الوسم: شركة محاماة

  • جريمة اعتراض المعلومات الالكترونية

    نصت المادة 18 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

    ( أ- يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة سورية، كل من اعترض أو التقط قصداً، بوجه غير مشروع، المعلومات المتداولة على منظومة معلوماتية أو الشبكة، أو تنصت عليها.

    ب- يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة سورية، كل من استخدم الخداع للحصول على معلومات شخصية أو سرية من المستخدمين على منظومة معلوماتية أو الشبكة، يمكن استغلالها لأغراض إجرامية).

    و سنتناول الركن المادي والركن المعنوي لجريمة اعتراض المعلومات ثم سنسلط الضوء على استخدام أسلوب الخداع للحصول على المعلومات.

    أ- الركن المادي:

    يتمثل النشاط الجرمي في هذه الجريمة بفعل الاعتراض على المعلومات بصورة غير مشروعة، ويقصد بالاعتراض أي عمل يهدف للوصول إلى المعلومات المتداولة على منظومة معلوماتية أو على الشبكة، بوسائل معلوماتية، وذلك أثناء تبادلها، سواء تم استخدام هذه المعلومات لاحقا أم لا.

     ولا يختلف مفهوم الالتقاط أو التنصت الوارد في متن المادة 18 عن مفهوم الاعتراض المتقدم مادام يؤدي إلى ذات النتيجة الجرمية أي الوصول إلى المعلومات المتداولة دون وجه حق، فلا تقوم هذه الجريمة إذا كان اعتراض المعلومات مشروعة كقيام رجل الضابطة العدلية باعتراض المعلومات العائدة للمشتبه به بناء على إذن من السلطة القضائية.

    ويمكن تشبيه اعتراض المعلومات المتداولة على منظومة معلوماتية أو الشبكة بالتنصت على مكالمة هاتفية، فالهدف من الاعتراض هو معرفة محتوى الاتصال بين طرفين أو عدة أطراف، أي أن الشرط الأساسي لقيام جريمة اعتراض المعلومات هو أن تكون المعلومات متداولة وليست مخزنة، أي التنصت على المعلومات أثناء عملية إرسالها أو استقبالها.

    ويتفق اعتراض المعلومات مع الدخول غير المشروع إلى منظومة معلوماتية، في أن كلا منهما يؤدي إلى نتيجة واحدة وهي الوصول إلى معلومات غير مصرح للفاعل بالوصول إليها، فالفاعل في الحالتين أراد أن يصل إلى هذه المعلومات.

    ولم يشترط المشرع وسيلة معينة لاعتراض المعلومات، فعالم تقنية المعلومات مليء بالبرامج التي تسمح بالتقاط أو اعتراض المعلومات، وهناك وسيلة تستخدم في هذا المجال تعرف بالتقاط الموجات الكهربائية وهي جمع للمعلومات عن بعد، فمن الممكن جمع معلومات يتم إرسالها من أحد الحواسيب داخل مبني، وذلك باستعمال شاشة عرض يتم توصيلها بجهاز تسجيل خارج المبنى، حيث يتم التقاط الموجات الكهربائية التي تحيط بالحاسوب ثم يتم تحويلها إلى معلومات مقروءة على الشاشة .

    و يختلف اعتراض المعلومات عن الدخول غير المصرح به إلى منظومة معلوماتية، فإن هذه الجريمة الأخيرة يمكن أن تتم مباشرة أي عن طريق تشغيل الحاسب والوصول إلى المعلومات المخزنة دون وجه حق، ويمكن أن تتم بطريقة غير مباشرة أي عن بعد.

     أما اعتراض المعلومات فإن عملية تشغيل الحاسب تكون قد بدأت بالفعل بواسطة المجني عليه، ثم يأتي دور الجاني باعتراض أو التقاط أو التنصت على المعلومات المتبادلة.

    ولقد أدى هذا الاختلاف بين الدخول غير المشروع إلى منظومة معلوماتية واعتراض المعلومات إلى الاتجاه نحو إفراد نص خاص يجرم اعتراض المعلومات،

    وقد أوصى المجلس الأوربي بضرورة إفراد نص خاص يجرم اعتراض المعلومات،

    وقد سارت عدة تشريعات على هذا النهج ومنها القانون البرتغالي حيث نص على جريمة اعتراض المعلومات في المادة الثامنة من القانون رقم 109 لعام 1991 الخاص بجرائم المعلوماتية .

    ب- الركن المعنوي:

    جريمة اعتراض المعلومات جريمة مقصودة، تتطلب القصد الجرمي العام بعنصرية العلم والإرادة، فيجب أن يعلم الفاعل أن ليس له الحق في اعتراض أو التقاط المعلومات أو التنصت عليها، ثم يجب أن تتجه إلى إرادته إلى اعتراض هذه المعلومات،

    ومتى توفر القصد الجرمي، فلا عبرة بعد ذلك للباعث أو الغاية من وراء التنصت على هذه المعلومات، فكون الدوافع نبيلة لا تؤثر على قيام القصد الجرمي،

    أما اعتراض المعلومات عن طريق الخطأ فلا تقوم به هذه الجريمة إلا إذا توفر القصد الجرمي بعد أن وجد الشخص نفسه يلتقط المعلومات المتبادلة ثم تولدت عنده عناصر القصد الجرمي أثناء التقاطه لهذه المعلومات دون وجه حق.

    ج- الحصول على معلومات بأسلوب الخداع:

    عاقب المشرع في فقرة ب من المادة 18 على استخدام الخداع للحصول على معلومات شخصية أو سرية من المستخدمين على منظومة معلوماتية أو الشبكة، يمكن استغلالها لأغراض إجرامية.

    ويقصد بالخداع هذا الكذب الذي يتخذه الجاني حيال المجني عليه، لخلق اضطراب في عقيدته وتفكيره بجعله يعتقد غير الحقيقة وحمله على تسليم الجاني معلوماته الشخصية أو السرية.

    وغالبا ما يتخذ أسلوب الخداع إحدى صورتين:

    الصورة الأولى:

     إما إنشاء مواقع وهمية مشابهة للمواقع الأصلية العاملة على الإنترنت، حيث يظهر الموقع الوهمي بمظهر الموقع الحقيقي، وبالتالي يقوم المتعاملين مع هذا الموقع بالدخول إليه ووضع بياناتهم الشخصية أو السرية كالبيانات المتعلقة بحالتهم الصحية أو الاجتماعية أو المهنية أو التجارية وغيرها، وهنا يقوم الجاني بالحصول على هذه المعلومات.

    الصورة الثانية:

     وهي خداع المجني عليه عن طريق البريد الإلكتروني، كقيام الجاني بإرسال رسالة إلكترونية إلى المجني عليه يعلمه بها بأن مصدر هذه الرسالة إحدى الجمعيات الاجتماعية التي تقدم الدعم المادي للعائلات، ويطلب من المجني عليه معلومات شخصية عنه، كالسن، وعدد أفراد الأسرة، والحالة الصحية والاجتماعية، والدخل الشهري، والمصارف التي يتعامل معها، وغير ذلك من المعلومات التي يمكن أن يستخدمها الجاني بارتكاب جريمة أخرى.

    والحقيقة أن أسلوب الخداع المتبع للحصول على معلومات شخصية أو سرية غالباً ما يرتبط بجريمة الاستعمال غير المشروع لبطاقات الدفع، أي الحصول دون وجه حق على البيانات الخاصة ببطاقة الدفع الإلكتروني العائدة للمجني عليه، ثم قيام الجاني باستخدام هذه البيانات للاستيلاء على أموال المجني عليه.

     وتجب الإشارة هنا إلى أن المشرع السوري في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية أفرد نصة خاصة في المادة 22 يعاقب على الحصول دون وجه حق على بيانات بطاقات الدفع الإلكترونية، وفي هذه الحالة يطبق هذا النص الأخير لأنه هو النص الخاص حسب القواعد العامة .

    ومن الأمثلة الشهيرة على الخداع عن طريق البريد الإلكتروني، رسالة تصل من شركة تطلق على نفسها اسم A. A. S Lottery Watergate inc، ومركزها “جوهانسبورغ”، وهي رسالة محترمة جداً، تظهر وكأنها صادرة فعلاً عن شركة تجارية، حيث تعلمك بأنك ربحت 2.5 مليون دولار، وتطلب منك تأكيد نيتك باستلام المبلغ، كما تطلب منك المعلومات التالية:

    1- الاسم الثلاثي.

    2- عنوان المسكن.

    3- رقم الهاتف.

    4- رقم الفاكس.

    5- صورة عن الهوية.

    وعندما ترسل هذه المعلومات، يرسلون إليك فاتورة باسمك تطالبك بمبلغ معين لقاء خدمات بريدية، وإذا أعطاهم الشخص المعني رقم حسابه أو رقم بطاقة الائتمان، فسوف يجد مفاجأة كبيرة في كشف المصرف آخر الشهر.

     والأكثر إثارة في هذا النوع من الرسائل هو مدى جديته، فقد طلبت إدارة هذه الشركة الوهمية من أحد الأشخاص ألا يرسل أي أوراق عبر البريد، وإنما يمكنه أن يحضرها بنفسه عند زيارته إلى مكاتب الشركة المنتشرة في 11 دولة بين آسيا وأوروبا والولايات المتحدة .

    د- العقوبات:

    عاقب المشرع بالفقرة أمن المادة 18 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على اعتراض المعلومات دون وجه حق بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مئة ألف إلى خمسامئة ألف ليرة سورية،

    أما إذا تم الحصول على المعلومات عن طريق الخداع فتكون العقوبة أخف وهي الحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة من مئة ألف إلى خمسمائة ألف ليرة سورية،

    ولعل سبب تشديد عقوبة اعتراض المعلومات أكثر من عقوبة الخداع بقصد الحصول على المعلومات، هو أن الجاني في جريمة اعتراض المعلومات يعبر عن خطورة إجرامية أكبر من استعماله الخداع، إذ أن اعتراض المعلومات يتطلب من الجاني قدرات تقنية أكبر من أجل التنصت على المعلومات أثناء تداولها، وهذا ما لا يحتاجه أسلوب الخداع الذي يكفي فيه في بعض الأحيان إرسال رسالة إلكترونية خادعة.

  • الركن المعنوي لجرم إساءة الأمانة

    تطلب المشرع القصد الجرمي في الصورة العامة الإساءة الائتمان الواردة في المادة 656 بعبارة ” كل من أقدم قصداً على كتم أو اختلاس …”.

    وهذا يعني أنه لا بد لقيامها من توفر القصد الجرمي لدى مرتكبها، ولا يمكن أن تقع غير مقصودة مهما بلغت جسامة الخطأ الذي وقع به الشخص.

    أما المادة 657 فلقد تضمنت تعبيرا يفهم منه أن الأمين تصرف في المال المثلي أو النقود المسلمة إليه لعمل معين ” وهو يعلم أو كان يجب أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة مثلها…”.

    والتصرف بالمال مع العلم بعدم القدرة على رد مثله يفيد القصد الجرمي. أما إذا كان يجب عليه أن يعلم بأنه لا يستطيع رد من المال الذي تسلمه ولم يتخذ الاحتياطات اللازمة وقصر في بذل الجهد الذي يحول دون الامتناع عن رد مثل هذا المال فإنه يكون قد توفر لديه الخطأ، الذي يعتبر كافياً لتوافر الركن المعنوي في جريمة إساءة الائتمان في الأشياء المثلية .

     تخلص من ذلك أن الصورة العامة لإساءة الائتمان الواردة في المادة 656 لا تقوم إلا إذا اتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجرمي. أما الصورة الخاصة بإساءة الائتمان بالأشياء المثلية الواردة في المادة 657 فتقوم سواء اتخذ فيها الركن المعنوي صورة القصد الجرمي أو الخطأ.

     مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأصل في جريمة إساءة الائتمان أن تكون مقصودة، وليست صورتها غير المقصودة سوى صورة ثانوية بل و استثنائية .

    الركن المعنوي للصورة العامة لإساءة الائتمان المادة 656

    صرحت المادة 656 بتطلب القصد الجرمي، كما أسلفنا، بقولها ” كل من أقدم قصدا…”.

    وعلى الرغم من أنها لم تشر إلا إلى القصد العام، إلا أنه من المسلم به أنه يشترط توافر القصد الخاص إضافة للقصد العام.

     ويتمثل هذا القصد الخاص في نية تملك المال محل الأمانة. إذن لا بد من توافر عناصر القصد العام إلى جانب نية التملك المكونة للركن الخاص .

     

    أولاً- القصد العام

    لا بد لقيام القصد العام من توفر عنصري العلم والإرادة.

    1- العلم:

    يجب أن ينصب العلم على كافة أركان الجريمة.

    وبناء عليه يجب أن يعلم الفاعل أن المال مملوكة للغير، وأنه يحوزه حيازة ناقصة لحساب مالكه.

     وينتفي ،تبعاً لذلك، القصد الجرمي لانتفاء العلم إذا كان المال محل الأمانة قد اختلط بمال الأمين فتصرف به دون أن يعلم أنه المال محل الأمانة.

     كما ينتفي إذا اعتقد الأمين أنه يحوز المال حيازة تامة، ومثالها حالة الوارث الذي يتصرف بشيء من أشياء التركة التي آلت إليه معتقدا انتقال ملكيته له، ثم يتبين أن هذا الشيء كان يحوزة المورث على سبيل العارية أو الوديعة.

    2- الإرادة:

     يجب أن تتجه الإرادة إلى الفعل والنتيجة. أي أن تتجه إرادة الفاعل إلى إتيان فعل الكتم أو الاختلاس أو الإتلاف أو التمزيق عن علم بطبيعته، وان تتجه إلى إنزال الضرر، بمفهومه العام كاعتداء على الملكية، بالمجني عليه أو غيره. وباعتبار أن القصد الاحتمالي يتساوى مع القصد المباشر، فإنه يكفي لتوافر القصد أن يتوقع الفاعل نتيجة فعله ويقبل بها، أي يتوقع احتمال الضرر فيقبل به.

     وتطبيقاً لذلك إذا توقع الفاعل هلاك الشيء نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين، فقبل بالمخاطرة، فيسأل عن إساءة ائتمان مقصودة استنادا لقصده الاحتمالي.

    أما إذا أدى إهمال الأمين أو عدم احتياطه إلى هلاك الشيء المؤتمن عليه، أو قام الأمين باستعمال الشيء بصورة منافية لما أعد له فهلك، ولكن دون أن تتجه إرادته إلى إهلاكه، أو تقبل بذلك، فإن القصد ينتفي لديه.

     وينتفي القصد أيضا لانتقاء الإرادة إذا سرق الشيء من الأمين ولو بإهماله، أو ضاع نتيجة قوة قاهرة أو حادث مفاجئ.

     

    ثانياً- القصد الخاص

    يتمثل القصد الخاص في إساءة الائتمان بنية تملك المال محل الأمانة.

     ونية التملك تعني الاستيلاء على المال أو السلوك إزاءه مسلك المالك، بتحويل الحيازة من ناقصة إلى تامة بأحد الأفعال الكاشفة لهذه النية، التي ذكرها نص المادة 656 من كتم أو اختلاس أو إتلاف أو تمزيق.

     فنية التملك تتضمن نكران الحق ملكية المالك للشيء محل الأمانة .

    تطبيقا لذلك فإن كان عدم رد محل الأمانة غير مقترن بهذه النية ، تنتفي الجريمة لانتفاء القصد الخاص.

    ومن أمثلة ذلك أن يؤخر المستعير أو المستأجر رد الشيء إلى مالكه ليطيل مدة انتفاعه به، فالإرادة متجهة هنا إلى الإخلال بالالتزام التعاقدي وليس إلى تملك المال .

     ومتى توفر القصد الجرمي بصورتيه العام والخاص، قامت جريمة إساءة الائتمان بصرف النظر عن الباعث على ارتكابها .

     كأن يكون الإثراء على حساب الغير أو الإضرار بالغير في حالة الإتلاف والتمزيق، أو لإعانة محتاج أو مساعدة مشروع خيري.

    فهذه البواعث لا تدخل في تكوين الركن المعنوي، وإن كانت تؤخذ بعين الاعتبار عن تقدير العقاب.

     

    الركن المعنوي لجريمة إساءة الائتمان الخاصة بالأشياء المثلية (المادة 657)

    عندما يكون المال محل الأمانة مالاً مثلياً فإن الركن المعنوي لإساءة الائتمان قد يتخذ صورة القصد الجرمي، وقد يتخذ صورة الخطأ.

     وهو ما يستفاد من نص المادة 657، بعبارة وهو يعلم أو كان يجب عليه أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة ملها”. ويتوافر القصد الجرمي، بصورة القصد الاحتمالي، إذا كان الأمين يعلم حين يتصرف بالمثليات أو بالنقود المؤتمن عليها أنه لا يستطيع إعادة مثلها فيتوقع تبعا لذلك الضرر الذي سوف ينزل بالمجني عليه فيقبل به.

    وعلى ذلك يتحقق الركن المعنوي في صورة القصد إذا كان الشيء المسلم للأمين نقوداً فتصرف بها مع علمه بأنه لن يتمكن من رد مثل هذا المبلغ.

    فهنا يتوفر الركن المعنوي إذا توفرت بقية عناصره، أي العلم بأن المال مملوك للغير وأنه في حيازته الناقصة، وأن تتجه إرادته إلى التصرف بالمال وإلى إنزال الضرر بالمجني عليه أو بغيره.

     والمثال على هذه الصورة أن ينفق الوكيل النقود التي سلمها له الموكل ليقوم لصالحه بعمل معين، عالماً بإعساره وبأنه لن يتوفر لديه مال لإيفاء الموكل حقه ويتوقع تبعاً لذلك عجزه عن إبراء ذمته تجاهه فتتجه إرادته إلى ذلك نكاية فيه أو يقبل بذلك لأنه لا تعنيه مصالح موكله ولا يعبأ بفقده ثقته فيه.

    أما إذا تصرف الوكيل بالنقود وهو لا يعلم بأن تصرفه هذا سيترتب عليه عدم تمكنه من رد مثله، بل حسب أن هناك صفقة ستدر عليه ربحاً وفيراً يمكنه من رد مثل النقود إلا أنه لم يبذل جهداً كافياً في تقدير أرباح تلك الصفقة لعدم إدراكه وإلمامه بقواعد السوق بصورة كافية فكان أن امتنع عن رد مثل النقود التي تسلمها من موكله بسبب تقصيره هذا وما كان يجب عليه بذله من جهد في سبيل تفادي تلك النتيجة، فإن جريمة إساءة الائتمان تقوم في حقه ويتخذ الركن المعنوي فيها صورة الخطأ.

  • الاحتيال عن طريق التمهيد لظرف أو الافادة منه مع أمثلة

    هذه هي الوسيلة الثالثة من وسائل الاحتيال التي ذكرها نص المادة 641 بعبارة أو بظرف مهد له المجرم أو ظرف استفاد منه.

     والظرف هو الواقعة أو الشيء الذي يربط المحتال بينه وبين أكاذيبه لكي يدعهما به. و الظرف الذي مهد له المجرم أو استفاد منه هو الظرف الذي أوجده غير المحتال، أي الظرف الذي من صنع غيره لا من صنعه هو.

    وبهذا التحديد للظرف يتضح الفرق بين هذه الوسيلة وبين الوسيلة الأولى من وسائل الاحتيال. فإذا كان المحتال في الوسيلة الأولى هو الذي يصنع المظاهر الخارجية التي تدعم وتؤيد كذبه، فالمحتال في الوسيلة الثالثة ليس هو الذي يصنع الظرف ولا يتحكم في إعداده، فهو من صنع الغير وإعداده، لهذا فموقف المحتال منه موقف الممهد له أو المستفيد منه.

    وبرأينا أن هذا الرأي لا يمكن الأخذ به لأنه يجعل النص على الوسيلة الأولى (استعمال الدسائس) والمتعلقة بالمظاهر الخارجية فارغ المضمون ولغو لا فائدة منه.

    ولهذا لا تتحقق الحكمة من إيراد الوسيلة الأولى بصورة مستقلة عن الوسيلة الثالثة إلا بالقول أن المظاهر الخارجية في الوسيلة الأولى هي من صنع المحتال، بينما الظرف في الوسيلة الثالثة هو من صنع غير المحتال.

    والاستعانة بظرف عن طريق تمهيد المجرم له يتحقق بضم المجرم لنشاطه إلى هذا الظرف حتى يتمكن من الاستعانة به لتدعيم أكاذيبه، بمعنى أن الظرف وحده لا يصلح بذاته لإفادته.

    أما الاستعانة بظرف عن طريق الاستفادة منه فتتحقق دون حاجة إلى إضافة أي نشاط ما إليه .

    ومن أمثلة الاستعانة بظرف عن طريق تمهيد المجرم له، أن ينتهز المحتال فرصة مزاد أقيم لبيع مقتنيات تاريخية فيدس بين المعروضات للبيع منقولاته الخاصة.

     أو أن ينتهز فرصة غرق سفينة، وعدم العثور على جثث الكثير من ركابها، فيدس بين المخلفات التي عثر عليها ما يفيد فقدان شخص مؤمن على حياته لصالح المحتال، مع أن هذا  الشخص ما زال حياً ويقيم في دولة أخرى ولم يعلم بما فعله المحتال بشأنه.

     ومن أمثلة الظرف الذي لا يتدخل فيه المجرم بأي نشاط وتتحقق استفادته منه بالحالة التي وجده عليها، وقوف المحتال على مقربة من حفل خيري وطلب التبرع على نحو يوهم الجمهور بأنه يتولى جمع التبرعات ليسلمها للجهة الخيرية التي أقيم الحفل من أجل مساعدتها.

     أو وقوف المحتال على مقربة من مكان مات فيه المعيل الوحيد لعائلة، والطلب من المشاركين في التشييع معونة للأسرة المنكوبة، على نحو يوهمهم بأنه يتولى جمع تلك المعونة الأسرة المتوفي.

  • تخفيف عقوبة السرقة بسبب صلة القربی

    جاء النص على هذا العذر المشترك بين السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان في المادة 660 كما يلي:

    ” إن مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في الفصول السابقة يقضى عليهم بالعقوبة المنصوص عليها في القانون مخفضاً منها الثلثان إذا كان المجني عليهم من أصولهم أو فروعهم أو أزواجهم أو من ذوي الولاية الشرعية أو الفعلية عليهم ويعفون من العقاب إذا أزالوا الضرر الذي أحدثوه”

     بتحليل هذا النص نلاحظ أن المشرع راعی مابين أفراد الأسرة الواحدة من روابط، وارتأى ضرورة الحفاظ على صلات الود والمحبة بين أفرادها، تلك الروابط التي تمزقها الملاحقة الجزائية ومن ثم العقوبة أكثر مما تمزقها السرقة ذاتها.

     لذلك اعتبر المشرع السرقة بين الأصول والفروع والأزواج وذوي الولاية الشرعية أو الفعلية عذرة يخفف العقوبة المحددة للسرقة إلى ثلثها.

     وفي حالة إزالة الضرر الذي حدث، أي إعادة المال المسروق أو قيمته نقدا عند استحالة رده عينا، يستفيد الفاعل من عذر محل من العقاب.

     وقد اعتبرت محكمة النقض السورية أن إسقاط القريب لدعواه موجباً للإعفاء من العقوبة كما توجبه إزالة الضرر الذي أحدثه الجرم”.

    وقد وسع المشرع من نطاق عذر القرابة فجعله شاملاً لجميع جرائم السرقة الجنحية والجنائية.

    وإذا قام المجرم، الذي استفاد من عذر محل أو مخفف، بتكرار السرقة خلال خمس سنوات من تاريخ ارتكابه للسرقة الأولى فيبقى مستفيداً من العذر المخفف إذا أعاد المال المسروق أو قيمته نقدا، ولكن لا يستفيد من ذات التخفيف السابق بل يخفف عنه ثلث العقوبة فقط.

     إلا أنه لو أعاد المال المسروق فلا يستفيد هنا من العذر المحل.

     وقد قضت محكمة النقض السورية بأن

    ” اعتياد الابن على سرقة أموال أبيه يحرمه من حق الإعفاء من العقوبة”.

    ويشترط للاستفادة من عذر القرابة أن يكون المال المسروق مملوكاً لمن تتوافر فيهم صفات القرابة التي حددها النص.

     فإذا كانت ملكية هذا المال مشتركة بين أحدهم وشخص أخر من غير المذكورين في النص فلا يطبق العذر .

     و العبرة بحقيقة ملكية المال لا بما يتوهم السارق على سبيل الخطأ.

    فإذا اعتقد الزوج أن المال الذي سرقه غير مملوك لزوجته مثلا ثم تبين أنه مملوكاً لها استفاد من العذر .

    وعذر القرابة له طابع شخصي يقتصر فقط على من تتوافر فيه إحدى صفات القرابة المحددة بالنص، فلا يسري بالنسبة لغيرهم من المساهمين في الجريمة شركاء كانوا أم متدخلين أم محرضين.

     أما الأشخاص الذين يستفيدون من العذر فلقد حددهم النص بالأصول والفروع والأزواج وذوي الولاية الشرعية أو الفعلية.

    وقد ورد ذكر هؤلاء الأشخاص على سبيل الحصر، بالتالي فالعذر لا يشمل السرقة بين الأخوة والأخوات أو الأعمام والعمات أو الأخوال والخالات.

    أما الأصول والفروع فيشمل جميع الأصول وإن علو وجميع الفروع وإن نزلوا.

     أما الأزواج فيشمل الزوج والزوجة أثناء قيام الرابطة الزوجية.

    والطلاق الرجعي لا يقطع هذه الرابطة حتى تنتهي العدة.

    أما الطلاق البائن فيقطعها.

     بالتالي فسرقة أحد الزوجين للأخر يشمله العذر إذا تمت السرقة أثناء قيام رابطة الزوجية، أو إذا وقعت أثناء عدة الطلاق الرجعي.

    أما إذا أصبح الطلاق بائناً فلا مجال للاستفادة من العذر.

    أما ذوي الولاية الشرعية فتشمل الولاية والوصاية في حال غياب الولي الشرعي وهو الأب أو الجد العصبي.

     أما الولاية الفعلية فمثالها زوج الأم على أولادها من زوج سابق إذا كانوا يعيشون تحت رعايته.

    وتجدر الملاحظة أن المشرع علق حق الملاحقة في جنح السرقة بين الأقارب على شكوى الفريق المتضرر في المادة 661، بقولها

     “لا تلاحق إلا بناء على شكوى الفريق المتضرر… الجنح المنصوص عليها في المواد 660 و …”

    وهذا يعني خروجاً على الأصل العام الذي يقضي بتخويل النيابة العامة السلطة في تحريك هذه الدعوى بمجرد علمها باقتراف الجريمة وتقديرها ملائمة ذلك دون انتظار شكوى أو طلب أو إذن.

    وتعليقها على شكوى يعني أنه لا يجوز للنيابة العامة تحريكها ما لم تتلقى شكوى من الفريق المتضرر.

    وبمجرد تقديم الشكوى تستعيد النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى العامة .

    وإن إسقاط المتضرر لدعواه يسقط دعوى الحق العام، وإذا تأخر الإسقاط إلى ما بعد الحكم فهو يوقف تنفيذ العقوبة.

  • جرم السرقة في مكان مقفل – المادة 625 عقوبات

    ورد النص على هذه السرقة في المادة 625 كالتالي:

     يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من أقدم على السرقة في الأماكن المقفلة المصانة بالجدران مأهولة كانت أم لا، سواء بواسطة الخلع أو التسلق في الداخل أو الخارج أو باستعمال المفاتيح المصنعة أو أية أداة مخصوصة أو بالدخول إلى الأماكن المذكورة بغير الطريقة المألوفة في دخولها “.

    لقد شدد المشرع بهذا النص عقاب السرقة الواقعة في أحد الأماكن المقفلة المحاطة بالجدران سواء أكانت مأهولة أم لا، أي سواء أعدت للسكن أم لا .

     نخلص من ذلك إلى أن المكان المغلق المصان بالجدران قد يكون مسكناً وقد لا يكون .

    وقد حدد النص وسائل الدخول إلى هذا المكان بالخلع أو التسلق أو باستخدام مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة أو بأية طريقة غير مألوفة للدخول.

    نخلص من ذلك أن تشديد العقاب الوارد في هذا النص بوسيلة الدخول إلى هذا المكان يستلزم توافر شرطين:

    الأول يتعلق بالمكان، والثاني يتعلق بوسيلة الدخول الى هذا الكان

    وعلة تشديد العقاب في هذه الصورة تتمثل في أن المجني عليه فيها جدير بالحماية كونه لم يفرط في ماله  بل استودعه في مكان مغلق ومصان، كما أن السرقة في هذه الأمكنة تكشف عن خطورة السارق  لأنه يبذل مجهود كبيرة لينفذ سرقته، ويقبل باحتمال لجوئه للعنف إذا صادف تواجد المجني عليه أو غيره في المكان وقاومه.

    الشرط الأول – المكان المقفل المصان بالجدران

    هذا المكان يشمل الأماكن المسقوفة المحاطة بالجدران من جميع أطرافها، أيا كانت المادة التي بنيت منها هذه الجدران حجرة أم خشبة أم معدن، ويمكن إغلاق نوافذها وأبوابها، كالمحلات التجارية ومخازن السلع والمقاهي و دور السينما و الشركات والمؤسسات وما إلى ذلك.

    كما يشمل أيضاً كل مكان مسور بحائط أو بحاجز يحيط بكامل المكان، ويبلغ من الإحكام والارتفاع درجة تجعل اجتيازه أمراً غير يسير، سواء وجد به باب أم لا.

    وفي حالة وجوده يشترط أن يكون صالحاً لأن يغلق.

    ومثالها البستان المحاط بسور، أو المزرعة قيد البناء التي أحاط مالكها حديقتها بسور کامل.

    ويدخل ضمن هذا المفهوم أيضا السور الذي يحيط بمنزل أو بمخزن أو بمحل تجاري أو بأرض فارغة يستخدمها مالكها في إيداع محصوله الزراعي.

     وعليه لا يعتبر سورة يستأهل الحماية الجزائية بتشديد العقاب الأسلاك الشائكة المحيطة بالمكان المسروق أو السور الذي يحيط بیستان أو بمزرعة إن كان ارتفاعه لا يتجاوز عدة سنتيمترات، أو كان قد تهدم جزء منه بحيث يكون اجتيازه سهلا، ولا يشكل عقبة حقيقية تجاه السارق.

    الشرط الثاني – وسائل دخول المكان

    لقد حدد المشرع وسائل دخول المكان المقفل المحاط بالجدران بالخلع أو التسلق أو استعمال مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة.

    وهذه الوسائل لم تحدد على سبيل الحصر بل على سبيل التمثيل، لأن المشرع ختم هذه الوسائل بالعبارة العامة أو بالدخول لهذه الأماكن بغير الطريقة المألوفة”.

     ولقد سبق لنا تحديد مدلول الخلع والمفاتيح المصنعة والأدوات المخصوصة في معرض شرح جناية السطو على المساكن الواردة في المادة 622، فنحيل عليها.

     ونقصر الشرح هنا على مدلول التسلق، وطرق الدخول غير المألوفة.

    1- التسلق.

    يتمثل التسلق باجتياز السارق لعائق، خارجي أو داخلي، ثم الهبوط منه. كتسلق جدار أو سور أو شجرة أو ماسورة وسيان أن يكون التسلق للدخول أو الخروج، بشرط أن يكون هدفه السرقة، وأن يتم بدون استخدام العنف.

    والتسلق قد يكون باستخدام سلم أو بالصعود على السور أو القفز من سطح مجاور أو فوق حاجز أو بالدخول إلى المكان من النافذة.

    والتسلق يفيد معنى الجهد، أي أن يكون العائق مرتفعاً بعض الشيء ليتحقق معنى التسلق.

     أما إذا كان منخفضاً لدرجة يمكن اجتيازه دون تسلقه، أو إذا كان بالجدار أو بالسور فتحة يمكن الدخول منها بيسر، فلا تسلق هنا.

    2- طرق الدخول غير المألوفة.

    عرفت محكمة النقض السورية الدخول بوسيلة غير مألوفة عن طريق مقابلته بالدخول بالوسائل المألوفة بقولها إن الدخول المألوف إلى مكان ما هو الذي يمارسه الناس بدون صعوبة ومن الموضع المخصص له في ذلك المكان.

    وكل دخول آخر يتم على خلاف ذلك يعتبر دخولاً غير مألوف ” .

     وبناء عليها يعتبر دخولا غير مألوف الدخول إلى الغرفة من النافذة، أو دخول المحل من النافذة التي تصله بمنزل صاحبه ، أو دخول المسكن عن طريق الصعود على الخرابة المجاورة، أو تسلق السارق على أكتاف شریکه إلى شرفة المنزل ومنها إلى النافذة المفتوحة ثم الدخول إلى المنزل والسرقة منه.

     ويشترط لتحقق وسيلة الطريق غير المألوف أن يكون قصد الفاعل من اللجوء إليه هو السرقة من المكان، أما إذا دخل إلى المكان أو المسكن لغرض آخر غير السرقة فلا يتوافر ظرف التشديد، كأن يدخل للاعتداء على صاحب المكان أو لملاقاة امرأة أو لإتلاف شيء داخله.

    – عند تحقق شروط هذه المادة يعاقب السارق بالأشغال الشاقة من ثلاث إلى خمس عشرة سنة.

  • السرقة بالنشل أو الصدم أو في وسائل النقل العامة

    حالات التشديد الواردة في المادة 629 من قانون العقوبات

    أشارت المادة 629 إلى حالتين تشدد كل منهما لوحدها العقاب تشديداً جنحياً، المتمثل بالحبس مع التشغيل من سنة إلى ثلاث سنوات إضافة للغرامة، وهي ذاتها الواقعة على حالات التشديد الواردة في المادة 628.

     وهاتان الحالتان هما:

    السرقة بالنشل أو الصدم، والسرقة في وسائل النقل العامة

    أولاً: السرقة بالنشل أو الصدم

     جاء ظرف تشديد السرقة بالنشل أو الصدم في الجزء الأول من المادة 629، و هو التشديد ذاته الذي يطال حالات المادة 628، والمتمثل بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة.

     – والنشل هو صورة من صور السرقة تتمثل بسلب مال الناس في غفلة منهم وبخفة لا يدركها المجني عليهم.

     ولا عبرة بأداة النشل، فسيان أن يقع النشل باليد مجردة أو عن طريق استخدام أداة، کشفرة أو سكين أو ما شابه ذلك .

     فالنشل يفيد خفة اليد في تنفيذ السرقة أيا كانت الطريقة المستخدمة فيها.

    أما السرقة بالصدم فتتمثل بالاصطدام بالمجني عليه من قبل السارق أو من قبل شريكه، والاستيلاء على ماله عندما يكون ذهنه منشغلاً بمواجهة الاصطدام أو بالنهوض إذا وقع.

    ولا ريب أن الصلة وثيقة بين الصدم والنشل، إذا الصدم يعتبر مقدمة للنشل وتهيئة له.فالسارق يستغل حالة انشغال أو ذعر المجني عليه كي ينشله.

     بالتالي كان يمكن للمشرع الاستغناء عن عبارة الصدم، والاكتفاء بعبارة النشل، کون السرقة بالصدم هي سرقة بالنشل، وإن اتخذ هذا النشل من حيث مقدماته صورة خاصة .

    ثانياً- السرقة في وسائل النقل العامة.

    جاء تشديد السرقة في وسائل النقل العامة في الجزء الثاني من المادة 629 بقوله

     “أو السرقة في القطارات أو السفن أو الطائرات أو الحافلات الكهربائية أو غيرها من الناقلات العامة أو في محطات سكك الحديد أو المطارات أو الجمارك أو على الأرصفة .

    وحكمة تشديد السرقة هنا تتمثل بسهولة ارتكاب السرقة في وسائل النقل ومحطاتها نظراً لازدحامها بالناس ولانشغال المسافرين في الاهتمام بتفاصيل سفر هم وصعوبة مراقبتهم أمتعتهم، مما يقتضي التشدد في حمايتهم.

    ولا يثير تفسير وسائل النقل التي وردت بالنص صعوبة تذكر.

    فالقطار والسفينة والطائرة والحافلة الكهربائية ( الترام) لا تحتاج لتفسير معانيها.

     أضف إلى ذلك أن المشرع قد أورد هذه الوسائل على سبيل التمثيل لا الحصر عندما أردف قائلا “أو غيرها من النواقل العامة”.

    وعبارة وسائل النقل أو النواقل العامة لا تعني الوسائل التي تعود ملكيتها للدولة، بل هي تعني أية وسيلة نقل عامة للجمهور، سواء كانت ملكيتها خاصة أو عامة.

    لهذا فإن التشديد يطال السرقة الحاصلة في السيارات العامة (التاكسي)، بصرف النظر عن عائدية ملكيتها، سواء كان يملكها فرد أو شركة أو الدولة، ولا يطال التشديد بالتالي السرقة في السيارات الخاصة، إلا إذا استخدمت للنقل العام.

    وكل ما يشترط لتوافر هذا الظرف المشدد أن تقع السرقة في إحدى وسائل النقل، أي أن الظرف المشدد مرتبط بمكان معين هو وسيلة النقل و ويوجب وقوع السرقة فيه .

     وهذا الشرط يتطلب بالضرورة وقوع السرقة أثناء تشغيل تلك الوسيلة، سواء أثناء سيرها أو توقفها في المحطات لنزول الركاب مثلاً، كما يقتضي ضرورة وجود أشخاص فيها.

    نستخلص من ذلك أن ظرف التشديد لا يتوافر إذا وقعت السرقة على وسيلة النقل ذاتها، أو على بعض أجزائها كالإطارات والمصابيح ونحوها، كما لا يتوافر هذا الظرف إذا لم تكن الوسيلة مستخدمة فعلا، بأن كانت مهملة أو في ورشة لإصلاحها، أو خالية تماما من الركاب.

     أما عبارة “الأرصفة Quais” الواردة في ختام النص فلا تعني أرصفة الشوارع أو الطرقات، بل هي معطوفة على محطات القطارات والمطارات ومكاتب الجمارك القائمة في المحطات المذكورة .

     فالسرقة من أرصفة المحطات تستوي في التشديد مع السرقة من المحطات.

  • السرقة بالتقنع أو حمل السلاح – المادة 628 عقوبات

    التقنع أو حمل السلاح يشكل الحالة المشددة الواردة في الفقرة (ب) من المادة 628.

    وحكمة التشديد في ذلك واضحة إذ أن وضع قناع يعني تخفي السارق مما يلقي الرعب والفزع في نفس المجني عليه فيجعله يجين عن الدفاع عن ماله، كما أن حمل السلاح أثناء تنفيذ السرقة يدل على خطورة السارق، لأن حمل السلاح أو التقنع يشد من أزر السارق ويسهل عليه تنفيذ جريمة السرقة.

    وهذه الحالة تشترط لتحقق الظرف المشدد أن تقع السرقة إما من شخص مقنع ولو لم يحمل سلاحاً أو من شخص يحمل سلاحاً ولو لم يكن مقنعا.

    والتقنع قد يكون بإخفاء ملامح الوجه كاملة، أو بشكل جزئي بحيث يتعذر تحديد ملامح السارق أو معرفة شخصيته.

    ويتوفر التقنع أيا كانت المادة التي استخدمت في إخفاء المعالم، فسيان أن تكون جلدية أو قماشية أو ورقية أو مجرد طلاء الوجه.

     ولقد عرفت المادة 313 من قانون العقوبات السلاح بأنه:

    «1- كل أداة أو آلة قاطعة أو ثاقبة أو راضه وكل أداة خطرة على السلامة العامة.

     1- إن سكاكين الجيب العادية والعصي الخفيفة التي لم تحمل لتستعمل عند الحاجة لا يشملها هذا التعريف إلا إذا استعملت في ارتكاب جناية أو جنحة».

    . من هذا التعريف نستخلص أن السلاح نوعان: سلاح بطبيعته وسلاح بالاستعمال أو التخصيص.

    والسلاح بطبيعته:

    هو الأداة المعدة خصيصاً للاعتداء على سلامة الجسم، كالمسدس والبندقية والسيف والخنجر. وحكم هذا النوع من الأسلحة أن مجرد حمله وقت السرقة بشكل ظاهر أو مخبأ يحقق الظرف المشدد، أيا كانت الغاية من حمله، حتى ولو كان حمله مما تقتضيه وظيفة السارق كالجندي أو الحارس الخاص، وحتى لو لم يكن السلاح معبأ أو لم يكن صالحة للاستعمال أو فاسد .

    كما يأخذ نفس الحكم لو كان السلاح وهمية، أي أنه دمية بشكل مسدس مثلاً.

     لأن الحكمة من التشديد لحمل السلاح مزدوجة، فهي من جهة تشد أزر و عزيمة السارق لوجود معه، واستعماله عند الضرورة بالتنفيذ أو تسهيل هربه، وهي من جهة أخرى تحبط عزيمة المجني عليه وتلقي الرعب في نفسه فتشل إرادته في الدفاع عن ماله.

    فمادام السلاح الوهمي له مظهر السلاح الحقيقي، فستتحقق الحكمة من التشديد وهي خوف المجني عليه و عدم مقاومته، ولا يعقل القول بخلاف ذلك، وإلا سنفرض على المجني عليه عبأ غير منطقي وهو تفحص السلاح أو معرفة حقيقته….!!

    ويصح هذا القول أيضا حتى لو كان السلاح مخبأ، فبمجرد رؤية المجني عليه لانتفاخ في جيب السارق تعمد الأخير أن يضع فيه مسدساً و همياً، كاف ليلقي الرعب في نفس المجني عليه ولتتحقق الحكمة من التشديد .

    أما السلاح بالتخصيص أو الاستعمال:

    فهو كل أداة يمكن استخدامها للاعتداء على السلامة البدنية للأشخاص بالرغم أنها ليست لذلك في الأصل، وإنما هي معدة لأغراض أخرى في شؤون الحياة، كالشؤون المنزلية والصناعية والزراعية وغيرها..، ومن هذا القبيل سكاكين المطبخ و العصي الخفيفة والفئوس و المناجل .

    وحكم هذا النوع من الأسلحة أن الظرف المشدد لا يتوافر بحملها إلا إذا ثبت أن السارق كان يهدف من ذلك استخدامها إذا لزم الأمر.

     وعلى ذلك فمجرد حمل السلاح بالتخصيص لا يكفي لتشديد العقوبة ولا يدل بذاته على أن المقصود فيه هو الاعتداء على الأشخاص، فقد يحمل فأسا لكسر قفل الباب، وقد يحمل سكينا لقطع الأسلاك، ولم يكن يهدف من وراء حملها سوى ذلك.

     ولذلك فمجرد حمله السلاح بالتخصيص لا يكفي التشديد العقوبة، بل يجب أن يثبت بالدليل على أن المقصود من حمله هو إلقاء الرعب في نفس المجني عليه، واستعماله عند الضرورة ضد المجني عليه إذا أبدى الأخير أية مقاومة.

     فلو استخدم السارق الفأس كي يكسر قفل الباب، وعندما تم ذلك تركه ودخل إلى المنزل ليسرقه وضبط، فلا يتحقق التشديد لحمل السلاح.

    أما إذا استعمله في كسر الباب، واستمر في حمله ليدافع به عن نفسه أو ليلقي الرعب في نفس من يواجهه فهنا يتحقق التشديد.

    وهذا الأمر متروك في النهاية لقاضي الموضوع يستخلصه من ظروف القضية ومن أي دليل أو قرينة في الدعوى، كالتهدید به مثلا، أو استخدامه فعلا، أو عدم وجود ضرورة لحمله في الظروف التي حمل بها.

    وتجدر الإشارة إلى أن حمل السلاح يعتبر من الأسباب المشددة المادية التي تطال جميع المساهمين في السرقة ولو لم يتفقوا عليه أو يعلموا بوجوده مع رفيقهم.

     ولا يشترط للتشديد أن يضبط السلاح فعلا، بل يكفي المحكمة التثبت من أن أحد السارقين كان يحمل سلاحا وقت ارتكاب السرقة، وإن كان قد أخفاه أو أتلفه.

1