الوسم: موقع المحامي

  • الركن المادي في جريمة الايذاء الممقصود

    تنص المادة 540 من قانون العقوبات على أن” من أقدم قصدا على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه” هذا النص يحدد الركن المادي لجرائم الإيذاء أيا كانت صورتها.

    والركن المادي لجرائم الإيذاء، كغيره من الجرائم، يقوم على ثلاثة عناصر: النشاط والنتيجة والعلاقة السببية التي تربط بين النشاط والنتيجة.

    والنشاط في هذه الجرائم هو كل سلوك من شأنه المساس بسلامة الجسم.

     أما النتيجة فهي لا تثير أية صعوبة، فهي تتمثل فيما يترتب على النشاط من مساس بحق المجني عليه في سلامة جسمه، سواء كان حقه في المحافظة على الوضع الصحي الذي عليه الجسم، أو الحق في الاحتفاظ بكل أعضاء الجسم سليمة، أو الحق في التمتع بانعدام الإحساس بالألم، فكل نشاط يسبب ألما للمجني عليه تتحقق به النتيجة الجرمية ولو لم يترتب عليه مساسا بالوضع الصحي للجسم، أو مساس بأحد أعضاء الجسم، كصفعة بسيطة على الوجه أو جذب الشعر مثلاً.

    كذلك العلاقة السبية لا تثير أية صعوبة، فهي تخضع في تحديدها لذات الضوابط التي شرحناها فيما يتعلق بجرم القتل والتي حددتها المادة 203 من قانون العقوبات، والتي نلخصها بأن علاقة السببية تتوفر بين النشاط والنتيجة ولو ساهمت مع النشاط بعض العوامل المألوفة التي كان في إمكان الفاعل ومن واجبة توقعها، كمرض المجني عليه السابق، أو إهماله علاج نفسه.

    ولكن هذه العلاقة تنقطع إذا تدخل عامل لاحق للنشاط و مستقل عنه و غير مألوف في ظروف ارتكابه وكاف بحد ذاته لإحداث النتيجة، كاصطدام سيارة المجني عليه أثناء نقله إلى المستشفى أو الخطأ الجسيم من الطبيب الذي تولى علاجه أو احتراق المستشفى الذي يعالج بها.

    أما فيما يتعلق بالعنصر الأول من عناصر الركن المادي، وهو النشاط، فلقد حدد المشرع في صلب المادة 540 صورة ثلاثة له وهي: الضرب أو الجرح أو الإيذاء.

    وإن كان يمكن للمشرع، بتقديرنا، أن يستغني عن الضرب والجرح والاكتفاء بعبارة الإيذاء وحدها التي يدخل في مضمونها الضرب والجرح وغيرهما من أنواع الاعتداءات على سلامة الجسم أيا كانت صورها وطرق تنفيذها.

    ولكن ما دام المشرع قد استعمل هذه العبارات فلا بد من تحديد معانيها بدقة.

    أولا- الضرب:

    هو كل ضغط يقع على جسم المجني عليه دون أن يحدث به تمزيقاً.

     ولو لم يترتب على الضغط آثار، کاحمرار الجلد، أو ينشأ عنه أي عجز.

    وسيان أن يكون الضرب جسيمة أو بسيطة، أنتج أثر أم لم ينتج، استوجب علاجا أم لا، عطل عن العمل أم لا.

    فالضرب معاقب عليه في جميع هذه الحالات وإن حصل باليد مرة واحدة فقط.

    وسيان أن يكون الضرب أيضا باليد صفعة أو لكما، أو بالقدم، أو لوي الذراع، أو الضغط على العنق، أو الطرح أرضا، أو أن يقع باستخدام أداة في تنفيذه كالعصا أو الحجر أو غيرها. ويستوي في الضرب أن يسبب ألما للمجني عليه أو لا يسبب له ذلك، فتقع الجريمة إذا مس الفعل جسم مغمى عليه دون أن يمزق أنسجته.

    ثانيا- الجرح:

    هو تمزيق جزء من أنسجة الجسم، سواء أكان التمزيق سطحية بالجلد، أو داخليا ينال من الأنسجة التي يغطيها الجلد، أو الأعضاء الداخلية كالمعدة أو الكبد أو الرئة، أو أحد الشرايين أو الأوردة أو الأعصاب أو العظام، وسواء أن يكون التمزيق كبيرا كقطع بسكين أو ضئيلا كوخز بإبرة.

    وسواء أن ينبثق منه الدم خارج الجلد، أو ينتشر تحت الجلد فيبدو الجلد أزرق اللون، أو أن يتدفق في عمق الجسم كتمزق في المعدة أو الأمعاء.

     ويستوي أيضا أن يكون التمزيق قد سبب ألما للمجني عليه أو لا يكون كذلك، فيتحقق الجرح ولو لم يشعر المجني عليه بألم، كما لو كان مخدرا أو مغمى عليه.

    ولا أهمية لكيفية تحقق الفعل، فيستوي أن يقع التمزيق بدفع وسيلة الاعتداء نحو المجني عليه أو بدفعه هو نحوها.

    ولا أهمية أيضا للوسائل المستخدمة في التمزيق فقد يستعمل الفاعل أحد أعضاء جسمه، كركل المجني عليه بالقدم أو دفعه بقبضة اليد أو عضه، وقد يستعمل أداة كسلاح أو ألة قاطعة أو راضة أو واخذة كالسكين و العصا والحجارة والإبرة. وقد يستخدم حيوانا، كدفع كلب على عض المجني عليه.

    كما قد يستعين بقوة طبيعية كتسليط أشعة حارقة أو تيار كهربائي على المجني عليه.

    كما يستوي أخيراً أن يكون النشاط مباشرة أو غير مباشر فيقع الفعل إذا دفع الفاعل المجني عليه للمرور في طريق به حفرة فوقع بها.

    ثالثا- الإيذاء:

     قد يعتدي الفاعل على سلامة جسم المجني عليه محدث له اضطراب في صحته أو قواه البدنية أو العقلية دون أن يشكل اعتدائه ضرباً أو جرحاً. فهذه التعابير لا تشمل كل أنواع الأنشطة التي تمس السلامة الجسدية للإنسان.

    فلو سلط الفاعل على غريمه أشعة ألفت عضو من أعضائه الداخلية دون أن تحدث تمزيقا به، أو نقل إليه جرثومة بالطعام أو الشراب أو الاتصال الجنسي، أو قدم له في طعامه مادة ضارة، أو أطلق رصاصة بجواره قاصدا إز عاجه فيترتب على ذلك اضطرابه عصبية، أو وضع ملابسه مع ملابس مريض بمرض جلدي كي ينقل إليه العدوى، أو أن يبعث أصواتا غريبة في أوقات معينة بجوار غرفة نومه بقصد إيذائه فيختل جهازه العصبي.

    فلا جدال في أن كل هذه الأفعال تمس السلامة الجسدية للإنسان دون أن تعد ضرباً أو جرحاً له.

     وهذه ما حدا بالمشرع السوري إلى إيراد عبارة الإيذاء، جنبا إلى جنب مع الضرب والجرح، كي تشمل كافة صور الاعتداء على سلامة الإنسان الجسدية وتؤذيه على نحو قد يكون أشد من الضرب أو الجرح.

    كما يدخل ضمن مفهوم الإيذاء أفعال العنف الخفيفة التي يقصد بها المساس بالسلامة الجسدية مثل قص الشعر عنوة و قرص الأذن والبصق في الوجه وما إلى ذلك.

    ومن التطبيقات الطريفة لذلك في القضاء المصري أن شخصا أراد الانتقام من فتاة رفضت الزواج به، فقص شعرها وهي نائمة فقدم للمحاكمة بتهمة السرقة، لكن المحكمة طبقت القانون تطبيقا سليما فقضت باعتبار الواقعة إيذاء خفيفا”

    وتجدر الإشارة هنا أن عبارة الإيذاء يتسع معناها لجميع صور الاعتداء على سلامة الإنسان مادية كانت أو معنوية.

     فسيان أن يتجلى الاعتداء بصورة نشاط مادي ملموس كالضرب أو الجرح أو الدفع وما إلى ذلك، أو يتجلی بصورة تعذيب نفسي أو إرهاق عصبي أو قصة مفجعة أو نبأ مزعج بحيث يؤثر في صحة المجني عليه أو في قواه العقلية.

    فطبيعة فعل الاعتداء مادية أم معنوية تصلح لتكوين الركن المادي لجرم الإيذاء مع تسليمنا بصعوبة إثبات القصد الجرمي و الرابطة السببية بين النشاط المعنوي والنتيجة الضارة.

    كما تتسع عبارة الإيذاء في معناها لتشمل النشاط الإيجابي والسلبي أيضا. فالامتناع يصلح لتكوين الركن المادي الجرم الإيذاء شريطة أن يكون على الفاعل واجب قانوني أو عقدي للقيام بالفعل الذي امتنع عنه.

  • جريمة القتل دفاعاً عن العرض والشرف في القانون السوري

    القتل دفاعاً عن العرض أو الشرف

    أورد المشرع السوري في المادة 548 من قانون العقوبات حكما يعفي بموجبه مرتكب القتل أو الإيذاء من العقاب، أو يخفف عقابه فقط، عند إقدامه على الفعل مدفوعاً بعامل العرض أو الشرف.

    وهذا العذر المحل او المخفف يعتبر انعكاساً لتقاليدنا الاجتماعية الموروثة منذ القدم، تلك التقاليد التي يستغلها البعض، أحياناً، ويسيء استخدامها مستفيداً من الرخصة القانونية بالقتل التي منحها المشرع في المادة 548، ليمارس سطوة الذكر على الأنثى التي لم تعد تأتلف مع التطور الاجتماعي والاقتصادي والعلمي الذي بلغه المجتمع، بمساواة الأنثى مع الذكر في الحياة العامة.

    وكثيرا ما نسمع عن إقدام أخ على قتل أخته أو أب على قتل ابنته لمجرد خروجها مع شاب غريب، أو زواجها به دون موافقتهما، أو لمجرد نشوء علاقة حب بريئة ونبيلة بينهما، مستغلين استغلالاً سيئاً لعادات المجتمع وأخلاقه ومثله وحرصه في المحافظة على الشرف والعرض.

    أما نص المادة 548 فجاء كما يلي:

     “1- يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل او إيذاء احدهما بغير عمد.

     2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع أخر”.

    بتحليل هذا النص نستخلص النقاط التالية:

     – إن الحكمة والأساس الذي يقوم عليه العذر الوارد فيه هو الاستفزاز العنيف الذي يبعث الإثارة في نفس الفاعل،  ويفقده أعصابه وحرية تفكيره.

    فهذه الحالة التي يوجد فيها مرتكب الفعل عند مفاجأته لزوجته أو قريبته في وضع حساس يثير في نفسه الغضب الشديد والاستفزاز نتيجة هذا المشهد الذي لم يتوقعه فيقدم على فعل القتل تحت تأثير الغضب و هول المفاجأة التي سيطرت على نفسه فأنقصت من قوة إرادته وحرية اختياره أو أعدمتهما، وهذا ما ينقص من مسئوليته الجزائية التي تقوم أصلاً على الإدراك وحرية الاختيار.

    – تطلب المشرع للاستفادة من العذر شروطاً خاصة بأطراف العذر تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه أو الصفات التي يجب توافرها فيهما.

    كما تطلب شروط خاصة بالواقعة التي أدت إلى ارتكاب القتل، الجرم المشهود أو الوضع المريب، وبظروف الحادثة من حيث توفر عنصر المفاجأة.

    أولا- الشروط المتعلقة بأطراف العذر.

    هذه الشروط تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه، ومدى أهمية وجود هذه العلاقة في الحكمة من تطبيق العذر.

     فنص المادة 548 اشترط وجود علاقة الزوجية أو رابطة القرابة بين أطراف العذر، وقام بتحديد الأشخاص المستفيدين من العذر وشخص المجني عليه بصورة حصرية لا يمكن التوسع فيها، ولا القياس عليها.

    1- علاقة الزوجية.

     عرف قانون الأحوال الشخصية في مادته الأولى الزواج بأنه

    “عقد بين رجل وامرأة تحل له شرع غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل”.

     وهذا النص هو المرجع في تحديد الصفة الزوجية بالنسبة للسوريين المسلمين وغير المسلمين .

    وهذا الزواج هو ما تشترط المادة 548 قيامه، أي الزواج الشرعي الذي استوفي كافة أركان انعقاده.

     أما العلاقة التي تقوم بين رجل وامرأة دون عقد زواج (concobinage، المساكنة)، فلا يستفيد بموجبها الجاني من العذر حتى ولو تجسدت هذه العلاقة بالاتصال الجنسي والعيش المشترك وإنجاب الأطفال، طالما أن هذه العلاقة غير شرعية.

     والعشيق الذي يفاجأ عشيقته في صلات جنسية مع شخص أخر فيقدم على قتلها أو إيذائها لا يستفيد من هذا العذر.

    والعلاقة الزوجية هي من العلاقات المؤقتة التي تبدأ في وقت محدد (بالعقد)، وتنتهي في وقت محدد أيضا، بالطلاق البائن أو الفسخ أو الموت.

    ولا يستفيد الشخص من العذر الوارد في المادة 548 إلا أثناء قيام العلاقة الزوجية، لا قبلها ولا بعدها.

     والطلاق الرجعي لا ينهي العلاقة الزوجية ما دامت عدته لم تنتهي، فالزوج يستفيد من العذر إذا قتل مطلقته رجعية إذا فاجأها بالأوضاع السابقة خلال فترة العدة .

    والواضح من نص المادة المذكورة أنها تشمل كلا طرفي العلاقة الزوجية  (الزوج والزوجة ) في الاستفادة من العذر الوارد بها، إذا أقدم أحدهما على قتل أو إيذاء الأخر حال مفاجأته بجرم الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.

     فباستخدامه لعبارة ” من فاجأ زوجه ” التي تفيد معنى الزوج والزوجة على حد سواء يقطع الجدل القائم على أن هذا الحق هو للزوج فقط دون الزوجة.

    لا سيما وأن عبارة زوجه هي ترجمة من الأصل الفرنسي لعبارة “conjoint” التي تفيد معنى الذكر والأنثى، ولا تقتصر على أحدهما.

    فضلا عن أن المشرع لو أراد قصر حق الاستفادة من العذر على الزوج فقط لكان ذكر بصراحة عبارة “زوجته” بدل “زوجة” على نحو ما فعلت تشريعات أخري .

    2- رابطة القربي.

    وسع المشرع في نص المادة 548 في منح العذر ، فلم يقصره فقط على الزوجين، وإنما مد نطاقه إلى الأقرباء بالدرجة التي حددها على سبيل الحصر ” بالأصول والفروع والأخوة “. فهؤلاء الأقرباء لا تقل درجة استفزازهم في هذا الموقف عن درجة استفزاز الزوج أو الزوجة، وذلك نظرا للصلة الوثيقة التي تربطهم بالمجني عليه، والتي قد تفوق علاقة الزوجية قرية في بعض الأحيان.

    صفة الجاني

    يلاحظ أن المشرع لم يأخذ في النص بكافة درجات القرابة للاستفادة من العذر، وإنما اشترط صلة قرابة معينة ومحددة على سبيل الحصر، وهي قرابة النسب، أي بين الأصول والفروع، ومن قرابة الحواشي، قرابة الأخوة فقط.

     وبذلك لا تصلح قرابة المصاهرة، ولا قرابة الرضاع، التي ليس لها أثر إلا في تحريم الزواج فقط .

     باختصار، إن القرابة المشتركة لتطبيق النص هي القرابة النسبية بين الأصول والفروع وبين الأخوة.

     ويستفيد من العذر الأصول والفروع سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، فالنص جاء مطلقاً بذكره عبارة ” أحد أصوله أو فروعه “، بالتالي، فالعذر يشمل الأباء والأمهات والجدود والجدات مهما علو ومهما علون، وكذلك الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات مهما نزلوا ومهما نزلن .

    أما الأخوة، فلا يستفيد من العذر، بتقديرنا، إلا الذكور فقط دون الأخوات الإناث  ذلك لأن النص جاء بعبارة أخته” بين أشخاص المجني عليهم، فالمخاطب فيه هو الذكر، وبالتالي وجب أن يكون الجاني ذكر” وليس أنثى، أي أخا لا أختاً،  وذلك بخلاف الأصول والفروع الذين ذكرهم النص بشكل مطلق دون تحديد جنسهم، مما يجعل القاعدة الفقهية القائلة المطلق يجري على إطلاقه” واجبة التطبيق بهذا الصدد.

     ويستوي في الأخوة أن يكونوا أشقاء أم غير أشقاء، المهم في ذلك، أن تكون قرابتهم قرابة نسب لا قرابة رضاع.

    صفة المجني عليه.

    لقد أفاد النص من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما”، إذن فالمجني عليه قد يكون شخصاً واحداً، وقد يكونوا شخصين، بشرط أن يتمتع أحدهما بإحدى صفتين هما: صفة الزوجية أو القرابة، وصفة الشريك.

    فقد يكون المجني عليه أحد طرفي العلاقة الزوجية، وهم الزوج أو الزوجة عندما يفاجئه زوجه الأخر بإحدى الأوضاع المحددة في النص.

    وقد يكون المجني عليه أحد الأصول أو الفروع أو الأخت، ولا يصلح أن يكون الأخ هو المجني عليه طالما أن النص قيد ذلك بعبارة “أو أخته”.

    وبالرغم من أن نص المادة 548 قد يوحي بأن المجني عليه من الأصول والفروع يمكن أن يكون أنثى كما يمكن أن يكون ذكراً، باستخدامه لعبارة أو أحد أصوله أو فروعه، التي تشير إلى الذكور والإناث على حد سواء.

    إلا أنه إذا كان يستوي في الجاني أن يكون ذكر أو أنثى في الأصول والفروع، فلا يمكن في المجني عليهم فيها إلا أن يكون أنثى. وهذا ما يؤكده النص الفرنسي الأصلي للمادة 548 القاطع الدلالة في أن المجني عليه في الأصول والفروع لابد أن يكون من الإناث  فكان الأولى بالنص العربي أن يكون واضحة وضوح النص الفرنسي بوجوب ذكر أو إحدى أصوله أو فروعه التي تشير إلى الإناث فقط دون الذكور.

    والخلاصة، أن الجاني في صلة القربي قد يكون ذكر أو أنثى، أما المجني عليه فيها فلا يمكن إلا أن يكون أنثى.

    أما الشريك في المعنى المقصود بالنص فهو الشخص الذي يأتي مع الزوج أو الزوجة أو إحدى الأصول أو الفروع أو الأخوات فعل الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء، أو يوجد مع أحدهم أو إحداهن في حالة مريبة.

     وسيان أن يكون هذا الشريك قريبا للجاني أو غريبة عنه، ذكراً كان أم أنثى، فلا عبرة بعلاقته بالجاني ولا بجنسه.

     المهم أن يضبط في إحدى الأوضاع المقررة في النص مع أحد الأشخاص المذكورين فيها. وسيان أيضا أن يقع القتل على الشريك وحده أم على الزوج أو الزوجة أو القريبة وحدها أم على كلاهما، فالجاني يستفيد من العذر.

    وتجدر الإشارة إلى أن العذر الوارد في النص هو من الأعذار الشخصية، فلا يستفيد منه إلا الشخص الذي يتوافر فيه.

     فإذا تعدد المشتركين في القتل والإيذاء فإن حكم العذر يسري فقط على الشخص الذي تم ذكره فقط في النص، من زوج أو أصل أو فرع أو أخ، أيا كان دوره في الجريمة، سواء كان فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً.

     أما المساهمين الأخرين فلا يطالهم الإعفاء، بل تطبق عليهم أحكام جرم القتل المقصود، كل حسب دوره في الجريمة.

    ثانيا – الشروط المتعلقة بالواقعة

    إضافة للشروط المتعلقة بأطراف العذر، فلقد تطلب المشرع شروط أخرى تتعلق بالواقعة الحاصلة بين هذه الأطراف.

     وهذه الواقعة لها وجهان:

     الأول، هو الفعل الذي يرتكبه المجني عليه ويفاجئه به الجاني فتثور ثائرته ويقدم على قتله أو إيذائه، ويتمثل هذا الفعل بالزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة مع شخص أخر.

    والثاني، وهو فعل الاعتداء الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجئته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال السابقة، ويتمثل بالقتل أو الإيذاء.

    1- المفاجأة.  

    إن المفاجأة هي الأساس الذي يرتكز عليه العذر .

    ولقد حدد المشرع الحالات الحصرية للمفاجأة وهي الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.

    والأسئلة التي تثار هنا:

    – ما معنى المفاجأة التي يتطلبها المشرع وعلى من يجب أن تقع؟ – ما مفهوم الزنا المشهود و الصلات الجنسية الفحشاء والحالة المريبة ومعيار التمييز بينهم؟

    – بالنسبة للتساؤل الأول، فظاهر النص يوحي بأن الشخص الذي يجب أن يتفاجيء هو المجني عليه فقط دون الجاني. فالنص أورد “من فاجئ زوجه أو …” ولم يورد من امن فوجئ بزوجه أو …. إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالمفاجأة يجب أن تقع على الجاني إضافة للمجني عليه.

    وذلك لأن علم الجاني بشكل يقيني بزنا زوجته، وعدم توفر عنصر المفاجأة بالنسبة له، لا يجعله مستفيدا من العذر لاسيما وأن نص المادة 548 اشترط أن يكون الجاني قد “أقدم على القتل أو الإيذاء بغير عمد”.

     وهذا ما لا يتوافر في حالة العلم اليقيني بزنا الزوجة، حيث يقدم الزوج على فعله بعد تفكير هادئ و عميق بعيدا عن الانفعال والغضب.

    إلا أنه يجب التمييز بهذا الصدد بين العلم اليقيني وبين مجرد الشك والارتياب .

     ففي الحالة الأولى، عندما يتيقن الجاني من خيانة زوجته أو قريبته فيقدم على القتل مصطنعة المفاجأة، ومدبراً وجود المجني عليها في وضع الزنا كي يستفيد من العذر.

     فهذا لا يستفيد طالما انتفي لديه عنصر المفاجأة الذي يخلق لديه الاستفزاز والغضب اللذان يدفعانه إلى ارتكاب الجريمة، كما أنه في أغلب الأحوال يتعمد القتل بدافع الانتقام.

    فالزوج الذي يكون واثقاً من خيانة زوجته فيدير الأمر لضبطها متلبسة بخطيئتها، كأن يتظاهر بأنه سيغيب عن البيت ثم يكمن فيه، ويقتل الاثنين متلبسين بالزنا، لا ينال من العذر شيئاً.

    أما ذاك الذي يرتاب ويشك بسلوكك زوجته أو أخته مثلا، فيراقبها ليتأكد من صحة شكوكه أو عدم صحتها، حتى إذا تشاهدها ترتكب الزنا، استحال شکه إلى يقين فثار وقتلها، فهذا الجاني يستفيد بلا ريب من العذر .

    فالشك أو الارتياب لا ينفي عنصر المفاجأة الذي يتحقق طالما أن احتمال الخيانة لدى الزوج يقابله احتمال عدم الخيانة .

    – أما التساؤل الثاني، فالزنا يقع بالاتصال الجنسي الكامل والطبيعي بين رجل وامرأة خارج إطار العلاقة الزوجية.

    وتتمثل الاستفادة من العذر عند مفاجأة الزوج لزوجته أو الأخ لأخته في حالة جماع مع شخص غريب.

    إلا أن مفهوم الزنا المشهود، حسب المادة 548، لا يقتصر على هذا المعنى الضيق فقط. فليس المقصود في هذا النص أن يشاهد الزوج زوجته في لحظة ارتكاب فعل الزنا نفسه بحيث تصبح الخيانة من الناحية الواقعية حقيقة ثابتة،، بل يكفي أن تكون فكرة الخيانة من الناحية التصورية ماثلة أمامه، أي أن تؤدي جميع الملابسات إلى هذه الفكرة وتجعلها مقبولة عق”.

    فيكفي أن يشاهد الزوج زوجته في ظروف لا تترك مجالا للشك عقلا في أن الزنا قد وقع أو أنه وشيك الوقوع.

    وتطبيقاُ لذلك قضت محكمة النقض السورية بقيام حالة الزنا المشهود في حالة وجود الزوجة وشريكها في غرفة مغلقة وانفرادهما معا في وقت متأخر من الليل .

    وقضت محكمة النقض المصرية بتوافر العذر إذا دخل الزوج غرفة النوم فوجد فيها المتهم مختفيا تحت السرير وكان خالعة حذاءه، وكانت الزوجة عند قدومه في حالة ارتباك شديد ولا يسترها شيء غير جلابية النوم، أو دخل المنزل فوجد زوجته وعشيقها بغير سراويل وقد وضعت ملابسهما الداخلية بعضها بجوار بعض، أو دخل المنزل فلاحظ وجود حركة تحت السرير وبرفعه الملاءة وجد الشريك ونصفه الأسفل عار وهو يمسك بملابسه .

     إلا أن الأمر قد لا يقتصر على هذه الصور، فلو فاجأ الزوج زوجته مع غريب في حالة جماع خلاف الطبيعة، أو فاجأها بحالة سحاق مع أخرى ، فهذه الحالات لا تشكل زنا بالمعنى القانوني.

    وهذا ما دفع المشرع السوري إلى إيراد عبارة أو صلات جنسية فحشاء” جنبا إلى جنب مع الزنا، ليطال تلك الوقائع الجنسية الفحشاء التي لا ينطبق عليها مفهوم الزنا.

    والنتيجة، فإن مفاجأة أحد طرفي العلاقة الزوجية للأخر أو أحد الأصول أو الفروع أو الأخ للأخت أو لإحدى الأصول أو الفروع في حالة الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء المشهودة، يمنح هذا الشخص رخصة في القتل أو الإيذاء، من خلال استفادته من العذر المحل من العقاب.

     

    الحالة المريبة

    عندما يفاجأ الزوج زوجته أو ابنته أو أمه أو الأخ أخته في حالة مريبة مع شخص آخر، فيقدم على القتل أو الإيذاء، يستفيد من عذر مخفف للعقاب.

     ولقد قلنا سابقا أنه إذا وجدت الزوجة أو من في حكمها في ظروف لا تدع مجالا للشك عقلا في أن الزنا قد وقع أو في سبيله إلى الوقوع فإن هذا يعتبر زن مشهود وفق المادة 548، كمشاهدة المجني عليها مع رجل أجنبي في الفراش وهما يرتديان الملابس الداخلية.

    أما الحالة المريبة فلا تعني مفاجأة المجني عليها في ظروف لا تدع مجالا للشك بوقوع الزنا أو في سبيله   إلى الوقوع، وإنما تعني الحالة التي تثير الشك والريبة بحدوث الزنا، أي أن هذه الحالة تكون غير مالوفة في المجرى العادي للأمور، ويعتقد معها بوقوع الزنا أو في سبيله إلى الوقوع.

    ففي الحالة المريبة لا يشاهد الجاني فعل الزنا الفعلي، ولا تكون الظروف قاطعة على وجه اليقين بوقوع الزنا، وإنما يشاهد حالة تدعو الظروف فيها إلى الارتياب بوقوع الزنا، والظروف التي تدعو إلى الشك هي الظروف المحيطة بالحالة، سواء أكانت موضوعية أم شخصية.

    وتطبيقاً لذلك اعتبرت محكمة النقض السورية أن

     “الوالد الذي يقتل ابنته في بيت عشيقها الذي تقيم معه، ويتعاطی معها الزنا والفجور في أي وقت، يستفيد من العذر المخفف، لأنها أوجدت نفسها في حالة مريبة و على فراش غير مشروع “.

     وفي قرار آخر اعتبرت محكمة النقض

    “أن المرأة التي تقيم في منزل قد أعد لارتكاب الفجور بها بصورة سرية أو علنية وأعدت نفسها لتلقي الجماع في أي وقت كان قد أصبحت في حالة مريبة و على فراش غير مشروع وجعلت الاعتداء عليها مقترنا بالعذر المخفف وفقا للمادة 548، فإقدام الفاعل على قتل شقيقته المومس في دار عشيقها يجعله مستفيداً من العذر المخفف.

     بالمقابل فلقد اتجه القضاء السوري إلى استبعاد توافر الحالة المريبة عند الشخص الذي يشاهد نتيجة الزنا فقط دون أن يشاهد الفعل أو الحالة المريبة.

    فلقد قضت محكمة النقض أن الفاعل لم يفاجأ ابنته المغدورة في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص أخر أو في حالة مريية وإنما شاهد عليها علائم الحمل سفاحا مما يجعل أمر استفادته من العذر المحل أو المخفف غير وارد حسب المادة 548، وان كان الفاعل يستفيد في هذا الحالة من عذر الدافع الشريف .

     ولا تعتبر الحالة المريبة متوفرة إذا كانت الظروف المحيطة بالواقعة معتادة بين الزوجة والشخص الذي فاجأها الزوج معه حسب العادات والتقاليد المتعارف عليها، وذلك كوجود الزوجة مع أحد محارمها، أو كانت طبيعة عملها تستدعي وجودها في تلك الحالة، كالطبيبة عندما تكشف على المريض.

    كما لا تعتبر الحالة المريبة متوافرة إذا كان الجاني قد راى المجني عليها في وضع تاباه التقاليد ولكنه لا يثير الشك في قيام الصلة الجنسية غير المشروعة بينها وبين آخر أو توقع قيامها، كمشاهدة الأخ لأخته في الطريق العام مع شخص غريب، أو تجلس معه في مكان عام، مطعم أو سينما.

    2- فعل الاعتداء.

    هو الفعل الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجأته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال المحددة بالنص مع شخص آخر، ويتمثل هذا الفعل بالقتل أو الإيذاء.

     والعذر يشمل جريمة القتل المقصود، وجريمة الإيذاء المقصود بكافة صورها الجنحية والجنائية.

     أما غير هذه الأفعال فلا يستفيد مرتكبها من العذر .

     فإقدام الجاني على إتلاف أموال المجني عليه، أو هتك عرض شريك الزانية أو اغتصاب إحدى محارمه وما إلى ذلك من اعتداءات لا يشملها العذر.

    وسيان أن يقع القتل أو الإيذاء بأية وسيلة، کالمسدس أو السكين أو الأيدي فقط.

    ولقد اشترط نص المادة 548 في فعل القتل أو الإيذاء أن يقع بغير عمد، ذلك لأن الذي يبرر الإعفاء أو التخفيف من العقوبة هو شدة الانفعال النفسي الذي يستبد بالجاني ويدفعه إلى ارتكاب الجريمة، فإذا انتفي هذا الانفعال لدى الجاني، كما في حالة القتل العمد، فلا تتحقق هذه الحكمة، حيث أن الجاني في حالة العمد يقدم على ارتكاب جريمته بعيداً عن الانفعال والغضب، وبعد أن أخذ الوقت الكافي من التفكير الهادئ و التصميم على ارتكاب جريمته.

    فلو فاجأ الزوج زوجته بحالة مريبة مع عشيقها ولم يقدم على قتلها فور المفاجأة بل انتظر فترة من الزمن كانت كافية لهدوء نفسه واستعادة وعيه ثم أقدم على قتلها فلا يستفيد من العذر لوقوع الفعل عمدا.

    كما يعتبر العمد متوافراً في حالة الجاني الذي يعرض عن فكرة القتل عند مفاجأة المجني عليها، ويستعيد توازنه، ويفكر ملياً، ثم يعود ويقتلها بعد فترة.

    أو حالة الجاني الذي يستدرج زوجته أو قريبته بعد علمه بخطيئتها إلى مكان ما، ثم يتآمر على قتلها ويخطط لذلك

    – أما عن أثر العذر على العقوبة:

     فالعذر المحل يعفي الجاني من العقوبة وحدها دون سائر الآثار القانونية، فيمكن توقيع تدابير الاحتراز وتدابير الإصلاح على المستفيد ما عدا العزلة (م 240 عقوبات).

     أما العذر المخفف فهو كما يدل اسمه يخفف العقاب فقط. ولقد سكت نص المادة 548 عن تحديد مفعول هذا العذر ومقداره.

    وعند السكوت يحيل القانون إلى نص المادة 241 من قانون العقوبات باعتبارها النص العام، وتخفف العقوبة وفقا لأحكامها .

     وبموجب هذا النص فإن الجناية تنقلب إلى جنحة، والجنحة إلى مخالفة.

    وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن فعل القتل أو الإيذاء في نص المادة 548 إذا لم يستجمع شروط العذر الوارد فيه، فقد يستجمع شروط العذر المخفف الوارد في المادة 242، وهو عذر الإثارة، أو شروط عذر الدافع الشريف الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات.

    – أما عذر الإثارة فبموجبه “يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير سحق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”.

     ويشترط الاستفادة مرتكب القتل أو الإيذاء من هذا العذر أن تستولي عليه ثورة غضب شديد تسلبه قسماً من وعيه وإرادته كنتيجة لتصرف، غیر محق وعلى جانب من الخطورة، قام به المجني عليه.

     أما إذا كان تصرف المجني عليه محق أو مشروعة، كإقدام الشرطي على القبض على السارق، فلا يحق للأخير أن يحتج بالاستفزاز إذا أقدم على الاعتداء على الشرطي.

    أما خطورة الفعل فأمر يقدر تبعا للظروف ولدرجة تأثيرها على مرتكب القتل أو الإيذاء.

     فما يثير شخصاً عصبية کثیر الحساسية قد لا يكون له أي أثر على شخص يتمتع بأعصاب هادئة ومزاج متزن.

     – أما الدافع الشريف، الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات، فقد يستفيد منه أيضأ مرتكبي جرائم العرض و الشرف عند فقدان شروط المادة 548.

     إلا أن تخفيف العقاب فيه يختلف عن الأعذار الأخرى. فعذر الإثارة يقلب الجناية إلى جنحة، أما عذر الدافع الشريف فيبقي على صفة الجناية المشمولة به .

  • ماهي جريمة القتل أو الإيذاء الواقع أثناء مشاجرة وما أركانها؟

    القتل أو الإيذاء الواقع أثناء مشاجرة

    هذه الحالة نصت عليها المادة 546 كما يلي: “- إذا وقع قتل شخص أو إيذاؤه أثناء مشاجرة اشترك فيها جماعة، ولم تمكن معرفة الفاعل بالذات عوقب جميع من حاولوا الإيقاع بالمجني عليه بعقوبة الجريمة المقترفة بعد تخفيض العقوبة حتى نصفها. – وإذا كانت الجريمة تستوجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد قضي بالعقاب لا أقل من عشر

    سنوات”.

    يلاحظ في هذا النص أن المشرع أوجد به حكمة خاصة للمشاجرة التي ينتج عنها قتل أحد الأشخاص أو إيذائه دون أن يعرف الفاعل .

    فمجرد الاشتراك في مشاجرة من هذا النوع يعتبره القانون جريمة قائمة بذاتها يعاقب عليها بنصف العقوبة المقررة لجريمة القتل أو الإيذاء التي ارتكبت. يستنتج من ذلك أن المشاجرة التي لم تفض إلى موت أو إيذاء لا يطبق عليها النص المذكور، ولا يعاقب عليها أصلا.

     كذلك إذا عرف مرتكب فعل القتل أو الإيذاء فلا مجال أيضا التطبيق النص المذكور، وإنما تطبق على هذه الواقعة قواعد المساهمة الجرمية، فيعاقب المساهمين كل على حسب الدور الذي قام به من فاعل أو شريك أو متدخل.

     فالمشرع إذن أوجد هذا النص ليحل به مشكلة صعوبة إثبات مرتكب الفعل القاتل أو المؤذي في المعارك الجماعية التي يصعب معرفة وتحديد مسئولية المشتركين فيها، معتبراً جهالة الفاعل في هذه الجريمة عذراً قانونياً مخففاً لعقوبة القتل أو الإيذاء الناتج عنها.

    أركان الجريمة

    لا بد أن يتوفر لقيام هذه الجريمة أربعة أركان: وجود مشاجرة – نتج عنها قتل أو إيذاء – لم يعرف مرتكبه – القصد الجرمي.

    1- وجود مشاجرة:

     المشاجرة تعني العراك والمضاربة بين عدة أشخاص يتبادلون فيها العنف، سواء باحتكاك مباشر بينهم أو بدون احتكاك مباشر، كما لو تمت المشاجرة بالرمي بالحجارة بين أطرافها. وعلى الأغلب فإن العراك الجماعي يتخلله عنف وجرح ورض وإيذاء وموت أحيانا.

    والمشاجرة بهذا المعنى لا تتوفر في حالة الملاسنة والسباب والشتائم، حتى لو أدت إلى إيذاء أو موت لأحد بين اثنين ومات أحدهما أو تعرض لأذى، فالفاعل فيها معروف حتماً.

     بالتالي لتطبيق حكم المادة المذكورة لا بد أن يكون الفاعل مجهولاً.

    وجهالة الفاعل تفترض أن يكون المشتركين ثلاثة على الأقل، قتل أحدهم أو تعرض لأذى دون أن يعرف الفاعل.

    2- أن ينتج عن المشاجرة قتل أو إيذاء:

     إن هذه النتيجة الجرمية هي الشرط الأساسي للعقاب على الاشتراك بمشاجرة، باعتبار أنه لا عقاب على الاشتراك بمشاجرة ما لم تؤدي إلى وفاة أو إيذاء.

    ومتى قامت الصلة السببية بين المشاجرة و النتيجة الحاصلة، فهل يسأل كل من ساهم في المشاجرة عن هذه النتيجة؟ الواضح أن المشرع السوري لم يطلق المسئولية عن النتيجة الحاصلة على جميع من ساهم بالمشاجرة، بل قيدها  بالمساهمين الذين حاولوا الإيقاع بالمجني عليه.

    وان كانت هذه العبارة يعتريها اللبس والغموض في صياغتها، وكان أولى بالمشرع استعمال صياغة أوضح وأدق للتعبير عن إرادته في قصر العقاب عن النتيجة الحاصلة على الأشخاص الذين ثبت عليهم عملياً بين المساهمين الذين حاولوا الإيقاع أنهم سعوا لقتل المجني عليه أو إيذاءه، مع التسليم بصعوبة التمييز بالمجني عليه والمساهمين الذين لم يحاولوا ذلك.

    وعند توفر الشرط الأساسي للعقاب في هذه الجريمة، وهو حصول النتيجة الجرمية المتمثلة بالوفاة أو الإيذاء، فسيان، بعد ذلك، أن يكون المجني عليه فيها مشتركاً في المشاجرة أو غير مشترك: كأن يقتل شخص كان ماراً مصادفة أثناء المشاجرة، أو متفرجاً عليها، أو شخص حاول تفريق المتشاجرين فأصيب بطعنة طائشة لم يعرف مصدرها.

    وسيان أيضاً وسيلة المساهمة في المشاجرة، مادية كانت أم معنوية.

    فقد تتجلى المساهمة بصورة مادية، بإحدى وسائل التدخل: كما لو استعد مثلا زيد وبكر للدخول في عراك مع عمر وأخيه، فيقوم أحدهم بتزويد زيد وبكر بأدوات للاعتداء على عمر، وبالفعل تنتهي المشاجرة بإيذاء عمر أو وفاته دون معرفة الفاعل، فيلاحق زيد وبكر عن الجرم الوارد في المادة 546، أما من قدم لهم الأدوات فيلاحق کمتدخل في هذه الجريمة، على ضوء المادة 218 من قانون العقوبات.

    وقد تتجلى المساهمة بصورة معنوية، بالتحريض: كما لو حمل أحدهم فئة من المتشاجرين على النيل من أحد المساهمين فيها، وبالفعل تم النيل منه قتلاً أو إيذاء دون معرفة الفاعل، فيسأل المحرض مع المساهمين الأخرين عن الجريمة الواردة في المادة 546.

    3- جهالة الفاعل:

     إن العلة من عقاب المشتركين في المشاجرة ممن حاولوا الإيقاع بالسجني عليه بدون تمييز تكمن في هذا الركن. فلقيام هذه الجريمة لا بد أن يكون مرتكب القتل أو الإيذاء مجهولا. لأنه لو عرف الفاعل لعوقب لوحده

    عن النتيجة الحاصلة، الموت أو الإيذاء، ولعوقب باقي المشتركين وفق قواعد المساهمة الجرمية، كشريك أو متدخل او محرض، أي لعوقب كل مساهم عن الدور الذي قام به فقط.

    4- القصد الجرمي:

    لم يكتف المشرع لقيام هذه الجريمة بضرورة توافر القصد الجرمي العام المتمثل بقصد الاشتراك بالمشاجرة، بل تتطلب، إضافة لذلك، توافر قصداً جرميً خاصً متمثلاً بقصد الإيقاع بالمجنى عليه.

    لا بد إذن لقيام هذه الجريمة أن يتوفر لدى الفاعل عناصر القصد العام، بعلمه بأركان الجريمة، من حيث كونه يشترك بمشاجرة قد ينتج عنها أذا من نوع ما، واتجاه إرادته، حرة مختارة، إلى دخول المشاجرة، دون أن يكون مكرها أو في حالة ضرورة، أو أن يكون في حالة دفاع مشروع عن النفس برد الاعتداء عنه أو عن غيره.

     فلو كان كذلك الاستفاد من سبب تبرير أو مانع عقاب إذا توافرت شروطه.

     وأن لا يقتصر قصده على مجرد التفرج على المشاجرة أو على تفريق المشتركين فيها عن بعضهم. فمثل هؤلاء لا يعتبرون قد اشتركوا بالمشاجرة بالمعنی القانوني.

    إضافة لضرورة توافر القصد العام، لابد أن يتوفر لدى الفاعل قصداً جرمياً خاصاً متمثلاً باتجاه إرادته إلى الإيقاع بالمجني عليه، أي اتجاه إرادته إلى النتيجة الحاصلة، من موت أو إيذاء. بالتالي، کي يسأل المشترك بمشاجرة عن النتيجة التي تولدت عنها لابد أن يثبت لديه القصد الخاص، أي اتجاه إرادته لهذه النتيجة، مع التسليم بصعوبة ذلك في المشاجرات التي يكثر فيها عدد المشاركين.

    وغني عن البيان أن إصابة المشترك في مشاجرة بجروح أو رضوض مهما بلغت جسامتها لا يمنع من ملاحقته عن موت أحد المشتركين أو إيذاءه، إذا ثبت أنه أراد هذه النتيجة من خلال محاولته الإيقاع بالمجني عليه.

    – عند توافر أركان الجريمة يعاقب جميع من حاول الإيقاع بالمجني عليه من المشتركين بعقوبة الجريمة المقترفة المؤقتة بعد تخفيضها حتى النصف.

     أما إذا كانت العقوبة الإعدام أو المؤبد، فيجب أن لا تقل العقوبة عن عشر سنوات.

    وقد أورد المشرع لهذه العقوبة ظرفا مشددا نص عليه في المادة 547، كما يلي: التشدد العقوبات السابق ذكرها وفاقا لما نصت عليه المادة 247 على من كان السبب في المشاجرة”.

    يلاحظ في هذا النص أن عبارة “السبب في المشاجرة” يعتريها اللبس والغموض وعدم الدقة في الصياغة.

     فمن هو الشخص المسبب للمشاجرة؟ هل هو من نشأت المشاجرة من أجله؟ أم هو من بدأها؟ أم هو من أشعل فتيلها وحرض عليها؟

    في الحقيقة لا يمكن أن يكون مسبب المشاجرة، المعني بالنص، هو الذي حصلت بسببه أو من أجله المشاجرة.

     فقد تنشأ المشاجرة مثلاً بسبب توجيه كلام غزل إلى أنثى أو التحرش بها، فتثور حمية من كان معها، أو أحد أقاربها أو معارفها، فتبدأ المشاجرة وينتج عنها قتل او إيذاء.

     فلا يعقل أن تلاحق الفتاة بهذه الجريمة لمجرد أن المشاجرة قد نشأت بسببها، فكيف بتشدید عقابها ! فهي لم تشترك فيها ولم تحاول الإيقاع بالمجني عليه.

     بتقديرنا، أن مسبب المشاجرة الذي يستحق تشدید عقابه هو من أشعل نار ها وحرض عليها، سواء اشترك بها أم لم يشترك.

     فعلة التشديد تكمن في خطورة ما قام به هذا الشخص.

  • ماهي عقوبة جريمة الحمل أو المساعدة على الانتحار وما أركانها؟

    الحمل أو المساعدة على الانتحار

    لم يعتبر المشرع الحديث، على خلاف التشريعات الجزائية القديمة، الانتحار جرماً معاقباً عليه.

     فالنظرة القانونية الحديثة تعتبر أن حياة الإنسان حق من حقوقه الشخصية، له التصرف فيها دون أن يحاسبه أحد.

     وإذا كان المشرع الحديث لا يعاقب الإنسان على قتل نفسه أو إيذائه إياها، فإن موقفه يختلف تجاه الشخص الذي يحمل الغير أو يساعده على قتل نفسه.

    بعض التشريعات، كالمصري، لا يعاقب هذا الشخص باعتبار أن الانتحار هو فعل مباح، فالتحريض والمساعدة على فعل مباح يعتبر مباحأ أيضاً  بعض التشريعات الأخري  تعتبر أفعال الحمل و المساعدة على الانتحار أفعالاً غير مشروعة، بالرغم من اعتبارها مباح، كان لا بد للمشرع من إيجاد نص خاص وصريح بالمعاقبة عليها.

    وهذا ما أخذ به المشرع السوري بنص المادة 539 من قانون العقوبات، كما يلي:

    “1- من حمل إنسانا بأي وسيلة كانت على الانتحار أو ساعده بطريقة من الطرق المذكورة في المادة 218 – الفقرات أ- ب – د – على قتل نفسه، عوقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر إذا تم الانتحار.

     2- وعوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين في حالة الشروع في الانتحار إذا نجم عنه إيذاء أو عجز دائم.

     3- وإذا كان الشخص المحمول أو المساعد على الانتحار حدثا دون الخامسة عشرة من عمره أو معتوها طبقت عقوبات التحريض على القتل أو التدخل فيه”.

     

    من استقراء هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

    1- أن المشرع السوري لا يجرم الانتحار بحد ذاته، ولكنه يجرم الحمل أو المساعدة عليه.

     2- أن المشرع لا يعاقب على الحمل أو المساعدة على الانتحار إلا إذا حصلت النتيجة الجرمية الضارة، وهي وفاة المنتحر أو عجزه الدائم أو إيذاءه.

     أما إذا تم فعل الحمل أو المساعدة، وأقدم المنتحر فعلا على الانتحار، إلا أن مساعيه لم تفلح، فلم يمت، ولم يصب بعجز أو إيذاء، كأن يخطى في التنفيذ أو يتدخل شخص آخر فينقذه، فلا مجال الملاحقة من حمله أو ساعده على ذلك.

     3- لا عقاب على الشروع في الحمل أو المساعدة على الانتحار.

    لأنه لا بد للعقاب من تحقق النتيجة التي استوجبها المشرع، أي الوفاة أو العجز أو الإيذاء.

     4- يستبعد تطبيق أحكام المادة 539 إذا وقع الحمل على الانتحار أو المساعدة عليه على حدث دون الخامسة عشرة من عمره أو على معتوه.

    فالشخص الذي يقوم بهذه الأفعال في هذه الحالة يعتبر فاعلا معنويا لجريمة القتل، ويطبق عليه أحكام التحريض على القتل أو التدخل فيه، ويستبعد تطبيق المادة 539.

    أركان الجريمة

    لهذه الجريمة ركنين مادي و معنوي.

    أولا- الركن المادي :

    لابد أن يتوفر في الركن المادي لهذه الجريمة أربعة عناصر:

     – النشاط الجرمي الذي يتمثل في صورة الحمل على الانتحار أو صورة المساعدة عليه.

     – النتيجة الجرمية المتمثلة في الانتحار الفعلي أو حدوث إيذاء أو عجز دائم.

     – الرابطة السببية بين النشاط و النتيجة.

    – أن يكون المجني عليه أهلا للمسئولية الجزائية.

    1– النشاط الجرمي:

     ويتجلی كما أسلفنا بصورة الحمل على الانتحار، وصورة المساعدة عليه.

    الصورة الأولى – الحمل على الانتحار .

    إن الحمل على الانتحار يعني خلق فكرة قتل النفس لدى الشخص وحمله على تنفيذها.

    وحمل شخص بأي وسيلة، مادية كانت أم معنوية، على قتل نفسه، يعني وفق المدلول اللغوي تحريضه على الانتحار.

    إلا أن المشرع لم يستخدم عبارة التحريض، لأن هذه العبارة لا تطلق، حسب المادة 216 من قانون العقوبات إلا على من حمل أو حاول أن يحمل شخص أخر بأي وسيلة كانت على ارتكاب جريمة”.

    وباعتبار أن المشرع السوري لم يعتبر الانتحار بحد ذاته جريمة، لذلك فإن المدلول القانوني لكلمة تحريض لا ينطبق هذا على الفعل المذكور.

     إضافة إلى أن الأحكام العامة للتحريض، الواردة في المادة 217، تقضي بعقاب المحرض سواء أفضى التحريض إلى نتيجة أم لم يفض.

     بخلاف الجرم الوارد في المادة 539، حيث أن حصول النتيجة الجرمية شرط لازم للعقاب فيه. فمن يحمل إنسانا أو يساعده على الانتحار لا يعاقب إلا إذا تم الانتحار أو شرع به على الأقل.

    ولا بد أن يكون فعل الحمل هو السبب في وقوع الانتحار أو الشروع فيه، أي لا بد أن تتوافر الرابطة السببية بين الانتحار والحمل عليه، أي ثبوت أنه لولا الحمل لما أقدم المجني عليه على قتل نفسه أو على الشروع فيه على الأقل.

     فلو حاول زيد أن يحمل بكرة، بأي وسيلة، على الانتحار، إلا أن ذلك لم يفض إلى نتيجة، وبعد مدة أقدم بكر على قتل نفسه لسبب أخر، فهنا تنتفي الرابطة السببية بين الانتحار وبين فعل زيد، ولم يعد هناك مجال للتجريم والعقاب.

    الصورة الثانية – المساعدة على الانتحار.

    في هذه الصورة من صور الركن المادي للجريمة لا يقوم الفاعل بخلق فكرة الانتحار لدى الشخص، وإنما تكون هذه الفكرة موجودة لدى الشخص، بيد أنه يتردد في تنفيذها، فيقوم الجاني بمساعدته على ذلك.

     وهذه المساعدة لا يعاقب عليها الفاعل إلا إذا تمثلت بإحدى الحالات الثلاث التي نصت عليها الفقرات (أ – ب – د) (9) من المادة 218 من قانون العقوبات المتعلقة بالتدخل الجرمي، وهذه الحالات الثلاث هي:

    أ- إعطاء الإرشادات :

    ومثالها إرشاد المنتحر إلى طريقة سهلة وسريعة في قتل النفس، لا ينتج عنها ألما، باستخدام سلاح ناري كوسيلة أفضل و أسرع في إزهاق الروح من استخدام السم، أو من القفز من مكان شاهق، الذي قد يسبب آلام شديدة قبل حصول الوفاة.

     ب- تشديد العزيمة:

    هذه الحالة تفترض أن المنتحر قد اتخذ قراره بقتل نفسه، إلا أنه متردد، خائف، ومتهيب منه، فيكون دور الفاعل عندئذ تقوية عزيمته وتشجيعه على الإقدام على ذلك.

     كأن يسود الحياة في مخيلة تاجر مفلس مهدد بالسجن، ويقنعه بصعوبة خروجه من مأزقه، وتعهده بإعالة عائلته، فيقوي أعصابه ويحرره من رهبة الموت.

     د- المساعدة الفعلية:

    على خلاف الحالتين السابقتين حيث تكون المساعدة فيهما معنوية، ومقتصرة على المرحلة التي تسبق الانتحار.

    فهذه الحالة تتمثل بالمساعدة المادية التي يقدمها الفاعل عند البدء بمرحلة الإعداد للانتحار أو أثناء مرحلته التنفيذية.

    فهنا يقوم الفاعل بمساعدة المنتحر على الأفعال التي هيأت الانتحار أو سهلت أو أتمت ارتكابه.

    كإعطاء المنتحر الأداة التي سيقتل نفسه بها، أو إقفال المكان الذي سيقوم المجني عليه بقتل نفسه فيه كي لا تصل إليه النجدة إلا بعد فوات الأوان، أو إحداث جلبة وضوضاء في المكان كي لا ينتبه أحد إلى المنتحر أثناء قتل نفسه.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا بد في أفعال المساعدة هذه أن تبقى ذات طابع سلبي.

     أما إذا تحولت إلى أفعال ذات طابع ايجابي، فيختلف الوصف القانوني للجريمة من مساعدة على الانتحار إلى قتل مقصود.

    ومثالها أن يجبن المجني عليه عن قتل نفسه فيطلب من الفاعل المساعدة، فيقوم بقتله، بإطلاق النار عليه، أو خنقه، أو فتح ماسورة الغاز، أو دفعه من مكان مرتفع.

     فهذا نرى أن الفاعل قد تعدى دور المساعدة إلى دور التنفيذ المباشر.

    2- النتيجة الجرمية:

     يجب أن يؤدي ارتكاب إحدى صورتي الركن المادي إلى حدوث الوفاة فعلا، أو إلى حدوث إيذاء أو عجز دائم .وفي حال لم تتحقق مثل هذه النتيجة فلا عقاب .

    فحدوث النتيجة الجرمية الضارة التي أرادها الفاعل من وراء صورة الحمل أو صورة المساعدة، شرط أساسي من شروط المعاقبة وتطبيق أحكام المادة 539.

    فيفرض قيام شخص بحمل شخص أخر على قتل نفسه، وقدم له الوسيلة لذلك بعد إقناعه بها، إلا أن هذا الشخص تراجع عن تنفيذ الانتحار، بعد اقتناعه به، أو أنه أقدم فعلاً على الانتحار وتناول سماً لذلك، إلا أن الكمية كانت غير كافية إطلاقاً لإحداث الوفاة، أو حتى لتصيبه بعجز أو لتسبب له أذى، فلا عقاب في مثل هذه الحالات على الحمل أو المساعدة، وذلك لعدم تحقق النتيجة التي تطلبها النص القانوني صراحة.

    و تأكيداً لاعتبار المشرع حصول النتيجة الجرمية كشرط أساسي للعقاب، جعله من جسامة هذه النتيجة معيارا لتقدير العقوبة، دون الالتفات بذلك إلى خطورة الفعل الذاتية.

     فعند حصول الوفاة فعلا نتيجة الحمل أو المساعدة، تكون العقوبة جنائية الوصف تتراوح بين الثلاث والعشر سنوات اعتقال.

     أما إذا لم تحصل الوفاة، ونتج فقط عن الحمل أو المساعدة إيذاء أو عجز دائم، تكون العقوبة جنحية الوصف تتراوح بين الثلاثة أشهر والسنتين حبس.

    3- العلاقة السببية:

    لابد أن ترتبط النتيجة الجرمية الضارة بنشاط الفاعل ارتباط السيب بالمسبب.

    أي أن يكون الانتحار التام، أو الإيذاء أو العجز الدائم، ناتجة مباشرة عن فعل الحمل أو المساعدة، بحيث انه لولا قيام الفاعل بهذا النشاط لما قتل الشخص نفسه، أو شرع به على الأقل.

    4- أن لا يكون المجني عليه عديم المسؤولية:

     إن أهلية المنتحر هنا تعتبر عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة، أو شرطاً مسبقاً، وليست ركن من أركانها.

     باعتبار أن غياب أحد أركان الجريمة ينفي الجريمة أصلاً، أما وجوب توفر العنصر أو الشرط المسبق يفيد قيام الجريمة وفق النموذج القانوني المطلوب، وفي حال غيابه، ينتفي قيام الجرم وفق هذا النموذج.

    فلقيام النموذج القانوني لجريمة الحمل أو المساعدة على الانتحار لا بد أن يكون المجني عليه أهلاً للمسئولية الجزائية، وفي حال انتفاء مسئوليته، يستبعد تطبيق المادة 539، أي ينتفي النموذج القانوني المطلوب هنا ويصبح الفعل معاقبة عليه وفق نموذج أخر، هو القتل البسيط أو المشدد، باعتبار أن من حمل أو ساعد وفق هذا النموذج أصبح فاعلا معنويا للجريمة.

    وقد أشارت الفقرة 3 من المادة 539 إلى هذه الحالة بصراحة، بقولها “إذا كان الشخص

    المحمول أو المساعد على الانتحار حدثا دون الخامسة عشرة من عمره أو معتوها طبقت عقوبات التحريض على القتل أو التدخل فيه”.

    بالرغم من أن هذا النص يعتريه اللبس والغموض في صياغته، سواء فيما يتعلق بعبارة ” دون الخامسة عشرة ” أو عبارة “معتوها”، ولم تكن إرادة المشرع فيه واضحة، يمكننا القول أن هذا النص يشمل الأشخاص العديمي الأهلية كالمجانين و المعاتيه، إلى جانب الأحداث الذين لم يتموا الخامسة عشرة من أعمارهم، وهذا المعنى هو الأقرب إلى الصواب والى إرادة المشرع الحقيقية.

    بذلك نستطيع أن نستخلص أنه لابد لتطبيق المادة 539 أن يقع الحمل أو المساعدة على الانتحار على شخص أتم الخامسة عشرة من عمره، وكان أهلاً للمسئولية الجزائية.

    أما إذا كان هذا الشخص لم يتم الخامسة عشرة من عمره، أو أتمها إلا أنه كان مجنوناً أو معتوها، فيستبعد تطبيق نص المادة 539، ويطبق بحق الفاعل أحكام التحريض على القتل والتدخل فيه، ويصبح من حمل أو ساعد على الانتحار، محرضاً أو متدخلا في القتل، أو فاعلاً أصلياً لجرم القتل المقصود، ويعاقب كذلك حتى ولو لم يفض التحريض أو التدخل إلى نتيجة، تبعا لنظرية الفاعل المعنوي، باعتبار أن من يحرض شخصا غير أهل للمسئولية على ارتكاب جريمة يصبح فاعلا معنويا لهذا الجرم وليس محرضا عليه.

    ثانياً – الركن المعنوي

    لا بد لقيام هذه الجريمة من توفر القصد الجرمي العام لدى من حمل أو ساعد على الانتحار. أي أن يأتي فعله عن علم وإرادة. فيجب أن ينصب علمه وإدراكه على أنه يحمل شخصاً على الانتحار أو يساعده على ذلك، وأن تتجه إرادته إلى النتيجة الجرمية الضارة، أي الانتحار. فلو أعطی زید سماً لبكر ليضعه في طعام أو شراب عمر، إلا أن بكر تناوله ومات، لا يطبق على زيد الجرم الوارد في المادة 539، الحمل أو المساعدة على الانتحار، بل يطبق عليه أحكام التحريض أو التدخل في جرم القتل.

    وجريمة الحمل أو المساعدة على الانتحار لا يمكن أن تقع غير مقصودة، استنادا للخطأ، كما لو أهمل الفاعل أو لم يتخذ الحيطة أو الحذر فترك سلاحه في مكان ظاهر فتلقفه احدهم وانتحر به.

    ولا عبرة بالباعث الذي حدا بالفاعل إلى حمل شخص أو مساعدته على قتل نفسه في قيام القصد الجرمي. فالركن المعنوي يعتبر قائما عندما يتوفر القصد الجرمي بصرف النظر عن الباعث أو الدافع الذي يعتد به فقط في تقدير العقوبة، بتشديدها إذا كان دنيئاً أو سافلاً: كما لو ساعده على الانتحار طمعاً في ماله، وبتخفيفها إذا كان شريفاً: كما الو ساعده على الانتحار معتقدا بأن وفاته ستحقق فائدة كبيرة للبشرية أو لفئة محددة من الناس.

    – عند توفر أركان الجريمة، بالشكل السالف تفصيله، يعاقب الفاعل استنادا إلى خطورة النتيجة الجرمية الحاصلة.

    فإذا أدى نشاط الفاعل إلى وفاة المنتحر عوقب الفاعل بالاعتقال من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.

    أما إذا أدى نشاط الفاعل إلى عجز دائم أو إيذاء فقط، يعاقب الفاعل بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين. ولا ننسى أن حصول هذه النتيجة الجرمية شرط أساسي للعقاب، ففي حال انتقائها ينتفي العقاب، بالرغم من قيام الفاعل بالنشاط الجرمي من حمل أو مساعدة على الانتحار.

    وفي حال انصب الحمل أو المساعدة على حدث لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو على مجنون أو معتوه، فيستبعد تطبيق أحكام المادة 539، ويعاقب الشخص كفاعل معنوي لجريمة القتل سواء أدي حمله أو مساعدته إلى نتيجة أم لا.

  • ماهو القتل بدافع الشفقة وماهي عقوبته؟

    القتل بدافع الشفقة

    مما لاشك فيه أن هناك فارق كبير بين الشخص الذي يقدم على القتل بدافع العطف والرحمة الإنسانية، وإشفاقاً على المجني عليه، المريض الذي يعاني آلام شديدة من جراء داء عضال عجز الطب عن شفائه، وبناء على رضاه وإلحاحه في الطلب، وذاك الذي يقدم على القتل بغياً وعدواناً وإضرار بالغير، منقاداً بالأعم الأغلب بدافع دنيء، طمعاً أو جشعاً أو انتقام ….. فالأول يستحق الشفقة والرأفة من جانب المشرع بمقابل الشدة التي يجب أن يؤخذ بها الثاني.

    وإن كانت هذه النظرة تعتبر مخالفة لموقف الدين، الذي لا يعتبر حياة الإنسان حقا من حقوقه، بل هي من حقوق الله، الذي وحده يهب الحياة، ووحده له الحق في سلبها.

    وبالرغم من عدم تأثير الدافع، مبدئياً، على وصف القتل، وعدم الاعتداد به كعنصر من عناصر التجريم، إلا أن المشرع راعى حالة إقدام الشخص على القتل مدفوعاً بعامل إنساني نبيل هو الشفقة والرحمة، وخفف عقاب القتل الواقع بدافع الشفقة معتبراً هذا الدافع قصد جرمياً خاصاً لا بد من توافره لقيام النموذج القانوني المطلوب لهذه الجريمة.

    ولقد نصت على هذه الصورة المخففة للقتل المادة 538 من قانون العقوبات، كما يلي:

     “يعاقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل إنساناً قصداً بعامل الإشفاق بناء على إلحاحه بالطلب”.

     بتحليل هذا النص نستخلص أنه لا بد أن تتوفر في هذه الجريمة الأركان العامة لجريمة القتل البسيط، من اعتداء مميت ونية إزهاق الروح، إضافة لركنين خاصين بهذه الجريمة بالذات، أحدهما يتعلق بالمجني عليه وهو إلحاحه بالطلب، والثاني يتعلق بالركن المعنوي، وهو ضرورة توافر قصدأ جرمية خاصة لدى الفاعل متمثلاً بدافع الشفقة.

    أولا: إلحاح المجني عليه بالطلب.

     إن عبارة بناء على إلحاحه بالطلب، الواردة في صلب النص، تقتضي أن يصدر طلب الخلاص من الحياة من المجني عليه حتى يستفيد قاتله من التخفيف.

     فالمجني عليه هو صاحب المبادرة في طلب الموت.

     أما إذا كانت المبادرة صادرة عن القاتل، بأن أقنع المجني عليه المريض أن يخلصه من الامه وعذابه بتعجيل موته، فلا يستفيد من هذا النص حتى ولو كان دافعه الشفقة.

     بل يلاحق عن جرم القتل البسيط، وان كان يؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد العقوبة نبل الدافع، بمنح القائل عذر الدافع الشريف العام الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات.

    وطلب التعجيل بالموت يجب أن يكون صريحا واضحا وجدية، لا لبس فيه ولا غموض.

    أما مجرد التعبير عن الرغبة في الموت وطلبه للتخلص من الآلام المبرحة فلا يكفي لأخذ هذا الطلب بعين الاعتبار.

     ولم يشترط القانون صيغة أو شكل معين في الطلب.

    فسيان أن يكون كتابي أو شفهياً، لفظاً أو إشارة، ما دام ينم بوضوح عن رغبة المريض في الموت، فهو يحقق شرط التخفيف.

    والمهم في هذه الحالة هو إثبات صدور الطلب من المجني عليه بصرف النظر عن طريقته أو شكله أو صيغته.

    ولا يكفي لاعتبار هذا الركن متوفرة مجرد طلب المجني عليه الصريح والواضح والجدي التعجيل في موته، بل يجب أن يلح في هذا الطلب، أي أن يصدر منه هذا الطلب أكثر من مرة مع الإصرار عليه.

     فصدور الطلب لمرة واحدة لا يكفي لتخفيف العقاب مهما كان هذا الطلب جدية.

    ولا بد أخيراً کي يعتد بالطلب أن يصدر من شخص أهل للمسئولية الجزائية.

     أي صدور الطلب عن إرادة حرة وواعية.

     فالطلب الصادر من مريض مجنون أو قاصر أو مكره لا يعتد به بتاتاً .

    ثانيا: القصد الجرمي الخاص.

    لابد أن يتوفر لدى الفاعل، إضافة للقصد الجرمي العام لجرم القتل البسيط، قصد جرمية خاصة متمثلا بالدافع الذي دفع القاتل إلى القتل.

    فهذا لا يكفي مجرد طلب المريض الجدي والمتكرر لإنهاء حياته تخلصة من آلامه، بل لا بد أن يتفاعل القاتل إنسانية مع هذا المريض، فيشفق عليه لما يعانيه من الام لا تحتمل، نتيجة هذا المرض الميئوس من شفائه، فيعجل بوفاته شفقة عليه ورحمة به.

     فيجب إذن أن يثبت توفر هذا القصد الخاص في نفس الجاني حين إقدامه على تلبية طلب المجني عليه الموت.

     أما إذا انقاد القاتل الدافع أخر غير الشفقة، وأقدم على قتل المريض بناء على طلبة الصريح والجدي، ليوفر مثلا على نفسه نفقات علاجه، أو ليستفيد من وصية حررها لصالحه، أو ليستفيد من جثته علمياً، أو للحصول على أية مصلحة، فلا مجال لتخفيف عقابه.

    – عند توفر الأركان، بالشكل السابق شرحه، تقوم الجريمة الواردة بالمادة 538، ويعاقب فاعلها بعقوبة جنائية تتراوح بين الثلاث و العشر سنوات.

    – ودافع الشفقة هو سبب تخفيف شخصي يستفيد منه فقط من يثبت قيامه لديه.

     أما غيره من المساهمين في الجريمة فلا يستفيدون منه ما داموا لم يعملوا بدافع الشفقة.

  • ماهي عقوبة قتل الوليد اتقاء للعار؟

    قتل الوليد اتقاء للعار

    قبل التصدي لهذه الحالة من حالات القتل المخفف، لابد من الإشارة إلى أن المشرع السوري، بالرغم من توفيرها حماية خاصة للطفل، باعتباره الطفولة ظرفاً مشدداً للعقاب، سواء كان الفاعل غريبا أو قريبة للطفل، فلقد ارتأى الاعتبارات إنسانية تخفيف عقاب القتل الواقع عليه، إذا كان وليداً غير شرعي، وكان الجاني هو الأم، وكان الدافع هو إخفاء العار.

    وعلة التخفيف في هذه الحالة مردها الدافع على ارتكاب القتل وظروف ارتكابه.

     فلا ريب أن الأم التي تقضي على مولودها التي حملت به نتيجة علاقة جنسية غير مشروعة ، تحت تأثير الاضطراب البدني والنفسي الناجم عن عملية الولادة، درءاً للفضيحة، وحياء من العار، و إنقاذاً لسمعتها من رد الفعل الذي سيثيره حملها غير المشروع، متجاهلة بذلك عاطفة الأمومة، لهي جديرة بالرأفة والشفقة.

    نصت المادة 537 من قانون العقوبات على هذه الحالة في القتل كما يلي:

     “1- تعاقب بالاعتقال المؤقت الوالدة التي تقدم، اتقاء للعار، على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحا .

     2- ولا تنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا وقع القتل عمدا”.

    بتحليل هذا النص نستطيع أن نستخلص أنه لا بد أن تتوفر في هذه الجريمة الأركان العامة لجريمة القتل البسيط، إضافة لبعض الأركان الخاصة بهذه الجريمة بالذات، والتي تتعلق بالمجني عليه، وبالجاني، وبالقصد الجرمي الخاص .

    أولاً: المجني عليه:

     يتطلب النص أن يكون المجني عليه وليدة غير شرعي، والوليد هو الطفل حديث الولادة.

    كما يتطلب النص أن يكون الوليد حية عند الاعتداء عليه، بصرف النظر عن حالته الصحية، إذا ولد قابلا للحياة، أو مقدرا له الموت بعد فترة العلة فيه.

     ولم يحدد النص مدة معينة من الزمن تستمر أثناءها صفة الوليد لصيقة بالطفل، بحيث إذا انقضت هذه المدة تزول عنه صفة الوليد ويصبح قتله كقتل أي حدث دون الخامسة عشرة من عمره.

    في تطبيق النص على هذه الفترة الوجيزة فقط تكمن في أن علة التخفيف أصلا تعود، من جهة، إلى حالة النفاس المضطربة التي تعقب عملية الوضع. ومن جهة أخرى، إلى سعي الأم لإخفاء عملية الولادة قبل افتضاح أمرها بشيوع نبأ الولادة، الذي لا بد أن يحصل بعد مضي مدة من الزمن على الوضع، فتنتفي الحكمة من التخفيف في هذه الحالة إذا أقدمت الأم على قتل الطفل بعد شيوع خبر حملها وولادتها.

    فكيف للأم أن تتقي العار بإخفاء الخبر بعد شيوعه بين الناس؟

     ويشترط النص أيضا أن يكون الوليد غير شرعي، أي ثمرة علاقة جنسية غير مشروعة.

    فهذا الوليد قد تحمل به أنثي عزباء أو متزوجة، أرملة أو مطلقة، أخطأت أو اغتصبت أو زنت، فأقدمت على قتله عند ولادته خوفاً من الفضيحة و العار الذي سيلحق بها إذا افتضح أمر حملها غير الشرعي هذا.

    وعبارة “حبلت به سفاح” الواردة في النص لا تعني العلاقة الجنسية بين الأصول والفروع والأخوة والأخوات والأصهار بذات الدرجة، وهي الجريمة الواردة في المادة 476 من قانون العقوبات.

     بل إن هذه العبارة تفهم من خلال معناها الواسع، أي العلاقة الجنسية غير المشروعة، وهي كل علاقة تحصل خارج إطار الرابطة الزوجية.

    ثانياً: الجاني :

    لقد حدد النص شخص الجاني الذي يستفيد من التخفيف بأنه الأم التي حبلت بوليدها سفاحاً.

    أما إذا كان الوليد شرعية، أي نتيجة علاقة جنسية داخل إطار الزواج، وأقدمت أمه على قتله، فإن جريمتها يطبق عليها ظرف التشديد الوارد في المادة 535 وتعاقب بالإعدام.

     فظرف التخفيف هنا هو ظرف شخصي خاص بالأم غير الشرعية، ولا يمتد ليشمل من يساهم معها في القتل، كفاعل أو شريك أو متدخل. فهؤلاء تبقى مسئوليتهم كاملة.

     فإذا كان المساهم غریباً عن الطفل، كالطبيب أو القابلة أو الممرضة، فيطبق عليه ظرف التشديد الوارد في المادة 534 الخاص بالحدث دون الخامسة عشرة من عمره، وعقابه المؤبد.

     أما إذا كان المساهم أصلاً للطفل، کوالده مثلا، فيطبق عليه ظرف التشديد الوارد في المادة 535 الخاص بقتل الفرع، وعقابه الإعدام، وان كان قد أقدم على فعله اتقاء للعار.

    لأن ظرف التخفيف هو شخصي خاص بالأم غير الشرعية، ولأن علة التخفيف فيه لا تقتصر فقط على الدافع، وإنما تستند أيضا على حالة الاضطراب الفيزيولوجي والنفسي التي تصيب المرأة أثناء مرحلة النفاس.

     وما من شك بأن ظرف التخفيف الشخصي هذا تستفيد منه الأم غير الشرعية أيا كانت طبيعة المساهمة التي قدمتها في قتل وليدها، سواء كانت فاعلة أو شريكة أو متدخلة أو محرضة.

    ثالثاً: القصد الجرمي الخاص:

     قلنا أنه لا بد أن يتوفر في هذه الجريمة الأركان العامة القتل البسيط، إضافة إلى أركانها الخاصة.

    ومن الأركان العامة ضرورة توفر القصد الجرمي العام المتمثل بنية إزهاق روح إنسان حي. ولا بد لقيام هذه الجريمة، إضافة للقصد العام المتمثل بنية الأم إزهاق روح وليدها الذي حملت به نتيجة علاقة غير مشروعة، من توفر قصداً جرمیاً خاصاً يتمثل في الدافع الذي حدا بالأم إلى فعلتها ، وهو اتقاء الفضيحة أو العار.

     وإذا غاب هذا القصد الخاص فلا يقوم ظرف التخفيف، بالتالي تصبح المسئولية كاملة عن قتل مشدد.

    .فالأنثى التي حملت نتيجة علاقة غير مشروعة، ثم جاهرت بحملها، بحيث علم بمقتض القاعدة العامة الواردة في المادة 191 من قانون العقوبات فإن الدافع لا يعتبر عنصراً من عناصر التجريم، إلا في الأحوال التي نص عليها القانون، باشتراطه الدافع كقصد جرمي خاص لابد من توافره لقيام الجريمة وفق النموذج القانوني المطلوب، كما هو الحال في المادة 537 والمادة 538.

    فعند غياب هذا الدافع تنتفي الجريمة وفق النموذج المطلوب، وتلاحق وفق نموذج أخر: فبغياب دافع اتقاء العار في المادة 537 ودافع الشفقة في المادة 538، تنتفي هذه الجرائم، وتلاحق كجرائم قتل بسيطة أو مشددة.

    فاذا علم به القاصي والداني، لا تستطيع الاحتجاج بقصد اتقاء العار، إذا أقدمت على قتل وليدها.

    كما أن الأنثى التي تمتهن الدعارة، لا يهمها عادة شرفها وسمعتها، فإذا حملت من أحد زبائنها أو من عشيقها، فهي لا تستفيد من الظرف المخفف، إذا أقدمت على قتل وليدها، لتخلف القصد الخاص لديها.

    عند توفر القصد الجرمي العام والخاص، بالشكل السابق، فيكون عقاب الأم الاعتقال المؤقت من ثلاث إلى خمس عشرة سنة.

    أما إذا توفر لدى الأم العمد، أي النية المبينة في قتل وليدها، فيرفع الحد الأدنى لذات العقوبة من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات اعتقال .

  • جريمة قتل الأصل أو الفرع في القانون السوري

    قتل الأصل أو الفرع

    أطلقت بعض التشريعات العربية ظرف التشديد المستند إلى صلة القربي ليشمل إضافة للقرابة المباشرة بين الأصول والفروع، قرابة الحواشي والنسب، فشددت القتل الواقع على الأخوة والأخوات، والقتل الواقع على الزوج أو الزوجة .

    في حين أن تشريعات أخرى قصرت ظرف التشديد هذا على الجرم الواقع على الأصول دون الفروع .

     أما قانون العقوبات السوري فلقد اتخذ موقفاً وسط مشدداً عقاب القتل إلى الإعدام، في الفقرة الثالثة من المادة 435، إذا ارتكب على أحد أصول المجرم أو فروعه”.

     فهو، من جهة، قصر ظرف التشديد على القرابة المباشرة بين القاتل والمقتول، دون أن يشمل علاقة الزوجية والأخوة والأخوات.

     ومن جهة أخرى لم يقصر ظرف التشديد على القتل الواقع على الأصل دون الفرع، بل جاء النص شاملاً جميع الأصول وإن علوا، الأب والأم والجد والجدة وأبو أو أم الجد أو الجدة. وجميع الفروع ، الأبناء والأحفاد مهما نزلوا، ذكورا كانوا أو إناث.

    ولا ريب أن تشديد المشرع عقاب قاتل أصله أو فرعه إلى الإعدام مرده إلى صلة القربي التي تفترض أقوى الأواصر وأقدس القيم الإنسانية، بحنان الأصل على الفرع، وبر الفرع للأصل.

     ولا بد لتوفر هذا الظرف المشدد أن يكون هناك اعتداء مقصود منه إزهاق روح إنسان حي، سواء أفضى هذا الاعتداء إلى نتيجة أم بقي في حيز الشروع.

    وأن يكون هناك صلة القربی المحددة بالنص، وهي القرابة المباشرة، فلا يجوز القياس أو التوسع في التفسير ليشمل التشديد الأخ أو الأخت أو العم أو الخال، أو الأزواج فيما بينهم. وأن يتوفر أخيراً القصد الجرمي، الذي يجب أن يكون “مزدوجاً أو مضاعفاً “.

     فيجب أن يتوفر لدى الفاعل القصد الجرمي العام المطلوب توافره أصلاً لجرم القتل البسيط، وهو نية إزهاق روح إنسان حي، إضافة لوجوب اتجاه هذا القصد إلى الأصل أو الفرع.

    ويبني على ذلك مجموعة من النتائج:

     1- إذا حصلت الوفاة نتيجة الاعتداء الفاعل، بالرغم من انتفاء القصد العام، أي نية إزهاق الروح، فالجرم لا يعدو أن يكون سوى قتلا خطأ، أو إيذاء مفضي إلى الموت.

    وفي الحالتين تنتفي إمكانية تشديد العقاب، إذا كان الميت احد أصول الفاعل أو فروعه.

    2- إن أسباب التبرير وموانع العقاب تسري على جميع الجرائم، بما فيها القتل الواقع على الأصل أو الفرع.

     وعلى ذلك فلا تشديد ولا عقاب على من يقدم على قتل أصله أو فرعه دفاعاً عن النفس أو إنفاذاً لنص قانوني أو في حالة جنون أو قوة قاهرة.

     3- ينتفي هذا الظرف المشدد عند وقوع غلط في الشخصية.

    فلو أن أحدهم أطلق النار على شخص قاصدا قتله، معتقدا أنه خصمه، فإذا به يفاجأ أنه قتل أصله أو فرعه.

    فهنا توفر لدى هذا القاتل القصد الجرمي العام المتمثل بنية إزهاق روح إنسان حي، وانتفى لديه القصد المضاعف أو المزدوج، فهو لم يكن يريد أن يزهق روح أصله أو فرعه.

     4- كما ينتفي هذا الظرف المشدد عند وقوع غلط في الشخص أو خطأ في التصويب.

     فلو أراد الفاعل قتل خصمه فأخطأه فأصاب ابنه أو أبيه الذي كان واقفاً أو مارة بجانب خصمه.

     فلا تشديد أيضاً لانتقاء القصد المزدوج أو المضاعف.

    بالمقابل يتوفر هذا الظرف إذا توفر القصد المزدوج، في حالة اتجاه قصد الفاعل إلى إزهاق روح أصله أو فرعه، فأطلق عليه النار فأصاب شخصا أخر ومات نتيجة لذلك.

    لأن الجريمة التي تقع على غير الشخص المقصود بها يعاقب فاعلها كما لو كان اقترف الفعل بحق من كان يقصد .

     ويرى بعض الفقه، الذي نؤيده، أن نص المادة 205لا يجب أن يطبق في هذه الحالة بحرفيته، وإنما يجب تطبيقه الضمن إطار المبادئ العامة التي عالجت أحكام الغلط المادي وأثره في المسئولية الجزائية .

    لاسيما وأن المادة 223 من قانون العقوبات في فقرتها الثانية قضت بأنه

     “إذا وقع الغلط على أحد الظروف المشددة فإن المجرم لا يكون مسئولا عن هذا الظرف، و هو بعكس ذلك يستفيد من العذر الذي جهل وجوده”.

    يستخلص من ذلك أن الفاعل الذي قصد قتل أباه أو ابنه فأصاب شخص أخر وقتله، إنما يعاقب بالعقوبة المقررة للقتل المقصود، ولا سبيل للأخذ بالظرف المشدد المستند إلى صلة القربي.

    ويرى بعض الفقه أن الفاعل يلاحق في هذه الحالة عن قتل تام غير مشدد بالنسبة للضحية، و عن شروع في قتل مشدد بالنسبة لأصله أو فرعه.

     وهذا يشكل اجتماعاً معنوياً الجرائم، تطبق فيه عقوبة الجرم الأشد، و هي عقوبة القتل التام .

    والمسألة الأخيرة التي تثار في هذا الصدد تتعلق بتعدد المساهمين في جريمة قتل الأصل أو الفرع.

    فهل يشمل ظرف التشديد جميع المساهمين أم يقتصر فقط على الشخص الذي يتوافر فيه؟

     إن المادة 215 من قانون العقوبات قد وضعت حلاً عاماً لهذه المسألة.

     بمقتضاه إن الظروف المادية التي من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها أو الإعفاء منها تسري على جميع الشركاء في الجريمة والمتدخلين فيها.

    كما تسري عليهم أيضاً الظروف المشددة الشخصية والمزدوجة التي سهلت اقتراف الجريمة. وما عدا ذلك من الظروف فلا تطال إلا الشخص الذي تتعلق به.

     ولا ريب أن صلة القربي هي ظرف مشدد شخصي يقتصر مفعوله على الشخص الذي تتوافر فيه صلة القربي هذه دون غيره من الشركاء والمتدخلين، بشرط أن لا تكون هذه القرابة هي التي سهلت اقتراف الجريمة، فإن العقوبة المشددة تطال الجميع عندئذ.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1