التصنيف: جرائم المعلوماتية و الانترنت

  • الأجهزة المختصة بمكافحة جرائم المعلوماتية في الدول الأجنبية

    كانت الدول المتقدمة سباقة بإحداث هذه الأجهزة؛ إذ إن مكافحة جرائم المعلوماتية يرتبط بمدى تقدم الدول من الناحية التقنية، وبمدى توفر الإمكانيات المادية اللازمة لإنشاء هذه الأجهزة.

    1- الولايات المتحدة الأمريكية:

    قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء عدة أجهزة لمكافحة جرائم المعلوماتية، ومنها:

    • شرطة الوب web police، وهي نقطة مراقبة على الإنترنت، إضافة إلى أنها تقوم بتلقي الشكاوى من مستخدمي الشبكة، وملاحقة الجناة والقراصنة، والبحث عن الأدلة ضدهم وتقديمهم إلى المحاكمة
    • مركز تلقي شكاوى جرائم الإنترنت :IC3، الذي تم إنشاؤه من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI في أيار عام 2000. وفي كانون الأول من عام 2003 تم دمج مركز شكاوى الاحتيال عبر الإنترنت المعروف ب IFCC مع هذا المركز. ويعمل مرکز:IC بصورة تشاركية مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، والمركز الوطني لجرائم الياقات البيضاء NW3C.

    ويقوم هذا المركز بتلقي الشكاوى عبر موقعه على الإنترنت، حيث يقوم الشاكي بملء استمارة إلكترونية، ثم يقوم المختصون في هذا المركز بتحليل الشكاوى وربطها بالشكاوى الأخرى المستلمة من قبل، ثم يتم إحالة المعلومات الناتجة عن عملية التحليل إلى الجهات المسؤولة عن تطبيق القوانين الأمريكية .

    • قسم جرائم الحاسوب والعدوان على حقوق الملكية الفكرية الذي تم تأسيسه في عام 1991، ويختص هذا القسم بالتعريف بهذه الجرائم والكشف عنها وملاحقة مرتكبيها .
    • نيابة جرائم الحاسوب والاتصالات CTC، وتتألف من مجموعة من قضاة النيابة العامة الذين تلقوا تدريبات مكثفة على نظم المعالجة الآلية للبيانات، وتم منحهم صلاحيات واسعة في مجال الاستعانة بغيرهم من خبراء وزارة العدل، لا سيما قسم جرائم الحاسوب والعدوان على حقوق الملكية الفكرية، وهم مرتبطون بنظام تأهيلي وتدريبي مستمر .
    • المركز الوطني لحماية البنية التحتية التابع للمباحث الفيدرالية الأمريكية. وقد حدد هذا المركز البنى التحتية التي تعتبر هدفا للهجومات والاعتداءات عبر الإنترنت، وعلى رأسها شبكات الاتصالات والمصارف وغيرها.

    وإضافة إلى هذه الأجهزة، يوجد أيضا في الولايات المتحدة وحدة متخصصة بمكافحة الإجرام المعلوماتي تابعة لقسم العدالة الأمريكي، تتكون من خبراء في نظم الحوسبة والإنترنت، ومن مستشارين قانونيين .

    2- بريطانيا:

    قامت السلطات البريطانية بتخصيص وحدة تضم نخبة من رجال الشرطة المتخصصين في البحث والتنقيب عن جرائم الإنترنت، کالجرائم الجنسية الواقعة على الأحداث، والقرصنة ونشر الفيروسات

    وغيرها.

    وتضم هذه الوحدة نحو /80/ عنصرا على درجة عالية من الكفاءة في المجال التقني.

    وقد بدأت هذه الوحدة نشاطها عام 2001 ومركزها لندن .

    3- فرنسا:

    قامت الحكومة الفرنسية بإنشاء عدة أجهزة لمكافحة جرائم المعلوماتية، نذكر منها:

    • القسم الوطني لقمع جرائم المساس بالأموال والأشخاص، ويتكون هذا القسم من المحققين المختصين في التحقيق بجرائم العالم الافتراضي، وقد بدأ هذا القسم مهامه عام 1997.
    • المكتب المركزي لمكافحة الإجرام المرتبط بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويعد هذا المكتب سلاح الدولة الفرنسية في مكافحة جرائم الإنترنت، وقد تم إنشاؤه في 2000/5/15

    . • تكوين مجموعة من الشرطة والدرك المتخصصين في التحقيق بجرائم الإنترنت .

    4- اسبانيا:

    قامت الحكومة الإسبانية بتأسيس وحدة التحريات المركزية المعنية بجرائم الإنترنت، وهي تعمل مع الإدارة المركزية في وزارة الداخلية على مراقبة مرتكبي هذه الجرائم وملاحقتهم .

    5- بعض الدول الآسيوية:

    * هونكونغ :

    قامت بتأسيس ما يعرف ب “قوة مكافحة قرصنة الإنترنت” وذلك في كانون الأول عام 1999. وتمكنت هذه القوة من إلقاء القبض على اثني عشر شخصا في خمسة قضايا خلال مدة ستة أشهر من إنشائها.

    * الصين :

    قامت بتأسيس ما يعرف ب “القوة المضادة للهكرة“، وهي تختص برقابة المعلومات التي يسمح لمواطنيها الدخول إليها عبر الإنترنت .

    * فيتنام:

    قامت بتشكيل وحدة خاصة من الشرطة للتحقيق في جرائم الإنترنت، والحد من توزيع المنشورات المحظورة من خلالها .

  • اختصاص التشريع السوري في جرائم الانترنت

    نصت المادة 33 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

    ( أ- يطبق على الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون الأحكام المتعلقة بالصلاحيات الإقليمية والذاتية والشخصية والشاملة المنصوص عليها في قانون العقوبات.

    ب – يعد النطاق العلوي السوري في حكم الأرض السورية في معرض تطبيق هذا القانون.)

    استعمل المشرع السوري في قانون العقوبات تعبير (الصلاحية) للدلالة على الاختصاص، وأخذ بأربعة مبادئ لتحديد اختصاصه الجزائي الدولي، هي: الصلاحية الإقليمية، والصلاحية الذاتية (أو العينية)، والصلاحية الشخصية، والصلاحية الشاملة (أو العالمية).

    ومن الملاحظ أن المشرع السوري قد أخذ بالصلاحية الإقليمية كمبدأ أساسي، أسوة بالتشريع المقارن، إلا أنه لم يقنع بإنفراده، لذلك جمع بين هذه الصلاحيات الأربعة حتى تكمل بعضها البعض، كي يطال الجرائم المرتكبة خارج إقليم الدولة التي يرى فيها مساسا بمصالحه واعتباراته.

    وسنتناول كيفية تطبيق هذه الصلاحيات على جرائم الإنترنت فيما يلي :

     أولاً- الصلاحية الإقليمية:

    يقصد بمبدأ إقليمية القانون الجزائي، أن القانون الجزائي لدولة ما يطبق على كل جريمة ترتكب على إقليم هذه الدولة، سواء أكان الجاني يحمل جنسية هذه الدولة أم يحمل جنسية دولة أجنبية، وسواء أكان المجني عليه مواطن أم أجنبية .

    ولمبدأ إقليمية القانون الجزائي نتيجتان:

    الأولى إيجابية، وهي أن يكون للقانون الجزائي تطبيق شامل على كافة الجرائم المرتكبة على إقليم الدولة، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى عدم تطبيق القوانين الجزائية الأجنبية على هذه الجرائم.

    أما النتيجة الثانية فسلبية، وهي تقضي بعدم تطبيق القانون الجزائي على أية جريمة ترتكب خارج حدود الدولة .

    وقد أخذ المشرع السوري بمبدأ الإقليمية في المادة /15/ من قانون العقوبات، حيث نصت هذه المادة على ما يلي:

    (1- يطبق القانون السوري على جميع الجرائم المقترفة في الأرض السورية.

    2- تعد الجريمة مقترفة في الأرض السورية:

    أ- إذا تم على هذه الأرض أحد العناصر التي تؤلف الجريمة، أو فعل من أفعال جريمة غير متجزئة، أو فعل اشتراك أصلي أو فرعي.

    ب – إذا حصلت النتيجة في هذه الأرض، أو كان متوقعا حصولها فيها .)

    ومن الملاحظ أن المشرع السوري في الفقرة الثانية من هذه المادة أراد أن يوسع من صلاحيته الإقليمية لتشمل مختلف الجرائم التي تهدد الحقوق المحمية بموجب القانون السوري،

    وقد استخدم في هذا التوسع الركن المادي (سلوك ونتيجة وعلاقة سببية) كمعيار لتحديد ما إذا كانت الجريمة قد وقعت على الأرض السورية أم لا، وهو مسلك مرحب به، لأن الفقه والقضاء لم يقبلا بالركن المعنوي بمفرده كمعيار لتحديد الاختصاص .

    والواقع أن تطبيق مبدأ الإقليمية على جرائم الإنترنت لا يثير أية صعوبة إذا كانت جميع عناصر الجريمة قد وقعت على الأرض السورية،

    فإذا قام شخص موجود في سورية مثلا باستخدام الإنترنت الاختراق المنظومة المعلوماتية لأحد المصارف العاملة في سورية، ثم قام بتحويل أرصدة بعض الحسابات إلى حسابه المصرفي، فإن جميع عناصر جريمة الاحتيال تكون قد وقعت على الأرض السورية.

    لكن تطبيق مبدأ الإقليمية ليس دومة بهذه السهولة، فالغالب أن جريمة الإنترنت عابرة للحدود، وبالتالي فإن عناصر الجريمة تتوزع على أقاليم عدة دول، وقد اعتبر المشرع جريمة الإنترنت مقترفة على الأرض السورية، وفق الفقرة الثانية من المادة /15/ من قانون العقوبات السوري، في الحالات

    التالية:

    1- إذا تم على الأرض السورية أحد العناصر التي تؤلف جريمة الإنترنت.

     ومثال ذلك، قیام شخص موجود في سورية بإنشاء موقع للاحتيال عبر الإنترنت – سواء كان الموقع مستضافة على مخدم سوري أم أجنبي- ثم وقع ضحية هذا الموقع شخص مقيم في الصين.

    وغني عن البيان أن الأعمال التحضيرية لا تدخل ضمن عناصر الجريمة، ولا ترتقي إلى الأفعال التنفيذية، فلو قام شخص مقيم في لبنان مثلاً بإرسال رسالة إلكترونية إلى شخص مقيم في الصين، تتضمن فوز المرسل إليه بجائزة وهمية بقصد الاحتيال عليه، فإن القانون السوري لا يطبق المجرد قيام الجاني بشراء الحاسوب من سورية.

    2- إذا تم على الأرض السورية فعل من أفعال جريمة غير متجزئة.

    ويدخل في مفهوم الجريمة غير المتجزئة، الجريمة المستمرة والجريمة المتتابعة وجريمة العادة.

     فجريمة الاحتيال مثلاً من الممكن أن تكون متتابعة (متعاقبة)، فإذا قام شخص موجود في لبنان مثلا، بالاحتيال على شخص موجود في سورية عن طريق البريد الإلكتروني، ثم قام هذا الجاني بالاحتيال عدة مرات على ذات المجني عليه، عن طريق الإنترنت، ففي هذه الحالة تكون جريمة الاحتيال متتابعة (متعاقبة) بسبب وحدة الإرادة الجرمية، ووحدة الحق المعتدي عليه، ووحدة الغرض.

     3- إذا وقع على الأرض السورية فعل اشتراك أصلي أو فرعي.

    كما لو اشترك شخص موجود في سورية مع شخص آخر موجود في اليابان بعملية اختراق لمنظومة معلوماتية عبر الإنترنت عائدة الأحد المصارف الأمريكية بقصد الاحتيال فيتحقق هنا (الاشتراك الأصلي).

    أما إذا قام شخص موجود في سورية بتقديم إرشادات لشخص موجود في اليابان، لاختراق منظومة معلوماتية عائدة لأحد المصارف الأمريكية بهدف تمكينه من الاحتيال. فيتحقق هنا التدخل الاشتراك الفرعي).

    4- إذا حصلت النتيجة الجرمية على الأرض السورية أو كان متوقعة حصولها فيها.

    فإذا قام شخص موجود في كندا بإنشاء موقع للاحتيال عبر الإنترنت لتداول الأسهم الوهمية، ووقع ضحية هذا الموقع شخص موجود في سورية، فتكون النتيجة الجرمية هنا قد وقعت في سورية.

    وتكون النتيجة متوقعة حصولها في سورية وإن لم تحصل فعلاً.

    إذا قام شخص موجود في الإمارات مثلا باستخدام بطاقة ائتمان مزورة للشراء من أحد المواقع الإلكترونية لشركة سورية، إلا أن الجريمة توقفت عند حد الشروع لظروف خارجة عن إرادة الفاعل.

    وفي تقديرنا أن وصول البث إلى سورية لا يكفي بحد ذاته لانعقاد اختصاص القانون الجزائي السوري على أساس أن النتيجة وقعت في سورية، لأن مواقع الإنترنت يصل بثها بطبيعة الحال إلى أي مكان في العالم، بل لا بد من أن يكون المجني عليه موجودة في سورية.

     وهذا التطبيق يشبه إلى حير بعيد نظرية الاستهداف التي قام القضاء الأمريكي بتطبيقها.

    وقد اعتبر المشرع السوري في الفقرة ب من المادة 33 من قانون الجريمة المعلوماتية أن النطاق العلوي السوري في حكم الأرض السورية في معرض تطبيق هذا القانون.

    والنطاق العلوي السوري كما عرفته المادة الأولى من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية هو اسم النطاق العلوي الوطني للجمهورية العربية السورية؛ وهو “سورية” و “sy”، أو أي نطاق إضافي يعتمد لاحقا”.

    و الواقع إن اعتبار تلك المساحة من الإنترنت، الخاضعة لإدارة الدولة السورية جزءاً من الإقليم الاعتباري السوري أو بحكم الأرض السورية، أمر يفرضه المنطق و الاعتبارات العملية، للسببين التاليين:

    1-  إن المبررات المتعلقة بسيادة الدولة على إقليمها، والتي دفعت المشرع الجزائي إلى اعتبار الطائرة أو السفينة السورية بحكم الأرض السورية، متوفرة في ذلك النطاق العلوي السوري على الإنترنت، الذي يخضع لإدارة الحكومة السورية المنتهي ب( sy) فهذا النطاق يحمل العلم السوري أو الجنسية السورية، وبالتالي فإن اعتباره بحكم الأرض السورية يتفق مع فلسفة المشرع السوري.

    2-  هناك مبررات عملية تدفعنا إلى اعتبار النطاق الوطني السوري على الإنترنت بحكم الأرض السورية، وهي أن هناك جرائم من الممكن أن ترتكب عبر هذا النطاق السوري، دون أن تطولها قواعد الاختصاص الجزائي الدولي السورية، ونضرب على ذلك المثال التالي:

    إذا أنشأت شركة فرنسية موقع إلكترونية لها على النطاق السوري المنتهي ب (SY.)، ثم قامت عبر هذا الموقع بالاحتيال على بعض الإيطاليين الموجودين في إيطاليا، فإن هذه الجريمة لا تخضع للقانون الجزائي السوري، لأن قواعد الاختصاص الدولي لا تسمح بذلك، فلا تنطبق على هذا المثال الصلاحية الإقليمية أو الشخصية أو الذاتية أو الشاملة، مع العلم أن الجريمة تمت عبر النطاق الوطني السوري على الإنترنت.

    ثانياً – الصلاحية الذاتية أو العينية:

    يقصد بمبدأ الذاتية أو العينية، تطبيق القانون الجزائي على الجرائم التي تمت المصالح الأساسية للدولة، والمرتكبة خارج إقليمها، أيا كانت جنسية مرتكبها.

    وهذا المبدأ يفرضه حرص الدولة على حماية مصالحها الأساسية .

    وقد أخذ المشرع السوري بهذا المبدأ في المادة /19/ من قانون العقوبات، التي نصت على ما

    يلي:

    1- يطبق القانون السوري على كل سوري أو أجنبي، فاعلاً كان أو محرضاً أو متدخلاً، أقدم خارج الأرض السورية على ارتكاب جناية أو جنحة مخلة بأمن الدولة، أو قلد خاتم الدولة، أو قلد أو زور أوراق العملة أو السندات المصرفية السورية أو الأجنبية المتداولة شرعا أو عرفا في سورية.

    2- على أن هذه الأحكام لا تطبق على الأجنبي الذي لا يكون عمله مخالفاً لقواعد القانون الدولي.).

    وتطبيقا لذلك، فإن بعض الجرائم المحددة في هذا النص يمكن أن ترتكب عبر الإنترنت، فإذا قام شخص موجود في الخارج باختراق المنظومة المعلوماتية العائدة لوزارة الدفاع السورية عبر الإنترنت، بقصد الحصول على معلومات سرية، يكون مرتكبا لجريمة التجسس المنصوص عليها بالمادة /272/ عقوبات.

     و أيضا من يقوم في الخارج بنشر كتابات عبر الإنترنت لم تجزها الحكومة السورية، فعكر صلات سورية بدولة أجنبية، يكون مرتكباً لجريمة ماسة بالقانون الدولي حسب المادة /278/ عقوبات.

    ثالثاً- الصلاحية الشخصية:

    يطبق مبدأ الصلاحية الشخصية بطريقتين: إيجابية وسلبية.

    ويقصد بالطريقة الإيجابية تطبيق القانون الجزائي على مرتكب الجريمة الذي يحمل جنسية الدولة ولو ارتكبت الجريمة خارج إقليمها.

    أما الطريقة السلبية، فيقصد بها تطبيق القانون الجزائي على كل جريمة يكون المجني عليه حاملا الجنسية الدولة، ولو ارتكبت الجريمة خارج إقليمها، وأيا كانت جنسية مرتكب الجريمة.

    وتطبيق مبدأ الشخصية بالطريقة الإيجابية، يؤدي إلى تجنب فرار المجرم الذي يسيء إلى سمعة وطنه عندما يرتكب جريمته خارج إقليم دولته ثم يفر إليها، إذ إن دولته لا تستطيع معاقبته على أساس مبدأ الإقليمية، ولا تستطيع تسليمه إلى الدولة التي ارتكب الجرم على أرضها، لأنه من رعاياها كما هو سائد في معظم التشريعات الجزائية.

    أما تطبيق مبدأ الشخصية بالطريقة السلبية، فهو يؤمن حماية رعايا الدولة من الاعتداءات الجرمية عليهم.

    والمشرع السوري أخذ بمبدأ الشخصية في وجهه الإيجابي فقط بالمادة /20/ من قانون العقوبات، ولم يأخذ بهذا المبدأ في وجهه السلبي، لأنه انطلق من مبدأ الثقة بالقضاء الأجنبي، وقدرته على حماية المواطنين السوريين، إذا ارتكبت بحقهم جرائم معاقب عليها في القانون الأجنبي.

    وقد نصت المادة /20/ من قانون العقوبات على ما يلي:

    يطبق القانون السوري على كل سوري، فاعلاً كان أو محرضاً أو متدخلاً، أقدم خارج الأرض السورية، على ارتكاب جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون السوري.

    و يبقى الأمر كذلك ولو فقد المدعى عليه الجنسية السورية أو اكتسبها بعد ارتكاب الجناية أو الجنحة.).

    كما أكد المشرع السوري بالمادة /21/ من قانون العقوبات، على تطبيق هذا المبدأ بالنسبة للجرائم التي يقترفها الموظفون السوريون في الخارج، أثناء ممارستهم وظائفهم أو بمناسبة ممارستهم لها، وعلى الجرائم التي يرتكبها أيضا موظفو السلك الخارجي والقناصل السوريون الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية.

    والمشرع السوري لم يأخذ بمبدأ الشخصية على إطلاقه في جميع الجنح التي يرتكبها المواطن السوري في الخارج، فبحسب المادة 24 من قانون العقوبات يمكن أن نميز في نطاق الجنحة بين حالتين :

    1- إذا كانت الجنحة المرتكبة من قبل السوري في الخارج معاقبة عليها بالحبس ثلاث سنوات فأكثر وفق القانون السوري، فإن القانون السوري يطبق على الجاني دون النظر فيما إذا كان القانون الأجنبي يعاقب عليها أم لا.

    2- إذا كانت الجنحة المرتكبة من قبل السوري في الخارج معاقبة عليها بالحبس أقل من ثلاث سنوات وفق القانون السوري، فيجب أن يكون القانون الأجنبي في هذه الحالة قد عاقب على هذه الجنحة أيضا بعقوبة مهما كان نوعها، حتى نستطيع تطبيق القانون السوري، أي يجب أن يتحقق شرط المعاقبة في القانون الأجنبي، أما إذا لم يكن القانون الأجنبي قد نص على أية عقوبة لهذا الفعل، فإن القانون السوري لا يمكن تطبيقه.

    أما في الجنايات، فمبدأ الشخصية يطبق على إطلاقه، فكل سوري ارتكب جناية في الخارج، سواء أكان القانون الأجنبي يعاقب عليها أم لا، يعاقب وفق القانون السوري .

    وتطبيقا لذلك، فالسوري الذي يقوم في الخارج بإنشاء موقع على الإنترنت ينتحل فيه الاسم التجاري لإحدى الشركات، ويقوم من خلاله بالاحتيال على شخص موجود خارج سورية أيضا، يمكن ملاحقته وفقا للصلاحية الشخصية، لأن عقوبة الاحتيال عبر الشبكة وفق المادة 21 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية هي الحبس من ثلاث إلى خمس سنوات والغرامة من خمسمئة ألف إلى مليونين ونصف مليون ليرة سورية.

    أما في جرائم المعلوماتية الأخرى التي لا تصل فيها العقوبة إلى الحبس ثلاث سنوات، فيجب أن يتحقق شرط المعاقبة في القانون الأجنبي حتى نستطيع تطبيق مبدأ الصلاحية الشخصية.

    رابعاً – الصلاحية الشاملة:

    أخذ المشرع السوري بهذا المبدأ في المادة /23/ من قانون العقوبات، التي نصت على ما يلي:

    يطبق القانون السوري على كل أجنبي مقيم على الأرض السورية، أقدم في الخارج سواء أكان فاعلاً أو محرضاً أو متدخلاً، على ارتكاب جناية أو جنحة غیر منصوص عليها في المواد 19، 20، 21 إذا لم يكن استرداده قد طلب أو قبل..

    وينطوي هذا الاختصاص على نوع من التعاون أو التضامن الدولي في مكافحة الإجرام، فهو يضمن عدم إفلات المجرمين الذين سولت لهم أنفسهم ارتكاب الجرائم في دولة، ثم الفرار إلى دولة أخرى تخلص من المسؤولية.

    وعليه فالأجنبي الذي يرتكب جريمة في الخارج، ويلقي القبض عليه في سورية، يمكن محاكمته بموجب هذا الاختصاص الشامل، ولو لم يكن للقانون السوري اختصاص رئيسي في محاكمته، بشرط أن لا تطلب دولة أجنبية تسليمه من سورية، أو طلبت تسليمه لكن سورية رفضت التسليم، كأن يكون لاجئة سياسية مث.

    وتطبيقا لذلك، فإذا قام هولندي موجود في الخارج مثلا، باختراق منظومة معلوماتية عائدة المصرف إيطالي، وقام بتحويل الأرصدة إلى حسابه احتياط، ثم جاء إلى سورية وألقي القبض عليه فيها، فيمكن محاكمته وفقاً للصلاحية الشاملة إذا لم يكن استرداده قد طلب من سورية أو قبل.

  • الاختصاص في جرائم الانترنت في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا

    أولاً : الولايات المتحدة: 

    لجأ القضاء الأمريكي لحل مشكلة الاختصاص إلى مبدأ الاختصاص الشخصي “PERSONAL JURISDICTION ” المقرر في الدستور الأمريكي، والذي يجعل المحاكم الأمريكية تختص بنظر جرائم الإنترنت في حالتين، هما:

    الأولى: وجود مرتكب الجريمة في الدولة.

    الثانية: أن يكون لمرتكب الجريمة وجودة كافية في الدولة، أي أن يكون للجاني حد أدنى من الاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية .

    وقد طبق القضاء الأمريكي مبدأ الاختصاص الشخصي بطرق متعددة.

    ويمكن تلخيص هذه الطرق ضمن ثلاث نظريات، هي:

    أ- نظرية الإطلاق أو امتداد النتيجة:

    في عام 1997، أصدر النائب العام في ولاية مينيسوتا” الأمريكية إعلاناً، يتضمن تحذيراً إلى مستخدمي ومزودي خدمة الإنترنت، حيث اعتبر الإعلان أن كل جريمة من جرائم الإنترنت، يمكن أن يصل بثها إلى ولاية مينيسوتا” تكون قوانين الولاية مختصة بها، حتى ولو ارتكبت الجريمة خارج حدود الولاية، بحيث يبدو الأمر كما لو قام الجاني بإطلاق الرصاص من خارج حدود الولاية على شخص داخل الولاية، فتكون قوانين الولاية مختصة في هذه الحالة.

    وقد طبق قضاء ولاية مينيسوتا” هذا المبدأ بشأن جريمة بث موقع الألعاب القمار عبر الإنترنت من “لاس فيغاس” بولاية “تيفادا”، والذي وصل بثه بطبيعة الحال إلى ولاية مينيسوتا.

     

    ب- نظرية الحد الأدنى للاتصال:

    لخصت المحكمة الاتحادية العليا في أمريكا المبادئ الأساسية للاختصاص القضائي، بأن من حق المحكمة ممارسة اختصاص قضائي شخصي على المتهم غير المقيم في الولاية، إذا كان هذا المتهم له صلات دنيا بالمجتمع، أو إذا كانت إقامة الدعوى عليه لا تؤذي فكرة المحاكمة العادلة.

    ويعود التطبيق الأول للاختصاص القضائي على الإنترنت المتعلق بفكرة الحد الأدنى للاتصال إلى عام 1996، وذلك في قضية نظرت في شمال أمريكا، وتتلخص وقائع هذه القضية بما يلي:

    أن شركة INSET SYSTEM المحدودة، وهي شركة مقرها في ولاية “كونيکيتكوت” Connecticut قامت برفع قضية سرقة علامة تجارية ضد شركة INSTRUCTION SET التي مقرها في ولاية ماساشوسيتش” Massachusetts، لأن هذه الأخيرة قامت بتقليد الموقع الإلكتروني للشركة الأولى وهو ( Inset.com)، حيث كانت الشركة المنتهكة لهذه العلامة تقوم عبر هذا الموقع بعرض بضائعها وخدماتها عبر الإنترنت، الأمر الذي أثار حفيظة الشركة المالكة لهذه العلامة التجارية.

    وقد تم رفع القضية في ولاية “كونيكتيكوت”، حيث طرحت المحكمة على نفسها السؤال التالي: هل يتوفر في هذه القضية الحد الأدنى للاتصال وفق معيار المحكمة الاتحادية العليا؟

    وقد قبلت المحكمة هذه القضية، وبررت قرارها بأن الشركة المعتدية وجهت نشاطها الإعلاني بشكل مقصود إلى ولاية “كونكيتكوت”، لذلك من المنطقي أن يتم الادعاء عليها هناك .

    كما استخدم القضاء الأمريكي في مسألة الاختصاص القضائي عبر الإنترنت معيار المواقع الإيجابية والمواقع السلبية، أو ما يعرف باختبار السلبية. ويقصد بالمواقع الإلكترونية السلبية المواقع التي تقدم المعلومات فقط، أما المواقع الإلكترونية الإيجابية فهي التي تقوم بالتفاعل مع زبائنها، حيث يعتبر الاختصاص القضائي منعقدة إذا كان الموقع إيجابي .

     وتطبيقا لذلك، فقد قامت شركة “بنسوسان” للمطاعم Bensusan Restaurant Corporation والتي تملك نادي ليلي باسم Blue Note مقره في “نيويورك”، وتملك علامته التجارية، برفع دعوى انتهاك لهذه العلامة ضد شخص يدعى “ريتشارد كينغ” Richard King، لأن هذا الأخير كان يدير نادية ليلية في میسوري” ويحمل ذات الاسم Blue Note. وقد أنشأ المدير المذكور موقع إلكترونية بهذا الاسم، لتقديم معلومات عن النادي وعن مواعيد الحفلات.

    وقد أقيمت الدعوى أمام محكمة نيويورك الفيدرالية، حيث قررت المحكمة بأنها غير مختصة بنظر الدعوى في ولاية نيويورك، وعللت قرارها بأن الموقع الإلكتروني للنادي الذي يديره السيد “كينغ” هو موقع سلبي غير فعال، لأن من يريد شراء التذاكر، كان عليه السفر إلى “میسوري”، لأن مكتب النادي لا يقوم بإرسال التذاكر بالبريد .

    نظرية الاستهداف:

    اعتمدت معظم المحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية مبدأ الاستهداف في الاختصاص القضائي على الإنترنت، والذي يتطلب أن يستهدف الموقع الإلكتروني سكان ولاية ما.

    ففي عام 2001، رفعت شركة American Information Corp دعوى انتهاك علامة تجارية ضد شركة American Information المحدودة، وذلك أمام محكمة ولاية “ميرلاند”، التي قررت أنها غير مختصة قضائية بنظر هذه الدعوى، لأن نشاطات البيع لم تستهدف سكان الولاية عبر موقعها الإلكتروني.

    ومن الجدير بالذكر أن نقابة المحامين الأمريكية (ABA) ، قامت بإصدار دراسة عالمية حول الاختصاص القضائي للإنترنت، واقترحت بهذه الدراسة اعتماد مبدأ الاستهداف لحل مشكلة الاختصاص القضائي على الإنترنت .

    ثانياُ:  بريطانيا

    بموجب قانون إساءة استعمال الكمبيوتر لعام 1990، فإن القضاء البريطاني يختص بالجرائم التي ينص عليها هذا القانون إذا اقترفت ضمن الاختصاص الإقليمي، أي إذا كان حاسوب الجاني أو حاسوب الضحية داخل إقليم الدولة، كما تم إحداث اختصاصات قضائية حديثة بموجب قانون العدالة الجزائية البريطاني لعام 1993(19)، حيث تناولت هذه الاختصاصات معظم جرائم الاحتيال العابرة للحدود، وجرائم الابتزاز وغيرها .

    وفي إحدى القضايا المعروضة على القضاء البريطاني، تمت إدانة مواطن فرنسي مقيم في لندن، بجرم نشر المواد الفاحشة، حيث كان هذا الفرنسي يدير موقعة على الإنترنت مخصصاً للمثليين جنسياً.

    وقد دفعت جهة الدفاع بعدم اختصاص القضاء البريطاني، لأن هذا الموقع كان مستضافة على مخدم في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن المحكمة الملكية أعلنت اختصاصها وأدانت المتهم، لأن هذه المواد الفاحشة تم نشرها في إنكلترا، كونها ظهرت على شاشة الحاسوب العائد لأحد الضباط المختصين في مكافحة هذه الجرائم في إنكلترا، ومن ثم فإن وصول البث إلى إنكلترا، يعد بمثابة ارتكاب الجريمة فيها .

  • الاتفاقية الأوربية حول الجريمة الافتراضية لعام 2001

    أشارت المادة /22/ من هذه الاتفاقية إلى المبادئ التي يجب على الدول الأطراف اعتمادها، لتحديد الاختصاص القضائي فيما يتعلق بالجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية،

    وهذه المبادئ هي:

    أ- مبدأ الإقليمية

    نصت على هذا المبدأ الفقرة (1) البند (a) من المادة /22/، وقد طلب هذا البند من كل دولة طرف في هذه الاتفاقية أن تعاقب على الجرائم المنصوص عليها، إذا ارتكبت الجريمة ضمن النطاق الإقليمي للدولة.

    وعلى سبيل المثال يعد هذا الاختصاص منعقدة، إذا كان نظام الحاسوب العائد للمعتدي ضمن الإطار الإقليمي، ولو كان المعتدي مقيم خارج الدولة، أو إذا كان نظام الحاسوب العائد للضحية ضمن الإطار الإقليمي للدولة.

    كما يعد الاختصاص الإقليمي متوفرة وفق هذا البند، إذا كان مصدر الإرسال أو جهة الوصول داخل إقليم الدولة.

    ب- مبدأ نسبية الاختصاص المكاني (الإقليم الاعتباري):

    نصت على هذا المبدأ الفقرة (1) البندين (c و b ) من المادة /22/، وقد طلب هذان البندان من كل دولة طرف بالاتفاقية أن تكون مختصة جزائية بالجرائم المرتكبة على السفن التي ترفع علم الدولة أو الطائرات المسجلة وفقا للقانون فيها.

    ج- مبدأ الجنسية:

    نصت على هذا المبدأ الفقرة (1) البند(D) من المادة /22/، وقد طلب هذا البند من الدول الأطراف أن تكون مختصة جزائية عندما يرتكب مواطنو أي من هذه الدول جريمة في الخارج، إذا كان هذا السلوك يشكل جريمة وفق قانون الدولة التي ارتكبت على أرضها الجريمة.

    د- مبدأ التعاون الدولي في مكافحة الإجرام أو الصلاحية الشاملة أو العالمية:

    نصت على هذا المبدأ الفقرة (3) من المادة /22/، والتي تقضي بأنه في حال رفض أي دولة طرف في هذه الاتفاقية تسليم مرتكب الجريمة المتواجد على أرضها، على أساس مبدأ الجنسية، فيجب على الدولة الرافضة القيام بإجراءات التحقيق والمحاكمة، وفقا لقانونها الوطني.

    ولقد سمحت الفقرة (2) من المادة /22/ من هذه الاتفاقية للدول الأطراف بالتحفظ على هذه المعايير، ولكن لا يجوز التحفظ في نقطتين:

    الأولى مبدأ الإقليمية،

    والثانية عندما يكون هناك على الدولة التزام بالتسليم

    كما سمحت الفقرة (4) من المادة /22/، للدول الأطراف أن تتخذ أشكالا أخرى من معايير الاختصاص على نحو يتناسب مع قانونها الوطني.

    وإذا كانت جريمة الحاسوب تدخل في اختصاص أكثر من دولة من الدول الأطراف ( مثل جرائم العدوان الفيروسي أو الاحتيال وغيرها)،

    فإن على هذه الدول التشاور فيما بينها لتحديد المكان الملائم للمحاكمة، حتى يتم تجنب ازدواج الجهود المبذولة، والإزعاج غير الضروري للشهود، أو المنافسة بين السلطات الرسمية في الدول ذات العلاقة (الفقرة /5/ من المادة /22)”.

  • الأعمال الدعائية والتحريض على ارتكاب الجرائم في الانترنت

    نصت المادة 29 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

    ( أ- يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة سورية، كل من قام بالتحريض أو بالترويج لارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية النافذة باستخدام الشبكة.

    ب- ولا تقل عقوبة الحبس عن سنة والغرامة عن مئتين وخمسين ألف ليرة سورية، إذا ارتكب الفعل المنصوص عليه في الفقرة (أ) من هذه المادة باستخدام الإنترنت).

    ويقصد بالتحريض وفق المادة 216 من قانون العقوبات، حمل أو محاولة حمل شخص بأية وسيلة كانت على ارتكاب جريمة.

     والواقع أن مفهوم التحريض وأحكامه المنصوص عليها في القواعد العامة لا يختلف عن مفهومه المراد به في هذه المادة، فمن يقوم بتحريض شخص آخر على القتل عبر شبكة الانترنت، يمكن ملاحقته وفق القواعد العامة بجناية التحريض على القتل،

    كما يمكن ملاحقته وفق نص المادة 29 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية بجنحة التحريض عبر الانترنت على ارتكاب هذه الجريمة، ففي هذا المثال نكون أمام حالة اجتماع جرائم معنوي وفق المادة 180 من قانون العقوبات، والتي توجب على القاضي ذكر جميع الأوصاف في حكمه، ثم أن يحكم بالعقوبة الأشد، وهي هنا جناية التحريض على القتل وفق القواعد العامة.

    أما الترويج فيقصد به، أعمال الدعاية على ارتكاب الجرائم التقليدية أو التعريف بطرق ارتكابها، فهو لا يرقى إلى مستوى التحريض،

    ومن الأمثلة على ذلك، إنشاء موقع إلكتروني على الانترنت للترويج لجريمة الاتجار بالأشخاص، ينشر من خلاله آلية ارتكاب هذه الجريمة وحجم عائداتها المالية،

    أو إنشاء موقع إلكتروني للترويج لجريمة غسيل الأموال، أو جريمة الاحتيال أو السرقة من أماكن سكن الناس، وغير ذلك من الجرائم، ففي جميع هذه الحالات يسأل الفاعل عن جريمة الترويج وفق المادة 29 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية مع تشديد المذكور في الفقرة ب لارتكاب الفعل باستخدام الانترنت.

    وفي قضية حديثة عرضت على القضاء تتلخص بقيام شخص بإنشاء حساب باسم مستعار على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ثم قيامه بكتابة مقالات تتضمن إثارة النعرات الطائفية، بالإضافة إلى إرسال رسائل إلى عدة أشخاص تتضمن التحريض على التظاهر وارتكاب أعمال الشغب، وتحديد الزمان والمكان الذي يجب أن يتم التجمع به لارتكاب هذه الأعمال.

    وقد حركت الدعوة العامة بحق الفاعل بجرم التظاهر والتحريض عليه عبر الانترنت، وإثارة النعرات الطائفية عبر الانترنت .

  • الجرائم التقليدية على الشبكة العنكبوتية

    وضع المشرع القواعد المتعلقة بارتكاب الجرائم التقليدية باستخدام الشبكة، وبكيفية تطبيق القوانين الجزائية في المادة 28 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية التي نصت على ما يلي:

    ( أ- إذا انطبق نص في القوانين الجزائية النافذة على إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، ثطق العقوبة التي هي أشد.

    ب- يضاعف الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأي من الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية النافذة الأخرى في إحدى الحالتين التاليتين:

    1- إذا ارتكبت الجريمة باستخدام الشبكة أو وقعت على الشبكة.

    2- إذا وقعت الجريمة على جهاز حاسوبي أو منظومة معلوماتية، بقصد التأثير على عملها، أو على المعلومات أو البيانات المخزنة عليها).

    و سنتناول الأحكام التي جاءت بها هذه المادة على التتالي:

    أولاً:  تطبيق النصوص الجزائية:

    أشارت الفقرة (أ) من المادة 28 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية إلى أنه إذا انطبق نص في القوانين الجزائية النافذة على إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية فيجب تطبيق النص ذو العقوبة الأشد، والغاية من هذا النص واضحة، وهي رغبة المشرع في تطبيق العقوبة الأشد في حالة انطباق نصين على واقعة ما تتعلق بجرائم المعلوماتية، والمثال

    على ذلك هو أن المادة 29 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة سورية على كل من يقوم بالترويج لأي جريمة باستخدام الشبكة، وقد جاءت المادة 8 من قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم 19 تاریخ 2012/7/2 لتعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة جريمة ترويج الأعمال الإرهابية المرتكبة على موقع إلكتروني، ففي هذه الحالة يجب على المحكمة أن تطبق النص ذو العقوبة الأشد وهو نص المادة 8 من قانون مكافحة الإرهاب.\

    ثانياً: ارتكاب الجرائم التقليدية باستخدام الشبكة أو عليها:

    نصت الفقرة (ب) من المادة 28 على ما يلي:

    (يضاعف الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأي من الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية النافذة الأخرى في إحدى الحالتين التاليتين:

    1- إذا ارتكبت الجريمة باستخدام الشبكة أو وقعت على الشبكة.

    2- إذا وقعت الجريمة على جهاز حاسوبي أو منظومة معلوماتية، بقصد التأثير على عملها، أو على المعلومات أو البيانات المخزنة عليها).

    وقد تستخدم الشبكة وخاصة الانترنت لارتكاب الجرائم التقليدية المنصوص عليها في التشريعات النافذة، ومن أمثلة هذه الجرائم :

    – جريمة الذم المنصوص عليها بالمادة 568 من قانون العقوبات.

     – جريمة القدح المنصوص عليها بالمادة 570 من قانون العقوبات.

    – جريمة التعرض للآداب العامة المنصوص عليها بالمادة 517 من قانون العقوبات.

     – جريمة التعرض للأخلاق العامة المنصوص عليها بالمادة 518 من قانون العقوبات.

     – جريمة توزيع الصور والأفلام المخلة بالحياء المنصوص عليها بالمادة 519 من قانون العقوبات.

     – جريمة توجيه الكلام المخل بالحشمة المنصوص عليها بالمادة 506 من قانون العقوبات.

    – جريمة التهديد بجناية مثل القتل المنصوص عليها بالمادة 561 من قانون العقوبات.

     – جريمة إثارة النعرات المذهبية التي ترتكب بالكتابة أو الخطاب المنصوص عليها بالمادة 307 من قانون العقوبات.

    – جريمة الاستحصال على أسرار تتعلق بأمن الدولة المنصوص عليها بالمادة 272 من قانون العقوبات.

    – جريمة إذاعة أنباء كاذبة في الخارج من شأنها أن تنال من هيبة الدولة المنصوص عليها بالمادة 287 من قانون العقوبات.

    فجميع هذه الجرائم وغيرها يمكن أن ترتكب باستخدام الشبكة وخاصة الانترنت، والحقيقة أنه لابد من أن يكون الاستخدام الشبكة دور إيجابي في ارتكاب الجريمة، كأن يرتكب النشاط الجرمي بواسطة الشبكة أو أن يكون للشبكة دور على قدر من الأهمية في ارتكاب الجريمة، كإرسال عبارات التهديد بالقتل إلى المجني عليه عبر البريد الإلكتروني، أو نشر العبارات التي تثير النعرات الطائفية على موقع إلكتروني،

     أما إذا كان دور الشبكة ثانوياً، فلا يمكن القول بأن الجريمة ارتكبت باستخدام الشبكة، كاستخدام الشبكة لمجرد التواصل، والمثال على ذلك إرسال بريد إلكتروني من الجاني إلى المجني عليه لترتيب لقاء بينهما في مكان ما، ثم قيام الجاني بقتل المجني عليه، أو إجراء اتصال بينهما عبر الشبكة لتحديد مكان اللقاء، ففي مثل هذه الحالة لا تعتبر جريمة القتل بأنها ارتكبت باستخدام الشبكة، لأن الشبكة لم يكن لها أي دور إيجابي في ارتكاب الجريمة.

    ومن الأمثلة الواقعية على الدور الإيجابي للانترنت في جرائم القتل، أن رجلاً قتل زوجته التي كانت موضوعة تحت المراقبة في المستشفى، بأن دخل عبر الانترنت إلى شبكة المعلومات الخاصة بالمستشفى، ثم قام بتغيير المعلومات الطبية الخاصة بالمجني عليها المريضة .

    وغني عن البيان فإن الركن المعنوي المطلوب في الجرائم التقليدية التي ترتكب في العالم المادي لا يختلف فيما إذا ارتكبت هذه الجرائم عبر الشبكة، فالعلاقة الذهنية النفسية التي يكون عليها الفاعل ساعة ارتكاب الجريمة وهي جوهر الركن المعنوي لا تتأثر لكون الجريمة ارتكبت عبر الشبكة، فجميع القواعد المتعلقة بالقصد الجرمي وعناصره وأنواعه، والخطأ وعناصره وصوره يمكن تطبيقها على الركن المعنوي في الجرائم التقليدية التي ترتكب عبر الشبكة.

    وفي جرائم المعلوماتية عموما يمكن إثبات القصد الجرمي من خلال القرائن، فتفتيش حاسوب المشتبه به مثلا، ومعرفة المواقع التي قام بتصفحها والأشخاص الذين اتصل بهم، قد يفيد في إثبات قصده الجرمي.

     ومن الوقائع الحقيقية التي تم فيها اكتشاف نية المدعى عليه في إحدى جرائم القتل، بأنه لدى تفتیش حاسوب المدعى عليه تبين بأنه كان يبحث عن مصطلحات مثل “قتل، خنق، وفيات، حادث” قبل قيامه بقتل زوجته، فبفضل عملية البحث هذه تم إثبات نية العمد لديه، ورفع مستوى الجريمة إلى القتل من الدرجة الأولى.

     ثالثا: ارتكاب الجريمة على جهاز حاسوبي أو منظومة معلوماتية بقصد التأثير على عملها أو على المعلومات أو البيانات المخزنة عليها:

    والحقيقة أن غاية المشرع من هذه الفقرة هي وضع نص عقابي احتياطي يطال مختلف الجرائم التي تهدف إلى التأثير على عمل الأجهزة الحاسوبية أو المعلومات المخزنة بها في الحالات التي لم يفرض قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية عقاب عليها

  • الأحكام العامة لجرائم المعلوماتية والانترنت

    تضمن الفصل الخامس من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية الأحكام العامة المتعلقة بهذا القانون، كالظروف المشددة التي تشمل جميع نصوصه التجريمية، والشروع، والعلنية، والمصادرة وغيرها من القواعد العامة المتعلقة بالجرائم التقليدية والنواحي الإجرائية.

    واستناول في هذا الجزء القواعد المتعلقة بظروف التشديد والشروع والعلنية والمصادرة على التتالي:

     أولا: ظروف التشديد:

    نصت المادة 30 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

    ( تشدد العقوبات، وفق القواعد العامة للتشديد المنصوص عليها في قانون العقوبات النافذ، في الحالات التالية:

    1- إذا كان موضوع الجريمة يمس الدولة أو السلامة العامة.

    2) إذا جرى ارتكاب الجريمة بواسطة عصابة منظمة.

    3) إذا وقعت الجريمة على قاصر أو من في حكمه.

    4) إذا استغل مرتكب الجريمة عمله الوظيفي لارتكاب الجريمة.)

     وعليه فقد حدد المشرع أربعة ظروف تؤدي إلى تشديد العقوبة وفق المادة 247 من قانون العقوبات وهذه الظروف هي:

    أ- إذا كان موضوع الجريمة يمس الدولة أو السلامة العامة:

    ويتحقق ظرف التشديد هذا عندما يكون محل الجريمة يمس الأجهزة الحكومية كالوزارات والإدارات والشركات والمؤسسات والجهات الأخرى التابعة للقطاع العام والمشترك،

    ويستوي هنا أن يكون محل الجريمة المعلومات أو الأموال العائدة للدولة، وتشمل المعلومات مختلف أنواعها سواء أكانت معلومات تمس أمن الدولة أو لا، كالمعلومات المتعلقة بشؤون الموظفين أو المعلومات المتعلقة بموارد الدولة وغير ذلك من المعلومات.

    كما لو قام الجاني بالدخول بطريقة غير مشروعة إلى المعلومات المخزنة في حواسيب إحدى الوزارات سواء تم الدخول بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، وقام بنسخ هذه المعلومات أو إتلافها أو تغييرها.

    كما يتحقق ظرف التشديد إذا كان محل الجريمة أموال عائدة للدولة سواء أكانت هذه الأموال منقولة أم غير منقولة، أم كانت عائدة برمتها إلى القطاع العام أو المشترك، كما لو قام الجاني باختراق موقع إلكتروني عائد لأحد مصارف الدولة وقام بتحويل الأموال لحسابه بطريقة غير مشروعة.

    و يتحقق ظروف التشديد أيضاً إذا كان محل الجريمة يمس السلامة العامة والحقيقة أن مفهوم السلامة العامة من الأتساع بمكان بحيث يصعب تحديده تحديدا دقيقة، فالمشرع لم يقم بتحديد معنى هذه العبارة، ولم تقم التعليمات التنفيذية لهذا القانون بذلك أيضا.

    ويمكن أن نحدد مفهوم السلامة العامة هنا في الحالات التي ينتج عن الجريمة ضرر بالصحة العامة أو بفئة معينة من الناس، كما لو قام الجاني باختراق حواسيب معمل للأدوية عن طريق الإنترنت، ثم قام بالتلاعب بكميات المواد الدوائية الداخلة في تصنيع الأدوية، الأمر الذي أدى إلى حدوث أضرار صحية عند مستخدمي هذه الأدوية.

     ففي هذه الحالة نكون أمام جريمة إيذاء مقصود مع ظرفين للتشديد، الأول هو ظرف التشديد المنصوص عليه بالفقرة ب من المادة 28 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية والذي يضاعف الحد الأدنى لعقوبة الجريمة المنصوص عليها في القوانين الجزائية إذا ارتكبت باستخدام الشبكة الإنترنت، أما ظرف التشديد الثاني فهو المنصوص عليه في المادة 30 لأن الجريمة أدت إلى الأضرار بالسلامة العامة.

    ب- ارتكاب الجريمة بواسطة عصابة منظمة:

    عرف المشرع في المادة الأولى من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية العصابة المنظمة بأنها:

     (جماعة أشخاص أو فعاليات، عادة ما تكون ذات تنظيم مركزي، تهدف إلى ممارسة الأنشطة الإجرامية، سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي).

    والواقع أن المشرع لم يحدد في هذا التعريف الحد الأدنى المطلوب قانون الأفراد هذه العصابة، وفي تقديرنا أن الحد الأدنى لأفراد العصابة المنظمة يجب أن يكون ثلاثة أشخاص فأكثر، وذلك تماشياً مع سياسة المشرع السوري في المادة 326 عقوبات المتعلقة بجمعيات الأشرار، وتعريف الجماعة الإجرامية في قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص رقم 3 لعام 2010، حيث اشترط المشرع في كلا الحالتين أن تتكون الجماعة من ثلاثة أشخاص فأكثر.

    وبناء على ذلك فيتحقق ظرف التشديد المذكور، إذا تم تكوين جماعة من ثلاثة أشخاص فأكثر، ذات تنظيم مركزي، بهدف ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية، ويقصد بالتنظيم المركزي أن يكون هناك توزيع لدور كل فرد من أفراد الجماعة في ارتكاب الجرائم، سواء أكانت هذه الجماعة تعمل على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي.

    ج- إذا وقعت الجريمة على قاصر أو من في حكمه:

    ويقصد بالقاصر كل ذكر أو أنثى لم يتم الثامنة عشر من عمره، أما من هو في حكم القاصر فهم فاقدو وناقصو الأهلية كالمجنون والمعتوه والسفيه وذو الغفلة، وعلة التشديد في هذه الحالات هو حاجة هؤلاء للحماية القانونية أكثر من غيرهم بسبب ضعفهم وعدم قدرتهم على حماية أنفسهم، ومثال ذلك الأفلام والصور الخلاعية الموجهة للقاصرين على الانترنت.

    د- إذا استغل مرتكب الجريمة عمله الوظيفي لارتكاب الجريمة:

    ويتحقق ظرف التشديد هنا عندما يقوم العامل في إحدى الجهات العامة أو الخاصة بارتكاب إحدى جرائم المعلوماتية مستغلا وضعه الوظيفي، أي عندما تسهل الوظيفة ارتكاب الجريمة، كما لو قام أحد العاملين بالدخول إلى الأجهزة الحاسوبية لشركة ما ونسخ المعلومات دون أن يكون مصرح له بذلك.

     ثانيا: الشروع:

    نصت المادة 31 من قانون الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

    ( يعاقب على الشروع في الجنح المنصوص عليها في هذا القانون، وفق الأحكام الواردة في قانون العقوبات النافذ.)

    والشروع وفقا للقواعد العامة- هو كل محاولة لارتكاب جناية أو جنحة (معاقب على الشروع فيها) بدأت بأفعال ترمي مباشرة إلى اقترافها، تعتبر کالجريمة نفسها إذا لم يحل دون إتمامها سوى ظروف خارجة عن إرادة الفاعل .

    فالشروع هو جريمة بدأت فيها الأفعال التنفيذية إلا أن النتيجة الجرمية لم تتحقق لظروف خارجة عن إرادة الفاعل.

     والمعيار الذي أخذ به المشرع السوري للتمييز بين الأفعال التحضيرية والأفعال التنفيذية، هو المعيار الشخصي الذي ينظر إلى مقدار الخطورة التي وصل إليها الجاني من خلال أفعاله، وهو المعيار الذي يحقق للمجتمع حماية أكبر.

    أما المعيار المادي فهو ضيق؛ لأنه لا يعاقب الفاعل على أفعاله إلا إذا كانت داخلة ضمن الركن المادي للجريمة أو لظرف مشدد لها .

    والأصل أنه إذا وقف نشاط الفاعل عند العمل التحضيري فلا عقاب عليه، إلا إذا كانت الأفعال التي قام بها تشكل جرائم بحد ذاتها.

    والشروع نوعان: شروع تام، وفيه يقوم الجاني بجميع الأفعال التنفيذية إلا أن النتيجة الجرمية لا تتحقق لظروف خارجة عن إرادته.

     ويطلق على هذا الشروع أيضا اسم الجريمة الخائبة.

     أما النوع الثاني فهو الشروع الناقص، وفيه لا يكتمل النشاط الجرمي، وتتوقف الجريمة في مراحلها الأولى لظروف خارجة عن إرادة الفاعل. ويطلق على هذا الشروع اسم الجريمة الموقوفة.

    والشروع بنوعيه يمكن تصوره في جرائم المعلوماتية، فمن يقوم باختراق نظام معلوماتي الأحد المصارف عن طريق الإنترنت، ويقوم بإدخال البيانات اللازمة لإجراء التحويلات المالية غير المشروعة، ثم لا تتحقق النتيجة الجرمية المتمثلة بتحويل النقود، نتيجة وجود خطأ في إدخال بعض البيانات، فإن نشاط الفاعل يشكل هنا شروعة تامة في الاحتيال.

    وقد يقف نشاط الفاعل عند حد الشروع الناقص، كما لو تم إلقاء القبض على أحد الهكرة أثناء وجوده في أحد مقاهي الإنترنت، وهو يقوم باختراق إحدى شبكات المصارف، بغية إجراء تحويلات غير مشروعة.

     ثالثا: العلنية على الشبكات المعلوماتية:

    نصت المادة 32 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

     ( تعد الشبكة من وسائل العلنية المنصوص عليها في قانون العقوبات والقوانين الجزائية

    النافذة.)

    وقد حدد المشرع وسائل العلنية في قانون العقوبات بالمادة 208 التي نصت على ما يلي:

     ( تعد وسائل للعلنية:

    1. الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.
    2. الكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نقط بالوسائل الآلية بحيث يسمعهما في كلا الحالين من لا دخل له بالفعل.
    3. الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر.)

    وبناء على ذلك فقد جعل المشرع من الشبكة الانترنت والشبكات الداخلية وشبكات الهاتف النقال وغيرها من الشبكات، وسيلة من وسائل العلنية، بمعنى أنها أصبحت تنزل منزلة المحل العام أو المكان المباح للجمهور، فالعلنية تتحقق في المعلومات التي توضع في متناول عامة الجمهور أو فئة منه على موقع إلكتروني، والتي يمكن لأي فرد الوصول إليها.

    ولا يدخل في مفهوم العلنية المراسلات ذات الطابع الشخصي التي تتم عبر البريد الإلكتروني، أو في المحادثات الشخصية على الشبكة.

    والحقيقة أن هناك طائفة من الجرائم التقليدية التي اشترط المشرع فيها أن ترتكب بوسيلة علنية، كجريمتي الذم والقدح العلني المنصوص عليهما بالمادتين 568 و 570 عقوبات، وجريمتي الذم والقدح العلني الموجه إلى موظف المنصوص عليهما بالمادتين 376 و 378 عقوبات، وجريمة تحقير علم الدولة بشكل علني المنصوص عليها بالمادة 374 عقوبات، وغير ذلك من الجرائم. فشرط العلنية المطلوب يتحقق في جميع هذه الجرائم إذا ارتكبت على الشبكة.

    رابعا: المصادرة:

     نصت المادة 34 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

    ( أ- مع عدم الإخلال بحقوق الغير الحسني النية، تحكم المحكمة بمصادرة الأجهزة والبرمجيات الحاسوبية، أو أي وسائل أخرى مستخدمة في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون. .

    ب- و يجوز أيضا الحكم بوقف أو إغلاق الموقع الإلكتروني المستخدم في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أو أي منظومة مشابهة، إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بعلم صاحب هذا الموقع أو المنظومة.)

    و المصادرة هنا هي مصادرة عينية و هي عقوبة مالية إضافية، تنزع بموجبها ملكية شيء للمحكوم عليه جبرة، ومن غير مقابل ليصبح ملكا للدولة.

     وقد جعل المشرع من مصادرة الأجهزة والبرمجيات الحاسوبية، أو الوسائل الأخرى المستخدمة في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية عقوبة إضافية وجوبية، أي يجب على المحكمة أن تحكم بها في حكمها النهائي.

    أما الحكم بوقف أو إغلاق الموقع الإلكتروني المستخدم في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية، أو أي منظومة مشابهة، إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بعلم صاحب هذا الموقع أو المنظومة. فهو أمر جوازي يعود تقديره إلى المحكمة، وهو من قبيل تدابير الاحتراز العينية التي تهدف علاج المجرم، ومنعه من العودة إلى ارتكاب الجريمة، وحماية المجتمع من خطره.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1