ثبوت المانع الأدبي وآثاره

 

 المانع-الادبي-في-قانون-البينات-السوري

أولاً. إثبات المانع الأدبي:

إن المانع الأدبي لا يعدو أن يكون واقعة مادية يدعيها الشخص الذي يقع عليه عبء إثبات اتفاق أو تصرف قانوني معين بالكتابة حتى ينمكن من إثباته بالبينة الشخصية والقرائن.

وبالتالي فأنه يتوجب على من يدعي وجود مانع أدبي أن يثبت قيامه وبتاريخ إبرام التصرف الذي يراد إثباته بالبينة الشخصية والقرائن، ويجوز له أن يثبت ذلك بجميع طرق الإثبات بما فيها الشهادة و القرائن . 

وقد أكدت على ذلك الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية حيث جاء في قرار لها:

( يجوز إثبات وجود المانع الأدبي بالشهادة).

إلا أن المشرع السوري وبموجب نص المادة / 57 / بينات – كما وضح سابقاً- افترض قيام المانع الأدبي بالنسبة للقرابة المحددة بنص المادة، فيكون بذلك قد اعتبر مجرد وجود إحدى حالات القرابة المذكورة، قرينة قانونية على قيام المانع الأدبي تعفي بذاتها من عبء إثبات صلاة الثقة والمحبة والاحترام التي تؤدي للحرج من طلب دليل كتابي.

وتعتبر هذه القرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس بجميع طرق الإثبات.

ولا يكلف من يتمسك بالمانع الأدبي في هذه الحالات إلا أن يثبت قيام الزوجية أو القرابة بالدرجة التي حددتها المادة / 57 / بينات،  ويتم إثبات القرابة عن طريق سجلات الأحوال المدنية أوشهادة المولد أو عقد الزواج.

وفي غير حالات القرابة المحددة بنص المادة / 57 / بينات فأنه يتوجب على من يدعي

وجود المانع الأدبي أن يثبت قيامه. فقد جاء في اجهاد لمحكمة النقض:

 ( إن مجرد الصداقة بين الطرفين المتعاقدين لا تجعل المانع الأدبي بينهما قائماً بل لا بد من إثبات أن هذه الصداقة حميمة، وأن المانع الأدبي قائم بالتعامل بينهما على عدم كتابة الأسناد الخطية).

وفي جميع الأحوال فأنه يجب على من يدعي وجود المانع الأدبي أن يتمسك به أمام محكمة الموضوع سواء كان هذا المانع مفترض بنص القانون أو كان واجب الإثبات، ولا يجوز للمحكمة أن تثير هذا المانع من تلقاء نفسيا؛ لأنه استثناء من قاعدة وجوب الدليل الكتابي، كما أن وسائل الإثبات ليست من النظام العام.

 وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية، حيث جاء في قرار  لها :

(ليس للمحكمة أن تثير من  تلقاء  نفسها المانع الأدبي الذي يسمح الإثبات بالبينة الشخصية).

وبناء على ذلك، فأنه لا يجوز التمسك بوجود مانع أدبي لأول مرة أمام محكمة النقض؛ لأن الدفع بوجود مانع أدبي يعتبر من الدفوع الموضوعية التي يتوجب إثارتها أمام محكمة الموضوع، وفي هذا السياق جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية:

( إذا كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بتعذر حصوله على دليل كتابي بسبب قرابة يدعيها، فلا يقبل منه الطعن في حكمها بأنه أخطأ إذ لم يعتبر هذه القرابة مانعة من الحصول على الدليل الكتابي).

كما جاء في قرار أخر صادر عن محكمة النقض المصرية:

(متى كان الطاعنون لم يتمسكوا لدى محكمة الموضوع بوجود مانع أدبي يبرر الإثبات بغير الكتابة فلا يجوز لهم أن يثيروا هذا الدفاع الجديد لأول مرة أمام محكمة النقض).

ثانياً. آثار قيام المانع الأدبي:

متى ثبت قيام المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي جاز لمخصم الذي يتمسك بوجود المانع أن يثبت ما كان يجب إثباته بالكتابة عن طريق البينة الشخصية و القرائن ،

سواء كان تصرفاً قانونياً تتجاوز قيمته النصاب الكلي للشهادة، أو كان تصرفاً اشترط القانون بنص خاص إثباته بالكتابة ولو لم تتجاوز قيمتو نصاب الشهادة.

إلا أن المانع الأدبي لا يجيز إثبات ما يخالف أو يجاوز الدليل الكتابي إلا في حالة الصورية.

كما أن ثبوت قيام المانع الأدبي لا يجيز إثبات العقود الشكلية بالشهادة؛ لأن الكتابة ركن شكلي

من أركان تلك العقود، أي عندما تكون الشكلية مطلوبة كركن انعقاد بحيث يعتبر العقد لا

وجود له إذ لم يستوفي الشكلية المطلوبة.

أما إذا كانت الشكلية مطلوبة لإثبات التصرف فقط فإن ثبوت قيام المانع الأدبي يتيح إثباته بالشهادة.

والإجازة لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود تقتضي دائماً أن يكون للخصم الأخر الحق في نفيها بهذا الطريق.

كما أن جواز إثبات أصل الالتزام التعاقدي بالبينة الشخصية لوجود مانع أدبي يجيز إثبات ما يتفرع عن هذا الالتزام بالوسيلة نفسها، كمكان وقوع العقد ومكان الوفاء به ؛ لأن الفرع يتبع الأصل ولا يفرد بالحكم.

وكما أن قيام المانع الأدبي يتيح للخصوم الإثبات بالبينة الشخصية و القرائن ، فأنه يمكن المحكمة من تقصي الحقائق والوقوف على القرائن  التي تثبت التصرف المدعى وجوده من خلال وقائع الدعوى ومستنداتها، فقد جاء في قرار لمحكمة النقض:

( إن جواز إثبات حصول القسمة بين الأخوين بالبينة الشخصية بالاستناد إلى القرابة والمانع الأدبي يمكن محكمة الموضوع من استخراج  القرائن  على وقوع القسمة بين الأخوين من شتى الوقائع والمستندات المبرزة في الدعوى التي يناقش فيها الخصوم.

إن محكمة الموضوع كما تستند في استخلاص القرينة إلى ظروف الدعوى وملابساتها، فإنها يمكن أن تستشف هذه القرينة من وقائع القضية التي تناقش فيها الخصوم أو من وقائع ومستندات قضية أخرى بعد أن توضع قيد البحث بين أطراف الدعوى).

ومن الجدير بالذكر أن آثار المانع الأدبي لا تقتصر على المتعاقدين، بل تمتد إلى الخلف العام والخاص لهما، فالوارث من حيث أنه خلف عام للمورث، فأنه يحل محله في طرق الإثبات بالنسبة للعقود التي أبرمها هذا السلف، ويجوز له ما كان يجوز للسلف سلوكه من طرق الإثبات ومنها أن يتمسك بوجود مانع أدبي بين مورثه ومن تعاقد معه ،

وقد أكدت ذلك محكمة النقض في قرارلها :

( إن الوارث يحل محل مورثه في طرق الإثبات لأنه خلف عام له، وعليه فالزوج يحل محل زوجه لإثبات الصورية بالبينة الشخصية تجاه شقيق زوجه لقيام المانع الأدبي).

كما أكدت محكمة النقض على حق الخلف الخاص بالتمسك بوجود مانع أدبي في نطاق العقود التي أجراها سلفه بشأن العين التي حل محله فيها، حيث جاء في قرار لها :

( يجوز للخلف الخاص أن يتمسك بالقسمة الرضائية الجارية بين الشركاء قبل شرائه أي حصة من العقار ولهذا الخلف ما للسلف من حقوق إثبات عقد القسمة بالبينة في حال وجود مانع أدبي ما بين الشركاء سابقاً).

وأما بالنسبة للغير، وهو كل شخص أجنبي عن العقد ليس طرفاً فيه، وليس خلفاً عاماً أو خاصاً لأحد المتعاقدين، فالأصل أنه يجوز له إثبات العقد الجاري بينهما بجميع طرق الإثبات؛ لأن العقد يعتبر بالنسبة له واقعة مادية.

إلا أنه في بعض الأحيان قد يتوجب عليه أن يثبت العقد وفق القواعد العامة التي يتقيد بها طرفا العقد، وبالتالي إذا كان بين طرفي العقد مانع أدبي، فيكون من حقه التمسك بهذا المانع لإثبات وجود العقد بالبينة الشخصية و القرائن .

ومن ذلك حالة الغير الذي يتعامل مع الوكيل، حيث يتوجب عليه أن يثبت الوكالة وفقاً لمقواعد العامة، أي ليس له إثباتها بالبينة الشخصية إلا إذا كانت الوكالة تجارية أو إذا كان هناك مانعاً من الحصول على الكتابة بين الموكل والوكيل.

وفي هذا السياق جاء في قرار لمحكمة النقض:

(إذا كانت الوكالة من أخ لأخيه، فإن من يتعامل مع هذا الأخ الوكيل له إثبات التوكيل المشار إليه بالبينة الشخصية لقيام المانع الأدبي بين الوكيل والموكل الآخرين).

 

Scroll to Top