الأحكام العامة لجرائم المعلوماتية والانترنت

تضمن الفصل الخامس من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية الأحكام العامة المتعلقة بهذا القانون، كالظروف المشددة التي تشمل جميع نصوصه التجريمية، والشروع، والعلنية، والمصادرة وغيرها من القواعد العامة المتعلقة بالجرائم التقليدية والنواحي الإجرائية.

واستناول في هذا الجزء القواعد المتعلقة بظروف التشديد والشروع والعلنية والمصادرة على التتالي:

 أولا: ظروف التشديد:

نصت المادة 30 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

( تشدد العقوبات، وفق القواعد العامة للتشديد المنصوص عليها في قانون العقوبات النافذ، في الحالات التالية:

1- إذا كان موضوع الجريمة يمس الدولة أو السلامة العامة.

2) إذا جرى ارتكاب الجريمة بواسطة عصابة منظمة.

3) إذا وقعت الجريمة على قاصر أو من في حكمه.

4) إذا استغل مرتكب الجريمة عمله الوظيفي لارتكاب الجريمة.)

 وعليه فقد حدد المشرع أربعة ظروف تؤدي إلى تشديد العقوبة وفق المادة 247 من قانون العقوبات وهذه الظروف هي:

أ- إذا كان موضوع الجريمة يمس الدولة أو السلامة العامة:

ويتحقق ظرف التشديد هذا عندما يكون محل الجريمة يمس الأجهزة الحكومية كالوزارات والإدارات والشركات والمؤسسات والجهات الأخرى التابعة للقطاع العام والمشترك،

ويستوي هنا أن يكون محل الجريمة المعلومات أو الأموال العائدة للدولة، وتشمل المعلومات مختلف أنواعها سواء أكانت معلومات تمس أمن الدولة أو لا، كالمعلومات المتعلقة بشؤون الموظفين أو المعلومات المتعلقة بموارد الدولة وغير ذلك من المعلومات.

كما لو قام الجاني بالدخول بطريقة غير مشروعة إلى المعلومات المخزنة في حواسيب إحدى الوزارات سواء تم الدخول بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، وقام بنسخ هذه المعلومات أو إتلافها أو تغييرها.

كما يتحقق ظرف التشديد إذا كان محل الجريمة أموال عائدة للدولة سواء أكانت هذه الأموال منقولة أم غير منقولة، أم كانت عائدة برمتها إلى القطاع العام أو المشترك، كما لو قام الجاني باختراق موقع إلكتروني عائد لأحد مصارف الدولة وقام بتحويل الأموال لحسابه بطريقة غير مشروعة.

و يتحقق ظروف التشديد أيضاً إذا كان محل الجريمة يمس السلامة العامة والحقيقة أن مفهوم السلامة العامة من الأتساع بمكان بحيث يصعب تحديده تحديدا دقيقة، فالمشرع لم يقم بتحديد معنى هذه العبارة، ولم تقم التعليمات التنفيذية لهذا القانون بذلك أيضا.

ويمكن أن نحدد مفهوم السلامة العامة هنا في الحالات التي ينتج عن الجريمة ضرر بالصحة العامة أو بفئة معينة من الناس، كما لو قام الجاني باختراق حواسيب معمل للأدوية عن طريق الإنترنت، ثم قام بالتلاعب بكميات المواد الدوائية الداخلة في تصنيع الأدوية، الأمر الذي أدى إلى حدوث أضرار صحية عند مستخدمي هذه الأدوية.

 ففي هذه الحالة نكون أمام جريمة إيذاء مقصود مع ظرفين للتشديد، الأول هو ظرف التشديد المنصوص عليه بالفقرة ب من المادة 28 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية والذي يضاعف الحد الأدنى لعقوبة الجريمة المنصوص عليها في القوانين الجزائية إذا ارتكبت باستخدام الشبكة الإنترنت، أما ظرف التشديد الثاني فهو المنصوص عليه في المادة 30 لأن الجريمة أدت إلى الأضرار بالسلامة العامة.

ب- ارتكاب الجريمة بواسطة عصابة منظمة:

عرف المشرع في المادة الأولى من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية العصابة المنظمة بأنها:

 (جماعة أشخاص أو فعاليات، عادة ما تكون ذات تنظيم مركزي، تهدف إلى ممارسة الأنشطة الإجرامية، سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي).

والواقع أن المشرع لم يحدد في هذا التعريف الحد الأدنى المطلوب قانون الأفراد هذه العصابة، وفي تقديرنا أن الحد الأدنى لأفراد العصابة المنظمة يجب أن يكون ثلاثة أشخاص فأكثر، وذلك تماشياً مع سياسة المشرع السوري في المادة 326 عقوبات المتعلقة بجمعيات الأشرار، وتعريف الجماعة الإجرامية في قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص رقم 3 لعام 2010، حيث اشترط المشرع في كلا الحالتين أن تتكون الجماعة من ثلاثة أشخاص فأكثر.

وبناء على ذلك فيتحقق ظرف التشديد المذكور، إذا تم تكوين جماعة من ثلاثة أشخاص فأكثر، ذات تنظيم مركزي، بهدف ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية، ويقصد بالتنظيم المركزي أن يكون هناك توزيع لدور كل فرد من أفراد الجماعة في ارتكاب الجرائم، سواء أكانت هذه الجماعة تعمل على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي.

ج- إذا وقعت الجريمة على قاصر أو من في حكمه:

ويقصد بالقاصر كل ذكر أو أنثى لم يتم الثامنة عشر من عمره، أما من هو في حكم القاصر فهم فاقدو وناقصو الأهلية كالمجنون والمعتوه والسفيه وذو الغفلة، وعلة التشديد في هذه الحالات هو حاجة هؤلاء للحماية القانونية أكثر من غيرهم بسبب ضعفهم وعدم قدرتهم على حماية أنفسهم، ومثال ذلك الأفلام والصور الخلاعية الموجهة للقاصرين على الانترنت.

د- إذا استغل مرتكب الجريمة عمله الوظيفي لارتكاب الجريمة:

ويتحقق ظرف التشديد هنا عندما يقوم العامل في إحدى الجهات العامة أو الخاصة بارتكاب إحدى جرائم المعلوماتية مستغلا وضعه الوظيفي، أي عندما تسهل الوظيفة ارتكاب الجريمة، كما لو قام أحد العاملين بالدخول إلى الأجهزة الحاسوبية لشركة ما ونسخ المعلومات دون أن يكون مصرح له بذلك.

 ثانيا: الشروع:

نصت المادة 31 من قانون الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

( يعاقب على الشروع في الجنح المنصوص عليها في هذا القانون، وفق الأحكام الواردة في قانون العقوبات النافذ.)

والشروع وفقا للقواعد العامة- هو كل محاولة لارتكاب جناية أو جنحة (معاقب على الشروع فيها) بدأت بأفعال ترمي مباشرة إلى اقترافها، تعتبر کالجريمة نفسها إذا لم يحل دون إتمامها سوى ظروف خارجة عن إرادة الفاعل .

فالشروع هو جريمة بدأت فيها الأفعال التنفيذية إلا أن النتيجة الجرمية لم تتحقق لظروف خارجة عن إرادة الفاعل.

 والمعيار الذي أخذ به المشرع السوري للتمييز بين الأفعال التحضيرية والأفعال التنفيذية، هو المعيار الشخصي الذي ينظر إلى مقدار الخطورة التي وصل إليها الجاني من خلال أفعاله، وهو المعيار الذي يحقق للمجتمع حماية أكبر.

أما المعيار المادي فهو ضيق؛ لأنه لا يعاقب الفاعل على أفعاله إلا إذا كانت داخلة ضمن الركن المادي للجريمة أو لظرف مشدد لها .

والأصل أنه إذا وقف نشاط الفاعل عند العمل التحضيري فلا عقاب عليه، إلا إذا كانت الأفعال التي قام بها تشكل جرائم بحد ذاتها.

والشروع نوعان: شروع تام، وفيه يقوم الجاني بجميع الأفعال التنفيذية إلا أن النتيجة الجرمية لا تتحقق لظروف خارجة عن إرادته.

 ويطلق على هذا الشروع أيضا اسم الجريمة الخائبة.

 أما النوع الثاني فهو الشروع الناقص، وفيه لا يكتمل النشاط الجرمي، وتتوقف الجريمة في مراحلها الأولى لظروف خارجة عن إرادة الفاعل. ويطلق على هذا الشروع اسم الجريمة الموقوفة.

والشروع بنوعيه يمكن تصوره في جرائم المعلوماتية، فمن يقوم باختراق نظام معلوماتي الأحد المصارف عن طريق الإنترنت، ويقوم بإدخال البيانات اللازمة لإجراء التحويلات المالية غير المشروعة، ثم لا تتحقق النتيجة الجرمية المتمثلة بتحويل النقود، نتيجة وجود خطأ في إدخال بعض البيانات، فإن نشاط الفاعل يشكل هنا شروعة تامة في الاحتيال.

وقد يقف نشاط الفاعل عند حد الشروع الناقص، كما لو تم إلقاء القبض على أحد الهكرة أثناء وجوده في أحد مقاهي الإنترنت، وهو يقوم باختراق إحدى شبكات المصارف، بغية إجراء تحويلات غير مشروعة.

 ثالثا: العلنية على الشبكات المعلوماتية:

نصت المادة 32 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

 ( تعد الشبكة من وسائل العلنية المنصوص عليها في قانون العقوبات والقوانين الجزائية

النافذة.)

وقد حدد المشرع وسائل العلنية في قانون العقوبات بالمادة 208 التي نصت على ما يلي:

 ( تعد وسائل للعلنية:

  1. الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.
  2. الكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نقط بالوسائل الآلية بحيث يسمعهما في كلا الحالين من لا دخل له بالفعل.
  3. الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر.)

وبناء على ذلك فقد جعل المشرع من الشبكة الانترنت والشبكات الداخلية وشبكات الهاتف النقال وغيرها من الشبكات، وسيلة من وسائل العلنية، بمعنى أنها أصبحت تنزل منزلة المحل العام أو المكان المباح للجمهور، فالعلنية تتحقق في المعلومات التي توضع في متناول عامة الجمهور أو فئة منه على موقع إلكتروني، والتي يمكن لأي فرد الوصول إليها.

ولا يدخل في مفهوم العلنية المراسلات ذات الطابع الشخصي التي تتم عبر البريد الإلكتروني، أو في المحادثات الشخصية على الشبكة.

والحقيقة أن هناك طائفة من الجرائم التقليدية التي اشترط المشرع فيها أن ترتكب بوسيلة علنية، كجريمتي الذم والقدح العلني المنصوص عليهما بالمادتين 568 و 570 عقوبات، وجريمتي الذم والقدح العلني الموجه إلى موظف المنصوص عليهما بالمادتين 376 و 378 عقوبات، وجريمة تحقير علم الدولة بشكل علني المنصوص عليها بالمادة 374 عقوبات، وغير ذلك من الجرائم. فشرط العلنية المطلوب يتحقق في جميع هذه الجرائم إذا ارتكبت على الشبكة.

رابعا: المصادرة:

 نصت المادة 34 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية على ما يلي:

( أ- مع عدم الإخلال بحقوق الغير الحسني النية، تحكم المحكمة بمصادرة الأجهزة والبرمجيات الحاسوبية، أو أي وسائل أخرى مستخدمة في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون. .

ب- و يجوز أيضا الحكم بوقف أو إغلاق الموقع الإلكتروني المستخدم في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أو أي منظومة مشابهة، إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بعلم صاحب هذا الموقع أو المنظومة.)

و المصادرة هنا هي مصادرة عينية و هي عقوبة مالية إضافية، تنزع بموجبها ملكية شيء للمحكوم عليه جبرة، ومن غير مقابل ليصبح ملكا للدولة.

 وقد جعل المشرع من مصادرة الأجهزة والبرمجيات الحاسوبية، أو الوسائل الأخرى المستخدمة في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية عقوبة إضافية وجوبية، أي يجب على المحكمة أن تحكم بها في حكمها النهائي.

أما الحكم بوقف أو إغلاق الموقع الإلكتروني المستخدم في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية، أو أي منظومة مشابهة، إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بعلم صاحب هذا الموقع أو المنظومة. فهو أمر جوازي يعود تقديره إلى المحكمة، وهو من قبيل تدابير الاحتراز العينية التي تهدف علاج المجرم، ومنعه من العودة إلى ارتكاب الجريمة، وحماية المجتمع من خطره.

Scroll to Top