التصنيف: محاماة

قوانين مهنة المحاماة وأصولها

  • هل عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد بيع خدمة؟

    اتجه جانب من الفقه إلى عد عقد تقديم الاستشارة القانونية بأعتبار محله تقديم خدمة متميزة وهي الاستشارة القانونية عقد بیع .

    ويعرف المشرع العراقي عقد البيع في المادة / 506 من القانون المدني ، على أنه

    (( مبادلة مال بمال )) ،

    بينما عرفه المشرع المصري في المادة / ۱۸ بأنه

    (( عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا مالية أخر في مقابل ثمن نقدي )) ، أما المشرع الفرنسي فقد عرفه في المادة / ۱۰۸۲ من التقنيين المدني بأنه

    (( أتفاق بين اثنين موضوعه تسلیم شئ في مقابل يدفعه الأخر )) .

    وفي ضوء النصوص المتقدمة نلاحظ أن عقد البيع من العقود الناقلة للملكية ينقل ملكية شيء مقابل دفع الثمن فهل يمكن أن نتصور عقد تقديم الاستشارة القانونية كمحل لعقد تقدیم الاستشارة القانونية وهي خدمة ذات طبيعة ذهنية وعقلية ، أن يرد عليها عقد البيع.

    إن عقد البيع يمكن أن يرد على كافة الأموال ، أي على كل حق له قيمة مادية في التعامل،

    ويتصف عقد البيع بعدة خصائص وهي أن عقد البيع من العقود الرضائية ، ومن العقود الملزمة للجانبين ، ومن عقود المعاوضات ، عقد البيع من العقود الناقلة للملكية ،

    وكذلك يعتبر من العقود المحددة في الأصل ،

    وبعد أن بينا تعريف عقد البيع وأهم خصائصه، فهل يمكن أن ينصب عقد البيع على الاستشارة القانونية باعتبارها خدمة متميزة يقدمها المستشار القانوني ؟

    ، للإجابة على هذا التساؤل سنقوم بعرض فكرة عقد البيع بالنسبة للخدمة المتمثلة بالاستشارة القانونية ثم سنحاول تقييم هذه الفكرة من خلال الفرعين الآتيين :

    الفرع الأول : عرض فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية بيع خدمة

    الفرع الثاني : تقويم فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية بيع خدمة

    الفرع الأول

    عرض فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية بيع خدمة

    إن البيع بصفة عامة يهدف إلى نقل ملكية شيء إلى طرف أخر في مقابل يدفعه ، فهل الخدمات تقبل الانتقال وتقبل أن يرد عليها البيع ؟

    إن الاستشارة القانونية وباعتبارها خدمة يمكن أن ترد كمحل لعقد البيع ، ذلك أن مفهوم عقد البيع لم يعد ضيقة بأن لا يرد إلا على الأشياء المادية ، وانما أصبحت الأشياء غير المادية تصح أن تكون محط له ، ولذلك لا يوجد ما يمنع أن تكون الخدمات محلا لعقد البيع.

    وأن أول من قال بهذه الرأي الفقيه الفرنسي ( Savater ) في بحثه عن بيع الخدمات حيث يذهب هذا الفقيه إلى أن الخدمات ماهي إلا قيمة اقتصادية يمكن أن تنسب إلى من يؤديها ، وتأخذ وصف السلعة وتصبح قابلة للتقويم ، ويقدر لها سعر فالعقد الذي نحن بصدده وهو عقد تقديم الاستشارة القانونية يختلف عن العقود التقليدية في كون محل الشيء فيه غير مادي ، ونقل الملكية هنا لا يعني نقل ملكية بالمعنى التقليدي ، بمعني نقل لشيء مادي وإنما هو بيع لخدمة تستهلك بمجرد أن توضع تحت يد المشتري ، ويشبه بيع الخدمة ببيع الطاقة في شكل تيار كهربائي .

    ومما تقدم من أراء يتبين لنا إن عقد تقديم الاستشارة القانونية هو عقد بيع خدمة وهذا العقد يختلف عن عقود البيع التقليدية ، إذ يتم فيه تبادل أشياء غير مادية ، مقابل مبلغ من النقود .

    ويؤكد رأي آخر، أن البيع الذي يرد على أشياء معنوية ، لا يعني نقل ملكية بالمعنى التقليدي لنقل ملكية الأشياء المادية ، وإنما هو بيع المعلومات أي لأشياء معنوية.

    وتجدر الإشارة إلى أنه ، وعلى الرغم من أن محل العقد خدمة ، وهي أموال معنوية تعد نتاج لمجهود مضن ، إلا أنها قيمة تقوم بالمال ، وهذا ما يمكن تقبله بصدد عقد تقديم الاستشارة القانونية شأنه في ذلك شأن الأشياء المعنوية الأخرى ، التي استقر الفقه بشأنها على أنها من قبيل الأموال .

    في ضوء كل ما تقدم ، يتضح لنا إن مقياس عد عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد بيع خدمة يستند على ما يلي:

     

    1 – إن الخدمة المتمثلة بالاستشارة القانونية التي يتوصل لها المستشار ، لها قيمة اقتصادية قابلة للاستحواذ وهي تعد منتجاً يرتكز في حقيقته على المعرفة العلمية والفنية التي يمتلكها المستشار القانوني ، إذ هناك علاقة قانونية بينها وبين من توصل اليها ، علاقة يمكن وصفها بعلاقة المالك بالشيء الذي يملكه ، هذا ولما كانت الأموال المعنوية لها قيمة مالية ، فإنها يمكن أن تصبح محلا للحق ،

    إذ لا يمكن القول بوجود ملكية مالم تكن هناك قيمة للمال محل هذه الملكية ، مما يترتب عليه جواز التنازل عن هذه القيمة مقابل ثمن ويعد عقد البيع اكثر أنواع العقود ملائمة لهذا التنازل .

    فالبيع هنا لا يعني نقل الملكية بالمعنى التقليدي لنقل الملكية المادية وانما نكون إزاء نقل ملكية معنوية.

    ۲ – هذا التكييف يتفق وقصد المتعاقدين ، طالما أن هذا العقد لا يتضمن أية مخالفة لأحكام عقد البيع التقليدي ، ذلك إن المراد ببيع الاستشارة القانونية هو تنازل المستشار القانوني عنها بشكل نهائي لتصبح من حق المستفيد ، أي المشتري الذي يجوز له التصرف بها بالتصرفات القانونية كافة ، فله أن يستغلها أو يستعملها أو يتصرف بها ، وله أن يحتج على الغير يملكيته لهذه المعلومات .

    ٣ – حق المستشار القانوني على الاستشارة القانونية المقدمة من قبله حق ملكية ، إذ أن هذه الملكية تتصل في شخصه وهي الأولى بالحماية ، وهو حق يعطيه صلاحية نقلها للغير.

    4 – تتصرف نية المتعاقدين في عقد تقديم الاستشارة القانونية ، إلى تنازل المستشار القانوني عن المعلومات التي يمتلكها إلى المستفيد ، وهذا التنازل يكون بمقابل هو الثمن ، فاستغلال النشاط الذهني للإنسان يهدف في الحصول على مقابل مالي أصبح الأن سمة من سمات العصر الحديث ، لذا فأن عد عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد بيع يكون أقرب إلى المنطق القانوني۔

    ه – استقرار الشركات الدولية للاستشارات على عد عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد بيع خدمات ورتبت عليه كافة الآثار التي تترتب على عقد البيع كضمان العيوب الخفية والالتزام بدفع الثمن وأسس تقديره والتزام المستشار بالتسليم وغيرها من أحكام عقد البيع.

    6 – من حيث خصائص العقدين فقد رأينا عند تقديمنا لعقد البيع انه من العقود الملزمة اللجانبين وأنه بعوض ، وأنه من العقود الناقلة للملكية ، وكذلك يعتبر من العقود المحددة في الأصل ، فعقد تقديم الاستشارة القانونية يقترب بهذه الخصائص من عقد البيع على وفق رأي من نادى به.

    – الفرع الثاني

    تقويم فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية بيع خدمة

    لا يمكن تطبيق أحكام عقد البيع على عقد تقديم الاستشارة القانونية في ظل اختلاف البناء القانوني لكل من العقدين ، إذ يرتكز عقد تقديم الاستشارة القانونية على عناصر لامثيل لها في عقد البيع ، كما أن وضع هذا التكييف موضع التطبيق غير ممكن للأسباب الأتية:

    1 – إن مصطلح الملكية يشوبه بعض الغموض بالنسبة للأداءات الذهنية ، إذ يصعب التسليم بأطلاق وصف الملكية على ما يقدمه المستشار القانوني للمستفيد ، فالفقه يشكك في أطلاق وصف حق الملكية على حق المستفيد في الاستشارة القانونية في عقد تقديم الاستشارة القانونية.

    ۲ – الطبيعة الخاصة لعقد تقديم الاستشارة القانونية وكونه عقد يبنى على الاعتبار الشخصي بالدرجة الأولى وكون محله اداءات ذات طبيعة ذهنية وعقلية أمر يجعل القول في كونه عقد بيع أمرأ ليس من السهل التسليم به.

    3 – إن عقد تقديم الاستشارة القانونية يرتب التزامات غير تقليدية كالالتزام بالسرية والالتزام بالتعاون ، وهذه الالتزامات لا تنسجم مع ما تقرره أحكام عقد البيع ،

    فالمستشار القانوني تتعدى التزاماته مرحلة تنفيذ العقد وتستمر إلى ما بعد انتهاء الرابطة العقدية بينه وبين المستفيد ، وخصوصاً فيما يتعلق بالالتزام بالسرية ، وهذا الأمر لا يستقيم مع ما تقرره أحكام القانون بخصوص عقد البيع .

    4 – إن محل عقد تقديم الاستشارة القانونية ، المتمثل بالاستشارة القانونية شيء غير مادي لا يدخل في عالم الحس ولا يدرك إلا بالفكر المجرد ، فهو حتمأ يختلف عن محل عقد البيع في طبيعة الأخير الذي يدرك بالحس وله جسم يتمثل به ، فالاستشارة القانونية من خلق وابتكار الذهن ، تختلف عن محل عقد البيع المتمثل بالشيء المادي الذي يؤتي ثماره بالاستحواذ عليه والاستئثار به ، خلافاً للمشورة القانونية التي تؤتي ثمارها بالانتشار والانتقال من شخص الأخر، فعقد البيع يفترض انتقال شيء من شخص لأخر ، وهذا لا يمكن تحققه بالنسبة للخدمة المتمثلة بالاستشارة القانونية ، ذلك لأنها تنطوي على أفكار ، فإذا انتقلت الفكرة من شخص لأخر صارت الفكرة لدى كليهما.

    5- لا يستطيع المستفيد أن يلجأ إلى قواعد التنفيذ الجبري عند امتناع المستشار القانوني أداء الاستشارة القانونية، وذلك للارتباط الوثيق بين الاستشارة القانونية كمحل للعقد وبين المستشار القانوني صاحب المعرفة والتخصص ، ويقتصر حق المستفيد في المطالبة بإنهاء الرابطة التعاقدية والتعويض إن كان له مقتضي ، وهذا الأمر يختلف عما تقرره القواعد الخاصة بعقد البيع عند أخلال البائع بالتزاماته في عقد البيع.

    6- ليس من السهل التسليم بوجود تقسيم للبيوع إلى بيع أشياء أو حقوق وبيع خدمات ، فالخدمة بصورة عامة تخضع إلى صور متميزة من العقود تختلف عن عقد البيع كعقد العمل والمقاولة.

    ۷ – لا يمكن الركون إلى نية الطرفين في تحديد التكييف القانوني لعقدهما وخصوصاً في عقد تقديم الاستشارة القانونية الذي يتميز بأنه ينطوي على علاقة غير متوازنة بين طرفين احدهما قوي أو كفوء علمية بما يملكه من تخصص وخبرة ومعرفة علمية في مجال القانون ، والأخر ضعيف لا يملك التخصص والمعرفة العلمية في مجال القانون المتمثل بالمستفيد ، إذ لا عبرة للألفاظ التي يستعملها المتعاقدان أذا تبين أنهما أتفقا على عقد غير العقد الذي سمياه ، فقد يكونا مخطئين في التكييف وقد يتعمدان إخفاء العقد الحقيقي تحت اسم العقد الظاهر).

    ۷- وأخيرا أن ما قيل بصدد اتحاد العقدين بعدة خصائص وهي ، كونهما من العقود الملزمة اللجانبين وأنهما بعوض ، وأنها من العقود المحددة في الأصل ، هي علاوة ما تم تفنيده بخصوص ملكية الاستشارة القانونية ، فأنها لا تعدو أن تكون خصائص عامة تشترك فيها جميع العقود.

    هذه الصعوبات في جملتها كانت وراء محاولة بحثنا عن فكرة أخرى ، تحاول تكييف عقد تقديم الاستشارة القانونية على انه عقد مقاولة ، وكما هو موضح في المطلب القادم.

  • هل عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد وكالة؟

    تعرف الوكالة بأنها إقامة الغير مقام النفس في التصرف الجائز المعلوم ممن يملكه؟، أما القانون المدني العراقي فيعرف

    الوكالة في المادة / ۹۲۷ بأنها

    (( عقد يقيم به شخص غیر مقام نفسه في تصرف جائز معلوم ))

    ، وعرفها القانون المدني المصري في المادة / ۹۹۹ بأنها

    (( الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل ))

    ، كما ويعرفه المشرع الفرنسي في التقنين المدني في المادة / 1984

    (( بأنه العقد الذي بمقتضاه يعطى شخص لأخر سلطة أبرام تصرفات قانونية باسمه ولحسابه )).

    فالوكالة تسمح للإنسان أن يكون حاضرة في أكثر من مكان ، لأنه بواسطة وكلائه يكون ممثلا في عدة جهات وفي آن واحد ، كما تسمح للشخص أن يبرم بواسطة غيره مالا يستطيع أن يبرمه بنفسه من التصرفات ، أما بسبب عجز مادي ، كالمعاق الذي لا يستطيع الحركة ، والمرأة التي لا تريد الخروج من بيتها ، والمسافر الذي لا يستطيع العودة لأبرام العقد أو الشخص المعنوي الذي ليس له يد يتصرف بها ، إلا بواسطة وسطائه ووكلائه بسبب عجز فكري ومعنوي.

    ومن التعاريف السابقة يمكن القول أن المشرعيين المصري والفرنسي كانا أكثر دقة في تحديد معنى الوكالة من المشرع العراقي ، حيث أن التزام الوكيل هو القيام بعمل قانوني ، ذلك أن الوكيل ينوب عن الموكل ، والنيابة تقتصر على الأعمال القانونية دون الأعمال المادية ، والوكالة كما هو معروف من العقود الواردة على العمل ، بيد أنها تتميز عن سائر العقود الواردة على العمل كعقد المقاولة وعقد العمل بسمتين أساسيتين لهما نتائجهما على عقد الوكالة في الاحتفاظ بذاتيته الخاصة به وهاتين السمتين:

    الأولى : وجود النيابة القانونية ، فالوكيل نائب وممثل عن الموكل يتعاقد مع الغير بأسم الموكل ولصالحه.

    الثانية : إن الوكالة ترد على التصرفات القانونية التي يبرمها الوكيل الصالح الموكل ، فالملتزم فيه وهو الوكيل ينوب عن الدائن وهو الموكل بالقيام بعمل قانوني باسمه ولحسابه.

    ويتميز عقد الوكالة بعدة خصائص فهو من عقود التراضي ، ومن عقود المعاوضة ، ومما تجدر الإشارة اليه إن الأصل في الوكالة أنها تبرعية ، ولكن قد تكون من عقود المعاوضة أذا اشترط الأجر فيها صراحة أو ضمنأ ، وهي من العقود الملزمة للجانبين .

    ولما كان بحثنا ينصرف إلى التعرف على التكييف القانوني لعقد تقديم الاستشارة القانونية فإنه وفي ضوء تلك الخصائص المميزة لعقد الوكالة ، هل يمكن القول إن عقد تقديم الاستشارة القانونية هو أحد تطبيقات عقد الوكالة ؟

    للإجابة عن ذلك فإننا نقسم هذا المطلب على فرعين هما:

    الفرع الأول : عرض فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد وكالة

    الفرع الثاني : تقويم فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد وكالة

     

    الفرع الأول

    عرض فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد الوكالة

    لما كان المستشار القانوني يقوم بإعداد الاستشارة القانونية على النحو السابق إيضاحه ، بالإضافة إلى إنه في بعض الأحيان يقدم المساعدة الفنية اللازمة عند تنفيذ هذه الاستشارة ، إلا إنه في هذه الأعمال لا يقوم بعمل قانوني ، حتى يمكن القول بأن محل عقده هو عين محل عقد الوكالة . ولا يقدح في ذلك كونه يقوم بأداء هذا العمل للمستفيد ، حيث كما سبق الذكر ، الوكالة تقتضي القيام بالتصرفات القانونية ، بأسم ولحساب الموكل.

    وعلى الرغم من هذه الحقيقة ، إلا أن هناك بعض السمات التي تثير الشك في أن علاقة المستشار القانوني بالمستفيد هي علاقة وكيل بموكله ، ومن ثم يمكن القول أن الرابطة القانونية بينهما ترتدي ثوب عقد الوكالة ، وما يترتب على ذلك من نتائج ، أسوة بما هو متبع بصدد بعض عقود المهن الحرة ، كالعقد الطبي ، وعقد المحامي مع عميله ، وهذا هو ما كان معمولاً به أبان القانون الروماني في التمييز بين الأعمال المادية ، والأعمال الذهنية ، حيث كان يخضع هذه الأخيرة لأحكام عقد الوكالة.

    ويمكن مما تقدم أن نستند إلى الحجج الآتية في تكييف العلاقة بين المستشار القانوني والمستفيد على أنها عقد وكالة:

    1- من حيث الاعتبار الشخصي ، يعد عقد الوكالة من عقود الاعتبار الشخصي الذي يقوم على الثقة بين المتعاقدين ، فالموكل ادخل في اعتباره شخصية الوكيل ، بحيث أن الثقة والأمانة محل اعتبار في العقد وكذلك الحال في عقد تقديم الاستشارة القانونية ، بحيث يكون المستشار القانوني ملزم بإعطاء مشورة تجسد خبرته وتجربته في مجال القانون والتي يضعها الخدمة المستفيد غير المختص في القانون ،

    والعلة في اختيار المستشار القانوني دون غيره راجع إلى الثقة والاعتبار الشخصية المستشار القانوني وخبرته وذلك لما يتصف به من أمانة ومهارة في تخصصه ، هذه الثقة لم تكن وليدة آنية وإنما راجعة إلى اعتبار وشهرة المستشار القانوني في إرساء وتقديم الرأي السديد والفكرة الناضجة والحلول المدروسة().

    ۲ – الوكيل يعمل لحساب الموكل وباسمه ، ومع ذلك فأنه يتمتع باستقلال في أداء مهمته وكذلك المستشار القانوني فهو يمارس عمله كنائب عن المستفيد ، وفي نفس الوقت يؤدي عمله والمهام المكلف بها باستقلال عنه.

    3 – إن عمل المستشار القانوني تغلب عليه الصفة العقلية أو الذهنية ، فلا يمكن أن يكون محلا لعقد مربح ، لذا فإنه يخضع لعقد الوكالة حتى لا يوضع العمل العقلي في مستوى العمل اليدوي ، ولا ينحط العلم ليكون وسيلة للتجارة().

    4 – عقد تقديم الاستشارة القانونية ، كعقد الوكالة، يتميز بأنه عقد غير لازم ، إذ يجوز كقاعدة عامة أن يعزل المستشار القانوني ، وللمستشار القانوني أن يتنحى عن عقد تقدیم الاستشارة القانونية.

    5- يعد الالتزام بالتبصير و الأعلام من أهم عناصر الالتزام بالاستشارة الناشئة عن عقد تقديم الاستشارة القانونية، وهي ذات الالتزامات التي تقع على عاتق الوكيل ، الذي يلتزم بتبصير موكله واعطائه المعلومات اللازمة والحالة التي وصل اليها في تنفيذ الوكالة وعلى هذا نصت المادة / ۹۳۶ من القانون المدني العراقي على

    (( على الوكيل من وقت لأخر أن يطلع الموكل على الحالة التي وصل اليها في تنفيذ الوكالة ، وان يقدم له حسابا بعد انقضائها)) ،

    وتنشأ مسؤولية الوكيل في حالة تأخره في تبصير موكله.

    6 – لا يقتصر التزام المستشار القانوني على أداء مشورته ، بل يلزم كذلك باتباع كافة الوسائل التي تمهد القيام بهذا الالتزام مما يقرب عمله من عمل الوكيل .

    ۷ – إن الوكالة ليست دائما تبرعية ، بل إن الوكيل يستحق اجر المثل وأن لم يتم الاتفاق على الأجر في العقد حيث نصت المادة / 1/940 من القانون المدني العراقي على انه

    (( 1- أذا اشترطت الأجرة في الوكالة وأوفى الوكيل العمل يستحقها وان لم تشترط ، فأن كان الوكيل ممن يعمل بأجر فله اجر المثل والا كان متبرعة )) ،

    فالوكالة وأن كانت بحسب نشأتها أنها عقد تبرعي ، إلا إن هذه الخصيصة قد تلاشت مع تطور هذه المهنة ، وبهذا تتفق مع عقد تقديم الاستشارة القانونية التي تكون دائمأ بمقابل  .

    ۸- أما من حيث الأجر ، فأن القضاء يطبق أحيانا أحكام عقد الوكالة على عقد تقدیم الاستشارة القانونية فيما يتعلق بجزئية تخفيض الأتعاب المغالي فيها (، فالقضاء له سلطة تخفيض أجر الوكيل إذ كان هذا الأجر مغالى فيه.

    واذا كانت هذه الأسباب هي التي أدت بأصحاب هذا الرأي للقول بأن عقد تقديم الاستشارة القانونية هو صورة من صور عقد وكالة إلا أنه لا يمكن التسليم بهذا التكييف على أطلاقها وهذا يتطلب منا تقويم هذه التكييف والذي سيكون مدار بحثنا في الفرع القادم.

    الفرع الثاني

    تقويم فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد الوكالة

    لم يسلم هذا التكييف لعقد تقديم الاستشارة القانونية من إعادة تقويمه مرة أخرى ، وذلك لأنه لا يمكن التسليم بهذه الفكرة نظرا إلى الانتقادات الشديدة التي أدت إلى زعزعت أركانه وذلك لكونه يتعارض مع الواقع القانوني لعقد تقديم الاستشارة القانونية ويتبين ذلك من خلال النقاط التالية:

    ١- يتميز عقد الوكالة بأنه يقوم على ركيزتين أساسيتين :

    الأولى تتمثل في إن الوكيل ينوب على الموكل فيتعامل مع الغير بأسم هذا الموكل ولحسابه ، أما الثانية فتتمثل في أن الوكالة لا ترد إلا على التصرفات القانونية .

    أما عقد تقديم الاستشارة القانونية فلا وجود فيه لهاتين الركيزتين ، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال عد الاستشارة القانونية تصرفأ قانونأ هذا من جهة ،

    ومن جهة أخرى فأن المستشار القانوني يتعامل باسمه ، وتصدر الاستشارة القانونية باسمه ، في حين إن الوكيل يبرم التصرف بأسم الموكل لا باسمه الشخصي).

    ۲ – إن الوكيل لا يسأل إلا عن بذل العناية اللازمة في إنجاز العمل الموكل اليه وهذا ما أشارت اليه المادة / 934 من القانون المدني العراقي ، بينما يلتزم المستشار القانوني بتحقيق نتيجة تتمثل في إنجاز الاستشارة القانونية وتسليمها للمستفيد .

    3 – إن القول بأن العمل العقلي لا يصلح أن يكون محط لعقد مربح قول يناقض الواقع فالمعروف أن أصحاب المهن الحرة ، التي تعتمد أغلبها على الطابع الذهني ، يبرمون مع عملائهم عقودة يبغون من ورائها الربح ، ولا تعاب سمعتهم إن قاموا بها مقابل أجر).

    4 – إن لجوء المحكمة إلى أحكام عقد الوكالة للوصول إلى تعديل الأجر المتفق عليه بين المستشار القانوني والمستفيد ليس بحجة قاطعة لثبوت هذا التكييف لعقد تقديم الاستشارة القانونية ، لأن تدخل القاضي في هذه الحالة هو تدخل استثنائي الهدف منه التخفيف من المغالاة في الأجور وإعادة التوازن بين طرفي العقد.

    5 – أما التقاء العقدين في الالتزام بالتبصير والأعلام فأن الالتزامات الأخيرة هي التزامات تبعية للكثير من العقود كعقود نقل التكنولوجيا والعقود التي يكون محلها مواد خطرة ، ولا تكون مدعاة للتقريب بين عقد الوكالة وعقد تقديم الاستشارة القانونية.

    6 – وأخيرا فأن الأوجه التي قيلت بشأن تشابه العقدين هي أوجه وجوانب عامة لا ترقى إلى المستوى الذي يجعلها تربك التمييز بين العقدين . فوصف العقد بأنه رضائي ، قائم على الاعتبار الشخصي ، وانه بمقابل تمثل أوصافة عامة تلتقي فيها الكثير من العقود من دون أن تكون هذه الأوصاف مدعاة للتقريب بين هذه العقود لدرجة يتعذر معها التمييز بينهما.

    ومن خلال ما تقدم فأننا نستبعد كون عقد تقديم الاستشارة القانونية هو عقد وكالة وذلك للأسانيد التي ذكرت لتفنيد هذا الرأي من جهة ، وكون عقد تقديم الاستشارة عقد يتمتع بخصوصية لا تتفق وأحكام عقد الوكالة ، وفي ضوء هذا التقويم نحن مدعوون إلى محاولة البحث عن تكييف أخر لعقد تقديم الاستشارة القانونية بين المستشار القانوني والمستفيد ، وهذا ما دعانا إلى تصوره بأنه عقد بیع خدمة . وكما هو موضح في المطلب القادم .

  •  التكييف القانوني لعقد تقديم الاستشارة القانونية

     إن مسألة التكييف تثار عندما نكون إزاء عقد لم ينظم المشرع نصوصه القانونية في تشريع ، وهذا بدوره يقودنا إلى درج هذا العقد ضمن احد الأنظمة القانونية القائمة وذلك من خلال تكييف هذا العقد ، وبالتالي فأن على رجال القانون النظر في العقود المستحدثة ، وأن يحاولوا أدخال هذه العقود الجديدة في نطاق العقود التقليدية الأقرب اليها ، كي تسري أحكامها عليها ،

    ومن هنا تظهر أهمية تحديد الوصف القانوني للعقد ، أي تكييفه ، وذلك لكونها مسألة أساسية وضرورية لتحديد ما إذا كان العقد مسمى قد أسمى القانون شرائطه وظروفه القانونية وفق نصوص محددة ، أم كان عقد غير مسمى ، وتكمن أهمية هذا التكييف في تعين القواعد واجبة التطبيق على هذا العقد.

    ويعد التكييف القانوني لعقد تقديم الاستشارة القانونية من الموضوعات التي كانت ولا زالت محلاً للخلاف ، فقد احتدم خلاف الفقه حول تكييف علاقة المستشار القانوني بالمستفيد  ، فمنهم من يرى أن عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد غير مسمى ،

    إلا أن القول بهذا التكييف اليس تكييف بقدر ما هو هروب من التكييف فهي فكرة تؤدي إلى تجنب المشكلة اكثر من حلها ، فليس معنى ما يكتنف أية عملية تكييف لأي عقد من صعوبات أن يلجأ الفقيه إلى الأيسر والأسهل ، وهو إخراج العقد من زمرة العقود المسماة والقول بأنه عقد غير مسمى ، ومنهم من نسبه إلى أحد العقود التقليدية ،

    وأيما كانت تقسيمات الفقه ، فأن غالبية الفقه يذهب إلى إن عقد تقديم الاستشارة القانونية يمكن أن يدرج تحت احدى طوائف العقود الثلاث ، أما  عقد وكالة ، وأما عقد بيع خدمة ، وأما عقد مقاولة().

    ولهذا كان لزاماً علينا أن نبحث هذه التكييفات الثلاثة الرئيسية كل على حدى ، على أن نحدد التكييف المختار من ضمن هذه التكييفات وذلك في ثلاثة مطالب حسب الاتي :

    المطلب الأول : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد وكالة.

    المطلب الثاني : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد بيع خدمة .

    المطلب الثالث : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد مقاولة

  • محل عقد تقديم الاستشارة القانونية ( الاستشارة والأجر)

     يعرف محل العقد بأنه المعقود عليه أي ما وقع عليه التعاقد ، شريطة أن لا يكون مخالفة للنظام العامة والأداب  ، ويظهر محل العقد في أثر العقد وأحكامه وهو يختلف باختلاف العقود فقد يكون عينة أو منفعة أو عملاً.

    وعندما تطرق المشرع العراقي في القانون المدني لمحل العقد أشار إلى محل الالتزام ، وهذا ما نصت عليه المادة / 124 منه على انه

    (( لابد لكل التزام نشأ عن العقد من محل يضاف إليه يكون قابلا لحكمه ، ويصح أن يكون المحل مالاً ، عيناً كان أو ديناً أو منفعة ، أو أي حق مالي أخر ، كما يصح أن يكون عملا أو امتناع عن عمل ))، وكذلك المواد القانونية التالية لها الخاصة بمحل الالتزام وهو الأمر الذي يلتزم به المدين ، والمتمثل بنقل حق عيني أو القيام بعمل أو امتناع عن عمل.

    ومما تجدر الإشارة اليه إن المشرع العراقي قد خلط بين محل العقد ومحل الالتزام ، والصحيح أن محل العقد يختلف عن محل الالتزام ، إذ ينصرف مفهوم محل العقد إلى ما ورد عليه العقد ، أما محل الالتزام هو تنفيذ ما اتفق عليه المتعاقدين ، كما هو الحال في عقد تقديم الاستشارة القانونية فأن محل عقد الاستشارة القانونية يتمثل في تقديم الاستشارة القانونية والمقابل المالي ، أما محل التزام المستشار القانوني هو تقديم الاستشارة القانونية ، ومحل التزام المستفيد هو دفع الثمن .

    أذن فمحل العقد هو شيء أو دين أو خدمة ذات قيمة مالية ، ويشترط في المحل العقد أن يكون موجودة أو ممکن الوجود في المستقبل ، وان يكون معينة أو قابلا للتعيين ، وان يكون مشروعا .

    وعليه فان محل عقد تقديم الاستشارة القانونية ، يتمثل بالاستشارة القانونية من زاوية المستشار القانوني ، والمقابل المالي عند النظر إلى المحل من زاوية المستفيد ، إذ إن العملية القانونية التي يتم التراضي عليها في هذا العقد هي ليست عملية واحدة فقط وإنما اثنتان ، وهذا ما سنتناوله في الفرعين الآتيين :

    الفرع الأول : الاستشارة القانونية

    الفرع الثاني : الأجر

    الفرع الأول

    الاستشارة القانونية

    تعد الاستشارة موضوع ومحل عقد تقديم الاستشارة القانونية وهدفه وهي الخدمة  التي تقدم من المستشار القانوني إلى المستفيد من خلال الاعتماد على معرفته العلمية العملية كقاعدة أساس.

    والاستشارة لغة أصلها شور أي طلب منه الاستشارة ، اشتور القوم شاور بعضهم بعضا الاستشارة ما ينصح به من رأي وغيره .

    والاستشارة وتقول منه شاؤه في الأمر واستشرته وفلان خير شير أي يصلح للمشاورة وشاوره مشاوة وشوارة واستشاره طلب منه الاستشارة .

    ولم يتفق الفقه القانوني على تحديد معنی جامع للمشورة القانونية كمحل للعقد فذهب البعض إلى اعتبارها معلومات ذات قيمة اقتصادية جديرة بالحماية يمكن نقلها بأي وسيلة وأن العقد الوارد على المعلومات يعد عقد تقدیم مشورة مادام هذا العقد ينشأ التزامأ أصلية بتقديم

    هذه المعلومات ، أي أن الاستشارة القانونية تنصرف إلى الرأي المقدم للمستفيد سواء كان هذا الرأي موجهة اليه أم لم يكن كذلك .

    في حين يرى جانب ثاني من الفقه إلى أن الاستشارة القانونية المقدمة لا تنصرف إلى معنى الرأي المجرد بل يجب أن يكون هذا الرأي هاديا ومرشدا للمستفيد ودافعة لأتخاذ قرار بالتصرف من عدمه.

    ونحن نؤيد الاتجاه الثاني حيث إن تخصص المستشار الدقيق واعتماده على نشاط الفكر والعقل الذي يتميز به ، والثقة التي يوليها المستفيد للمستشار القانوني والغاية التي يسعى أليها المستشار القانوني من تقديم الاستشارة القانونية وهي الأجر ، كل ذلك يحتم أن تكون الاستشارة القانونية موجهه لطالبها لأتخاذ قرار معين ، أي يجب أن تكون هادية ومتضمنة التوجيه الأتخاذ موقف معين .

    ومما سبق يمكن تعريف الاستشارة القانونية بأنها معلومة متخصصة في مجال القانون ، ناتجة عن تحليل ودراسة وضع المستفيد ، وتعكس خبرة المستشار القانوني والتي من شأنها توجيه المستفيد نحو أتخاذ قرار معين .

    وتختلط الاستشارة القانونية ببعض المفاهيم القانونية الواردة في بيان الرأي وإسداء النصح کالمعلومات والفتوى والتفسير .

    فالاستشارة القانونية قد تتشابه مع المعلومة في إن كلاهما معلومات مقدمة من المستشار القانوني أو الخبير أو غيرهم للمستفيد ، ويختلفان عن بعضهما في أن المعلومة ما هي إلا رأي مجرد وبيان في موضوع معين بدون أن يكون من شأنها توجيه المستفيد لأتخاذ قرار معين ، في حين أن عنصر الإرشاد والتوجيه هو الركن الأهم في الاستشارة القانونية ، فالمعلومة تكون مجردة من النصيحة حيث يقتصر التزام مقدمها على وضعها تحت يد المستفيد دون أن يتعدى ذلك حل مشكلة المستفيد في حين أن الاستشارة القانونية يجب أن تكون هادية ومرشدة للمستفيد لحل المشكلة محل الاستشارة.

    وقد تختلط الاستشارة بالفتوى ، فالفتوى لغة : افتاه في الأمر أي أبانه له وأفتي المفتي أذا أحدث حكماً ، وأصطلاحاً يقصد بها ما أجاب العالم أو المختص في المسائل الشرعية وهي على نوعين فتوى يقصد بها تبليغ الأحكام دون أي هدف وفتوى تشمل تقديم اقتراح الحل مشكله ما وهذه تقترب من الاستشارة ، إلا أن الاختلاف بين الاستشارة والفتوى لم يحول ، من الناحية العملية من استخدام لفظ الفتوى في مجالات أبداء الاستشارة خصوصا تلك المتعلقة بالجوانب القانونية كالفتاوى الصادرة من مجلس شورى الدولة بصدد طلب جهة رسمية توضيح جانب معين من قانون بغية الاطمئنان إلى تطبيقه بشكل سليم.

    هذا وقد يختلط مفهوم الاستشارة القانونية بالتفسير ، فالتفسير عملية توضح ما أبهم من الألفاظ وتكميل ما اقتضب من نصوص وتخريج ما نقص من أحكامه والتوفيق بين أجزاءه المتناقضة، فجوهر الخلط بين التفسير والاستشارة القانونية هو أن كليهما عملية فكرية ترتبط بالمعرفة والتخصص ، إلا أنه يمكن وضع الحدود الفاصلة بينهما من حيث أن التفسير لا يعدو أن يكون مجرد رأي لا يتضمن التوجيه والإرشاد في حين نجد أن الاستشارة القانونية يجب أن تكون هادية ومرشدة للمستفيد .

    ويثار في هذا الصدد تساؤل حول الطبيعة القانونية للمشورة القانونية فقد انقسم الفقه القانوني في هذا الصدد إلى اتجاهين:

    فذهب الاتجاه الأول إلى اعتبار الاستشارة القانونية معلومة ، لها طبيعة قانونية خاصة ، بعد التسليم بتميزها عن الأشياء المادية في كونها غير قابلة للحيازة والاستئثار وهذه الطبيعة الخاصة تجعل بالإمكان وضع حماية قانونية للمشورة حتى ولو كانت هذه المعلومة لا تنتمي إلى الفكرة الأدبية أو الذهنية أو الصناعية من خلال إقرار انتماء المعلومة إلى مجموعة القيم المحمية.

    أما الاتجاه الثاني فيري إن الاستشارة القانونية لها قيمة قابلة للاستحواذ ، حيث يرى هذا الاتجاه إن الاستشارة بوصفها معلومات مصاغة في قالب معين تتمتع بأهمية ثقافية وسياسية واقتصادية جديرة بأن ترفعها إلى مرتبة الأموال ، يتحدد سعرها وفقا لظروف العرض والطل، ويستدل هذا الاتجاه على ذلك بما درجت عليه الجهات المتخصصة في تقديم الاستشارات التي يلجأ أليها الأفراد ملتمسا النصح والاستشارة ، من بيع ما لديها من معلومات في ظل حماية القانون .

    ونحن بدورنا نذهب مع الاتجاه الثاني لما يمثله من حماية للمشورة القانونية وضمان لحق المستشار القانوني فيها ، إذ أن هذه الحماية تجعل الجهد المبذول من المستشار في مأمن من الهدر والاستغلال من قبل الغير بدون مقابل.

    ويشترط في الاستشارة القانونية باعتبارها محلا لعقد تقديم الاستشارة القانونية أن تكون ممكنه ومعينة أو قابلة للتعيين ومشروعة فالاستشارة القانونية يجب أن تكون ممکنه لأنه لا التزام بمستحيل والا كان العقد باطلا بحسب نص المادة /۱/۱۲۷ إذ تنص على أنه

    ((1- اذا كان محل الالتزام مستحيلا استحالة مطلقة كان العقد باطلاً )) كمن يطلب مشورة قانونية من محامي حول إمكانية التحايل على القانون للإفلات من عقاب جريمة ارتكبها ، ويجب أن تكون الاستشارة القانونية معينه تعينأ نافياً للجهالة أو يمكن تعيينها إذ تنص المادة / ۱/۱۲۸ | على انه

    ( ۱ – يلزم أن يكون محل الالتزام معينة تعينا نافية للجهالة الفاحشة……) ، ويجب أن تكون الاستشارة القانونية مشروعاً فإذا كانت غير مشروعة و مخالفة للقانون والنظام والآداب العامة  والآداب العامة كان عقد تقديم الاستشارة القانونية باط” حيث نصت المادة / ۱/۱۳۰

     على انه

    (( يلزم أن يكون محل الالتزام غير ممنوع قانونا ولا مخالف للنظام العام وللأداب وألا كان العقد باطلا )).

    ومما تقدم يمكننا القول إن المحل الأساسي في عقد تقديم الاستشارة القانونية يتمثل في الاستشارة التي هي نتاجأ لأداءات ذهنية في مجال القانون ويظهر الباعث الدافع للتعاقد مع المستشار القانوني في الثقة والاعتبار الشخصي ، الذي يعتمد على أداء معين للمستشار القانوني والذي يضع المستفيد ثقته فيه ، لغرض الحصول على الاستشارة الهادية والمرشدة.

    الفرع الثاني

    الأجر

    إن عقد تقديم الاستشارة القانونية باعتباره عقد ملزم للجانبين يرتب التزامات متقابلة على كل طرف من أطرافه ، وهما المستفيد والمستشار القانوني ومن هذه الالتزامات ، الأجرة التي يدفعها المستفيد إلى المستشار القانوني.

    والأجر هو الوجه الثاني للمحل في عقد تقديم الاستشارة القانونية وهو المال الذي يلتزم المستفيد بدفعه للمستشار القانوني في مقابل قيام الأخير بتقديم الاستشارة القانونية ، وبما أن الأجر هو المحل الذي يلتزم به المستفيد لذا يجب أن يكون معينأ بنوعه ومقداره شأنه شأن أي محل للالتزام ، فيلتزم المستفيد أن يؤدي للمستشار القدر المذكور من الأجر في العقد دون أن يكون لارتفاع قيمة هذه النقود أو لانخفاضها وقت الوفاء أي أثر . وليس من اللازم أن يؤدي المدين النقود من النوع المنصوص عليه في العقد ، بل أن المستفيد يودي ما بذمته من الأجر وفق سعر قانوني يساوي القدر المتفق عليه في العقد)، وتشترط القواعد العامة في القانون المدني عدد من الشروط التي يجب أن تتوفر في المحل ، نتناولها تباعاً.

    أولاً : أن يكون الأجر موجوداً أو قابل للوجود:

    الأجر لا بد من وجوده والا كان عقد تقديم الاستشارة من عقود التبرعات ، والأصل أنه متى دلت الظروف على أن الاستشارة ما كانت لتنجز بدون اجر فأن المستفيد يكون ملزمة بدفع قيمتها للمستشار القانوني ، حتى لو جاء العقد خالية من الإشارة إليه ، ويتعين على المحكمة أن تعتبر أن هنالك أتفاق ضمنية بين المستفيد والمستشار القانوني على وجود الأجر إذ تنص المادة / ۲/۸۸۰ من القانون المدني العراقي على

    (( ويجب اعتبار أن هناك اتفاق ضمنية على وجوب الأجر اذا تبين من الظروف أن الشيء أو العمل الموصي به ما كان ليؤدي إلا القاء أجر يقابله)).

    فمتى أعتبر الأجر موجودة فأن مقداره أنما يحدد على أساس اجر المثل ، إذ تنص المادة | /59 من قانون المحاماة العراقي على انه

    (( إذا لم تحدد أتعاب المحاماة بأتفاق خاص يصار في تعينها إلى أجر المثل ))

    وكذلك نص المادة /۳۱ من قانون محاماة في إقليم كردستان العراق إذ تنص على أنه

    (( اذا لم يعين بدل أتعاب المحامي بأتفاق خاص يصار في تعينها إلى أجر المثل)))

    بأعتبار الاستشارة القانونية عمل من أعمال المحاماة حسب ما جاء في المادة / 1/۲۲ من قانون المحاماة العراقي. ويجب أن يكون الأجر جدية أي مقاربة للحقيقة وأن تتجه إرادة المستفيد إلى دفعه وأن تتجه إرادة المستشار القانوني إلى استيفاءه ، وليس من الضروري أن يكون الأجر مساوية تماما لقيمة العمل ، وإنما يجب أن يكون جدية وغير صورية .

    ثانياً : أن يكون الأجر معيناً أو قابلا للتعيين:

    ويكون الأجر معينأ عندما يتفق الطرفان على تحديده في العقد ويحدد الأجر من قبل المستشار القانوني والمستفيد بعدة صور ، فقد يتم تحديد الأجر أجمالا فيتفق المستشار القانوني مع المستفيد على مبلغ أجمالي مقدمة عند أبرام العقد ومن مزايا هذه الصورة إن المستفيد يعلم مقدما مقدار الأجر الذي سيدفعه للمستشار القانوني .

    وقد يتحدد الأجر على أساس ثمن القائمة حيث توجد قائمة تتضمن سعر لكل نوع من أنواع الاستشارة ، وقد لا يعرض المستشار القانوني أو المستفيد لتحديد مقدار الأجر أص ، فيتكفل القانون تحديد مقدار الأجر  إذ تنص المادة /59 من قانون المحاماة العراقي على انه

    (( أذا لم تحدد أتعاب المحاماة بأتفاق خاص يصار في تعيينها إلى أجر المثل )).

    ثالثاً : أن يكون الأجر مما يجوز التعامل فيه:

    يجب أن يكون الأجر غير مخالف لنص قانوني أو للنظام العام أو الآداب العامة ، ومن هنا فلا يجوز أن يتعهد المستفيد من أن يقدم المخدرات أو الأثار أو عملة مزورة كمقابل للمشورة التي قدمها المستشار وهذا ما دلت عليه المادة /1/۱۳۰ من القانون المدني العراقي على

    (( يلزم أن يكون محل الالتزام غير ممنوع قانونأ ولا مخالف للنظام العام أو الأداب العامة وألا كان العقد باطلاً )) .

  • اطراف عقد تقديم الاستشارة القانونية

    من خلال استعراضنا لعقد تقديم الاستشارة يتضح لنا أن الفقه القانوني قد استقر على أن لهذا العقد طرفين الأول هو المستشار والثاني هو المستفيد .

    ولذلك فأننا نبحث في هذا المطلب اطراف عقد تقديم الاستشارة في الفرعين الآتيين:

    الفرع الأول: المستشار القانوني

    الفرع الثاني: المستفيد

    الفرع الأول

    المستشار القانوني

    تطلق تسمية المستشار بشكل عام على الشخص الذي يؤخذ رأيه في أمر هام علمي أو فني أو سياسي أو قانوني أو نحوه ، وبشكل خاص في موضوع دراستنا المستشار القانوني كطرف من أطراف عقد الاستشارة القانونية وهو المهني المتخصص في مجال القانون الذي يقوم بتقديم أداء للمستفيد هذا الأداء هو الاستشارة القانونية التي يعدها بناء على دراسة وتحليل الوضع المستفيد ، وفي ضوء حاجات الأخير ، وكذلك الأصول الفنية المرعية يقدم المستشار القانوني دراسته التي تعد بمثابة رأي يهدي المستفيد إلى اتخاذ قرار معین . 

    كما يعرف المستشار القانوني بأنه كل مهني متخصص في مجال القانون سواء أكان شخصأ طبيعية ، معنوي يحترف مهنة معينة ، يقوم بتقديمها لعميل ليهديه إلى اتخاذ قرار معین .

    فالمستشار شخص يمتلك قدرة من المعرفة الفنية يفوق حتمأ ما يمتلكه المستفيد ، فالفرض في المستشار القانوني انه فني متخصص في فرع من فروع الأنشطة الإنسانية ، ويجب أن نلاحظ أن درجة التخصص لدى المستشار القانوني من الدقة بمكان بحيث تعد الفارق الذي يعيننا على التمييز بين المستشار القانوني والمستفيد ، فالمستشار يقدم خبراته ودرايته المتمثلة في شكل مشورة قانونية للمستفيد و هي اداءات ذات طبيعة ذهنية وعقلية ، فالمستشار القانوني لا يكون مجرد عامل على أله أو كونه يطبق نظريات فنية معينة وإنما هو نتاج عقل بشري وخبرة أنسان ، فهو مهني متخصص يتمتع بمهارات فنية خاصة ويمتلك معارف متميزة يقدمها للمستفيد على وجه الاستقلال .

    ويثار بهذا الصدد مسألة ألا وهي أذا ما ابدى الحرفي نصيحة أو استشارة لشخص ما، فهل يعد هذا الحرفي مبرمة لعقد تقديم الاستشارة ويلحق به وصف المستشار ؟

    والمتمعن في مفهوم الحرفة يرى أنها تتمثل في تكريس نشاط الفرد العمل معين واتخاذه مهنة له ، أي أنه كل عمل يمارسه الفرد بصورة يدوية أو ميكانيكية ، أما مهنة المستشار فأنها تعتمد بالدرجة الأساس على التفكير والتحليل وتستند إلى معلومات مسبقة أو مستنبطة ،

    فمتى ما استنبط الحرفي وحلل وابدي رأيه في أمر معروض عليه عد ذلك ممارسة المهنة تقديم الاستشارة.

    ويذهب اتجاه أخر إلى عدم إضفاء صفة الاستشاري على الحرفي ذلك لأن فكرة الاحتراف خاصة بالشخص الطبيعي ولا تمتد إلى الشخص المعنوي في حين أن مهنة تقديم الاستشارة قد يقوم به شخص طبيعي أو معنوي.

    ألا أن هذا الكلام ينطبق فيما اذا كنا بصدد عقد مشورة في غير مجال القانون ذلك لأن القانون حصر إعطاء الاستشارة القانونية في طائفة المحامين وكذلك المكاتب الاستشارية في كليات الحقوق والقانون .

    ولكل ما تقدم يمكن تعريف المستشار القانوني بأنه كل شخص طبيعي أو معنوي مختص في مجال القانون يمتلك بحكم تفوقه ومعرفته ما يؤهله لتقديم مشورة قانونية للمستفيد تكون هادية ومرشده له في اتخاذ قرار من عدمه.

    من هذا التعريف يتبين لنا إن المستشار القانوني قد يكون شخصأ طبيعة وقد يكون شخصاً معنوياً وعلى ذلك فأننا نبحث في صور المستشار القانوني باعتباره شخصأ طبيعة وباعتباره شخصاً معنوياً وحسب الاتي:

    أولاً : المستشار القانوني باعتباره شخصأ طبيعية:

    سبق وأن عرفنا المستشار بصورة عامة ، بأنه شخص مهني متخصص يقدم أداء ذهنية وعقلية يتمثل في رأي قانوني يقود المستفيد لأتخاذ قرار معين إزاء مشكلة معينة ، وهو بهذا يتمييز عن مقدمي الخدمات الأخرى ، كالمساعد الفني ، والمدير ، والخبير، وهذا يقودنا إلى التمييز بين المستشار وبين مقدمي هذه الخدمات.

    ويتميز المستشار القانوني في عقد تقديم الاستشارة القانونية عن المساعد الفني الذي يقوم بنقل المعارف للأفراد في مجال فني ، فيقدم خدمات يغلب عليها الطابع المادي وأن كانت البعض منها ذات طابع ذهني ،

    في حين إن ما يميز أداء المستشار القانوني انه يغلب عليه الطابع الذهني والعقلي وأنه يتدخل بشكل مباشر عن طريق الاستشارة القانونية التي من شأنها لو طبقت أن توجه المستفيد نحو قرار معين كما بينا ذلك سابقا.

    فالمستشار القانوني يلتزم بتقديم أداء ذهني ، ولا يصبح كمساعد فني يقوم بتنفيذ الاستشارة المعطاة ، ومع ذلك فأن المستشار القانوني عليه أن يقدم العون والمساعدة للمستفيد ، حتى يستطيع الأخير تنفيذ الاستشارة القانونية المقدمة من قبل المستشار القانوني ، وهذه المساعدة تكون في الفترة التي يبدأ فيها المستفيد تنفيذ الاستشارة ووضعها موضع التنفيذ ، وهذه المساعدة تعتبر تطبيق الواجب التعاون المفروض على المستشار القانوني في علاقته بالمستفيد  ، لذلك يلزم أن يكون المستشار القانوني مؤهلا متمرنأ ، ذا تخصص متميز يتيح له تقديم مشورة منتجة بناء على ما يملكه من معلومات وخبرات تؤهله لأعداد وتقديم مشورة قانونية تعكس تفوقه في هذا المجال .

    ونؤيد الرأي في أن المستشار القانوني في عقد تقديم الاستشارة القانونية يتميز عن المدير الذي يتولى أدارة مشروع معين أو ينظم شيئا معيناً ، في كون الأخير يتولى إدارة مشروع معين أو تنظيم بعض نواحيه في حين أن المستشار لا يدير الأعمال ، وإنما يكون دوره توجيه المستفيد بأبداء مشورة تبين له ما يجب فعله إزاء مشكلة معينة دون أن يكون له حق إدارة هذه المشكلة فهو يمد المستفيد بأداء ذا طبيعة ذهنية وعقلية محضة وبالتالي لا يعد مسؤولاً عن المشروع ككل .

    ومع هذا القول هناك من يرى أن تمييز المستشار عن المدير ليس مطلقة ، وذلك أنه لا توجد خطوط فاصلة بين المستشار والمدير ، إذ أن كل من أداء المستشار والمدير هي اداءات ذات طبيعة ذهنية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فأن المستشار يتدخل في إدارة المشروع بشكل أو بأخر ففي مجال المشروعات يلجأ المستفيد طالبة الرأي والاستشارة لأجل تنظيم أو إعادة تنظيم مشروعه ، وهذه الاستشارة تؤثر بطريقة أو بأخرى في فاعلية المشروع،

    لأنها توجه المشروع نحو اتجاه معين ، وينتهي هذا الرأي إلى القول بأنه لا توجد حدود فاصلة بين المستشار والمدير وحتى لو فرض بوجود فواصل فهي موجودة من الناحية النظرية فقط .

    ومما تجدر الإشارة اليه إن مفهوم المستشار القانوني في عقد تقديم الاستشارة القانونية يتميز عن الخبير ذلك إن الأخير يقوم بأبداء الرأي العلمي أو الفني في واقعة أو وقائع مادية إذ تنص المادة / ۱۳۲ من قانون الأثبات العراقي على أن

    (( تتناول الخبرة الأمور العلمية والفنية وغيرها من الأمور اللازمة للفصل في الدعوة دون المسائل القانونية )) ، وهي بالتالي أي الخبرة لا تتوفر لدى الشخص الاعتيادي وانما تتوفر لدى من لديه الدراية العلمية والفنية ، والخبرة تعد من التصرفات التقريرية فهي تقرر أمرأ واقعية ، وتصفه من الزاوية الفنية ولا تضف اليه أو تنقص منه شيء أو تعدله.

    في حين إن المستشار القانوني في عقد تقديم الاستشارة القانونية يقرر أنشاء امر لم يكن قائمة ، وذلك بتقديم رأي قانوني يوضح للمستفيد ما يجب أن يكون عليه هذا الأمر في ذاته ، أي أنه عمل إنشائي ، بينما الخبير يصف ما عليه الأمر الواقع من الناحية الفنية.

    ويبرز الاختلاف بينهما أيضأ في إن الرأي الاستشاري القانوني يقوم به أشخاص وجهات أوكل القانون أليها ذلك ، أما الخبرة فيقوم بها خبراء ذوي دراية علمية واسعة في المسائل المعروضة عليهم لوصفها وصفة فنية بحتأ ، ومن دون تقديم أراء شخصية فيها ، إلا أنه يرد على هذا الاختلاف أن القانون حدد الخبراء الذين يحق لهم تقديم الخبرة وذلك بتحديد شروط التسجيل في جدول الخبراء .

    وعلى الرغم من مما ذكر سابقاً بشأن التفرقة بينهما ، فأن الحدود الفاصلة بين المستشار القانوني والخبير ليست كبيرة ، فالمستشار القانوني حينما يقدم دراسته ويقوم بتحليل وضع المستقيد أنما يعتمد بدرجة كبيرة على الحالات السابقة التي مرت عليه والمطبقة على أوضاع المستفيد و التي تعكس أثار خبرته على الاستشارة القانونية ، فالمستشار القانوني حينما يقدم الحلول للمستفيد بعد تحليله للوقائع يعتمد على خبرته المكونة من الحالات المعروضة عليه سابقا فتنعكس بدورها على الاستشارة القانونية التي يقدمها للمستفيد .

    ثانياً: المستشار باعتباره شخصاً معنوياً:

    الصورة الثانية للمستشار القانوني هي صورته المعنوية المتمثلة بالمكاتب الاستشارية ، والتي تكون في الحالتين التاليتين:

    الحالة الأولى : وفيها يضم المكتب الاستشاري أكثر من مستشار في تخصص واحد ، فمثلا مكتباً للاستشارات القانونية يضم أكثر من مستشار قانوني مختص بشؤون الشركات مثلاً ، ويكون الهدف من تجمع واشتراك أكثر من مستشار للعمل من خلال مكتب واحد ، هو حسن تقديم الاستشارة ففرصة تحقيق النتيجة المرجوة من الاستشارة المقدمة من اكثر من مستشار والتي تتمثل بخلاصة آراء المستشارين مجتمعين أكبر من فرصة نجاح الاستشارة المقدمة من استشاري بمفرده.

    الحالة الثانية : وهي صورة المكتب الاستشاري الذي يضم أكثر من استشاري في أكثر من تخصص ، بمعنى أن يكون هنالك مكتب للاستشارات يضم مستشار قانوني مختص بالعقود ومستشار مختص بالشركات ، ومهندس استشاري ، واستشاري مالي وغيرهم .

    فاذا ما طلب المستفيد مشورة بشأن وضع مشروع ما فيقوم المكتب الاستشاري بدراسة وضع المشروع وشكله القانوني ومدى مطابقته للاشتراطات المقرر قانونأ ، وكذلك ملكية المشروع وكل ما يتصل بالنواحي القانونية ويأتي الاستشاري الهندسي فيقيم أصول المشروع ومدى سلامة أدوات الإنتاج به ، ويأتي الاستشاري المالي ليدرس السوق ومدا استيعابه لمنتج المشروع وقدرته التنافسية بين المشروعات القائمة. وفي النهاية تصدر الدراسة متضمنه خلاصة آراء الاستشاريين مجتمعين ومتضمنه الرأي الذي يراه المكتب .

    هذا وقد يكون تأسيس المكتب الاستشاري القانوني شخص من أشخاص القانون العام أو من أشخاص القانون الخاص وكالأتي :

    ١ – المكتب الاستشاري العام .

    يمكن أن يؤسس المكتب الاستشاري القانوني شخص من أشخاص القانون العام ، إذ نظم بقانون مكاتب الخدمات العلمية والاستشارية في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي رقم (7) لسنة ۱۹۹۷  إذ تنص المادة / ۱/ اولا /۱ منه على

    (( اولاُ: ۱- لكل من الجامعات والهيئات والكليات والمعاهد والمراكز التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، بناء على دراسة الجدوى وقرار مجلسها وموافقة وزير التعليم العالي والبحث العلمي ، تأسيس مكاتب خدمات علمية واستشارية متخصصة أو متعدد الاختصاصات عند توفر الإمكانات ))

    من خلال هذا النص يتبين لنا انه لكل جمعية أو كلية أو هيئة التعليم التقني والمعاهد والمراكز التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي تأسيس مكاتب خدمات استشارية متخصصة أو متعددة الاختصاصات عند توفر الإمكانات.

    ويتمتع المكتب الاستشاري العام بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري للقيام بالتصرفات القانونية لتحقيق أهدافه ويمثله مديره أو من ينيبه أمام القضاء والجهات الأخرى وهذا ما نصت عليه المادة / ۱ / ثانية من القانون أعلاه حيث نصت

    (( يتمتع المكتب بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري للقيام بالتصرفات القانونية لتحقيق أغراضه ويمثله مديره أو من ينيبه أمام القضاء والجهات الأخرى )).

    وتتمثل أهداف المكتب الاستشاري العام ، بتقديم الاستشارة والخدمات والخبرات العلمية والفنية والتدريبية إلى مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وتقدم هذه الخدمات القاء أجور مناسبة ، حيث نصت المادة / ۲/ أولا من قانون المكاتب الاستشارية في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي على

    (( اولاً: تقديم الاستشارات والخدمات والخبرات العلمية والفنية والتدريبية إلى دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي والمختلط والتعاوني وأي نشاط يقدر الوزير بأنه مفيد للقطاع الخاص لقاء أجور مناسبة )).

    ويتكون المكتب الاستشاري العام من أشخاص يتولون الأشراف عليه يتمتعون بالخبرة العلمية والفنية بحسب حقل الاختصاص ، حيث نصت المادة / ۳/ اولا على

    (( أولاً: يتولى الأشراف على المكتب مجلس يتألف من:

    1- العميد أو احد رؤساء الأقسام العلمية ممن لا تقل مرتبته العلمية عن أستاذ مساعد بالنسبة للجامعة أو الكلية أو المركز ، ومدرس بالنسبة اللمعهد ، يرشحه مجلس الجامعة أو مجلس هيئة المعاهد الفنية أو مجلس المركز ، على أن يقترن ذلك بمصادقة الوزير

    ۲- أربعة من التدريسين في الأقل يختارهم مجلس الجامعة أو هيئة المعاهد الفنية أو المركز يمثل كل منهم حقل اختصاصه ، وبأعلى المراتب العلمية المتوفرة على أن يقترن ذلك بمصادقة رئيس الجامعة ورئيس المعاهد أو رئيس المركز

    ثانياً: يختار المجلس مديرة من بين أعضائه على أن يقترن ذلك بمصادقة رئيس الجامعة أو رئيس هيئة المعاهد الفنية أو رئيس المركز ويكون نائبا للرئيس يحل محل الرئيس عند غيابه

    ثالثاً: مدة العضوية في المجلس سنتان من تاريخ أول اجتماع له قابلية التجديد لمرة واحدة ))

    ۲ – المكتب الاستشاري الخاص

    للشخص الطبيعي أن يؤسس مكتبة استشارية قانونية على أن يكون حاصلا على إجازة تأسيس المكتب الاستشاري من نقابة المحامين . وينضم المكاتب الاستشارية غير الحكومية في العراق القانون رقم (۱۹) لسنة ۲۰۰۰ حيث تنص المادة / ۲ من هذا القانون على

    (( اولا : لا يجوز فتح مكتب استشاري إلا وفق أحكام هذا القانون. ثانيا : تتولى النقابة المختصة منح إجازة تأسيس المكتب الاستشاري لأعضائها وتتولى هيئة التخطيط منح إجازة تأسيس المكتب الاستشاري في حالة عدم وجود نقابة مختصة أو عدم انتماء صاحب الطلب إلى نقابة مختصة )).

    كما أشترط القانون في الشخص الطبيعي الذي يبغي تأسيس مكتب استشاري قانوني ، أن يكون شخص طبيعي أو أكثر ، وأن يكون حاصلا على شهادة جامعية في مجال القانون ، وأن تكون له ممارسة فعليه في النشاط الذي يمارسه لمدة معينة تحددها القوانين المعنية تلي الشهادة الجامعية ، وكذلك أن يكون له محل مناسب ، وغيرها من الشروط التي تشترطها القوانين المنظمة لعمل هذه المكاتب .

    وقد تتخذ هذه المكاتب الاستشارية شكل الشركة المدنية المهنية ، ولا يوجد في العراق تنظيم للشركة المدنية المهنية ، وإنما تنظم عمل هذه الشركات القواعد العامة في قانون الشركات عموما .

    أما في مصر فان الحال لم يختلف كثيراً عن العراق ، فلم يوضع تنظيم خاص بالشركات المهنية من قبل المشرع المصري ، غير القواعد العامة في الشركة عموما التي ينظمها المشرع المصري في القانون المدني من المادة / 505 إلى المادة 537 ، وكذلك المادة 4 وه من قانون المحاماة المصري حيث نصت المادة /4 من القانون الأخير على أنه

    (( يمارس المحامي مهنة المحاماة منفرداً أو شريكاً مع غيره من المحامين أو في صورة شركة مدنية للمحاماة ))

    وتنص المادة / ه من نفس القانون على أن

    (( للمحامين المقبولين أمام محكمة النقض ومحاكم الاستئناف أن يؤسسوا فيما بينهم شركة مدنية للمحاماة يكون لها شخصية معنوية مستقلة ويزاولون المحاماة من خلالها ويجوز أن يشارك فيها المحامون أمام المحاكم الابتدائية )).

    فشركة المحاماة المدنية لا تعدو في كونها صورة للشركات المدنية بصفة عامة ، ونموذج للشركة المدنية المهنية وهي عبارة عن شخص معنوي ، ينشأ بأتفاق بين عدد من المحامين بغرض ممارسة المحاماة ممارسة جماعية بصورة مشتركة واقتسام ما يتحصل عن ذلك من أرباح ، ويجوز أن يكون اسم الشركة مستمدة من أسم أحد المحامين من الشركاء ولو بعد وفاته ، ويجوز أن ينص في النظام الأساسي للشركة على انه في حالة عجز أحد الشركاء أو وفاته استمرار الشركة بين الشركاء الأخرين .

    أما الوضع في فرنسا فأنه يختلف عما هو عليه الحال في العراق ومصر . فقد نظم المشرع الفرنسي عمل الشركة المدنية المهنية بالقانون رقم (۲۹) نوفمبر ۱۹۹۹ الخاص بالشركات المدنية والمهنية، والقانون رقم (۳۱) لسنة ۱۹۹۰ الخاص بالشركات الممارسة للمهن الحرة الذي اصبح ساري المفعول من الأول من يناير عام ۱۹۹۲.

    ويمكن حصر الشركات المدنية المهنية في فرنسا في ثلاث جهات : الأولى: المهن الطبية : وتضم الأطباء ، جراحي الأسنان ، البيطريين ، الممرضين ، أطباء العلاج الطبيعي ، أطباء العظام والأطباء النفسيين الثانية: المهن القانونية والقضائية : وتضم المحامين ، الاستشاريين القانونين ، الموثقين ، وكلاء الدعاوى أمام محكمة الاستئناف ، مأمور التفليسة ، المدير القضائي والخبراء المثمنين. الثالثة: المهن الفنية : وتضم المهندسين ، الخبير المحاسبي ، مراقب الحسابات ، وكيل التأمين ، استشاري براءات الاختراع والملكية الصناعية ، استشاري الاعلان ، استشاري التوظيف والتعيين.

    وهذه الطوائف الثلاثة للمهن الحرة المتصور ممارستها من خلال الشركة المدنية منظمة بالقانون ۲۹ نوفمبر ۱۹۹۹ بالإضافة إلى القانون ۳۱ ديسمبر ۱۹۹۰ الذي أحدث بعض التغيرات على الوضع القانوني للشركات المهنية في فرنسا.

    بعد استعراض مفهوم المستشار القانوني في القوانين المقارنة يمكننا أن نعرف المستشار القانوني بوصفه شخصأ معنوية بأنه كيان مهني متخصص في مجال القانون يتمتع بالشخصية المعنوية يؤسسه شخص طبيعي أو معنوي لتقديم الاستشارة القانونية والخبرة العلمية والفنية والتدريبة باختصاص القانون إلى المستفيد لقاء أجر معين.

    الفرع الثاني

    المستفيد

    لما كان الهدف من أبرام عقد تقديم الاستشارة القانونية يتجلى بالحصول على المعلومات  القانونية التي يرغب بالحصول عليها ، والتي من شأنها إرشاد طالبها إلى اتخاذ قرار معين ، وهذا ما يتطلع اليه الكثير من الأشخاص لتحقيقه ، فأن نهاية سلسلة المفاوضات التي تسبق مرحلة الاتفاق ، تتمثل بالعقد الذي يبرمه الشخص طالب الاستشارة القانونية والذي يسمى بالمستفيد مع المستشار القانوني.

    فالمستفيد ليس بالضرورة أن يكون على علم ودراية بكل القواعد القانونية الناظمة في الدولة ، ذلك أن الأنسان اذا كان يحوز قدرة من المعرفة الفنية في فرع من فروع النشاط الإنساني ، فأنه لا شك سوف يصبح غير عالم بباقي الفروع ، ففي نهاية القرن العشرين ، وبعد أن أصبحت العلوم تقوم على أسرار خفية لا تتوفر ملكة فهمها إلا لطائفة معينة ، فأن الشخص غير العالم بهذه الأسرار الخفية سيصبح غير متخصص في هذا الفرع من فروع المعرفة إلا أنه قد يصبح متخصصاً في فرع أخر.

    عليه يمكن تعريف المستفيد بأنه الشخص الطبيعي أو المعنوي ( العام أو الخاص) المتعاقد مع المستشار القانوني بغية الحصول على المعلومات والخدمات القانونية من الاخير اليهديه إلى اتخاذ قرار معين) ، فالمستفيد قد يكون شخصأ طبيعية عادية يهدف من حصوله على الاستشارة القانونية تلبية حاجاته الخاصة ، وقد يكون المستفيد ، شخص معنوي عام أو خاص کالمؤسسات العامة الحكومية وغير الحكومية والجمعيات والأندية .

    فالمستفيد هو الشخص غير المتخصص الذي لجأ إلى المستشار القانوني طالبة الرأي والاستشارة القانونية، والذي يعرف بأنه الشخص الذي لا يكون على علم ودراية بأصول القانون .

    إلا أن هناك من عارض فكرة عدم اختصاص المستفيد ، أذ أن من يطلب تقديم الاستشارة القانونية قد يكون متخصصة في القانون الا انه حتى وأن كان متخصصة في القانون إلا أن التخصص لا يمنع من أن يجهل المستفيد الحل المناسب لمسالة ما فيلجأ إلى متخصص أخر يستطيع الوصول إلى هذا الحل .

    وبدورنا نتفق مع هذا الرأي حيث أن تخصص المستفيد لا يمنع من أن يجهل الحل المناسب لمسألة ما فيلجأ إلى متخصص أخر يستطيع الوصول إلى هذا الحل.

    هذا ويذهب جانب من الفقه إلى استعمال ألفاظ يراها مرادفة للفظ المستفيد ومن هذه الألفاظ المستخدم النهائي – العميل – المستفيد ، فالمستخدم النهائي ينصرف مفهومه إلى الباحث عن المعلومة ، أما العميل فقد يكون مجرد معاون لهذا الباحث يتوسط بينه وبين مصدر المعلومة.

    أما المستفيد فأنه ينصرف إلى المعنيين معا ، فالمستفيد قد يكون هو الباحث عن المعلومة القانونية ، وقد يكون وسيطا يستفيد من الاستشارة القانونية ويقوم بدوره بنقلها إلى من يحتاجها بمقابل .

    وتذهب مع من يرى ، بأن لفظة المستفيد هي اعم وأشمل من الألفاظ الأخرى ولذلك سنلتزمها في كل البحث ، وذلك لأن صفة المتعاقد مع المستفيد لا تنتفي حتى لو ادعی المستفيد أن الاستشارة القانونية لم تعد عليه بالنفع ، لان الاستفادة هنا تتمثل بالحصول على المعلومة القانونية سواء استخدمت هذه الاستشارة أو لم تستخدم من قبل المتعاقد مع المستشار”.

     

  • تمييز عقد تقديم الاستشارة القانونية عما يشتبه به من عقود

    قد يشتبه عقد تقديم الاستشارة بعقود أخرى تكون واردة على المعلومات ، ومعتمدة على أداء معين لأحد أطرافها الذي يمتلك أسرار وخبرات وهذه الخبرات والأسرار لا يملكها الطرف الأخر ومن هذه العقود عقد البحث العلمي وعقد نقل التكنولوجيا نتناوله في الفرعين الآتيين.

    الفرع الأول : تمييز عقد تقديم الاستشارة القانونية عن عقد البحث العلمي.

    الفرع الثاني : تمييز عقد تقديم الاستشارة القانونية عن عقد نقل التكنولوجيا.

    الفرع الأول

    تمييز عقد تقديم الاستشارة القانونية عن عقد البحث العلمي

    تتضمن لفظة البحث معنيين ، المعنى المادي وهو طلب الشيء والتفتيش عنه ، والمعنى المعنوي وهو السؤال عن الشيء.

    ويعرف البحث العلمي بأنه

    (( عمل عقلي هدفه تحقيق نتيجة فنية بها يمكن إشباع حاجات إنسانية مفتقدة ، بمعنى تقديم شيء جديد للمجتمع أو إيجاد شيء لم يكن موجود من قبل قوامه أو مميزه أن يكون ثمرة فكرة ابتكارية أو نشاط أبتكارياً تتجاوز الفن الموجود))).

    ويعرفه أخر بأنه (( أي تقصي نظامي لأي جانب من جوانب المعرفة ، تتم مباشرته طبقة للقواعد المقبولة بصفة عامة والتي يكون الغرض الأساس منها هو اكتساب المعرفة).

    واستنادا لما ورد من مفاهيم عقد تقديم الاستشارة القانونية يمكن القول أن عقد تقديم الاستشارة القانونية يلتقي بعقد البحث العلمي بجوانب عده ، نوجزها في النقاط الأتية :

    ۱ – يقوم عقد البحث العلمي على ركيزة أساسية ومفادها الاعتبار الشخصي في شخص الباحث ، إذ أن المستفيد أختار أبرام العقد مع الطرف الأخر في العقد – الباحث -، واضعا ثقته المطلقة فيه ، ويستند هذا الاعتقاد على السمعة والكفاءة العلمية والأمانة وما قام به الباحث سابقة من أعمال تكسبه تجربة علمية كافية ، وهي نفس الركيزة التي يستند عليها عقد تقديم الاستشارة القانونية.

    ۲ – يعتبر عقد البحث العلمي من العقود بمقابل ، إذ يهدف الباحث من وراء هذا العقد إلى الحصول على مقابل نقدي  ، وهو من خصائص عقد تقديم الاستشارة القانونية الذي يختلف عن واجب الاستشارة كما بينا سايق .

    3 – إن عقد البحث العلمي يرتب التزامات ذات طبيعة خاصة كالالتزام بالسرية ، فالباحث في هذا العقد ملزم باحترام المعلومات التي تتصل بالمستفيد عن طريق الحفاظ على هذه المعلومات وعدم إفشاءها للغير والالتزام بالتعاون الذي يفرض على المستفيد من البحث .

    وهو بهذه الالتزامات يلتقي بعقد تقديم الاستشارة القانونية حيث إن العقد الأخير يرتب عين الالتزامات المذكورة على المستشار القانوني).

    4 – ويتفق العقدان في أن محلهما الأساسي هو اداءات ذات طبيعة ذهنية تعتمد على عقل الباحث أو المستشار القانوني .

    رغم التشابه الكبير بين العقدين في النقاط أعلاه إلا أن هذا التشابه الواسع لا يعني عدم تباين العقدين وتمييزهما عن بعضهما البعض نبين ذلك من خلال النقاط الأتية:

    ۱- فمن ناحية نجد أن عقد البحث العلمي يتضمن نقل الملكية الحق في البحث إذ تنص الصيغ النموذجة لهذا العقد على تنازل الباحث عن حقه في نشر البحث لمدة محدودة من الزمن ، بمعنى أن تؤول ملكية الحق في نشر البحث والاستغلال المالي إلى المستفيد  ،

    وهذا ما لا نجده في عقد تقديم الاستشارة القانونية إذ لا يتضمن نقط الملكية الاستشارة القانونية محل العقد ، إذ لا يمنع هذا العقد المستشار القانوني من أن يعطي نفس الاستشارة القانونية الشخص أخر بعد انتهاء عقده مع المستفيد الأول ، ومن جهة أخرى حصر القانون إعطاء الاستشارة القانونية بالمحامين .

    ۲ – وكذلك أن البحث العلمي يشترط أن تتوفر فيه الأصالة والأبداع ومطابقة علاقة السبب والأثر ، بيد أن المستشار القانوني في عقد تقديم الاستشارة لا يلزم سوى ببذل عنايته وجهوده في سبيل توصل المستفيد إلى الهدف الذي يرمي اليه من الاستشارة القانونية.

    3 – إن عقد البحث العلمي ينطلق من معرفة موجودة من أجل الوصول إلى نتائج أو معرفة غير موجودة أو مطلوب الكشف عنها ، في حين أن عقد تقديم الاستشارة القانونية ، يعني تقديم رأي قانوني من شأنه أن يؤثر بطريقة ما في توجيه قرارات المستفيد ، أو تقديم دراسات قانونية ما قبل الاستثمار تمهيد لأتخاذ قرارات بشأن المضي بمشاريع معينة ، إذ يتطلب تحديد المستشار القانوني للمشروع البدائل المقترحة وتحديد السمات الرئيسية بجدوى المشروع والخطوات الفعالة الواجبة الأتباع لتنفيذ وتشغيل المشروع .

     

    الفرع الثاني

    تمييز عقد تقديم الاستشارة القانونية عن عقد نقل التكنولوجيا

    تعرف التكنولوجيا La Technologie

    (( بأنها مجموعة من المعارف المستخدمة في أنتاج السلع والخدمات )).

    أما عقد نقل التكنلوجيا فيعرف بأنه

    (( عقد يمكن من الانتفاع من صيغ وطرق يحتفظ المرخص بسرها ، إلا من الانتفاع بها ))،

    ويعرفه أخر بأنه

    (( اتفاق يتعهد بموجبه شخص طبيعي أو معنوي بأن يجعل المتعاقد معه ينتفع بما في حوزة المرخص من صيغ وطرق سرية خلال مدة معينه يتعهد المرخص له ببذله )).

    ومن هذه التعاريف يتبين لنا إن حائز التكنولوجيا يقوم بنقلها بمقابل معين أي أن نقل التكنولوجيا عملية تستخدم فيها قيمة الاستعمال أو المنفعة .

    فالتكنولوجيا تعتبر ما” منقولا له قيمة اقتصادية مشمولة بحماية قانونية خاصة ، حيث أصطلح على تسميتها حق المعرفة .

    لذلك وأهم ما يميز هذا المال أنه قابل للنفاذ ، كما أنه مال يمكن استعماله بوسطه اطراف

    عديده في ذات الوقت وهذا ما يجعله حق استئثارية يرتب لمالكه أحتكار استعماله.

    هذه العناصر الجوهرية لمصطلح التكنولوجيا ، تختلف وسائل نقلها بحسب طبيعة تلك الوسائل ، ولعل من أبرز هذه الوسائل ما يطلق عليه بعقد نقل التكنولوجيا ، وهذا العقد قد يقترب كثيرة من عقد تقديم الاستشارة القانونية في الكثير من الجوانب ، خصوصا أنهما يلتقيان في كونهما من العقود الواردة على المعلومات التي يمتلكها أحد أطرافه دون الأخر .

    وهذا ما دفع البعض إلى القول بأن عقد تقديم الاستشارة القانونية ما هو إلا صيغة من صيغ عقد نقل التكنولوجيا ، مستندين في تبرير وجهة النظر هذه إلى وجود مجموعة من العناصر الجوهرية المتشابة بينهما .

    وهذه العناصر تتمثل بالأتي:

    1- من حيث موضوع العقدين . فموضوع عقد نقل التكنولوجيا يقوم على خلق التزام في ذمة أحد المتعاقدين بنقل ما لديه من معرفة إلى المتعاقد الأخر نظير مقابل مادي ، وهذا هو جوهر الالتزام بعقد تقديم الاستشارة القانونية إذ يقوم المستشار القانوني بتقديم معلومات واداءات قانونية ذات طبيعة ذهنية ، كما بينا ذلك في تعريف هذا العقد.

    ۲ – من حيث الأجر . فالأجر في عقد نقل التكنولوجيا يعتبر عنصرأ جوهريا ، وقد رأينا  عند تعريف عقد الاستشارة القانونية أنه عقد لا يتم إلا بمقابل ().

    ٣- من حيث الالتزامات الملقاة على اطراف العقدين فعقد نقل التكنولوجيا ، يرتب على أطرافه التزاما مهمة بالحفاظ على سرية المعلومات فحائز المعلومات يلتزم بسريتها وعدم إفشائها إلى الغير ، وهذا الالتزام يبدأ لحظة أبرام العقد ، ولا يخفى ما في عقد تقديم عقد الاستشارة القانونية من التزام بالحفاظ على السرية.

    4 – من حيث طبيعة العقدين فأن بعض الفقه يذهب إلى أن عقد نقل التكنولوجيا يعد صورة من صور عقد المقاولة)، وبهذه الطبيعة يلتقي عقد نقل التكنولوجيا مع عقد تقديم الاستشارة القانونية  ، الذي سنتكلم عنه بالتفصيل في مواضيع قادمة .

    ومن خلال ما تقدم فأن هذه المبررات لا تحاول التقريب بين هذين العقدين فحسب بل تجعل منهما صورتين لعقد واحد إلا أن النظر المعمق في هذه الحجج كفيل لدحض هذا التقارب ، ويمكن إيضاح تباين هذين العقدين من عدة وجوه :

    1 – استقر الفقه القانوني على عد عقد نقل التكنولوجيا من العقود التجارية)، أما عقد تقدیم الاستشارة القانونية فأنه يعد من العقود المدنية ، والقانون المدني وأحكامه هي الواجبة التطبيق ما دام هدف العقد تقديم هذه الخدمة المتميزة إذ تنص المادة /3/74 بأنه

    (( يصح أن يرد العقد: ……….. 3- وعلى عمل معين أو خدمة معينة )).

    ۲ – إن التكنولوجيا تتمثل في مجموعة من المعارف وتستند هذه المعارف على الحقائق العلمية وتتميز بمحتواها التطبيقي ،وفي ضوء ذلك عرف البعض التكنولوجيا بأنها التطبيق العملي للمرات العلم وابتكار افضل الطرق لاستعمالها) ،

    أما دور المستشار القانوني في عقد تقديم الاستشارة القانونية فأنه يقتصر على مجرد القيام بتوجيه المستفيد نحو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل

    3 – من آثار عقد نقل التكنولوجيا أنه يؤدي إلى انتقال الحق في استغلال المعرفة التكنولوجية من المجهز إلى المتلقي بحيث يفقد المجهز عنصر التصرف فيها لتنتقل إلى متلقي ثاني بعد أبرام العقد ،

    أما في عقد تقديم الاستشارة القانونية فأنه لا مانع يمنع قيام المستشار القانوني من بأيداء ذات الاستشارة القانونية إلى مستفيد أخر ما دامت الوقائع متشابه وتدعو إلى الأخذ بنفس الحلول 

    4 – تختلف الاستشارة باعتبارها المحل الأساس في عقد تقديم الاستشارة القانونية عن المعرفة الفنية محل عقد نقل التكنولوجيا في إن الاستشارة القانونية تعد معلومة تتضمن الإرشاد والتوجيه للمستفيد في اتخاذ قراره ، في حين نجد إن التكنولوجيا تتمثل في مجموعة من المعارف المستخدمة في انتاج سلعة جديدة.

  •  تمييز الالتزام بالمشورة القانونية عما يشتبه به من التزامات قانونية

    قد يشتبه الالتزام بالمشورة القانونية بغيره من الالتزامات المتشابهة ، كالالتزام المشورة نفسها باعتبارها التزام تبعي أو واجب المشورة ، والالتزام بالأعلام و بالتحذير ،

    والفقه في هذا الصدد منقسم بين اتجاهين يذهب الأول إلى عد هذه الالتزامات ، التزاماً واحداً ويعتبر هذا الألفاظ اي المشورة والأعلام والتحذير مترادفات لمعنى واحد فمن الصعب وضع حدود فاصلة بين هذه الالتزامات فهي مرتبطة برابط مشترك وهو حماية الدائن سواء كان ذلك عن طريق المشورة او التحذير او الأعلام ، في حين يذهب الاتجاه الأخر من الفقه إلى ذاتية واستقلالية كل التزام من هذه الالتزامات عن الأخر ،

    لذلك يتعين علينا البحث في التفرقة بين الالتزام بتقديم المشورة القانونية وغيرها من الالتزامات المشابهة ، وهذه التفرقة تكون بين الالتزامات السابقة والالتزام بالمشورة باعتباره التزام أصلي في عقد تقديم المشورة القانونية نتناول ما تقدم في ثلاثة فروع وحسب الاتي

    : الفرع الأول : التمييز بين الالتزام بتقديم الاستشارة القانونية بطبيعتها وبين واجب المشورة .

    الفرع الثاني : التمييز بين الالتزام بتقديم المشورة القانونية والالتزام بالأعلام .

    الفرع الثالث : التمييز بين الالتزام بتقديم الاستشارة القانونية والالتزام بالتحذير .

    الفرع الأول التمييز بين الالتزام بتقديم الاستشارة القانونية بطبيعتها وبين واجب المشورة

    تبين لنا عند تعريف عقد تقديم المشورة القانونية، إن المشورة القانونية هي المحل الأساسي لهذا العقد ، والتي تعرف بأنها الرأي القانوني الذي يدل على ما يجب فعله ، وهذا الرأي يرشد طالبه إلى ما يجب أن يفعله في المسألة القانونية التي يطلب الرأي فيها.

    إن تعریف عقد تقديم المشورة القانونية ليس بالضرورة أن يكون ملازمة لتعريف الالتزام بتقديم المشورة ، ذلك لأن الالتزام بتقديم الاستشارة القانونية يجد مصدره في عقد تقديم الاستشارة القانونية ذاته كالتزام اصلي ، وقد يجد مصدره في أي عقد أخر ، وعندئذ يكون الالتزام بتقديم المشورة القانونية التزام تابع أو يطلق عليه واجب المشورة ،

    ومثال ذلك عقد المحامي مع موكله فانه يرتب في ذمة المحامي إضافة للدفاع عن موكله التزام تبعي بالمشورة القانونية ، حيث إن المحامي ملزم بتقديم الاستشارة القانونية كالتزام تبعي للعقد الأصلي المتمثل بعقد الدفاع عن موكله.

    وعلى ذلك فهناك فارق بين الالتزام بتقديم المشورة القانونية باعتباره التزام أصلية ينشأ بموجب عقد تقديم المشورة القانونية وبين واجب المشورة ، ويبرز هذا الاختلاف من حيث مصدر هذين الالتزامين ومن حيث الأجر.

    1- من حيث مصدر هذين الالتزامين :

    فمن حيث مصدر هذين الالتزامين ، فأن الالتزام بالمشورة القانونية باعتباره التزاماً اصلياً في عقد تقديم المشورة يجد مصدره في هذا العقد ذاته ، بحيث لا يعد المدين منفذا لالتزامه إلا بأداء المشورة محل العقد ويطلق على هذا العقد ، بعقد المشورة بطبيعته ، وهو العقد الذي يبرم مع المستشار المهني الذي يمتهن مهنه معينه ويقدم مشورة تتصل بتخصصه ،

    وأمثله هذا العقد كثيرة ولها تطبيقات متعددة سواء كانت في المجال القانوني أو المالي أو في مجال التشييد والبناء أو في المجال الطبي وغيره ،

    أما الالتزام بتقديم الاستشارة بوصفه تابعأ أو واجب المشورة ، قد يجد مصدره في العقد بأتفاق الطرفين أو بحسب طبيعة العقد ،

    وقد يجد مصدره في القوانين الخاصة المتعلقة بحماية المستهلك ، حيث إن المستهلك بحاجة ماسة إلى استعمال و استغلال التقنية الحديثة التي لا تتوفر ملكية استغلالها وفهمها إلا لطائفه معينه ، وهم الفنيون والمهنيون ، لذلك وجب على هؤلاء التزاماً بالمشورة والنصيحة لمن يتعاقد معهم ، يدلون بها على كيفية استعمال واستغلال هذه التقنية.

    ومما تجدر الاشارة اليه أن نصوص القانون تقرر حماية للمستهلكين في مواجهة المهنيين عمومأ على أساس عدم التعادل في المراكز التعاقدية بين المستهلكين من ناحية والمهنيين من ناحية أخرى سواء كان هذا التعادل راجع إلى التفاوت الفني أو إلى المركز الاقتصادي ،

    وعلى هذا فالالتزام بتقديم الاستشارة باعتباره التزاماً تابعاً موجوداً في كثير من العقود ، والذي يفرضه القضاء تحقيقا للعدالة ولإيجاد توازن في العلاقة التعاقدية ، بيد أنه يجب أن نلاحظ أن الالتزام بالمشورة باعتباره تابعأ يحده أحيانا الالتزام بضمان السلامة ، حيث عادة ما يلجأ القضاء لتقرير حماية المتعاقدين استنادا للالتزام بالمشورة باعتباره التزامأ تابعة كوسيلة بيد القضاء يحقق بها حمايه للمتعاقدين وبصفة خاصة في العلاقة بين المهنيين والمستهلك .

    ۲ – من حيث الأجر :

    أما من حيث الأجر . فعنصر الأجر الذي يحصل عليه المستشار ، هو الذي يميز بين عقد تقديم الاستشارة بطبيعته ، والذي ينشأ ألتزاما اصلية بالمشورة ، وبين الالتزام بتقديم المشورة باعتباره التزام تبعية .

    فالمستشار الذي يقدم المشورة لقاء أجر يحصل عليه من المستفيد ، يكون التزامه التزامأ أصلياً ورئيساً، أما في العقود التي يقدم فيها المستشار المشورة مجانا وبدون مقابل ، أو أن المستشار يكون قد حصل على الأجر مسبقاً لقاء قيامه بتنفيذ الالتزام الأصلي ، أو كونه مقابل المشورة منضمة ضمن الالتزام الأصلي ، ففي جميع هذه الفروض يكون الالتزام بتقديم المشورة التزاما تابعأ.

    ومما تجدر الإشارة أليه أن الالتزام بالمشورة باعتباره التزاما اصلية في عقد الاستشارة قد يخلف التزاما تابعة بالمشورة كما هو الحال في مجال أنظمة المعلومات ، بينما واجب المشورة أو الالتزام المشورة بوصفه التزاما تابع غير مرتبط بوجود عقد تقديم المشورة. 

    وخلاصة القول فأن الفرق بين الالتزام بالمشورة بوصفه التزام أصلية وبين الالتزام بالمشورة بوصفه التزاما تبعية يكمن في النقاط الأتية :

    ١ – الالتزام بتقديم المشورة في عقد تقديم المشورة القانونية التزام أصلي وهو محل الأداء الرئيسي في العقد فلا يصح العقد من دون تقديم المشورة وذلك لتخلف ركن من أركان هذا العقد وهو ركن المحل المتمثل بالمشورة ، أما الالتزام بالمشورة التبعي أو واجب المشورة فأنه التزام تابع ، ومحل العقد الرئيسي أداء قانوني أخر غير تقديم المشورة.

    ۲ – إن أساس الالتزام بالمشورة باعتباره التزام تابع يجد مصدره في قوانين حماية المستهلك وذلك لإيجاد نوع من التوازن بين المتعاقدين ، بينما أساس الالتزام بالمشورة باعتباره التزامأ اصلية هو عقد تقديم المشورة القانونية.

    3 – يعد الأجر من العناصر الرئيسية للتمييز بين الالتزامين ، فالأجر الذي يحصل عليه المستشار هو الذي يميز عقد تقديم المشورة بطبيعته عن مجرد الالتزام بالمشورة باعتباره التزام تبعي.

    4 – ويمكن أن نميز بين الالتزام بالمشورة باعتباره التزام أصلية ، وبين الالتزام بالمشورة بأعتباره التزام تبعي وذلك بوصف الأخير واجب المشورة ، فواجب المشورة التزام تابع والالتزام بالمشورة مصدره عقد تقديم المشورة القانونية ، وهذا التمييز يمتاز بأنه يوضح الفروق في استخدام التعبيرات والألفاظ ،

    ففي الحالتين لدينا التزام بتقديم المشورة ، الأول يكون أصلية والثاني يكون تبعية ولكي نمييز بينهما بما لا يحقق خلطأ في الألفاظ يكون ذلك بأن نوصف الالتزام بتقديم المشورة القانونية أو عقود تقديم المشورة بطبيعتها ، ونصف الالتزام عندما يكون تابع ، بأنه واجب المشورة .

    الفرع الثاني التمييز بين الالتزام بتقديم المشورة القانونية والالتزام بالأعلام

    اذا كان الأعلام في الاصطلاح الصحفي محدداً ومضبوطأ  كونه المحل الخصب له فأن الأمر ليس كذلك في الاصطلاح القانوني ، فهو مصطلح دخيل على القاموس القانوني ،

    ومثلما يلقي كل ابتكار قانوني جديد جدة فقهية ، فأن الالتزام بالأعلام لم يسلم من هذا الجدل الفقهي ، لا سيما فيما يتعلق بالأساس القانوني ، الطبيعة القانونية ، النطاق القانوني ، لا بل حتى حول مسميات هذا الالتزام ولن نخوض في هذا الجدال الفقهي للأعلام وذلك لخروج الموضوع عن نطاق البحث ونكتفي بالإشارة إلى نقاط الالتقاء والافتراق بينه وبين الالتزام بالمشورة القانونية ، بداية يعرف الالتزام بالأعلام بأنه

    (( التزام ملقى على عاتق المدين يفرض عليه أن يعلم الدائن بكل المعلومات والبيانات التي تكون لازمة له لتكوين رضاء حر مستنير ، وتكون الازمة كذلك لضمان حسن تنفيذ العقد ))).

    ومن هذا التعريف يتبين لنا أن الالتزام بالأعلام يوجد في مرحلة تكون العقد ، كما يوجد في مرحلة تنفيذ العقد .

    ولا يخفى من أن هنالك صعوبة في التمييز بين الالتزام بالأعلام والالتزام بالمشورة القانونية ، حيث حصر هذا الاختلاف في درجة المعلومات المنقولة ، أكثر من طبيعة الالتزام ومضمونه ، إذ أن الاختلاف هو فكرية أكثر مما هو عملية ، ورغم ما قيل بشأن صعوبة التمييز بين الالتزامين إلا أنه يمكن التمييز بين الالتزامين في النقاط الأتية:

    اولا: من حيث الأشخاص:

    إن المدين بالالتزام بالأعلام بصفة خاصة كل ممتهن متخصص وبصفة عامة هو كل بائع يملك من المعلومات ما يؤثر في الانتفاع بالمال المبيع، سواء كان محترفا أم غير محترف  ولا يلزم أن يكون هناك اتفاق بعكس الالتزام بالمشورة القانونية في عقد تقدیم المشورة القانونية فلا يلزم إلا المستشار القانوني الذي تم الاتفاق معه.

    أما الدائن بالالتزام بالأعلام والمشورة القانونية فهو عاد غیر متخصص ، إلا أن الفرق بين الاثنين هو كون المبادرة في طلب المشورة عادة ما تكون من قبل الدائن ، في حين المبادرة في الالتزام بالأعلام تكون من قبل المدين ، وتعطى عفوية دون أن يطلبها الدائن .

    ثانيا : من حيث الطبيعة

    فأن الالتزام بالأعلام يعد التزاماً عاماً سابقة على التعاقد ، يتمثل في أحاطة الدائن بكافة البيانات والمعلومات اللازمة لتكوين رضا حر ومستنير ، سواء تعلقت هذه البيانات والمعلومات بمحل الشيء الذي يرد عليه التعاقد أو بأطراف التعاقد انفسهم” ،

    كذلك قد يكون التزاماً عقدياً وذلك لضمان تنفيذ العقد بحسن نية ، أما الالتزام بتقديم المشورة القانونية الناشئ عن عقد تقديم المشورة القانونية ، فهو التزام عقدي ، أي ليس التزاما سابق وإنما هو التزام اصلي ، وهو محل العقد ذاته ولا يعد المستشار القانوني منفذا لالتزامه إلا بأداء المشورة القانونية، فالالتزام بالأعلام باعتباره التزاما تعاقدية يختلف عن الالتزام بالمشورة القانونية باعتباره التزام أصلية في عقد تقديم المشورة القانونية ، فالالتزام بالأعلام التعاقدي هو التزام تابع لالتزامات أخرى يوجب على المدين أن يعلم المتعاقد معه بكل البيانات والمعلومات التي من شأنها أن تضمن تنفيذ العقد بحسن نيه ، في حين نجد كما بينا سابقا أن الالتزام بالمشورة القانونية في عقد تقديم المشورة القانونية هو التزام أصلي فهو محل العقد والأداء الرئيسي فيه.

    ثالثا : من حيث مجال التطبيق:

    إن الالتزام بالأعلام يجد محله في تكوين العقد أي قبل أبرام العقد ، في حين إن الالتزام بتقديم المشورة القانونية يجد مكانه في مرحلة تنفيذ العقد بأعتبار أن المحل الرئيسي والأساسي للعقد هو تقديم المشورة القانونية ، وهذا لا يتحقق إلا بتنفيذ المدين لالتزامه بتقديم المشورة القانونية محل العقد) .

    رابعا : من حيث المضمون

    إن الالتزام بالأعلام يتميز عن الالتزام بالمشورة القانونية في مضمون كل منهما ، فالمدين بالأعلام يتوجب عليه أن يحيط المتعاقد الأخر بكل مخاطر العمل الذي يراد أجراؤه ومزاياه ويوضح له المعلومات كافة لكي يجري خياره على ضوئها ولا يتوجب عليه أن يقترح أو أن يفضل حل معين دون الأخر ،

    ومن هنا تظهر الحدود الفاصلة بين الالتزام بالأعلام والمشورة القانونية في أن الالتزام بالأعلام صفة موضوعية لا تتصل بشخص المستفيد ، بل تتناول خصائص ووقائع تتصل مباشرة بالمال موضوع التعاقد ، أما المشورة القانونية فلها طابع شخصي لأنها تأخذ بالاعتبار الثقة في شخص المستشار القانوني فهو يقود خيارات المستفيد ويوجهه ويحثه على اتخاذ قرار في موضوع المشورة القانونية ، فالملتزم بالأعلام يقتصر على مجرد أعلام الدائن دون التعدي إلى تحديد الخيار الأفضل.

    هذا وقد يخلط البعض بين الالتزام بالأعلام وبين الالتزام بالمشورة التبعي أي واجب المشورة؟

    للتميز بين الالتزامين ذهب البعض من الفقه إلى القول بأن الاختلاف بين الالتزام بالأعلام والمشورة في هذا الصدد هو اختلاف في درجة المعلومة المنقولة ، على أساس أن كل من الالتزام بالأعلام والمشورة هنا ينطوي على أعلام المتعاقد الأخر بكل البيانات اللازمة الحسن تنفيذ العقد ، وأن احدهم يتقدم على الأخر في الدرجة فقط ، فالأعلام يأتي أولا وبعده المشورة.

    غير أننا نرى أنه ينبغي النظر إلى المدين عند التفرقة بين الالتزام بالأعلام والمشورة ، فالمدين بالأعلام لا يعلم ولا يعرف رغبات وحاجيات الدائن بالضبط ، في حين أن المدين في عقد تقديم المشورة القانونية المتمثل بالمستشار القانوني يكون عالما بدوافع وبواعث المتعاقد معه.

    واستنادا لما تقدم يمكننا القول أنه من المتصور أن ينشأ عن عقد تقديم المشورة القانونية التزام تابع بالأعلام ، حيث يجب على المستشار القانوني أن يعلم المستفيد بكل البيانات والمعلومات التي من شأنه أن تجعل تنفيذ عقد تقديم المشورة القانونية يتم بحسن نية .

    ومن جهة أخرى فأن الالتزام بالأعلام يتواجد باستقلالية عن الالتزام بالمشورة ولا يعادله فالمشورة تشمل الأعلام وتتجاوزه ، ونقطة التقاء الأعلام بالمشورة هي الإفصاح عن المعلومات التي تشكل أسباب طلب المشورة ، وبقدر معرفة الطرف المدين بالالتزام بالأعلام أو المشورة ، بحاجات المستفيد وأهدافه ، نقترب من المشورة أكثر من الأعلام ، وعلى الرغم من الاختلافات السابقة فأن بعض الفقه الفرنسي يذهب إلى عدم التفريق بين الالتزامين والبعض الأخر يستعمل المصطلحين حين يقصد الالتزام بالمشورة؟.

    الفرع الثالث التمييز بين الالتزام بتقديم المشورة القانونية والالتزام بالتحذير

    الالتزام بالتحذير هو الالتزام الذي يتضمن لفت انتباه المتعاقد من مخاطر محتملة سواء أكانت مادية أم قانونية ، فلا يكتفي أن يقوم المدين في العقد بإحاطة الدائن بطريقة الاستخدام الصحيح والتي تكفل له الانتفاع بمحل التعاقد أي كان ، بل يجب عليه فضلا عن ذلك ، أن يبرز له كافة الاحتياطات التي يجب عليه أن يتخذها وأن يحذره بكل وضوح من مغبة عدم اتخاذ هذه الاحتياطات .

    إذ يرى البعض أن الالتزام بالتحذير هو التزام وسط بين الالتزام بالأعلام والالتزام بالمشورة فهو اقوى من مجرد أعلام لكنه لا يصل إلى درجة المشورة ، فالالتزام بالتحذير هو ابعد من أن يكون مجرد أخبار أو أعلام إذ يفترض مخاطر معينة يجب التحذير منها إلا أنه لا يرقى إلى الالتزام بالمشورة.

    فلم يكتفي الفقه بمجرد الزام الطرف الأخر بالإفصاح عن البيانات اللازمة ، وإنما تشدد في وجوب التحذير ووضع شروط حتى يعد المنتج أو الصانع أو البائع موفيأ بالتزامه بالتحذير، وحتى يكون المدين بالتحذير موفيأ بالتزامه فأنه ينبغي أن يكون تحذيره وافية ، ومفهومة ولصيقة بالمنتج.

    ولا يقتصر التحذير على المخاطر المادية فحسب بل يتصور وجوده كذلك أذا كانت هناك مخاطر قانونية تترتب على تصرفات المستفيد ، فيتعين على المتعاقد معه أن يلفت أنتباهه ويحذره من المخاطر التي قد تترتب على تصرف معين كالمستشار القانوني الذي يحذر المستفيد ن مغبة فوات ميعاد الطعن في حكم أو قرار ما.

    أما كون الالتزام بالتحذير التزام سابق على التعاقد ، فأن التميز بينه وبين الالتزام بالمشورة يكون على أساس مجال ونطاق عمل كل منهما ، فالالتزام بالتحذير يهدف إلى لفت انتباه المتعاقد إلى خطورة الشيء المبيع ، فمحل العقد الأصلي ليس هو التحذير وانما هو نقل الملكية ، ويثار الالتزام بالتحذير في المرحلة السابقة على أبرام العقد . أما الالتزام بالمشورة فيعتبر محل الأداء الأساسي في عقد تقديم المشورة القانونية ، ولا يعد المدين منفذا لالتزامه إلا بتأدية المشورة ، ومن ثم فأنه يثار في مرحلة تنفيذ العقد.

    مما تقدم يتضح لنا إن الخطر هو مناط الالتزام بالتحذير ، وأن الالتزام بالمشورة هو التزام مشدد بالتحذير أي إن المشورة تضم كل من الالتزام بالتحذير و الالتزام بالأعلام ، وأن الالتزام بالتحذير يضم الالتزام بالأعلام وعليه فأن الالتزام بالتحذير هو التزام وسط بين الالتزام بالأعلام والمشورة ، فالتحذير يعد أقل درجة من المشورة ، فهو لا يتضمن توجيه المتعاقد بشأن الهدف الذي يبتغيه ، بعكس الالتزام بالمشورة فأنه يتوجب على المستشار أضافة للأعلام والتحذير تقديم النصائح الدقيقة للمستفيد.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1