رد القضاة في القانون السوري ( اجراءاته – المحكمة المختصة – آثاره – الحكم فيه)

رد القضاة في القانون السوري ( اجراءاته - المحكمة المختصة - آثاره - الحكم فيه)

اولاً :  إجراءات دعوى رد القضاة :

يتعين على القاضي في جميع الحالات التي يمكن أن يطلب رده فيها أن يخبر من تلقاء نفسه رئيس المحكمة التي يعمل بها إذا كانت محكمة جماعية (نقض – استئناف)، وإلى محكمة الاستئناف إذا كان قاضي فرد( بداية . صلح) بوجود سبب من أسباب الرد يتعلق به وبالتالي الإذن له بالتنحي عن الاستمرار في النظر في الدعوى التي بها سبب التنحي، ويتم ذلك بغرفة المذاكرة وبالطريق الإداري دون الحاجة إلى دعوى أو طلب من صاحب المصلحة بذلك.

أما إذا لم يطلب القاضي تنحيه عن النظر في الدعوى من تلقاء نفسه الرد، يستطيع الخصم الذي وجد سبب الرد لمصلحته أن يلجأ إلى المحكمة المختصة بطلب الرد وفق الإجراءات الآتية:

1- يقدم طلب الرد إلى المحكمة المختصة بنظر طلب الرد باستدعاء من قبل محام مسجل في جدول المحامين الأساتذة بالاستناد إلى توكيل خاص يخوله برد القاضي أو القضاة المشكو من عدم حياديتهم في نظر الدعوى.

2- يجب أن يشمل استدعاء الرد السبب أو الأسباب التي يستند إليها طالب الرد والأدلة المؤيدة له، وعندما يصل استدعاء الرد إلى ديوان المحكمة المختصة يقوم كاتب المحكمة بتسجيل استدعاء الرد الذي يقدم بصيغة دعوى في سجل خاص بالمحكمة قد يسمى سجل دعاوی رد القضاة ومخاصمتهم، ومن ثم يعمل على رفعه إلى مرجعه ( المحكمة المختصة في ميعاد أربع وعشرين ساعة، ثم يقوم رئيس المحكمة بتبليغ طلب الرد إلى القاضي وإلى النيابة العامة التي لها الحق في التدخل في مثل هذه الدعاوى بقوة القانون. .

 3- يودع طالب الرد تأمین قدره خمسة آلاف ليرة سورية إذا كان المطلوب رده أحد قضاة الدرجة الأولى أو الثانية أو أحد ممثلي النيابة العامة الاستئنافية وعشرة آلاف ليرة سورية إذا كان المطلوب رده من قضاة محكمة النقض أو أحد ممثلي النيابة العامة لديها، وخمسة وعشرون ألف ليرة سورية إذا كان المطلوب ارده أحد قضاة الهيئة العامة لمحكمة النقض أو أحد ممثلي النيابة العامة لديه، لأن القانون أحاط القاضي بالضمانات التي تتأى به عن كل الدعاوى الكيدية أو غير الجدية.

 4- يرد طلب الرد شكلاً في حال عدم توفر الشروط السابقة.

 5- يجب تقديم طلب الرد قبل أي دفع أو دفاع شكلي أو موضوعي والا سقط حق طالبه فيه، وتحكم المحكمة بعدم قبوله شكلاً لأن سقوط الحق لا يمكن إعادته، ولو قبل الخصم بذلك ما لم ينشأ سبب الرد أثناء النظر في الدعوى فعندئذ يبقى الحق بطلب الرد قائما، وعلى الخصم المعني أن يبادر إلى طلب الرد فور علمه به وقبل أن أي دفع أخر، ولم يحدد القانون مهلة لطلب الرد سوى قيام صاحب المصلحة التمسك به قبل أي طلب أو دفع آخر يتعلق بالدعوى المنظورة أما القاضي المطلوب وقفه عن النظر فيها.

6- على القاضي المطلوب رده أن يجيب كتابة على وقائع الرد وأسبابه أثناء الأيام الثلاثة التالية لتاريخ التبليغ. فإذا أقر القاضي بوجود سبب الرد أو امتنع عن الإجابة رغم انقضاء المهلة القانونية، تحكم المحكمة بالرد إذا كانت الأسباب تصلح قانونا للرد.

 أما إذا أنكر القاضي ما ورد في طلب الرد تتولى المحكمة في اليوم التالي لانقضاء الميعاد القانوني النظر في طلب الرد في جلسة سرية تعقد في غرفة المذاكرة وتقوم بالتحقيق وتستمع أقوال طالب الرد، وملاحظات القاضي عند الاقتضاء وممثل النيابة العامة ثم تصدر الحكم وفقا لما تقتنع به من الأدلة المعروضة في الدعوى.

 ثانياً :  أثر طلب رد القضاة :

على الرغم من أن قانون أصول المحاكمات لم ينص على حالات ما يسمى بعدم صلاحية القاضي في نظر بعض الدعاوى إلا أن اجتهاد القضاء السوري نص عليها وجعل مخالفتها من النظام العام ورتب عليها بطلان الحكم بطلانا مطلقا، وبالتالي يجوز التمسك بالبطلان في المراحل جميعها ولو لأول مرة أمام قاضي التنفيذ، لأن البطلان والعدم سواء، وكما أن قيام حالات عدم الصلاحية لا يحتاج إلى طلب رد كما لا يمكن التنازل عنها أو الاتفاق عليها من قبل الخصوم.

 بينما ذهب أكثر الفقهاء إلى القول إن قيام حالة عدم الصلاحية في القاضي لا يجعل من الحكم الذي أصدره معدومة، ولا يجوز رفع دعوى مبتدأه ببطلانه لأن ذلك يكون خروجاً على الأصل العام المقرر بالنسبة للأحكام القضائية التي لا يتم بطلانها أو إبطالها إلا بالطرق المحددة قانوناً لذلك، بل يتم البطلان عن طريق الطعن بالطرق المحددة قانوناً، وعند تفويت طرق الطعن يزول عيب البطلان ويصبح حكمه صحيحاً،

وبالتالي لا يمكن التمسك بالبطلان إلا عن طريق الطعن ووصف الحكم المنعدم لا يطلق إلا على الأحكام التي فقدت أحد أركانها الأساسية أو الجوهرية، وليس منها وجود حالة من حالات عدم الصلاحية، فعيب عدم الاختصاص من النظام العام ومع ذلك لا يحكم ببطلان الحكم إلا عن طريق الطعن .

أما بالنسبة لأسباب الرد التي نص عليها قانون أصول المحاكمات، وإن كانت تصلح سيبا لتنحي القاضي عن النظر في الدعوى، وكذلك سببة لطلب رده إلا أن المشرع لم يرتب أي أثر قانوني إذا لم يكن القاضي، أو إذا لم يطلب رده، وقد رتب القانون على تقديم دعوى الرد الأحكام الآتية:

1- لا يترتب على تقديم طلب الرد وقف الدعوى الأصلية ما لم تتوفر أسباب تستدعي ذلك فتقرر المحكمة الناظرة بطلب الرد عندئذ ولو قبل أن يتم التبليغ وقف الدعوى الأصلية مبينة الأسباب.

2- إذا قررت المحكمة وقف الدعوى وطلب الخصم الآخر انتداب قاض بدلا ممن طلب رده وتوفرت حالة العجلة قررت المحكمة ذلك.

 3- إذا بت القاضي المطلوب رده بالدعوى الأصلية ثم قضي بقبول طلب رده بحكم اكتسب الدرجة القطعية اعتبر الحكم الصادر في الدعوى الأصلية باطلا وللمحكوم له بالرد أن يطلب إعلان بطلان الحكم المذكور بمذكرة يقدمها إلى المحكمة الناظرة في الطعن في أية مرحلة كان عليها الطعن وعلى هذه المحكمة أن تقرر البطلان لهذا السبب، وللمحكوم له بالرد في حال فوات مدة الطعن أو سبق البت بالطعن أن يتقدم إلى محكمة الموضوع التي أصدرت الحكم في الدعوى الأصلية أو إلى محكمة النقض في حال أن كان القاضي المحكوم برده أحد قضاتها بطلب لإعلان بطلانه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ اكتساب الحكم الصادر بقبول الرد الدرجة القطعية، وتبت المحكمة بالطلب في غرفة المذاكرة بعد خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغة إلى الخصم الآخر فإن قررت إعلان البطلان باشرت النظر بالدعوى الأصلية وفق الأصول المعتادة.

ثالثاً : المحكمة المختصة بطلب الرد:

تنظر في طلب الرد محكمة الاستئناف إذا كان القاضي المطلوب رده قاضية في محكمة صلح، أو في محكمة بداية أو في محكمة استئناف، أو قاضيا عقارية، أو أحد ممثلي النيابة العامة الاستئنافية عندما يكون خصما منضمة. فإذا طلب رد عدد من قضاة محكمة الاستئناف بحيث لا يبقى من عددهم ما يكفي للحكم رفع طلب الرد إلى محكمة النقض فإن قضت بقبوله أحالت الدعوى إلى أقرب محكمة استئناف بالنسبة إلى المحكمة الواضعة يدها على الدعوى. كما تنظر غرفة مخاصمة القضاة وردهم في محكمة النقض في طلب الرد إذا كان القاضي المطلوب رده من قضاتها أو أحد ممثلي النيابة العامة لديها، وتنظر إحدى دائرتي الهيئة العامة لمحكمة النقض في طلب رد أحد قضاة أو قضاة الدائرة الأخرى فيها، وتعد هذه الحالة اجتهادية لعدم ورود نص عليها في القانون إلا أنه يستفاد ضمنا من الفقرة (3) من المادة (7) من القانون رقم (1) لعام 2010 والتي نصت على أن يكون التأمين الواجب دفعه في دعوى الرد هو (خمسة وعشرون ألف ليرة سورية إذا كان المطلوب رده أحد قضاة الهيئة العامة لمحكمة النقض).

ثالثاً :  التنازل عن طلب الرد:

ذهب بعض الفقهاء إلى القول بعدم جواز الرجوع أو التنازل عن طلب الرد كون دعوى الرد تشبه الدعوى العامة، وأن المسألة تتعلق بكرامة القاضي وسمعة القضاء ولا يصح أن تكون هذه محلا للمساومة أو الصلح، وأن المصلحة العامة تقضي بأن يحكم في طلب الرد دفعا للشبهة والريبة ودوام احترام القضاء (9). بينما استقر الرأي في الفقه والاجتهاد على أن التنازل عن طلب رد القاضي شأنه شأن أي طلب آخر ولصاحبه حق التمسك به، أو التنازل عنه في أية مرحلة كانت عليها الدعوى، تأسيسا على أن القاضي ليس خصما ذا مصلحة شخصية، وأنه مما يتنافى مع كرامة القاضي التشبث بالحكم في الدعوى أو التمادي في الخصومة.

رابعاً:  الحكم في طلب الرد والطعن فيه:

تقوم المحكمة المختصة بالتدقيق في طلب الرد بعد سماع الأقوال والأدلة في غرفة المذاكرة، فإذا وجدت أن سبب الرد ثابت فيها حكمت المحكمة بقبوله شكلا وموضوعة ورفع يد القاضي أو استبعاده عن النظر في الدعوى، إضافة إلى إعادة التأمين لطالب الرد.

 أما إذا وجدت المحكمة أنه ليس هناك سبب قانوني للرد حكمت برفض الطلب ومصادرة التأين وقيده إيرادا لخزينة الدولة، وهذا، وفي حالتي القبول أو الرفض يجب أن يتلى الحكم مع أسبابه في جلسة علنية.

 فإذا صدر الحكم بقبول طلب الرد يكون نهائية، أما إذا صدر برفض الطلب فإنه يجوز لطالب الرد الطعن بالحكم أمام محكمة النقض إذا كان صادرة عن محكمة الاستئناف، ويتم ذلك باستدعاء يقدم إلى محكمة الاستئناف التي أصدرت الحكم في ميعاد ثمانية أيام تلي تاريخ إصداره، ويقوم كاتب المحكمة بإرسال الطعن إلى محكمة النقض أثناء ثلاثة أيام تلي تاريخ قيده في ديوان المحكمة،

وبعد صدور الحكم بقبول الطعن أو رفضه من محكمة النقض يقوم دیوان محكمة النقض بإعادة الحكم مع الملف إلى المحكمة التي حكمت بالرد خلال اليومين التاليين لصدور الحكم، ويصبح الحكم قطعية لا يقبل أي طريق أخر من طرق الطعن.

أما إذا صدر الحكم بقبول طلب الرد أو كانت المحكمة المختصة بطلب الرد إحدى غرف محكمة النقض فإن الحكم يصدر بالدرجة القطعية ولا يقبل الطعن أمام أبي مرجع أخر لأنه ليس للقاضي مصلحة في الطعن الصادر عن محكمة الاستئناف، ولم يعين القانون مرجعا للطعن في الحكم الصادر عن محكمة النقض، وإن تذمر القضاة من دعاوى الرد يجب أن يقابله تشدد من الجهة القائمة على صيانة وحصانة القضاء بمواجهة القضاة الذين يعبثون بحقوق المتقاضين وحرياتهم.

(محمد واصل، الإجازة في الحقوق، من منشورات الجامعة الافتراضية السورية، الجمهورية العربية السورية، 810 )

 

Scroll to Top