التصنيف: جزائي

قانون العقوبات السوري

  • ماهو  القتل تمهيداً لجنحة أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها أو للتهرب من العقاب؟

     القتل تمهيدا لجنحة أو تسهيلاً أو تنفيذا لها أو تسهيلاً لفرار المحرضين على تلك الجنحة أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب.

     

    تجدر الإشارة هنا إلى أنه كي يتوفر هذا السبب المشدد، الوارد في الفقرة الثانية من المادة 534، وتصبح العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، لابد أن تكون الغاية من القتل إما ارتكاب جريمة، أو التخلص من عقاب جريمة ذات وصفي جنحي.

    أما إذا كانت الغاية من القتل ارتكاب جريمة أو التخلص من عقاب جريمة ذات وصف جنائي، فيطبق عندئذ التشديد الوارد في المادة 535، ليصبح العقاب الإعدام وبالتالي فإن وصف الجريمة التي ارتكب القتل من أجلها هو الذي يحدد مقدار التشديد، والنص الواجب التطبيق.

    أما الحكمة من تشديد العقاب لهذا السبب فتتمثل في الخطورة البالغة الشخصية المجرم الذي يتخذ القتل، وهو من أخطر الجرائم، كوسيلة لتنفيذ جريمة أخرى أو للتخلص من مسؤوليتها ؛ مما يدل على مدى استخفافه بأرواح الناس.

     والمستغرب في موقف المشرع اقتصاره على الجنح والجنايات وإغفال المخالفات.

    فالشخص الذي يقتل تمهيداً الارتكاب مخالفة أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها لا يشدد عقابه بالرغم من توفر علة التشديد في المخالفات من باب أولى.

     فمن يقتل ليرتكب مخالفة لهو أخطر وأشد استخفاف بالقيم من ذاك الذي يقتل ليرتكب جنحة أو جناية.

    فالشخص الذي لا يتورع عن إزهاق روح إنسان كي يتسنى له ارتكاب مخالفة سير مثلا، أو للتهرب من مسئوليتها، لهو أولى بتشديد العقاب عليه من ذاك الذي يقتل بغاية السرقة جنحية كانت أو جنائية.

    وبتحليل الفقرة الثانية من المادة 534 يلاحظ أنها تحتوي على حالتين من حالات التشديد.

     

    الحالة الأولى:

    عندما يقدم الفاعل على القتل تمهيدا لارتكاب جنحة أو تسهیل ارتكابها أو تنفيذا لها، أي لارتكابها بالفعل.

    – والتمهيد هنا يعني اللجوء للقتل كعمل تحضيري لارتكاب الجنحة، أي أن القتل يقع قبل البدء بتنفيذ الجنحة. كمن يقتل أحد الأشخاص ليمهد لنفسه أو لغيره نشل محفظته.

     ويشدد عقاب القاتل هنا ولو لم ترتكب جريمة النشل لأي سبب من الأسباب، مادام النشل هو الغاية التي دفعت الفاعل للقتل.

     – أما تسهیل ارتكاب الجنحة أو تنفيذها ففيها يتزامن القتل مع ارتكاب الجنحة أو البدء بتنفيذها .

     كالنشال الذي يقتل ضحيته کي يستطيع إتمام نشل محفظته، أو يقتله عندما يضبطه، وهو يحاول نشله.

    الحالة الثانية:

    عندما يقدم الفاعل على القتل للتخلص من المسئولية الناشئة عن الجنحة. وتفترض هذه الحالة أن يقع القتل بعد ارتكاب الجنحة، للتمكن من الهرب، أو للإفلات من الملاحقة أو التوقيف أو المحاكمة.

    ومثالها أن يقترف الفاعل جنحة السرقة وينتبه عليه المجني عليه فيحاول الإمساك به، فلا يجد طريقة إلا قتله ليستطيع الهرب.

     أو يلاحقه رجل أمن، فلا يستطيع السارق الإفلات منه إلا بقتله ليتخلص من التوقيف.

     أو أن يلجأ السارق إلى قتل الشاهد الذي شاهده وهو يسرق، كي لا يدان بعقوبة السرقة.

    نستخلص من الحالتين السابقتين نتيجة مفادها:

    أنه ليس كل تلازم بين جريمة القتل وجنحة يعتبر كافيا لتشديد عقوبة القتل، بل لا بد أن يكون القتل هو الذي ساعد على ارتكاب الجرم الآخر، وذلك بإحدى الحالات المنصوص عليها قانونا (التمهيد أو التسهيل أو التنفيذ).

     ولابد أن يكون هناك علاقة سببية بين الجنحة والقتل، أي يجب أن تكون الجنحة هي سبب وقوع القتل لا العكس.

    فإذا كانت الجنحة هي التي مهدت للقتل أو سهلت ارتكابه فلا يتحقق التشديد القانوني.

     فحمل سلاح دون ترخيص يشكل جرماً جنحوي الوصف. فإذا تم القتل به فلا يمكن أن يؤدي إلى تشديد عقاب القتل.

     وإقدام الجاني على قتل ضحيته، ثم خطر بباله سرقة نقوده، فهذا أيضا لا يتوافر سبب التشديد، لأن السرقة لم تكن هي الدافع على القتل، ولم تكن الهدف الذي ارتكب الفاعل القتل من أجل تحقيقه.

    وتجدر الإشارة إلى أن النص القانوني في هاتين الحالتين لا يشترط أن يكون القاتل هو نفسه مرتكب الجنحة.

    بل يستوي في ذلك أن يكون الفاعل قد قتل تمهيدا أو تسهيلا أو تنفيذا لجنحة يرتكبها هو أو سواه، أو أن يقتل ليساعد نفسه أو يساعد غيره على الهرب أو التملص من المسئولية، سواء كان هو أم كان الأخر فاعلا للجنحة أو متدخلا فيها أو محرضا عليها.

     ولقد أشارت الفقرة الثانية من المادة 334 إلى هذه الصورة بصراحة عندما أوجبت التشديد على القائل “.. تسهيلا لفرار المحرضين على جنحة أو فاعليها أو المتدخلين فيها، أو للحيلولة بينهم وبين العقاب”.

    كما يستوي في نظر القانون، لتوافر سبب التشديد، أن يكون المجني عليه هو ذاته من وقع عليه القتل والجنحة، أو يكون المقتول شخصا أخر غير المجني عليه في الجنحة.

     فيستوي إذن أن يقع الفعلين على شخص واحد: کمن يتعرض للقتل بغاية سرقة أمواله، أو أن يكون لكل فعل منهما ضحية مختلفة: كمن يتعرض للقتل لأنه شاهد السرقة الواقعة على

  • ماهو القتل لسبب سافل؟

     القتل لسبب سافل

    لم يورد النص تعريفاً للسبب السافل، تاركاً للقاضي أن يستخلصه من الظروف المحيطة بالمجرم والجريمة.

     والمقصود بالسبب السافل كل سبب مناف للقيم الأخلاقية والاجتماعية السائدة في المجتمع. فيدخل في إطاره:

    القتل بسبب الجشع المادي، أو الغيرة والحسد، أو الانتقام، أو الشهوة الجنسية، أو أي مظهر آخر من مظاهر الانحطاط الخلقي أو الاجتماعي.

    ومن أمثلته:

    القتل تلذذاً لإشباع الشهوة الجنسية،

    قتل المدين لدائنة للتخلص من التزامه بوفاء الدين،

    القتل نتيجة غش بلعبة قمار، قتل الزوج من قبل عشيق الزوجة، أو من كلاهما معاً، ليخلو لهم الجو،

    القتل الواقع على المورث من قبل قريب، ليس أصله أو فرعه، للحصول على الميراث،

    قتل التاجر التاجر أخر منافس، انتقاما منه على صفقة أو مناقصة رست عليه.

    وكما أسلفنا فإن السبب السافل يدخل ضمن إطار الدافع، وقد اعتبر المشرع السوري بنص المادة 193 الدافع الشائن سبباً مشدداً عاماً لعقاب جميع الجرائم.

     أما نص المادة 334 فالتشديد فيها للسبب السافل يعتبر سبب خاص بجرم القتل.

    والقاعدة العامة عند شمول نصين لموضوع واحد، أحدهما عاماً والأخر خاصاً، يطبق النص الخاص.

  • ماهي أسباب وظروف تشديد عقوبة القتل في القانون السوري؟

    القتل المقصود المشدد

    إن جرائم القتل المقصود المشدد لا تعتبر جرائم مستقلة قائمة بذاتها، بل هي جرائم قتل مقصود بسيط ترافقت مع ظرف من ظروف التشديد الواردة في المادتين 534- 335 من قانون العقوبات.

     وهذا يعني ضرورة توافر أركان القتل البسيط فيها مضافا إليها الظرف المشدد.

     وهذه الظروف التي ارتأى المشرع السوري، أسوة بالتشريعات الأخرى، اعتبارها مشددة لجرم القتل تستند في الغالب على معيار خطورة الفاعل أو إمعانه في الإجرام أو استهتاره بالقيم والمشاعر الإنسانية المتعارف عليها.

     ولقد شددت المادتين المذكورتين عقاب القتل إما إلى الأشغال الشاقة المؤبدة وإما إلى الإعدام.

    يستخلص من ذلك أن عقوبة القتل البسيط وهي الأشغال الشاقة المؤقتة من 15 إلى 20 سنة تصبح أشغال شاقة مؤيدة إذا توفر في القتل أحد الظروف الواردة في المادة 534، والإعدام إذا توفر أحد الظروف الواردة في المادة 535.

    ويمكننا تصنيف ظروف التشديد الواردة في المادتين المذكورتين بردها إلى المعايير التالية:

    1- التشديد تبعا لقصد الجاني (العمد)

     2- التشديد تبعا للطريقة التي نفذ فيها القتل (التعذيب)

     3- التشديد تبعا للدافع على ارتكاب القتل (القتل لسبب سافل – القتل للحصول على المنفعة الناتجة عن الجنحة- أو تمهيداً للجريمة أو تسهيلاً لتنفيذها أو للتهرب من عقابها)

     4- التشديد تبعا للمجني عليه: ويأتي ضمنه التشديد المبني على صفة خاصة بالمجني عليه الموظف والحدث)،  والتشديد المبني على تعدد المجني عليهم، والتشديد المبني على صلة القربي (الأصول والفروع).

    – استنادا لهذه المعايير، سنتناول بالشرح ظروف التشديد من خلال: .

    ظروف التشديد الواردة في المادة 534، التي تجعل العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة.

    وظروف التشديد الواردة في المادة 535، التي تجعل العقوبة الإعدام.

     

    ظروف التشديد التي تجعل عقوبة القتل الأشغال الشاقة المؤبدة المادة(534)

    تنص المادة 534 من قانون العقوبات على ما يلي:

    يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة على القتل قصدا إذا ارتكب:

    1- لسبب سافل

     2- تمهيدا لجنحة أو تسهيلا أو تنفيذا لها أو تسهيلا لفرار المحرضين على تلك الجنحة أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب

     3- للحصول على المنفعة الناتجة عن الجنحة

    4- على موظف أثناء ممارسته وظيفته أو في معرض ممارسته لها

     5- على حدث دون الخامسة عشرة من العمر

     6- على شخصين أو أكثر

     7- في حالة إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص”.

    استنادا إلى التصنيف المشار إليه سابقا، نستخلص من هذا النص، أن المشرع السوري شدد عقاب القتل المقصود إلى الأشغال الشاقة المؤبدة تبعا للمعايير التالية: الدافع – صفة المجني عليه طريقة التنفيذ.

    ظروف التشديد التي تجعل عقوبة القتل الإعدام (المادة 535)

    تنص المادة 535 من قانون العقوبات على ما يلي:

    يعاقب بالإعدام على القتل قصدا إذا ما ارتكب:

    1- عمداً

     2- تمهيداً لجناية أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها أو تسهيلاً لفرار المحرضين على تلك الجناية أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب.

     3- على أحد أصول المجرم أو فروعه”.

    يستخلص من هذا النص أن المشرع شدد عقاب القتل المقصود إلى الإعدام استنادا إلى معيار قصد الجاني في الفقرة الأولى، والدافع إلى ارتكاب الجريمة في الفقرة الثانية، وصفة المجني عليه في الفقرة الثالثة.

  • ماهو تأثير ظروف النشاط الجرمي على قيام القصد في جرم القتل؟

    تأثير ظروف النشاط الجرمي على قيام القصد

    عندما يتحقق قصد الفاعل على الصورة التي بيناها، يتوفر عنصرا لعلم بأركان الجريمة، واتجاه الإرادة نحو النشاط والنتيجة معا، يتوفر الركن المعنوي لجرم القتل المقصود البسيط. ولا عبرة بعد ذلك للظروف الأخرى التي يمكن أن ترافق الفعل الجرمي:

    فلا عبرة بكون القصد محددا أو غير محدد، ولا بالوسيلة المستخدمة في القتل، ولا بالدافع إليه، ولا بالغلط في شخص المجني عليه.

    فكل هذه الظروف لا تعتبر من عناصر الركن المعنوي لجرم القتل المقصود وليس لها أثر في تكوينه.

    أولا – القصد المحدد والقصد غير المحدد

    يكون القصد محدداً في القتل عندما يهدف الفاعل إلى قتل شخص أو عدة أشخاص معينين بالذات.

    أما عندما ينصب هدفه على قتل شخص أو أشخاص لا على التعيين، فيكون القصد غير محدد.

     و المثال التقليدي على القصد غير المحدد، إلقاء متفجرة في مكان عام، أو سوق، أو احتفال … ويستوي من حيث المسئولية أن يكون القصد محددا أو غير محدد.

     وعلة المساواة تكمن في توفر القصد في الحالتين. فكلاهما قصد مباشر تنصب فيه إرادة المجرم على النشاط و على النتيجة.

     والنتيجة في القتل هي إزهاق روح إنسان حي، أيا كان، بغض النظر عن شخصيته أو عن تعيينه بالذات.

    ثانياً – القصد والوسيلة المستخدمة في القتل 

    لا عبرة للوسيلة المستخدمة في القتل في توفر القصد الجرمي.

     فقد يستعمل الفاعل أداة غير قاتلة بطبيعتها كوسيلة في القتل، ويوجه إرادته إلى استعمال هذه الوسيلة، والى تحقيق الوفاة من خلالها. فالعصا الصغير أو سكين المطبخ ليستا أسلحة قاتلة بطبيعتها.

    إلا أن إصرار الفاعل على القتل بهما جائز وممكن من خلال متابعة الطعن بالسكين في أماكن مختلفة من جسم الضحية، أو الضرب المتكرر بالعصا الصغيرة.

     بالمقابل، قد يستعمل الفاعل سلاحاً قاتلاً بطبيعته، كالمسدس، دون أن تتجه إرادته إلى إحداث الوفاة.

     كما لو أراد شخص تخويف شخص أخر لدفعه للهرب بإطلاق النار في الهواء، فاختل توازنه أثناء الإطلاق، فأصابت الرصاصة الشخص المراد تخويفه، فأردته قتيلا.

    فسيان إذن أن تكون الوسيلة المستخدمة في القتل قاتلة بطبيعتها أم لا في توفر القصد الجرمي.

     بالمقابل تعتبر هذه الوسيلة أحيانا قرينة على استخلاص النية في القتل، وان كانت قرينة نسبية قابلة لإثبات العكس.

     فيمكن استخلاص نية القتل من خلال استعمال سلاح ناري، والإصابة في مقتل، کالرأس أو القلب.

    كما يمكن اعتبار الوسيلة غير القاتلة قرينة على انتفاء النية، عند عدم ظهور ما يثبت خلاف ذلك. والخلاصة، إن وسيلة القتل لا يعتد بها في تكوين الركن المعنوي، وان كان يمكن الاستناد إليها في استخلاص النية أو نفيها.

    ثالثاً – القصد والدافع

    عرفت المادة 191 من قانون العقوبات الدافع في فقرتها الأولى بأنه

     “العلة التي تحمل الفاعل على الفعل، أو الغاية القصوى التي يتوخاها”.

    وقضت في فقرتها الثانية بأن الدافع لا يكون “عنصراً من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي عينها القانون.

     يستخلص من نص الفقرة الثانية أنه عندما يعتبر الدافع عنصرا من العناصر التي تتكون منها الجريمة، معنى ذلك أنه أضحى مطلوباً كقصد جرمي خاص، إضافة للقصد الجرمي العام.

    إذن، في القتل، ما دام قد توفر العلم والإرادة، فسيان أن يكون الدافع لارتكاب القتل الانتقام أو الثأر أو الجشع أو الشفقة أو الدفاع عن مبدأ أو عقيدة.

     فالوصف يبقى قت مقصودة مهما كان الدافع إليه، ولا تأثير له في تكوين الركن المعنوي القتل .

     إلا أن المشرع قد اعتبر في القتل المخفف و المشدد الدافع عنصرا في تكوين الجريمة وفق النموذج القانوني المطلوب، مستلزماً توفر الدافع، كقصد جرمی خاص لقيام هذه الجريمة المخففة أو المشددة بالذات.

    فكما رأينا سابقا، فإن القتل المخفف الوارد في المادة 537، يستلزم لتخفيف العقاب على المرأة التي تقتل وليدها، أن يكون دافعها لذلك هو اتقاء العار.

     كما أن القتل المخفف الوارد في المادة 538يستلزم لتخفيف العقاب على القاتل أن يكون بدافع الشفقة.

    فاتقاء العار والشفقة مطلوبان، كقصد جرمي خاص، لقيام النموذج القانوني لهذين الجرمين.

    وعند انتفاء هذا القصد الخاص يبقى الوصف الجرمي للفعل قتلاً بسيطاً.

     كما شدد المشرع عقوبة القاتل الذي أقدم على فعله تمهيداً لارتكاب جريمة أو تسهيلاً لفرار فاعليها في المادة 535 من قانون العقوبات.

     فالتمهيد أو التسهيل هنا هو الدافع لارتكاب القتل، بالتالي يتطلبه المشرع كقصد جرمي خاص لهذا النموذج القانوني المشدد لجرم القتل.

     إضافة إلى اعتبار المشرع الدافع عنصراً في تكوين بعض الجرائم، داخلا في متطلبات عناصر الركن المعنوي فيها، كقصد جرمي خاص، فلقد أخذ المشرع الدافع بعين الاعتبار ليرتب عليه أثراً قانونياً، كعذر مخفف أو كسبب مشدد للعقاب، دون أن يتطلبه القانون عنصراً من عناصر الجريمة، أو قصد جرمية خاصة.

    فلقد قضى في المادة 192 من قانون العقوبات بتخفيف عقاب أية جريمة إذا كان الدافع إلى ارتكابها شريفاً ؛ وبتشديد عقابها، في المادة 193، إذا كان الدافع إلى ارتكابها شائناً.

     

    رابعاً – القصد والغلط في الشخص أو في الشخصية

    يتحقق الغلط في الشخص عندما يخطئ الفاعل فيصيب غير الذي كان يقصده، أو يصيب من كان يقصده ويتجاوزه إلى شخص أخر، فالخطأ في الشخص يعني الخطأ في التنفيذ أو في توجيه الفعل .

     كما لو أطلق الجاني النار على خصمه فأصاب شخصا أخر مارا بجواره، أو أصاب خصمه و شخصا أخر معه.

     أما الغلط في الشخصية فيتحقق عندما يوجه الفاعل نشاطه الإجرامي نحو شخص ما معتقدا أنه شخص آخر .

     كما الو أطلق الجاني النار على بكر معتقدا أنه خصمه زيد. والمبدأ، كما أسلفنا، أن المشرع يحمي بجرم القتل حياة الإنسان بغض النظر عن شخص المجني عليه عندما يخطئ الفاعل في التنفيذ، أو عن شخصية المجني عليه، عندما يخطئ الفاعل في هوية ضحيته.

     فما دام الجاني قد قصد إزهاق روح إنسان حي، فإن جرم القتل المقصود يتحقق، ولا يعتد بالغلط الذي وقع به في قيام الركن المعنوي .

    ولقد كرس المشرع السوري هذا المبدأ في نص المادة 205 من قانون العقوبات. ونصها:

    “1- إذا وقعت الجريمة على غير الشخص المقصود بها عوقب الفاعل كما لو كان اقترف الفعل بحق من كان يقصد.

    2- وإذا أصيب كلاهما أمكن زيادة النصف على العقوبة المذكورة في الفقرة السابقة”.

     نستنتج من هذا النص أن المشرع السوري ساوي في الحكم بين الغلط في الشخص أو في التنفيذ وبين الغلط في الشخصية، معتبرا أنه لا تأثير لذلك الغلط، مهما كان سببه، على قيام الركن المعنوي لجرم القتل المقصود.

     فما دام الفاعل قد وجه إرادته نحو إزهاق روح إنسان حي، فلا عبرة بعد ذلك إن أخطأ في التنفيذ فأصاب شخص آخر غير المقصود، أو أخطأ في الشخصية، فأصاب شخصا معتقدا أنه المقصود.

    والملاحظ أن المشرع، من خلال نص الفقرة الثانية من المادة السابقة، قد شدد عقاب الفاعل إذا أخطأ في التنفيذ وأصاب الشخص المقصود و شخصا آخر غير المقصود، بزيادة نصف عقوبة جرم القتل المقصود في هذه الحالة ؛ ولم يعتبر هذه الواقعة جريمتين، قتل مقصود وقتل غير مقصود، بل جريمة واحدة مركبة ، ما دامت قد نتجت عن فعل واحد، تعددت نتائجه الجرمية، معتبرا تعدد الجرائم ظرفاً مشدداً للعقاب.

    وهذا الحكم يشكل استثناء للقاعدة التي أقرها المشرع السوري في المادة 204 من قانون العقوبات، التي تقضي بإدغام العقوبات في حالة تعدد الجرائم المادي، أي تنفيذ عقوبة الجرم الأشد.

    بالتالي، نستطيع القول أنه لا مجال لتطبيق القواعد العامة المتعلقة باجتماع الجرائم المادي على حالة الغلط في الشخص أو في التنفيذ.

    خامساً- إثبات قصد القتل (نية إزهاق الروح)

    إن القصد الجرمي المتمثل بنية إزهاق الروح وحده الذي يميز القتل المقصود عن غيره من جرائم الدم، كالقتل غير المقصود أو الإيذاء المفضي إلى الموت، ما دامت هذه الجرائم كلها تتحد في أركان جريمة القتل الأخرى: ركن المحل والركن المادي.

    والنية عبارة عن أمر داخلي خفي لا يدرك بالحس الظاهر، وإنما يمكن استخلاصه من الظروف المحيطة بالدعوى والقرائن والأمارات و المظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتكشف عما يضمره في نفسه .

     واستخلاص هذه النية مسألة موضوعية يعود تقديرها لمحكمة الموضوع دون تعقيب أو رقابة من محكمة النقض.

    إلا أن ذلك يبقى مشروط بأن يكون استخلاص المحكمة النية سائغة، وأن تكون الوقائع والظروف التي استندت عليها المحكمة، وأسست عليها استخلاص النية، تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي رتبتها عليها، وأن لا يكون فيما استنتجته المحكمة من ثبوت النية من وقائع الدعوى أو ظروفها شطط أو مجافاة لتلك الوقائع .

    أما ظروف الدعوى والقرائن والأمارات والمظاهر الخارجية التي يستدل بها على وجود النية فهي:

    الظروف المحيطة بالواقعة: كالعلاقة بين الجاني والمجني عليه من نزاع أو ثأر أو تهديد أو ضغينة.

     والظروف التي نفذ فيها الفعل : كالترصد والتمثيل بالجثة وتكرار الطعنات أو الطلقات النارية.

     وظروف الجاني: كوجود سوابق له.

    والغرض الذي كان يسعى إلى تحقيقه: کالجشع والطمع.

     والوسائل التي استعملها لاقتراف الفعل، وموضع الإصابة وجسامتها ، وما إلى ذلك.

     فقد تستخلص المحكمة نية إزهاق الروح من الأداة التي استخدمها الفاعل ولو كان موضع الإصابة في مكان غير قاتل : كما لو استخدم الجاني سلاحا ناريا وأطلق منه النار على غريمه قاصدا قتله، فلم يصبه في مقتل لعدم خبرته في استعمال السلاح الناري.

     وقد تستخلصها المحكمة من إصابة المجني عليه في مقتل ولو بأداة غير قاتلة بطبيعتها: كالعصا الصغيرة إذا استعملت بشكل لا يدع مجالا للشك بوجود نية القتل، كتكرار الفاعل الضربات بها على رأس ضحيته حتى تهشم ومن باب أولى يصح استخلاص نية القتل من نوع الأداة المستخدمة إذا كانت قاتلة بطبيعتها ومن إصابة المجني عليه في مقتل، كالقلب أو الرأس.

    – وبهذا ننهي دراسة جريمة القتل البسيط الواردة في المادة 533 من قانون العقوبات. وهي الجريمة الأساس لجميع جرائم القتل المقصود، بعد أن حللنا أركانها الثلاثة التي يجب أن تتوفر في جميع جرائم القتل المقصود: بسيطا كان أو مشددة أو مخفف.

    وبالرغم من كفاية هذه الأركان القيام جرم القتل البسيط، فهي غير كافية لقيام جرائم القتل المشدد أو المخفف. تلك الجرائم التي لا بد أن تنضم فيها إلى الأركان السابقة، أسباب وظروف و عناصر إضافية تدعو إلى التشديد أو التخفيف، تم النصعليها في المواد 534 حتى 539 من قانون العقوبات.

  • ماهو القصد العام والقصد الخاص في جرم القتل؟

    القصد العام والقصد الخاص في جرم القتل

    إن القصد الجرمي العام، الذي يتطلبه القانون في كافة الجرائم المقصودة، يستلزم لتوافره عنصري العلم والإرادة.

    والعلم يجب أن ينصب، كما أسلفنا، على أركان الجريمة.

    والإرادة يجب أن تتجه إلى ارتكاب الفعل الجرمي وإلى تحقيق النتيجة التي تترتب على هذا الفعل.

    أما القصد الجرمي الخاص، ففيه يتطلب المشرع، لقيام الركن المعنوي، في بعض الجرائم، إضافة لتوافر القصد العام بعنصرية، أن تتصرف نية الفاعل إلى تحقيق غرض معين أو باعث معين.

     والمبدأ أنه لا عبرة للباعث أو الدافع على ارتكاب الجريمة في قيام الركن المعنوي فيها.

    إلا أن القانون قد يعتبر هذا الباعث أو الدافع عنصرا من عناصر التجريم، حين يشترط توافره، كقصد جرمي خاص، بحيث تنتفي الجريمة بانتفاء هذا القصد الخاص، أو على الأقل يتبدل النموذج القانوني للجريمة من وصف إلى أخر.

     وبخصوص جرم القتل، وبيان ما إذا كان يكتفي فيه بالقصد العام أم يشترط توافر قصداً جرمیاً خاصاً، لابد من العودة إلى تعريف جرم القتل الذي هو إزهاق روح إنسان حي.

     فهذه الجريمة إذن لا تتحقق إلا إذا انصب العلم والإرادة على الفعل المكون للجريمة وعلى نتيجته، أي الوفاة.

     فعندما تتجه إرادة الجاني إلى إزهاق روح المجني عليه تقوم جريمة القتل، فإن مات المجني عليه اعتبر الجرم قتلاً تاماً، وإن لم يمت وقفت الجريمة عند حد الشروع وباعتبار أنه لابد أن تنصرف الإرادة نحو إزهاق الروح، أي توفر نية القتل، فهل تعتبر هذه النية قصدا خاصا أم عام؟

    سبق و أشرنا أن القصد الخاص يتضمن ابتداء القصد العام.

     فإذا قلنا أن نية إزهاق الروح في القتل هي قصد خاص، فهذا الكلام لا يستقيم إطلاقاً، باعتبار أن هذه النية تدخل في مفهوم القصد العام ( إرادة الفعل والنتيجة ).

    فالقصد العام في القتل لا يتوافر إلا إذا انصب العلم والإرادة على النشاط الجرمي وعلى النتيجة، وبالتالي فإن نية القتل تدخل في عناصر القصد العام.

    وإذا قلنا بأن المساس بالسلامة الجسدية للمجني عليه هو القصد العام في القتل، وإرادة إزهاق الروح تشكل القصد الخاص فيه، فهذا الكلام لا يستقيم أيضا، باعتبار أن فعل المساس بالسلامة الجسدية، دون نية القتل، يكون القصد الجرمي العام لجرائم الإيذاء .

     إذن ما دام يلزم لتوافر القصد الجرمي العام اتجاه الإرادة، في آن واحد، إلى الاعتداء و إلى إحداث النتيجة، وهي إزهاق الروح، فلا داعي للحديث عن ضرورة توافر قصد خاص في جرم القتل، يتمثل في نية إزهاق الروح، تلك النية المطلوب توفرها أصلا لقيام القصد العام .

    إذن كي نتحدث عن قصد خاص في جرم القتل يجب أن تنصرف إرادة الفاعل إلى تحقيق غاية أبعد من الوفاة، أو أن يتجلى هذا القصد في صورة باعث أو دافع يحرك إرادة الفاعل نحو إزهاق روح الضحية.

     والقانون، كما أسلفنا لا يتطلب ذلك في الركن المعنوي لجرم القتل.

     ونية إزهاق الروح، كقصد جرمی عام، هو المطلوب توافره في جميع جرائم القتل المقصود، سواء كان بسيطاً أو مخففاً أو مشدداً.

     إلا أن القانون اشترط، إضافة لهذا القصد العام، توفر قصد جرمي خاص كي يقوم النموذج القانوني المطلوب لجرم القتل المخفف أو المشدد.

    والمثال على ذلك: القتل اتقاء للعار.

     فلقد عاقب المشرع بنص المادة 537 عقوبات الأم التي تقتل وليدها التي حملت به سفاحاً اتقاء للعار، بعقوبة أخف من عقوبة جرم القتل البسيط، أي اعتبر القتل مخففاً.

    وسبب التخفيف هنا توفر القصد الجرمي الخاص بهذه الجريمة، وهو اتقاء العار.

     أما إذا لم يتوفر هذا القصد الخاص، فتبقى الجريمة قتلاً بسيطاً، لقيام القصد العام.

     والمثال الآخر على اعتبار القتل مشددا إذا توفر القصد الخاص بالقتل تمهيدا لارتكاب جريمة أو تنفيذها أو تسهيل فرار فاعليها، مضمون المادة 335 من قانون العقوبات.

     فعند توفر هذه الغاية لدى القاتل اعتبر ذلك قصداً جرمياً خاصاً موجباً لاعتبار القتل مشدداً. و غياب هذا القصد الخاص يبدل النموذج القانوني للوصف الجرمي من قتل مشدد إلى قتل بسيط، وذلك لتوافر القصد الجرمي العام أصلا.

    – متى ينبغي توافر القصد الجرمي؟

    يجب أن يتوفر القصد الجرمي في كل الجرائم المقصودة ومنها القتل وقت ارتكاب الفعل. ولا عبرة بعد ذلك إذا توفر عند تحقيق النتيجة أم لا.

    فإذا ثبت أن الفاعل قد أراد إزهاق روح الضحية عند مباشرته لاعتدائه اعتبر القتل مقصودا، ولو تغيرت هذه النية عند حدوث النتيجة.

    والمسألة لا تثير أية صعوبة إذا حصلت النتيجة مباشرة بعد الاعتداء. كما لو أطلق الجاني النار على خصمه بنية قتله، فمات فورا.

     إلا أن المسألة تصبح أكثر تعقيدا إذا لم يمت المجني عليه فورا، وتغيرت نية الفاعل.

     فلو أن المجني عليه، في المثال السابق، لم يمت من الطاقة، وندم الفاعل على فعلته، وتغيرت نيته، وحاول إنقاذ ضحيته، إلا أن محاولته فشلت، وماتت الضحية بعد فترة من الزمن. فالمبدأ، كما قلنا، أنه يلاحق كقاتل قصدا ما دامت النية قد توفرت عند ارتكاب الفعل، بغض النظر عن تغيرها عند النتيجة.

    ولكن ما القول إذا نجحت مساعي الفاعل واستطاع إنقاذ حياة خصمه الذي أطلق عليه النار قاصدا قتله؟

     يطلق الفقه الجزائي على هذه الحالة تعبير “الندم الإيجابي”.

    وقد عالجها المشرع السوري في المادة 200 من قانون العقوبات.

    حيث أجاز للقاضي تخفيض العقوبة إلى حد ثلاث عقوبة الشروع التام في القتل.

    والمعروف أن عقوبة الشروع التام هي نصف عقوبة الجرم التام.

     إذن اعتبر المشرع السوري حالة الندم الإيجابي ظرفا مخففا للعقاب.

    ويثار في هذا المجال فرضية عدم توفر القصد الجرمي عند ارتكاب الفعل، وتوفره عند النتيجة الجرمية.

    وعدم توفر القصد الجرمي عند مباشرة النشاط يعني بالضرورة أن الفاعل ارتكب خطأ مفضية إلى إزهاق الروح، ثم تنتبه إلى خطأه قبل حدوث النتيجة، فتوفرت نية القتل في هذه اللحظة وظلت مستمرة حتى حصول الوفاة، دون أن يتدخل الفاعل ليتلافى حصولها.

    والمثال التقليدي الذي يذكره شراح القانون لهذه المسألة :

     حالة الصيدلي الذي يخطئ في تركيب الدواء للمريض، فيضع فيه مادة قاتلة عن غير قصد، ثم يتنبه إلى خطأه بعد تسليم الدواء للمريض، ويمتنع عن لفت نظره إلى هذا الخطأ، بالرغم من قدرته على ذلك، ولا يحاول إيقاف المريض عن تناول الدواء السام قاصداً من ذلك إزهاق روحه، فيتناوله المريض ويموت.

    والمبدأ في هذه الفرضية أن الفاعل لا يسأل إلا عن جريمة قتل غير مقصود، نتيجة للخطأ الذي وقع به، ولعدم توفر نية القتل عند مباشرة النشاط الخاطئ، وتوفرها عند النتيجة، ففي هذه الحالة لا تصلح هذه النية كر كن معنوي للقتل المقصود.

    إلا أن تطبيق هذا المبدأ مشروط بأن تكون الأمور قد خرجت عن سيطرة الفاعل، ولم يعد بإمكانه التدخل لتلافي حصول النتيجة.

     ففي هذه الحالة لا يبدل امتناعه عن التدخل الوصف الجرمي للفعل كقتل غير مقصود أما إذا كانت الأمور لا زالت تحت سيطرته، وكان بإمكانه التدخل لتلافي وقوع النتيجة، فيمتنع مع ذلك قاصد إزهاق روح الضحية، فيسأل عندئذ عن جريمة قتل مقصود.

     وتبرير ذلك أن مبدأ عدم الاعتداد بالنية عند النتيجة مرهون بثبوت انتهاء الفعل قبل ظهور القصد، إذ بغير ذلك يبقى القصد معاصرة للفعل .

     و معیار انتهاء الفعل هو زوال السيطرة الإرادية على الفعل وعلى آثاره الضارة. فما دام الفاعل مسيطرا على فعله وآثاره الضارة، يبقى الفعل مستمرا، أي لم ينته بعد، فإن ظهرت النية لديه عندئذ اعتبر فعله مقصودة، وذلك لأن النية عاصرت الفعل

  • ماهو القصد الاحتمالي والنتائج الاحتمالية في جريمة القتل؟

    القصد الاحتمالي والنتائج الاحتمالية

    يجب التمييز بين القصد الاحتمالي بالمعنى المقصود في المادة 190، وبين النتائج الاحتمالية التي خالف بها المشرع، ينصوص صريحة وحالات خاصة، المبدأ الذي أقره في المادة المذكورة، بإلقاء عبء هذه النتائج الاحتمالية على الفاعل لمجرد أنها حصلت من فعله ولو لم ينصرف إليها قصده أو يوجه إليها إرادته أو يقبلها، بل ولو لم يتوقعها إطلاقاً.

    والمثال على ذلك في جرم القتل ، نص المادة 536 من قانون العقوبات التي عاقبت على التسبب بموت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو العنف أو الشدة أو أي عمل آخر مقصود”.

    فلو ضرب أحدهم خصمه لكمة على وجهه قاصداً المساس بسلامته الجسدية، ولم يقصد قتله، فمات المجني عليه من آثر اللكمة.

     فالفاعل يسأل بحسب النص المذكور عن وفاة الشخص، بالرغم من عدم اتجاه إرادته إلى هذه النتيجة، التي اتجهت أصلاً إلى مجرد المساس بسلامته البدنية.

     فهذا الجرم ليس في واقع الأمر سوى قتل خطأ لو لم يجعل منه المشرع جر ماً خاصاً، معرباً عن رغبته في أن يكون الفاعل مسؤولاً عن النتيجة الحاصلة، الوفاة، التي تجاوزت قصده، وإن لم يكن يتوقع حدوثها حين إقدامه على الضرب.

    فالقانون اعتبر الضرب أو اللكم الذي أفضى إلى الوفاة يتضمن بذاته خطر وقوع هذه النتيجة، وقد كان على الفاعل أن يأخذ بعين الاعتبار احتمال وقوعها.

     لذلك يعاقب القانون هذا الشخص على هذه النتيجة الاحتمالية الضارة، لمجرد حصولها، وإن لم تكن متوقعة أو محتملة الوقوع في ظروف ارتكاب الفعل.

  • ماهو القصد المباشر والقصد الاحتمالي في جريمة القتل؟

    القصد المباشر والقصد الاحتمالي في القتل

    يكون القصد مباشراً عندما يقصد الفاعل النتيجة ويعمل على تحقيقها. فعندما يكون إزهاق الروح متوقعا من الجاني كنتيجة حتمية ولازمة لفعله، نكون بصدد القصد المباشر.

     وعلى هذا فمن يطلق النار على رأس خصمه لقتله، فيموت، يسأل عن قتل مقصود استنادا لقصده المباشر.

     فهو أراد النتيجة وعمل لتحقيقها. أما القصد الاحتمالي فيكون عندما يقصد الفاعل نتيجة معينة ويعمل لتحقيقها، ولكنه يتوقع حصول نتیجة أخرى غير النتيجة التي أرادها، وان كان قدر احتمال وقوعها، فيرضى بها، ويتحمل المخاطرة، في سبيل تحقيق غرضه الأساسي .

     فلو وضع الجاني السم في طعام خصمه بنية قتله، ولكنه توقع أن يأكل معه صديقه في ذلك اليوم فيموت، فلم يمنعه ذلك من المضي في نشاطه الإجرامي، راضيا بقتل الشخص الأخر، كنتيجة محتملة، قد تقع وقد لا تقع، في سبيل الوصول إلى قتل خصمه، كنتيجة لازمة وحتمية لفعله.

     يلاحظ بهذا المثال أن الجاني قد توفر لديه قصد مباشر بالنسبة لخصمه، وقصد احتمالي بالنسبة للصديق.

    والقصد الاحتمالي هنا بمثابة القصد المباشر، فيلاحق الفاعل عن قتل مقصود للخصم وللصديق إذا توفيا، وعن شروع في القتل إذا لم تتحقق النتيجة لظرف خارج عن إرادة الفاعل.

     إذن الفرق بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي هو أن الأول يفترض فيه توقع الفاعل حدوث النتيجة الجرمية على نحو يقيني كأثر أكيد ولازم لفعله.

     أما الثاني فيفترض فيه علم الفاعل بحدوث النتيجة الجرمية على نحو احتمالي، فمن المتوقع أن تقع ومن المتوقع أن لا تقع، ومع ذلك يمضي الفاعل في مشروعه الإجرامي، راضية بتحمل المخاطرة .

    وقد نصت المادة 188 من قانون العقوبات السوري على القصد الاحتمالي بقولها تعد الجريمة مقصودة وان تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقيل بالمخاطرة”.

    من هذا النص نلاحظ أن المشرع السوري ألحق القصد الاحتمالي بالقصد المباشر وساوى بينهما في المسئولية والعقاب، مادام الفاعل في القصد الاحتمالي قد توقع النتيجة فقيل بالمخاطرة، أي قبل بالنتيجة.

    إلا أن موقف المشرع السوري من القصد الاحتمالي يختلف في حالة إذا توقع الفاعل وقوع النتيجة الجرمية ولم يقبل بها، بل حسب أن بإمكانه تجنبها وتلافي وقوعها معتمدا على مهارته في تلافيها.

     ففي هذه الحالة تخرج الواقعة، بنظر المشرع السوري، تماما من نطاق القصد الجرمي، وتدخل في نطاق الخطأ، فيسأل الفاعل عن جريمة غير مقصودة، لأن الفاعل لم يرضى بحصول النتيجة مقدما، ولم تتجه إليها إرادته.

    وقد تناولت هذه الحالة المادة 190 من قانون العقوبات بقولها

    “تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين، وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها، وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها”.

    والمثال النموذجي على ذلك يتمثل بقائد السيارة الذي يسرع في مكان مزدحم بالناس، فيتوقع أن يدهس أحدهم، إلا أنه لا يقبل بهذه النتيجة، وإنما يعتمد على مهارته في القيادة، ويعمل كل جهده في تلافي هذه النتيجة، ومع ذلك يدهس أحدهم ويموت لسوء تقديره.