هل عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد بيع خدمة؟

اتجه جانب من الفقه إلى عد عقد تقديم الاستشارة القانونية بأعتبار محله تقديم خدمة متميزة وهي الاستشارة القانونية عقد بیع .

ويعرف المشرع العراقي عقد البيع في المادة / 506 من القانون المدني ، على أنه

(( مبادلة مال بمال )) ،

بينما عرفه المشرع المصري في المادة / ۱۸ بأنه

(( عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا مالية أخر في مقابل ثمن نقدي )) ، أما المشرع الفرنسي فقد عرفه في المادة / ۱۰۸۲ من التقنيين المدني بأنه

(( أتفاق بين اثنين موضوعه تسلیم شئ في مقابل يدفعه الأخر )) .

وفي ضوء النصوص المتقدمة نلاحظ أن عقد البيع من العقود الناقلة للملكية ينقل ملكية شيء مقابل دفع الثمن فهل يمكن أن نتصور عقد تقديم الاستشارة القانونية كمحل لعقد تقدیم الاستشارة القانونية وهي خدمة ذات طبيعة ذهنية وعقلية ، أن يرد عليها عقد البيع.

إن عقد البيع يمكن أن يرد على كافة الأموال ، أي على كل حق له قيمة مادية في التعامل،

ويتصف عقد البيع بعدة خصائص وهي أن عقد البيع من العقود الرضائية ، ومن العقود الملزمة للجانبين ، ومن عقود المعاوضات ، عقد البيع من العقود الناقلة للملكية ،

وكذلك يعتبر من العقود المحددة في الأصل ،

وبعد أن بينا تعريف عقد البيع وأهم خصائصه، فهل يمكن أن ينصب عقد البيع على الاستشارة القانونية باعتبارها خدمة متميزة يقدمها المستشار القانوني ؟

، للإجابة على هذا التساؤل سنقوم بعرض فكرة عقد البيع بالنسبة للخدمة المتمثلة بالاستشارة القانونية ثم سنحاول تقييم هذه الفكرة من خلال الفرعين الآتيين :

الفرع الأول : عرض فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية بيع خدمة

الفرع الثاني : تقويم فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية بيع خدمة

الفرع الأول

عرض فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية بيع خدمة

إن البيع بصفة عامة يهدف إلى نقل ملكية شيء إلى طرف أخر في مقابل يدفعه ، فهل الخدمات تقبل الانتقال وتقبل أن يرد عليها البيع ؟

إن الاستشارة القانونية وباعتبارها خدمة يمكن أن ترد كمحل لعقد البيع ، ذلك أن مفهوم عقد البيع لم يعد ضيقة بأن لا يرد إلا على الأشياء المادية ، وانما أصبحت الأشياء غير المادية تصح أن تكون محط له ، ولذلك لا يوجد ما يمنع أن تكون الخدمات محلا لعقد البيع.

وأن أول من قال بهذه الرأي الفقيه الفرنسي ( Savater ) في بحثه عن بيع الخدمات حيث يذهب هذا الفقيه إلى أن الخدمات ماهي إلا قيمة اقتصادية يمكن أن تنسب إلى من يؤديها ، وتأخذ وصف السلعة وتصبح قابلة للتقويم ، ويقدر لها سعر فالعقد الذي نحن بصدده وهو عقد تقديم الاستشارة القانونية يختلف عن العقود التقليدية في كون محل الشيء فيه غير مادي ، ونقل الملكية هنا لا يعني نقل ملكية بالمعنى التقليدي ، بمعني نقل لشيء مادي وإنما هو بيع لخدمة تستهلك بمجرد أن توضع تحت يد المشتري ، ويشبه بيع الخدمة ببيع الطاقة في شكل تيار كهربائي .

ومما تقدم من أراء يتبين لنا إن عقد تقديم الاستشارة القانونية هو عقد بيع خدمة وهذا العقد يختلف عن عقود البيع التقليدية ، إذ يتم فيه تبادل أشياء غير مادية ، مقابل مبلغ من النقود .

ويؤكد رأي آخر، أن البيع الذي يرد على أشياء معنوية ، لا يعني نقل ملكية بالمعنى التقليدي لنقل ملكية الأشياء المادية ، وإنما هو بيع المعلومات أي لأشياء معنوية.

وتجدر الإشارة إلى أنه ، وعلى الرغم من أن محل العقد خدمة ، وهي أموال معنوية تعد نتاج لمجهود مضن ، إلا أنها قيمة تقوم بالمال ، وهذا ما يمكن تقبله بصدد عقد تقديم الاستشارة القانونية شأنه في ذلك شأن الأشياء المعنوية الأخرى ، التي استقر الفقه بشأنها على أنها من قبيل الأموال .

في ضوء كل ما تقدم ، يتضح لنا إن مقياس عد عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد بيع خدمة يستند على ما يلي:

 

1 – إن الخدمة المتمثلة بالاستشارة القانونية التي يتوصل لها المستشار ، لها قيمة اقتصادية قابلة للاستحواذ وهي تعد منتجاً يرتكز في حقيقته على المعرفة العلمية والفنية التي يمتلكها المستشار القانوني ، إذ هناك علاقة قانونية بينها وبين من توصل اليها ، علاقة يمكن وصفها بعلاقة المالك بالشيء الذي يملكه ، هذا ولما كانت الأموال المعنوية لها قيمة مالية ، فإنها يمكن أن تصبح محلا للحق ،

إذ لا يمكن القول بوجود ملكية مالم تكن هناك قيمة للمال محل هذه الملكية ، مما يترتب عليه جواز التنازل عن هذه القيمة مقابل ثمن ويعد عقد البيع اكثر أنواع العقود ملائمة لهذا التنازل .

فالبيع هنا لا يعني نقل الملكية بالمعنى التقليدي لنقل الملكية المادية وانما نكون إزاء نقل ملكية معنوية.

۲ – هذا التكييف يتفق وقصد المتعاقدين ، طالما أن هذا العقد لا يتضمن أية مخالفة لأحكام عقد البيع التقليدي ، ذلك إن المراد ببيع الاستشارة القانونية هو تنازل المستشار القانوني عنها بشكل نهائي لتصبح من حق المستفيد ، أي المشتري الذي يجوز له التصرف بها بالتصرفات القانونية كافة ، فله أن يستغلها أو يستعملها أو يتصرف بها ، وله أن يحتج على الغير يملكيته لهذه المعلومات .

٣ – حق المستشار القانوني على الاستشارة القانونية المقدمة من قبله حق ملكية ، إذ أن هذه الملكية تتصل في شخصه وهي الأولى بالحماية ، وهو حق يعطيه صلاحية نقلها للغير.

4 – تتصرف نية المتعاقدين في عقد تقديم الاستشارة القانونية ، إلى تنازل المستشار القانوني عن المعلومات التي يمتلكها إلى المستفيد ، وهذا التنازل يكون بمقابل هو الثمن ، فاستغلال النشاط الذهني للإنسان يهدف في الحصول على مقابل مالي أصبح الأن سمة من سمات العصر الحديث ، لذا فأن عد عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد بيع يكون أقرب إلى المنطق القانوني۔

ه – استقرار الشركات الدولية للاستشارات على عد عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد بيع خدمات ورتبت عليه كافة الآثار التي تترتب على عقد البيع كضمان العيوب الخفية والالتزام بدفع الثمن وأسس تقديره والتزام المستشار بالتسليم وغيرها من أحكام عقد البيع.

6 – من حيث خصائص العقدين فقد رأينا عند تقديمنا لعقد البيع انه من العقود الملزمة اللجانبين وأنه بعوض ، وأنه من العقود الناقلة للملكية ، وكذلك يعتبر من العقود المحددة في الأصل ، فعقد تقديم الاستشارة القانونية يقترب بهذه الخصائص من عقد البيع على وفق رأي من نادى به.

– الفرع الثاني

تقويم فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية بيع خدمة

لا يمكن تطبيق أحكام عقد البيع على عقد تقديم الاستشارة القانونية في ظل اختلاف البناء القانوني لكل من العقدين ، إذ يرتكز عقد تقديم الاستشارة القانونية على عناصر لامثيل لها في عقد البيع ، كما أن وضع هذا التكييف موضع التطبيق غير ممكن للأسباب الأتية:

1 – إن مصطلح الملكية يشوبه بعض الغموض بالنسبة للأداءات الذهنية ، إذ يصعب التسليم بأطلاق وصف الملكية على ما يقدمه المستشار القانوني للمستفيد ، فالفقه يشكك في أطلاق وصف حق الملكية على حق المستفيد في الاستشارة القانونية في عقد تقديم الاستشارة القانونية.

۲ – الطبيعة الخاصة لعقد تقديم الاستشارة القانونية وكونه عقد يبنى على الاعتبار الشخصي بالدرجة الأولى وكون محله اداءات ذات طبيعة ذهنية وعقلية أمر يجعل القول في كونه عقد بيع أمرأ ليس من السهل التسليم به.

3 – إن عقد تقديم الاستشارة القانونية يرتب التزامات غير تقليدية كالالتزام بالسرية والالتزام بالتعاون ، وهذه الالتزامات لا تنسجم مع ما تقرره أحكام عقد البيع ،

فالمستشار القانوني تتعدى التزاماته مرحلة تنفيذ العقد وتستمر إلى ما بعد انتهاء الرابطة العقدية بينه وبين المستفيد ، وخصوصاً فيما يتعلق بالالتزام بالسرية ، وهذا الأمر لا يستقيم مع ما تقرره أحكام القانون بخصوص عقد البيع .

4 – إن محل عقد تقديم الاستشارة القانونية ، المتمثل بالاستشارة القانونية شيء غير مادي لا يدخل في عالم الحس ولا يدرك إلا بالفكر المجرد ، فهو حتمأ يختلف عن محل عقد البيع في طبيعة الأخير الذي يدرك بالحس وله جسم يتمثل به ، فالاستشارة القانونية من خلق وابتكار الذهن ، تختلف عن محل عقد البيع المتمثل بالشيء المادي الذي يؤتي ثماره بالاستحواذ عليه والاستئثار به ، خلافاً للمشورة القانونية التي تؤتي ثمارها بالانتشار والانتقال من شخص الأخر، فعقد البيع يفترض انتقال شيء من شخص لأخر ، وهذا لا يمكن تحققه بالنسبة للخدمة المتمثلة بالاستشارة القانونية ، ذلك لأنها تنطوي على أفكار ، فإذا انتقلت الفكرة من شخص لأخر صارت الفكرة لدى كليهما.

5- لا يستطيع المستفيد أن يلجأ إلى قواعد التنفيذ الجبري عند امتناع المستشار القانوني أداء الاستشارة القانونية، وذلك للارتباط الوثيق بين الاستشارة القانونية كمحل للعقد وبين المستشار القانوني صاحب المعرفة والتخصص ، ويقتصر حق المستفيد في المطالبة بإنهاء الرابطة التعاقدية والتعويض إن كان له مقتضي ، وهذا الأمر يختلف عما تقرره القواعد الخاصة بعقد البيع عند أخلال البائع بالتزاماته في عقد البيع.

6- ليس من السهل التسليم بوجود تقسيم للبيوع إلى بيع أشياء أو حقوق وبيع خدمات ، فالخدمة بصورة عامة تخضع إلى صور متميزة من العقود تختلف عن عقد البيع كعقد العمل والمقاولة.

۷ – لا يمكن الركون إلى نية الطرفين في تحديد التكييف القانوني لعقدهما وخصوصاً في عقد تقديم الاستشارة القانونية الذي يتميز بأنه ينطوي على علاقة غير متوازنة بين طرفين احدهما قوي أو كفوء علمية بما يملكه من تخصص وخبرة ومعرفة علمية في مجال القانون ، والأخر ضعيف لا يملك التخصص والمعرفة العلمية في مجال القانون المتمثل بالمستفيد ، إذ لا عبرة للألفاظ التي يستعملها المتعاقدان أذا تبين أنهما أتفقا على عقد غير العقد الذي سمياه ، فقد يكونا مخطئين في التكييف وقد يتعمدان إخفاء العقد الحقيقي تحت اسم العقد الظاهر).

۷- وأخيرا أن ما قيل بصدد اتحاد العقدين بعدة خصائص وهي ، كونهما من العقود الملزمة اللجانبين وأنهما بعوض ، وأنها من العقود المحددة في الأصل ، هي علاوة ما تم تفنيده بخصوص ملكية الاستشارة القانونية ، فأنها لا تعدو أن تكون خصائص عامة تشترك فيها جميع العقود.

هذه الصعوبات في جملتها كانت وراء محاولة بحثنا عن فكرة أخرى ، تحاول تكييف عقد تقديم الاستشارة القانونية على انه عقد مقاولة ، وكما هو موضح في المطلب القادم.

Scroll to Top