التصنيف: قانون البينات

  • الإقرار القضائي في قانون البينات السوري ( تعريفه وشروطه وأحكامه)

    الإقرار القضائي في قانون البينات السوري ( تعريفه وشروطه وأحكامه)

    الإقرار القضائي

    تعريف الإقرار :

    الإقرار هو لغة الإثبات من قولهم قرّ الشيء يقر قراراً إذا ثبت.

    وشرعاً :هو إخبار عن حق ثابت على المُخبر.

    فإن كان بحق له على غيره فدعوى.

    أو بحق لغيره على غيره فشهادة هذا إذا كان خاصا في موضوع محدد.

    فإن اقتضى شيئا عاما فإن كان عن أمر محسوس فهو الرواية وإن كان عن حكم شرعي فهو الفتوى.”  “.

    أما تعريف الإقرار قانوناً : فقد عرّفه قانون البينات السوري في المادة 93 بأنه :

    ” الإقرار هو إخبار الخصم أمام المحكمة بحق عليه لآخر”

    – والملاحظ أن المشرع السوري لم يكن دقيقاً في تعريفه للإقرار في المادة 93 فهذا التعريف يوحي بأن من شروط الإقرار حصوله أمام المحكمة, ولكن هذا الشرط لا ينبغي وجوده عملياً إلا في الإقرار القضائي أم الإقرار غير القضائي فقد يقع خارج المحكمة.

    – إضافة إلى أن عبارة “إخبار الخصم”غير دقيقة فقد يقر الشخص بحق عليه لآخر دون خصومة قائمة أو محتملة, كأن يقر المتعاقدان أو كلاهما بحق ما لأحدهما أو لكليهما مع التسليم بهذا الحق ثم بعد ذلك لصاحب المصلحة أن يتمسك بهذا الحق و ويثبته عند وقوع الخصومة فيه.

    لذلك أرى أن تكون صياغة المادة 93 على النحو التالي “الإقرار هو إخبار شخص بحق عليه لآخر”.

    و قد قسم قانون البينات الإقرار إلى نوعين: إقرار قضائي وإقرار غير قضائي.

    أما الإقرار القضائي:

    فهو اعتراف الخصم أو من ينوب عنه نيابة خاصة بواقعة قانونية مدعى بها عليه.وذلك أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة.مادة 94 بينات

    والإقرار غير القضائي : هو الذي يقع في غير مجلس الحكم أو يقع في مجلس الحكم في غير الدعوى التي أقيمت بالواقعة المقر بها.مادة 95 بينات

    وهنا تتجلى الفرق بين الإقرار القضائي والإقرار غير القضائي:

    فالإقرار القضائي يجب أن يتحقق فيه شرطان لكي يكون قضائياً وهذان الشرطان هما:

    أولاً- أن يقع الإقرار أمام القضاء.

    ثانياً- أن يقع أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة المُقرّ بها.

    1– أن يقع الإقرار أمام القضاء:

    فالإقرار غير الواقع أمام القضاء لا يعتبر إقرارً قضائياً, كالإقرار الحاصل بسند عادي أو في تسجيل صوتي أو مرئي أو الإقرار بواقعة ما أمام جهة غير قضائية أو جهة إدارية.

    – كأن يتم الإقرار في محضر الحجز.

    “إن الإقرار الذي يتم في محضر الحجز هو إقرار غير قضائي يخضع لتقدير قاضي الموضوع الذي يجوز له أن يثيره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو ألا يأخذ به أصلاً”

    (نقض مصري رقم 612 تاريخ 11 / 4 / 1979 الموسوعة الذهبية ص239 رقم 616)

    – أو يقع الإقرار على سند التبليغ أمام المُحضر.

    “إن الإقرار القضائي هو الذي يجري في مجلس القضاء أثناء السير في الدعوى (94 بينات)، وإن مجلس المحضر حين تبليغ مذكرات الدعوة ليس مجلس قضاء لأن المحضر ليس قاضياً، ولا مخولاً سماع الإقرار في موضوع الدعوى”

    (نقض سوري رقم 1470 تاريخ 13 / 3 / 1955 مجلة المحامون ص52 لعام 1955)

    ويجب أيضاً أن يقع الإقرار أمام محكمة مختصة للنظر في النزاع ومشكلّة تشكيلاً صحيحاً.

    -فإقرار شخص أمام محكمة جزائية أو أمام قاضي التحقيق مثلاً بواقعة قانونية لا تختص تلك المحكمة للنظر فيها لا يعتبر إقراراً قضائياً,كأن يقرّ شخص بملكية عقار لشخص آخر أثناء الإدلاء بشهادته أو إفادته أمام محكمة الجنايات حول واقعة ما لأن محكمة الجنايات غير مختصة للنظر ولائياً بإثبات هذه الملكية.

    أو يقرّ شخص بانشغال ذمته بدين يتجاوز مبلغ عشرة آلاف ليرة سورية تجاه الدائن الذي أقام دعواه مطالبا بهذا المبلغ أمام محكمة الصلح المدنية, فلا يعتبر إقراره هذا إقراراً قضائياً لأن محكمة الصلح المدنية غير مختصة للنظر في هذه الدعوى طبقاً لقواعد الاختصاص القيمي.”مادة 62 أصول محاكمات مدنية”

    أو يقر رب عمل بانشغال ذمته بأجور العامل الذي أقام دعواه مطالباً بهذه الأجور أمام محكمة البداية المدنية لأن محكمة الصلح لا البداية هي المختصة للنظر بالمطالبة بأجور الخدم والصنّاع طبقاً لقواعد الاختصاص النوعي.”مادة 63/ب أصول محاكمات مدنية”

    و المسألة محسومة بالنسبة للاختصاص الولائي والقيمي والنوعي كون قواعد الاختصاص في هذه الحالات من النظام العام.

    أما بالنسبة للاختصاص المحلي فهو ليس من النظام العام, فإذا أقام شخص دعواه أمام محكمة البداية المدنية في حمص مطالباً بملكية عقار في دمشق ودفع المدعى عليه في أول جلسة حضرها بعدم اختصاص المحكمة المحلي لأن العقار المتنازع فيه لا يقع في دائرتها وردت المحكمة دفعه ثم أقر بعد ذلك بملكية العقار للمدعي فإن إقراره هذا ليس إقراراً قضائياً كونه وقع أمام محكمة غير مختصة, ولكن إذا لم يدفع في أول جلسة بعدم اختصاص المحكمة المحلي وأقر بصحة دعوى المدعي فإقراره صحيح لأن الدفع بعدم اختصاص المحكمة المحليّ الذي يترتب عليه البطلان يجب أن يتم في بدء المحاكمة وقبل أي دفع أو طلب آخر وإلا سقط الحق فيه.كما يسقط حق الطاعن في هذه الدفوع إذا لم يثرها في استدعاء الطعن. “مادة 145 أصول محاكمات مدنية”

    – و كذلك إذا وقع الإقرار أمام محكمة غير مشكلة تشكيلاً صحيحاً فلا يعتبر إقرارً قضائياً.

    ومثال على ذلك أن يقع الإقرار و لا يوّقع كاتب المحكمة على ضبط الجلسة التي تم فيها الإقرار, مما يرتب بطلان هذا الإجراء لعدم تشكيل المحكمة تشكيلاً قانونياً ” مادة 41 أصول محاكمات مدنية “

    2– أن يقع الإقرار أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة التي يكون الإقرار بها.

    وذلك في أية حالة كانت عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع, فيمكن أن يقع الإقرار خطياً بموجب مذكرة أو شفهياً أثناء استجواب الخصوم من قبل القاضي.

    إن الإقرار الوارد في دعوى غير دعوى النزاع لا يعد إقراراً قضائياً ويترك تقديره لمحكمة الموضوع، فلها مع تقدير الظروف التي صدر فيها والأغراض التي حصل من أجلها أن تعتبره دليلاً مكتوباً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة كما لها ألا تأخذ به أصلاً”

    (نقض سوري رقم 630 أساس 887 تاريخ 18 / 4 / 1979 مجلة المحامون ص337 لعام 1979)

    -أما بالنسبة للواقعة التي ينصب عليها الإقرار فقد تكون واقعة مادية:كالإقرار بوقوع حادث من قبل المُقر سبب ضرراً للمدعي.أو يكون للواقعة المُقر بها أثر قانوني:كإقرار المشتري بأنه كان على علم بإعسار البائع في دعوى إبطال تصرفات المدين المعسر.أو تكون الواقعة بحد ذاتها تصرفاً قانونياً:كالإبراء الحاصل من الدائن للمدين.

    – وثمة نقطة أخرى وردت في تعريف الإقرار القضائي تنبغي الإشارة إليها وهي أن يصدر الإقرار القضائي من الخصم نفسه أو ممن ينوب عنه نيابة خاصة.

    وهنا نتساءل هل يكفي التوكيل بالخصومة ليعطي الوكيل صلاحية الإقرار أم ينبغي وجود النيابة الخاصة بالنص صراحة على تفويض الوكيل بالإقرار؟

    الحقيقة أن هناك التباس طفيف بين نصين يحكمان هذه المسألة وهما نص المادة 499 من قانون أصول المحاكمات المدنية ونص المادة 94 من قانون البينات.

    فالمادة 499 من قانون الأصول تنص على أن:”التوكيل بالخصومة يخول الوكيل سلطة القيام بالأعمال والإجراءات اللازمة لرفع الدعوى ومتابعتها والدفاع فيها والإقرار وقبول اليمين……….وذلك بغير إخلال بما أوجب فيه القانون تفويضاً خاصاً”

    فللوهلة الأولى قد يعتقد المرء بأن التوكيل بالخصومة يخول الوكيل سلطة الإقرار ولكن النص -وذلك بغير إخلال بما أوجب فيه القانون تفويضاً خاصاً – هو نص واضح وقد أوجب القانون مثل هذا التفويض الخاص الذي أشارت إليه هذه المادة في تعريفه للإقرار القضائي في المادة 94 بينات واشتراطه النيابة الخاصة للإقرار القضائي وعدم الاكتفاء بمجرد التوكيل بالخصومة, ونظراً لوقوع البعض في هذا الالتباس فقد وجبت الإشارة إليه.

             

    *-التفريق بين الإقرار القضائي والإقرار غير القضائي من حيث حجية الإثبات.

    – فبالنسبة لقوة الإثبات: يعتبر الإقرار القضائي حجة ملزمة ليس للقاضي سلطة في تقديرها.

    “إن الإقرار القضائي هو الحاصل أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة الجاري الإقرار بشأنها وهو حجة ملزمة لا يملك القاضي سلطة تقديرها”

    (نقض سوري رقم 287 تاريخ 25 / 8 / 1952 مجلة القانون ص698 لعام 1952)

    أما الإقرار غير القضائي فيعتبر واقعة يعود تقديرها للقاضي.

    “إن الإقرار غير القضائي عند ثبوته ينزل منزلة الواقعة التي يعود للقاضي تقدير قوتها في الإثبات، فله اتخاذها دليلاً كاملاً أو مبدأ دليل أو مجرد قرينة”

    (نقض سوري رقم 397 تاريخ 26 / 11 / 1952 سجلات محكمة النقض)

    ولعل أهمية التفريق بين الإقرار القضائي والإقرار غير القضائي من حيث قوة الإثبات تتجلى في أن ركن القصد ظاهر في الإقرار القضائي لصدوره عن المقر بحضور القاضي في حالة يكون فيها القاضي على إطلاع تام بالقضية المعروضة أمامه بحيث يكون المُقر قاصداً ما يقر به بشكل تام ويتأكد القاضي من كون أقوال المُقر تتعلق فعلاً بالواقعة المقر بها.

    أما في الاقرار غير القضائي فركن القصد غير واضح تماماً لصدوره عن المُقر في غير القضية التي تتعلق به, أو في غير حضور القاضي فلا يمكن الجزم بانصراف قصد المُقر فعلاً إلى هذه الواقعة أم إلى واقعة أخرى.

    – من جهة وسيلة الإثبات:فالإقرار القضائي ليس في حاجة عملياً إلى إثبات لأنه يثبت في محضر المحاكمة و ليس للقاضي سلطة في تقديره.

    أما الإقرار غير القضائي فيتم إثباته طبقاً للقواعد العامة المقررة للإثبات.

    فقد يتم إثباته بسند رسمي كالإقرار الحاصل أمام الكاتب بالعدل أو الحاصل أمام محكمة في غير الدعوى التي أقيمت بالواقعة المُقرّ بها.

    وقد يتم إثباته بسند عادي والسند العادي هو “الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه أو على خاتمه أو بصمة إصبعه وليست له صفة السند الرسمي”

    وقد يتم إثباته بالشهادة في الأوضاع التي يجيزها القانون وبالتالي بالقرائن القضائية أيضاً.

    – شروط الإقرار:

    أولاً: يشترط أن يكون المقر عاقلاً بالغاً غير محجور عليه:

    فلا يصح إقرار الصغير والمجنون والمعتوه والسفيه، ولا يصح على هؤلاء إقرار أوليائهم وأوصيائهم والقوام عليهم. ولكن الصغير المميز المأذون يكون لإقراره حكم إقرار البالغ في الأمور المأذون فيها.مادة 96 بينات

    ومعنى “ولا يصح على هؤلاء إقرار أوليائهم وأوصيائهم والقوام عليهم” أي لا يصح إقرار الولي والوصي والقيّم إذا تناول الإقرار عملاً قام به الصغير أو المجنون أو المعتوه أو السفيه بنفسه أما إذا قام بالعمل الولي أو الوصي أو القيّم مستنداً إلى ولايته أو وصايته أو كونه قيماً على أموال المحجور عليه فإقراره بهذا العمل صحيح ومنتج لآثاره.

    ثانياً: يشترط ألا يكذب ظاهر الحال الإقرار : مادة 97 بينات

    ومثال ذلك أن يقرّ شخص بصحة بصمة إصبعه على سند عادي فيما تكون إصبعه التي ادعى أنها بصم بها مبتورة قبل تاريخ السند مثلاً.

    وعلى كل حال يعود لتقدير المحكمة مدى مطابقة الإقرار لظاهر الحال على ما يبدو لها من وقائع الدعوى.

    ثالثاً:

    1 ـ لا يتوقف الإقرار على قبول المقر له، ولكن يرتد برده.

    2 ـ وإذا رد المقر له مقداراً من المقر به، فلا يبقى حكم الإقرار في المقدار المردود، ويصح الإقرار في المقدار الباقي.مادة 98 بينات

    فبمجرد أن يتم الإقرار يثبت حق المقر له بما تضمنه الإقرار دون حاجة إلى إبداء قبول من المقر له أو أي تعبير آخر يفيد القبول.

    ولكن ذلك لا يمنع المقر له من رد الإقرار جزئياً أو كلياً, وفي هذه الحال يصح الإقرار في المقدار غير المردود.

    – أحكام وقواعد الإقرار:

    يمكن تلخيص قواعد الإقرار حسب قانون البينات السوري بما يلي:

    أولاً: المادة 99 بينات فقرة 1 “يلزم المرء بإقراره إلا إذا كذب بحكم”.

    لأن الحكم بالتكذيب يدل على عدم وقوع المقر به أصلاً, كما لو وقع الإقرار صورياً لستر تصرف ما ومثال ذلك أن يقرّ شخص بأنه باع عقاره وقبض ثمنه وحقيقة التصرف كانت هبة ولم تكن بيعاً فمن حق دائني الواهب المقر بالبيع تواطؤاً وكذباً إثبات كذب إقراره هذا.

    ثانياً:المادة 99 بينات فقرة 2 “ولا يصح الرجوع عن الاقرار إلا لخطأ في الواقع، على أن يثبت المقر ذلك”

    أي لا يصح رجوع المُقر عن إقراره إلا إذا أثبت أنه أخطأ في الوقائع المادية التي أقرّ بها, لأن الخطأ المادي يدل على أن الإقرار مشوب بعيب الرضا فيجوز الرجوع عنه.

    “قرر المشرع عدم جواز الرجوع في الإقرار إذا أثبت المقر أنه أخطأ في الوقائع المادية. فالخطأ المادي يدل على أن الإقرار مشوب بعيب الرضا، لأن المشرع حينما يلزم المرء بإقراره يستند في هذا الالتزام إلى صدوره عنه بالرضا والاختيار، فإذا لم يكن كذلك، جاز الرجوع عنه لزوال السبب الموجب للإلزام”

    (نقض سوري رقم 122 أساس 606 تاريخ 19/2/1995 محامون ص879 لعام 1996)

    “الخطأ الذي يبيح الرجوع في الإقرار لا يتحقق إلا في حالة الاعتراف بأمر لم يكن موجوداً في الواقع

    (نقض سوري رقم 177 تاريخ 27 / 3 / 1963 مجلة القانون ص282 لعام 1963)

    ثالثاً: المادة 100 بينات “الإقرار حجة قاصرة على المقر”

    فإذا أقرّ أحد المدينين بالدين مثلاً فحجية إقراره ثابتة بالنسبة إليه فقط ولا تتعدى إلى المدينين الآخرين.

    رابعاً: المادة 101 بينات “لا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يقتضي حتماً وجود الوقائع الأخرى”

    أي أنه لا يجوز للمقر له أن يأخذ من الإقرار ما يفيده ويطرح ما يضره فإما أن يأخذ بالإقرار كاملاً أو يرده كاملاً.

    كأن يقر المدين بانشغال ذمته قِبل المقر له بمبلغ مليون ليرة ويضيف أنه قام بوفاء خمسمائة ألف منها للدائن المقر له.

    وهنا على الدائن إما أن يثبت الواقعة الأصلية المدعى بها وهي وجود الدين أو أن يثبت عدم حصول الوفاء ويخضع الإثبات هنا للقواعد العامة في الإثبات.

    “الإقرار بالعقد وبالوفاء لا يتجزأ، لأن العقد يستتبع الوفاء

    (نقض سوري رقم 916 أساس 918 تاريخ 10 / 6 / 1970 مجلة المحامون ص235 لعام 1970)

    ولكن الإقرار يقبل التجزئة في حالات:

    1- إذا كان وجود الواقعة الثانية المصاحبة لا يقتضي حتماً وجود الواقعة الأصلية.

    كأن يقر المدين بالدين ويدعي انقضاؤه بالمقاصة القضائية.

    ولتوضيح المثال نذكر بالمقاصة التي عرفها القانون المدني في المادة 360 فقال:

    “للمدين حق المقاصة بين ما هو مستحق عليه لدائنه وما هو مستحق له قِبَل هذا الدائن، ولو اختلف سبب الدينين، إذا كان موضوع كل منهما نقوداً أو مثليات متحدة في النوع والجودة، وكان كل منهما خالياً من النزاع، مستحق الأداء، صالحاً للمطالبة به قضاء”

    فواضح أن المقاصة تقع بين دينين كل دين منهما يعتبر واقعة قانونية منفصلة عن الأخرى وهنا على المدعي المقر له إثبات الواقعة الثانية – المقاصة -المستقلة عن الواقعة الأولى – وجود الدين الأصلي :

    ” يكون الاقرار المركب غير قابل للتجزئة كلما كانت الواقعة المرتبطة تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية، وهذه الحالة تشمل (فسخ العقد-وإقالته -والإبراء-والتجديد-والوفاء الكلي أو الجزئي)، حتى ولو كان هذا الوفاء واقعاً من الغير أو للغير بطلب من الدائن.

    -ويكون الإقرار المركب قابلاً للتجزئة كلما كانت الواقعة المرتبطة لا تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية، كما في حالة الإقرار بالقرض مع وقوع المقاصة فيه بدين آخر”

    (قرار هيئة عامة رقم 10 تاريخ 21 / 3 / 1981 مجلة القانون ص16 لعام 1981)

    “إن الإقرار الموصوف، أو الإقرار المركب، لا يتجزأ على صاحبه. فإما أن يأخذ الدائن الإقرار كله موصوفاً كما هو، وإما أن يدعه، وليس له أن يجزأه.

    ـ إن تجزئة الاقرار، أو عدم تجزئته، من مسائل القانون يخضع لرقابة محكمة النقض. كما إن لمحكمة النقض مراقبة تكييف الإقرار بأنه موصوف لا تجوز تجزئته”

    (نقض سوري رقم 1262 أساس 1044 تاريخ 27 / 11 / 1985 سجلات النقض)

  • الاستجواب في قانون البينات السوري ( مواد + اجتهادات )

    الاستجواب في قانون البينات السوري ( مواد + اجتهادات )

    الاستجواب-في-قانون-البينات-السوري

     

    نصت المواد 103 و104 من قانون البينات على أنه:

    المادة 103:” للمحكمة أن تستجوب من يكون حاضراً من الخصوم، ولكل منهم أن يطلب استجواب خصمه الحاضر”

    المادة 104:” للمحكمة كذلك أن تقرر حضور الخصم لاستجوابه، سواء من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب خصمه. وعلى من تقرر استجوابه أن يحضر بنفسه الجلسة التي حددها القرار”

    فللمحكمة أن تستجوب الخصم الحاضر أو تقرر حضوره للاستجواب.

    وللخصم ذي المصلحة أن يطلب استجواب خصمه الحاضر أو أن يطلب من المحكمة أن تقرر حضوره لاستجوابه.

    وحاجة الدعوى لاستجواب أمر تقدره المحكمة فإذا رأت أن الدعوى ليست في حاجة إلى استجواب، أو أن الوقائع التي يراد استجواب الخصم عنها غير منتجة أو غير جائزة الإثبات، رفضت طلب الاستجواب مادة 105 بينات.

    ولكن ينبغي على المحكمة الرد على طلب الاستجواب سلباً أو إيجاباً.

    “حيث أن الاستجواب وسيلة من وسائل الإثبات التي أقرها القانون. لذلك فإن المحكمة إذا لم ترد على طلب المدعي استجواب خصمه لا سلباً ولا إيجاباً، فإن حكمها يغدو مثلوماً لهذه الجهة مما يوجب نقضه”

    (نقض سوري رقم 1541 أساس 1298 تاريخ 23 / 9 / 1982 سجلات النقض)

    ” إذا كان للمحكمة أن ترفض طلب الاستجواب، فإن عليها قبل إصدار حكمها أن تبلغ طالبه هذا الرفض ليتاح له تقديم باقي دفوعه وأدلته على الدعوى ومنها الاحتكام باليمين إلى ذمة خصمه”

    (نقض سوري رقم 93 أساس مبالغ 131 تاريخ 7 / 2 / 1975 مجلة المحامون ص441 لعام 1975)

    أما إجراءات الاستجواب فهي على درجة من اليسر والسهولة وقد نص عليها المشرع في قانون البينات في المواد من 107 وحتى 111 كما يلي:

    المادة 106:

    “يوجه الرئيس الأسئلة التي يراها إلى الخصم، ويوجه إليه أيضاً ما يطلب الخصم الآخر توجيهه منها، وتكون الإجابة في الجلسة نفسها، إلا إذا رأت المحكمة إعطاء مهلة للإجابة”

    المادة107:

    “تكون الإجابة في مواجهة من طلب الاستجواب، ولكن لا يتوقف الاستجواب على حضوره”

    المادة 108:

    “على المحكمة منع كل سؤال يكون غير منتج أو غير جائز، ومنع مقاطعة المستجوب أثناء إجابته”

    المادة 109:

    “تدون الأسئلة والأجوبة بالتفصيل والدقة بمحضر الجلسة، وبعد تلاوتها يوقع عليها الرئيس والكاتب. وإذا امتنع المستجوب عن الإجابة، ذكر في المحضر امتناعه وسببه”

    المادة 110:

    “إذا كان للخصم عذر يمنعه من الحضور بنفسه، جاز للمحكمة أن تنتدب أحد قضاتها لاستجوابه على نحو ما ذكر”

    وقد قرر المشرع في المادة 111 بينات مؤيداً قوياً أدخله لأول مرة في التشريع السوري لإنفاذ قرار المحكمة في حضور الخصم للاستجواب وهو إجازته للمحكمة أن تعتبر عدم حضور الخصم المقرر استجوابه بالذات أو عدم إجابته على أسئلة المحكمة مسوغاً لاعتبار الوقائع التي تقرر استجوابه عنها ثابتة, أو أن تقبل إثباتها بالشهادة والقرائن في الأحوال التي يتوّجب إثباتها بالكتابة حصراً وذلك استثناءً من القواعد العامة في الإثبات بالشهادة والقرائن.

    المادة 111 بينات: “إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول، أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني، جاز للمحكمة أن تتخذ من هذا النكول أو التخلف مسوغاً لاعتبار الوقائع التي تقرر استجوابه عنها ثابتة، أو أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك”

    ولكن على المحكمة لإعمال آثار هذا المؤيد ونظراً لما له من عواقب خطيرة أن تبين للخصم المطلوب استجوابه سبب دعوته لجلسة الاستجواب.

    “إن دعوة الخصم للاستجواب رغم تمثيله بوكيل قانوني يستوجب من المحكمة بيان سبب الدعوة وكون الجلسة مخصصة للاستجواب حتى يمكن تحميله النتائج القانونية”

    (نقض سوري رقم 106 تاريخ 11 / 2 / 1970 سجلات محكمة النقض)

     

  • كل شيء عن المانع الأدبي في قانون البينات السوري مع الاجتهادات

    كل شيء عن المانع الأدبي في قانون البينات السوري مع الاجتهادات

    كل-شيء-عن-المانع-الأدبي-في-قانون-البينات-السوري

    تعريف المانع الأدبي : 

    لايوجد تعريف محدد للمانع الأدبي في القانون ويمكن تعريفه بما يلي : هو علاقة أو وضع أو ظرف يمنعك من أن تأخذ دليلاً كتابياً على واقعة أو تصرف قانوني ما”

    فمثلا لو استدان شقيقك أو والدك منك بعض المال فانه من الأدب أن لاتطلب منهم أن يوقعوا لك على ورقة كتابية أو سند كدليل على ذلك اي الأدب يمنعك من ذلك لذلم سمي مانعاً أدبياً وقس على ذلك الكثير من العلاقات أو الأوضاع لايمكن فيها كتابة دليل كتابي بالواقعة او التصرف القانوني.

    مقدمة : 

    نظم المشرع السوري قواعد الإثبات بموجب قانون البينات رقم / 359 / لعام 1947 وقد جمع هذا القانون بين دفتيه جميع القواعد الموضوعية والقواعد الإجرائية المتعلقة بالبينات المدنية والتجارية.

    وفي سبيل وصول الأفراد إلى حقوقهم حدد المشرع بموجب هذا القانون الوسائل التي يستطيع الأفراد اللجوء إليها لإثبات ما يدعونه من حقوق.

    وجاء في مقدمة هذه الوسائل الأدلة الكتابية والشهادة.

    ويعتبر الدليل الكتابي من أقوى طرق الإثبات، لا يلحقه ما يلحق الشهادة من الشبهة وقلة اليقين؛ بسبب ضعف ذاكرة الشهود واختلافهم في نقل الوقائع.

    وقد فضل المشرع الدليل الكتابي على الشهادة، فجعله من الأدلة المطلقة التي يمكن المجوء إليها لإثبات كافة مصادر الحقوق والالتزامات، في حين لم يمنح الشهادة إلا قوة ثبوتية محدودة؛ بالنظر لاعتمادها على ذاكرة الشهود وحسن نيتيم، فلم يجيز الإثبات بها إلا في أحوال معينة تاركاً للقاضي سلطة تقديرها. حيث أجاز المشرع الإثبات بالشهادة في الالتزامات غير التعاقدية.

    وأما في نطاق الالتزامات العقدية، فقد أجاز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التجارية إطلاقاً، وفي الالتزامات المدنية التي لا تزيد قيمتها على النصاب الكلي للشيادة. فإذا زادت قيمة الالتزام المدني على ذلك، أو كان غير محدد القيمة، فلا يجوز إثبات وجود الالتزام أو البراءة منه إلا بالكتابة.

    وبذلك يكون المشرع قد وضع قاعدة عامة بوجوب الإثبات بالكتابة في الالتزامات التعاقدية التي تزيد قيمتها على النصاب الكلي للشهادة.

    إلا أنه ولما كان غرض المشرع من تنظيم قواعد البينات تسيهل وصول الأفراد إلى حقوقهم، فقد أخذ بعين الاعتبار مراعاة بعض الظروف الاجتماعية والإنسانية والواقعية، حتى لا تقف قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة حائلا دون وصول الأفراد إلى هذه الحقوق.

    فأجاز لهم الإثبات بالشهادة استثناءً إذا ما امتنع عليهم الحصول على الدليل الكتابي نتيجة ظروف معينة أو صلات خاصة بين أطراف التصرف القانوني، جعلتهم في وضع محرج من الناحية الأدبية من طلب الدليل الكتابي.

    اذ أجازت المادة / 57 / من قانون البينات الإثبات بالشهادة ولو تجاوزت قيمة المطلوب النصاب الكلي للشهادة، إذا وجد مانع أدبي حال دون الحصول على دليل كتابي.

    واعتبرت القرابة بين الزوجين أو ما بين الأصول والفروع أو ما بين الحواشي إلى الدرجة الثالثة أو ما بين أحد الزوجين  وأبوي الزوج الآخر مانعاً أدبياً.

    حيث نصت المادة /57/ على مايلي :

    ” يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية حتى ولو كان المطلوب تزيد قيمته على خمسين آلف ليرة سورية.

    1- إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي.

    أ- يعتبر مانعاً مادياً إذا كان لا يوجد من يستطيع كتابة السند أو أن يكون طالب الإثبات شخصاً ثالثا لم يكن طرفا في العقد.

    ب- يعد من الموانع الأدبية قرابة الزوجين وقرابة الدم وقرابة المصاهرة حتى الدرجة الثالثة” .

    و بينت المذكرة الإيضاحية لقانون البينات أن الموانع الأدبية جاءت على سبيل المثال لا الحصر، وذكرت بعض الأمثلة الأخرى على حالات المانع الأدبي.

    ومن الواضح أن موضوع المانع الأدبي له أهمية بالغة وخطيرة في مجال الإثبات؛ كونه يحدث خرقاً في قاعدة الدليل الكتابي.

    وخاصةً أن المشرع السوري لم يعرف المانع الأدبي، ولم يضع له معياراً واضحاً محدداً، بل ترك هذه المهمة لرجال القضاء.

    وبما أن المانع الأدبي استثناء على قاعدة الدليل الكتابي، والاستثناء لا يجوز التوسع فيه، كان من اللازم بيان مدى سلطة القاضي في تقدير هذا المانع سواء من حيث وجوده أو انتفائه، خصوصاً أن المشرع السوري افترض وجود المانع بالنسبة للقرابة المذكورة بنص المادة/ 57 /بينات، لذلك فإن التساؤل الذي يطرح هنا، ما هو مدى سلطة القاضي في تقدير وجود المانع الأدبي أو انتفائه بالنسبة للقرابة المذكورة بنص المادة؟

    وما هو مدى هذه السمطة في الحالات الآخرى غير المنصوص عميلا؟ وما هو مدى الرقابة التي تمارسها محكمة النقض على قاضي الموضوع في تقديره لممانع الأدبي في الحالتين؟

    وقد أفردنا لكل بحث وجانب من جوانب المانع الأدبي في قانون البينات السوري مقالاُ منفرداً (يرجى الضغط على رابط كل مقال لمشاهدته ) وهي :

    1- المانع الأدبي الناشئ عن الخطوبة في قانون البينات السوري

    2- المانع الأدبي أثناء قيام الزوجية في القانون السوري

    3- هل يوجد مانع أدبي بين الزوجين بعد الطلاق في القانون السوري

    4- المانع الأدبي للقرابة والمصاهرة في قانون البينات السوري

    5- المانع الادبي بين الأصول والفروع

    6- هل تعتبر رابطة الصداقة من الموانع الأدبية

    7- هل يتوفر المانع الادبي بين أولاد العم أو الخال

    8- المانع الأدبي بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر

    9- هل المساكنة مانع أدبي في القانون السوري

    10 – هل تشكل رابطة الخدمة مانعاً أدبياً في الاثبات

    11- المانع الأدبي الناشئ عن رابطة العمل

    12- العداوة كسبب في اهدار المانع الأدبي في القانون السوري

    13- اعتياد التعامل بالكتابة كسبب في اهدار المانع الأدبي

    14- المانع الأدبي فيما يخالف الدليل كتابي

    15- المانع الأدبي والصورية في قانون البينات السوري

    16- سلطة القاضي في تقدير المانع الأدبي

    17- ثبوت المانع الأدبي وآثاره

     

  • ثبوت المانع الأدبي وآثاره

    ثبوت المانع الأدبي وآثاره

     

     المانع-الادبي-في-قانون-البينات-السوري

    أولاً. إثبات المانع الأدبي:

    إن المانع الأدبي لا يعدو أن يكون واقعة مادية يدعيها الشخص الذي يقع عليه عبء إثبات اتفاق أو تصرف قانوني معين بالكتابة حتى ينمكن من إثباته بالبينة الشخصية والقرائن.

    وبالتالي فأنه يتوجب على من يدعي وجود مانع أدبي أن يثبت قيامه وبتاريخ إبرام التصرف الذي يراد إثباته بالبينة الشخصية والقرائن، ويجوز له أن يثبت ذلك بجميع طرق الإثبات بما فيها الشهادة و القرائن . 

    وقد أكدت على ذلك الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية حيث جاء في قرار لها:

    ( يجوز إثبات وجود المانع الأدبي بالشهادة).

    إلا أن المشرع السوري وبموجب نص المادة / 57 / بينات – كما وضح سابقاً- افترض قيام المانع الأدبي بالنسبة للقرابة المحددة بنص المادة، فيكون بذلك قد اعتبر مجرد وجود إحدى حالات القرابة المذكورة، قرينة قانونية على قيام المانع الأدبي تعفي بذاتها من عبء إثبات صلاة الثقة والمحبة والاحترام التي تؤدي للحرج من طلب دليل كتابي.

    وتعتبر هذه القرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس بجميع طرق الإثبات.

    ولا يكلف من يتمسك بالمانع الأدبي في هذه الحالات إلا أن يثبت قيام الزوجية أو القرابة بالدرجة التي حددتها المادة / 57 / بينات،  ويتم إثبات القرابة عن طريق سجلات الأحوال المدنية أوشهادة المولد أو عقد الزواج.

    وفي غير حالات القرابة المحددة بنص المادة / 57 / بينات فأنه يتوجب على من يدعي

    وجود المانع الأدبي أن يثبت قيامه. فقد جاء في اجهاد لمحكمة النقض:

     ( إن مجرد الصداقة بين الطرفين المتعاقدين لا تجعل المانع الأدبي بينهما قائماً بل لا بد من إثبات أن هذه الصداقة حميمة، وأن المانع الأدبي قائم بالتعامل بينهما على عدم كتابة الأسناد الخطية).

    وفي جميع الأحوال فأنه يجب على من يدعي وجود المانع الأدبي أن يتمسك به أمام محكمة الموضوع سواء كان هذا المانع مفترض بنص القانون أو كان واجب الإثبات، ولا يجوز للمحكمة أن تثير هذا المانع من تلقاء نفسيا؛ لأنه استثناء من قاعدة وجوب الدليل الكتابي، كما أن وسائل الإثبات ليست من النظام العام.

     وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية، حيث جاء في قرار  لها :

    (ليس للمحكمة أن تثير من  تلقاء  نفسها المانع الأدبي الذي يسمح الإثبات بالبينة الشخصية).

    وبناء على ذلك، فأنه لا يجوز التمسك بوجود مانع أدبي لأول مرة أمام محكمة النقض؛ لأن الدفع بوجود مانع أدبي يعتبر من الدفوع الموضوعية التي يتوجب إثارتها أمام محكمة الموضوع، وفي هذا السياق جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية:

    ( إذا كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بتعذر حصوله على دليل كتابي بسبب قرابة يدعيها، فلا يقبل منه الطعن في حكمها بأنه أخطأ إذ لم يعتبر هذه القرابة مانعة من الحصول على الدليل الكتابي).

    كما جاء في قرار أخر صادر عن محكمة النقض المصرية:

    (متى كان الطاعنون لم يتمسكوا لدى محكمة الموضوع بوجود مانع أدبي يبرر الإثبات بغير الكتابة فلا يجوز لهم أن يثيروا هذا الدفاع الجديد لأول مرة أمام محكمة النقض).

    ثانياً. آثار قيام المانع الأدبي:

    متى ثبت قيام المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي جاز لمخصم الذي يتمسك بوجود المانع أن يثبت ما كان يجب إثباته بالكتابة عن طريق البينة الشخصية و القرائن ،

    سواء كان تصرفاً قانونياً تتجاوز قيمته النصاب الكلي للشهادة، أو كان تصرفاً اشترط القانون بنص خاص إثباته بالكتابة ولو لم تتجاوز قيمتو نصاب الشهادة.

    إلا أن المانع الأدبي لا يجيز إثبات ما يخالف أو يجاوز الدليل الكتابي إلا في حالة الصورية.

    كما أن ثبوت قيام المانع الأدبي لا يجيز إثبات العقود الشكلية بالشهادة؛ لأن الكتابة ركن شكلي

    من أركان تلك العقود، أي عندما تكون الشكلية مطلوبة كركن انعقاد بحيث يعتبر العقد لا

    وجود له إذ لم يستوفي الشكلية المطلوبة.

    أما إذا كانت الشكلية مطلوبة لإثبات التصرف فقط فإن ثبوت قيام المانع الأدبي يتيح إثباته بالشهادة.

    والإجازة لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود تقتضي دائماً أن يكون للخصم الأخر الحق في نفيها بهذا الطريق.

    كما أن جواز إثبات أصل الالتزام التعاقدي بالبينة الشخصية لوجود مانع أدبي يجيز إثبات ما يتفرع عن هذا الالتزام بالوسيلة نفسها، كمكان وقوع العقد ومكان الوفاء به ؛ لأن الفرع يتبع الأصل ولا يفرد بالحكم.

    وكما أن قيام المانع الأدبي يتيح للخصوم الإثبات بالبينة الشخصية و القرائن ، فأنه يمكن المحكمة من تقصي الحقائق والوقوف على القرائن  التي تثبت التصرف المدعى وجوده من خلال وقائع الدعوى ومستنداتها، فقد جاء في قرار لمحكمة النقض:

    ( إن جواز إثبات حصول القسمة بين الأخوين بالبينة الشخصية بالاستناد إلى القرابة والمانع الأدبي يمكن محكمة الموضوع من استخراج  القرائن  على وقوع القسمة بين الأخوين من شتى الوقائع والمستندات المبرزة في الدعوى التي يناقش فيها الخصوم.

    إن محكمة الموضوع كما تستند في استخلاص القرينة إلى ظروف الدعوى وملابساتها، فإنها يمكن أن تستشف هذه القرينة من وقائع القضية التي تناقش فيها الخصوم أو من وقائع ومستندات قضية أخرى بعد أن توضع قيد البحث بين أطراف الدعوى).

    ومن الجدير بالذكر أن آثار المانع الأدبي لا تقتصر على المتعاقدين، بل تمتد إلى الخلف العام والخاص لهما، فالوارث من حيث أنه خلف عام للمورث، فأنه يحل محله في طرق الإثبات بالنسبة للعقود التي أبرمها هذا السلف، ويجوز له ما كان يجوز للسلف سلوكه من طرق الإثبات ومنها أن يتمسك بوجود مانع أدبي بين مورثه ومن تعاقد معه ،

    وقد أكدت ذلك محكمة النقض في قرارلها :

    ( إن الوارث يحل محل مورثه في طرق الإثبات لأنه خلف عام له، وعليه فالزوج يحل محل زوجه لإثبات الصورية بالبينة الشخصية تجاه شقيق زوجه لقيام المانع الأدبي).

    كما أكدت محكمة النقض على حق الخلف الخاص بالتمسك بوجود مانع أدبي في نطاق العقود التي أجراها سلفه بشأن العين التي حل محله فيها، حيث جاء في قرار لها :

    ( يجوز للخلف الخاص أن يتمسك بالقسمة الرضائية الجارية بين الشركاء قبل شرائه أي حصة من العقار ولهذا الخلف ما للسلف من حقوق إثبات عقد القسمة بالبينة في حال وجود مانع أدبي ما بين الشركاء سابقاً).

    وأما بالنسبة للغير، وهو كل شخص أجنبي عن العقد ليس طرفاً فيه، وليس خلفاً عاماً أو خاصاً لأحد المتعاقدين، فالأصل أنه يجوز له إثبات العقد الجاري بينهما بجميع طرق الإثبات؛ لأن العقد يعتبر بالنسبة له واقعة مادية.

    إلا أنه في بعض الأحيان قد يتوجب عليه أن يثبت العقد وفق القواعد العامة التي يتقيد بها طرفا العقد، وبالتالي إذا كان بين طرفي العقد مانع أدبي، فيكون من حقه التمسك بهذا المانع لإثبات وجود العقد بالبينة الشخصية و القرائن .

    ومن ذلك حالة الغير الذي يتعامل مع الوكيل، حيث يتوجب عليه أن يثبت الوكالة وفقاً لمقواعد العامة، أي ليس له إثباتها بالبينة الشخصية إلا إذا كانت الوكالة تجارية أو إذا كان هناك مانعاً من الحصول على الكتابة بين الموكل والوكيل.

    وفي هذا السياق جاء في قرار لمحكمة النقض:

    (إذا كانت الوكالة من أخ لأخيه، فإن من يتعامل مع هذا الأخ الوكيل له إثبات التوكيل المشار إليه بالبينة الشخصية لقيام المانع الأدبي بين الوكيل والموكل الآخرين).

     

  • سلطة القاضي في تقدير المانع الأدبي

    سلطة القاضي في تقدير المانع الأدبي

    أولاً. السلطة المقيدة:

    على الرغم من أن المشرع السوري ذكر بعض حالات المانع الأدبي بموجب نص

     المادة/ 57 / بينات على سبيل المثال لا الحصر، إلا أنه حصر المانع الأدبي بالنسبة لروابط القرابة، بالقرابة ما بين الزوجين، والقرابة ما بين الأصول والفروع، وقرابة الحواشي إلى الدرجة الثالثة، وقرابة المصاهرة ما بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر.

    وبالتالي فإن سلطة القاضي في تقدير المانع الأدبي بالنسبة لروابط القرابة تكون محصورة في هذا النطاق، بحيث لا يجوز التوسع في هذه الحالات أو الإضافة عليها؛ وذلك لأن المشرع السوري لم يطلق النص كما فعلت التشريعات الأخرى كالتشريع المصري، أي أن تحديد متى تعتبر صلة القرابة مانعاً أدبياً من الحصول على دليل كتابي في نص المادة / 57 / بينات حول هذه الصلة من مانع خاص ذاتي إلى مانع موضوعي عام، بحيث يعتبر المانع الأدبي قائماً بمجرد قيام هذه الدرجة من القرابة وعلى من يدعي فقدأنه أن يثبت ذلك.

    ولذلك فإن سلطة القاضي المصري تكون أوسع من سلطة القاضي السوري في تقدير

    المانع الأدبي بالنسبة لروابط القرابة؛ إذ يتوجب- وفق اً لمتشريع المصري –على من يدعي

    قيام المانع الأدبي بين الأقرباء أن يثبته مهما كانت درجة القرابة، مما يتيح للقاضي سلطة واسعة في تقديره.

    وذلك بخلاف التشريع السوري إذ يتوجب على القاضي بمجرد توافر إحدى درجات القرابة التي نصت عليها المادة / 57 / بينات، وتمسك صاحب الشأن بها أن يقرر وجود المانع الأدبي، وعلى من ينكر قيام المانع الأدبي رغم وجود القرابة المعينة بالنص أن يثبت ذلك.

    ولذلك يمكننا القول أن دور القاضي لدينا في مجال المانع الأدبي المفترض بنص القانون هو دور مقيد، فإذا ما طالب أحد الأطراف بالإثبات بالشهادة لوجود مانع أدبي مستنداً في ذلك لوجود إحدى حالات القرابة التي ذكرها المشرع بنص المادة / 57 /، كلفه القاضي بإثبات هذه القرابة، وبمجرد إثباتها تقوم قرينة قانونية لمصلحة من يتمسك بها على وجود المانع الأدبي، ولا يستطيع القاضي أن يتجاهل القول بوجود المانع المفترض دون أن يكلف مدعيه بإثبات قيامه، أو أن ينفي وجود المانع، أو يرفض من تلقاء نفسه طلب الإثبات بالبينة رغم إثبات وجود المانع المفترض أو أن يتجاهله.

    ومن جهة أخرى لا يستطيع القاضي أن يقرر من تلقاء نفسو وجود المانع الأدبي القائم بحكم القانون دون أن يتمسك بذلك صاحب الشأن، أو دون أن يكلفه بإثبات درجة القرابة؛ ذلك أن وسائل الإثبات ملك الخصوم وليست من النظام العام ولا يجوز للمحكمة إثارتها من تلقاء نفسها. ففي جميع هذه الأحوال يجب على القاضي التقيد بالقواعد المبينة والا كان حكمه عرضةً للنقض.

    وبالتالي تكون سلطة القاضي السوري في تقدير وجود المانع المفترض معدومة؛ فلا يستطيع أن يتجاهل قيامه إذا ما تمسك به صاحب الشأن.

    ولكن إذا ما أنكر الطرف الآخر المانع الأدبي الذي تمسك به صاحب الشأن لوجود أحد الأسباب التي تؤدي لإهداره، فإن سلطة القاضي تتسع هنا للبحث في مدى صحة زوال المانع المفترض من بقائه. واذا ما قرر القاضي زوال المانع الأدبي فأنه يتوجب عليه أن يبين في حكمه الأسباب التي استند عليها في إهدار المانع وكيفية استخلاصها من الثابت في أوراق الدعوى؛ وذلك حتى تتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على الحكم وتتأكد من صحة النتيجة التي توصل إليها بحيث تكون مقبولة عقلا، والا كان حكمه جديراً بالنقض.

    كما أن سلطة القاضي في تقدير المانع الأدبي بالاستناد إلى روابط القرابة تقف عند الحد الذي نص عليه المشرع ، فيكون القاضي مقيداً بذلك الحد بحيث لا يجوز له تقرير وجود المانع الأدبي بالنسبة لرابطة قرابة لم يُنص عليها. وذلك ما أكدته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه:

     ( إن المادة / 57 / بينات حددت القرابة على سبيل الحصر بمعرض المانع الأدبي، فاقتصرت على القرابة ما بين الزوجين، أو الأصول والفروع، أو بين الحواشي إلى الدرجة الثالثة، أو ما بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر، فلا مساغ لتوسيع مدى نطاق هذه القرابة الذي تولت المادة المذكورة تحديده).

    فإذا أجاز القاضي الإثبات بالشهادة والقرائن لوجود مانع أدبي مبني على رابطة قرابة لم يأتي على ذكرها المشرع ، ولمجرد هذه القرابة دون أي أسباب أخرى تسوغ المانع الذي قرره، فأنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويكون حكمه حرياً بالنقض، ومثل هذا الخطأ قد يعرضه للمخاصمة؛ لأنه يعتبر خطأً مهنياً جسيماً.

    وفي سياق ذلك نقضت محكمة النقض قراراً أجاز الإثبات بالبينة مستنداً في ذلك على درجة قرابة لم تذكر بموجب المادة / 57 / بينات حيث جاء فيه:

    ( إن قرابة زوج أخت المدعي لا تشكل مانعاً أدبياً يجيز الإثبات بالشهادة).

    كما جاء في قرار آخر:

    (إن المادة / 57 / بينات حددت القرابة على وجه الحصر وليس من بينها القرابة بين الزوج وابن الزوج الآخر).

    وقد تم التوضيح سابقاً بخصوص القرابة الصهرية أنه لا مجال للاستدلال بنص المادة 39 / من القانون المدني السوري، والتي تعتبر أحد الزوجين في نفس الدرجة والقرابة  بالنسبة للزوج الآخر؛ طالما أن ما ورد بموجب المادة / 57 / بينات وبالنسبة للقرابة قد جاء على سبيل الحصر. وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية حيث جاء في أحد قراراتها :

    ( لا تعتبر القرابة بين الزوجة وشقيق زوجها مانع اً أدبياً بحكم القانون في مجالالإثبات بالشهادة؛ لأنها لا تدخل في ضمن تعداد الأقارب وفق المادة / 57 / والذي جاء على سبيل الحصر. وان الاجتهاد القضائي ذىب إلى أنه لا مجال لاعتبار درجات القرابة المشار إليها في المادة / 39 / مدني في مجال تطبيق المادة / 57 / بينات).

    يتضح مما تقدم أن سلطة القاضي في تقدير المانع الأدبي القائم على القرابة مقيدة من ناحيتين، فهو مقيد بقيام هذا المانع بمجرد التمسك به من قبل صاحب المصلحة، ومن ناحية أخرى يكون مقيداً بنطاق هذا المانع في حدود درجات القرابة الواردة في المادة/57 / بينات.

    ويترتب على هذا التقييد، أن مسألة تقدير المانع الأدبي المبني على روابط القرابة تعتبر مسألة قانونية وليست موضوعية، يتقيد القاضي بموجبها بنص المادة / 57 / بينات، وبما استقر عليه الاجتهاد القضائي لدينا، ويخضع في هذا التقدير لرقابة واسعة من محكمة النقض.

    وفي اعتبار هذا التقدير مسألة قانونية ورد في اجتهاد لمحكمة النقض السورية:

    (استقر الاجتهاد على أنه لا مانع أدبي بين أخت الزوجة وصهرها، إن هذا الأمر من المسائل القانونية).

    ثانياً. السلطة المطلقة:

    إذا كان المشرع قد حدد بموجب نص المادة / 57 /بينات حالات القرابة التي تعتبر مانعاً أدبياً بحكم القانون من الحصول على دليل كتابي، فحول معيار المانع الأدبي بالنسبة لهذه الحالات من معيار ذاتي إلى معيار موضوعي مفترض، مقيد اً بذلك سلطة القاضي في تقدير قيام المانع القائم على القرابة.

    إلا أن ذلك لا يعني أن سلطة القاضي في تقدير المانع الأدبي تقف عند الحالات المذكورة.

    فمن المتفق عليه فقياً واجتهاداً أن حالات المانع الأدبي قد وردت على سبيل المثال لا الحصر.

    وقد أشارت إلى ذلك المذكرة الإيضاحية لقانون البينات وذكرت بعض الأمثلة على الموانع الأدبية التي يعود تقديرها للقاضي.

    ولذلك فإن ذكر بعض الحالات التي تعتبر مانعاً أدبياً ليس من شأنه أن يسلب المانع الأدبي ذاتيته بالنسبة للمتعاقدين، ولولا هذا الذاتية لما أمكن نفي قيام المانع الأدبي الذي افترض المشرع قيامه بين الأقرباء.

    وبالتالي فإن معيار المانع الأدبي فيما خلا الحالات المذكورة بنص المادة / 57 / بينات يعتبر معيار ذاتي أي خاص نسبي يختلف من شخص لآخر.

    وهنا تظهر السلطة الممنوحة لقاضي الموضوع في تقدير المانع الأدبي. فتقدير المانع الأدبي بين أقرباء لا يشملهم نص المادة / 57 /، أو بين أشخاص لا تجمعهم أي رابطة قرابة إنما يعود لمطلق سلطة القاضي التقديرية. وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية في قرار لها :

    ( حق القاضي بتقدير المانع الأدبي أو انتفائه ينحصر بين أفراد لا تربطهم صلاة القرابة، وليس له هذا التقدير بين الأقارب).

    وتقدير قيام المانع في هذه الحالات يعتبر مسألة موضوعية لا قانونية، ولاسيما وأن المانع الأدبي استثناء من قاعدة وجوب الدليل الكتابي، فلزوم ذلك أن يمنح القاضي سلطة واسعة في تقدير هذا المانع حتى يتحرى من مدى وجوده فعلاً بين المتعاقدين، فيقدر هذا المانع بناءً على ظروف كل قضية وملابساتها، فما يعتبر مانعاً أدبياً في حالة ما قد لا يعتبر مانعاً في حالة أخرى.

    فكلما وجد القاضي أن العلاقة بين الأطراف تحول من الناحية النفسية دون الحصول على دليل كتابي اعتبر ذلك مانعاً أدبياً وأجاز معه الإثبات بالشهادة.

    فالمانع الأدبي هو صلة بين المتعاقدين تحول نفسياً ومعنوياً دون الحصول على الدليل الكتابي؛ لأن طلب الدليل الكتابي مع وجود بعض الصلاة الخاصة والثقة المتبادلة بين المتعاقدين يؤدي إلى زعزعة الثقة فيما بينهم .

    ومن ثم يعتبر المانع أدبياً إذا كانت الظروف التي تم فيها التعاقد أو الصلاة التي تربط بين المتعاقدين وقت التعاقد لم تسمح من الناحية الأدبية لأحد المتعاقدين باقتضاء كتابة من الأخر.

    وتكون الاستحالة في هذه الحالة استحالة باطنية أو نفسية لا استحالة مادية أو خارجية كما في الموانع المادية، ولذلك يكون تقديرها أكثر صعوبة من الاستحالة الناشئة عن الموانع المادية،  إذ يقتضي تحري أثر الظروف المحيطة بالتعاقد في نفس المتعاقد لإمكان القول: أنه بلغ حداً كان يستحيل معه على المتعاقد أن يأخذ كتابة ممن تعاقد معه .

    ومن البدييي أن هذا الأثر النفسي يختلف من شخص لآخر فلا يمكن وضع قواعد أو ضوابط لما يعتبر مانعاً أدبياً.

    ومادام أن المانع الأدبي هو مانع نسبي يختلف من شخص لأخر، وهو يتصل بظروف الاتفاق أو التصرف، وبالعلاقات القائمة بين المتعاقدين، فإن أمر تقديره يعود لقاضي الموضوع ولا يخضع في هذا التقدير لرقابة محكمة النقض، متى كان استخلاصه مستساغاً، أي متى كانت الأسباب مؤدية للنتيجة التي انتهى إليها، وبناءًعلى ذلك فأنه يتعين على القاضي أن يبين في حكمه الأسباب التي استخلص منها وجود المانع الأدبي؛ وذلك حتى تتمكن محكمة النقض في حالة الطعن بالحكم أمامها من التحقق أن هذا الاستخلاص كان مقبول عقلاً وموافقاً لظروف القضية وملابساتها.

    مما يحول دون تساهل قاضي الموضوع كثيراً في تقديره لوجود المانع واجازته الإثبات بالشهادة فيهدر بذلك القاعدة التي أوجب القانون بها الإثبات بالكتابة.

    وهذا ما أكدته محكمة النقض في العديد من قراراتها نذكر منها:

    (إن حق تقدير وجود المانع الأدبي يعود للقاضي شريطة تعليل قراره وانسجامه مع الوقائع).

    (إن مسألة وجود مانع أدبي من عدمه هي ناحية موضوعية تملك محكمة الموضوع حق

    تقديرها).

    ( إن اعتبار صلة ما بين أطراف الخصومة من الموانع الأدبية التي تحول دون الحصول على دليل كتابي أو نفي هذه الصفة عنها من الأمور الواقعية التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع بلا معقب عليها من محكمة النقض).

    أما إذا خالف القاضي في تقديره للمانع الأدبي القانون والقواعد العامة للإثبات، كأن اعتبر مجرد القرابة بين أبناء العم مانعاً أدبياً وأجاز الإثبات بالشهادة استناداً إلى ذلك أصبح تقديره مسألة قانونية خاضعة لرقابة محكمة النقض.

    ومثل ذلك أيضاً إذا كان استنتاجه مخالفاً للمنطق، كأن يستخلص قيام المانع الأدبي من تعارف عابر بين شخصين أثناء رحلة في طائرة أو قطار، فإن استخلاصه هذا يصبح مسألة قانونية خاضعة لرقابة محكمة النقض؛ لأن هذا الاستخلاص أمر لا يستقيم مع المنطق السليم.

    ولا تستطيع محكمة النقض فرض رقابتها إلا إذا كان القرار معللاً، لذلك يجب على القاضي تعليل قراره حتى تستطيع محكمة النقض التمييز بين المسائل الموضوعية المتروكة لقناعة القاضي، والمسائل القانونية الخاضعة لرقابتها.

    ويعود لمحكمة النقض في كل حال أن تدقق فيما إذا كان الحكم معللاً كفاية من حيث ذكر الوقائع والظروف التي بني عليها قيام المانع الأدبي، ولها أن تنقض الحكم الذي دون أن يقدر ظروف القضية بذاتها، قد استند للقول بوجود المانع الأدبي إلى مجرد قيام صلاة القرابة البعيدة أو الصداقة أو غيرها من الروابط أو العادات والأعراف

  • المانع الأدبي والصورية في قانون البينات السوري

    المانع الأدبي والصورية في قانون البينات السوري

    الصورية هي اصطناع مظهر كاذب مخالف للحقيقة عند إجراء تصرف قانوني.

    ففي الصورية يكون لدينا عقدان، عقد مستتر ويسمى العقد الحقيقي، وهو العقد الذي اتجهت

    إليه إرادة المتعاقدين حقيقة، وعقد آخر  ظاهر لم تتجه إليه إرادة المتعاقدين هو العقد الصوري الذي يخفي العقد المستتر.

    والصورية تأخذ أحد مظهرين: صورية مطلقة أو صورية نسبية.

    والصورية المطلقة هي التي تنصب على وجود التصرف ذاته، فالعقد الصوري هنا ليس إلا مجرد مظهر غير موجود أساساً، ولا يخفي أي تصرف. كما لو تظاهر المدين ببيع أمواله إلى شخص ما

    تهريباً لها من وجو دائنيه حتى لا ينفذوا عليها عند استحقاق ديونهم.

    ويستكتب هذا الشخص ورقة تسمى بورقة الضد يثبت فيها أن المال في الحقيقة لم يخرج عن ملكه وأن التصرف المبرم صوري لا وجود له.

     ولذلك تسمى الصورية هنا بالصورية المطلقة؛ لأنها توهم بأن هناك تصرفاً قانونياً، بينما لا يوجد في الحقيقة أي تصرف على الإطلاق.

    أما الصورية النسبية فقد تنصب على طبيعة التصرف (الصورية بطرق التستر)، وهي تتعلق بنوع العقد كإبرام هبة بصورة عقد بيع.

    وقد تنصب على ركن أو شرط في التصرف (الصورية بطريق المضاد)، ومثال ذلك أن تنصب على ركن الثمن في عقد البيع بحيث يذكر ثمن أكثر أو أقل من الثمن الحقيقي.

    وقد تنصب الصورية النسبية على شخص المتعاقد (الصورية بطريق التسخير)، وفي هذه الحالة يتم التعاقد باسم شخص في الظاهر ولكن حقيقة التصرف تكون لحساب شخص آخر قد يكون ممنوعاً بالقانون  عن إبرام مثل هذا التصرف، كالمنع الوارد على المحامين والقضاة بشأن شراء الحقوق

    المتنازع عليها.

    إلا أنه يمكن أن تكون الصورية بطريق التسخير دون أن يوجد مانع قانوني كأن يشتري شخص عقاراً عن طريق زوجته ويسجله باسمها حتى لا ينفذ دائنيه على هذا العقار.

    وقد قرر المشرع السوري بموجب نص المادة / 246 / من القانون المدني أن العقد النافذ بين المتعاقدين والخلف العام في حالة الصورية هو العقد الحقيقي.

    وقد أجمع الفقه والقضاء على أن إثبات الصورية يخضع للقواعد العامة في الإثبات، ووفقاً لهذه القواعد فإن العقد المستتر لا يجوز إثباته فيما بين المتعاقدين إلا بالكتابة أو بما يقوم مقامها إذا زادت قيمة الالتزام في العقد المستتر على النصاب الكلي للشهادة، أما إذا لم تزد قيمة الالتزام على ذلك، فأنه يجوز إثبات العقد المستتر بجميع الطرق، إلا إذا كان العقد الظاهر مكتوباً، فلا يجوز إثبات عكسه إلا بالكتابة، وهو ما يعرف بورقة الضد حيث غالباً ما يحرر طرفا العقد الصوري سند آخر يبين صورية العقد الظاهر أو الاتفاق الحقيقي.

    فإذا لم يكن هناك من ورقة تثبت ذلك، جاز إثبات الصورية بالبينة والشهادة استثناء إذا وجد مانع أدبي بين المتعاقدين حال دون الحصول على ورقة ضد.

    وقد أكدت محكمة النقض على جواز إثبات الصورية بكافة وسائل الإثبات إذا كان هناك مانع أدبي حال دون الحصول على ورقة ضد في العديد من قراراتها نذكر منها:

    (إن وجود المانع الأدبي يجيز إثبات الصورية بكافة وسائل الإثبات).

    ( استقر الاجتهاد على أنه لا يجوز إثبات الصورية بين المتعاقدين إلا وفق القواعد العامة للإثبات. ويمكن إثبات الصورية بين الزوجين بالبينة الشخصية في حال عدم زوال المانع الأدبي).

    وفي تعليل جواز إثبات ما يخالف أو يجاوز الدليل الكتابي بالبينة إذا كان هذا الدليل صورياً، أن العقد الصوري لا وجود لو قانوناً، ومادام المانع الأدبي قد حال دون الحصول على كتابة تثبت الاتفاق الحقيقي- وهو المعتد به قانوناً بين المتعاقدين- لذلك جاز إثباته  بالشهادة والقرائن .

    وقد أكدت على ذلك محكمة النقض حيث جاء في قرار ها:

     (العقد الصوري لا ينقلب صحيحاً مهما امتد الزمن. يجوز إثبات الصورية بالبينة الشخصية إذاوجد مانع أدبي).

    كما أن إسباغ الصفة الرسمية على العقد الصوري، لا يجعله في منأى عن إثبات الاتفاق الحقيقي ولوعن طريق البينة الشخصية.

    كما لو باع شخصاً عقاراً يملكه بيعاً صورياً لزوجته تهريباً لو من وجو دائنيه، ونظراً للثقة الموجود بينهما لم يستكتبها ورقة تثبت أن البيع صورياً، وتم تسجيل عقد البيع في السجل العقاري، وبعد وفاء ديونه أنكرت زوجته عليه العقار. ففي مثل هذه الحالة يحق للزوج أن يثبت الصورية بجميع وسائل الإثبات لوجود المانع الأدبي.

    ولا توجه وسائل الإثبات ضد قيود السجل العقاري الرسمية وانما تكون موجهة لإثبات صورية العقد الذي جرى التسجيل على أساسه في السجل العقاري. وقد أكدت الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية ذلك في قرار لها جاء فيه:

    (إن إسباغ الصفة الرسمية على العقد الصوري لا يحصنه ضد قبول إثبات وجود العقد الحقيقي بالبينة الشخصية متى كان جائزًاً اعتمادها كدليل لأن العقد الصوري لا وجود له قانونا ً فتسجيله وعدمه سيان).

    على أنه إذا كان من الجائز إثبات الصورية بالبينة الشخصية والقرائن في حال توافر مانع أدبي، إلا أن ذلك منوط بأن لا يكون هناك ما يهدر هذا المانع، كما في حال الاعتياد على التعامل بالكتابة؛ ذلك أن اعتياد التعامل بالكتابة ينفي وجود المانع الأدبي الذي يحول دون الحصول على ورقة ضد تثبت الصورية.

    وما تم توضيحه سابقاً بشأن التعامل الكتابي المهدر للمانع يطبق بخصوص الصورية؛ فمجرد وجود سند واحد لا يكفي لإهدار المانع الأدبي. وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي في قراراته:

     (إن القرابة من الدرجة الثالثة تجيز لممتعاقدين إثبات الصورية في العقد بالشهادة للمانع الأدبي ما لم يثبت اعتياد التعامل فيما بينهم بالكتابة).

    (إن مجرد التعامل بالكتابة لمرة واحدة لا يهدر المانع الأدبي ما بين الصير ووالد الزوجة مما يجوز معه سماع البينة لإثبات صورية السند).

  • المانع الأدبي فيما يخالف الدليل كتابي

    المانع الأدبي فيما يخالف الدليل كتابي

    المانع الأدبي فيما يخالف الدليل كتابي :

    على الرغم من أن وجود تعامل كتابي واحد لا يهدر المانع الأدبي، إلا أنه إذا كان

    أصل الدين أو العقد ثابتاً بالكتابة، فلا يجوز إثبات وفائه أو البراءة منه بالشهادة ولو كان

    هناك مانع أدبي بين المتعاقدين؛ لأنه إذا لم تمنع هذه العلاقة بين المتعاقدين من الحصول على سند كتابي بالدين، فلا يصح أن تمنع من الحصول على كتابة بالبراءة من هذا الدين نفسه. فاعتماد الدليل الخطي في واقعة يقتضي توفير دليل مماثل لإثبات نفيها أو التحمل من آثارها، حيث أنه لا يجوز إثبات ما يخالف الدليل الكتابي إلا بمثله ولو كان الطرفان بينهما مانع أدبي إذا رجحا توثيق هذه الواقعة بدليل كتابي رسمي. ولا يجوز الخلط بين المطالبة بإثبات عكس الدليل الكتابي، والذي لا يجوز إثبات عكسه إلا بالكتابة، وبين الاعتياد والموانع الأدبية والتي هي بالأصل لا توجه ضد سند مختلف عليه حيث يبحث عندئذٍ في حال الاعتياد وتعدد الكتابة أم لا.

    وقد أكدت محكمة النفض السورية على ذلك في العديد من قراراتها نذكر البعض منها:

    (إن تفضيل الدليل الكتابي بين شقيقين يحول دون قبول البينة الشخصية ضده. وان العقد

    وان كان مبرماً بين شقيقين، غير أن الطرفين رجحا تأييده بالدليل الكتابي وأظهار إرادتهما

    بهذا الشأن في اختيارهما توثيق الاتفاق بعقد خطي، وان هذا الاختيار وتفضيل الدليل

    الكتابي يحول دون قبول البينة الشخصية ذات القوة الثبوتية المحدودة بالاستناد إلى موانع

    القرابة. وان تحرير السند بين الشقيقين ينفي المانع الأدبي الذي يجيز الإثبات بالبينة

    الشخصية ضد هذا السند).

    ( بعد تنظيم العقد الكتابي بين الطرفين لا يجوز الدفع بقيام المانع الأدبي بينهما تحت أي

    ذريعة كانت ومنها الصداقة الحميمة).

    ( لا يجوز لممدعى عليه إثبات براءة ذمته بالشهادة لعلة الصداقة القوية بينه وبين

    المدعي إلا بدليل كتابي آخر يماثل السند في القوة ما دام أن الطرفين تعاملا بالدليل

    الخطي).

    (استقر الاجتهاد القضائي على عدم جواز الإثبات بالبينة الشخصية حتى لو كان الاتفاق

    معقوداً بين الأقارب طالما وثقوا ما اتفقوا عليه بوثيقة خطية).

    ( إن المطالبة بإثبات عكس ما جاء في العقد واثبات عدم قبض الثمن لا يمكن أن يكون

    بالبينة الشخصية، وان كان العقد مبرماً بين طرفين بينهما مانع أدبي بحسبان أن اختيار

    الدليل الكتابي الرسمي يحول دون قبول البينة الشخصية).

    يتضح من الاجتهاد ات المتقدم ذكرها أن وجود تعامل كتابي وحيد وان كان لا يهدر

    المانع الأدبي، إلا أنه إذا كان هذا التعامل بحد ذاته هو محل الخصومة القائمة فأنه لا

    يمكن الاحتجاج بمواجهة هذا السند بوجود مانع أدبي حال دون الحصول على دليل

    كتابي يثبت ما يخالف أو ما يجاوز ما ورد فيه.

    ومن الجدير بالذكر هنا أنه إذا كان وجود سند واحد لا ينفي المانع الأدبي فييما يتجاوز العلاقة الموثقة بهذا السند، إلا أنه إذا كان هذا السند هو الذي أثبت اعتياد التعامل بالكتابة فأنه يهدر المانع الأدبي بالنسبة للعلاقة الموثقة وما يتبعها من تصرفات قانونية تبرم بين الطرفين.

     وفي تأكيد ذلك جاء بقرار لمحكمة النقض السورية: ( كما أن انتفاء المانع الأدبي ببين الأقرباء لتوثيقهم بعض علاقاتهم بأسناد لا ينحصر بالعلاقة الموثقة بل يتجاوزها إلى ما بعدها)؛ ذلك أن القول بانتفاء المانع الأدبي ينحصر فيما جرى توثيقو فقط من التزامات بالدليل الكتابي، ولا ينفي وجود المانع الأدبي في الالتزامات الأخرى يبدو غير سليم؛ لأن وجود أدلة كتابية بين الطرفين قرينة على انتفاء الثقة بينهما، مما ينفي وجود المانع الأدبي، إذ لا يجوز القول بوجود ثقة وعدم وجودها في آن واحد.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1