الوسم: موقع المحامي

  • ماهو الانترنت وكيف نشأ ومن يتحكم به ؟

    ماهو الانترنت وكيف نشأ ومن يتحكم به ؟

    ماهية الإنترنت

    محامي

    يتطلب التعرف على ماهية شبكة الإنترنت، إلقاء الضوء على المراحل التي مرت بها هذه الشبكة منذ نشأتها. ثم معرفة آلية تنظيمها وكيفية عملها.

    أ- التعريف بالإنترنت

    إن الحديث عن الإنترنت يدفعنا للعودة إلى جذور هذه الشبكة منذ الستينيات؛ للتعرف على الأب الشرعي لها، ومتابعة مراحل نموها منذ الولادة، ثم استعراض التعريفات الفقهية التي تناولت شبكة الإنترنت، والتي تضمنت سمات هذه الشبكة.

    أولا- نشأة الإنترنت:

    نشأت فكرة الإنترنت نتيجة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي في الستينيات، حيث كان المسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية يبحثون عن إجابة لسؤال كان يتبادر إلى أذهانهم، وهو كيف يمكن للمسؤولين في الولايات المتحدة الأميركية الاتصال فيما بينهم، في حال حدوث كوارث أو في حال حدوث هجوم نووي؟

    على إثر ذلك، عهدت وزارة الدفاع الأميركية في عام 1964 إلى وكالة مشاريع الأبحاث المتطورة (ARPA) بمهمة إنشاء شبكة من الحواسيب تكون قادرة على الاستمرار في العمل في حال حدوث مثل هذه الكوارث.

     وفي عام 1969، قامت وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة، بإنشاء شبكة متخصصة لهذا الغرض حملت اسم أربانت (ARPANET) وهو اختصار Agency Advanced Research Projects وهو مركز أبحاث عسكرية وعلمية تابع لوزارة الدفاع الأميركية) ، وكانت هذه الشبكة التجريبية في البداية تربط أربعة حواسيب آلية ضخمة فيما بينها.

    في عام 1972، تم إيصال الأربانت إلى معظم الجامعات الأميركية، وفي عام 1973 بدأت الاتصالات الدولية بهذه الشبكة من إنكلترا و النروج.

    وهنا بدت الحاجة ملحة لإيجاد وسيلة تخاطب تسمح للحواسيب التي تعمل بلغات مختلفة بأن تتصل فيما بينها، فتم في هذا العام اكتشاف بروتوكول الإنترنت (TCP/IP) .

     في عام 1986، تم نقل تشغيل أربانت من وزارة الدفاع إلى شبكة مؤسسة العلوم الوطنية NSFNET إضافة إلى إدارة الطيران المدني والفضاء الأميركية، وكذلك إلى إدارة الطاقة، وبذلك أصبحت أربانت متاحة لجميع أشكال البحث العلمي.

    في عام 1990، ومع انهيار الإتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، لم تعد تجد وزارة الدفاع الأمريكية أن هناك فائدة في حصر استعمال هذه الشبكة في الأمور العسكرية فقط، فأطلقت حرية استخدامها، وبدأ نطاق استعمالها يتسع، وأصبح لها إدارة خاصة لا ربحية، ثم تحولت أربانت إلى الإنترنت Internet كتسمية جديدة.

    وفي عام 1991، تمكن مهندس الاتصالات الانكليزي تيم بيرنرز لي” من اختراع تقنية الويب w.w.w) world wide web) التي تساعد على تصفح المعلومات واستعراضها بسهولة على شبكة الإنترنت.

    ثانياً- تعريف الإنترنت:

    تعددت المحاولات الفقهية لتعريف الإنترنت، ومن هذه التعاريف:

    أن الإنترنت هي عبارة عن آلية اتصال مكونة من مفاتيح وأسلاك وأماكن تخزين للبيانات، ودواعم توصيل، و روابط اتصال، تعمل في بوتقة واحدة بفضل بروتوكول الإنترنت

    . (TCP/IP)

    وفي تعريف آخر بأنها شبكة الشبكات، حيث تتكون من عدد كبير من شبكات الحاسوب المترابطة والمتناثرة في أنحاء العالم، ويحكم ترابط تلك الأجهزة وتحادثها بروتوكول موحد يسمى بروتوكول تراسل الإنترنت .

    وهي أيضا من وجهة نظر تقنية إنسانية، بأنها تلك الوسيلة أو الأداة التواصلية بين شبكات المعلومات، دون اعتبار للحدود الدولية.

    والحقيقة إن جميع هذه التعاريف تعبر عن حقيقة الإنترنت، التي يمكن تعريفها ببساطة بأنها الشبكة تتألف من عدد كبير من الحواسيب المتوضعة عبر العالم، والمترابطة مع بعضها البعض، والتي تستخدم في تواصلها بروتوكول تراسل الإنترنت”.

    ثالثا – شبكة الإنترنت والوب (w.w.w):

    يظن الكثير من الناس بأن الإنترنت والوب W.W.W شيء واحد، غير أن ذلك ليس صحيحاً، لأن الإنترنت كما بينا هي عبارة عن شبكة تربط جميع شبكات الحاسوب المتصلة مع بعضها البعض.

    أما الوبw.w.w ، فهو أحد تطبيقاتها فقط، أو إحدى الآليات التي تستعمل في الاتصال.

    ( ال web. هو نسيج العنكبوت.وقد سميت به هذه التقنية من باب المجاز . والوب هو الاسم المعرب لهذه التقنية).

    فالإنترنت تحتوي على عدة تطبيقات ووسائل التواصل، مثل البريد الإلكتروني e-mail والماسنجر messenger والتي تستعمل في أفق الإنترنت، ولكنها ليست هي والإنترنت شيئا واحداً.

    فالإنترنت تشبه الطريق التي تكون بين المدن، في حين أن تلك التطبيقات المذكورة وعلى رأسها الوب، هي أنواع وسائل المواصلات التي تستخدم هذه البنية الأساسية، مثل السيارات أو الحافلات أو الدراجات النارية.

    وقد سبق وأشرنا بأن مهندس الاتصالات الإنكليزي “تيم بيرنز لي” هو من اخترع نظام الوب W.w.w، حيث يرتكز هذا النظام على بروتوكول (HTTP)) أي بروتوكول نقل النصوص الترابطية، الذي يسمح بربط مواقع الوب الموصولة بالشبكة فيما بينها والتجول فيها، وهو لا يعمل إلا بواسطة برامج تصفح خاصة.

    ب – تنظيم الإنترنت

    يتطلب التعرف على تنظيم الإنترنت، معرفة آلية عمل بروتوكول تراسل الإنترنت، ثم التعرف على الجهات التي تشرف على شبكة الإنترنت ودور هذه الجهات، خاصة الجهات المانحة للعناوين على الإنترنت، وهذا ما سنبحثه على التالي:

    أولاً- بروتوكول تراسل الإنترنت (TCP/IP )

    تعتمد آلية عمل شبكة الإنترنت، على وسيلة التخاطب الرقمي، وذلك بواسطة بروتوكولين رئيسيين هما:

    • بروتوكول التحكم في النقل TCP.
    • برتوكول الإنترنت IP.

    ويسميان في التطبيق، بروتوكول تراسل الإنترنت TCP/IP

    حيث يقوم بروتوكول التحكم في النقل TCP بتجزئة الرسالة المراد إرسالها إلى رزم من المعلومات، بحيث تحمل هذه الرزم معلومات تعريفية حول المرسل والمرسل إليه.

    أما بروتوكول الإنترنت IP، فهو مسؤول عن عنونة وترقيم وتوجيه الرسائل إلى عناوينها المقصودة، كما يقوم بمنح كل جهاز أو موقع على الشبكة رقماً معيناً، قد يصل إلى 32 رقماً حتى يتواصل مع بقية أطراف الشبكة.

    ونتيجة النمو المتزايد في المنظومات المتصلة بالشبكة، تم زيادة هذه الأرقام إلى 128 رقماً، وأي شبكة لا تستخدم هذين البروتوكولين لن تتمكن من الاتصال بالإنترنت.

    بناء على ذلك، فإن الرسالة على الإنترنت تتحرك حاملة العنوان المقصود، وتنقسم إلى رزم قد ينطلق كل منها في اتجاه ومسار معين، فإذا وجدت إعاقة، سلكت طريقة أخر. وتجري عند العنوان المقصود إعادة تكوين هذه الرسالة عن طريق تجميع الرزم المستلمة المكونة لها.

    ثانياً- الجهات المشرفة على الإنترنت:

    شبكة الإنترنت ليست ملكاً لأحد، ومن حيث المبدأ لا توجد هيئة رسمية وحيدة – حكومية أو غير حكومية- للإشراف على الإنترنت، ذلك لأن البنية الأساسية تدار بإشراف جهات غير حكومية، أخذت على عاتقها جعل الإنترنت مساحة حرة متاحة للجميع. وتتصدر هذه الهيئات جمعية الإنترنت (

    ISOC (Intermet Society، وهي مؤسسة أميركية أنشئت عام 1991، تهدف إلى تنسيق عمليات الاتصال والارتباط فيما بين الشبكات .

     أما الجهات التي تقوم بإدارة البنية الأساسية للإنترنت فهي:

    • الاتحاد الدولي للاتصالات ITU(13)، الذي يشرف على منظومات الاتصالات العالمية.
    •  منظمة الأيكان lcann، وهي تشرف على أسماء المواقع وعناوينها (أسماء النطاقات).

    ودون الدخول في الجدل حول مدى سيطرة هذه الجهات على الأركان الثلاثة للإنترنت حواسيب، وكابلات اتصال، وأسماء النطاقات، فإننا نكتفي بالقول بأنه:

    بدون هذه الأركان فلا حياة للإنترنت

    ثالثاً – العناوين على شبكة الإنترنت والهيئات المانحة لها:

    محامي جرائم الكترونية

    لكي يتم تبادل ونقل البيانات والمعلومات عبر الإنترنت، يجب أن يكون لكل حاسوب أو نظام موصول بالشبكة عنوان خاص به وهوIP address، يسمح بالتعرف عليه وتعيين مركزه، كما هي الحاجة لمعرفة عنوان المرسل والمرسل إليه في البريد العادي.

    وقد ذكرنا سابقاَ بأن الإنترنت تمنح كل جهاز أو موقع على الشبكة عنواناَ معيناَ يصل إلى 32 رقمة وقد يصل إلى 128 رقماَ، وبسبب طول هذه الأرقام، فإن مسألة تذكرها واسترجاعها أضحى أمر عسيراً، لذلك فقد تم اختراع نظام أسماء النطاقات التي تعبر عن هذه الأرقام، فبدلاً من أن تدخل الرقم الطويل، يكفي أن تكتب مثلا: www.tareq.com ، و أن تنقر عليها نقرة واحدة، وبفضل نظام يعرف ب http على الوب، سيتحول الاسم إلى العنوان الرقمي حتى يستكمل التواصل عبر الشبكة.

    وخلال هذه الرحلة يمر العنوان عبر مخدمات عملاقة(المخدم server، هو عبارة عن حاسوب بمواصفات عالية، مزود بذاكرة كبيرة، وقنوات وأدوات اتصال) ، مهمتها التعرف على هذه الأسماء وتمريرها.

    ويمر أي اتصال في الشبكة بواحد من هذه المخدمات العملاقة وتعدادها ثلاثة عشر على مستوى العالم، فإن تعرفت عليه تواصل مع غيره، وإن لم تتعرف فلن يغادر الجهاز المرسل منه.

    ويطلق على عنوان الإنترنت IP address، تسمية عنوان البريد الإلكتروني إذا كان يتعلق ببريد إلكتروني، ويسمي اسم النطاق إذا كان يختص بعنونة مواقع الوب.

    وهناك معیاران لتقسيم أسماء النطاقات، هما: المعيار الجغرافي، والمعيار النوعي.

    فبالمعيار الجغرافي، تعطى كل دولة رمزا من حرفين للدلالة عليها مثل sy. لسورية، و eg. لمصر، وuk. للملكة المتحدة، وfr. لفرنسا… وذلك باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، حيث لا تحتاج مواقعها إلى تعريف جغرافي. وعلى ذلك فإن اسم أي نطاق لا يحمل تعريفة جغرافية سيكون حتما مسجلاً في الولايات المتحدة الأميركية.

    أما المعيار الثاني فهو يتعلق بنوع النشاط، ويضم تقسيمات سارية على مستوى العالم مثل edu. للجهات التعليمية، و gov. للجهات الحكومية، وcom. للجهات التجارية وغيرها، باستثناء اسم int. فهو محجوز للهيئات الدولية .

    ولا بد من الإشارة إلى أن كل دولة موصولة بشبكة الإنترنت، تكون مسؤولة عن إدارة النطاق الخاص بها، كما يمكن أن تخلق نطاقات ثانوية ضمن نطاقها الأساسي، كأن تخلق مثلا نطاقا ثانوية باسم gov، للدلالة على المواقع الحكومية في القطاع الأساسي sy. الذي يشير إلى الدولة السورية .

    أما بالنسبة إلى الهيئات المانحة للعناوين على الشبكة، فهناك لجنة تسمى لجنة منح الأرقام على الإنترنت، وتعرف ب IANA، وهي تتولى تنظيم عناوين المواقع في النطاقات التي ترمز إلى أسماء الدول، في حين أن صلاحية منح العناوين المستقلة يقع تحت إشراف “الآيكان”، وهي شركة أميركية خاصة لا تبتغي الربح تأسست في أيلول عام 1998، مركزها ولاية كاليفورنيا، وتتعامل مع العديد من الهيئات المتخصصة في عملية التسجيل الموزعة حول العالم .

  • كيف يتم التكييف القانوني لعقد الأمانة وهل يمكن استبداله؟

    1-تكييف عقد الأمانة:

     إن تكييف العقد يعتبر من عمل محكمة الموضوع التي عليها أن تبحث عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، والمحكمة غير مقيدة بالوصف الذي يعطيه المتعاقدان الاتفاقهما، فالعبرة بالمقاصد و المعاني لا بالألفاظ والمباني.

    فعندما تكشف المحكمة عن إرادة المتعاقدين فعليها أن تكيفها بعد ذلك التكييف القانوني الصحيح دون أن تتقيد بما يخلعه أطرافه عليه من وصف غير صحيح.

    و المثال على ذلك أن عقد القرض ليس من العقود الائتمانية، فإذا أقرض شخص أخر مبلغا من المال، ولكي يضمن سداده اتفق مع المدين على تسمية العقد بالوديعة حتى يعاقب المدين إذا أخل بالتزامه، فإن هذا التكييف لا يقيد المحكمة التي لها أن تعتبر العقد قرضا، فلا تقوم تبعا لهذا جريمة إساءة الائتمان .

     إذن فالمقترض لا يعد مسيئا للائتمان إذا امتنع عن رد المبلغ في الميعاد المحدد، ولو كان ثابتا في الاتفاق بينه وبين المقرض أنه يحوز المبلغ على سبيل الوديعة.

     ولكن ألا يمكن اعتبار عقد القرض المخفي بعقد وديعة مشمولا بنص المادة 657؟

    إذا عدنا إلى نص هذه المادة نلاحظ أنها نصت على كل من تصرف بمبلغ من المال أو بأشياء أخرى من المثليات سلمت إليه لعمل معين…”.

    والعمل المعين هنا يتضمن الوكالة و المقاولة والنقل والخدمات المجانية، وبالتالي يستبعد من نطاق شمولها العقود التي لا تتضمن القيام بعمل معين كالوديعة.

     لذلك نرى أن عقد القرض المخفي بعقد الوديعة يدخل ضمن نطاق المادة 656، باعتبارها تشمل الأشياء القيمية والمثلية في آن واحد، ومنها النقود.

    وكي تقوم جريمة إساءة الائتمان في هذه الحالة يجب أن تسلم النقود على وجه الوديعة وليس على وجه التصرف.

     فالتسليم في إساءة الائتمان يجب أن يكون للحيازة الناقصة وليس للحيازة التامة.

    ومثالها أن يطلب شخص من أخر أن يودع لديه مبلغاً من المال لمدة معينة.

     فعقد الوديعة لا يعطي للمؤتمن سلطة التصرف بالمال، فإذا تصرف به اعتبر مسيئاً اللائتمان. بينما في عقد الوديعة الذي يخفي عقد قرض، فهذا عقد القرض يعطي للمدين صلاحية التصرف بالمال وإعادة قيمته حين انتهاء أجل القرض، لأن التسليم فيه ينقل الحيازة التامة.

    نخلص بالنتيجة إلى أنه إذا ثبت للمحكمة أن العقد ليس من عقود الأمانة، فلا تصح إدانة المدعى عليه بإساءة الائتمان ولو بناء على اعترافه الصريح بأن العقد وديعة متى كان ذلك مخالفا للحقيقة.

     فعلى المحكمة في حالة القرض المستتر بوديعة أن تعطي الوصف الحقيقي للعقد في هذه الحالة باعتباره عقد قرض وليس عقد وديعة، واستبعاد شمول جرم إساءة الائتمان لهذه الفرضية. وبذلك استقر رأي الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية بأنه يجب على المحكمة الناظرة بدعوى متعلقة بجرم إساءة الأمانة أن تتأكد من أن المدعى عليه قد استلم المبلغ على سبيل الأمانة فإن لم يستلم المبلغ على سبيل الأمانة وإنما استلمه کدين شخصي فإن الركن الأساسي لجرم إساءة الائتمان، وهو كتم الأمانة ،ينتفي، والمحكمة إذا لم تتنبه و تتأكد من هذه النواحي تكون مرتكبة للخطأ المهني الجسيم .

    وتكييف العقد وإعطاءه الوصف الصحيح من قبل محكمة الموضوع يخضع لرقابة محكمة النقض التي يكون لها الرأي النهائي في ذلك.

    2- استبدال عقد الائتمان:

    للطرفين مطلق الحرية في استبدال عقد بأخر، فالعقود كما تنشأ بالتراضي تنتهي كذلك به.

     فقد يتفق الطرفان على استبدال عقد الأمانة القائم بينهما بعقد أخر، فلا صعوبة في الأمر إذا استبدلاه بعقد أمانة أخر، كأن يكون العقد الأول إيجار فيحل محله عقد وديعة، لأن التصرف في المال محل العقد الجديد تقوم به جريمة إساءة الائتمان.

     أما إذا استبدل عقد الأمانة بعقد غير ائتماني، کاستبدال عقد الإيجار بعقد البيع، فلا تقوم جريمة إساءة الائتمان عند التصرف بالمال، لأن عقد البيع ينقل الحيازة التامة وليس الناقصة.

    بيد أنه كي ينتج العقد الجديد أثره في عدم وقوع الجريمة لا بد من توافر شرطين:

    . أن يكون الاستبدال جدياً. .

     أن يتم الاستبدال قبل وقوع الجريمة.

  • كيف يتم اثبات عقد الأمانة وماهو الوضع اذا كان باطلاً؟

    1- إثبات عقد الائتمان:

    إن دعوى إساءة الائتمان هي دعوى جزائية ينظرها القاضي الجزائي بالرغم من أن عقود الائتمان هي عقود مدنية أو تجارية و العلة في اعتبارها دعوى جزائية مردها الاعتداء على ملكية المال المسلم بموجب العقد وليس مردها الإخلال بالتزامات العقد.

    ومن المسائل الأولية التي يتوقف على حسمها تقرير ما إذا كانت هناك جريمة إساءة ائتمان أم لا، إثبات وجود أحد عقود الأمانة الثمانية التي حددها المشرع.

    والقاعدة أن يطبق القاضي الجزائي قواعد الإثبات المدنية للتحقق من وجود عقد الأمانة وليس قواعد الإثبات الجزائية.

     وعلة هذه القاعدة أن كيفية الإثبات ترتبط بنوع الموضوع المطروح على القضاء لا بنوع القضاء المطروح عليه الموضوع” .

    والفارق كبير بين نوعي قواعد الإثبات.

     ففي حين أن الإثبات في المسائل المدنية هو إثبات مقيد، يتطلب المشرع فيه أدلة أو وسائل إثبات من نوع خاص، واستبعاده قبول كل الوسائل، فإن الإثبات في المسائل الجزائية حر غير مقيد بوسائل أو أدلة إثبات محددة، بل يطلق المشرع فيها كافة وسائل الإثبات ويجعل الأمر في النهاية إلى قناعة القاضي الوجدانية.

    إذن فالقاضي الجزائي، وإن كان حر ، في المسائل الجزائية، في تكوين قناعته من أي دليل يطرح أمامه طبقا لمبدأ القناعة الوجدانية الذي يقوم عليه الإثبات في المسائل الجزائية، إلا أنه في خصوص إثبات المسائل الفرعية غير الجزائية فإن عليه أن يتبع قواعد الإثبات الخاصة بتلك المسائل.

    وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض السورية بأنه “يجب في جريمة إساءة الائتمان إثبات عقد الأمانة أولاً بالوسائل المدنية، أما الجريمة نفسها والتصرف بالأمانة فيمكن إثباتها بكل أنواع الإثبات ” .

     2- بطلان عقد الائتمان:

    إن بطلان العقد لا يؤثر على وقوع جريمة إساءة الائتمان، لأن القانون لا يعاقب على الإخلال بتنفيذ العقد في ذاته وإنما يعاقب على الاعتداء على ملكية الشيء المسلم بمقتضى العقد، فإذا كان العقد باطلاً فلا يؤثر بطلانه على حق المجني عليه في ملكية الشيء المختلس أو المتصرف به.

    ويستوي أن يكون البطلان نسبياً أو مطلقاً.

     فبطلان عقد الإيجار أو الوكالة لنقص في أهلية المؤجر أو المستأجر أو الأصيل أو الوكيل، أو لعيب في إرادة أحدهما، لا يحول دون اعتبار التسليم منتجاً.

     وكذلك الشأن بالنسبة لبطلان العقد لعيب في شكله أو لعدم مشروعية سببه، فالتسليم الناشئ عن هذا أو ذاك يعتد به قانونا إذا كان حاصلا على سبيل الأمانة.

    وتطبيقا لذلك، فإن جريمة إساءة الائتمان تقوم في حق من سلمت إليه أموالا لاستغلالها في لعب قمار، أو ليشتري بها مخدرات لحساب مالكها، أو ليدفعها نيابة عن مالكها كرشوة لموظف، أو ليستأجر بها مسكنا يدار للدعارة، فاختلس المال لنفسه.

  • ماهو ركن المحل في جرم اساءة الأمانة؟

    محل إساءة الائتمان

    إن محل إساءة الائتمان هو مال سلم من المجني عليه إلى المدعى عليه بناء على أحد عقود الائتمان، كي يحفظه له أو يستعمله في وجه معين، ولكنه استولى عليه خيانة لهذه الثقة.

     

    يتضح من ذلك أن محل جريمة إساءة الائتمان لا بد أن يتوفر فيه شرطان:

    . أن يكون مالاً مادياً منقولا مملوكاً للغير.

    . أن يكون قد سلم للفاعل على سبيل الأمانة.

    والشرط الأول كما هو واضح، أغلبه، مشترك بين إساءة الائتمان والسرقة والاحتيال، باستثناء كون محل الاحتيال يشمل العقار إضافة للمنقول. أما الشرط الثاني فتنفرد به إساءة الائتمان.

    أولاً : کون محل إساءة الائتمان مالاً مادياً منقولاً مملوكاً للغير

    أشار نصي المادتين 656 و 657 إلى محل إساءة الائتمان بأنه سند يتضمن تعهدا أو إبراء أو أي شيء منقول آخر، أو مبلغ من المال أو أي شيء آخر من المثليات.

    – فيشترط في المحل الذي يقع عليه التسليم أن يكون شيئا له صفة المال.

    والمال هو كل شيء يصلح لأن يكون محلا لحق الملكية، بصرف النظر عن طبيعة حيازته مشروعة أو غير مشروعة.

     فإذا أودع شخص لدى أخر مواد مخدرة أو أسلحة غير مرخص بها، فتصرف بها الوديع، فهو يرتكب بذلك إساءة ائتمان.

     فعلى الرغم من عدم مشروعية حيازة صاحب هذه الأشياء، فهي صالحة محلا لحيازة مشروعة من قبل الدولة، بالتالي يتحقق بتصرف مستلم المال على سبيل الأمانة الاعتداء على الملكية الذي تفترضة.

    – ويشترط في المال محل التسليم أن يكون ماديا، لأن الشيء المادي هو الذي يقبل الحيازة والتسليم والاستيلاء، ويستوي بعد ذلك أن يكون صلباًة أو سائلا أو غازياً.

    نستخلص من ذلك أن الأشياء المعنوية، كالأفكار والأسرار والمخترعات، لا تصلح محلاً لإساءة الائتمان، إلا إذا أودعت في وعاء مادي كسند أو وثيقة أو مخطوط.

     وتطبيقاً لذلك من أؤتمن على اكتشاف أو اختراع فقام ببيعه لا يسأل عن إساءة ائتمان إلا إذا كان هذا الاكتشاف أو الاختراع قد صب في وثيقة أو سند، وتصرف المؤتمن بهذا السند، فإنه يعد مسيئا للائتمان، لأن السند له طابع مادي..

    – ويشترط أن يكون المال منقولاً.

    والمنقول بالمفهوم الجزائي هو كل شيء يمكن نقله من مكانه حتى ولو أدى إلى تلفه.

    فيدخل ضمن هذا المفهوم المنقول بطبيعته و العقار بالتخصيص والعقار بالاتصال.

    وليس اشتراط المنقول في محل جريمة إساءة الائتمان يعني أن هذه الجريمة لا يمكن تصورها بالنسبة للعقار.

    بل على العكس فإساءة الائتمان متصورة في العقارات كما هي في المنقولات.

     إلا أن المشرع خص هذا الجرم بالمنقول فقط لأنه قدر أن مالك العقار لا يحتاج إلى الحماية التي تقدمها عقوبة هذه الجريمة، باعتبار أنه يستطيع تتبع ماله الذي لا يمكن إخفاءه عنه، أما مالك المنقول فهو الذي يحتاج إلى هذه الحماية.

     وتطبيقاً لذلك فإن مستأجر المنزل الذي يرفض الخروج منه بعد انتهاء مدة عقد الإيجار، ويعرضه للبيع مدعية تملكه، لا يعتبر مرتكبا لجرم إساءة الائتمان.

     إلا أن الحكم يختلف فيما لو قام هذا الشخص بانتزاع أبواب المنزل أو نوافذه و باعها، فهذا يعتبر مرتكباً لجرم إساءة الائتمان.

    – ويشترط أخيرا أن يكون المال مملوكاً للغير.

     فعلة التجريم في إساءة الائتمان هي الاعتداء على مال الغير، ولا يعتبر الشخص كذلك إذا تصرف بماله.

     وتطبيقاً لذلك إذا تسلم الوكيل مالاً من الموكل كأتعاب له نظير الجهد الذي سيقوم به لمصلحته بموجب عقد الوكالة، فتصرف الوكيل بهذا المال دون أن يبذل أي جهد لصالح الموكل، فإنه لا يعتبر مسيئاً للائتمان، ذلك أن المال سلم إليه تسليماً ناقلاً للحيازة التامة، أي سلم له ليكون ملكاً له، وقد صار كذلك، وإن كان مشترطاً عند تسليم المال أن يقابله مجهوداً من الوكيل .

    – و عندما تتوفر في محل الجريمة صفة المال المادي المنقول المملوك للغير فإنه يصلح لأن يكون محلا للتسليم الذي تقوم به جريمة إساءة الائتمان مهما كانت قيمته ضئيلة أو كبيرة، مادية أم معنوية، مال قيمي أم مال مثلي.

    ويقصد بالأموال القيمية الأموال المعينة بالذات، والتي لا يقوم بعضها مقام بعض في الوفاء ولا تبرأ ذمة المدين بها إلا بردها عيناً أو بالذات.

    مثل قطعة مجوهرات ذات صفات معينة، أو حصان ذو مواصفات معينة مما يستعمل في السباقات الرياضية.

    أما الأموال المثلية فهي الأموال المعينة بنوعها، والتي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء، وتبرأ  ذمة المدين بها إذا رد مثلها أو نوعها.

    ومثالها النقود والحبوب من صنف واحد.

    – وهنا نرى لزاماً علينا الإجابة على التساؤل الذي سبق وطرح في مقدمة هذا الباب، والمتعلق بالعلاقة بين نصي إساءة الائتمان.

    يرى بعض الفقه أن إساءة الائتمان لها صورتين:

     الصورة الأولى :

    نصت عليها المادة 656 وهي عندما يكون محل إساءة الائتمان مالا قيمية،

     أما الصورة الثانية

    التي نصت عليها المادة 657، فمحل إساءة الائتمان فيها المال المثلي.

     ويدعم هذا الرأي أن المادة 657 قد صرحت بأن محلها هو النقود أو أشياء أخرى من المثليات، مما يستفاد منه حصر نطاقها في المثليات، وبالتالي لا تطبق المادة 656 على إساءة الائتمان في شأن المثليات، ولا تطبق المادة 657 على إساءة الائتمان في شأن القيميات.

     ويرى اتجاه أخر في الفقه ، بحق، أن إساءة الائتمان لها صورتين نصت عليهما المادتان 656 و 657، و أن النص الأول هو النص الأصلي والعام و الشامل لجرم إساءة الائتمان، أما النص الثاني فيشير إلى صورة خاصة من إساءة الامانة اعتبرها المشرع أقل خطورة من الصورة العادية، ولذلك خصها بعقوبة أخف.

    وهذه الصورة تتعلق بالأشياء المثلية التي تسلم العمل معين”، أي على سبيل الوكالة أو المقاولة أو النقل أو الخدمات المجانية، باعتبار هذه العقود تفترض تسليم المال العمل معين.

     أما نص المادة 656 فيشمل محله الأموال القيمية والمثلية معا، عدا المثليات التي تسلم لعمل معين التي خصها المشرع بنص المادة 657.

     بناء على ذلك فإن تسليم مال مثلي بناء على عقد وديعة يدخل ضمن إطار المادة 656 باعتبار أن تسليم المال هنا ليس لعمل معين، وإنما لحفظه فقط.

    وهذا، في الحقيقة، ما يدعم الرأي القائل بأن نص المادة 656 لا يقتصر فقط على الأموال القيمية، بل يشمل أيضا الأشياء المثلية التي تسلم لأي غاية أخرى غير القيام بعمل معين. فلو سلمنا بالرأي المخالف القائل بأن المادة 656  تقتصر فقط على المال القيمي فإن ذلك سيؤدي إلى نتائج غير مقبولة، تتمثل بأن من تسلم مثليات بناء على عقد أخر من العقود المذكورة في المادة 656، كالوديعة أو العارية أو الإيجار، سينجو من العقاب، لأن نص المادة 656 لا يطاله كون المال مثلي، ولا يطاله أيضا نص المادة 657 لأنه لم يسلم إليه لعمل معين.

    ثانياً : کون محل إساءة الائتمان قد سلم للفاعل على سبيل الأمانة

    لا تقع جريمة إساءة الائتمان إلا إذا كان المال قد سبق تسليمه للفاعل. وهذا الشرط نصت عليه صراحة المادة 656  بعبارة “سلم إليه”، والمادة 657 بعبارة تسلمت إليه”.

     فالتسليم المسبق للمال ضرورة القيام هذه الجريمة.

     إلا أن هذا  التسليم المسبق للمال لا يكفي لوحده بل لا بد أن يتم بناء على أحد العقود الائتمانية المحددة حصرا بالنصوص.

     فالمادة 656 تطلبت أن يتم التسليم على وجه الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو على سبيل العارية أو الرهن أو الإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة.

    أما المادة 657 فتطلبت أن يتم تسليم المثليات العمل معين”.

     لذلك لا بد من تحليل ماهية التسليم في إساءة الائتمان، ثم دراسة العقود الائتمانية المحددة بالنصوص.

     

    أولاً- ضرورة التسليم وشروطه:

    لا بد لقيام جريمة إساءة الائتمان من سبق تسليم المال المنقول إلى الفاعل.

    ولا يختلف التسليم من حيث طبيعته في جريمة إساءة الائتمان عنه في جريمة السرقة.

    فالتسليم يحصل على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيء، ولهذا فقد يكون حقيقياً، فعلياً أو رمزياً، وقد يكون حكمياً، والعبرة في القانون بذات التسليم لا بشكله.

     لهذا يستوي في إساءة  الائتمان أن يكون المال قد سلم للفاعل تسليماً حقيقياً أو حكمياً.

     ويتمثل التسليم الحقيقي في حركة مادية يتخلى بها الحائز عن المال ويخرجه من يده إلى يد الحائز الجديد.

     وقد يكون التخلي عن المال فعليا بتسليمه بذاته، أو رمزيا بتسليم ما يشير إليه وما يمكن من الاستيلاء عليه.

     ومن أمثلة التسليم الرمزي تسليم الحائز الجديد مفاتيح المخزن أو الصندوق الذي يحتوي على المال المنقول المراد تسليمه.

    أما التسليم الحكمي فلا يقتضي نقل المال ولا ما يدل عليه من موضعه، وإنما يتم بتغيير النية وحدها .

     ويمكن تصور التسليم الحكمي في حالتين:

    الأولى: حين يكون المال موجودة بين يدي مالكه ثم يتصرف فيه للغير تصرفاً ناقلا للملكية، كالبيع مثلا، ويبقيه بالاتفاق مع المشتري في يده باعتباره مستأجرا له أو مودعا لديه.

     والحالة الثانية: أن يكون التسليم لليد العارضة فقط ثم يتفق الطرفان على تحويل اليد العارضة إلى حيازة ناقصة.

    والمثال على ذلك حالة الضيف الذي يتناول كتاباً من مكتبة مضيفه ليطلع عليه فيعجبه فيطلب استعارته، فيوافقه.

    – ولا يشترط في التسليم المنتج لإساءة الائتمان أن يقع الشخص الفاعل، بل يعتد به أيضأ إذا وقع لوكيله أو نائبه أو من يمثله عموماً.

    بالتالي تقوم جريمة إساءة الائتمان في حق الشخص الذي تصرف بمال استلمه شخصياً أو استلمه عنه نائبه.

     فالزوجة التي تسلمت ما أرسل إلى زوجها على وجه الوديعة أو العارية، ثم قام الزوج بالتصرف بهذا المال، يعتبر مسيئاً للائتمان لأن ما تصرف به سلم إليه في شخص نائبه أو من يمثله.

    – ويشترط في التسليم المعتد به في إساءة الائتمان ثلاثة شروط:

     أن يكون ناقلا للحيازة الناقصة، وأن يصدر من ذي صفة، وأن يكون مصحوبة بحرية الاختيار والإرادة.

    1- کون التسليم ناقلاً للحيازة الناقصة :

    والتسليم المقصود هنا هو التسليم بناء على أحد العقود الائتمانية المحددة بالنص، تلك العقود التي تفترض أن يتم بها التسليم الناقل للحيازة الناقصة فقط على المال المسلم، والذي لا يمنح المؤتمن سوى بعض السلطات على الشيء الحساب المسالك.

    وبناء على ذلك تنتقي إساءة الائتمان إذا كان المال قد سلم على سبيل الحيازة التامة أو اليد العارضة.

    ففي البيع أو المقايضة يتم تسليم المال على سبيل الحيازة التامة، أي على سبيل نقل الملكية إلى المستلم، فلا تقع الجريمة إذا تصرف المستلم بالمال، لأنه تصرف بما يملك.

    أما تسليم المال على سبيل اليد العارضة فلا يعطي للمستلم أكثر من اتصال مادي بحت على المال، فإذا تصرف بها فلا يعد سيئا للائتمان بل سارقا، لأن تسليم اليد العارضة لا ينفي الأخذ في السرقة.

    ومثاله الضيف والخادم والحمال، فإذا استولى أي من هؤلاء على مابين يديه فهو سارق وليس مسيء للائتمان، لأنه لم يؤتمن على ما  تسلمه.

    2- صدور التسليم من ذي صفة:

    يجب أن يتم التسليم ممن له صفة على المال .

     وهذه الصفة تكون لمن يحوز المال حيازة تامة أو ناقصة.

     والأصل أن يقع التسليم من مالك المال، وهذا التسليم لا يثور بشأنه أي خلاف.

     إلا أن التسليم قد يقع أيضا من سارق المال، فالسارق يحوز المال حيازة تامة، فإذا أودعه لدى أخر أو أعاره إليه أو أجره له، فتصرف هذا الشخص بالمال، يعتبر مسيئا للائتمان.

     وحائز المال حيازة ناقصة يعتبر ذا صفة في التسليم.

     فالمستأجر للمال الذي أعاره لشخص آخر أو أودعه لديه، فتصرف به الأخير، يعتبر مسيئاً للائتمان.

    أما إذا وقع التسليم من شخص ليس بذي صفة على المال، فإن تسليمه لا يعتد به قانوناً.

    كما هو الشأن بالتسليم الصادر من صاحب اليد العارضة، كالضيف والخادم والحمال.

    وكما رأينا سابقاً فهذا التسليم لا ينفي الأخذ في جريمة السرقة، وبالتالي من يستلم مالا من صاحب اليد العارضة فيتصرف به يعتبر سارقا له وليس مسيئا اللائتمان .

    وقد لا يتم التسليم من حائز المال حيازة تامة أو ناقصة، بل يتم بناء على أمر قضائي أو حكم القانون، كما هو الحال بالنسبة لاستلام الولي والوصي والقيم والحارس القضائي.

    ولا يختلف الحكم بالنسبة لهؤلاء عن حكم من تسلم المال من المالك أو الحائز.

    ولهذا يعد كل منهم مسيئا للائتمان إذا تصرف بالمال الذي تسلمه بموجب إحدى هذه الصفات.

    3- صدور التسليم عن اختيار وارادة:

    يجب أن يكون التسليم في إساءة الائتمان صادر عن شخص ذي صفة باختياره وبإرادته الحرة حتى يعتد بتسليمه قانوناً .

     فمن يتسلم مالاُ من مجنون أو مكره ثم يتصرف به يعتبر سارقاً له وليس مسيئا للائتمان.

     بيد أن هذه القاعدة غير مطلقة، فالإرادة المعيبة لنقص الأهلية، دون انعدامها، قد تنقل الحيازة وتمهد لارتكاب إساءة الائتمان.

     ويعتد بالتسليم الصادر عن شخص بإرادته الحرة المميزة حتى ولو تم التسليم نتيجة غلط من المسلم، في قيمة المال أو كميته أو في شخص المستلم، أو تم التسليم نتيجة غش وخداع من المستلم، لأن إرادة المسلم، بغض النظر عما شابها من عيب، قد اتجهت فعلا إلى التسليم.

     وقد سبق لنا شرح هذه الفكرة عند دراسة أحكام السرقة، وقلنا أن من يتسلم مالاً منقولاً نتيجة غلط وقع به المسلم، فتصرف به، يعتبر مرتكبا للجرم الوارد في المادة 659 من قانون

     

    العقوبات، وهو جرم ملحق بإساءة الائتمان. أما من تسلم مالاً منقولا بخداعه للمسلم، وتصرف به، فيعتبر مرتكب الجرم الاحتيال إذا توافرت بقية أركان الاحتيال.

    ثانياً – أن يتم التسليم بناء على أحد العقود المحددة قانوناً.

    يجب في التسليم المعتد به في إساءة الائتمان أن يكون مصدره عقدا من عقود الأمانة التي نص عليها المشرع على سبيل الحصر .

     وهي كما جاءت في المادة 656 ” الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو العارية أو الرهن أو لإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة “.

    أما المادة 657 فتطلبت أن يكون تسليم المثليات” لعمل معين .

    فإذا لم يكن العقد الذي حصل التسليم بمقتضاه من هذه العقود، كعقد البيع و عقد القرض وعقد الشركة مثلا، أو كان التسليم لم يحصل أصلا بناء على عقد، فإن التصرف بالمال لا يعد إساءة ائتمان.

     وعبارة “لإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة” الواردة في المادة 656 تشير إلى ثلاثة عقود يتسلم بها المدعى عليه المال للقيام بعمل معين وهي المقاولة والنقل وعقد الخدمات المجانية. أما تسليم المثليات في المادة 657 ” لعمل معين ” فتشير إلى ذات العقود الثلاثة السابقة إضافة لعقد الوكالة، لأن هذه العقود تفترض تسليم المال العمل معين.

  • اساءة الأمانة في عقود الوديعة

    الوديعة عقد يلتزم به شخص أن يتسلم شيئاً من أخر على أن يتولى حفظ هذا الشيء وعلى أن يرده عينة (المادة 684 من القانون المدني).

    وكما أسلفنا فإن مناط العقاب هنا ليس الإخلال بالتزامات المودع لديه، وإنما هو الاعتداء على ملكية الشيء محل الوديعة.

    بالتالي لا عقاب على الإهمال في حفظ الوديعة ولو ترتب عليه هلاكها، ولا على استعمال الوديعة بغير إذن مالكها، ولا مجرد التأخير في ردها ما دام المودع لديه لا ينكر ملكية المودع للوديعة.

    ويتضح من التعريف

    الذي أوردناه أنه لا بد لقيام الوديعة من توافر شرطين:

    1- تسليم مال منقول إلى أخر.

     فلا وديعة إذا لم يكن هناك تسليم للمال من المودع إلى المودع لديه. ويستوي أن يكون التسليم حقيقياً أو أن يكون حكمياً.

     ومن أمثلة التسليم الحكمي بقاء الشيء المباع لدى البائع على سبيل الوديعة بعد أن انتقلت ملكيته إلى المشتري .

    فإذا اختلس البائع هذا الشيء قامت في حقه جريمة إساءة الائتمان.

    كما يستوي أن يحصل التسليم من المودع إلى المودع لديه مباشرة، وهذا هو الأصل، أو أن يحصل التسليم بطريقة غير مباشرة.

     ومن أمثلة التسليم غير المباشر حالة وارث المودع لديه. فالوارث يكون مسئولاً عن الوديعة التي تسلمها المورث، فإذا اختلسها وهو يعلم بحقيقتها قامت في حقه جريمة إساءة الائتمان .

     

    2- يشترط أن يكون تسليم الوديعة بقصد حفظها وردها بذاتها،

     أي أن يكون تسليم الوديعة مقتصراً على نقل الحيازة الناقصة، أما إذا لم يكن استلام الشيء بقصد حفظه، أو لم يكن الاتفاق منصباً على رد الشيء بذاته فلا يعد اختلاسه إساءة ائتمان .

     فيعد سارقاً لا مسيئاً للأمانة من تسلم مالاً من الغير بقصد معاينته وتقدير قيمته ورده في الحال ففر هارباً به.

    ولا جريمة أيضا إذا كان التسليم ناقلا للحيازة التامة، إلا إذا كان هذا التسليم نتيجة غش وخداع فيعتبر الفعل احتيالاً إذا توافرت سائر أركانه.

    والأصل في محل الوديعة أن يكون مالا قيمياً، لأن المال القيمي هو الذي يفترض أن يرد بالذات .

    ومع هذا فمن الممكن أن تتحقق الوديعة بالنسبة لمال مثلي، كالغلال والنقود، إذا اتفق الطرفان أن يسترد المودع هذا المال بذاته.

     إذن فالوديعة التي تكون محلا للحماية الجزائية هي الوديعة التي يلتزم فيها المودع لديه بالرد عينا، سواء أكان المال قيمية أم كان مثلية.

    وبناء عليه لا يعتبر مرتكبا لجريمة إساءة الائتمان المودع لديه إذا كان ملتزماً برد مقابل المال المودع لديه كماً ونوعاً، دون رده بذاته أو بعينه، لأن التسليم في هذه الحالة قد اقترن بنية نقل الحيازة التامة وليس الناقصة، أي اقترن بالسماح للمودع لديه أن يتصرف بالشيء محل الوديعة ثم رد قيمته أو مثله دون الالتزام برده عيناً.

     وتطبيقا لذلك لا يعد مسيئا للائتمان مدير البنك الذي يتصرف في النقود المودعة في البنك والتي يتقاضى عليها المودعون فائدة معينة نظير انتفاع البنك بها ، أو المدين الذي يلزمه دائنه بالتوقيع على سند أمانة باعتبار أن المال لديه على سبيل الوديعة.

    ففي هذه الحالات تم تسليم المال تسليما ناقلا للحيازة التامة وليس الناقصة، ويكيف العقد على حقيقته بأنه قرض أو عارية استهلاك وليس وديعة.

     ويستوي أخيرة أن تكون الوديعة تعاقدية أو قانونية أو قضائية.

    فكما سبق و أشرنا إلى أن الحصر التشريعي للعقود الائتمانية يتسع لبعض المراكز الائتمانية غير التعاقدية، فتقوم جريمة إساءة الائتمان فيها بالرغم من عدم وجود عقد من الناحية القانونية.

     وأبرز أمثلة لهذه المراكز تتمثل في حالتي الوديعة والوكالة. فالوديعة كما تكون تعاقدية قد تكون قانونية أو قضائية.

     ومن أمثلة الوديعة القانونية حالة الوريث الذي يتسلم شيئاً مودعة لدى مورثه، وهو يعلم بكونه وديعة، فهذا الشيء يعتبر لديه على سبيل الأمانة، فإذا تصرف به يعتبر مسيئاً للائتمان.

     ومن أمثلة الوديعة القضائية، حالة الحارس القضائي على المال المحجوز عليه، والمسلم له كشخص ثالث، فالمال يكون لديه وديعة، فإذا اختلسه أو تصرف به قام في حقه جرم إساءة الائتمان.

  • إساءة الأمانة في عقود المقاولة والنقل والخدمات المجانية

    تستخلص هذه العقود الثلاثة من العبارة التي أوردها المشرع في المادة 656 بقوله أن الشيء قد سلم “لإجراء عمل القاء أجرة أو بدون أجرة، كما تستخلص أيضاً من العبارة الواردة في المادة 657، بقوله أن الشيء المثلي أو النقود قد سلم العمل معين”.

     فالمقاول والناقل ومن تعهد بخدمة مجانية يتسلمون شيئاً مملوكاً لغيرهم لكي يقوموا حياله بعمل معين، فإذا استغل أحدهم وجود الشيء في حيازته فاستولى عليه قام في حقه جرم إساءة الائتمان.

     والمقاولة أو إجارة الصناعة هي عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً، أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الأخر (المادة 612 من القانون المدني).

    أما عقد النقل فهو صورة من صور عقد المقاولة يتميز عن سائر صوره بنوع الخدمة التي يتعهد الناقل بتقديمها، والتي تتمثل بتأمين انتقال شخص أو شيء من موضع إلى أخر .

     أما عقد الخدمات المجانية فهو لا يختلف بشيء عن عقد المقاولة سوى بغياب البدل أو الأجر. فبهذا العقد يقوم أحد طرفيه بعمل أو خدمة لصالح الطرف الأخر دون أن يتقاضى أجراً مقابله  وبهذه العقود الثلاثة يستلم أحد الطرفين من الأخر شيئا على سبيل الحيازة الناقصة، فإذا حول حيازته لهذا الشيء إلى حيازة تامة قامت بحقه جريمة إساءة الائتمان.

     فالطحان الذي يتسلم غلالاً لطحنها، والخياط الذي يتسلم قماشاً اليخيطه ثوباً، والنجار الذي يتسلم خشباً ليصنعه أثاثاً، إذا اختلس هؤلاء ما سلم إليهم، تقوم في حقهم جريمة إساءة الائتمان.

    ويسأل أيضاً عن إساءة الائتمان الناقل الذي يتسلم طردا لنقله إلى مكان معين، فيستولي عليه. كما يسأل عن هذه الجريمة الصديق الذي يتطوع لإصلاح شيء لصديقه أو لتصنيعه أو لنقله إلى شخص أخر إذا اختلس ما سلم إليه.

    ومن المسلم به أن الشرط الأساسي لارتكاب إساءة الائتمان في هذه العقود هو أن تكون الأشياء قد سلمت على سبيل الحيازة الناقصة، أي من أجل القيام بالعمل ثم ردها عيناً، سواء في صورتها الأصلية أو بعد أن يدخل التعديل عليها.

     وتطبيقاً لذلك إذا تسلم النجار أخشابا ليصنع منها أثاثاً، وتسلم معها مبلغاً من النقود كأجر معجل له، وإذا تسلم الخياط قطعة قماش ليخيطها بنطالاً، وتسلم معها مبلغاً من النقود كأجر معجل.

    فإساءة الائتمان تقوم في حق النجار والخياط إذا لم يرد الأخشاب أو قطعة القماش بعينها، لأن عقد المقاولة يلزمه بردها، إما مصنعة أثاثاً أو بنطالاً، وإما بذاتها دون تصنيع.

     أما إذا رد الأخشاب أو قطعة القماش دون تصنيع ولم يرد المبلغ الذي تسلمه، فلا تقوم الجريمة في حقه، لأن النقود سلمت إليه تسليما ناقلاً للحيازة التامة، أي لتصبح ملكاً له باعتبارها أجرة معجلة، ولا يغير من صفتها هذه أن يكون الغرض من تسليمها إنفاقها في غرض معين ، كأن يكون النجار أو الخياط قد استلم المبلغ ليكون له أجرأ معجلاً وليتمكن من شراء بعض المواد التي تدخل في صناعة الأثاث أو الخياطة، كالطلاء أو المسامير أو نوع معين من الخيوط وما إلى ذلك.

     وغني عن البيان أن إساءة الائتمان لا تقوم بحق من يخل بأي التزام أخر من الالتزامات التي تولدها هذه العقود الثلاثة، ولكن تقوم في حق من يخل بالتزام الرد عيناً أو مثلا، فلا يكفي في قيامها إهمال المستلم أو تقصيره في المحافظة على الشيء ولو أدى لهلاکه.

    فما دام لا ينكر ملكية المسلم للشيء، وذلك بالاستيلاء عليه أو اختلاسه، فلا جريمة

  • الركن المعنوي لجرم إساءة الأمانة

    تطلب المشرع القصد الجرمي في الصورة العامة الإساءة الائتمان الواردة في المادة 656 بعبارة ” كل من أقدم قصداً على كتم أو اختلاس …”.

    وهذا يعني أنه لا بد لقيامها من توفر القصد الجرمي لدى مرتكبها، ولا يمكن أن تقع غير مقصودة مهما بلغت جسامة الخطأ الذي وقع به الشخص.

    أما المادة 657 فلقد تضمنت تعبيرا يفهم منه أن الأمين تصرف في المال المثلي أو النقود المسلمة إليه لعمل معين ” وهو يعلم أو كان يجب أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة مثلها…”.

    والتصرف بالمال مع العلم بعدم القدرة على رد مثله يفيد القصد الجرمي. أما إذا كان يجب عليه أن يعلم بأنه لا يستطيع رد من المال الذي تسلمه ولم يتخذ الاحتياطات اللازمة وقصر في بذل الجهد الذي يحول دون الامتناع عن رد مثل هذا المال فإنه يكون قد توفر لديه الخطأ، الذي يعتبر كافياً لتوافر الركن المعنوي في جريمة إساءة الائتمان في الأشياء المثلية .

     تخلص من ذلك أن الصورة العامة لإساءة الائتمان الواردة في المادة 656 لا تقوم إلا إذا اتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجرمي. أما الصورة الخاصة بإساءة الائتمان بالأشياء المثلية الواردة في المادة 657 فتقوم سواء اتخذ فيها الركن المعنوي صورة القصد الجرمي أو الخطأ.

     مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأصل في جريمة إساءة الائتمان أن تكون مقصودة، وليست صورتها غير المقصودة سوى صورة ثانوية بل و استثنائية .

    الركن المعنوي للصورة العامة لإساءة الائتمان المادة 656

    صرحت المادة 656 بتطلب القصد الجرمي، كما أسلفنا، بقولها ” كل من أقدم قصدا…”.

    وعلى الرغم من أنها لم تشر إلا إلى القصد العام، إلا أنه من المسلم به أنه يشترط توافر القصد الخاص إضافة للقصد العام.

     ويتمثل هذا القصد الخاص في نية تملك المال محل الأمانة. إذن لا بد من توافر عناصر القصد العام إلى جانب نية التملك المكونة للركن الخاص .

     

    أولاً- القصد العام

    لا بد لقيام القصد العام من توفر عنصري العلم والإرادة.

    1- العلم:

    يجب أن ينصب العلم على كافة أركان الجريمة.

    وبناء عليه يجب أن يعلم الفاعل أن المال مملوكة للغير، وأنه يحوزه حيازة ناقصة لحساب مالكه.

     وينتفي ،تبعاً لذلك، القصد الجرمي لانتفاء العلم إذا كان المال محل الأمانة قد اختلط بمال الأمين فتصرف به دون أن يعلم أنه المال محل الأمانة.

     كما ينتفي إذا اعتقد الأمين أنه يحوز المال حيازة تامة، ومثالها حالة الوارث الذي يتصرف بشيء من أشياء التركة التي آلت إليه معتقدا انتقال ملكيته له، ثم يتبين أن هذا الشيء كان يحوزة المورث على سبيل العارية أو الوديعة.

    2- الإرادة:

     يجب أن تتجه الإرادة إلى الفعل والنتيجة. أي أن تتجه إرادة الفاعل إلى إتيان فعل الكتم أو الاختلاس أو الإتلاف أو التمزيق عن علم بطبيعته، وان تتجه إلى إنزال الضرر، بمفهومه العام كاعتداء على الملكية، بالمجني عليه أو غيره. وباعتبار أن القصد الاحتمالي يتساوى مع القصد المباشر، فإنه يكفي لتوافر القصد أن يتوقع الفاعل نتيجة فعله ويقبل بها، أي يتوقع احتمال الضرر فيقبل به.

     وتطبيقاً لذلك إذا توقع الفاعل هلاك الشيء نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين، فقبل بالمخاطرة، فيسأل عن إساءة ائتمان مقصودة استنادا لقصده الاحتمالي.

    أما إذا أدى إهمال الأمين أو عدم احتياطه إلى هلاك الشيء المؤتمن عليه، أو قام الأمين باستعمال الشيء بصورة منافية لما أعد له فهلك، ولكن دون أن تتجه إرادته إلى إهلاكه، أو تقبل بذلك، فإن القصد ينتفي لديه.

     وينتفي القصد أيضا لانتقاء الإرادة إذا سرق الشيء من الأمين ولو بإهماله، أو ضاع نتيجة قوة قاهرة أو حادث مفاجئ.

     

    ثانياً- القصد الخاص

    يتمثل القصد الخاص في إساءة الائتمان بنية تملك المال محل الأمانة.

     ونية التملك تعني الاستيلاء على المال أو السلوك إزاءه مسلك المالك، بتحويل الحيازة من ناقصة إلى تامة بأحد الأفعال الكاشفة لهذه النية، التي ذكرها نص المادة 656 من كتم أو اختلاس أو إتلاف أو تمزيق.

     فنية التملك تتضمن نكران الحق ملكية المالك للشيء محل الأمانة .

    تطبيقا لذلك فإن كان عدم رد محل الأمانة غير مقترن بهذه النية ، تنتفي الجريمة لانتفاء القصد الخاص.

    ومن أمثلة ذلك أن يؤخر المستعير أو المستأجر رد الشيء إلى مالكه ليطيل مدة انتفاعه به، فالإرادة متجهة هنا إلى الإخلال بالالتزام التعاقدي وليس إلى تملك المال .

     ومتى توفر القصد الجرمي بصورتيه العام والخاص، قامت جريمة إساءة الائتمان بصرف النظر عن الباعث على ارتكابها .

     كأن يكون الإثراء على حساب الغير أو الإضرار بالغير في حالة الإتلاف والتمزيق، أو لإعانة محتاج أو مساعدة مشروع خيري.

    فهذه البواعث لا تدخل في تكوين الركن المعنوي، وإن كانت تؤخذ بعين الاعتبار عن تقدير العقاب.

     

    الركن المعنوي لجريمة إساءة الائتمان الخاصة بالأشياء المثلية (المادة 657)

    عندما يكون المال محل الأمانة مالاً مثلياً فإن الركن المعنوي لإساءة الائتمان قد يتخذ صورة القصد الجرمي، وقد يتخذ صورة الخطأ.

     وهو ما يستفاد من نص المادة 657، بعبارة وهو يعلم أو كان يجب عليه أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة ملها”. ويتوافر القصد الجرمي، بصورة القصد الاحتمالي، إذا كان الأمين يعلم حين يتصرف بالمثليات أو بالنقود المؤتمن عليها أنه لا يستطيع إعادة مثلها فيتوقع تبعا لذلك الضرر الذي سوف ينزل بالمجني عليه فيقبل به.

    وعلى ذلك يتحقق الركن المعنوي في صورة القصد إذا كان الشيء المسلم للأمين نقوداً فتصرف بها مع علمه بأنه لن يتمكن من رد مثل هذا المبلغ.

    فهنا يتوفر الركن المعنوي إذا توفرت بقية عناصره، أي العلم بأن المال مملوك للغير وأنه في حيازته الناقصة، وأن تتجه إرادته إلى التصرف بالمال وإلى إنزال الضرر بالمجني عليه أو بغيره.

     والمثال على هذه الصورة أن ينفق الوكيل النقود التي سلمها له الموكل ليقوم لصالحه بعمل معين، عالماً بإعساره وبأنه لن يتوفر لديه مال لإيفاء الموكل حقه ويتوقع تبعاً لذلك عجزه عن إبراء ذمته تجاهه فتتجه إرادته إلى ذلك نكاية فيه أو يقبل بذلك لأنه لا تعنيه مصالح موكله ولا يعبأ بفقده ثقته فيه.

    أما إذا تصرف الوكيل بالنقود وهو لا يعلم بأن تصرفه هذا سيترتب عليه عدم تمكنه من رد مثله، بل حسب أن هناك صفقة ستدر عليه ربحاً وفيراً يمكنه من رد مثل النقود إلا أنه لم يبذل جهداً كافياً في تقدير أرباح تلك الصفقة لعدم إدراكه وإلمامه بقواعد السوق بصورة كافية فكان أن امتنع عن رد مثل النقود التي تسلمها من موكله بسبب تقصيره هذا وما كان يجب عليه بذله من جهد في سبيل تفادي تلك النتيجة، فإن جريمة إساءة الائتمان تقوم في حقه ويتخذ الركن المعنوي فيها صورة الخطأ.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1