الوسم: افضل محامي جنايات

  •  موقف المشرع السوري من العلاقة السببية في جريمة القتل؟

     موقف المشرع السوري من السببية

    لم يترك المشرع السوري مسألة السببية دون تقنين ، بل تبنى نصاً عاماً في قانون العقوبات هو المادة 203، أرسی به قواعد السببية في جميع الجرائم المقصودة وغير المقصودة، مقتبسة من نص المادة 41 من قانون العقوبات الإيطالي.

    وقد جاء نص المادة 203 تحت عنوان ” اجتماع الأسباب “. ونصها:

     “1- إن الصلة السببية بين الفعل و عدم الفعل من جهة وبين النتيجة الجرمية من جهة ثانية لا ينفيها اجتماع أسباب أخرى سابقة أو مقارنة أو لاحقة سواء جهلها الفاعل أو كانت مستقلة عن فعله.

    2- ويختلف الأمر إذا كان السبب اللاحق مستقلا وكافيا بذاته لإحداث النتيجة الجرمية. ولا يكون الفاعل في هذه الحالة عرضة إلا لعقوبة الفعل الذي ارتكبه”.

     ونظرا لأهمية مسألة السببية في جرائم القتل والإيذاء، فقد أورد المشرع في قانون العقوبات نصاً خاصاً يعالج مسألة السببية في هذه الجرائم، و هو نص المادة 544، الذي جاء تحت عنوان

    القتل والإيذاء الناجمين عن تعدد الأسباب، والقاضي بأنه إذا كان الموت والإيذاء المرتکبان عن قصد أو غير قصد نتيجة عدة أسباب جهلها الفاعل وكانت مستقلة عن فعله أمكن تخفيض العقوبة بالمقدار المبين في المادة 199″

    أي اعتبار الفعل شروعة وليس جرم تامة، وعقابه على هذا الأساس.

    وباستقراء نص الفقرة الأولى من المادة 203 نلاحظ أنها تتبنى نظرية تعادل الأسباب. إذ اعتبرت أن الفاعل يعتبر مسؤولاً عن النتيجة ولو تضافرت عوامل أخرى مع فعله في إحداثها، سواء كانت هذه العوامل سابقة أو مرافقة أو لاحقة لفعله، وسواء كانت مستقلة عن فعله أو ناتجة عنه، وسواء كان الفاعل يعلم بوجودها أم لا.

    فلا تأثير لكل ذلك على قيام رابطة السببية بين الفعل و النتيجة، وعلى مسؤولية الفاعل عن هذه النتيجة .

     إلا أن المشرع عاد في الفقرة الثانية ووضع استثناءاً، يتبين منه تبنيه لنظرية السبب الملائم في حالة تدخل عامل ما بين الفعل والنتيجة، فيقطع رابطة السببية بينهما، وينفي مسئولية الفاعل عن النتيجة الحاصلة، إذا توافرت به الشروط التالية:

    1- أن يكون لاحقاً لفعل الفاعل

     2- أن يكون مستقلا عنه

     3- أن يكون كافيا بذاته لإحداث النتيجة الجرمية.

    وإذا أردنا تبسيط المسألة يمكننا القول بأن العوامل التي تساهم مع فعل الفاعل في إحداث النتيجة قد تكون سابقة أو مرافقة أو لاحقة له.

     فإذا كانت سابقة أو مرافقة له فهي لا تقطع العلاقة السببية بين فعل الفاعل و النتيجة بأي شكل.

    أما إذا كان العامل قد أتي لاحقا للفعل، فإنه أيضا لا يقطع رابطة السببية بين الفعل والنتيجة إلا إذا كان مستقلاً عن الفعل، وكافياً لوحده لإحداث النتيجة.

     ففي هذه الحالة فقط تنقطع الرابطة، وتنتفي مسئولية الفاعل عن النتيجة الحاصلة، ويعاقب فقط عن الفعل الذي ارتكبه.

    فإذا تعرض أحدهم لطعنة بسكين، ثم جاء شخص ثالث و عاجله بطلقة من مسدس أودت بحياته.

     فهذا الطلق الناري عامل لاحق لفعل الطعن بالسكين ، و مستقل عنه، أي غير ناتج أو متولد عنه، وكاف لوحده لإحداث الوفاة.

     فالطاعن هنا لا يسأل عن الوفاة، بل تقتصر مساءلته على ما ارتكبه من فعل، وهو الجرح أو الإيذاء.

    وللتوضيح أكثر، لنفترض أن زید دس السم في طعام بكر، فأكله وشعر بأعراض التسمم فاتجه إلى المستشفى فدهسته سيارة في الطريق ومات على أثر ذلك.

    أو تم نقله بسيارة صديقه للمستشفى وفي الطريق انقلبت السيارة نتيجة السرعة ومات بكر.

    فهنا يختلف الحكم في الحالتين.

    ففي الحالة الأولى، أي الوفاة دهساً، يعتبر الدهس سبباً لاحقاً ومستقلاً وكافية لوحده لإحداث الوفاة.

    فيقطع العلاقة السببية بين فعل زيد ووفاة بكر.

     أما في الحالة الثانية، فهنا انقلاب السيارة بالرغم من أنه سبب لاحق وكاف بحد ذاته لإحداث الوفاة، إلا أنه ليس مستقلاً عن فعل زيد، بل متولد عنه، فلولا فعل زيد لما أسعفه الصديق بسيارته.

     ولذلك لا يعتبر انقلاب السيارة هنا سبباً مستقلاً، ولا يقطع الرابطة السببية بين فعل زيد ووفاة بكر.

    أما بخصوص النص الخاص الوارد في المادة 544، فالملاحظ أنه لم يدخل أي تعديل على النص العام، الوارد في المادة 203، بالنسبة للقواعد العامة للسييية السالف شرحها.

    بل اكتفي بتعين مقدار العقاب في حالة اقتران الفعل مع عوامل أخرى مستقلة عنه، سابقة أو مقارنة لوقوعه أو لاحقة له، إذا كانت غير كافية لإحداث النتيجة.

     ففي هذه الحالة، إذا ما ثبت جهل الفاعل للعوامل الأخرى، يبقى مسؤولاً عن النتيجة الحاصلة، ولكن يعاقب کشارع في ارتكاب الجريمة.

     أما إذا ثبت علمه بتلك العوامل فيعاقب على ارتكابه جرمة تامة تطبيقا للمبدأ العام ” تعادل الأسباب ” الوارد في الفقرة الأولى من المادة 203.

    وكل ما في الأمر أن الفاعل يستحق تخفيف العقاب لأن أسباب الوفاة أو الإيذاء كانت مجهولة لديه، و غير متولدة عن فعله.

     ففي المثال السابق عن جرح زيد لبكر، بفرض أن بكر مريض بالسكر ولم يلتئم جرحه لهذا السبب، فتفاقمت حالته، ومات على أثر ذلك.

     فعلاقة السببية بين الجرح والوفاة تبقى قائمة، تطبيقا للمبدأ العام ” تعادل الأسباب ” ، ويبقى زيد مسؤولاً عن الوفاة، حتى ولو لم يكن الجرح هو وحده السبب في الوفاة.

    ولكن عقابه يختلف مقداره استناداً لعلمه يمرض بكر أم لجهله به.

     فإذا كان يعلم مسبقاً بمرض بكر وأقدم على جرحه، فيعاقب عقاب القتل التام.

    أما إذا كان لا يعلم، فيعتبر شارعا في القتل.

  • ماهي نطرية السبب المباشر والسبب الملائم في جريمة القتل؟

    نظرية السبب المباشر

    هذه النظرية لا تعتبر جميع العوامل التي أسهمت في إحداث النتيجة متساوية، أو أنها تصلح جميعا لأن تكون أسباب قانونية في وقوع النتيجة الحاصلة.

     وإنما ترى أن الفعل لا يعد سببا للنتيجة الجرمية في نظر القانون إلا إذا كان يتصل بها اتصالا قريبة ومباشرة وفورية، أما إذا كان هذا الفعل بعيداً عن النتيجة فلا يمكن أن يعد سبباً لها، وان أسهم في إحداثها بصورة غير مباشرة.

    ولتحديد معيار الاتصال المباشر بالنتيجة، يمكن حصر السبب القانوني بالعامل الأخير الذي يسبق النتيجة الجرمية، أو بالسبب الأكثر تأثيراً من جملة العوامل الأخرى.

    والملاحظ في هذه النظرية أن تحديد السبب المباشر وغير المباشر، أو السبب الأكثر تأثيراً من بين العوامل المختلفة، يبدو بغاية الصعوبة ويحتاج هو أيضا إلى معيار.

    ولا ريب أن هذه النظرية تضيق كثيراً من نطاق السيبية، وتراعي جهة المتهم، بل أنها تؤدي إلى إفلات الفاعل الأصلي باعتباره غير مسؤول عن النتائج التي أدى إليها فعله بصورة يقينية إذا كانت نتائج غير مباشرة لهذا الفعل.

     

     نظرية السبب الملائم

    هذه النظرية تعتبر من أكثر النظريات شيوعاً وقبولا على صعيد التطبيق العملي في البحث عن علاقة السببية.

     ومنها استوحي المشرع السوري النص الذي عالج به مسألة السببية.

     وفق هذه النظرية يعتبر الشخص مسؤولاً عن النتيجة التي تترتب على فعله عادة بصورة مباشرة، ومسؤول فوق ذلك عن نتائج فعله إذا كانت هذه النتائج عادية ومألوفة بالنسبة للظروف والعوامل التي وقع فيها الفعل .

    أما إذا كانت هذه النتائج شاذة و غير مألوفة في ظروف ارتكاب الفعل، فتنقطع رابطة السيبية، وتنتفي بالتالي مسئولية الشخص عن النتيجة.

    فلو أن زيد جرح بكر بخنجر ، و أسعف إلى المستشفى، إلا أن الطبيب أهمل إهمالاً يسيراً في علاجه، فازدادت خطورة إصابته وتوفي على أثر ذلك.

    ففي هذه الحالة يعتبر زید مسؤولاً عن وفاة بكر، لأن إسعاف بكر إلى المستشفى، وتقصير الطبيب وخطأه اليسير من الأمور المألوفة و العادية في مثل هذه الحالة.

    أما لو انقلبت السيارة التي أسعف فيها بكر، أو شب حريق في المستشفى أثناء وجوده فيها، ومات، فهنا لا يسأل زید عن وفاة بكر، لأن انقلاب السيارة، أو حريق المستشفى من العوامل الشاذة وغير المألوفة في ظروف ارتكاب فعل الطعن بالخنجر.

     أما إذا كان جرح بكر طفيفة، وخطأ الطبيب جسيما لدرجة غير مألوفة في الحالات المماثلة، ومات بكر، فلا يمكن اعتبار زيد مسئولاً عن وفاته.

     لأن الخطأ الجسيم من الطبيب من العوامل غير المألوفة والشاذة في مثل هذه الحالة.

  • ماهي نظرية تعادل الأسباب في جريمة القتل؟

    نظرية تعادل الأسباب

    هذه النظرية تعتبر أن جميع العوامل التي ساهمت في حصول النتيجة الجرمية متساوية و متعادلة، بحيث يمكن اعتبار كل واحد منها سبباً في وقوعها على السواء.

    ويتطبيق ذلك على جرم القتل يمكن القول بأن علاقة السببية تقوم بين الاعتداء والوفاة إذا ثبت أن هذا الاعتداء ساهم في إحداث الوفاة، ولو كانت مساهمة محدودة، وكانت مساهمة العوامل الأخرى أكثر أهمية منه في إحداث الوفاة.

     فلو ساهمت مع الاعتداء عوامل طبيعية كمرض سابق كان المجني عليه يعاني منه، فالرابطة السيبية تبقى قائمة بين الاعتداء والوفاة.

     وإذا ساهمت في إحداث الوفاة أفعال أخرى فعلاقة السيبية تبقى قائمة.

     فلو دس أحدهم السم لزيد بقصد قتله، وقبل أن يسري السم في جسده ويقتله، يأتي شخص ثالث ويرديه قتيلاً بعيار ناري، فالقتل بالعيار الناري لا يقطع العلاقة السببية بين دس السم والوفاة. ويبقى من دس السم مسؤولاً عن الوفاة التي حصلت.

     كما أن العوامل التي تتدخل بعد ارتكاب الاعتداء فتزيد من جسامته و تقود إلى حدوث الوفاة لا تنفي العلاقة السيبية بين الاعتداء و النتيجة.

    فخطأ الطبيب المعالج، وان كان جسيماً، أو إصابة المجني عليه بمرض لاحق، أو احتراقه في المستشفى الذي نقل إليه للعلاج، كل ذلك لا ينفي علاقة السببية بين الاعتداء والوفاة.

    إذ لولا الجرح أو الأذى الذي أحدثه الفاعل بالمجني عليه لما تفاقمت إصابته واضطر للعلاج في المستشفى، ولما قصر الطبيب في علاجه، ولما وجد في المستشفى ساعة الحريق، وبالتالي لما حصلت الوفاة.

    الواضح أن هذه النظرية توسع كثيراً من نطاق السيبية، بحيث يصبح الشخص مسؤولاً عن نتائج لم يكن باستطاعته توقعها أو تلافيها.

     وبالتالي يفضى الأخذ بهذه النظرية إلى نتائج لا يمكن التسليم بها .

    فلو كان لدى شخص سلاح وأهمل حفظه، فسرقه شخص آخر وارتكب به جريمة قتل، يكون صاحب السلاح مسؤولاً عن جريمة القتل أسوة بالقاتل ! لأنه تبعا لهذه النظرية هناك سببان في إحداث الوفاة: فعل القتل بالمسدس، وإهمال مالك المسدس بالحفاظ عليه.

     فالوفاة ما كانت لتقع لو لم يطلق الشخص العيار الناري، وكذلك لو لم يهمل صاحب السلاح في إخفائه فيسرق منه.

     فالعاملان متكافئان في إحداث الوفاة، وكل منهما يعتبر سبباً في وفاة الضحية.

  • ماهي علاقة السببية في جريمة القتل؟

    علاقة السببية

    إن الإنسان لا يسأل عن جريمة ما إلا إذا كانت نتيجة سلوكه أو نشاطه.

     وما لم تقم هذه الرابطة المادية بين السلوك والنتيجة، فلا يمكن إسناد الجريمة إليه .

    وباعتبار أن الركن المادي لجرم القتل عبارة عن فعل يؤدي إلى الوفاة، فلا بد من توافر رابطة سببية بين الفعل والوفاة، أي أن يكون هذا الفعل هو سبب وقوع الوفاة.

    ولعلاقة السببية أهميتها في كل جريمة يتطلب ركنها المادي نتيجة جرمية ، إذ تستند هذه النتيجة إلى الفعل المرتكب، وتقيم بذلك وحدة الركن المادي، ومن ثم المسئولية.

     وجريمة القتل هي من هذه النوعية التي يستلزم فيها القانون لتمام الجريمة، وقيام المسئولية، حدوث نتيجة جرمية، هي إزهاق الروح.

     يفرق بهذا الخصوص بين نوعين من الجرائم:

     جرائم الضرر التي يتطلب القانون فيها حصول نتيجة جرمية ضارة. وهي اغلب الجرائم، ولذلك لا بد من البحث فيها عن العلاقة السببية.

     وجرائم الخطر و أو الجرائم الشكلية التي لا يستلزم قيامها حصول أية نتيجة جرمية، وإنما تترتب المسئولية فيها على حصول الفعل أو الامتناع عن الفعل. كما هو الحال في كافة المخالفات وبعض الجنح كحيازة سلاح دون ترخيص، والقيادة بسرعة، وبالتالي لا داعي هنا للبحث عن رابطة سببية ما دام ما يعاقب عليه القانون هذا هو مجرد القيام بالعمل دون حاجة الحصول نتيجة جرمية أو وقوع ضرر.

    فلكي يكون هناك جرم قتل تام يجب أن تحصل الوفاة فعلاً.

     أما إذا اقتصر الأمر على فعل الاعتداء على الضحية بقصد قتلها، ولم تحصل الوفاة ، فيقف الأمر عند حد الشروع وفقاً للقواعد العامة.

    أيضا في القتل غير المقصود، لا بد أن يؤدي الخطأ المرتكب إلى نتيجة محددة هي الوفاة.

    أما إذا اقتصر الأمر على الفعل الخاطئ، فيقف الأمر عند حد الإيذاء غير المقصود، باعتبار أن الشروع غير متصور في الجرائم غیر المقصودة.

     إذن فالقتل هو من الجرائم التي تفضي إلى نتيجة ضارة، هي الموت، والذي تكتسب به رابطة السببية أهمية كبيرة،  في توصيف الفعل، ومن ثم قيام المسئولية ورابطة السيبية لا تثير أية مشكلة عندما يكون نشاط الفاعل هو السبب أو العامل الوحيد في إحداث النتيجة.

    فعندما يطعن الفاعل الضحية بسكين في صدره، أو يطلق عليه النار، فيموت على أثرها، فليس هناك من شك بأن فعل الطعن أو إطلاق النار هو السبب الذي أدى إلى الوفاة.

    كما لا تثير رابطة السييية صعوبة كبيرة في حالة إذا لم يكن فعل الجاني هو السبب المباشر في وقوع النتيجة الجرمية، بل انضمت إليه عوامل و أسباب أخرى أفضت إليها مباشرة، وكانت جميع هذه العوامل والأسباب متولدة عن فعله.

    وهذه الحالة يطلق عليها حالة ” تسلسل النتائج المتولدة عن الفعل الواحد”، حيث يؤدي فيها الفعل إلى نتيجة تحدث بدورها نتيجة أخرى وهكذا دواليك دون تدخل أي عامل خارجي مستقل عن تسلسل النتائج على الوجه المذكور .

     ومثالها إضرام النار في مخزن و امتداده إلى منزل مجاور وقضائه على من فيه، أو دس السم في طعام زيد من الناس فيأكل معه بكر ويموت.

    وفي هذه الحالة يسأل الفاعل عن النتائج المباشرة و المتوقعة لفعله.

    أي أن رابطة السببية تقتصر في هذه الحالة على النتائج التي تتصل بفعل الجاني اتصالاً مباشرة، وتكون متوقعة.

    فامتداد النار إلى المنزل المجاور وحريق سكانه، أو أكل بكر مع زيد وموته، هي نتائج مباشرة ومتوقعة يسأل عنها الفاعل.

     أما أن يموت شخص وهو يحاول أن يخمد الحريق المندلع في المنزل فلا يمكن اعتباره نتيجة مباشرة ولا متوقعة لفعل الاعتداء الأصلي، وبالتالي تنقطع رابطة السببية بهذه الحالة.

    بيد أن وقائع الحياة العملية تبرز حالة أكثر تعقيداً في مسألة العلاقة السببية وهي حالة ” تعدد الأسباب “.

     فكثيرا ما تتداخل عوامل مختلفة مستقلة عن الفعل تتضافر معه في إحداث النتيجة وترجع إلى أسباب عديدة سواء بفعل الضحية نفسه أو فعل غير الضحية، أو ظروف خارجة عن هذا وذاك ، هذه العوامل تشترك مع نشاط الفاعل في إحداث النتيجة الجرمية، بحيث يصبح من غير الجائز القول بأن نشاط الفاعل كان هو السبب الوحيد والمباشر في حصول النتيجة.

     ومن صورها أن يهمل الضحية علاج نفسه بعد إصابته مما يؤدي إلى وفاته، أو يجهز شخص ثالث على الضحية بعد إصابته، أو يساعد ضعف صحة الضحية على وفاته، أو يشب حريق في المستشفى التي نقل إليها، أو تصطدم المركبة التي تنقله وينتهي الأمر إلى وفاته.

    فهل تقطع هذه العوامل الأخرى رابطة السببية بين نشاط الفاعل وحدوث النتيجة الجرمية، الوفاة، بعد أن تداخلت بينهما و أسهمت في إحداث ما وقع من ضرر، أم أن الفاعل يبقى مسئولا عن الجريمة رغم تدخل هذه العوامل؟

    لقد وضعت عدة نظريات لحل مسألة تعدد الأسباب ومن أهمها :

    1-  نظرية تعادل الأسباب

    2- نظرية السبب المباشر

    3- نظرية السبب الملائم

    سنوجز أهمها، ومن ثم نتطرق لموقف المشرع السوري منها.

  • شرح ركن النتيجة الجرمية في جريمة القتل

    النتيجة الجرمية: حصول الوفاة

    تعد وفاة الضحية النتيجة الجرمية في القتل، وهي بذلك أحد عناصر ركنه المادي.

    ولا تعتبر جريمة القتل تامة إلا إذا حصلت الوفاة بلفظ الضحية لأنفاسها الأخيرة .

     وتثبت الوفاة بكافة طرق الإثبات.

     وتحريك الدعوى بجرم القتل ومحاكمة الفاعل لا تتوقف على العثور على جثة القتيل.

    فالجثة هي جسم الجريمة وليست ركنا من أركانها، ووجود الجثة لا يعد شرطة للملاحقة والعقاب ما دام الدليل على وقوع القتل قائما ، ( إخفاء الجثة أو إذابتها بالأسيد ).

    إذن فحدوث الوفاة شرط لاستكمال الركن المادي كيانه، فإذا لم تحدث على الرغم من ارتكاب فعل الاعتداء على الحياة وتوافر القصد، فالواقعة شروع في قتل مقصود .

    أما إذا كان الفعل مقترناً بإحدى صور الخطأ، فإن حصول الموت شرط لتوفر جريمة القتل غير المقصود.

     لأن النتيجة الجرمية شرط لابد منه لقيام الجريمة وفرض العقاب في جميع الجرائم غير المقصودة.

     فهي إما أن تقع تامة وإما أن لا تقع. فليس هناك قتل خطأ ما لم تمت الضحية.

     و الشروع لا يمكن تصوره في الجرائم غير المقصودة.

    أما الجرائم المقصودة فإن حصلت النتيجة فالجريمة تامة، وان لم تحصل لسبب خارج عن إرادة الفاعل فالجريمة مشروعاً بها.

    والجدير بالذكر أن مساءلة الفاعل عن جرم القتل لا تشترط حصول الوفاة فوراً أثر وقوع فعل الاعتداء.

     فالفاعل يسأل عن القتل وان لم تقع الوفاة إلا بعد فترة من الزمن على ارتكاب الفعل قد تطول أو تقصر، بشرط توافر الرابطة السببية بين الاعتداء والنتيجة.

  • هل يمكن أن يحصل القتل بوسائل معنوية؟

    القتل بوسائل معنوية

    الغالب أن فعل الاعتداء في جرم القتل يكون مادياً محسوساً، يترك أثراً ظاهراً في جسم الضحية.

     كإطلاق النار أو الطعن أو الضرب أو الخنق أو تقديم السم.

     لكن الحياة لا تعدم حالات معينة ممكن أن يقتل بها شخص بوسائل معنوية، لا تترك أثراً مادياً ظاهراً على جسمه، وإنما تقع على أعصابه أو مشاعره فتحدث لديه اضطراباً يؤدي إلى موته ,كالتهديد والتخويف والترويع والإزعاج والكدر والإهانة.

     فهل تصلح هذه الوسائل ذات الأثر النفسي ليقوم بها الركن المادي للقتل؟

    يذهب بعض الفقه  إلى أن هذه الوسائل لا تصلح لتكوين الركن المادي للقتل لاستحالة إثبات العلاقة السببية بين الوسيلة المعنوية و الوفاة.

     فكيف يمكن للخبرة الطبية أن تثبت أن التخويف مثلا أو الإزعاج والتكدير هما اللذان أحدث اضطراباً في أجهزة الجسم أدى إلى الوفاة.

     وباعتبار أن العلاقة السببية عنصراً من عناصر الركن المادي، فالجريمة لا تقوم إلا بوجود هذه العلاقة.

     أما الرأي الراجح في الفقه و هو، بتقديرنا، ما يتبناه القانون السوري، فيرى أن الوسائل المعنوية تصلح أن تكون الركن المادي لجرم القتل.

     وأن صعوبة إثبات العلاقة السببية هو موضوع شكلي إجرائي لا ينفي المبدأ القاضي بإمكانية القتل بوسائل معنوية.

     فبفرض أن شخصاً أراد تعذيب أخر وقتله بحرمانه من النوم، حتى أودى به الأرق، فما الذي يمنع أن تؤلف هذه الواقعة جريمة قتل؟

    وبفرض أن أحد الورثة أراد التعجيل بوفاة المورث، المسن المريض، ففاجأه بنبأ مفجع، کوفاة زوجته أو أحد أبنائه، فأصيب بسكتة قلبية أودت بحياته.

    أفلم يقم الفاعل بقتل هذا الشخص بهذه الوسيلة؟

     وهل كان يختلف الوضع لو أنه استعمل وسيلة مادية؟

     أضف إلى ذلك، فإن القانون السوري لم يتعرض للوسائل التي قد يستعملها الفاعل في الاعتداء على حياة الآخرين، وإنما وضع الوسائل على صعيد واحد وساوى بينها.

    استنادا لذلك، ومع التسليم بأن الوسائل المعنوية نادراً ما تستخدم للقتل، وان استخدمت فإنه من العسير إثبات القصد الجرمي من جهة، واثبات العلاقة السببية بين الوسيلة والوفاة من جهة ثانية.

     إلا أن ندرة الاستخدام، وصعوبة الإثبات، لا يحول دون الاعتراف بإمكانية اللجوء للقتل بتلك الوسائل، واعتبارها کالوسائل المادية سواء بسواء؛ ما دامت قد أدت إلى ذات النتيجة، وتوفر القصد الجرمي، وثبت بالدليل القاطع الرابطة السببية بين تلك الوسيلة و الوفاة وذلك من خلال بعض الظروف الخارجية التي يمكن اعتمادها كدليل مادي على فعل الاعتداء.

     كاقتران الوسيلة المعنوية المستخدمة بأفعال خارجية، كحركات تهديد أو ضوضاء.

     أو ظهور آثار على جسم الضحية نتيجة للاضطراب الفيزيولوجي الذي عانى منه و يمكن معاينته للتأكد من أن مصدره هو اعتداء الفاعل .

  • هل يمكن أن يحصل القتل بالامتناع؟

     القتل بالامتناع

     إن الصورة العادية لجريمة القتل أنها جريمة ايجابية. أي أن ركنها المادي يتجسد بنشاط أو سلوك خارجي محسوس يصدر عن الفاعل .

     إلا أن المجرم قد يتوصل أحياناً بإحجامه أو امتناعه عن القيام بعمل ما، إلى تحقيق غرضه وإحداث النتيجة ذاتها إذا ما قام بعمل ايجابي .

    فهل يصلح الوقف السلبي، أو الامتناع أو الترك، أن يكون الركن المادي لجرم القتل؟

     

    الجواب على ذلك لا بد من تحديد المسألة بدقة. فامتناع الطبيب أو الممرضة عن تقديم الدواء إلى المريض في الوقت المحدد، بقصد قتله.

     وامتناع معلم السباحة عن إنقاذ أحد متدربيه الذي يغرق، قصدا بنية إماتته، وامتناع شخص عادي يرى أخر يوشك على الغرق عن إغاثته يقصد قتله.

     كلها أمثلة تتضمن سلوكا سلبياً من شخص يحجم عن القيام بما هو واجب عليه، مع توفر القصد الجرمي.

    إلا أن الواجب الملقى على عاتق هذا الشخص قد يكون واجباً قانونياً أو تعاقدياً، كما في المثال الأول والثاني؛ وقد يكون واجباً أدبياً أو أخلاقياً، كما في المثال الثالث.

    وفي ضوء ذلك، فإن القانون لا يجرم الامتناع عن القيام بما هو واجب أدبي، لأنه لا يتطلب ولا يفرض على الأشخاص الشهامة ، فلا يؤاخذ الشخص على امتناعه حتى ولو ثبت بالدليل القاطع أنه أراد النتيجة الجرمية، أي الوفاة.

     أما في الجانب الآخر، حيث يكون هناك واجب قانوني أو تعاقدي، فإن امتناع الشخص عن القيام بما هو واجب عليه يصلح أن يكون الركن المادي لجرم القتل إذا توافرت النية الجرمية. فالامتناع هنا كالفعل الايجابي.

    وهذا في الواقع موقف قانون العقوبات السوري.

    فلقد ساوى في ارتكاب الجرائم بين النشاط الايجابي والامتناع .

    بالتالي، فإن الركن المادي للجريمة ممكن أن يتجسد بنشاط ايجابي كما هو المعتاد، وممكن أن يتجسد أحياناً بسلوك سلبي شريطة أن يكون على الممتنع واجب قانوني أو تعاقدي أن يتدخل للمحافظة على حياة الضحية ورعاية سلامته.

     أما في حالة الامتناع المجرد، حيث لا يوجد واجب قانوني أو تعاقدي، ولو كان بسوء نية، فلا يوجد عليه أية مسئولية جزائية.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1