التصنيف: أصول المحاكمات الجزائية

  • البينة الخطية في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    البينة الخطية في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

     البينة-الخطية

    قدمة عن البينة الخطية

    البينة الخطية هي ما يعرف بالدليل الكتابي أو المحررات.

     فالمحرر ورقة تحمل بيانات في شأن واقعة ذات أهمية في إثبات ارتكاب الجريمة ونسبتها إلى المتهم.

    إن البينة الخطية هي الأوراق والضبوط التي تكون مطبوعة أو محررة باليد.

     والبينة الخطية التي تصلح أن تكون دليلاً في الإثبات، قد تنطوي على جسم الجريمة وقد تكون مجرد دليل عليها. فالوثيقة المزورة، وخطاب التهديد، والبلاغ الكاذب، يشكل كل منها جسم الجريمة، أما اعتراف المدعى عليه بما أسند إليه ضمن وثيقة خطية، رسمية كانت أو غير رسمية، فإنه يشكل دليلا على أنه هو الذي ارتكب الفعل الجرمي.

     وسواء انطوى الدليل الكتابي على جسم الجريمة، أم على اعتراف المدعى عليه، فإن هذا الدليل، لا يعد حه مطلقة لا يجوز إثبات عكس ما جاء فيه، وإنما يعد دليلاً يمكن دحضه، شأنه في ذلك شأن باقي الأدلة الأخرى التي توافرت في الدعوى .

    فالأصل أن البينة الخطية ليست لها حجية خاصة في الإثبات.

    والدليل الكتابي بكل صوره والمحررات، ولو كانت رسمية، تخضع لمطلق تقدير القاضي، شأنها شأن أي دليل أخر عند الإثبات في الدعوى الجزائية.

    فللقاضي أن يأخذ بما جاء في الورقة المكتوبة المعروضة أمامه، أو أن يطرحه ويلتفت عنه إن هو لم يقتنع به.

    فالأمر منوط دوما بما تمليه عليه قناعته الذاتية، فلا يجوز إلزام المحكمة بأن تقضي بما يخالف قناعتها التي كونتها من مجموع الأدلة التي قدمت في الدعوى وتناقش بها الخصوم.

    لكن المشرع جعل لبعض الأدلة الكتابية قوة إثبات خاصة بها، وذلك استثناء من قاعدة أن الإثبات في الدعوى الجزائية يخضع لمطلق تقدير محكمة الموضوع ولقناعتها الذاتية.

     أي جعل لها قوة ملزمة إلى أن يتقرر إثبات عكسها أو تزويرها.

    – الضبوط وقيمتها الإثباتية:

    لابد من التمييز بين ثلاثة أنواع من الضبوط :

    النوع الأول : الضبوط التي ينظمها أعضاء الضابطة العدلية ومساعدو النائب العام في الجنح والمخالفات المكلفون باستثباتها، حيث يعمل بها حتى يثبت عكس ما جاء فيها.

     ويشترط لإثبات العكس أن تكون البينة كتابية أو بواسطة الشهود.

    النوع الثاني : الضبوط التي يوجب القانون اعتبارها والعمل بها حتى ثبوت تزويرها، طالما توافرت فيها الشروط القانونية، كالضبوط التي تنظمها ضابطة الحراج والجمارك، ومحاضر جلسات المحاكم ونصوص الأحكام.

    ولكي يكون لهذين النوعين من الضبوط قوة إثباتية يجب حسب المادة 179 من قانون أصول

    المحاكمات الجزائية أن تتوفر فيهما الشروط الآتية:

    أ- أن يكون الضبط قد نظم ضمن حدود اختصاص الموظف وأثناء قيامه بمهام وظيفته.

    ب- أن يكون الموظف قد شهد الواقعة بنفسه أو سمعها شخصياً.

    ج- أن يكون الضبط صحيحة في الشكل.

    أما الضبوط التي لا تستوفي شروطها القانونية، فتعد من قبيل المعلومات العادية.

    النوع الثالث: الضبوط العادية التي لا تعدو أن تكون (معلومات عادية).

    والمشرع لم يحدد طبيعة هذه الضبوط، ولكن يدخل فيها تلك الضبوط التي ينظمها أعضاء الضابطة العدلية في الجنايات، وضبوط أفراد الشرطة الذين لم يمنحهم المشرع صفة الضابطة العدلية، وضبوط الموظفين التي ينظمونها في الجنايات والجنح والمخالفات التي يطلعون عليها أثناء إجراء وظيفتهم، والضبوط التي ينظمها أعضاء الضابطة العدلية في الجرائم التي لا يدخل استثباتها في اختصاصهم.

  • القرائن في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    القرائن في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    القرائن

    مقدمة حول القرائن

    القرينة هي وسيلة إثبات غير مباشرة، وهي تختلف عن سائر وسائل الإثبات التي درسناها کالاعتراف والشهادة والخبرة والبينة الخطية، فهذه كلها وسائل إثبات مباشرة لأنها تقع على ذات الواقعة المراد إثباتها، في حين أن القرينة هي دليل غير مباشر لأنها لا تقع على ذات الواقعة المراد إثباتها، بل على واقعة أخرى تتصل بها وتفيد في الدلالة عليها.

    لذلك يمكن القول إن الإثبات بالقرائن في الدعوى العامة عبارة عن استنتاج يستخلص من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة، بحيث تقوم بين الواقعتين صلة تؤدي إلى معرفة مرتكب الجريمة ونسبتها إليه.

    وكلما قويت الصلة بين الواقعة التي دلت عليها القرينة مباشرة، أي الواقعة المعلومة، وبين الواقعة الأصلية المراد إثباتها وهي الواقعة المجهولة، كانت القرينة صالحة لاعتبارها دليلاً على هذه الواقعة.

    وتأتي أهمية القرائن في الدعوى العامة من أن بعض الوقائع يستحيل أن يرد عليها إثبات مباشر، ومن ثم يمكن عن طريق القرائن التوصل إلى إثبات هذه الوقائع لصلتها بوقائع أخرى ذات صلة منطقية.

    فالقرائن، بوصفها وسيلة من وسائل الإثبات، هي الشواهد التي إذا أضيفت إلى بعضها البعض، يمكن للمحكمة أن تستخلص منها دليلاً مقبولاً تقتنع به.

    مثال على ذلك أنه إذا كان من الثابت أن المدعى عليه استدرج المجني عليه إلى منزله ودعاه إلى العشاء، وبعد تناول المجني عليه للعشاء بنصف ساعة، بدأت تظهر عليه أعراض التسمم، وحين تم تفتيش غرفة المدعى عليه، شوهدت آثار المادة السامة في الأواني.

     فاستدراج المدعى عليه للمجني عليه ودعوته إلى العشاء، وظهور أعراض التسمم عليه، ثم وجود آثار المادة السامة، كلها قرائن تؤدي إلى استنتاج منطقي بأن المدعى عليه هو الذي دس السم للمجني عليه، وإن لم يشهد أحد بأنه هو الذي دسه إليه.

    وكما أن القرينة يمكن أن تكون ضد المتهم، فيمكن بالقرينة أيضا التوصل إلى تبرئة المتهم،

    فوجوده في مكان بعيد جداً عن مكان الجريمة وقت وقوعها قرينة على عدم ارتكابه لهذه الجريمة، لأنه يستحيل عقلاً ومنطقاَ أن يقوم بارتكاب جريمة سرقة مثلاً بينما ثبت أن المتهم كان في تلك اللحظة مسافرة ويبعد آلاف الأميال عن مكان وقوع الجريمة.

    وبما أن الإثبات بالقرينة يقوم على الاستنتاج المنطقي، فقلما تكفي قرينة واحدة لإثبات الواقعة

    التي يجري التحقيق في شأنها.  وإنما يلزم تضافر قرائن عدة تقوى كل قرينة منها بغيرها فتسندها .

    والقرائن على نوعين: إما قرائن قانونية أو قضائية.

    أ- القرائن القانونية

    وردت في القانون على سبيل الحصر، لذلك لا يجوز للقاضي أن يضيف إليها أو يقيس عليها.

    وهذه القرائن تغني من تقررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات، أي تعفي من عبء الإثبات. فالإثبات في بعض الأحيان مسألة صعبة جدا قد لا يستطيع أحد الأطراف تحمل عبئه.

     وهي على نوعين: قرائن قانونية قاطعة، وقرائن قانونية بسيطة.

    أما القرائن القانونية القاطعة فهي القرائن التي لا تقبل إثبات عكسها، كقرينة انعدام التمييز لدي الصغير الذي لم يتم العاشرة من عمره، وقرينة صحة الأحكام المبرمة التي هي عنوان الحقيقة، وقرينة العلم بالقانون بمجرد نشره في الجريدة الرسمية، فلا يجوز الدفع بالجهل به.

    أما القرائن القانونية البسيطة، فهي التي تقبل إثبات العكس، وتظل قائمة إلى أن يقوم الدليل على عكسها، ومنها مشاهدة الجاني حاملا أسلحة أو تبدو عليه آثار معينة تعد قرينة على أنه مساهم في الجريمة، لكنها قرينة بسيطة يستطيع الجاني إثبات عكسها.

    ب – القرائن القضائية

    القرينة القضائية هي التي يستنتجها القاضي باجتهاده من خلال وقائع الدعوى المعروضة عن طريق إعماله الممكنات العقلية، وهذه القرائن كثيرة ولا يمكن حصرها، وقد ثرك تقديرها للقاضي يستنبطها من ظروف الوقائع المعروضة أمامه بعد التحليل والربط فيما بينها بما يقتضيه المنطق والتعليق العلمي،

    وللقاضي أن يعتمد عليها وحدها مادام الرأي الذي يستخلصه منها سائغة، ولكنها ليست ملزمة للقاضي.

    مثال ذلك وجود الدماء على ملابس المتهم، وقد ثبت أن هذه الدماء هي نفس فصيلة دم المجني عليه.

     ومن أمثلتها أيضا ضبط ورقة مع المتهم فيها رائحة الأفيون بوصفها قرينة على ارتكابه جريمة حيازة مخدر، أو مشاهدة عدة أشخاص يسيرون في الطريق مع من يحمل المسروقات ودخولهم معه في منزل واختفاؤهم فيه كقرينة على تدخلهم في السرقة، ووجود بصمة إصبع المدعى عليه أو أثار قدميه في مكان الجريمة كقرينة على مساهمته فيها.

    لذلك يمكن القول إن القرينة القضائية هي كل استنتاج لواقعة مجهولة من واقعة معلومة، بحيث يكون الاستنتاج ضروريا بحكم استخدام العقل والمنطق.

    ولا يخضع القاضي لرقابة محكمة النقض في تقديره للواقعة التي جعلها قرينة من حيث ثبوتها أو انتفاؤها، فذلك من صلاحيات محكمة الموضوع.

    وليس في القانون ما يمنع من بناء الحكم على القرائن وحدها، لكن القاضي يخضع لرقابة محكمة النقض فيما يستخلصه من الوقائع الثابتة من دلالات، وما يترتب عليها من أثر في إثبات الواقعة التي يبني عليها حكمه، إذ يجب على القاضي أن يبني حكمه على الجزم واليقين لا على الظن والتخمين.

     فالقرائن القضائية تصلح دليلاً كاملاً للإثبات، فيجوز للقاضي أن يستمد من القرائن قناعته الشخصية التي يعتمد عليها في الحكم.

    فالقناعة الشخصية يمكن أن تتولد من شذرات متفرقة من الظروف والحوادث تشكل بمجموعها سلسلة من القرائن الموجبة للقناعة.

    لكن يجب عند الأخذ بالقرينة أن يتم ذلك بحذر شديد مع بيان الأسلوب المنطقي الذي توصلت إليه المحكمة في اعتمادها القرينة، لأن القرينة، وإن كانت تصلح لأن تكون دليلاً، إلا أنها تعد من أدنى البينات.

  • الخبرة في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    الخبرة في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

     

    الخبرة

    مقدمة حول الخبرة

    ازدادات أهمية الخبرة في العصر الحاضر نتيجة لتقدم العلوم وتشعبها.

     وقد انعكس ذلك على العلوم الجنائية وما يتصل بها. فعند وقوع جريمة، لابد من الكشف عن أدلتها المادية التي تساعد على كشف حقيقة الجريمة ومعرفة مرتكبيها وكيفية ارتكابها.

    لذلك لابد من فحص هذه الأدلة المادية لبيان مدى قيمتها في إثبات الجريمة أو نفيها. وكثيراً ما يتطلب فحص هذه الأدلة المادية وتقويمها معرفة عالية وخبرة فنية لا يملك مثلها القاضي، مما يضطره إلى الاستعانة بشخص اختصاصي أو فني لبيان حقيقتها .

    فموضوع الخبرة يتضمن إبداء رأي علمي أو فني من شخص صاحب اختصاص في شأن واقعة لها أهمية في الدعوى الجزائية، فلا يستطيع القاضي البت فيها لأنه لا يتوافر لديه مثل هذا الاختصاص، كفحص الحالة العقلية للمتهم لتقدير أهليته الجزائية، أو فحص الجثة لتعيين سبب الوفاة،  أو فحص الخطوط في جريمة التزوير.

    ولم يشر المشرع إلى أحكام خاصة تتعلق بأصول الخبرة أمام القضاء الجزائی، فوردت بعض الأحكام المتفرقة في قانون أصول المحاكمات الجزائية في المواد 39 و 40و41، في معرض حديثه عن وظائف النيابة العامة في حالات الجرم المشهود.

    وهذا يدل على عدم رغبة المشرع واضع القانون في تقييد القضاة الجزائيين بأمور شكلية ما دام أمر الثبوت وعدمه في الأصل متروكة لضمائرهم وقناعتهم.

    أ- اللجوء إلى الخبرة

    السؤال الذي لابد من طرحه هو هل القاضي ملزم بالاستعانة بالخبرة؟.

     الأصل في هذه المسألة أن الأمر جوازي بالنسبة إلى قاضي الموضوع، فهو الذي له سلطة تقديرية في أن ينتدب خبيراً أو لا، كما له أن يرفض طلب انتداب خبير خاصة عندما يتعلق الأمر بوصف أمور واضحة فيقرر بنفسه الحقيقة التي يقتنع بها من المشاهدات والأدلة الأخرى.

     فهو الخبير الأعلى في كل ما يستطيع أن يفصل فيه بنفسه، ولهذا فهو غير ملزم بانتداب خبير في الدعوى ما دامت الواقعة قد وضحت لديه، وما دامت ظروف الحادثة أو أوراق الدعوى تشير بذاتها إلى الرأي الواجب الأخذ به أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى ويكون فصله في ذلك فصلاً في أمر موضوعي لا إشراف لمحكمة النقض عليه. وإذا رفض طلب اللجوء إلى الخبرة، لابد من أن يكون رفضه معللاً.

     فالاستعانة بالخبراء أمر متروك السلطة القاضي التقديرية التي لا تقع تحت رقابة محكمة النقض.

    أما إذا كان الأمر يتعلق بمسألة فنية بحتة، فإن القاضي يصبح ملزمة باللجوء إلى الخبرة. وقد حكمت محكمة النقض :

     (بأنه ليس للمحكمة أن تفصل في أمور فنية وعلمية لا يستوي في معرفتها ذوو الاختصاص مع غيرهم بل عليها أن تستعين بالخبراء في كل علم لتحقيق ما هو داخل ضمن خبرتهم).

    واللجوء إلى الخبرة جائز في كل مراحل الدعوى ، فيحق لموظفي الضابطة العدلية الاستعانة بالخبرة عند قيامهم بوظائفهم في التحقيق الأولي، وكذلك في التحقيق الابتدائي. كما إن للمحكمة أن تستعين بالخبرة في مرحلة المحاكمة.

    ب – موضوع الخبرة

    الخبرة في حقيقتها هي شهادة من الخبير في أمور تحصلت له معرفتها عن طريق علمه أو فنه أو صنعته أو تجربته.

    والخبرة في القضايا الجزائية كثيرة ومعقدة ويدخل ضمنها: تشريح جثث المتوفين لتحديد سبب الوفاة، وتحليل السموم، و بيان الجروح والرضوض والكدمات الموجودة على أجسام الأشخاص وتقدير أعمارهم، والكشف عن التزوير والتزييف، وأخذ صور البصمات التي تركها الجناة في مكان الحادث، وتصوير مكان الحادث وتنظيم مخطط له، وأخذ صور للمتهمين وبصماتهم بقصد معرفة هوياتهم، وتحليل المواد المخدرة والآثار والبقع التي تركها الجناة في موقع الحادث، والكشف عن الأسلحة النارية..الخ .

    ج- تقدير قيمة الخبرة

    عندما يقدم الخبير تقريره فيما يطلب منه إبداء الرأي فيه فإنه يصبح من بين الأدلة المطروحة للمناقشة أمام المحكمة، ويكون محط لتقديرها .

     فتقدير التقرير يخضع للسلطة التقديرية للقاضي حسب مبدأ القناعة الشخصية.

    كما يعود إلى تقدير المحكمة وقناعتها أن تطرح من هذا التقرير ما لا تطمئن إلى صحته، كما لها أن تأخذ بما يرتاح إليه ضميرها واعتمدت عليه في قناعتها، على أن تعلل قرارها في ذلك تعليلاً سائغاً.

     فتقرير الخبير غير ملزم للمحكمة بل هو من جملة الأدلة المعروضة لديها تابع للمناقشة والتمحيص، غير أن عدم الأخذ به أي رفضه يجب أن يستند إلى دليل أقوى منه، مع بيان أسباب رفضه .

    والمحكمة لا تأخذ إلا بالخبرة القضائية التي تمت تحت إشراف القاضي أو من ينتدبه من القضاة بعد أداء الخبير اليمين القانونية.

    وعندما تتعلق الخبرة بأمر فني لا تستطيع المحكمة تقديره بنفسها عليها أن تستند في هذا الرفض إلى خبرة فنية تنفي ما جاء في الخبرة الأولى حتى يتسنى لها أن ترجع إلى إحدى الخبرتين.

    وعلى الرغم من السلطات التقديرية المخولة للقاضي الجزائي للأخذ بالتقرير أو رفضه، فإن حكمه يجب أن يعتمد على العلم والمنطق لتقدير قيمة تقرير الخبرة ولكي ينسجم مع الأدلة الأخرى المتوافرة في الدعوى.

     ولابد من أن يكون تقرير الخبير موضع ثقة عند القاضي الجزائي لأن هذا الأخير هو الذي عينه وراقبه في مهمته، ويرد في الأساس على مسائل فنية وعلمية ليست من مجال اختصاصه.

    ومهما يكن من أمر، فإن سلطته التقديرية ليست تحكمية وتخضع للأسس المنطقية التي تعين على التوصل إلى حكم عادل في موضوع الدعوى.

  • الشهادة في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات – بحث كامل +pdf

    الشهادة في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات – بحث كامل +pdf

    الشهادة

    مقدمة عن الشهادة

    الشهادة هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه بإحدى حواسه الأخرى ، فهي التعبير الصادق عن مضمون الإدراك الحسي للشاهد بالنسبة للواقعة التي شاهدها أو سمعها أو أدركها بحاسة من حواسه بطريقة مباشرة والمطابقة الحقيقة الواقعة التي يشهد عليها في مجلس القضاء ممن تقبل شهادتهم بعد أداء اليمين .

    وتعد الشهادة من أهم الأدلة التي يستمد منها القاضي قناعته الشخصية، وقد يبني عليها حكمه، على الرغم من أنها كوسيلة إثبات أو نفي تبقى موضع نقد شديد.

    فالتجربة دلت على أن صدق الشهادة أمر يتوقف على ضمير الشاهد وأخلاقه وسلوكه ومدی شعوره بمسؤوليته.

    أ- موضوع الشهادة

    يتناول موضوع الشهادة وقائع الجريمة ساعة تنفيذها، كما قد يتناول إيضاح بعض الحقائق التي سبقت ارتكاب الجريمة أو لحقت بها، وقد يكون مضمون الشهادة متعلقة بوقائع ليس بينها وبين الجريمة صلة مباشرة، ولكن الاطلاع عليها يفيد في استنباط بعض القرائن المتعلقة بركن الجريمة المادي أو المعنوي .

    وفي جميع الأحوال، يجب أن يكون موضوع الشهادة ذا أهمية قانونية في الدعوى في وقوع الجريمة ونسبتها إلى المتهم، وأن تنصب على ما رأه الشاهد أو سمعه أو أدركه بحواسه من وقائع، فلا يجوز أن تتناول أراءه الشخصية أو تصوراته أو مدى تقديره لمسؤولية المتهم أو جسامة الواقعة، أي يجب أن ينطق بواقع الحال دون زيادة أو نقصان

    ب- أنواع الشهادة

    الشهادة إما أن تكون مباشرة أو غير مباشرة:

    1- الشهادة المباشرة:

    هي الشهادة التي تنجم عن الاتصال المباشر لحواس الشاهد بالواقعة المشهود عنها سواء كان اتصاله عن طريق البصر كأن يرى بعينه إطلاق النار، أو عن طريق السمع كأن يسمع كلمات الذم، أو عن طريق حاسة الشم كأن يشم رائحة المخدر، أو عن طريق حاسة الذوق كأن يذوق المادة المسكرة، أو عن طريق حاسة اللمس كأن يلمس الدم الحار.

    2- الشهادة غير المباشرة:

    ويطلق عليها الشهادة السماعية أو شهادة النقل، وهي تلك التي ينقل فيها الشاهد الواقعة بالتواتر عما سمعه من غيره.

     فالشاهد يشهد أنه سمع الواقعة التي يرويها له شاهد يكون هو الذي رأها بعينه أو سمعها بأذنه أو أدركها بحاسة من حواسه.

     فالشهادة السماعية هي شهادة على الشهادة.

     وهذه الشهادة لا تصلح وحدها دلية في الإثبات، وإنما هي مجرد استدلال لا يصل إلى مرتبة الدليل.

     إنما يمكن للمحكمة أن تستند إليها إذا توافرت أدلة أخرى أو قرائن تعززها، فإذا استندت المحكمة على الشهادة السماعية وحدها كان حكمها مشوبة لفساد في الاستدلال، ذلك لأنها مبنية على الظن لا اليقين، لأن الأقوال تتعرض دائما للتحريف والتغيير والشك حين تنتقل من شخص إلى آخر.

    ج- أهلية أداء الشهادة

    هناك بعض الشروط التي لابد من توافرها حتى تعد الشهادة دليلا في الإثبات وهي:

    1-التمييز:

     أن يكون الشاهد قد بلغ الخامسة عشرة من عمره وقت أداء الشهادة، وأن يكون سليم الإدراك وقت حدوث الواقعة المشهود عنها ووقت الادلاء بشهادته.

    أي أن يكون واعيا لما يدور حوله، فاهماً معنى القسم الذي يؤديه والنتائج التي تترتب على أقواله.

    كما يجوز سماع شهادة الأيكم الأصم، فإذا كان يعرف الكتابة يجيب عن الأسئلة الموجهة إليه من المحكمة خطياً.

    كما يمكن الاستعانة بمترجم إذا كان لا يعرف الكتابة.

    2- اليمين:

     أوجب المشرع تحليف الشاهد اليمين بأن يشهد بواقع الحال دون زيادة أو نقصان وأن يدون ذلك في محضر التحقيق الابتدائي أو المحاكمة.

    والهدف من أداء اليمين استرعاء انتباه الشاهد إلى خطورة ما هو مقدم عليه وإيقاظ للقيم الأخلاقية فلا يكذب.

     وإذا لم يحلف الشاهد اليمين القانونية فإن شهادته تكون باطلة ولا يمكن الاستناد إليها.

     وكل حكم يستند إلى شهادة كهذه يكون مخالفة للأصول وجديرة بالنقض.

    وتحليف الشاهد اليمين القانونية قبل أدائه لشهادته هو إجراء يتعلق بالنظام العام ويجب مراعاته ولو رضي الخصوم بغير ذلك .

    3- حرية الاختيار:

    أي أن يكون الشاهد متمتعاً بإرادة حرة عند الإدلاء بشهادته، بمعنى أن لا تكون أقواله صادرة إثر تهديد أو إكراه، وإنما يشترط أن تكون صادرة عنه اختياراً .

    د- القيود الواردة على الشهادة

    کي تكون الشهادة تعبيرا صادقا عما أدركه الشاهد، وخوفاً من عدم الحايدة والنزاهة، فإن المشرع لم يقبل بشهادة بعض الأشخاص إما لأن لهم مصلحة في الدعوى، أو لأن الصفة التي يحملونها لا تتفق مع صفة الشاهد.

    1- الممنوعون من أداء الشهادة بموجب نص قانوني :

     تنص المادة 193 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه :

    “لا تقبل شهادة أصول المدعى عليه وفروعه وإخوته وأخواته ومن هم في درجتهم عن طريق المصاهرة وزوجه حتى بعد الحكم بالطلاق. ولكن إذا سمعت شهادتهم دون أن يعترض عليها المدعي الشخصي أو المدعى عليه فلا تكون باطلة”.

    كما نصت المادة 292 على أنه:

    1- لا تقبل شهادة الأشخاص الآتي ذكرهم:

    أ- أصول المتهم وفروعه.

    ب- إخوته وأخواته.

    ج – ذوو القرابة الصهرية الذين هم في هذه الدرجة.

    د – الزوج والزوجة ولو بعد الطلاق.

    ه- المخبرون الذين يمنحهم القانون مكافأة مالية على الإخبار.

    واذا سمعت شهادتهم ولم يعترض عليها النائب العام أو المدعي الشخصي أو المتهم، لا تكون باطلة.

    أما إذا اعترض على سماعها فلرئيس المحكمة أن يأمر بالاستماع لإفادتهم على سبيل المعلومات”.

    يتبين من هاتين المادتين أن عدم قبول شهادة هؤلاء الأشخاص لا يورث بطلاناً مطلقاً بل نسبياً .

    فحتى لا تقبل شهادة هؤلاء، يجب أن يعترض عليها من قبل أحد الخصوم (النيابة العامة أو المدعي عليه أو المدعي الشخصي).

    فإذا تم الاعتراض قبل سماع الشهادة كانت باطلة، أما الاعتراض الواقع بعد ذلك فإنه لا قيمة له.

    كذلك لا يجوز أن يكون المدعى عليه شاهدة في دعواه. والحال نفسه بالنسبة إلى المدعي الشخصي فلا يجوز أن يدلي بأقواله بعد تحليفه اليمين.

    لكن محكمة النقض أخذت اتجاها معاكساً عندما لم تستبعد المدعي الشخصي بالذات من الاستماع إلى شهادته بصفته شاهداً في الدعوى العامة فاعتبرت المدعي الشخصي ما هو إلا مدع في دعوى مدنية مضافة إلى دعوى جزائية لاختلاف الدعويين، فيجوز تحليفه اليمين في دعوى مدنية مضافة إلى الدعوى الجزائية التي يعد طرفها الأساسي النيابة العامة لا المدعي الشخصي.

     فإذا ما أدى الشهادة بعد حلف اليمين لم يكن على القضاء حينئذ إلا تقدير قيمة هذه الشهادة  .

    كما يستمع إلى الشاكي الذي لم يتخذ صفة المدعي الشخصي شاهدا في الدعوى العامة، إذا كان لديه معلومات تفيد التحقيق بعد تحليفه اليمين.

    وإذا كان المشرع قد استبعد من الشهادة من تربطهم بالمدعى عليه أو المتهم صلة قرابة. فإنه لم يمنع سماع شهادة أصول المدعي الشخصي وفروعه وإخوته وأخواته.

    2- الممنوعون من الشهادة بسبب صفتهم:

    هناك بعض الأشخاص الذين تتعارض صفتهم مع الشاهد، ومن هؤلاء القضاة وممثل النيابة العامة الذي يحضر جلسات المحكمة.

     فالقاضي لا يجوز أن يكون شاهد في الدعوى التي ينظر فيها، لأنه يكون قد كون رأياً مسبقا في هذه القضية، فلا يجوز أن يكون القاضي شاهداً وحكماً أو شاهداً وخصماً.

     ولا يجوز قبول شهادة ممثل النيابة العامة لأنه يعد جزءا متممة في تشكيل المحكمة.

     كما لا تجوز سماع شهادة كاتب الجلسة. ولا تجوز شهادة المترجم في الدعوى نفسها لأنه يكون قد تأثر بالأقوال التي ترجمها.

    ه – الشهادة على سبيل المعلومات :

    إن الشهادة على سبيل المعلومات، كما تدل عليها تسميتها، هي التي لا تصل إلى مرتبة الدليل وإنما تسمع على سبيل الاستئناس، أي لا يمكن الاستناد إليها وحدها في الحكم، وإنما لابد من أن تكون معززة بأدلة أخرى في الدعوى. وهذه الشهادة تسمع دون توجيه اليمين القانونية إلى الشاهد، وتكون في الحالات التالية:

    1- ما نصت عليه المادة (292) وهو عدم قبول شهادة بعض الأقرباء. فإذا اعترض

    على سماع شهادة هؤلاء الأشخاص كان لرئيس محكمة الجنايات أن يستمع إلى إفاداتهم على سبيل المعلومات.

    2- تستمع المحكمة إلى القاصر الذي لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره دون حلف اليمين وعلى سبيل المعلومات .

    3- جاء في المادة 266 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن الرئيس محكمة الجنايات أن يجلب قبل المحاكمة وأثناءها أي شخص كان لسماعه ولو بطريقة الإحضار . والأشخاص الذين يجلبون على هذه الصورة يستمع إلى إفاداتهم على سبيل المعلومات إذا اعترض النائب العام أو جهة الدفاع أو المدعي الشخصي على سماعهم محلفين.

    وفي جميع الأحوال إن المشرع لم يبين قيمة الشهادة التي تؤخذ على سبيل الاستدلال دون حلف اليمين، لكنه لم يحرم على القاضي الأخذ بشهادة من لا يحلفون اليمين إذا وجد فيها الصدق، فهي عنصر من عناصر الإثبات يقدره القاضي حسب قناعته الشخصية.

     ويظهر أن المشرع أراد أن يلفت نظر القاضي إلى ما في هذه الشهادة من ضعف  بأن يكون أكثر حيطة في تقديرها، وترك له بعد ذلك  الحرية التامة في الأخذ بها من عدمه.

    و- واجبات الشهود:

    يترتب على الشاهد واجبات أخلاقية وقانونية، فإذا أخل بهذه الواجبات تعرض للمساعلة الجزائية. وهذه الواجبات هي:

    1- المثول :

     أي أن يلبي الدعوة إلى الحضور فيمثل أمام المرجع المختص الذي دعاه.

     فكل شاهد يتخلف عن الحضور من دون عذر مقبول أمام القاضي المحقق أو المحكمة، يعرض نفسه لغرامة يقضي بها المرجع الذي كان قد دعاه للمثول أمامه.

    2- أداء اليمين :

    على الشاهد أن يحلف اليمين القانونية قبل أداء شهادته سواء أثناء التحقيق الابتدائي أو المحاكمة.

     أي أن يشهد بواقع الحال دون زيادة أو نقصان.

    ويترتب البطلان على عدم حلف اليمين، وهو بطلان يتصل بالنظام العام، فلا يجوز التنازل عنه.

     وكل حكم يستند إلى شهادة غير موثقة باليمين يعد مخالفة للأصول والقانون.

    3- قول الصدق :

    على الشاهد بعد أن يؤدي اليمين القانونية أن يقول ما يعرفه بصدق وأمانة وموضوعية إحقاق للحق وانتصارا للعدالة، وبما يمليه عليه ضميره.

     فإذا امتنع عن أداء الشهادة أو ثبت كذبه، لوحق بجريمة شهادة الزور المنصوص عليها في المادة 397 وما يليها من قانون العقوبات.

    وللشاهد أن يعتصم بالصمت فلا يجيب إذا كان ما سيقوله يؤدي إلى إفشاء سر مسلكي، مما

    يؤدي إلى ارتكابه الجريمة المنصوص عليها في المادة (565) من قانون العقوبات.

    لكن هذه الحالة تعد من حالات الضرورة التي يمتنع فيها العقاب.

    لكن بما أن عليه واجبا أن يقول الحق أمام القضاء، فإن مبدأ الإعفاء من واجب الإدلاء بالشهادة يجب أن يفسر وأن يطبق في أضيق الحدود.

    ز – حقوق الشاهد :

    للشاهد حقوق مقابل الواجبات التي فرضها عليه المشرع. وهذه الحقوق هي:

    1- يحق للشاهد تقاضي مقابل للمصاريف التي أنفقها وتعويضه عنها وعما أضاعه من وقت في سبيل الحضور والمثول أمام الجهة القضائية التي دعي إلى أداء الشهادة أمامها. والقاضي هو من يقدر المبلغ الواجب أداؤه للشاهد ويدفع من ميزانية الدولة إذا كان الشاهد من شهود الحق العام، أي وجهت الدعوة إليه بناء على طلب النيابة العامة.

     أما إذا كان من شهود الدفاع أو دعي بناء على طلب المدعي الشخصي أو المسؤول مدنية، فإن الفريق الطالب هو الذي يؤدي نفقات الشاهد المطلوبة.

    2- من حقوق الشاهد الحق في حمايته وحماية شرفه واعتباره، لأنه شخص يؤدي خدمة عامة، ويستهدف تحقيق مصلحة عامة، ومن ثم كان من الواجب حمايته من أن يتعرض إلى أي اعتداء أو أي إهانة قد تلحق به من جراء أدائه لشهادته.

    فالمشرع أضفى على الشاهد حصانة بحيث يمتنع أن تقام عليه أي دعوى عامة أو مدنية من أجل جرائم القدح أو الذم أو غيرها التي قد يرتكبها أثناء قيامه بواجب الادلاء بشهادته.

    ح- تقدير قيمة الشهادة:

    الشهادة كغيرها من أدلة الإثبات، تخضع لتقدير قاضي الموضوع، فلا تصح مناقشته في قناعته الشخصية.

     وللمحكمة أن تأخذ بأقوال شاهد واحد وتطرح أقوال الشهود الآخرين، لأن العبرة في الاقتناع ليست بعدد الشهود، وإنما بالاطمئنان إلى ما يدلي به الشهود، قل عددهم أو كثر. كما يمكن للمحكمة أن تأخذ بأقوال شاهد أدلى بشهادته في التحقيق الابتدائي دون الشهادة التي أدلى بها أمامها.

    وللمحكمة أن تجزيء الشهادة الواحدة فتأخذ ببعض ما جاء فيها وتطرح البعض الآخر، شريطة أن تذكر المحكمة في حكمها أنها قصدت هذه التجزئة، وأن تقدم في حكمها المسوغات الكافية التي دفعتها إلى الأخذ بجزء من الشهادة وعدم الأخذ بالجزء الأخر منها.

    وللمحكمة أن تأخذ بأقوال شاهد استمع إليه على سبيل المعلومات، وتطرح شهادة موثقة باليمين، إذا كان بين أدلة الدعوى ما يدعم الشهادة التي أخذت على سبيل المعلومات، لكنها ملزمة ببيان الأسباب التي حملتها على الأخذ بشهادة دون أخرى.

     فتقدير الأدلة والشهادات واستنباط الواقع منها يعود إلى قاضي الموضوع الذي يترتب عليه بيان الأسباب التي حدت به إلى الأخذ ببعض الشهادات واهمال البعض الآخر في حال تعارضها.

     فمناقشة القاضي حول أخذه بشهادة أو طرحها أو اعتماده على دليل دون أخر هو تدخل في استقلال القاضي ورقابة على قناعته، وهذا لا يستقيم طالما أن تلك القناعة مبنية على أسباب صحيحة. فقاضي الموضوع لا يخضع في تقديره للشهادة لرقابة محكمة النقض طالما كان تقديره لهذه الشهادات يأتلف والمنطق ويسلم به العقل.


    لتحميل الموضوع كاملاً بصيغة pdf – يرجى الضغط هنا

     

     

  • الاعتراف في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    الاعتراف في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    الاعتراف في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    مقدمة عن الاعتراف

    كان للاعتراف شأن كبير في نظم التحقيق القديمة. ففي عهد الأسلوب الاتهامي كان للاعتراف مقام مرموق بين البينات، غير أنه بقي بينة غير كافية، أي لابد من أن ترافقه بينة أخرى من أجل اعتماده سببة للحكم.

    أما في ظل الأسلوب التفتيشي، فقد بلغ الاعتراف الأوج وأصبح سيد البينات. وقد أشاد الفقيه Jousse  بشأن الاعتراف فقال:

     “ليس أعدل من عقوبة تطبق على شخص يعترف بمحض إرادته ودون أي تعذيب بأنه الفاعل الحقيقي“.

    غير أن كثيرا من الاعترافات جاءت مكذبة لهذا الزعم .

    ويعرف الاعتراف بأنه:

    إقرار المدعى عليه على نفسه بكل أو ببعض ما نسب إليه من وقائع جرمية.

     فالفاعل يقر بأنه ارتكب جرم، أي يشهد على نفسه بأن ما تدعيه النيابة العامة أو المدعي الشخصي صحيح”.

    ويجب الحذر من سوء التأويل فيما يسمى بالاعتراف الضمني أو السلبي، والذي هو في الحقيقة من جملة القرائن وليس اعترافاً.

     مثاله سكوت المتهم عند تقرير أمر في حضوره يؤذيه وعلى مسمع منه، في حين كان عليه إنكاره أو نفيه أو تقديم إيضاح عنه، وللقاضي تقدير هذه الظروف مع الاحتراس من سوء التأويل.

    والاعتراف قد يكون كاملاً : وهو إقرار المدعى عليه بكل ما نسب إليه.

     وقد يكون جزئياً : أي أن يقر المدعى عليه ببعض ما نسب إليه، كأن يعترف باقترافه جريمة الضرب دون القتل، أو بارتكاب الفعل دون قصد، أو دفاعا عن النفس… الخ.

    وقد يكون الاعتراف قضائياً : أي حين يصدر عن المتهم في مجلس القاضي، وتكون له قوة ثبوتية، لأن الفاعل يشهد على نفسه وهو مدرك خطورة قوله.

    وقد يكون غير قضائي : وهو ما يصدر خارج مجلس القضاء، ويثبت إما بموجب مستند خطي كإدراجه في محضر منظم من قبل رجال الضابطة العدلية أو في كتاب موقع من المدعى عليه نفسه، واما أمام الشهود، ويقام عندها الدليل عليه بالشهادة إذا كان موضوع الدعوى يقبل الإثبات بهذه البينة.

    ويكون الاعتراف بسيطاً إذا أقر المدعى عليه بالواقعة الجرمية وحدها، ويكون موصوفاً إذا زاد عليها أفعالاً أو ظروف للتخفيف من مسؤوليته أو إزالة الصفة الجرمية عن فعله.

    أ- شروط الاعتراف

    لابد في الاعتراف حتى يكون صحيحا من أن تتوافر فيه ثلاثة شروط:

    1- أن يكون صريحة واضحة لا لبس فيه ولا غموض، دون أن يحتمل تأويلا.

     فسكوت المدعى عليه لا يعد إقرارة منه بما نسب إليه، لأنه لا ينسب إلى ساکت قول. وكل دليل يحمل في طياته شكا أو شبهة أو احتمالاً يكون مصيره الإهماله، وأن يكون هذا الاعتراف مطابقاً للحقيقة، لذلك يترتب على القاضي أن يتحرى في أمور الاعترافات التي تصدر عن المتهمين، وعن الدافع الذي ألجأهم إلى الإدلاء بها وضرورة مراعاة توفر التوافق بين الاعتراف وبين الأدلة الأخرى في الدعوى.

    فكثيرا ما يعترف شخص بجريمة قتل مثلا ولكنه إذا ما نوقش في اعترافه اتضح كذبه من اختلاف الطريقة التي يدعي ارتكاب جريمة القتل بها عما تحققه الطبيب الشرعي من معاينة الجثة.

    2– أن يكون صادراً عن شخص يتمتع بالأهلية وعن إرادة حرة.

    فإذا تبين أن المدعى عليه غير مميز بسبب مرض عقلي أو مجنون. فلا يكون لاعترافه أي قيمة ثبوتية. فيجب أن يكون الاعتراف صادرة عن إرادة حرة، أي بغير عنف أو إكراه أو تهديد أو تعذيب مما يؤثر في حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والإقرار .

    فكل اعتراف أدلى به صاحبه تحت تأثير التعذيب أو الإكراه بنوعية المادي والمعنوي يكون مصيره الإهمال لأن صاحبه يكون في هذه الحالة معيب الإرادة مضطرب التفكير لا يدرك نتائج ما أدلى به من أقوال. فلكي يكون الاعتراف صحيحة يجب أن يكون المعترف مدركة لكل ما يحيط به ولكل ما يترتب على اعترافه من نتائج.

    والأخذ بالاعتراف، وكونه صحيحة غير مشوب بشائبة الضغط، من المسائل التقديرية الخاصة بقضاة الموضوع، ولا تدخل تحت تمحيص محكمة النقض.

    3- يجب أن يكون الاعتراف صادرة عن المدعى عليه بالذات

    لأن الاعتراف حق شخصي، فاعتراف الوكيل عن موكله لا يعد دليلاً من أدلة الإثبات، فإذا أقر الوكيل في أحد دفوعه بأن موكله هو الذي ارتكب الجريمة المدعى بها أو شارك فيها، فإن لهذا الأخير أن ينكر اعتراف وكيله. كما أن اعتراف الولى لا يعد اعترافا للحدث، ولا يؤخذ بإقراره.

    4- أن يكون الاعتراف مستنداً إلى إجراءات صحيحة،

    فإذا كان ثمرة إجراءات غير قانونية وباطلة، فيع باطلاً ولا يؤخذ به كدليل في الإثبات ولو كان هذا الاعتراف صادقا.

     كأن يصدر الاعتراف نتيجة الاستجواب باطل جرى من أحد موظفي الضابطة العدلية، أو جرى تحليف المتهم اليمين عند استجوابه.

    لكن الاعتراف لا يكون باطلاً إلا إذا جاء متصلاً بالإجراء الباطل ومتأثرة به، فإن كان مستقلا عنه جاز التعويل عليه، ويعود تقدیر اتصاله أو استقلاله المطلق تقدير محكمة الموضوع حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى وملابساتها.

    قيمة الاعتراف:

    إذا صدر الاعتراف مستكملاً شروط صحته، فيعد عندئذ بينة كغيره من البينات متروكاً أمر تقديره للقاضي، بشرط أن يكون المعترف مدركاً نتائج اعترافه، وأن يدلي به بصورة حرة.

    وللقاضي سلطة مطلقة أن يأخذ بالاعتراف الصادر عن المتهم والذي أدلى به سواء في مرحلة التحقيق الأولي أو التحقيق الابتدائي أو في جلسة المحاكمة طالما أنه اطمأن إلى صحته واقتنع بمطابقته للحقيقة.

    أما اعتراف مدعى عليه على آخر فهو استدلال عادي تقدره المحكمة ولو أنكر هذا الأخير ما نسب إليه، ولها أن تستنتج منه النتائج المنطقية، لأن الحكم في الموضوع وتقدير البينات متعلق بوجدان قاضي الموضوع، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه.

    ويسمى هذا الاعتراف في التعامل القضائي بالعطف الجرمي.

    وقد قررت محكمة النقض:

    “أن عطف الجرم من منهم على آخر ليس بالدليل القاطع ولا بالبينة المثبتة للواقعة وإنما مجرد قول يحتاج إلى دليل على حجيتها”.

    والمعترف قد يرجع عن اعترافه ولو كان واقعاً أمام المحكمة.

     وللقاضي عندئين حق تقدير قيمة هذا الرجوع، فإما أن يقره أو يرفضه حسب قناعته.

    وفي جميع الأحوال، فإن القاضي هو الذي يحدد قيمة الاعتراف وفق تقديره، فإما أن يقتنع به ويستند إليه في الحكم بالإدانة، وإما أن يرفضه ويتجرد من قيمته كدليل، وهو يخضع لسلطته التقديرية التي تفترض تحديد دلالته وبواعثه سواء أكان الاعتراف قضائية أو غير قضائي.

     أي إن للقاضي سلطة تقديرية في أن يأخذ باعتراف المتهم متى اطمأن إليه أو يأخذ بجزء منه.

    فالاعتراف قابل للتجزئة، والقاضي غير ملزم بالأخذ باعتراف المتهم بنصه، بل له في سبيل تكوين قناعته أن يجزئ الاعتراف ويأخذ منه ما يراه مطابقة للحقيقة، وأن يعرض عما يراه مغايرة لها. ولا معقب على القاضي في ذلك طالما أنه قد بني قناعته بالاعتراف على أسباب مقبولة عقلا ومنطقا.

    كما يجب أن ينظر إلى الاعتراف بالحذر الشديد، لأنه قد يكون دليلاً ضعيفة لاحتمال اعتراف الظنين باقتراف الجرم المسند إليه وتحمل مسؤوليته تخليصأ لغيره أو في مقابل نفع يأمله أو دفع ضرر يخشاه.

     أو أن يكون ما جاء في الاعتراف بعيداً عن الواقع أو ليس من شأنه في الحقيقة أن يؤلف العنصر الجنائي.

  • الضابطة العدلية في القانون السوري – pdf

    الضابطة العدلية في القانون السوري – pdf

    الضابطة العدلية

    لتحميل بحث شرح الضابطة العدلية في القانون السوري بصيغة pdf – يرجى الضغط هنا

  • الإثبات في الدعوى الجزائية في القانون السوري – pdf

    الإثبات في الدعوى الجزائية في القانون السوري – pdf

     الإثبات-في-الدعوى-الجزائية

    لتحميل شرح الاثبات في الدعوى الجزائية في القانون السوري بصيغة pdf – يرجى الضغط هنا

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1