الوسم: استشارات محامين

  • التفتيش كإجراء لجمع الأدلة لدى قاضي التحقيق 

    التفتيش كإجراء لجمع الأدلة لدى قاضي التحقيق 

     التفتيش-لدى-قاضي-التحقيق

    مقدمة عن التفتيش كإجراء لجمع الأدلة لدى قاضي التحقيق 

    يهدف التفتيش إلى البحث عن الأدلة الجرمية وما نجم عن الجريمة وكل ما يفيد في كشف حقيقتها ومعرفة هوية مرتكبيها ومكان وجودهم، أي البحث عن السر الذي يتعلق بالجريمة، وهو السر الذي يحتفظ به الشخص لنفسه ويحرص على عدم إطلاع أعز الناس إليه أحيانا، فمن باب أولى أنه يحرص على عدم اطلاع السلطة عليه.

    فالتفتيش من إجراءات التحقيق الابتدائي ينطوي على مساس بحرية الأشخاص أو انتهاك لحرمة منازلهم يقوم به القاضي حين تتوافر لديه الأدلة على وقوع الجريمة ونسبتها إلى شخص معين. فالغرض من التفتيش هو العثور على الفاعل حين يكون مختفية عن وجه العدالة، أو ضبط الأشياء الأسلحة والأوراق والأدوات وغيرها التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو نتجت عنها وتكون ذا فائدة في كشف الحقيقة.

    فهو يمس حق المتهم في السرية، وهو من حقوق الحرية الشخصية التي يتعين كفالتها، لذلك فإن المشرع أجاز المساس بهذه الحرية عن طريق التفتيش، بعد أن أخضعه لضمانات تتمثل إما في شخص القائم به أو في عدة شروط يجب أن تتوافر فيه حتى يكون صحيحة.

    1- السلطة المختصة بالتفتيش

    لأن التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي، فإن سلطة التحقيق هي التي تملكه بحسب الأصل فقاضي التحقيق يملك حق إجراء هذا العمل التحقيقي سواء كان الجرم مشهودة أم غير مشهود، وسواء كان جناية أم جنحة وفي جميع الأمكنة، فله أن يفتش المدعى عليه أو غيره.

    وقد نصت المادة (90) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه :

    “مع مراعاة الأحكام السابقة يحق لقاضي التحقيق أن يقوم بالتحريات في جميع الأمكنة التي يحتمل وجود أشياء فيها يساعد اكتشافها على ظهور الحقيقة” .

    كما له أن ينيب عنه في ذلك أحد قضاة الصلح في منطقته أو قاضي تحقيق أخر في الأمكنة التابعة القاضي المستتاب أو أحد موظفي الضابطة العدلية.

    أما النيابة العامة والضابطة العدلية، فيجوز لهما استثناء في حال كانت الجريمة جناية مشهودة تفتيش المدعى عليه ومنزله ومكان وقوع الجريمة.

    أما إذا كانت جنحة مشهودة فليس لهما سوى تفتيش المقبوض عليه .

    2- شروط التفتيش

    كما ذكرنا، فإن التفتيش يؤدي إلى المساس بحق الشخص في الحفاظ على أسراره عن طريق تحري شخصه أو مكانه الخاص.

    فجوهر التفتيش كإجراء من إجراءات التحقيق هو في البحث عن أدلة الجريمة موضوع التحقيق وكل ما يفيد في كشف الحقيقة من أجل إثبات ارتكابها أو نسبتها إلى المتهم .

    فما لم توجد هذه الأدلة فلا محل للتفتيش. لذلك ينبغي أن تتوافر في التفتيش شروط معينة تمليها طبيعة هذا الإجراء وطبيعة الحق الذي يمسه. وقد نصت المادة (89) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:

    “1- لا يجوز دخول المنازل وتفتيشها إلا إذا كان الشخص الذي يراد دخول منزله وتفتيشه مشتبه فيه بأنه فاعل جرم أو شريك أو متدخل فيه أو حائز أشياء تتعلق بالجرم أو مخف شخصا مدعی

    2- إن دخول القاضي أحد المنازل في حال عدم توفر الشروط المذكورة آنفا يعتبر تصرف تعسفية من شأنه أن يفسح المجال للشكوى من الحكام”.

    من هذه المادة يتبين أنه لابد من توافر الشروط الآتية حتى يكون التفتيش صحيحاً :

    1- أن تكون هناك جريمة وقعت وأن تكون هذه الجريمة من نوع الجناية أو الجنحة.

    أما الجرائم التي يمكن أن تقع مستقبلا ولو قامت الدلائل الجدية على أنها ستقع بالفعل، فلا تخول التفتيش.

    كذلك لا يجوز التفتيش في المخالفات لأنها ليست على درجة من الخطورة ولا تبرر انتهاك حرمة مساكن الناس .

    2- لابد من توافر أمارات أو دلائل كافية على نسبة هذه الجريمة إلى شخص معين، أي أن يكون مظنونة فيه بأنه فاعل الجريمة أو شريك أو متدخل فيها أو حائز أشياء تتعلق بالجرم

    3 – إن التفتيش هو أحد إجراءات التحقيق الابتدائي، لذلك لا يمكن مباشرته بحسب الأصل سوی من سلطة التحقيق، فلا يجوز للنيابة العامة أو لموظفي الضابطة العدلية إجراؤه إلا في الأحوال الاستثنائية أي إذا كان الجرم مشهودة، أو بناء على إنابة من سلطة التحقيق.

    4- أن يكون الهدف من التفتيش هو ضبط أشياء تتعلق بالجريمة أو تفيد في كشف الحقيقة، أي أن تكون هناك فائدة ترجى من وراء التفتيش، كأن تقوم قرائن على وجود أشياء أو آثار تتعلق بالجريمة في حيازة الشخص أو في داخل المكان المراد تفتيشه.

    فإذا كانت الجريمة من جرائم الذم، أو شهادة الزور، أو جنح المرور، لا يكون التفتيش مسوغ ، لأنه لا يكون بهذا الوصف لازمة للتحقيق ومسوغ للمساس بحرية المواطن وحرمة مسكنه، بل إجراء تحكمية باطلا. وتقدير الفائدة التي ترجى من التفتيش هو أمر متروك لسلطة التحقيق تحت رقابة محكمة الموضوع .

    3- محل التفتيش

    يرد التفتيش حيثما توجد الأسرار الخاصة، فلا يعد تفتيشأ مجرد الاطلاع على أشياء معلنة للجمهور . فمحل التفتيش إذن هو مستودع السر، وهذا يتمثل في الشخص ذاته أو في مكانه الخاص.

    أ- في الشخص نفسه :

    يمكن أن يخبئ المخدرات في معدته بأن يبتلعها ضمن عبوات معدنية صغيرة أو بلاستيكية، كما يمكن أن يخبئ المجوهرات المسروقة بالطريقة نفسها، أو السلاح الذي يربطه بجسده، كما أن دمه يمكن أن يكون محلا لوجود المواد المسكرة التي تناولها.

    . ب- الأشياء المنقولة :

    يمكن أن يخبئ في ثيابه المخدرات والأسلحة والأشياء المسروقة والأدوات الجرمية الصغيرة والرسائل لأنها قد تتضمن معلومات كثيرة تفيد في الكشف عن الجريمة ومعرفة مكان وجود مرتكبيها. كما يمكنه أن يخبئ هذه الأشياء في الحقائب التي يحملها أو في سيارته أو ضمن الثلاجة أو الصناديق .

    ج- المنازل :

    المقصود بالمنازل الأماكن التي يهدأ فيها الشخص لنفسه ويودعها أسراره. فالمنزل هو المكان المعد لسكن الشخص أو المخصص لإقامته، سواء كان ذلك على نحو دائم أم مؤقت أو موسمي.

    فهو كل مكان يمارس فيه الشخص مظاهر حياته الخاصة ويخلو فيه إلى نفسه ويعتبره مستودع أسراره، ولا يباح دخوله إلا بإذنه. ويدخل في مفهوم المساكن، الأماكن المخصصة للسكن ليلاً ونهارا مهما طالت المدة أو قصرت كالبيوت الصيفية والشاليهات على شواطئ البحر، والغرف التي يقيم فيها الحارس والبواب.

    ولا يشترط أن يكون البيت مبنية من الحجر أو الاسمنت، ومن الممكن أن يكون من الخشب أو الشعر أو القماش كالأكواخ والخيام. ويشمل المسكن كل ما ألحق به بحيث يعد جزءا لا يتجزأ منه كالأسطح والحدائق الملاصقة له والمشتركة معه في المدخل، وكذلك الأقبية المتصلة بالمنزل والمعدة الحفظ مستلزمات المنزل والمؤونة.

    كما يعد من ملحقات المنزل سيارة صاحب المنزل ومرآب هذه السيارة.

    كذلك حال غرف الفنادق المستأجرة شهرية أو سنوية، فإنها تعد بمنزلة البيوت بالنسبة لمستأجريها. كما تمتد الحماية إلى الأجزاء من المحلات التجارية التي اتخذ منها أصحابها مكانة المبيتهم وحفظ أسرارهم، ومثلها عيادات الأطباء ومكاتب المحامين والمهندسين.

    أما المعابد والمقاهي والمطاعم ودور السينما والمتاجر والمكتبات العامة والصيدليات والمشافي العامة أو الخاصة، فتعد بحكم المساكن الخاصة في الأوقات التي لا يباح للجمهور دخولها أثناءها، وتأخذ حكم الأماكن الخاصة في تطبيق أحكام التفتيش.

    فمجرد إغلاق الباب في المحل العام حين يحين وقت إغلاقه، يمنحه الحصانة للمسكن المصون، إلا في حالة الجرم المشهود أو طلب صاحب المحل أو أمر قضائي .

    4- تنفيذ التفتيش

     أ- حسب ما نصت عليه المادة 91 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإن التفتيش يجري بحضور المدعى عليه إذا كان موقوفاً، فإن أبي الحضور أو تعذر ذلك أو كان موقوفا خارج المنطقة التي يجب أن يحصل التفتيش فيها، جرت المعاملة بحضور وكيله إذا كان الفعل جناية.

    وإذا لم يكن له وكيل أو لم يمكن إحضاره في الحال، عين قاضي التحقيق وكيلا عن المدعى عليه لحضور هذه المهمة.

    أما إذا لم يكن المدعى عليه موقوفاً وكان موجودة في محل التفتيش، فيدعى إلى حضور هذه المعاملة ولا ينبغي إعلامه بها مقدماً، وإذا لم يكن المدعى عليه موجودة يجري التفتيش بحضور وكيله إذا  كان الفعل المكون للجريمة جناية، فإن لم يكن له وكيل عينه له قاضي التحقيقه.

    واذا جرى التفتيش في منزل شخص غير المدعى عليه، فيدعى هذا الشخص لحضور المعاملة.

    فإذا كان غائبة، أو إذا تعذر عليه الحضور، فيجري التفتيش بحضور اثنين من أفراد عائلته الحاضرين في مكان التفتيش، وإذا كان ذلك غير ممكن، يجري بحضور شاهدين يستدعيهما قاضي التحقيق

     ب – نصت المادة (94) الفقرة 2 من القانون نفسه على أنه:

    إذا كان المفتش أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثي تندب لذلك“.

    وهذه قاعدة تتعلق بالنظام العام، لذا فإن مخالفتها يترتب عليها بطلان التفتيش وما قد يسفر عنه من أدلة.

    فالمشرع حين أقر مبدأ تفتيش الأنثى بواسطة أنثى، إنما أراد به تفتيش المواضع الجسمانية التي لا يجوز لرجل الاطلاع عليها، لأنه يخدش حياء المرأة المساس بها.

    أما تفتیش ما في يدها أو ما تحمله معها من أشياء فهو جائز من قبل مفتش ذكر.

    وعلى قاضي التحقيق أن يعلم النائب العام بانتقاله إلى موقع الجرم أو بقيامه بالتفتيش، ويصطحب معه كاتبه لوضع محضر بإجراء التفتيش. 

    ج- لم يورد المشرع نص يوجب فيه إجراء التفتيش في وقت معين، لذلك يجوز إجراؤه في أي وقت من ساعات النهار أو الليل.

    وبما أن التفتيش هو عملية بحث، فيفضل أن يتم في ضوء النهار كلما أمكن ذلك، لأن ضوء النهار يساعد على إظهار الأمور بدقة وبسرعة، فكثيرا ما يخدع التفتيش صاحبه إذا تم ليلاً. ولكن إذا بدأ بالتفتيش نهار ولم ينته حتى هبوط الليل، جاز الاستمرار فيه.

    كما يجوز إجراء التفتيش ليلا في حالة الجناية المشهودة لأن الانتظار قد يؤدي إلى ضياع الأدلة.

  • متى يضع قاضي التحقيق يده على الدعوى في القضاء السوري

    متى يضع قاضي التحقيق يده على الدعوى في القضاء السوري

    متى يضع قاضي التحقيق يده على الدعوى في القضاء السوري

    نصت المادة (54) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:

    “ليس لقاضي التحقيق في غير الجرم المشهود أن يباشر تحقيقاً أو أن يصدر مذكرة قضائية قبل أن تقام الدعوى لديه”

    يتبين من المادة (54) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن قاضي التحقيق لا يملك حق مباشرة الإجراءات التحقيقية إلا إذا دخلت الدعوى في حوزته بشكل قانوني، وتدخل الدعوى في حوزة قاضي التحقيق في خمس حالات:

    أولا- الجرائم المشهودة

    نصت المادة (52) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن:

    “1- لقاضي التحقيق عند وقوع الجرائم المشهودة أن يباشر جميع المعاملات التي هي من اختصاص النائب العام.

    2- عن إجراء وله أيضا أن يطلب حضور النائب العام ولكن دون أن يتوقف المعاملات المذكورة”.

    يتضح من هذه المادة أنه في حالة الجرم المشهود يتصل قاضي التحقيق بالدعوى مباشرة،  دون أن ينتظر إقامة الدعوى العامة أمامه من قبل النيابة العامة أو المدعي الشخصي، لأنه يجمع في شخصه، في هذه الحالة، بين سلطة النيابة العامة وسلطة التحقيق ويمارس الوظيفتين معاً.

    ويتصل قاضي التحقيق بالدعوى سواء كانت الجريمة المشهودة من نوع الجناية أم الجنحة.

     أي لابد من أن يكون قد ضبط الجريمة بنفسه في إحدى حالات الجرم المشهود المحددة في المادة (28) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

    وفي غير هذه الحالات، لا تعد الجريمة مشهودة بالنسبة إليه.

    ثانيا- ادعاء النيابة العامة

     نصت المادة 51 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:

    “1- إذا كان الفعل جناية أودع النائب العام التحقيقات التي أجراها أو التي أحال إليه أوراقها موظفو الضابطة العدلية إلى قاضي التحقيق.

     1- أما إذا كان الفعل جنحة فله أن يحيل الأوراق إلى قاضي التحقيق أو إلى المحكمة مباشرة حسب مقتضيات الحال.

     2- وفي جميع الأحوال يشفع الاحالة بادعائه ويطلب ما يراه لازماً “.

    فالنيابة العامة هي الجهة المختصة بإقامة الدعوى العامة، فإن كانت الجريمة جناية أقامت الدعوى بها بصورة إلزامية أمام قاضي التحقيق.

     وإذا كانت الجريمة جنحة وكان فاعلها معروفة فهي بالخيار في إقامتها أمام محكمة الدرجة الأولى المختصة أو أمام قاضي التحقيق.

     أما إذا كان فاعل الجنحة غير معروف وتتطلب معرفته إجراء تحقيقية أوسع بمعرفة قاضي التحقيق، فحينئذ تحيل النيابة العامة الأوراق إلى قاضي التحقيق مع ادعائها وطلباتها.

    ثالثاً- الادعاء الشخصي

    نصت المادة (57) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه :

     “لكل شخص يعد نفسه متضررة من جراء جناية أو جنحة أن يقدم شكوى يتخذ فيها صفة الادعاء الشخصي إلى قاضي التحقيق المختص وفقا لأحكام المادة (3) من هذا القانون”.

    يتبين من هذه المادة أن المشرع أعطى المضرور من جراء جناية أو جنحة أن يتقدم بشكوى يتخذ فيها صفة الادعاء الشخصي ويطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب الجريمة إلى قاضي التحقيق المختص.

    وفي هذه الحال يضع قاضي التحقيق يده على الدعويين العامة والمدنية.

    ومتى وضع قاضي التحقيق يده على الدعوى بناء على الادعاء الشخصي تحركت الدعوى الجزائية بقوة القانون حتى لو رأت النيابة العامة غير ذلك طالما كان الادعاء الشخصي المباشر جائزة قانوناَ.

    رابعا- إحالة القضية بتعيين المرجع

    قد يحدث أن يتنازع قاضيان للتحقيق تنازعة إيجابية أو سلبية، بأن يدعي كلاهما الاختصاص أو عدم الاختصاص بالتحقيق، وفي هذه الحالة يعرض الأمر على الجهة المختصة بتعيين المرجع، حيث تتولى تحديد أي القاضيين هو المختص.

     ويكون قرارها بهذا الشأن ملزمة القاضي الذي عينته فلا يجوز له أن يعترض على هذا القرار أو يمتنع عن تنفيذه، ويجب عليه أن يجري التحقيق في الدعوى المحالة إليه.

    خامسا- إحالة القضية بطريق نقل الدعوى

    قد يكون قاضي التحقيق مختصاً أصلاً في التحقيق في الدعوى العامة، ومع ذلك فقد تقتضي المحافظة على الأمن العام أو تبديد الشبهات، أي وجود ما يسمى بالارتياب المشروع، عندما تثير وقائع الحال الشبهة في نزاهة قاضي التحقيق أن تقرر الغرفة الجزائية في محكمة النقض بناء على طلب النائب العام لديها نقل الدعوى التي يحقق فيها قاضي التحقيق إلى قاضي تحقيق أخر.

    كما يمكن نقل الدعوى بناء على طلب المدعى عليه أو المدعي الشخصي في حالة الارتياب المشروع.

  • اختصاص قاضي التحقيق السوري ( النوعي – الشخصي – المكاني )

    اختصاص قاضي التحقيق السوري ( النوعي – الشخصي – المكاني )

    قاضي-التحقيق-واختصاصه-في-القانون-السوري

    أولاً : تعريق قاضي التحقيق

    لم يضع قانون أصول المحاكمات الجزائية تعريف خاص بقاضي التحقيق ولم يتطلب القانون شروط معينة في القضاة الذين يمارسون وظيفة التحقيق.

    وقد اكتفت المادة (60) من قانون السلطة القضائية بالقول:

    “يتولى التحقيق قضاة يمارسون الوظائف المعهودة إليهم بموجب القوانين النافذة”.

    ولكن يمكن القول إن القاضي التحقيق دورة مزدوجة، فهو من ناحية يرمي إلى جمع الأدلة والتثبت منها، وهذا يستلزم إجراء المعاينة والاستعانة بالخبراء وسماع الشهود واستجواب المدعي عليه، كما يتميز دوره من ناحية ثانية في إمكانية اتخاذ القرارات في المطاليب والدفوع المقدمة إليه، وفي إيقاف التعقبات أو منع المحاكمة لعدم كفاية الأدلة، أو الإحالة إلى المحكمة إذا ارتأى أن الفعل يؤلف جرمأ أو قام دليل كاف على اتهام المدعى عليه بالجريمة.

    اختصاص قاضي التحقيق

    إن مراعاة قواعد الاختصاص في الأمور الجزائية هي من النظام العام، وعلى قاضي التحقيق البحث فيها من تلقاء ذاته ولو لم يثره أحد من الخصوم.

     لذلك ينبغي على قاضي التحقيق قبل البدء بإجراء أي عمل تحقيقي أن يتثبت من اختصاصه. فإذا تبين له أنه غير مختص، عمد إلى إصدار قراره بذلك وتخلي عن التحقيق، وأودع الأوراق قاضي التحقيق المختص، وإلا كان كل إجراء يقوم به باطلا. وقد نصت المادة (65) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:

     “إذا رفعت الشكوى إلى قاضي تحقيق غير مختص، أودعها قاضي التحقيق المختص”.

    لذلك لابد من أن يكون قاضي التحقيق مختصة من نواح ثلاث:

    1- الاختصاص النوعي

    جاء في المادة (51) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أنه إذا كان الفعل جناية، أودع النائب العام التحقيقات التي أجراها أو التي أحال إليه أوراقها موظفو الضابطة العدلية إلى قاضي التحقيق.

     أما إذا كان الفعل جنحة، فله أن يحيل الأوراق إلى قاضي التحقيق أو إلى المحكمة مباشرة حسب مقتضيات الحال.

    أي إن قاضي التحقيق له صلاحية التحقيق في جميع جرائم الجنايات والجنح، ولا يجوز له أن يحقق في المخالفات إلا إذا كانت المخالفة تلازم جنحة أو جناية وترتبط بها.

     لكن إذا أقيمت الدعوى أمام قاضي التحقيق بجنحة، ثم اتضح أن الجرم عبارة عن مخالفة، فيحيل عندئذ قاضي التحقيق المدعى عليه إلى محكمة الصلح الجزائية المختصة ويأمر بإطلاق سراحه إن كان موقوفاً.

    ب- الاختصاص الشخصي

    يتناول اختصاص قاضي التحقيق الشخصي جميع الجرائم التي يرتكبها الأشخاص الذين يقطنون فوق أرجاء الجمهورية العربية السورية، والمعاقب عليها في القانون السوري، باستثناء من يتمتع منهم بحصانات وامتیازات بالنسبة لإقامة الدعوى ضدهم وفق الطرق العادية.

    وإذا تناول ادعاء النيابة أحدا منهم امتنع على قاضي التحقيق القيام بأي إجراء ضدهم.

     وكل إجراء يصدر ضدهم يعد باطلاً لصدوره عن غير ذي صفة.

    وهؤلاء هم: رئيس الجمهورية، والوزراء والنواب، وموظفو السلك الدبلوماسي والقضاة والعسكريون.

    ج- الاختصاص المكاني

    حددت المادة (3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، قواعد الاختصاص المكاني في الدعوى الجزائية على الشكل التالي:

     1- تقام الدعوى العامة على المدعى عليه أمام المرجع القضائي المختص التابع له مكان وقوع الجريمة أو موطن المدعى عليه أو مكان إلقاء القبض عليه.

     2- في حالة الشروع تعد الجريمة أنها وقعت في كل مكان وقع فيه عمل من أعمال التنفيذ.

    وفي الجرائم المستمرة يعد مكاناً للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار.

    وفي جرائم الاعتياد والجرائم المتتابعة يعد مكانا للجريمة كل مكان يقع فيه أحد الأفعال الداخلة فيها.

    3- أما بالنسبة إلى الجرائم التي تقع خارج سورية و يطبق عليها القانون السوري، فإنه إذا لم يكن لمرتكبها محل إقامة في سورية ولم يلق القبض عليه فيها، فإن الدعوى العامة تقام عليه أمام المرجع القضائي في العاصمة (دمشق).

    فالاختصاص المكاني لقاضي التحقيق يحدد إما بالنسبة إلى مكان وقوع الجريمة، أو بالنسبة إلى محل إقامة المدعى عليه، أو بالنسبة إلى مكان إلقاء القبض عليه، ولا تفضيل لمكان على أخر إلا في أسبقية إقامة الدعوى العامة. وقواعد الاختصاص المحلي هي من النظام العام وتجوز إثارتها في جميع مراحل الدعوى.

  • البينة الخطية في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    البينة الخطية في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

     البينة-الخطية

    قدمة عن البينة الخطية

    البينة الخطية هي ما يعرف بالدليل الكتابي أو المحررات.

     فالمحرر ورقة تحمل بيانات في شأن واقعة ذات أهمية في إثبات ارتكاب الجريمة ونسبتها إلى المتهم.

    إن البينة الخطية هي الأوراق والضبوط التي تكون مطبوعة أو محررة باليد.

     والبينة الخطية التي تصلح أن تكون دليلاً في الإثبات، قد تنطوي على جسم الجريمة وقد تكون مجرد دليل عليها. فالوثيقة المزورة، وخطاب التهديد، والبلاغ الكاذب، يشكل كل منها جسم الجريمة، أما اعتراف المدعى عليه بما أسند إليه ضمن وثيقة خطية، رسمية كانت أو غير رسمية، فإنه يشكل دليلا على أنه هو الذي ارتكب الفعل الجرمي.

     وسواء انطوى الدليل الكتابي على جسم الجريمة، أم على اعتراف المدعى عليه، فإن هذا الدليل، لا يعد حه مطلقة لا يجوز إثبات عكس ما جاء فيه، وإنما يعد دليلاً يمكن دحضه، شأنه في ذلك شأن باقي الأدلة الأخرى التي توافرت في الدعوى .

    فالأصل أن البينة الخطية ليست لها حجية خاصة في الإثبات.

    والدليل الكتابي بكل صوره والمحررات، ولو كانت رسمية، تخضع لمطلق تقدير القاضي، شأنها شأن أي دليل أخر عند الإثبات في الدعوى الجزائية.

    فللقاضي أن يأخذ بما جاء في الورقة المكتوبة المعروضة أمامه، أو أن يطرحه ويلتفت عنه إن هو لم يقتنع به.

    فالأمر منوط دوما بما تمليه عليه قناعته الذاتية، فلا يجوز إلزام المحكمة بأن تقضي بما يخالف قناعتها التي كونتها من مجموع الأدلة التي قدمت في الدعوى وتناقش بها الخصوم.

    لكن المشرع جعل لبعض الأدلة الكتابية قوة إثبات خاصة بها، وذلك استثناء من قاعدة أن الإثبات في الدعوى الجزائية يخضع لمطلق تقدير محكمة الموضوع ولقناعتها الذاتية.

     أي جعل لها قوة ملزمة إلى أن يتقرر إثبات عكسها أو تزويرها.

    – الضبوط وقيمتها الإثباتية:

    لابد من التمييز بين ثلاثة أنواع من الضبوط :

    النوع الأول : الضبوط التي ينظمها أعضاء الضابطة العدلية ومساعدو النائب العام في الجنح والمخالفات المكلفون باستثباتها، حيث يعمل بها حتى يثبت عكس ما جاء فيها.

     ويشترط لإثبات العكس أن تكون البينة كتابية أو بواسطة الشهود.

    النوع الثاني : الضبوط التي يوجب القانون اعتبارها والعمل بها حتى ثبوت تزويرها، طالما توافرت فيها الشروط القانونية، كالضبوط التي تنظمها ضابطة الحراج والجمارك، ومحاضر جلسات المحاكم ونصوص الأحكام.

    ولكي يكون لهذين النوعين من الضبوط قوة إثباتية يجب حسب المادة 179 من قانون أصول

    المحاكمات الجزائية أن تتوفر فيهما الشروط الآتية:

    أ- أن يكون الضبط قد نظم ضمن حدود اختصاص الموظف وأثناء قيامه بمهام وظيفته.

    ب- أن يكون الموظف قد شهد الواقعة بنفسه أو سمعها شخصياً.

    ج- أن يكون الضبط صحيحة في الشكل.

    أما الضبوط التي لا تستوفي شروطها القانونية، فتعد من قبيل المعلومات العادية.

    النوع الثالث: الضبوط العادية التي لا تعدو أن تكون (معلومات عادية).

    والمشرع لم يحدد طبيعة هذه الضبوط، ولكن يدخل فيها تلك الضبوط التي ينظمها أعضاء الضابطة العدلية في الجنايات، وضبوط أفراد الشرطة الذين لم يمنحهم المشرع صفة الضابطة العدلية، وضبوط الموظفين التي ينظمونها في الجنايات والجنح والمخالفات التي يطلعون عليها أثناء إجراء وظيفتهم، والضبوط التي ينظمها أعضاء الضابطة العدلية في الجرائم التي لا يدخل استثباتها في اختصاصهم.

  • الاعتراف في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    الاعتراف في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    الاعتراف في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    مقدمة عن الاعتراف

    كان للاعتراف شأن كبير في نظم التحقيق القديمة. ففي عهد الأسلوب الاتهامي كان للاعتراف مقام مرموق بين البينات، غير أنه بقي بينة غير كافية، أي لابد من أن ترافقه بينة أخرى من أجل اعتماده سببة للحكم.

    أما في ظل الأسلوب التفتيشي، فقد بلغ الاعتراف الأوج وأصبح سيد البينات. وقد أشاد الفقيه Jousse  بشأن الاعتراف فقال:

     “ليس أعدل من عقوبة تطبق على شخص يعترف بمحض إرادته ودون أي تعذيب بأنه الفاعل الحقيقي“.

    غير أن كثيرا من الاعترافات جاءت مكذبة لهذا الزعم .

    ويعرف الاعتراف بأنه:

    إقرار المدعى عليه على نفسه بكل أو ببعض ما نسب إليه من وقائع جرمية.

     فالفاعل يقر بأنه ارتكب جرم، أي يشهد على نفسه بأن ما تدعيه النيابة العامة أو المدعي الشخصي صحيح”.

    ويجب الحذر من سوء التأويل فيما يسمى بالاعتراف الضمني أو السلبي، والذي هو في الحقيقة من جملة القرائن وليس اعترافاً.

     مثاله سكوت المتهم عند تقرير أمر في حضوره يؤذيه وعلى مسمع منه، في حين كان عليه إنكاره أو نفيه أو تقديم إيضاح عنه، وللقاضي تقدير هذه الظروف مع الاحتراس من سوء التأويل.

    والاعتراف قد يكون كاملاً : وهو إقرار المدعى عليه بكل ما نسب إليه.

     وقد يكون جزئياً : أي أن يقر المدعى عليه ببعض ما نسب إليه، كأن يعترف باقترافه جريمة الضرب دون القتل، أو بارتكاب الفعل دون قصد، أو دفاعا عن النفس… الخ.

    وقد يكون الاعتراف قضائياً : أي حين يصدر عن المتهم في مجلس القاضي، وتكون له قوة ثبوتية، لأن الفاعل يشهد على نفسه وهو مدرك خطورة قوله.

    وقد يكون غير قضائي : وهو ما يصدر خارج مجلس القضاء، ويثبت إما بموجب مستند خطي كإدراجه في محضر منظم من قبل رجال الضابطة العدلية أو في كتاب موقع من المدعى عليه نفسه، واما أمام الشهود، ويقام عندها الدليل عليه بالشهادة إذا كان موضوع الدعوى يقبل الإثبات بهذه البينة.

    ويكون الاعتراف بسيطاً إذا أقر المدعى عليه بالواقعة الجرمية وحدها، ويكون موصوفاً إذا زاد عليها أفعالاً أو ظروف للتخفيف من مسؤوليته أو إزالة الصفة الجرمية عن فعله.

    أ- شروط الاعتراف

    لابد في الاعتراف حتى يكون صحيحا من أن تتوافر فيه ثلاثة شروط:

    1- أن يكون صريحة واضحة لا لبس فيه ولا غموض، دون أن يحتمل تأويلا.

     فسكوت المدعى عليه لا يعد إقرارة منه بما نسب إليه، لأنه لا ينسب إلى ساکت قول. وكل دليل يحمل في طياته شكا أو شبهة أو احتمالاً يكون مصيره الإهماله، وأن يكون هذا الاعتراف مطابقاً للحقيقة، لذلك يترتب على القاضي أن يتحرى في أمور الاعترافات التي تصدر عن المتهمين، وعن الدافع الذي ألجأهم إلى الإدلاء بها وضرورة مراعاة توفر التوافق بين الاعتراف وبين الأدلة الأخرى في الدعوى.

    فكثيرا ما يعترف شخص بجريمة قتل مثلا ولكنه إذا ما نوقش في اعترافه اتضح كذبه من اختلاف الطريقة التي يدعي ارتكاب جريمة القتل بها عما تحققه الطبيب الشرعي من معاينة الجثة.

    2– أن يكون صادراً عن شخص يتمتع بالأهلية وعن إرادة حرة.

    فإذا تبين أن المدعى عليه غير مميز بسبب مرض عقلي أو مجنون. فلا يكون لاعترافه أي قيمة ثبوتية. فيجب أن يكون الاعتراف صادرة عن إرادة حرة، أي بغير عنف أو إكراه أو تهديد أو تعذيب مما يؤثر في حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والإقرار .

    فكل اعتراف أدلى به صاحبه تحت تأثير التعذيب أو الإكراه بنوعية المادي والمعنوي يكون مصيره الإهمال لأن صاحبه يكون في هذه الحالة معيب الإرادة مضطرب التفكير لا يدرك نتائج ما أدلى به من أقوال. فلكي يكون الاعتراف صحيحة يجب أن يكون المعترف مدركة لكل ما يحيط به ولكل ما يترتب على اعترافه من نتائج.

    والأخذ بالاعتراف، وكونه صحيحة غير مشوب بشائبة الضغط، من المسائل التقديرية الخاصة بقضاة الموضوع، ولا تدخل تحت تمحيص محكمة النقض.

    3- يجب أن يكون الاعتراف صادرة عن المدعى عليه بالذات

    لأن الاعتراف حق شخصي، فاعتراف الوكيل عن موكله لا يعد دليلاً من أدلة الإثبات، فإذا أقر الوكيل في أحد دفوعه بأن موكله هو الذي ارتكب الجريمة المدعى بها أو شارك فيها، فإن لهذا الأخير أن ينكر اعتراف وكيله. كما أن اعتراف الولى لا يعد اعترافا للحدث، ولا يؤخذ بإقراره.

    4- أن يكون الاعتراف مستنداً إلى إجراءات صحيحة،

    فإذا كان ثمرة إجراءات غير قانونية وباطلة، فيع باطلاً ولا يؤخذ به كدليل في الإثبات ولو كان هذا الاعتراف صادقا.

     كأن يصدر الاعتراف نتيجة الاستجواب باطل جرى من أحد موظفي الضابطة العدلية، أو جرى تحليف المتهم اليمين عند استجوابه.

    لكن الاعتراف لا يكون باطلاً إلا إذا جاء متصلاً بالإجراء الباطل ومتأثرة به، فإن كان مستقلا عنه جاز التعويل عليه، ويعود تقدیر اتصاله أو استقلاله المطلق تقدير محكمة الموضوع حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى وملابساتها.

    قيمة الاعتراف:

    إذا صدر الاعتراف مستكملاً شروط صحته، فيعد عندئذ بينة كغيره من البينات متروكاً أمر تقديره للقاضي، بشرط أن يكون المعترف مدركاً نتائج اعترافه، وأن يدلي به بصورة حرة.

    وللقاضي سلطة مطلقة أن يأخذ بالاعتراف الصادر عن المتهم والذي أدلى به سواء في مرحلة التحقيق الأولي أو التحقيق الابتدائي أو في جلسة المحاكمة طالما أنه اطمأن إلى صحته واقتنع بمطابقته للحقيقة.

    أما اعتراف مدعى عليه على آخر فهو استدلال عادي تقدره المحكمة ولو أنكر هذا الأخير ما نسب إليه، ولها أن تستنتج منه النتائج المنطقية، لأن الحكم في الموضوع وتقدير البينات متعلق بوجدان قاضي الموضوع، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه.

    ويسمى هذا الاعتراف في التعامل القضائي بالعطف الجرمي.

    وقد قررت محكمة النقض:

    “أن عطف الجرم من منهم على آخر ليس بالدليل القاطع ولا بالبينة المثبتة للواقعة وإنما مجرد قول يحتاج إلى دليل على حجيتها”.

    والمعترف قد يرجع عن اعترافه ولو كان واقعاً أمام المحكمة.

     وللقاضي عندئين حق تقدير قيمة هذا الرجوع، فإما أن يقره أو يرفضه حسب قناعته.

    وفي جميع الأحوال، فإن القاضي هو الذي يحدد قيمة الاعتراف وفق تقديره، فإما أن يقتنع به ويستند إليه في الحكم بالإدانة، وإما أن يرفضه ويتجرد من قيمته كدليل، وهو يخضع لسلطته التقديرية التي تفترض تحديد دلالته وبواعثه سواء أكان الاعتراف قضائية أو غير قضائي.

     أي إن للقاضي سلطة تقديرية في أن يأخذ باعتراف المتهم متى اطمأن إليه أو يأخذ بجزء منه.

    فالاعتراف قابل للتجزئة، والقاضي غير ملزم بالأخذ باعتراف المتهم بنصه، بل له في سبيل تكوين قناعته أن يجزئ الاعتراف ويأخذ منه ما يراه مطابقة للحقيقة، وأن يعرض عما يراه مغايرة لها. ولا معقب على القاضي في ذلك طالما أنه قد بني قناعته بالاعتراف على أسباب مقبولة عقلا ومنطقا.

    كما يجب أن ينظر إلى الاعتراف بالحذر الشديد، لأنه قد يكون دليلاً ضعيفة لاحتمال اعتراف الظنين باقتراف الجرم المسند إليه وتحمل مسؤوليته تخليصأ لغيره أو في مقابل نفع يأمله أو دفع ضرر يخشاه.

     أو أن يكون ما جاء في الاعتراف بعيداً عن الواقع أو ليس من شأنه في الحقيقة أن يؤلف العنصر الجنائي.

  • عبء الإثبات في الدعوى الجزائية في القانون السوري

    عبء الإثبات في الدعوى الجزائية في القانون السوري

    عبء الإثبات في الدعوى الجزائية

    يقع عبء الإثبات في القضايا المدنية على عاتق المدعي، فالقاعدة العامة تقول: “البينة على من ادعى واليمين على من أنكر .

     أما في القضايا الجزائية فإن عبء الإثبات يقع على عاتق النيابة العامة بالدرجة الأولى، لأن عليها أن تتثبت من توافر جميع العناصر المكونة للجريمة سواء أكانت مادية أم معنوية. فهي ليست خصماً ككل الخصوم بل هي خصم عادل يهمها البحث عن الحقيقة وليس الحكم على الأبرياء.

    وقد يحصل أحياناً أن تكون الدعوى العامة قد حركت بناء على اتخاذ المجني عليه صفة الادعاء الشخصي وتكون النيابة العامة غير قانعة بوجود وجه لإقامة الدعوى العامة، ففي هذه الحالة يقع عبء الإثبات في الدرجة الأولى على عاتق المدعي الشخصي.

      أي إن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي أي النيابة العامة والمدعي الشخصي إن وجد.

    كما أن القاضي الجزائي لا يقف مكتوف اليدين، فهو يبحث أيضاً عن كل ما من شأنه كشف الحقيقة، كطلبه أدلة لم يتعرض لها الخصوم أو لم يتعرض لها التحقيق. أي يقوم القاضي الجزائي باتخاذ جميع التدابير التي تساعد على إظهار الحقيقة في الدعوى وجمع أدلتها وعناصرها سواء في دور التحقيق الابتدائي أو أثناء المحاكمة.

    أما موانع المسؤولية أو العقاب كالجنون والإكراه والقصر وحالة الضرورة التي يترتب عليها عدم مسؤولية الفاعل، فلا يكلف المدعى عليه في رأي معظم الفقهاء بإثباتها، لأن قرينة البراءة تؤكد أنه بريء حتى يدان.

    ويكفي أن يدفع المتهم بوجود أحد موانع العقاب حتى يترتب على النيابة العامة إقامة الدليل على عدم قيام هذا المانع المدعى به.

    ولا جدال في أن تطبيق مبدأ القناعة الشخصية يسهل على فريق الادعاء في المواد الجزائية

    مهمة الإثبات.

     فحرية القاضي في تكوين قناعته الشخصية بما يرتاح إليه ضميره من الأدلة تجعل المتهم

    شديد الحرص على أن لا يقف موقفا سلبية من سير المحاكمة، وانما تدفعه مصلحته إلى اتخاذ موقف إيجابي في دفع التهمة عن نفسه لإثبات براءته أو حتى إثارة الشكوك حول أدلة الاتهام حتى يصل إلى تطبيق المبدأ القائل إن الشك يفسر لمصلحة المتهم .

    لكن من الأمور التي يلقي عبء الإثبات فيها على المدعى عليه، وجود الأعذار المحلة، والأعذار المخففة، والأسباب المخففة. وقد حكمت محكمة النقض ب: أن من يدعي بدفع أن يتقدم بأدلته عليه دونما حاجة إلى تكليف بذلك من المحكمة.


     

    لتحميل شرح الاثبات في الدعوى الجزائية في القانون السوري بصيغة pdf – يرجى الضغط هنا

  • الإثبات في جريمتي الزنا والإغواء وفي المسائل غير الجزائية والمستبعدة

    الإثبات في جريمتي الزنا والإغواء وفي المسائل غير الجزائية والمستبعدة

    الإثبات في جريمتي الزنا والإغواء وفي المسائل غير الجزائية والمستبعدة

    1- فيما يتعلق بجريمة الزنا

     فقد ورد في المادة 473 من قانون العقوبات على أنه لا يقبل من أدلة الإثبات على الشريك في جريمة الزنا، فيما خلا الإقرار القضائي والجنحة المشهودة، إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها. يتضح من ذلك أن الأدلة التي تقبل لإثبات جريمة الزنا على الشريك في الزنا، هي:

    أ- الإقرار القضائي: أي اعتراف الرجل الشريك بواقعة الزنا أمام القضاء في أثناء السير في

    الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة، أما إقرار الزوجة بجرم الزنا فلا يعد إقرارة بالنسبة للشريك، أي لا يشكل سوي شهادة ضده ولا تقبل دليلا عليه.

    ب- وجود وثائق خطية بوقوع جريمة الزنا، أي رسائل متبادلة بين الشريكين في الزنا، ويمكن أن تكون على شكل مذكرات كتبها بنفسه ولا يشترط فيها أن تكون موقعة منه بل كل ما يشترط أن يكون الحصول عليها تم بطريق مشروع.

    ج- الجنحة المشهودة : أي ضبط الزاني والزانية في حالة تلبس بفعل الزنا.

    2- فيما يتعلق بجريمة الإغواء

     فقد عاقبت المادة (504 فقرة /1/ من قانون العقوبات من أغوي فتاة بوعد الزواج ففض بكارتها.

    أما الفقرة 2 من هذه المادة فقد حددت الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم حيث جاء فيها: “ما خلا الإقرار لا يقبل من أدلة الثبوت على المجرم إلا ما نشأ منها عن الرسائل

    والوثائق الأخرى التي كتبها”.

    فالمشرع في هذه الجريمة لم يشترط أن يكون الاعتراف قضائية، فيكفي اعتراف المدعى عليه خارج مجلس القضاء الأحد الناس باقترافه الجرم فيشهد هذا الأخير بذلك أمام القاضي.

    3-إثبات المسائل غير الجزائية

    على المحكمة أن تتبع وسائل الإثبات المقررة للمسائل غير الجزائية التي تفصل فيها تبعا للدعوى الجزائية، فإذا كان هناك نزاع مدني يراد إثباته أمام المحكمة الجزائية، يجب التقيد بقواعد الإثبات المدنية أو التجارية.

     وقد نصت المادة 177 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه :

     “إذا كان وجود الجريمة مرتبطة بوجود حق شخصي وجب على القاضي اتباع قواعد الإثبات الخاصة به”.

    مثال ذلك جريمة إساءة الائتمان، فإذا أنكر المدعى عليه في هذه الجريمة وجود عقد الوديعة

    الذي سلم بمقتضاه الأشياء المنقولة، فلابد من تقديم بينة خطية لإثبات قيام هذا العقد واستلام المدعى عليه تلك الأشياء المنقولة.

    4-استبعاد بعض وسائل الإثبات

    لا يجوز أن تقبل أمام القضاء الجزائي اليمين الحاسمة التي توجه الى المدعى عليه في الدعوى الجزائية.

    كذلك التواتر فإنه غير مقبول لما تلعبه الشائعات العامة في الأغلب من أدوار مضللة بعيدة عن الحقيقة.


    لتحميل شرح الاثبات في الدعوى الجزائية في القانون السوري بصيغة pdf – يرجى الضغط هنا

1