المادي، أو ما تعلق بقصد الإضرار بالسلامة الجسدية للمجني عليه، وهو القصد الجرمي العام المطلوب في كافة جرائم الإيذاء، أي الركن المعنوي.

    2- لا بد لتطبيق نص المادة 543 من توفر النتيجة الجرمية المطلوبة به، والتي عددها النص:

    من قطع أو استئصال العضو أو من بتر لأحد الأطراف أو تعطيله، أو من تعطيل أحد الحواس، أو من إحداث تشويه جسيم أو أية عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة.

    وليس التعداد الذي أورده النص سوى أمثلة، على سبيل التمثيل لا الحصر، عن العاهة الدائمة.

    3- لم يورد المشرع في النص تعريفا للعاهة الدائمة، بل اكتفي كما أشرنا بذكر بعض صورها. ويمكن تعريف العاهة الدائمة استنادا لهذه الصور بأنها

    “حرمان المجني عليه كليا أو جزئيا من منفعة أحد أعضائه أو أطرافه أو حواسه، أو من جماله، حرمانة نهائي “.

     إذا فالعاهة تعني فقد عضو من أعضاء الجسم، سواء كان خارجي أم داخلي، أو حاسة من حواسه، أو تعطيلهما، أو تشويههما بشكل دائم، أي غير قابل للشفاء.

    وتقدير ذلك يعود لقاضي الموضوع الذي يسترشد بالتقرير الطبي وبحالة المصاب.

    ولا ينفي عدم قابلية الشفاء أن يكون الطب قد توصل إلى وضع بديل صناعي للعضو المفقود أو التالف، كأذن صناعية، أو ساق صناعية.

    وتعتبر عاهة دائمة ولو كان من الممكن شفاعها عن طريق جراحة دقيقة تعرض حياة المجني عليه للخطر، إذا رفض المجني عليه إجراءها، فالمجني عليه لا يلزم بإجراء هذه العملية الجراحية.

    4- لم يحدد المشرع نسبة مئوية معينة للنقص الذي لحق منفعة العضو أو الحاسة لتكوين العاهة الدائمة. وهذا يعني أن العاهة تتحقق بهذا النقص مهما كان ضئيلاً.

     فضالة النسبة المئوية لا تنفي صفة العاهة. كما أنه لا يؤثر في قيام العاهة عدم إمكان تقديرها بنسبة مئوية.

    وتطبيقا لذلك فإن عاهة العين تثبت بمجرد فقد البصر فيها، وإن كان المجني عليه يعاني قبل ذلك من ضعف في الإبصار بها.

     فما دام المجني عليه كان يبصر بعينه قبل الاعتداء عليه، ولو بشكل ضئيل، وفقد معظم بصره أو فقده بشكل تام نتيجة الاعتداء، فالعاهة الدائمة تعتبر متوفرة .

     – من الأمثلة على العامة الدائمة فقد البصر أو ضعفه ولو كان مقصورة على إحدى العينين، فقد أو ضعف حاسة الشم أو السمع أو القدرة على النطق، فقد أحد الأصابع أو عدم القدرة على ثنيه، قطع صيوان الأذن، استئصال الطحال أو الكلية ولو كان المجني عليه مصابة بمرض بهما سابقا .

     5- لقد ساوى المشرع بين العاهة الدائمة وبين العاهة التي لها مظهر العاهة الدائمة وإن لم تكن في حقيقتها كذلك.

    وبذلك يحمي المشرع جمال الجسم، بحمايته لفقد جمال أحد أعضائه، إضافة لحماية وظائف الجسم.

     فلو أدى الإيذاء إلى تشويه جسيم في الوجه، كانحراف واضح في الأنف، أو فقد الشعر، أو حرق إحدى الوجنتين، فهو يأخذ مظهر العاهة الدائمة وإن لم يكن ينطوي على فقد عضو من أعضاء الوجه أو جزء منه، أو تعطيل وظيفة حاسة من الحواس.

    وحسنا فعل المشرع بذلك، فما من شك بأن تشويه الوجه يكون له أثر في نفس المجني عليه لا يقل عن فقدان عضو أو تعطيل حاسة من حواسه.

    – إن العقوبة المفروضة على مرتكب هذه الجريمة هي عقوبة جنائية تتراوح بين الثلاث سنوات و العشر سنوات أشغال شاقة.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1