الوسم: محامي سوري في برلين

  • بطلان عقد الشركات التجارية

    يترتب على تخلف أحد الأركان الموضوعية أو الشكلية بطلان عقد الشركة.

    وتختلف طبيعة هذه البطلان وآثاره تبعا لأهمية الركن المتخلف. وتوضيحاً لما سبق علينا دراسة هذا البطلان من حيث أسبابه وآثاره مع بیان نظرية الشركة الفعلية.

    أسباب البطلان

    قد يكون بطلان الشركة بطلاناً مطلقاً أو نسبياً وذلك بحسب السبب الذي ينبني عليه، فإما أن يكون مبنياً على تخلف أحد الأركان الموضوعية العامة لعقد الشركة أو أن يكون مبنياً على تخلف أحد الأركان الشكلية لهذا العقد.

     أولاً – انتفاء الإرادة سبباً للبطلان المطلق :

    يترتب على انتفاء إرادة أحد الشركاء انتفاء تام بطلان الشركة بطلاناً مطلقاً.

    كما لو كان المتعاقد صغيرة غير مميز أو مجنوناً أو معتوهاً.

    وبالتالي فإن لكل ذي مصلحة التمسك بهذا البطلان دون الشخص الذي غرر بفاقد الإرادة ودفعه للتعاقد لأنه “لا يجوز للمرء أن يتمسك بفعله المشين”.

    وعليه يجوز لكل صاحب مصلحة وللغير، وحتى أنه يتوجب على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، ولا يصحح هذا البطلان بالتقادم لأنه من العيوب الدائمة.

    ويترتب على صدور حكم ببطلان الشركة اعتبار عقدها كأن لم يكن بالنسبة لجميع الشركاء. ويسترد كل شريك حصته في الشركة وبالتالي يفقد دائنو الشركة امتيازهم على دائني الشركاء الشخصيين في تحصيل ديونهم من الشركة، وعندها يتساوى هؤلاء الدائنين في مطالبة الشركاء بديونهم أيا كان سبب نشوء هذا الدين.

    على أنه إذا انتفت الإرادة عند المكتتبين باسم شركة المساهمة فإن هذا السبب لا يؤدي إلى بطلان عقد الشركة، وإنما يؤدي إلى بطلان عقد الاكتتاب، وبالتالي يسترد المكتتب قيمة الأسهم التي اكتتب بها وتبقى الشركة قائمة، على أنه إذا كان بطلان الاكتتاب يؤدي إلى تدني رأسمال الشركة المكتتب به دون الحد الأدنى القانوني، رغم استنفاذ الآلية القانونية لتمديد عملية الاكتتاب، فإن ذلك يؤدي إلى بطلان الشركة.

    ثانياً – البطلان المؤسس على عيوب الرضا:

    إذا شاب رضا أحد الشركاء، وقت التعاقد، عيب من عيوب الرضا كالغلط أو التدليس أو الإكراه أو كان ناقص الأهلية، كان العقد قابلاً للبطلان، أي أن بطلان الشركة يكون بطلاناً نسبياً، وبالتالي فإنه مقرر لمصلحة من شاب عيب رضاه أو كان ناقص الأهلية.

    وعليه لا تسمع الدعوى إلا من هذا الشريك أو من نائبه القانوني أو من خلفه العام أو الخاص أو دائنه الشخصي.

    وتسقط دعوى البطلان في هذه الحالة، بإجازة العقد إجازة صريحة أو ضمنية (مادة 104 مدني)، أو بتقاعس الشريك الذي شاب العيب رضاه عن التمسك به بمضي سنة واحدة على زوال سبب البطلان أو انکشافه على ألا يجاوز ذلك 15 سنة من وقت التعاقد (مادة 141 مدني).

    وإذا حكم بهذا البطلان في شركات الأشخاص عدت الشركة شركة فعلية، وطبقت أحكام هذه الشركة في تصفية علاقة الشركاء فيما بينهم وتجاه الغير.

    ذلك أن النطق بالبطلان في شركات الأشخاص يؤدي إلى انهيار العقد برمته بالنسبة لكافة الشركاء، وذلك لأن شخصية الشريك في هذا النوع من الشركات محل اعتبار خاص عند التعاقد.

    ما لم يكن الشريك شريكا موصية في شركة توصية فإن إبطال مساهمته في الشركة لا يؤدي إلى بطلان الشركة.

    وفي شركات الأموال المساهمة أو محدودة المسؤولية، التي تقوم على الاعتبار المالي، فإن أثر البطلان يقتصر فقط على من شاب العيب رضاه ويظل العقد صحيحة ومنتجاً لآثاره، التي تتمثل في تكوين شخص اعتباري هو الشركة، بالنسبة لباقي الشركاء.

    ويحق بالتالي لهذا الشريك الذي تقرر البطلان لمصلحته أن يسترد مساهمته في رأسمال الشركة، ويطالب بالأرباح التي حققتها الشركة بنتيجة هذه المساهمة، بدعوى التعويض وفقا لأحكام دعوى الإثراء بلا سبب (مادة 180 مدني).

    وسواء أكان الشريك الذي تقرر لمصلحته البطلان شريكاً موصياً في شركة توصية أو شريك في شركة مساهمة أو محدودة المسؤولية، إذا كانت مساهمته في الشركة من الأهمية بحيث يؤدي إبطال الشركة إلى فقد محل الشركة أحد مقوماته الأساسية فإنه يقضي ببطلانها للسبب المذكور.

    ثالثاً – البطلان المؤسس على انتفاء المحل أو السبب:

    إذا انتفى محل الشركة (كما لو ألغي الترخيص الإداري أو الصناعي الذي أسست الشركة الاستثماره أو هلك المعمل المخصص لأعمال الشركة قبل انعقادها)، فإنه يترتب على ذلك بطلان الشركة بطلاناً مطلقاً. ويطبق نفس الحكم إذا كان محل عقد الشركة غير مشروع لمخالفته للنظام العام أو الآداب، كما لو تمثل في إدارة محل للدعارة أو الاتجار في المخدرات.

    وعليه يجوز لكل ذي مصلحة التمسك بهذا البطلان حتى حيال الغير حسن النية، بل ويجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.

    وتسري نفس الأحكام على انتفاء السبب أو إذا كان السبب مخالفة للنظام العام أو الآداب.

    ولا تسري في هذه الحالة أحكام الشركة الفعلية حيث يعود الشركاء إلى الحالة التي كانوا عليها قبل العقد وتعد الشركة كأن لم تكن أصلاً.

    غير أن بعض الفقه أثار مسألة الصعوبات الناجمة عن هذا البطلان بعد قيام المتعاقدين بتنفيذ التزاماتهم الناشئة عن عقد الشركة الباطل، كما لو أوفوا مثلا بالحصص التي تعهدوا بتقديمها.

    فما مصير هذه الحصص؟ وهل يجوز لهم استردادها؟

    قد يقال بعدم أحقيتهم في مثل هذا الاسترداد، لأن إبرامهم لعقد يعلمون مسبقاً أن محله ينصب على عمل غير مشروع، ينطوي على عمل شائن من جانبهم، والعمل الشائن لا يكسب صاحبه، كقاعدة عامة، أي حق ولا يصلح كسند للمطالبة القضائية .

    غير أن هذا القول لا يستقيم لما يفضي إليه من نتائج غير عادلة ومجحفة.

    إذ من شأنه أن يؤدي إلى إباحة إثراء المتعاقد الذي يحوز هذه الحصص على حساب المتعاقدين الآخرين، على الرغم من مشاركته لهم بالعمل الشائن. لذلك استقر الرأي الراجح على وجوب رد الحصص إلى أصحابها حتى لا يكون العمل الشائن مزية الأحد المتعاقدين تبرر له الحصول على كسب دون ما سبب يبرره.

    كما تثور الصعوبة أيضاً في حالة ما إذا تعامل الغير مع الشخص الاعتباري الفاسد وترتبت له حقوقاً تجاهه.

    ويعود سبب هذه الصعوبة أن البطلان هنا هو بطلان مطلق يجوز لكل ذي مصلحة التمسك به، بغض النظر عما إذا كان الغير حسن النية أو سيئها.

    فهل يجوز لأحد الشركاء المتعاقدين التمسك بهذا البطلان بمواجهة الغير حتى يتنصل من تنفيذ التزام يطالبه هذا الأخير بأدائه؟

    الرأي الراجح فقها أنه لا يجوز الاحتجاج في مواجهة الغير بالبطلان متى كان حسن النية، أي لا يعلم بسبب البطلان الذي ينخر في عقد تأسيس الشخص الاعتباري الفاسد، ومتى كان العقد الذي أبرمه مع هذا الشخص الاعتباري يقوم على سبب صحيح.

    أما إذا كان عالماً به وأجرى الاتفاق مع تصميمه على طلب إبطال العقد عندما يشاء متذرعا بهذا السب فلا تسمع أقواله طبقا اللمبدأ القانوني العام ” ليس لأحد أن يستفيد من مخالفته”.

    ونرى أنه يحق للغير المتضرر من هذا البطلان ولو كان عالما بسبب بطلان الشخص الاعتباري أن يعود على من تعاقد معه ويطالبه بإعادة الحال إلى ما كانت عليها قبل تعاقده معه، لأنه لا يمكن لنا أن نسمح بإثراء المتعاقد على حساب الغير.

    المطلب الثاني – بالنسبة لتخلف أحد الأركان الموضوعية الخاصة

    إن انتفاء مساهمة أحد الشركاء في رأس المال أو في إدارة المشروع المشترك يؤدي إلى بطلان عقد الشركة، إلا أن هذا البطلان لا يثير أي مشكلة بالمعنى القانوني الدقيق، لأن العقد في هذه الأحوال يستحيل أن يكون عقد شركة لفقدانه المقومات التي تجعله قادراً على تكوين شخص اعتباري يتمتع بكيان مستقل عن شخصية المتعاقدين، وعليه فإن تخلف تعدد الشركاء عدم تقديمهم الحصص أو عدم مساهمتهم في رأسمال الشركة يؤدي إلى بطلان عقد الشركة، ما لم تتوفر في العقد أركان عقد آخر (كالقرض لقاء نسبة من الأرباح والعمل لقاء نسبة من الأرباح مثلا).

    وبالتالي يجوز للقاضي أن يعتبر هذا العقد صحيحاً إذا توافرت فيه أركان عقد آخر، وإذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد وذلك عملا بالمادة 145 من القانون المدني.

    ولكن مشكلة البطلان تتجلى عند تخلف ركن المساهمة في الأرباح والخسائر.

    فإذا انتفى هذا الركن، كما لو تضمن العقد شرط من شروط الأسد، والتي تهدف إلى منع أحد الشركاء من الحصول على أي ربح أو إعفائه من تحمل أي خسارة لحق البطلان العقد برمته.

    وهذا البطلان مطلق يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به، ويجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.

    وخلافاً لهذا الحكم القانوني، نرى أن مثل هذا البطلان هو بطلان نسبي ويحق للشريك الذي حرم من الأرباح أو تضرر من إعفاء أحد الشركاء من الخسارة إثارته، بل وأبعد من ذلك، نرى بطلان الشرط واعتباره كأن لم يكن في العقد و اعتبار العقد صحيحاًة، وتطبيق حكم حالة عدم الاتفاق على الأرباح والخسائر، فيكون نصيب كل شريك في الأرباح والخسائر بنسبة مساهمته في رأسمال الشركة.

    هذا وكان أقر المشرع للشركاء في شركات الأموال تلافي دعوى البطلان بتصحيح العيب خلال فترة وجيزة بعد التمسك به.

    ونرى أنه يحق للغير المتضرر من هذا البطلان ولو كان عالما بسبب بطلان الشخص الاعتباري أن يعود على من تعاقد معه ويطالبه بإعادة الحال إلى ما كانت عليها قبل تعاقده معه، لأنه لا يمكن لنا أن نسمح بإثراء المتعاقد على حساب الغير.

     

    البطلان بسبب تخلف الأركان الشكلية

     

    يترتب على عدم اتخاذ الإجراءات الشكلية التي نص عليها القانون إما البطلان أو عدم نفاذ التصرفات التي فرض القانون شهرها.

    المطلب الأول: البطلان

    ذكرنا بأنه لا يحق للشركاء باستثناء شركة المحاصة إثبات الشركة فيما بينهم أو تجاه الغير إلا بعقد مكتوب.

    ويحق للغير عند الاقتضاء أن يثبت بجميع الوسائل وجود الشركة أو وجود أي نص يختص بها.

    على أنه للشركاء إثبات قيام الشركة المفتقرة لعقد خطي حيال بعضهم البعض، وحصراً بهدف حلها وتصفيتها بكافة وسائل الإثبات بما فيها البينة الشخصية.

    إما إذا لم يشهر عقد الشركة، وفقا للإجراءات المحددة قانونا حسب نوع الشركة، فإن الشركة تكون باطلة.

     وهذا البطلان يخرج عن نطاق القواعد العامة في البطلان المطلق من نواح أربعة:

    الأولى: أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، بل لابد من طلبه قضاء.

     الثانية: أنه لا يجوز للشركاء أن يحتجوا بهذا البطلان تجاه الغير، على أنه للغير الحق بالتمسك بالبطلان تجاه هؤلاء الشركاء.

    ذلك أن المشرع أجاز للغير ووفقاً لمقتضيات مصلحته التمسك بوجود الشركة ومطالبتها بتنفيذ الالتزامات التي رتبتها العقود عليها أو التمسك ببطلان الشركة واعتبار الأشخاص الذين تعاقدوا باسم الشركة مسؤولين بالتضامن عن الالتزامات الناتجة عن العقود المبرمة معه.

    فإن تمسك بعضهم بوجود الشركة وآخرون تمسكوا ببطلانها رجح بطلان الشركة عملاً بظاهر الحال ولأنه كان باستطاعة الغير تبين أسباب البطلان فيما لو بذلوا العناية الكافية في الوقوف على أوضاع الشركة.

    ويقع هذا التعارض في المصالح غالباً بين دائني الشركة الذين يتمسكون بوجودها لكي يتاح شهر إفلاسها أو الاستئثار بموجوداتها دون الدائنين الشخصيين للشركاء، وبين دائني الشركاء الشخصيين الذين يتمسكون ببطلانها ليتمكنوا من مزاحمة دائني الشركة في التنفيذ على موجوداتها.

     الثالثة: أن هذا البطلان يجوز تصحيحه بإتمام إجراءات الشهر تجنباً من الحكم ببطلان الشركة.

     الرابعة: أنه إذا حكم بقرار مبرم ببطلان الشركاء بناء على طلب أحد الشركاء فإن الشركة تعد صحيحة بالنسبة للماضي، ولا يحدث البطلان أثره بين الشركاء إلا من تاريخ قید دعوى البطلان في سجلات محكمة البداية المدنية.

    على أنه إذا ردت المحكمة دعوى البطلان، فإن أثر وحجية هذا الحكم يكون نسبياً مقتصراً على المدعي، لاحتمال تقدم مدع آخر بأدلة تتيح الحكم بالبطلان.

    بخلاف ما إذا قضت المحكمة بالبطلان، فإن أثر الحكم يسري على الجميع لأنه لا يتجزأ فلا يعقل زوال الشركة بالنسبة لبعضهم واستمرارها حيال الآخرين .

     المطلب الثاني: عدم النفاذ

    إن الشهر لا يرد فقط على عقد تأسيس الشركة وإنما يشمل كافة التعديلات التي تطرأ على عقد الشركة، وقد فرض المشرع على الشركاء أو مديري الشركة أو أعضاء مجلس إدارتها شهر هذه التعديلات، وقد تشمل التعديلات تعيين مدير جديد أو التصرف بأحد متاجر الشركة أو بتعديل الشكل القانوني للشركة أو طبيعة مسؤولية أحد الشركاء.

    فإذا لم تشهر هذه الواقعة، فإن هذه التعديلات لا تكون نافذة حيال الغير حسن النية.

    وطالما أن الشركاء طرفاً في تعديلات عقد تأسيس الشركة، فليس لهم الاحتجاج بعدم شهرها، ذلك أن الشهر يستهدف حفظ حقوق الغير لا حقوق الشركاء، وبالتالي فإن التمسك بعدم نفاذ هذه التعديلات يقتصر على الغير حسن النية الذي لا يعلم بها، إعمالا لأحكام السجل التجاري، وكذلك لما نصت عليه الفقرة الثامنة من المادة 32 من قانون التجارة

  • ماهو شرط الأسد في أرباح الشركات وما أثره على عقد الشركة؟

    محامي, استشارة قانونية, شرط الأسد

    قد تحتوي عقود الشركات على شروط جائرة تقضي بمنح أحد الشركاء كل الأرباح أو بإعفاء أحد الشركاء من تحمل الخسائر، وتعرف هذه الشروط بشروط الأسد، كما تسمى في هذه الحالة بشركة ” الأسد” قياساً على حزامة الأسد الذي اشترك في الصيد مع صحبه ثم استأثر بالغنيمة.

     فما حكم هذه الشروط، وما أثرها على عقد الشركة؟

    1 – فقد يشترط منح أحد الشركاء أو بعضهم مجموع الأرباح، أما الآخرون فلا يصيبون شيئا منها.

    ومثل هذا الشرط يتنافى مع طبيعة عقد الشركة، ولأن مساهمة الشركاء جميعا في الأرباح

    والخسائر ركن جوهري من أركان عقد الشركة.

     2 – وقد يشترط إعفاء أحد الشركاء من الخسائر، وهذا يتنافى مع أساس عقد الشركة وجوهره القائم على أساس الغرم بالغنم أي مساهمة الشركاء في الأرباح والخسائر.

     ولكن ما حكم مثل هذه الشروط؟ وما أثرها على عقد الشركة؟

    ذهب البعض إلى القول أن إرادة الشركاء في عقد الشركة قد انصرفت إلى توزيع الأرباح والخسائر وفقا لقواعد معينة، فإذا أهدرت هذه القواعد فلا محل للإبقاء على الشركة، إذ لا شك في أن استمرارها وتوزيع الأرباح والخسائر بطريقة أخرى غير التي ارتضوها بما يتعارض مع إرادتهم.

    ولأن الشروط الأساسية في عقد الشركة، ومنها الشرط المتعلق بكيفية توزيع الأرباح والخسائر، وحدة لا تتجزأ، وقد يكون الشريك لم يقبل التعاقد إلا بناء على الشرط الباطل.

     وقد أخذ المشرع السوري بهذا الرأي، فنصت الفقرة الأولى من المادة 483 من القانون المدني على أنه: ” إذا اتفق على أن أحد الشركاء لا يساهم في أرباح الشركة أو في خسائرها، كان عقد الشركة باطلا“.

    وذهب آخرون نشاطرهم الرأي إلى أن شرط الأسد وحده باطل، ويجب أن لا يمتد هذا البطلان إلى عقد الشركة ذاته بل تظل الشركة صحيحة وتوزيع الأرباح والخسائر كما لو لم ينص في عقد الشركة على نصيب كل من الشركاء في الأرباح والخسائر، أي أن الأرباح والخسائر توزیع بنسبة حصة كل شريك في رأس المال (مادة 1/482 مدني).

    ومبرر أصحاب هذا الرأي أن بطلان عقد الشركة برمته يلحق أضراراً بالغير أو حتى بالشركاء الذين لم يساهموا في وضع نصوص العقد.

     لذلك استبعد القانون الفرنسي البطلان في هذه الحالة بالنسبة للشركات المساهمة والمحدودة المسؤولية.

  • مفهوم الربح والخسارة في الشركات

    لا يمكن معرفة ما إذا كانت الشركة قد جنت أرباحاً أو منیت بخسائر إلا عند إغلاق حساباتها نهائيا وتصفية موجوداتها.

    ففي هذه الحالة تظهر أرباح الشركة أو خسائرها، من المقارنة بين القيمة الحقيقية لموجودات الشركة – بعد تنزيل الديون التي عليها – وبين رأسمالها.

    أو بالمقارنة بين الموجودات والمطاليب.

     ولكن هذا المفهوم النظري للأرباح والخسائر يختلف اختلافاً كلياً عن مفهومها العملي، إذ من الثابت عملياً أن الشريك يأمل، من دخوله في الشركة ومساهمته في تكوين رأس مالها، اجتناء الربح في أوقات دورية.

    لذلك تنص عقود الشركة عادة على توزيع الأرباح بصورة دورية، ومع ذلك فإن الفقه والاجتهاد يتفقان على القول بأن شرط توزيع الأرباح في أوقات دورية ليس من الضروري وجوده في عقد الشركة ليصار إلى هذا التوزيع، ففي حالة خلو العقد من الشرط المذكور يحق للشركاء المطالبة بإجراء توزيع الأرباح مرة على الأقل في كل سنة.

    وعليه، يعتبر ربحاً يمكن توزيعه

    كل كسب مادي أو معنوي يضاف إلى الثروة“،

    وقد يتخذ الربح أشكالا مختلفة، فيكون إما ربح نقدية أو فائدة اقتصادية، ويشترط في ذلك كله أن يستقر هذا الربح في النهاية في ذمة الشريك ويزيد في ثروته، فإذا كان القصد من الشركة تفادي الخسارة فقط، لا يعتبر العقد عندئذ عقد شركة، كعقود التأمين المتبادل أو التعاوني مثلاً التي تستهدف درء الخسارة لا جلب الربح.

     كما أن عنصر السعي وراء الربح هو الذي يميز الشركة عن الجمعية التي يقصد بها عادة تحقيق غايات اجتماعية أو أدبية أو غيرها من الأغراض العامة التي لا شأن لها بالكسب المادي.

    وإذا كان الربح المحدد، في أوقات دورية، بنتيجة تنظيم دفتر الجرد والميزانية، يمكن توزيعه على الشركاء، فإن الخسارة الحاصلة لا توزع بين الشركاء أثناء قيام الشركة ولا يجبر الشريك على المساهمة في تغطية الخسارة، كما وأن وقوع الشركة في خسارة لا ينشأ عنه مبدئية تعديلاً في عقدها، إذا كانت موجوداتها كافية لتسديد الديون التي عليها.

    على أن عقد الشركة قد يتضمن شرطة يقضي بانحلالها في حال وقوعها بخسارة تفوق نسبة معينة من رأسمالها، وهذا الشرط صحيح لا غبار عليه.

  • القواعد التي تحكم الشركات التجارية في القانون السوري

    مر التشريع التجاري في سورية، وبالتالي تشريع الشركات، بمراحل مختلفة منذ العهد العثماني حتى يومنا هذا.

     ففي العهد العثماني كانت هنالك عدة مصادر للأحكام القانونية المتعلقة بالشركات أهمها، مجلة الأحكام العدلية وقانون التجارة العثماني الذي تبنی مضمون قانون التجارة الفرنسي لعام 1807 مع ما ورد فيه من أحكام حول الشركات التجارية، وقانون 21 جمادى الأخرى سنة 1323 المتعلق بشركات الضمان، ثم قانون 24 محرم سنة 1333 المتعلق بالشركات الأجنبية المغفلة.

    وفي عهد الانتداب، صدر عن المفوض السامي بعض القرارات المتعلقة بالشركات، من أبرزها القرار رقم 97 تاریخ 14 نيسان سنة 1925 والمتعلق بجنسية الشركات المغفلة، والقرار رقم 96 لسنة 1926 المتعلق بالشركات الأجنبية وما طرأ عليه من تعديلات.

     

    وبعد جلاء الفرنسيين وفي عام 1949/6/22 ، أصدر المشرع السوري قانون التجارة بالمرسوم التشريعي رقم 149 وطبق اعتبارا من 1949/9/1 .

    وقد تبنى فيه المشرع أحكام قانون التجارة اللبناني مع تعديلات طفيفة.

     وطبقت أحكام الشركات الواردة في قانون التجارة والقانون المدني في حال عدم وجود نص في قانون التجارة. وفي الوقت الحاضر، ومع التطوير والتحديث التشريعي الذي تشهده سوريا، فقد أصدر المشرع قانون الشركات رقم 3 تاریخ 1429/3/6 هجري الموافق ل 2008/3/13 ودخل حيز النفاذ اعتبارا من تاريخ 2008/4/1 .

    وبموجبه فقد ألغى المشرع أحكام الكتاب الثاني من قانون التجارة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 149 لعام 1949 وتعديلاته المتعلقة بالشركات التجارية اعتبارا من تاريخ نفاذه (مادة 224 شركات).

    وأصبحت الشركات تخضع لأحكام قانون خاص بها هو قانون الشركات، ولقواعد القانون المدني فيما يختص بعقد الشركة شرط ألا تكون القواعد مخالفة لأحكام قانون الشركات مخالفة صريحة أو ضمنية (مادة 3/2 شركات).

    ومن الرجوع إلى قانون الشركات نجد أنه قد قسم إلى اثني عشر باباً.

    1- الباب الأول: ويتضمن الأحكام العامة التي تشمل جميع أنواع الشركات المواد 1-28).

     2- الباب الثاني: ويبحث في شركة التضامن (المواد 29-43).

    3- الباب الثالث: ويتضمن النصوص المتعلقة بشركة التوصية (المواد 44 -50).

     4- الباب الرابع: ويتضمن الأحكام الخاصة بشركة المحاصة (المواد 51-54).

     5- الباب الخامس: ويقتصر على بحث الأحكام الخاصة بالشركة المحدودة المسؤولية المواد 55-85).

    6- الباب السادس: ويتضمن النصوص المتعلقة بالشركات المساهمة (المواد 86-213).

     7- الباب السابع: وينظم الأحكام المتعلقة بالشركة القابضة (المواد 204 -208).

     8- الباب الثامن: وجاء بأحكام تتعلق بالشركة الخارجية (المواد 209-211).

     9- الباب التاسع: ويتعلق بأحكام خاصة بتحويل الشكل القانوني للشركات التضامنية والتوصية المواد 212-213) وتحويل الشكل القانوني للشركات المحدودة المسؤولية المادة 214) وتحويل الشكل القانوني للشركات المساهمة (المادتان 215-216) وخص بقاء الشخصية الاعتبارية للشركة التي جرى تحويلها (المادة 217).

    10- الباب العاشر : وينظم أحكام اندماج الشركات المواد 218-222).

     11- الباب الحادي عشر: وضع بموجبه المشرع أحكاماً انتقالية (المادتان 223-224).

    12- الباب الثاني عشر: ويتضمن أحكاما عامة تتعلق برقابة وزارة الاقتصاد ورسوم التصديق ونشر قانون الشركات المواد 225-227).

  • أهمية الشركات التجارية وتطورها التاريخي

     أهمية الشركات التجارية

    إن مزاولة التجارة لا تقتصر على الأفراد، بل تزاولها أيضا جماعات من الأشخاص الاعتبارية تسمى “الشركات”،

    ذلك أن أهم المشاريع من حيث ضخامة الأعمال وقيمتها و عوامل الإنتاج التي تساهم فيها قد لا يقوى الفرد الواحد على النهوض بها، لما تتطلبه من جهود كبيرة وأموال كثيرة، تحتاج إلى تضافر عدة أشخاص ليقوموا بهذه المشاريع الكبيرة التي يعجز الفرد عن القيام بها وحده.

    وقد زادت الحاجة إلى توحيد الجهود وتجميع الأموال بعد الثورة الصناعية، لما أصبحت تتطلبه المشروعات الكبيرة من طاقات مالية كبيرة وخبرات فنية متنوعة لا يقوى الأفراد على القيام بها متفرقين.

    وعليه فقد أصبحت الشركات الأداة المثلى للنهوض الاقتصادي، بل تعاظمت هذه الأهمية لدرجة أصبحت معها هذه الشركات، وبخاصة الشركات المساهمة، تشكل قوة اقتصادية واجتماعية تخشى الدولة من سطوتها وترى من واجبها أن تسهر على رقابتها حتى لا تنحرف عن الطريق السوي وتصبح أداة للاستغلال الاجتماعي أو للسيطرة السياسية.

    إن الاعتراف للشركة بذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء يمكن الشركاء من تحديد مسؤوليتهم عن الأعمال التجارية التي يقومون بها من خلال الشركة بحدود ما يملكون من حصص أو أسهم في رأس مال الشركة، ما لم تكن صفة الشركاء متضامنين،

    الأمر الذي يترتب عليه تفادي عيوب المشروعات التجارية الفردية التي يكون فيها مالك المشروع مسؤولاً عن التزامات المشروع في كل ذمته المالية، أي بأمواله الحاضرة والمستقبلية، غير تلك المستثمرة في المشروع،

    وقد يترتب على هذه المسؤولية غير المحدودة عن ديون المشروع شهر إفلاس مالكه وتصفية جميع أمواله وينعكس سلبا على ماله لا بل وشخصه.

    ولتفادي هذه النتائج يلجأ الأفراد إلى تكوين شركات تكون مسؤوليتهم فيها محدودة بحدود ما يملكون من حصص أو أسهم في رأس مال الشركة، فإذا أعسرت الشركة وأصبحت أموالها مستغرقة بديونها، نجت أموال الشركاء من التنفيذ عليها وأدى قيام الشركة إلى تحديد مسؤوليتهم عن ديونها بالأموال التي خصصوها للمساهمة في رأسمالها.

    إن أهمية الشركات لا تقتصر على قدرتها على توحيد الجهود وتجميع الأموال اللازمة الاستغلال المشروعات الاقتصادية الكبرى، بل تحقق الشركة لهذه المشروعات استقرار، ودوامة تعجز عنه طاقة الأفراد مهما وحدوا جهودهم وضموها،

    فالشركة تتمتع بوجود ذاتي وبأهلية وذمة مالية مستقلة، يتيح للشركاء إلحاق بعض أموالهم بشركة يؤسسونها، فلا تدخل في ذمتهم المالية وإنما تلحق بذمة الشركة، بحيث يتمثل حق الشريك في الشركة في اكتساب حصة أو أسهم في رأسمالها تمنحه حقاً حيالها لا ينصب على كل مال من أموالها ولا يشكل حصة شائعة فيه،

    فيعد المال ملكا للشركة وحق الشريك على الشركة حقاً مستقلاً يتراوح بين الحق الشخصي والحق الفكري أي الحق في منقول غير مادي.

     وعليه، فإن الضريبة التي تفرض على أموال الشركة تتناول الشركة لا شخص الشركاء، ولا تمس أموالهم الموظفة في نشاطات أخرى لاسيما إذا كانت الضريبة تصاعدية تفرض على شرائح.

     كما يمكن الاستفادة من الإعفاءات الضريبية والمزايا التي تمنحها الدولة لبعض الاستثمارات، أو الاستثمارات في مناطق نائية فيؤسس الأفراد شركات تستفيد من الشروط المطلوبة للاستفادة من هذه المزايا والإعفاءات.

    التطور التاريخي للشركات 

    تعد الشركة نظاماً قديماً جداً عرفه البابليون ونظمه قانون حمورابي كما انتشرت الشركات المدنية منها والتجارية لدى اليونان، وكانت تؤسس غالبا لتعاطي الأعمال المصرفية ومشاريع النقل البحري والتعدين.

    كما نشأت الشركة في روما، في بادئ عهدها، من اتفاق بين الورثة على البقاء في حالة الشيوع بالنسبة لتركة المورث، وعلى إدارة هذه التركة فيما بينهم.

     ثم ظهرت فيما بعد الشركات باتفاق بين أشخاص لا تربط بينهم صلة القرابة على استثمار رأسمال مشترك، ولم تكن تتمتع بالشخصية الاعتبارية إلا إذا منحت هذه الشخصية بمرسوم خاص، كان من الصعب جداً الحصول عليه ما لم يكن موضوع الشركة يقوم على استثمار معادن الذهب والفضة، لذلك كان كل شريك مسؤولا شخصية عن تصرفاته.

    أما في الفقه الإسلامي، فقد كانت التجارة من أشرف أسباب الكسب وأعلاه عند العرب وخاصة في شبه الجزيرة العربية، وقد كرس فقهاء الشريعة الإسلامية عدة أنواع من الشركات تناولتها مجلة الأحكام العدلية إلى أن وضع قانون التجارة العثماني في 8 شعبان 1266 للهجرة فتبنى أحكام التجارة الفرنسي لعام 1807.

    وقسم الفقه الإسلامي الشركات إلى عدة أنواع أهمها شركة المفاوضة وشركة العنان.

    أما في أوربا وفي القرون الوسطى فقد انتشرت التجارة فيها ولاسيما في المدن الإيطالية وظهر فيها كل من شركتي التضامن والتوصية البسيطة،

    كما كرس أمر لويس الرابع عشر لعام 1673 حول التجارة البرية كلا من شركتي التضامن والتوصية البسيطة، وأطلق على الأولى اسم الشركة العامة وسماها سفاري شركة ” الاسم المشترك، ولا يزال هذا الاسم يطلق عليها في القانون الفرنسي ” Société en nom collectif “.

    وباكتشاف أميركا وانتشار التجارة بين أوربا والقارات الأخرى ولحاجة الشركات إلى رؤوس أموال وفيرة يصعب على شركتي التضامن والتوصية تداركها فقد أسست شركات المساهمة يكتتب في رأسمالها صغار المدخرين وتشرف الدولة عليها.

    وعليه، فقد نظمت تشريعات كل من ألمانيا وإنكلترا وسويسرا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وغيرها من التشريعات الأجنبية موضوع الشركات وكيفية عملها وأنواعها.

  • حجية الدليل الرقمي وتقدير قيمته في سوريا

    نصت المادة 25 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي :

    ( أ- يعود للمحكمة تقدير قيمة الدليل الرقمي، شريطة تحقق ما يلي:

     1) أن تكون الأجهزة الحاسوبية أو المنظومات المعلوماتية المستمد منها هذا الدليل تعمل

    على نحو سليم.

    2) ألا يطرأ على الدليل المقدم إلى المحكمة أي تغيير خلال مدة حفظه.

    ب – يعد الدليل الرقمي المقدم إلى المحكمة مستجمعة للشرطين الواردين في الفقرة (أ) من هذه المادة، ما لم يثبت العكس.)

    يستمد القاضي الجزائي قناعته من أي دليل يطمئن إليه من الأدلة التي تقدم في الدعوى دون التقيد بدليل معين، ما لم ينص القانون على غير ذلك؛ فلا يوجد أدلة يحظر القانون عليه قبولها.

    فالقانون أمد القاضي الجزائي بسلطة واسعة وحرية كاملة في مجال الإثبات، فله أن يأخذ من الأدلة ما تطمئن له عقيدته، ويطرح ما لا يرتاح إليه.

    وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 175 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقولها :

    ( تقام البيئية في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات، ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية).

    و الدليل الرقمي يندرج تحت طائفة القرائن القضائية إذا تم الحصول عليه بطريقة مشروعة، ويمكن للقاضي الجزائي الأخذ به سواء في إطار الإدانة أم البراءة، إذا توفرت في هذا الدليل الشرطين

    التاليين:

    1- السلامة:

    أي أن تكون الأجهزة الحاسوبية أو المنظومات المعلوماتية المستمد منها هذا الدليل تعمل على نحو سليم، بحيث لا يتطرق الشك في دقته.

    2- المطابقة:

    أن لا يطرأ على هذا الدليل أي تغيير خلال فترة حفظه، أي أن يكون الدليل الرقمي المقدم إلى المحكمة هو نفس الدليل الذي تم جمعه وحفظه.

    وقد وضع المشرع قرينة قانونية بسيطة في الفقرة (ب) من المادة 25، تتضمن أن الدليل الرقمي المقدم إلى المحكمة يع مستجمع لشرطي السلامة والمطابقة المشار إليهما ما لم يثبت العكس.

    أما بالنسبة إلى الدفوع المتعلقة بهذين الشرطين، فإن هذه الدفوع يجب أن لا تنال من قيمة الدليل الرقمي إذا جاءت على شكل تخمين دون أن يوجد دليل يدعمها. وهذا ما سارت عليه المحاكم الأمريكية كما رأينا.

    وفيما يتعلق بكيفية تقدير قيمة الدليل الرقمي، فإننا نؤيد ما ذهب إليه جانب من الفقه العربي من ضرورة التمييز بين أمرين، هما:

    الأمر الأول: القيمة العلمية القاطعة للدليل.

    الأمر الثاني: الظروف والملابسات التي وجد فيها الدليل.

    فتقدير القاضي لا يتناول القيمة العلمية القاطعة للدليل، ذلك لأن قيمة الدليل تقوم على أسس علمية دقيقة، ولا حرية للقاضي في مناقشة الحقائق العلمية الثابتة.

    أما ما يتعلق بالظروف والملابسات التي وجد فيها هذا الدليل، فإنها تدخل في نطاق تقديره الشخصي لأنها من طبيعة عمله، ومن ثم فللقاضي الجزائي أن يطرح الدليل المستخرج من الحاسوب عندما يجد أن وجوده لا يتفق منطقية مع ظروف الواقعة.

    فمجرد توفر الدليل العلمي لا يعني أن يحكم القاضي مباشرة دون البحث بالظروف والملابسات .

    وبعد أن انتهينا من دراسة فصل الأحكام الإجرائية للجريمة المعلوماتية، لا بد لنا من الإشارة بأن المادة 35 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية، قضت بأن يطبق قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ على كل ما لم يرد عليه نص في الأحكام الإجرائية للجرائم الواردة في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية.

  • إجراءات الضبط والحجز في الجرائم الالكترونية

    الضبط هو الأثر المباشر للتفتيش. فالعلاقة وثيقة بين التفتيش والضبط، فإذا بطلت إجراءات التفتيش بطل الضبط.

    وقد يتم الضبط من غير تفتيش، عندما يقدم المشتبه به باختياره الأشياء المتعلقة بالجريمة.

    والضبط هو الوسيلة القانونية التي تضع بواسطتها السلطة المختصة يدها على جميع الأشياء التي وقعت عليها الجريمة أو نتجت عنها أو استعملت باقترافها، كالأسلحة والأشياء المسروقة، والثياب الملوثة بالدم، والأوراق… وغير ذلك.

    وقد أجاز القانون السوري ضبط كل ما يعد من آثار الجريمة، وسائر الأشياء والأوراق التي تساعد على إظهار الحقيقة، سواء أكانت تؤيد التهمة أم تنفيها.

    وقد أوجب القانون عرض الأشياء المضبوطة على المدعى عليه أو على من ينوب عنه للمصادقة والتوقيع عليها، فإذا امتنع، صرح القائم بالضبط بذلك في المحضر.

    أما بالنسبة إلى إجراءات ضبط المكونات المعنوية للحاسوب والإنترنت، فإن البيانات والمعلومات لا يمكن ضبطها بشكل منفصل عن أجهزة وأدوات التخزين، فالحاسوب والأجهزة الملحقة به، هي بمثابة الأوعية المادية التي تحتوي هذه المعلومات والبيانات، وهي تشبه الحقيبة التي تحفظ فيها الأوراق.

     وقد أجاز المشرع في الفقرة (ه) من المادة 26 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية للضابطة العدلية الحصول على نسخة من البيانات والمعلومات والبرمجيات الحاسوبية التي تم تفتيشها، ويمكن للضابطة العدلية في حالات الضرورة ضبط الأجهزة والبرمجيات الحاسوبية المستخدمة أو جزء من مكوناتها.

    ولذلك يرى الفقه المقارن أن على رجل الضابطة العدلية عندما يصل إلى مسرح الجريمة، أن يتبع في ضبط المعلومات الرقمية الإجراءات التالية :

    • تأمين مسرح الجريمة الرقمية من العبث، إذ يجب عزل الحواسيب عن الشبكة، لتجنب إجراء أي تغيير على الأدلة الرقمية من قبل الغير. كما يجب رفع البصمات عن الأجهزة لمقارنتها فيما بعد ببصمة المشتبه به.
    • حجز الحاسوب أو القرص الصلب، وجميع الحاويات المادية والذواكر، كالسواقات والأقراص الممغنطة.
    • وضع ملصقات على الأشياء المضبوطة، وتوثيقها وتغليفها، وتحضيرها لنقلها بالحالة التي كانت عليها إلى مكان الاختبار والفحص.
    • تحرير محضر بعد إجراء عملية الفحص، يتضمن ذكر جميع الإجراءات السابقة، والنتائج التي تم التوصل إليها بنتيجة الفحص.

    وبناء على ذلك، فإن ضبط الأدلة الرقمية يجب أن يتناسب مع ماهيتها، بحيث ينصب الضبط على جميع الأجهزة والأدوات التي تم تخزين المعلومات فيها، لأن ضبط المعلومات والبيانات لا يمكن أن يتم بمعزل عن وسائط التخزين.

1