الوسم: مستشار قانوني

  • شرح القاعدة الفقهية: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما

    شرح القاعدة الفقهية: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما

    محامي عربي

    إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما

     

    إن مراعاة المفاسد تكون نفياً كما أن المصالح تراعى إثباتاً. فإذا دار الأمر بين ضررين كان من الواجب ارتكاب أهونهما، أما إذا كانا متساويين فيرتكب أحدهما لا على التعيين .

     قال البعض إن هذه القاعدة عين السابقة، لكن يمكن أن يُدعى تخصيص السابقة بما إذا كان الضرر الأشد واقعاً وأمكن إزالته بالأخف، وتخصيص هذه القاعدة بما إذا تعارض الضرران ولم يقع أحدهما بعد، وهذا أحسن من دعوى التكرار، إذ التأسيس أولى من التأكيد إذا أمكن وإلى هذا التخصيص يشير التعبير (يزال) في الأولى و تعارضت) في الثانية.

    يتفرع على هذه القاعدة جواز السكوت عن إنكار المنكرات إذا كان يترتب على إنكارها ضرراً أعظم. .

    ومنها: جواز طاعة الزوج الفاسق في غير معصية إذا كان يترتب على عصيانه شراً أعظم في خراب الأسرة.

  • شرح القاعدة الفقهية: الحقيقة تترك بدلالة العادة

    شرح القاعدة الفقهية: الحقيقة تترك بدلالة العادة

    محامي عربي

    الحقيقة تترك بدلالة العادة والعرف؛ لأن التعارف يجعل إطلاق اللفظ على ما تعورف استعماله حقيقة بالنسبة للمستعملين ويجعل إطلاقه على معناه الوضعي الأصلي في نظرهم مجازاً.

    وفائدة وضع هذه بعد المادة  (العادة محكمة) والمادة  (استعمال الناس حجة يجب العمل بها ) لدفع ما عساه يتوهم من أن تحكيم العادة والعمل باستعمال الناس إنما يكونان حيث لم تعارضهما حقيقة، فنبهوا أن تحكيمهما لا تقوى الحقيقة على معارضتهما بل يعمل بها دونها ؛ لأن العرف قاض على الوضع .  .

    فيتضح أن العرف اللفظي بوجه عام تنشأ به لغة جديدة تكون هي المعتبرة في تحديد ما يترتب على تصرفات أهل ذاك العرف القولية من حقوق وواجبات، واللغة العامية في كل مكان هي من هذا القبيل، وإن ما تفيده أساليب العوام البيانية من عقد أو تعليق أو تنجيز أو إذن أو غير ذلك هو المعتبر وإن خالف قواعد اللغة الفصحى.

    لذلك ذكر الفقهاء أن المفتي عندما يُستفتى عن مسألة يجب عليه إذا كان المستفتي من بلدة أخرى أن لا يفتي قبل أن يعلم المعنى المستعمل للفظ المستفتى به في بلدة المستفتي. 

    تنبيه : استعمال اللفظ في المعنى المجازي يحتاج إلى قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وهذه القرينة المانعة على وجوه :

    أ ـ إما لأن المعنى الحقيقي متعذر عقلاً، كمن حلف لا يأكل من هذه الشجرة لامتناع أكله من جسمها أي خشبها والمجاز الأكل من ثمرها أي أن المجاز اللغوي صار حقيقة عرفية .

    ب ـ أو لأن المعنى الحقيقي مهجور عادةً كمن حلف لا يدوس دار فلان فالمقصود له لا يدخلها لا أن لا يدخل رجله فيها  ج ـ أو لأن المعنى الحقيقي مهجور شرعاً كما لو قال شخص : وكلت فلاناً بالخصومة، فالمعنى الحقيقي للخصومة هو المنازعة والمقاتلة ومعناها الشرعي المرافعة والمجاوبة عن الموكل في الدعوى المقامة منه أو عليه.

    من فروع هذه القاعدة:

    إذا اشترط الواقف في صك وقفيته تعيين ناظر على وقفه وكان معنى الناظر في عرف زمانه المتولي الذي يتولى إدارة الوقف من جباية وتعمير وإنفاق حمل على معنى المتولي كما عليه العرف، وإن كان معناه المشرف المراقب على المتولي انصرف إليه .

    لو وقف مالاً على ذريته وشرط أن توزع الغلة بينهم حسب الفريضة الشرعية فالراجح من رأي الحنفية أنه يعطى للذكر منهم مثل حظ الأنثيين؛ لأن هذا هو المعنى العرفي بين الناس لكلمة فريضة شرعية التي تفسر بها إرادة الواقف، وإن كان الأحسن شرعاً أن يسوّي الإنسان في العطية بين الذكور والإناث من أولاده، وكلام الواقف ينزل على لغته وعرفه لا على المسلك الأفضل شرعاً. 

    ومن فروعها : لو أوقف رجل ماله أو أوصى به للفقهاء، يدخل فيهم المقلد؛ لأن لفظ الفقيه يطلق عليه عرفاً فينصرف كلام الواقف إليه لأنه حقيقة عرفية تترك به الحقيقة الأصلية.

    ومنها: أن الإقرار بدين المعلق بالشرط باطل إلا إذا علق بزمان يصلح أ يكون أجلاً للدين في عرف الناس، فإنه يحمل حينئذ على الإقرار بالدين المؤجل. فالمعنى الحقيقي في قول شخص : إذا جاء أول الشهر الفلاني فلفلان عندي ألف . وهو تعليق الإقرار بالشرط بدلالة العادة إلى أنه إقرار بدين مؤجل.

     وكذلك الإبراء المعلق على الموت يعتبر ويحمل على الوصية.

  • شرح القاعدة الفقهية : العادة محكمة مع تطبيقاتها

    شرح القاعدة الفقهية : العادة محكمة مع تطبيقاتها

    محامي عربي

    العادة هي الاستمرار على شيء مقبول للطبع السليم والمعاودة إليه مرة بعد أخرى، وسواء كانت العادة عامة أم خاصة تُجعل حكماً لإثبات حكم شرعي لم ينص على خلافه بخصوصه، ولا تُعتبر إلا إذا كانت سابقة على ورود النص التشريعي، أو كانت حادثة دون أن تتعارض معه .   .

    وأصل هذه القاعدة قول ابن مسعود ( ر ض) :

    (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح)

    وهو حديث حسن، قال فيه السخاوي في المقاصد الحسنة : رواه أحمد في كتاب السنة ووهم من عزاه للمسند، وجعله العلائي موقوفاً على ابن مسعود  ، وإنه وإن كان موقوفاً عليه فله حكم المرفوع لأنه لا مدخل للرأي فيه، والظاهر إنه يصلح دليلاً على الإجماع لا على العرف.

    كل عمل اختياري لا بد له من باعث وهذا الباعث إما خارجي كظهور منفعة من شيء أو عمل، وإما داخلي كحب الانتقام الدافع إلى الكيد وكحياء البكر الباعث على الصمت.

    فإذا ارتاح الإنسان للفعل الذي مال إليه بذلك الباعث وكرره أصبح بالتكرار عادة له، فإذا حاكاه غيره فيه بدافع حب التقليد وتكررت هذه المحاكاة وانتشرت بين معظم الناس، يتكون عندئذ بها العرف الذي هو في الحقيقة عادة الجماعة  .

    والعادات التي تشيع في البلاد أو بين أصناف مخصوصة من الناس لا تنشأ عن دواع واحدة وبطريقة واحدة لكن معظم العادات إنما تنشأ عن الحاجة، ، إذ يعرض للناس ظرف خاص يدعوهم إلى عمل خاص فيتكرر العمل ويشيع حتى يصبح عرفاً دارجاً كما في نشأة وقف أنواع من الأموال المنقولة،

    وقد تنشأ العادات والأعراف بأمر صاحب السلطان الحاكم أو برغبته وتوجيهه، كعادة حساب الأيام بالتقويم الشمسي، وقد تكون العادات وراثية عن الأسلاف دون أن تدعو إليها حاجة حقيقية.

    وللعادات سلطان على النفوس وتحكم في العقول، فمتى رسخت العادة اعتبرت من ضروريات الحياة، لأن العمل بكثرة تكراره تألفه الأعصاب والأعضاء، لذا قالوا (إن العادة طبيعة ثانية) و

    قد قال ابن عابدين : (إن في نزع الناس عن عاداتهم حرجاً عظيماً).

    ويتضح من ذلك أن العادات منها الحسن ومنها القبيح؛ إذ ليس كل ما يعتاده الناس ويتعارفونه ناشئاً عن حاجة صادقة ومصلحة حكيمة يكون الأمر المعتاد وسيلة ميسرة لها، فقد يعتاد الناس عادات تقوم على جهالات موروثة يشقى بها المجتمع وليس فيها منفعة، كأخذ أولياء البنات مهورهن عند تزوجهن .

    والعادة لا تسمى عرفاً إلا في الأمور المنبعثة عن تفكير واختيار، وقد عرفه الفقهاء بقولهم : هو ما استقر في النفوس من جهة العقول، كالتعامل في الزواج على أن المرأة تشتري بمهرها جهازاً من ملبوس ومفروش تحضره معها إلى بيت الزوج، وأنها لا تُزف قبل أن يدفع الرجل معجل مهرها كله أو بعضه…

    أما ما يكون ناشئاً عن عوامل طبيعية لا عن تفكير واختيار، كإسراع بلوغ الأشخاص في الأقاليم الحارة وبطئه في الأقاليم الباردة، لا يسمى عرفاً بل عادة، فتكون النسبة بين العرف والعادة هي العموم والخصوص المطلق، لأن العادة أعم.

    ولاعتبار العرف أربعه شروط، وهي :

    ١ ـ أن يكون العرف مطرداً بحيث يكون العمل به بين متعارفيه مستمراً في جميع الحوادث لا يتخلف، كالعرف على تقسيم المهر في النكاح الى معجل

    ومؤجل، أو يكون غالباً بحيث يكون جريان أهله عليه في أكثر الحوادث .

    ٢ ـ أن يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات قائماً عند إنشائها ولا عبرة بالعرف الطارىء، وكذلك نصوص الشريعة لا يؤثر فيها إلا ما قارنها من

    العادات .

    ٣ ـ أن لا يعارض العرف تصريح بخلافه سواء كان التصريح في النص أو في شروط أهل التصرفات القولية.

    ٤ ـ أن لا يكون في العرف تعطيل لنص ثابت، أو لأصل قطعي في الشريعة.

    لو نكح أو طلق هازلاً صحت تصرفاته، وإن كان عرفاً لا يعتد بالمعقود عليه هزلاً ؛ لأن الشرع حكم عليه بالصحة للحديث: ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة)) على ما في رواية الترمذي وأبو داود.

    أما  عن حالات مخالفة العرف للأدلة الشرعية فعلى وجوه كما فندها العلّامة مصطفى الزرقا حفظه الله :

    أ ـ أن يصطدم العرف اصطداماً بنص تشريعي خاص من كتاب أو سنة ثابتة، آمراً بخلاف ما جرى عليه العرف بحيث يكون وارداً عن الشارع بشأن الأمر الذي هو موضوع العرف فيقدم النص بالاتفاق كالنهي عن نكاح الشغار الذي كان متعارفاً عليه في الجاهلية.

    ب ـ أن يتعارض العرف اللفظي مع نص تشريعي عام يكون فيه الحكم شاملاً للأمر الجاري فيه العرف وغيره، بحيث تكون دلالة اللفظ الذي استعمله الشارع في أصل اللغة أوسع من دلالته العرفية، فينزل النص التشريعي العام على حدود معناه العرفي؛ لأن العرف اللفظي يجعل المعنى المتعارف حقيقة عرفية وهي مقدمة في الفهم على الحقيقة اللغوية التي تصبح بالنسبة إلى الحقيقة العرفية مجازاً يحتاج إلى قرينة عند إرادته، كلفظ (عدة الطلاق) يراد به تربص المطلقة، أما عند وجود القرينة فيمكن حمله على معنى الاستعداد للطلاق.

    ج ـ أن يتعارض النص التشريعي العام مع العرف العملي الخاص القائم عند ورود النص، فعند الحنفية ليس للعرف الخاص ما للعرف العام من قوة في معارضة النص العام، ولا يصلح هذا العرف لتخصيصه ؛ لأن التخصيص بيان لمراد الشارع من النص لا تعديل طارىء عليه، والعرف الخاص لا يصلح دليلاً على أن الشارع لم يرد من نصه العام عموم معناه وذهب محققو المالكية إلى أن العرف العملي سواء كان عاماً أو خاصاً يخصص النص العام كما يقيد النص المطلق .

    ومن فروعهم:

    إذا كانت المرأة شريفة القدر لا يلزمها إرضاع ولدها إن كان يقبل ثدي غيرها للمصلحة العرفية في ذلك وهي مراعاة العرف الجاري في صون النساء الشريفات، ولأن من عادات أشراف العرب أن يسترضعوا لأولادهم مرضعات من البادية ابتغاء صحة الجسم وتقويم اللسان، وهو تخصيص لقوله تعالى : ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ ).

    د ـ أن يتعارض النص التشريعي مع العرف العملي العام القائم عند ورود النص فحينئذ يكون العرف العام مخصصاً للنص العام إذ يكون ذلك العرف قرينة دالة على أن الشارع لم يرد شمول ذلك الأمر كحديث النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخّص في السلم، وهو نص عام في منع كل أنواع البيع للمعدوم سوى السلم. وعقد الاستصناع يشمله المنع لعموم النص المانع الا أنه قد تعارفه الناس لاحتياجهم إليه فكان هذا العرف مخصصاً لعموم النص المانع فكأنما ورد النص باستثناء الاستصناع ضمناً كما استثنى السلم صراحة

    هـ ـ أن يتعارض النص التشريعي العام مع العرف الحادث بعد ورود النص وهو ما يعرف بالعرف الطارىء، فلا يعتبر هذا العرف في مواجهة النص وليس له سلطان على النص في تخصيصه إلا أن يكون النص معللاً بعلة يزيلها العرف كأن يكون النص مبنياً على عرف عملي قائم عند وروده، فإذا تبدل العرف تبدل حكم النص تبعاً، وهو رأي أبي يوسف وهو الراجح في المذهب والجمهور على خلافه، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري بشأن البكر البالغة «إذنها صماتها» فقد اتفقت آراء الفقهاء على أن هذا الحكم مبني على ما هو معروف في البكر من خجل في إظهار رغبتها في الزواج عند استئمار وليها لها بحسب التربية والتقاليد الاجتماعية، فإذا فرض أن هذه التربية قد تبدل اتجاهها وأصبحت الأبكار لا يتحرجن من إعلان هذه الرغبة أو عدمها ، فإن الإذن منهن حينئذ بالتزويج لا يكفي فيه السكوت بل يحتاج إلى بيان كما مع الثيبات، أو عند عدم الإذن يعتبر تزويجها عملاً فضولياً يحتاج إلى إجازة ليصبح نافذاً عليها .

    و ـ إذا تعارض العرف سواء كان قولياً أو عملياً وسواء كان قديماً أو طارئاً مع عبارة أهل التصرفات كعبارة الواقف أو المطلق. فتحمل هذه العبارات على المعاني العرفية دون المعاني اللغوية شرط أن تكون المعاني العرفية قائمة حين صدور هذه التصرفات من أصحابها، فلو أوقف على ذريته حسب فريضة الشرع، فيحمل لفظ الفريضة على معناه العرفي ويعني للذكر مثل حظ الأنثيين. وإذا تعارف الناس إيقاع الطلاق بألفاظ أو تعابير جديدة فشا استعمالها بينهم فإنه يقع بها الطلاق ولو كانت في أصل اللغة لا تقتضي وقوعه بها، كلفظ (عليّ الطلاق) الذي يستعمله الرجال في هذا الزمان عند إرادة التطليق مع أن الطلاق وصف يقع على المرأة التي هي محله شرعاً لا على الرجل.

    ولو قال لزوجته (أنا منك طالق) لا يقع به الطلاق وإن نواه لأن الرجل لا يكون طالقاً بل مطلقاً. وقد صح تطليق الزوجة باللفظ الأول لأنه أصبح في العرف والاستعمال نظير قوله لامرأته (أنت طالق).

    ز ـ إذا تعارض العرف مع الأحكام الاجتهادية التي يثبتها الفقهاء المجتهدون استنباطاً وتخريجاً بطريق القياس النظري على حكم أوجبه الشارع بالنص فيترك القياس ويعتبر العرف؛ لأن العرف أقوى من القياس لما ذكره العلامة ابن الهمام (العرف بمنزلة الإجماع شرعاً عند عدم (النص)، ومن المعلوم أن ترجيح العرف على القياس يعتبر عند الحنفية من قبيل الاستحسان الذي تترك فيه الدلائل القياسية لأدلة أخرى منها العرف.

    من فروع هذا المبدأ:

    أن الأصل القياسي يقضي بأن على الحاكم أن يستمع إلى كل دعوى ترفع إليه ثم يقضي للمدعي أو للمدعى عليه بحسب ما  يثبت لديه، لكن الفقهاء تركوا هذا القياس فيما إذ ادعت الزوجة المدخول بها أن زوجها لم يدفع إليها شيئاً من معجل مهرها فقالوا لا تسمع دعواها هذه بل يردها القاضي، وعللوا ذلك بأن عادة الناس التي لا تكاد تتخلف أن المرأة لا تزف إلى زوجها ما لم يدفع المهر المعجل فتكون دعواها مما يكذبه الظاهر من الحال  بعد الدخول، إلا أن العرف لم يبق كما هو فكثير من الناس يزففن دون قبض شيء من المهر تيسيراً على الزوج فيبقى سماع هذه الدعوى اليوم.

    ومنها:

    إن القواعد القياسية تقضي بأنه لا يجوز دفع الدين لغير صاحبه ولا ينفذ قبضه على الدائن من ولاية أو وكالة لكن الفقهاء تركوا القياس في البنت البكر البالغة إذا قبض أبوها أو جدها عند عدم الأب مهرها من زوجها حين زواجها، واعتبروا هذا القبض نافذاً عليه ومبرئاً لذمة الزوج للعرف والعادة ما لم يصدر منها نهي عن دفع المهر الى سواها .

    من فروع هذه القاعدة :

    إذا كان النص الشرعي . يقتضي الخصوص والعرف القولي يقتضي العموم فالمعتبر الخصوص، من ذلك فلو أوصى لأقاربه لا يدخل الوارث اعتباراً لخصوص الشرع لأنه من قبيل مصارعة العرف القولي للنص المخالف له، وهو قوله عليه الصلاة والسلام ((لا وصية لوارث)) .   .

    ومنها:

    العرف الزائد على اللفظ لا عبرة به كما لو قال لأجنبية إن دخلت بك فأنت طالق فنكحها ودخل بها لا تطلق وإن كان يراد في العرف من هذا اللفظ دخوله بها عن ملك النكاح ؛ لأن هذه الزيادة على اللفظ بالعرف أي أن الدخول المعلق أعم من مدلول لفظ دخول، ومن هنا قال الامام محمد (بالعرف يخص ولا يزاد  . أما إذا قال لها : إن تزوجتك فأنت طالق، فيقع الطلاق بالجماع مرة؛ لأن معنى الجماع المعلق عليه أخص من معنى مدلول لفظ الزواج .

    تنبيه :

    اعتاد الباحثون في مباحث العرف أن يوردوا مسائل القرائن العرفية لما فيها من خطر وعظيم أثر في إثبات الأحكام ذلك أن الفقه الإسلامي اعتبر القرائن من الأدلة المثبتة التي يعتمد عليها في القضاء بدرجات مختلفة، فإذا كانت القرينة قطعية كانت وحدها بينة نهائية كافية للقضاء كما لو حصل الحمل بعد وجود العقد فالنسب ثابت بالفراش. أما إذا كانت القرينة غير قطعية ولكنها أغلبية فإن الفقهاء يعتمدونها دليلا أولياً يترجح بها زعم أحد المتخاصمين حتى يثبت خلافها ببينة أقوى، وهذه تسمى قرائن عرفية أو ظاهر الحال.

    من ذلك : إذا اختلف الزوجان في بعض أمتعة البيت إنها ملك الرجل أو المرأة ولا بينة لأحدهما، فيترجح قول الرجل فيما يستعمله الرجال، ويترجح قول المرأة فيما تستعمله النساء، وذلك بقرينة عادة الاستعمال، أما ما يصلح لكل منهما كالمفروشات فيترجح قول الزوج لأنه يعتبر صاحب اليد عليه واليد قرينة على الملك، ومنها طلاق الفرار، فقد اعتبره الاجتهاد الحنفي قرينة شرعية على أن الرجل أراد بهذا الطلاق حرمان زوجته من ميراثها عند يأسه من الحياة فأوجبوا ميراث زوجته منه بشرائط .

  • نموذج طلب حبس المدين لامتناعه عن التنفيذ

    محامي عربي

    طلب حبس المدين لامتناعه عن التنفيذ

    صاحب الفضيلة رئيس دائرة التنفيذ ….. ب… حفظه الله

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛؛؛

    الموضوع :

    إشارة إلى أمر التنفيذ الصادر في المعاملة رقم…..المقدمة من /……….. ضد/………. وحيث تم إصدار قرار ٤٦ ت(طبيق نص المادة ٤٦ من نظام التنفيذ ) بتاريخ ١٤٣٨/٤/١٨ هـ وحتى الآن لم يستجب المنفذ ضده لسداد الدين وفقاً للإجراءات، وحيث أن الإجراءات المتبعة ضد المدعى عليه حتى الآن لم تجبره على سداد الدين ويجوز حبسه وفقًا لنص المادة ٨٣ من نظام التنفيذ التي نصت على أن يصدر قاضي التنفيذ – بنـاء عـلى أحكام النظام – حكمًا بحبس المدين إذا ثبـت لـه امتناعه عن التنفيذ، ويستمر الحبس حتى يتم التنفيذ“ وحيث أنه مضت مدة كبيرة بعد تطبيق نص المادة ٤٦ دون استجابة من المنفذ ضده.

    بناء على ذلك:

    نطلب من فضيلتكم إصدار أمركم الكريم بحبس المنفذ ضده وفقًا لنص المادة 83 من النظام.

    سدد الله خطاكم في القول والعمل

    مقدمه

  • شرح القاعدة الفقهية: ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه

    شرح القاعدة الفقهية: ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه

    محامي عربي

    ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه

    هذه القاعدة مطابقة لقاعدة الاستصحاب ومتممة لها وتجري فيها أحكام نوعي الاستصحاب : استصحاب الحال بالماضي والماضي بالحال ، فإذا ثبت في زمان ملك شيء لأحد يحكم ببقاء الملك، ما لم يوجد ما يزيله، سواء كان ثبوت الملك الماضي بالبينة أو بإقرار المدعى عليه.

    وهذه المسألة على ثلاثة أوجه :

    الأول : أن يدعي ملكاً خالياً عن الإسناد إلى الماضي ويشهد الشهود له بالملك في الماضي فيقولون إنها كانت ،ملكه أو إنها كانت ملكه بالسبب الذي ادعاه، فتصح الدعوى من المدعي وتقبل الشهادة من الشهود؛ لأنه لما ثبت ملكه في الزمن الماضي فالأصل أن يحكم ببقائه إلى أن يوجد ما يزيله، كأن يقيم المدعى عليه بينة على الشراء منه مثلاً .

    الثاني: أن يدعي ملكاً ماضياً ويشهد الشهود بالملك المطلق.

    الثالث : أن يدعي ملكاً ماضياً ويشهد الشهود بالماضي، ففي هاتين الصورتين الأخيرتين، فإن دعوى المدعي غير صحيحة وشهادة الشهود المترتبة عليها غير مقبولة؛ لأن إسناد المدعي ملكه إلى الماضي يدل على نفي الملك في الحال، إذ لا فائدة للمدعي في إسناده مع قيام ما ملکه في الحال، وإسناد الشاهدين ملكه في الماضي لا يدل على النفي في الحال لأنهما قد لا يعرفان بقاءه إلا بالاستصحاب .  .

    تنبيه أول : جاء في مُعين الحكّام إن قول العلماء (الشهادة لا تجوز إلا بالعلم ليس على ظاهره، فإن ظاهره يقتضي أنه لا يجوز أن يؤدي الشاهد إلا  ما هو قاطع به وليس كذلك، لأن حالة الأداء دائماً عند الشاهد الظن الضعيف في كثير من الصور، فيشهد الشاهد في الملك الموروث لوارثه مع جواز بيعه بعد أن ورثه، والمراد أن يكون أصل المدرك علماً فقط، والمحقق في هذا إنما هو الظن الضعيف.

    ولا يكاد يوجد ما يبقى فيه العلم إلا القليل من الصور كالنسب والولاء فإنه لا يقبل النقل فيبقى العلم على حاله، ومنها الوقف إذا حکم به حاكم، أما إذا لم يحكم به فإن الشهادة فيه للظن فقط لاحتمال أن يكون حاكم حنفي قضى بنقضه .

       تنبيه ثان : الشهادة باليد المنقضية – أي الماضية – لا تقبل، وعلى الملك المنقضي تقبل، فلو ادعى أحد على آخر بأن العين التي في يد المدعى عليه كانت في يد المدعي حتى أخذها منه بلا حق، فيطلب إعادتها إليه وأقام بينة بأنها كانت في يده لا تقبل حتى يشهدا أن المدعى عليه أخذها من المدعي بلا حق، فحينئذ يقضي بإعادتها إليه فقط لا بالملك، وهذا يسمى «قضاء ترك»، وإنما لم تقبل الشهادة باليد المنقضية كما قبلت على الملك المنقضي؛ لأنها شهادة بمجهول، ولأن أنواع وضع اليد كثيرة، فقد تكون للملك أو للوديعة أو للإجارة . .. بخلاف الملك فإنه غير متنوع، فلذلك كان الأصل أن الشهادة بالملك المنقضي مقبولة لا باليد المنقضية.

    ولو ثبتت اليد المنقضية بإقرار الخصم فإنها تعتبر ويؤمر المدعى عليه بدفعها لأن الإقرار لا تضره الجهالة.

    أما إذا شهدا بيد شخص ميت فإنها تقبل مطلقاً، وإن كانت يد غير ملك فبموت منهي  في يده يملكها وتكون مضمونة لصاحبها في التركة.

     تنبيه ثالث : الادعاء يقع بثلاث صور والإثبات يقع بثلاثة أوجه:

    ۱ ـ ادعى الملك في الحال والشهود تشهد على الماضي كأن يقول المدعي : هذا الشيء ملكي، وتقول الشهود هذا الشيء كان ملكه فالشهود لا يمكنهم معرفة بقاء الملك للمالك إلا بطريق الاستصحاب، فتقبل شهادتهم ويحكم بموجبها؛ لأن الاستصحاب يدفع زوال الملك في الحاضر،

    ٢ ـ لو ادعى الملك في الماضي والشهود تشهد على الملكية في الحال، فهذه الشهادة لا تقبل؛ لأن الاستصحاب المقلوب لا يثبت الملك في الماضي،

    ۳ ـ لو ادعى الملك في الماضي والشهود تشهد على الملك في الماضي فلا تقبل شهادتهم ؛ لا ؛ لأن المدعي لو كان مالكاً في الحال لما كان لها فائدة في إسناد الملكية الى الزمن الماضي..

    ومما يتفرع على هذه القاعدة: لو تنازع اثنان ملكية أمر ما فأقام الأول البينة على أنه امتلكه بتاريخ معين وأقام الثاني البينة على أنه امتلكه قبل الأول بتاريخ معين، فإنه يحكم بها للثاني لأنه امتلكه في تاريخ لم ينازعه فيه أحد فيثبت له، أما الثاني فإنه ملكه بتاريخ منازع فيه، فلا يلغى الثابت بالطارىء الذي لم يثبت.

    ومنها : لو سأل القاضي الشاهدين : هل تعلمان ملكه للحال؟ لا يجبران على الجواب، لكن لو أجاباه بقولهما لا نعلم قيام الملك للحال تُرَدُّ شهادتهما ؛ لأنهما صرّحا بجهلهما قيام الملك للحال، فلم يبق إمكان للحمل على أنهما يعرفان بقاء الملك بالاستصحاب، فلم تعد شهادتهما صالحة.  .

  • نموذج منازعة على تنفيذ حكم أجنبي لفقدان شروط تنفيذه

    نموذج منازعة على تنفيذ حكم أجنبي لفقدان شروط تنفيذه

    محامي

    منازعة على تنفيذ حكم أجنبي لفقدان شروط تنفيذه

    فضيلة رئيس محكمة التنفيذ…. حفظه الله

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    منازعة تنفيذ

    مقدمة من …..  (منفذ ضده)

    ضد ………………..(طالب تنفيذ)

    الموضوع

    إشارة إلى القرار القضائي الصادر من فضيلتكم .رقم……….. وتاريخ ……. المتضمن تنفيذ الحكم الأجنبي الغيابي الصادر من إمارة ………. بالإمارة العربية المتحدة والمتضمن إلزام المنفذ ضده بسداد مبلغ وقدره…………. ملايين….. والذي صدر بشأنه أمر بالحبس التنفيذي وحيث أن المنفذ ضده يعترض على تنفيذ الحكم (منازعة تنفيذ) لمخالفة أحكام النظام والشرع للأسباب الآتية:

    1- أن الحكم الأجنبي محل التنفيذ غيابياً ولم يمثل فيه المنفذ ضده تمثيلاً صحيحاً ولم يتمكن فيـه مـن الدفـاع عن نفسه وأن المقرر نظاماً وفقاً لنص المادة الحادية عشرة فقرة (۲) من نظام التنفيذ التي نصت على أن ” مع التقيد بما تقضي به المعاهدات والاتفاقات لا يجوز لقاضي التنفيذ تنفيذ الحكم والأمـر الأجنبي إلا على أساس المعاملة بالمثل وبعد التحقق من الآتي: أن الخصوم في الدعوى التي صدر فيها الحكـم قـد كلفوا بالحضور ومثلوا تمثيلاً صحيحاً ، ومكنوا من الدفاع عن أنفسهم. وحيث أن الثابت من الحكم محل التنفيذ أن المنفذ ضده لم يتمكن من الدفاع عن نفسه ولم يمثل تمثيلاً صحيحاً ولم يبلغ ولم يحضر أي جلسة من جلسات الدعوى محل الحكم الأجنبي لذا فإن الحكم لا يجوز تنفيذه وفقاً لأحكام النظام. نضيف أنه لا يجوز الاحتجاج بكون الحكم قطعي في مواجهة المنفذ ضده في طلب التنفيذ تأسيساً أن من شرط قبول تنفيذ الحكم الأجنبي هو أن يكون المنفذ ضده مثـل فيـه ومكـن مـن الدفاع عن نفسه أي أن المدعى عليه في الحكم حضر الجلسات وقدم دفاعه كاملاً وكون الحكم نهائياً لا يعط الحق في تنفيذه بصحيح شرط المادة إلا باستيفاء شرط الحضور والدفاع ولا اجتهاد مع نص صريح للاحتراز من الحصول على أحكام قطعية بطريق الغش أو بطريقة لا يصل من خلالها علم المدعى عليه بالدعوى كتبليغه عن طريق النشر في صحيفة محلية في الدولة الصادر منها الحكم.

    ٢- المقرر نظاماً وبموجب الفقرة (ج) من اللائحة التنفيذية لنظام التنفيذ للمادة الحادية عشرة/١ (ج) أنـه يجب إرفاق مستند تبليغ الحكم مصدقاً مع الحكم الغيابي حيث نصت المادة ١/١١ على أن ” يجب أن يكون مرافقاً للحكم أو الأمر الأجنبي المطلوب تنفيذه ما يأتي : ج / نسخة من مستند تبليغ الحكـم مصدقـاً عليـه بمطابقة الأصل أو أي مستند آخر من شأنه إثبات إعلان المدعى عليه إعلاناً صحيحاً وذلك في الحكم الغيابي ” وأن الثابت من طلب التنفيذ أن المدعي لم يرفق مع الحكم ما يفيد تبليغ المنفذ ضده تبليغاً صحيحاً بالحكم أو الدعوى أو أي مستند يفيد ذلك وفقا للنظام.

    3- أن المقرر نظاماً وفقاً لنص المادة ٢/١١ من اللائحة التنفيذية لنظام التنفيذ أنه يشترط لتنفيذ الحكم أو الأمر الأجنبي ألا يكون هناك دعوى قائمة في المملكة سابقة عن الدعوى التي صدر الحكم أو الأمر الأجنبي فيهـا

    وحيث أن طالب التنفيذ سبق وأن أقام دعوى لدى المحكمة العامة …….. قيدت برقم………… وتاريخ… وشطبت لعدم حضوره لذا فإن الولاية في نظر الموضوع أصبح لقضاء المملكة (مرفـق مـا يفيد ذلك).

    ٤- أن الحكم الأجنبي محل التنفيذ تضمن في منطوقة القضاء بدفع فائدة قانونية مقدارها ٩٪ من المبلغ (فوائد ربوية ) وكما هو معلوم لفضيلتكم أن من شروط تنفيذ السند التنفيذي الأجنبي بموجب نص المادة الحادية عشرة فقرة (٥) أن لا يتضمن الحكم أو الأمر ما يخالف أحكام النظام العام في المملكة وأن المادة ٣/١١ من اللائحة التنفيذية قررت أن المقصود بالنظام العام هو أحكام الشريعة الإسلامية، وحيث أن الحكم تضمن فائدة قانونية محرمة شرعاً وفقاً للنظام العام في المملكة عليه يبطل الحكم ولا يجوز تنفيذه لمخالفة النظام العام.

    ه- أن المقرر نظاماً وبموجب المادة العاشرة من نظام التنفيذ أنه لا يجوز تنفيذ الأحكام والقرارات جبراً مادام الاعتراض عليها جائزاً إلا إذا كانت مشمولة بالنفاذ المعجل ، وحيث أن الحكم محل التنفيذ (كما هو ثابت منه) غير نهائي (ابتدائي لم يؤيد من الاستئناف) وهو غيابي قابل للطعن عليه بطرق الطعن المقررة قانوناً في الدولة مصدرة الحكم وغير مشمول بالنفاذ المعجل لذا فلا يجوز تنفيذه وفقاً للمادة سالفة البيان.

    بناء على ذلك

    ۱- نطلب إطلاق سراح المنفذ ضده لحين الفصل في منازعة التنفيذ ومستعدين لتقديم كفالة حضورية غرامية أو ما يراه فضيلتكم.

    ۲- وفى موضوع المنازعة نطلب رد أمر التنفيذ وحفظ المعاملة لعدم توافر شروط تنفيذ الحكم الأجنبي على السند محل الاعتراض وفقاً لما هو موضح سلفاً.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  • ملخص أحكام الهبة

    ملخص أحكام الهبة

    محامي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ملخص أحكام الهبة

    أولاً ؛ تعريف الهبة:

    الهبة لغة : إيصال الشيء للغير بما ينفعه سواء كان مالا أو غير مال. اصطلاحاً : الهبة : تمليك الأعيان في الحياة بلا عوض.

    ثانياً: الفرق بين الهبة والصدقة :

    الهبة والصدقة يتفقان على أنهما تبرع بالمال بلا عوض ، ويفترقان في أمور :

    أ- أن الباعث على الصدقة طلب الأجر في الآخرة ، أما الهبة فيقصد منها نفع الموهوب والإحسان إليه .

     ب- أن الصدقة تطلق على صدقة زكاة المال وهي فريضة من الله وفي مال مخصوص لأناس مخصوصين ، وتطلق على صدقة الفطر وهي فريضة أيضا ، وتطلق على الصدقة المستحبة التي يتقرب بها العبد إلى الله ، وأما الهبة فهي مستحبة بالإجماع وتصح في كل الأموال وليس لها محل خاص. ، ،

    ج- أن الصدقة لا تحل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا آله ، وتصح لهم الهبة والهدية

    د- أن الصدقة لا يصح الرجوع فيها بالاتفاق لأن ما أخرجه الإنسان لله فهو لازم ، وأما الهبة فإن القصد منها التمليك بغرض نفع الموهوب لذا وقع الخلاف في حق رجوع الواهب.

    هـ – الأصل في المتصدق عليه المسكنة والحاجة بخلاف الهبة فقد تكون للفقراء والأغنياء و الصدقة لا يراد منها المكافأة الأعواض والأغراض ، أما الهبة فقد يقصد بها نفع الموهوب وقد يقصد منها الحصول على الثواب المتصدق عليه فهي خالية من من والمكافأة.

    ثالثاً: الفرق بين الهبة والوصية :

    الهبة والوصية يجتمعان بأنهما تبرع بالمال بلا عوض ، ويفترقان في أمور :

    أ- أن الهبة تبرع في الحياة ، والوصية لا تكون إلا بعد الموت ، ولهذا كانت الهبة أفضل من الوصية لأن الواهب يعطي وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى.

    ب- أن الأصل في الهبة أنها مستحبة أما الوصية فقد تكون مستحبة وقد تكون واجبة.

    ج- أن الوصية تكون في الأعيان والمنافع والديون ، أما الهبة فلا تكون إلا في الأعيان.

    د- أن الهبة لا تلزم بالقبول حتى تقبض على الصحيح ، وأما الوصية فتلزم بالقبول بعد الموت ولو لم تقبض على الصحيح ،

    هـ ـ أن الهبة تكون للوارث ولغيره ولا حد لمقدارها ، أما الوصية فتكون في الثلث فأقل ولغير وارث. ، و أن الهبة لا تصح من المحجور عليه ، وتصح منه الوصية ،

    ز- أن الهبة لا تصح للحمل بخلاف الوصية لأن الهبة تمليك منجز في الحال والحمل ليس أهلا للتملك. ح أن الهبة عقد من عقود التمليك ، والوصية تكون بالتمليك وبالتفويض بالتصرف.

    رابعاً :حكم الهبة :

    دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الأصل في الهبة الاستحباب ، قال صلى الله عليه وسلم ( تهادوا تحابوا ) ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها.

    خامساً: أركان الهبة :

    اتفق العلماء على أن الإيجاب ركن من أركان الهبة ، واختلفوا في غيره على أربعة أقوال :

    أ- أن الهبة لها ركن واحد وهو الإيجاب فتنعقد به وحده ولكن لا يملكه الموهوب إلا بالقبول والقبض ، وهو قول الحنفية ، واستدلوا : بحديث أبي بكر رضي الله عنه لما نحل ابنته عائشة رضي الله عنها ولم تقبضها فقال ( كنت قد نحلتك) فهو يدل على أن الهبة قد انعقدت ، وكذلك حلف أن لفلان فوهب ولم يقبل فقد بر في يمينه وهذا بخلاف البيع ، وكذلك أن الهبة نوعان إسقاط وتمليك وإن كان الإسقاط كالعتق لا يفتقر إلى قبول فكذلك التمليك ، وكذلك أن التبرع ليس عقداً يفتقر إلى إيجاب وقبول بل هو من التصرف كالإبراء فيتم بالإرادة المنفردة ، ب -أن أركان الهبة الإيجاب والقبول ، وهو قول زفر وبعض الحنفية ، واستدلوا : بأن الهبة عقد تمليك فافتقر إلى الإيجاب والقبول كسائر عقود التمليك ، وكذلك أن تمليك الغير إما أن يكون بسبب شرعي كالإرث فلا يفتقر إلى القبول ويدخل الملك جبراً وإما أن يكون بفعل آدمي فلا ينعقد إلا بالقبول حتى لا يدخل الشيء ملك الشخص جبرا،

    ج- أن أركان الهبة : الإيجاب والقبول والواهب والموهوب له والموهوب ، وهو قول الجمهور ، واستدلوا : بأن الإيجاب ركن متفق عليه ، أما القبول فاستدلوا بأدلة أصحاب القول الثاني ، أما الواهب والموهوب له ومحل الهبة فاعتبروها من الأركان لأن الركن عندهم هو ما توقف وجود الشيء وتصوره عقلا سواء أكان جزء من حقيقة الشيء أم لم يكن ووجود الهبة يتوقف على الواهب والموهوب له والشيء الموهوب وإن لم يكن هؤلاء جزء من حقيقته . ،

    د- أ أركان الهبة : الإيجاب والقبض ، وهو قول لبعض الحنفية وبعض الحنابلة ، واستدلوا : بأن الهبة تصرف لا يظهر أثره إلا بالقبض لهذا كان القبض ركنا فيه.

    س -هل يشترط أن يكون القبول فوريا في التبرع المنجز أو يجوز أن يتراخى القبول ، وإذا جاز أن يتراخى فهل يجوز أن يتراخى عن مجلس العقد؟

    ج – إن كان الموهوب له غائبا ولم يبلغه الخبر صح القبول ولو متراخيا وإن طال الزمن ، أما إن كان حاضرا في المجلس فقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :

    أ- لا تشترط الفورية في القبول وهو مذهب المالكية ، واستدلوا : بأنه لا يوجد دليل يدل على اشتراط الفورية في القبول والأصل عدمه ، وكذلك أن الموهوب له قد يحتاج إلى التروي في القبول فإذا ألزمناه بالقبول على الفور أو الرد قد يكون عليه ضرر . ،

    ب تشترط الفورية كالبيع ، وهو مذهب الشافعية ، واستدلوا : بالقياس على البيع فإنه يجب فيه اتصال القبول بالإيجاب ،

    ج – يصح تراخي القبول بشرطين : أن يكون ذلك في المجلس وألا يتشاغلا عنه بما يفيد الإعراض ، وهو مذهب الحنابلة واستدلوا : بقياس الهبة على البيع ، وكذلك أن القول باعتبار المجلس قول وسط.

    سادساً: أقسام ألفاظ الهبة :

    تنقسم ألفاظ الهبة إلى قسمين :

     أ- ألفاظ صريحة : واللفظ الصريح له معنيان عند الفقهاء :

    ١- اللفظ الذي يستعمل في الهبة خاصة دون غيره كوهبتك وأعطيتك ،

    ٢ – ما يفهم منه لفظ الهبة مما يستعمل فيه كثيرا وإن استعمل في غيره ، كجعلته لك أو خذه أو تسلمه.

    ب- ألفاظ الكناية : وهي الألفاظ التي لا تعتبر إيجابا للهبة إلا بالنية أو قرائن الحال كقوله : لك هذا أو كسوتك هذا.

    سابعاً :انعقاد الهبة بالمعاطاة :

    اختلف العلماء في هذه المسألة على أربعة أقوال :

    أ- أن الهبة تنعقد بالمعاطاة إن دلت القرينة على إرادتها ، وهو قول الجمهور ، واستدلوا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهدى إليه فيقبضه ويتصرف فيه ولم ينقل أنه أوجب له أو أنه قبل. ،

    ب- أن الهبة لا تصح بالمعاطاة ولابد من اللفظ وهو مذهب الشافعية ، واستدلوا : بالقياس على البيع. ،

    ج- أن هبة المحقرات تصح فيها المعاطاة دون غيرها ، وهو قول ابن سريج من الشافعية.،

    د- يشترط الإيجاب والقبول لفظا في الهبة ولا يشترطان في الهدية ، وهو قول عند الشافعية ، واستدلوا : أما الهبة فقياسها على البيع ، وأما الهدية فلأن الهدايا كانت تحمل للنبي صلى الله عليه وسلم فيقبلها ولا لفظ هناك.

    ثامناً   :حكم انعقاد الهبة بالإشارة المفهومة :

    هذه المسألة لها حالتان :

    أ- الحالة الأولى :

    أن تكون الإشارة من قادر على الكلام ، ففي هذه الحالة اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : ١- أنه لا يعتد بالإشارة من القادر على الكلام ، وهو مذهب الجمهور ، ،

    ٢ – أنه يعتد بالإشارة من القادر على الكلام ، وهو مذهب المالكية ، والكلام في هذه المسألة كالكلام عن انعقاد البيع بالإشارة.

    ب- الحالة الثانية : أن تكوت الإشارة من أخرس : فإن كانت مفهومة أو معتادة فتنعقد ، وإلا فلا.

    تاسعاً:حكم تعليق الهبة وإضافتها إلى المستقبل :

    اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

    أ- أن الهبة لا تحتمل التعليق ولا الإضافة إلى المستقبل وهو قول الجمهور ، واستدلوا : بأن الهبة عقد تمليك وعقود التمليك لا تقبل التعليق كالبيع ، وكذلك أن الهبة عقد يبطل بالجهالة فلم يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع،

    ب – يصح تعليق الهبة بالشرط وإضافتها للمستقبل وهو قول المالكية ، واستدلوا : بعدم وجود دليل على المنع والأصل الإباحة ، وكذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أهدى هدية للنجاشي لكنه مات فقال لأم سلمة إن ردت إلي هديتي فهي لك ، فعادت فأعطاها ، ونوقش بضعفه،

    ج- تصح الهبة ويبطل الشرط بناء على أن الشروط الفاسدة لا تبطل العقد ، وهو قول عند الحنابلة.

    عاشراً: حكم الوعد بالهبة :

    الوعد بالهبة أو ما يسمى الوعد بالمعروف ، هل يكون لازما بمجرد الوعد به أو لا يلزم إلا بالقبض؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على خمسة أقوال :

    أ- أنه مستحب ، وهو قول الشافعية والحنابلة وبعض المالكية ، واستدلوا : بحديث أبي بكر رضي الله عنه في هبته لابنته عائشة رضي الله عنه ، فقد وعدها بالهبة فلما لم تقبضها حال صحته لم تلزمه ، ولو كانت الوفاء بها واجبا للزمه ذلك.،

    ب- يجب الوفاء بالوعد إن خرج على سبب ودخل الموعود له بسببه في كلفة أما إذا لم يباشر الموعود السبب فلا شيء على الواعد ، وهو قول المالكية ، واستدلوا : بأن في ذلك تغريرا ، والغار يضمن ، ويتحمل التبعة.

    ج- أن الوعد لا يكون لازما إلا إذا كان معلقا ، وهو قول الحنفية ، واستدلوا : بأن الوعد إذا كان معلقا فإنه يظهر منه معنى الالتزام.،

    د- أنه يجب الوفاء به مطلقا ، وهو قول لبعض المالكية ، واستدلوا : بعموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالوعد.، هـ – أنه يجب الوفاء بالوعد ديانة لا قضاء ، وهو قول لبعض الشافعية ، واستدلوا : بالجمع بين أدلة أصحاب القول الرابع وأدلة أصحاب القول الأول.

    حادي عشر: شروط الهبة :

     شروط الواهب :

     الشرط الأول : أن يكون الواهب من أهل التبرع :

    فمن صح تبرعه صحت هبته. ، وفي هذا الشرط مسائل :

    المسألة الأولى : حكم هبة الصبي والمجنون : اتفق العلماء على أن هبة المجنون والصبي لا تصح.

    المسألة الثانية : هبة المحجور عليه : اختلف العلماء في ذلك على قولين :

    أ- أن هبته لا تصح وهو قول الجمهور ، واستدلوا : عليه لحظ غيره ، وهذا التصرف يضر بالغرماء.

    ب- أن هبته تصح بشرط موافقة رب الدين ، وهو مذهب المالكية بأنه . محجور ، واستدلوا بأن الحق له وقد رضي بذلك.

    المسألة الرابعة : حكم هبة السكران :

    السكران إما أن يكون غير متعده في سكره ، كأن يشربه للدواء أو خطأ أو لدفع غصة فهذا لا تصح هبته ، وأما إن كان متعد بشربه فهنا اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :

    أ- تصح هبة السكران وسائر تصرفاته ، وهو مذهب الحنفية والشافعية وبعض الحنابلة ، واستدلوا : السكر بالإجماع لا ينافي الخطاب بقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) وإن كان خطابا في حال السكر فلا شبهة فيه ، وإن كان في حال الصحو فكذلك ، وإذا ثبت أنه مخاطب ثبت أن السكر لا يبطل شيئا من الأهلية ، فيلزمه أحكام الشرع كلها.،

    ب- لا يصح شيء من تصرفات السكران ومنه الهبة ، وهو قول لبعض الحنفية وبعض الشافعية وقول عند الحنابلة ، واستدلوا : بأن السكران مفقود الإرادة أشبه المكره ، ولأن العقل شرط للتكليف ، ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها.

    المسألة الخامسة : حكم هبة الأب أو الوصي من مال الصغير :

    إن كانت الهبة بلا عوض فلا تصح لقوله تعالى ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن وتصرفه ضرر محض، أما إذا وهب الأب مال ابنه مقابل عوض معلوم ففي المسألة قولان : أ- لا يجوز ، وهو قول الحنفية ، واستدلوا : بأن الهبة بشرط العوض هي هبة ابتداء وبيع انتهاء بشرط اتصال القبض بالبدلين ، ولا تفيد الملك قبل القبض ولو كانت بيعا ابتداء لما توقف الملك فيها على القبض لأن البيع يفيد الملك بنفسه وإذا كانت هبته ابتداء لم تصح لأن هؤلاء لا يملكون التبرع ، وإذا فسد ابتداؤها فسد انتهاؤها.، ب- تصح الهبة بشرط العوض ، وهو قول لبعض الحنفية ، واستدلوا : بأن الهبة بشرط العوض إنما هي بيع وليست هبة والعبرة في العقود للمعاني.

    المسألة الخامسة : حكم هبة الشريك من مال شريكه :

    اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :

    أ- الجواز ، إذا كان هناك مصلحة للشركة ، كترغيب الناس في الشراء ، أو لم يكن هناك مصلحة ولكن الهبة بشيء يسير وهو قول الحنفية والمالكية ورواية عند الحنابلة ، واستدلوا : بأن عمل الشريك قائم على المصلحة ، وكذلك أن تصرفه في اليسير مأذون له فيه عرفا.،

    ب- لا يصح التبرع مطلقا ولو كان يسيرا ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وبعض الحنفية ، واستدلوا : بأن الشركة قائمة على التجارة ، والهبة ليست من التجارة.

    المسألة السادسة : هبة المريض مرض الموت ، وقبل الحديث عن حكمها لا بد من معرفة المراد بمرض الموت ، فقد اختلف في ذلك على قولين :

    أ- كل مرض يكون الغالب منه الموت ، وهو قول الجمهور ،

    ب- ما يكثر حصول الموت منه ، وإن لم يكن غالبا ، وهو قول الحنابلة.

    المسألة السابعة : حكم هبة المريض : تحرير محل النزاع :

    – اتفق العلماء على أنه إذا مرض الرجل رمضا مخوفا ثم وهب شيئاً من ماله ثم برئ ولم يمت فإن هبته صحيحة. – – اتفق العلماء على أنه إن وهب في مرض الموت المخوف وكانت الهبة لوارث ثم مات فإنها لا تصح إلا بإجازة الورثة –

    اختلفوا فيما إذا وهب في مرض الموت لغير وارث على ثلاثة أقوال :

    أ- ذهب الجمهور إلى أن الهبة مرض الموت ليست وصية لأن الأصل في الهبة أنها منجزة ولكنها تأخذ أحكام الوصية فلا ينفذ منها إلا ماكان في الثلث فإن زاد لم تنفذ إلا بإجازة الورثة ، واستدلوا : بأن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته ، لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزاهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا ، وكذلك ما جاء في قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان مريضا وقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( الثلث والثلث كثير ) مما يدل على أن تصرفات المريض لا ينفذ منها إلا ما لم يزد عن الثلث.

    ب- ذهب المالكية للتفصيل فقالوا : إن كان ماله مأمونا كالأرض وما اتصل بها من بناء أو شجر فإن هبته تنفذ من الثلث سواء برئ أو مات ، وإن كان ماله غير مأمون فإنه يوقف ولو كان دون الثلث ثم يقوم ماله كله بعد موته فإن كان دون الثلث فإنه ينفذ ، واستدلوا : بأدلة أصحاب القول الأول ، وقالوا أما التفريق بين المأمون وغيره فذلك لتقدير الثلث من ماله .

     ج- ذهب الظاهرية إلى التفريق بين عتق المريض وبين هباته وصدقاته وما يعطيه ، فقالوا : عتق المريض ينفذ منه الثلث ، وأما هباته وصدقاته وما يهديه فنافذ ذلك كله ، واستدلوا : بعموم قوله ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) ، وكذلك أن المريض لو أنفق ماله في ملاذه وشهواته اعتبر ذلك من رأس ماله فأولى أن يكون من رأس ماله ما يتقرب به من عتقه وهباته ومحاباته.

    المسألة السابعة : حكم هبة المريض إذا لم يكن له وارث :

    اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :

    أ- أن الهبة صحيحة ونافذة ولو كانت أكثر من الثلث بل ولو استغرقت المال كله وهو قول الحنفية وأحد قولي المالكية والحنابلة ، واستدلوا : بقصة سعد بن أبي وقاص حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تجعلهم عالة يتكففون الناس ) فيفهم من الحديث أن حصر تصرفات المريض في الثلث إنما هو لصالح الورثة ولا ورثة هنا فجازت هبته ونفذت .

    ب– أن الهبة إن كانت أكثر من الثلث صحت في الثلث فقط ، وهو مذهب المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة ، واستدلوا : بأن ماله ميراث للمسلمين ، ولا مجيز له منهم ، فبطلت.

    المسألة الثامنة: اشتراط القبض في هبة المريض :

    فإذا وهب الرجل من ماله وهو مريض ولم تقبض الهبة حتى مات فهل تبطل الهبة أم لا ؟ اختلف في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

    أ- يشترط القبض في هبة المريض كالهبة من الصحيح وهو قول الجمهور ، واستدلوا : بالقياس على الهبة حال الصحة . ،

    ب- أن الهبة صحيحة وتأخذ أحكام الوصية وهو قول المالكية ، واستدلوا : بأن الهبة في مرض الموت لا تصح لوارث وتخرج من الثلث لذا فهي وصية.

    ج- أن الورثة بالخيار بين الإمضاء أو المنع وهو قول عند الشافعية والحنابلة ، واستدلوا : بالقياس على تصرف الفضولي لأن المالك الحقيقي هو الوارث فكان الخيار له بين الإجازة والإمضاء أو المنع.

    المسألة التاسعة : حكم هبة الحامل :

    اختلف العلماء في هبة الحامل على أربعة أقوال :

    أ- أن هبة الحامل من رأس مالها ما لم يضربها المخاض فإذا ضربها المخاض فتكون هبتها في الثلث فقط وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة ، واستدلوا : أن المرأة الحامل لا تخاف الموت من مجرد الحمل لكن إن أصابها الطلق صارت كالمريض مرضا مخوفا فلا تنفذ هبتها إلا في الثلث.،

    ب- أن الحامل إذا صار لها ستة أشهر فإن هبتها تكون من الثلث وهو مذهب المالكية ورواية عند الحنابلة ، واستدلوا : بأن الحامل أول حملها بشر وسرور وليس بمرض ولا خوف لكن إن صار لها ستة أشهر فإن هبتها تكون من الثلث لأنه وقت ولادة والولادة من أسباب التلف.،

    ج – أن هبة الحامل صحيحة وهو وقول عند الشافعية وقول الظاهرية ، واستدلوا : بعموم قوله ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) ، وكذلك أن الغالب على الحامل السلامة وليس الهلاك،

    د- أن الحمل من ابتداءه مرض مخوف ، لذا فكل الهبات لها حكم الوصية ، وهو قول سعيد بن المسيب ، واستدل بما روي عن عطاء أنه قال : ما صنعت الحامل في حملها فهو وصية ، قيل له : أرأي ؟ قال : بل سمعناه.

    المسألة العاشرة : حكم هبة المرتد :

    اختلف العلماء في هبة المرتد على أربعة أقوال :

    أ- أن تصرف المرتد في أمواله حال ردته موقوف فإن أسلم صحت عقوده وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت ، وهو قول عند الشافعية والحنابلة وقول أبي حنيفة في المرتد دون المرتدة ، واستدلوا : بأن الواجب في المرتد أن يستتاب فقد يتوب وقد يصر على ردته لهذا لم يكن القول بزوال الملك بمجرد الردة حتى يتبين لنا أنه مصر على ردته إلى حين إنفاذ حد الردة فيه فإن تاب ورجع رجع إليه ملكه وإن أصر تبين لنا زوال ملکه فبطلت هبته، ب- أن هبة المرتد باطلة ، وهو مذهب المالكية وقول في مذهب الشافعية وقول في مذهب الحنابلة ، واستدلوا : بأنه إذا كانت الردة سببا لزوال عصمة الدم ، حيث توجب الردة قتل المرتد فهي سبب لزوال عصمة المال لأن المال تابع لعصمة النفس.،

    ج- أن هبة المرتد صحيحة وهو قول لبعض الحنفية وبعض الشافعية ، واستدلوا : بالقياس على الحربي فإن هبة الحربي صحيحة ، وكذلك أن صحة العقود تعتمد على الأهلية والنفاذ يعتمد على الملك ، وقد تحققت الأهلية لكونه مخاطبا ، وملكيته صحيحة لقيام صفة الحرية وملكه باق على ماله كسائر تصرفاته ، ولا يشترط للملكية أن يكون مسلما.،

    د- إن تصرف بعد الحجر عليه لم يصح تصرفه لأنه كالسفيه ، وإن تصرف قبل الحجر عليه فعلى الخلاف السابق ، وهو قول عند الحنابلة.

     الشرط الثاني : أن يكون الواهب مالكاً أو مأذوناً له في التبرع :

    فيشترط أن يكون الواهب مالكا للموهوب فلا تصح هبة المباح لأنه لايصح تمليكها.، وفي هذا الشرط مسألة : 

    المسألة : حكم هبة الفضولي :

    اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :

    أ- أن هبة الفضولي موقوفة على إجازة المالك فإن أجازها نفذ وإلا بطل وهو قول الحنفية وقول عند المالكية وقول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة ، واستدلوا : بأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة .،

    ب- أن هبة الفضولي باطلة وهو قول المالكية وقول عند الشافعية والمشهور من مذهب الحنابلة ،

    واستدلوا : بأنه يستحيل على المرء أن يملك ما لا يملك ، وكذلك أن التمليك هنا مجانا وهذا ضرر.

    – الشرط الثالث : أن يكون الواهب راضياً :

    فيشترط في الواهب أن يكون راضيا مختارا لأن الهبة عقد من عقود التبرع وقد نص القرآن والسنة على اشتراط الرضا في عقود التبرعات ، قال تعالى ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) وقال صلى الله عليه وسلم ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) ، وفي هذا الشرط مسائل :

    المسألة الأولى : حكم هبة الهازل :

    اختلف العلماء في هذه المسألة قولين :

    أ- أن هبة الهازل صحيحة ، وهو مذهب الحنفية لأن المراد ظاهر العقد .، ب- لا تصح هبة الهازل ، وهو قول الحنابلة ؛ لأن الهبة غير مرادة.

    المسألة الثانية : حكم هبة التلجئة :

    اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

    أ- أن الهبة باطلة ، وهو قول الحنفية والمشهور من مذهب الحنابلة، واستدلوا : بأن الهبة غير مرادة .

    ب -أن الهبة صحيحة ، وهو قول عند الحنفية وهو قول الشافعية ووجه عند الحنابلة ، واستدلوا : بأن المراد هو ظاهر العقود لا نية المتعاقدين.

    ج- أن البيع موقوف على الطرفين فإن أجازاه معا صح ، وإن رداه بطل ، وإن اختلفا لم ينعقد ، وهو قول عند الحنفية ، واستدلوا : أن الهبة جائزة ( غير لازمة ) وتلزم إن أجازاها معا ، لأن الحكم ببطلان هذه الهبة لمكان الضرورة ، فلو اعتبرنا وجود الشرط عند الهبة لا تندفع الضرورة ، ولو أجاز أحدهما دون الآخر لم يجز ، وإن أجازاه جاز ، لأن الشرط السابق وهو المواضعة ( التواطؤ ) منعت انعقاد العقد في حق الحكم ، فكان بمنزلة شرط خيار المتبايعين ، فلا يصح إلا بتراضيهما ، ولا يملكه الموهوب بالقبض . وفي هبة التلجئة لم يوجد الرضا بمباشرة السبب في الجانبين أصلا ، فلم ينعقد السبب في حق الحكم ، فتوقف على أحدهما ، فأشبه البيع بشرط خيار المتبايعين

      شروط الموهوب له :

     الشرط الأول : أن يكون الموهوب له أهلا للتملك :

    فلا تصح الهبة لمن لا يصح تملكه كالهبة للحيوان إذا قصد تمليكه ونحوه ، وفي هذا الشرط مسائل :

    المسألة الأولى : الهبة لغير الرشيد : تصح الهبة للصبي والمجنون والسفيه ، فإن كان له أهلية تملك وقبول باشر القبول بنفسه ، وإن كان له أهلية تملك وليس له أهلية قبول باشر عنه وليه.

    المسألة الثانية : إذا وهب لصبي مميز ، فهل للصبي المميز القبول والرد؟

    اختلف في هذه المسألة على قولين :

    أ- أن للصبي المميز حق القبول والرد ، وهو قول الحنفية ، واستدلوا : أما القبول والرد فإنه يباشره بنفسه لأنه في التصرف النافع يلحق بالبالغ العاقل.،

    ب- ذهب الجمهور إلى أن الصبي المميز يقوم وليه مقامه في القبول ؛ لأنه غير بالغ والعادة أنه لا يميز بين النافع والضار فليس كل هبة نافعة.

     الشرط الثاني : اشتراط وجود الموهوب له :

    اختلف العلماء في هذا الشرط على قولين :

    أ- أنه لا بد من وجود الموهوب له ، وهو قول الجمهور ، واستدلوا : بأن الهبة تمليك وتمليك المعدوم ممتنع ، وكذلك قياس الهبة على الميراث فالميراث لا يثبت إلا لمن كان موجودا وقت موت المورث فكذلك الهبة.

    ب- تصح الهبة لمن سيوجد ، فإذا وجد الملتزم له ، وكان الملتزم حيا لم يفلس والملتزم بيده لم يفوته صحت الهبة وهو قول المالكية ، واستدلوا : بقياس الهبة على الوقف فإذا صح الوقف على من سيولد صحت الهبة للمعدوم وفي هذا الشرط مسألة :

    مسألة: حكم الهبة للحمل : اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :

    أ- لا تصح الهبة للحمل وتصح الوصية له ، وهو مذهب الجمهور ، واستدلوا : بأن الهبة تمليك منجز يشترط له القبول والقبض ولا يتصور ذلك من الجنين بخلاف الوصية فإنها معلقة على خروجه حيا فجازت،

    ب- تصح الهبة للحمل فإن ولد حيا وعاش كان ذلك له ، وإن استهل صارخا ثم مات كانت لورثته وإن خرج ميتاً كانت الهبة على ملك صاحبها ، وهذا مذهب المالكية وقول عند الحنابلة ، واستدلوا : : بقياس الهبة على الوقف فإذا صح الوقف على من سيولد صحت الهبة للمعدوم ، وكذلك أن الحمل لا يثبت ميراثه إلا إن استهل صارخا.

     الشرط الثالث : اشتراط أن يكون الموهوب له معيناً :

    وقد اختلف العلماء في هذا الشرط كأن يقول : وهبت داري لفلان أو أخيه ، على قولين : أ- أن الهبة باطلة ؛ لأن الهبة تمليك العين في الحال والمبهم لا يمكن تمليكه لا بنفسه ولا بوليه.، ب- تصح الهبة ويطالب بالتعيين ؛ لأنه إذا صح التخيير في الموهوب صح التخيير في الموهوب له لأنه أحد أركان الهبة.

     شروط الموهوب :

    الشرط الأول : أن يكون الموهوب مالاً :

    وقد اختلف في هذا الشرط على قولين :

    أ- يشترط في الموهوب أن يكون مالا ، وهو مذهب الحنفية وقول عند الشافعية وقول عند الحنابلة ، واستدلوا : بالقياس على البيع ، فلا يجوز بيع ما ليس بمال.،

    ب- لا يشترط في الموهوب أن يكون مالا ، ولكن يكون على سبيل النقل لا التمليك ، وهو قول المالكية وأحد قولي الشافعية والحنابلة ، واستدلوا : بأن عقود التبرعات أخف من عقود المعاوضات ، وكذلك أن كل ما نهى الشارع عن بيعه إنما كان لثمنه كالكلب والفحل للضراب ، فإن كان هبة فإنه يجوز لعدم المعاوضة على ذلك.

    – الشرط الثاني : أن يكون الموهوب موجودا :

    وقد اختلف العلماء في اشتراط كون الموهوب موجودا وقت الهبة على قولين :

    أ- أنه يشترط لذلك ، وهو مذهب الجمهور ، واستدلوا : بأن الهبة تمليك ناجز ولا تمليك للمعدوم ، وكذلك أن كل ما لا يصح بيعه لا تصح هبته وبيع المعدوم باطل فكذلك هبته ، وكذلك أن هبة المعدوم تنطوي على غرر والغرر ممنوع.،

    ب- تصح هبة المعدوم إذا كان متوقع الوجود ، وهو مذهب المالكية ، واستدلوا : بأن عقود التبرعات أخف من عقود المعاوضات.

     الشرط الثالث : أن يكون الموهوب معلوما قدرا وصفة :

    اختلف العلماء في هذا الشرط على قولين :

    أ- لا تصح هبة المجهول ، وهو قول الجمهور ، واستدلوا : بأن كل ما لا يصح بيعه لا تصح هبته ، ولأن الهبة من عقود التمليك والجهالة في عقود التمليك مؤثرة ، وكذلك لوجود الغرر ،

    ب- تصح هبة المجهول ، وهو قول المالكية ، واستدلوا : بالقياس على الوصية ، وكذلك أنه يتوسع في عقود التبرعات لعدم المعاوضة فيها.

     حكم هبة المرهون :

    تصرف الراهن ينقسم إلى قسمين :

    القسم الأول : أن يكون تصرفه قبل أن يقبض المرتهن الرهن : فهنا اختلف العلماء :

    أ- أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وعليه فلو تصرف الراهن في الرهن قبل قبض المرتهن فإن تصرفه صحيح ونافذ وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة ، واستدلوا : بقول تعالى ( فرهان مقبوضة ( فقوله ( مقبوضة ) وصف لازم.

    ب- أن الرهن يلزم بالعقد ويتم بالقبض ويجبر الراهن على دفع الرهن إن امتنع من ذلك وهو مذهب المالكية ، واستدلوا : بأن الرهن كسائر العقود يلزم بالقول.

     القسم الثاني : أن يكون تصرف الراهن بعد قبض المرتهن الرهن :

    وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال :

    أ- لا يجوز تصرف الراهن بدون إذن المرتهن فإن تصرف فيكون تصرفه موقوفا على إجازة المرتهن ، وهو مذهب الحنفية ، واستدلوا : بأن الراهن مالك للرهن إلا أن المرهون قد تعلق به حق للمرتهن فكان القياس أن يراعى حق المالك وحق المرتهن فيبقى موقوفا على إجازة المرتهن قياس على تصرف الفضولي.

    ب- ليس للراهن التصرف في الرهن بغير إذن المرتهن فإن تصرف كان تصرفه باطلا ، وهو قول الحنابلة ، واستدلوا : بأن هذا التصرف يسقط حق المرتهن في الاستيفاء عند عجز الراهن عن السداد ، وكذلك أن المشغول لا يشغل.،

    ج- التفصيل : فإن رضي المرتهن صحت الهبة مطلقا ، وإن لم يرض المرتهن فإن كان الراهن معسرا كانت باطلة مطلقا ، وإن كان موسرا فإن وقعت الهبة قبل قبض الرهن فهي صحيحة ، وإن وقعت بعد القبض فإن كان الدين مما يعجل قضي على الراهن بفك الرهن وتعجيل الدين ودفع الرهن للموهوب له وإن كان مما لا يعجل بقي الرهن للأجل فإذا قضي الدين بعده دفع الرهن للموهوب له وإلا أخذه المرتمن وبطلت الهبة وهو قول المالكية ، واستدلوا : بأن المرتهن رضي بالهبة وهي حق له وقد أسقط حقه ، وكونها صحت قبل القبض ولو لم يرض المرتهن لأن عدم القبض مظنة تفريطه في قبضه ، وكون الهبة صحت بعد القبض إذا كان الراهن موسرا وكان الدين مما يقبل التعجيل لأنه في هذه الحالة لن يذهب حق المرتهن ، وأما إذا كان الدين لا يقبل التعجيل أو كان الراهن معسرا فإنه ينتظر للأجل لأن المرتهن أحق بالرهن.

    – الشرط الرابع : أن يكون الموهوب مقسوماً غير مشاع :

    اختلف العلماء في هذا الشرط على أقوال :

    أ- لا تصح هبة المشاع إذا كان يقبل القسمة وهو قول الحنفية ، واستدلوا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تجوز الهبة إلا مقبوضة ) ونوقش بأنه حديث منكر ، وكذلك أن القبض إذا أطلق فإنما يراد به القبض الكامل والقبض في المشاع ليس كاملا بل هو موجود وجه دون وجه وتمام القبض لا يحصل إلا بالقسمة لأن الأنصباء تتميز.،

    ب- تصح هبة المشاع مطلقا مذهب الجمهور والظاهرية : وهو واستدلوا : بقوله تعالى ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) فالعفو عن نصف المفروض في الطلاق من غير فرق بين مشاع ومقسوم فدل على جواز هبة المشاع ، وكذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب وعن يمينه غلام ولم يرض الغلام بأن يقدم عليه الأشياخ قالوا : فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله أن يهب نصيبه للأشياخ وسماه الغلام نصيبي وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على أنه نصيبه وكان نصيبه مشاعاً غير مقسوم.

    ثاني عشر: أحكام الهبة :

    المسألة الأولى : هبة الثواب :

    هبة الثواب هي : عطية قصد بها عوض مالي.

     حكم هبة الثواب إذا كان العوض معلوماً :

    كأن يقول : وهبت هذا البيت لك بمائة ألف ريال ، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :

    أ- تصح هبة الثواب وتعطى حكم البيع ، وهو قول الحنفية والمالكية وقول عند الشافعية وقول الحنابلة ، واستدلوا : بحديث ( إنما الأعمال بالنيات ) فالواهب إذا شرط عوضا فقد نوى البيع والعبرة بما نوى ، وكذلك أن العبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني ، وكذلك أن النية لها أثر في صحة العقد وفساده وحله وحرمته.،

    ب-  أن الهبة باطلة ولا تصح ، وهو قول عند الشافعية ، واستدلوا : بأن اعتبار المعنى يؤدي إلى إهمال الألفاظ وهذا لا يصح لأن ألفاظ اللغة لا يعدل بها عما وضعت له  في اللغة ، وكذلك أن العقود تفسد باقتران شرط مفسد ففسادها بتغير مقتضاها أولى ، وكذلك أن الأصل حمل الكلام على ظاهره ولو حملنا الكلام على غير ظاهره بطلت اللغة وفائدة التخاطب.

     حكم هبة الثواب إذا كان العوض غير معلوم :

    كما لو قال : وهبتك البيت على أن تعوضني أو تكافئني ، اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :

    أ- إذا اشترط العوض وكان مجهولا صح العقد ، وهو قول الحنفية والمالكية وقول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة ، واستدلوا : بأن رجلا من أهل البادية أتى للنبي صلى الله عليه وسلم فأهداه ناقة طلبا للثواب فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرض ثم أعطاه ثلاثا فلم يرض حتى رضي بتسع ، فالحديث دل على صحة هبة الثواب ولو لم يبين فيها العوض ، وكذلك أن الشارع قد جوز النكاح بدون تسمية المهر ويكون لها مهر مثلها فكذلك هنا ويكون له ثمن المثل.،

    ب- لا تصح الهبة إذا كان العوض غير معلوم ، وهو قول عند المالكية وقول عند الشافعية والحنابلة ، واستدلوا : بقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ( فاشترطت الآية الرضا والرضا لا يتعلق إلا بمعلوم ، وكذلك أن الهبة بشرط العوض تلحق بالمعاوضات وعقود المعاوضات يؤثر فيها الغرر .

    حكم الهبة المطلقة ، هل تقتضي عوضاً أم لا ؟

    اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

    أ- أن الهبة لا تقتضي عوضاً ، لكن العوض يسقط حق الرجوع فيها فإن عوض الواهب عنها أصبحت لازمة وسقط حق الواهب في الرجوع وإن لم يعوض عنها فغن لصاحبها حق الرجوع فيها ولو بعد القبض ولا بد من التصريح بأن ما يدفعه الواهب عوض عن الهبة ، وهو قول الحنفية ، واستدلوا : بأن التمليك مطلق يحتمل الابتداء ويحتمل المجازاة فلا يبطل حق الرجوع بالشك،

    ب- إذا قال الواهب أردت الثواب فإنه يصدق في ذلك ما لم يشهد العرف ضده كأن يهب لذي رحم فقير والموهب غني ، وهو قول عند الشافعية وقول المالكية ، واستدلوا : بقصة الأعرابي الذي وهب للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة ، فإن الهبة كانت مطلقة ولم علم أنه أراد الثواب عوض عن ذلك ولم تبطل الهبة ، وكذلك أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً والهبة من الأدنى للأعلى معروف أنه لا يريد بذلك وجه الله

    ج- أن الهبة المطلقة لا تقتضي ثوابا ، وهو قول عند الشافعية وقول الحنابلة ، واستدلوا: بأن الأصل في الهبة أنها على وجه التبرع لا المعاوضة ، وكذلك القياس على الوصية فالوصية لا تقتضي العوض فكذلك الهبة بجامع التبرع.

    لزوم الهبة :

    اتفق العلماء على أن الملك يثبت بالإيجاب والقبول والقبض ، واختلفوا هل تلزم الهبة بإيجاب وقبول خال من القبض ، على أربعة أقوال :

    أ- أن الهبة عقد جائز لا تلزم إلا بالقبض ، وهو قول الحنفية ، وستأتي أدلتهم حين الكلام عن الرجوع في الهبة. ، ب- أن الهبة عقد لازم ، واختلف أصحاب هذا القول على أقوال :

    ١- أن الهبة عقد لازم بمجرد العقد ولا يحق للواهب الرجوع في الهبة ولو لم تقبض وهو قول المالكية ، واستدلوا : بعموم قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ) ، وكذلك قياس الهبة على سائر العقود فإنها لا تتوقف على القبض.،

    ٢- أن الهبة عقد لازم ولا تلزم إلا بالقبض وللواهب الرجوع قبل القبض ، وهو مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة ، واستدلوا : بهبة أبي بكر رضي الله عنه لابنته عائشة ، وكذلك أنه ورد عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا .

    ٣- أن الهبة عقد لازم فإن كانت في المكيل والموزون فلا بد فيها من قبض وإلا فإنها تلزم ولو بدون قبض ، وهو قول عند الحنابلة ، واستدلوا : بقصة هبة أبي بكر رضي الله عنه لابنته عائشة رضي الله عنها فقد كان الموهوب مما يكال ويوزن وبين أنه لم يلزمها لأنها لم تقبض ، وكذلك قياس الهبة على البيع .

    حكم اشتراط إذن الواهب في القبض :

    إذا حصل القبض من الموهوب له فهل يشترط أن يكون ذلك بإذن الواهب ورضاه أم لا ؟

    اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال :

    أ- إذا أذن الواهب في القبض صريحاً صح القبض في المجلس وبعده ، وإذا نهاه عن القبض لم يصح القبض لا في المجلس ولا بعده ، وإن لم يأذن ولم ينهه عن القبض فإن قبض في المجلس صح استحسانا ، وإن قبض بعد الافتراق لم يصح إلا أن يأذن له الواهب ، وهو قول الحنفية ، واستدلوا : بالقياس على عقد البيع إن كان في المجلس ، أما إن افترقا قبل القبض ثم قبض الهبة فإنه لا بد من إذن صريح من الواهب لأنه بمنزلة عقد مستأنف. ، ب- يشترط لصحة القبض إذن الواهب ولو بعد التفرق من مجلس العقد ، وهو قول الشافعية والحنابلة ، سواء كان إذنا صريحاً أو ضمناً ، واستدلوا : بأن الواهب بالخيار قبل إقباضه للهبة إن شاء رجع عن هبته وإن شاء أمضاها بالقبض وذلك لأن القبض غير مستحق عليه بمجرد العقد ، فإذا كان الخيار له كان القبض بإذنه لأن القبض مزيل لملكه في الهبة .،

    ج- لا يجوز القبض بعد الافتراق من المجلس ولو كان بإذن الواهب ، وهو قول بعض الحنفية ، واستدلوا : أن القبض ركن بمنزلة القبول فلا يصح بعد الافتراق عن المجلس قياسا على البيع.

    د- أن الإذن ليس شرطا في القبض ، وهو قول المالكية والظاهرية ، واستدلوا : بأن الهبة تملك بالعقد وليس للواهب منع الموهوب من القبض وإذا امتنع عن التسليم فإنه يقضى عليه بذلك.

    إذا كان الموهوب في يد المتهب :

    إذا كان الموهوب بيد الموهوب له قبل الهبة كالودية مثلا ، فهل يكون قبضها السابق يغني عن الإذن بالقبض ، اختلف في ذلك على أقوال :

    أ- أن الهبة في هذه الحالة تثبت بمجرد العقد ولا حاجة لتجديد القبض ، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة ، واستدلوا : بأن المراد بالقبض إثبات اليد والتمكن من التصرف في المقبوض فإذا تحقق هذا الأمر فقد وجد القبض . ب- أن لا بد من إذن الواهب بالقبض ، وهو قول الشافعية وقول عند الحنابلة ، واستدلوا : بأدلة من يقول بأنه لابد من إذن الواهب بالقبض.

    حكم اشتراط كون الموهوب غير مشغول بحق غيره :

    اختلف العلماء هذه المسألة على أقوال :

    أ – يشترط لصحة القبض أن يكون الموهوب غير مشغول بما ليس بموهوب كمتاع الواهب ونحوه ، وهو قول الشافعية والحنفية ، واستدلوا : بأن العرف موقوف على ذلك .،

    ب- – لا يشترط لصحة القبض أن يكون المقبوض غير مشغول بحق غيره ، وهذا مذهب المالكية والحنابلة واستدلوا : بأن القبض هو التمكن من التصرف وكونه مشغولا بمتاع الواهب لا يمنع من التصرف في الهبة.

    حكم تصرف الموهوب له بالهبة قبل القبض :

    إذا تصرف الموهوب له في الهبة بنحو بيع أو صدقة قبل قبض الهبة ، فقد اختلف العلماء في حكم هذا التصرف على أقوال :

    أ- لا يصح تصرفه إلا إذا قبضها ، وهو قول الحنفية والشافعية وقول عند الحنابلة واستدلوا : بأن الموهوب لا يملك الهبة إلا إذا قبضها ، ولأن الواهب قبل القبض بالخيار إن شاء أمضاها وإن شاء رجع عنها.،

    ب- أن تصرفه صحيح بشرط أن يشهد على ذلك ، وهو قول المالكية ، وهو مبني على قولهم بلزوم الهبة .،

    ج- إذا كانت الهبة تحتاج إلى كيل أو وزن لم يصح للموهوب أن يتصرف فيها قبل قبضها ، وإن كانت متميزة صح تصرف الموهوب له قبل قبضها ، وهو رواية عند الحنابلة ، واستدلوا : بأن ما يكال ويوزن لا تصح هبته إلا بالقبض ، وأما إن كانت متميزة فلأن مثل هذه العقود تلزم بالعقد ولا تفتقر إلى قبض.

    حكم هبة الدين :

    وفيه مسائل :

    المسألة الأولى : هبة الدين لمن هو عليه : إذا وهب الدائن الدين لمن هو عليه فذلك جائز كبيعه عليه لأنه بمثابة تمليك للمدين أو إسقاط للدين عنه ، ولا حاجة لقبض جديد ولم يختلف العلماء في جواز ذلك ، وإنما اختلفوا في اشتراط قبول المدين ، على أقوال : أ- يشترط قبوله ، وهو قول عند المالكية والحنابلة ، واستدلوا : بأنه إبراء فوجب عليه قبوله. ب- لا يشترط قبول المدين ، وهو قول عند المالكية وهو قول الشافعية والحنابلة ، واستدلوا : بأنه إسقاط فلم يشترط له قبول .، ج – التفصيل : فإن كان بلفظ الهبة اشترط قبول المدين ، وإن كان بلفظ الإبراء لم يشترط له القبول وتبطل بالرد ، وهو قول لبعض الحنفية ، واستدلوا : بأن الهبة تمليك والتمليك يفتقر إلى القبول ، والإبراء إسقاط والإسقاط لا يفتقر إلى قبول.

    المسألة الثانية : حكم هبة الدين لغير من هو عليه :

    اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال :

    أ- أنها تصح ، وهو قول المالكية وقول عند الشافعية وقول عند الحنابلة ، واستدلوا : بأنه إذا صحت الحوالة بالدين صحت هبة الدين من باب أولى والحوالة بالدين هو نقل للدين إلى المحال والهبة نقل للدين إلى الموهوب من غير فرق.،

    ب- لا تصح هبة الدين لغير من هو عليه ، وهو قول عند الشافعية وقول عند الحنابلة ، واستدلوا : بأنه غير مقدور على تسليمه لأن ما يقبض من المدين عين فهي غير ما وهب ،لا دين

    استحقاق الهبة :

    إذا وهب الواهب الهبة للموهوب له فبان بأنها مستحقة لطرف ثالث ، ثم تلفت الهبة بيد الموهوب له ، فعلى مني رجع الطرف الثالث المستحق لها ؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال :

    أ- يرجع على الموهوب له ، وهو قول الحنفية ، واستدلوا : بأن الواهب لم يوجب للموهوب له سلامة العين الموهوبة ، ولأنه حصل له ملكها بغير عوض فإذا استحقت لم يرجع على من ملكه،

    ب- أن المستحق للهبة مخير بين مطالبة الواهب أو الموهوب له ، وهو مذهب الحنابلة والشافعية ، واستدلوا : بأنه يرجع على الواهب لكونه السبب في إتلافه ، ويرجع على الموهوب له لكونه المباشر للإتلاف،

    ج- التفصيل : فإن كان الواهب مليا رجع عليه ، وإن كان معدما أو لا يقدر عليه رجع على الموهوب له ، ولا يرجع الموهوب له على الواهب في حال الرجوع عليه ، وهو قول المالكية ، واستدلوا : بالجمع بين الأدلة ، وأما أن الموهوب له لا يرجع على الواهب لأن الهبة لا عهدة لها.

    ثالث عشر: أحكام الرجوع عن الهبة :

     المسألة الأولى : حكم رجوع الواهب الأجنبي في هبته :

    اختلف العلماء في حكم رجوع الواهب الأجنبي – غير الوالد – في هبته بعد القبض على أقوال :

    أ- أن عقد الهبة عقد جائز فلذا يجوز الرجوع فيه ولو بعد القبض ، إما بالتراضي أو بحكم القاضي ، وهو قول الحنفية ، واستدلوا : بأن الرجوع فسخ للعقد بعد تمامه فلا يصح إلا بالتراضي أو بحكم القاضي.،

    ب- لا يجوز الرجوع في الهبة بعد القبض ، وهو قول الجمهور ، واستدلوا : بقوله صلى اله عليه وسلم (  العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ) .

    المسألة الثانية : حكم رجوع الأب في هبته لولده :

    اختلف في هذه المسألة على أقوال :

    أ- لا يجوز للأب الرجوع فيما وهبه لولده، وهو قول الحنفية ، وقول عند الحنابلة ، واستدلوا : بقول عمر رضي الله عنه : من وهب هبة لذي رحم فهي جائزة ومن وهب لغير ذي رحم فهو أحق بها ما لم يثب منه.،

    ب- يجوز للأب الرجوع فيما وهبه لولده ، وهو قول الجمهور ، واستدلوا : بحديث النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إني نحلت ابني هذا غلاما ، فقال : أكل ولدك نحلت مثله . قال : لا ، قال : فارجعه .

     شروط رجوع الأب :

    اتفق القائلون بأن للأب الرجوع في هبته لولده بأن ذلك ليس على إطلاقه وأن لذلك شروطا ، واختلفوا في الشروط :

    أ– ذهب المالكية : إلى أن رجوع الأب يشترط له أن تكون الهبة قائمة لم يحدث فيها عيب ولم يتعلق بها حق لغريم ، وألا يكون الولد قد عقد النكاح أو تداين لأجل الهبة ، وكذلك يمتنع الرجوع بمرض الولد المهوب له مرضا مخوفا لأن ذل كمن حق ورثته.،

    ب- ذهب الشافعية : بأنه يشترط للرجوع بقاء الموهوب في سلطة المتهب فإن تلف أو زال ملكه عنه ببيع أو وقف ونحوه فلا رجوع له. ،

    ج- ذهب الحنابلة : إلى اشتراط ثلاثة شروط للرجوع ، وهي :

    ۱- أن تكون العين باقية في ملك الابن أو بعضها ، فلو خرجت الهبة من ملكه بأي تصرف أو عادت إليه بسبب آخر لم يملك الأب حق الرجوع.

    ٢- أن تكون العين باقية في تصرف الولد فإن تلفت فلا رجوع في قيمتها أو رهنت أو أفلس أو حجر عليه.

    ٣- ألا تزيد الهبة زيادة متصلة تزيد في قيمته.

    حكم رجوع الأم في هبتها لولدها :

    اختلف العلماء في ذلك : أـ أن الأم لها أن ترجع في هبتها بشرطين:

    1 – ألا تريد بالهبة الأجر لأنها تكون حينئذ صدقة والصدقة لا يجوز الرجوع فيها . ٢- أن تكون الهبة على ولد كبير مطلقا أو على صغير ليس باليتيم بحيث يكون والده حيا ، لأن الهبة حينئذ لا تكون بمعنى الصدقة لأنه كان له أب حين الهبة ، أما إن كان الولد الصغير حين الهبة يتيما فليس لها أن ترجع لأنها تكون بمعنى الصدقة.

    ب- أن للأم الرجوع فيما وهبته ، وهو قول الشافعية وقول عند الحنابلة ، واستدلوا: بالقياس على الأب،

    ج- أن الأم لا تملك الرجوع في هبتها ، وهو قول عند الحنابلة ، واستدلوا : بأن الأم لا تقاس على الأب لأن الأب يأخذ من مال ولده والأم لا تأخذ ولأن للأب ولاية دونها.

    حكم رجوع الجد والجدة في الهبة :

    اختلف العلماء في ذلك :

    أ- أن الجد والجدة ليس لهما الرجوع في الهبة مطلقا وهو قول المالكية والحنابلة ، واستدلوا : بأن الحديث يتناول الأب فقط وليس الجد في معناه لأنه يدلي بواسطه ويسقط بالأب.،

    ب- أن الجد والجدة لهما الرجوع في الهبة ، وهو قول الشافعية ، واستدلوا : بالقياس على الأب بجامع الولادة.  –

    حكم التسوية بين الأولاد في الهبة :

    اتفق العلماء على مشروعية العدل بين الأولاد في الهبة ، واختلفوا : في حكم التفضيل بالشيء الكثير على قولين :

    أ- أن التسوية مستحبة ويكره التفضيل ، وهو قول الجمهور ، واستدلوا : بقصة هبة أبي بكر رضي الله عنه لابنته عائشة رضي الله عنها ، فقد وهبها أكثر من إخوتها ، وكذلك أن العلماء قد أجمعوا على جواز عطية الرجل ماله لأجنبي وإخراج جميع أولاده من ماله فإذا جاز إخراج جميع ولده عن ماله جاز أن يخرج بعض أولاده ،

    ب – أن التفضيل بين الأولاد محرم ولا يجوز ، وهو قول الحنابلة ، واستدلوا : بقوله صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ، وكذلك قوله في حديث النعمان بن بشير ( لا أشهد على جور ).

     حكم العمرى والرقبى :

    وفيه مسائل :

     المسالة الأولى : المراد بالعمرى : أن يقول الرجل : أعمرتك داري هذه أو هي لك عمرى أو ما عشت أو مدة حياتك أو ما حيبت أو نحو هذا ، وسميت بالعمرى : لتقييدها بالعمر.

    المسألة الثانية : حكم العمرى : اختلف العلماء في هذه المسألة :

    أ- أن العمرى جائزة ، وهو قول الجمهور ، واستدلوا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالعمرى لمن وهبت له ، وكذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( العمرى جائزة) ،

    ب- أن العمرى باطلة ، وهو قول عند الشافعية ، واستدلوا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإن من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه) قالوا: فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإمساك الأموال ونهى عن إفسادها بالعمرى ، وكذلك أن ابن عباس قال : لا تحل الرقبى والعمرى فمن أعمر شيئاً فهو له ومن أرقب شيئا فهو له. ، وكذلك أن العمرى إن اعتبرناها هبة فهي مخالفة لمقتضى العقد فإن الهبة تنقل الملك في الرقبة والمنفعة وإذا كان لا يصح توقيت البيع فكذلك لا يصح توقيت الهبة.

    المسألة الثالثة : المراد بالرقبى : هي أن يقول الرجل لآخر إن مت أنت فدارك لي ، وإن مت أنا فداري لك ، فكأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه.

     حكم الرقبي : اختلف العلماء في ذلك على قولين :

    أ- أن الرقبى باطلة ، وهو قول الحنفية والمالكية وقول عند الشافعية وقول عند الحنابلة ، واستدلوا : بأن التمليكات لا تقبل التعليق ، ولأن كل واحد منهما قصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له أم لا.،

    ب- أن الرقبي كالعمرى صحيحة لمن أرقبها ولا ترجع إلى المرقب ويلغو الشرط ، وهو قول عند الحنفية ، ، والمشهور من مذهب الشافعية والحنابلة ، واستدلوا : بقوله صلى الله عليه وسلم ( العمرى جائزة لمن عمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها ) ، وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا تحل الرقبى ولا العمرى فمن أعمر شيئا فهو له ومن أرقب شيئا فهو له ، وكذلك أن قول الرجل ( داري لك تمليك ، وقوله ( رقبى ) شرط مناقض للتمليك لأن التمليك لا يؤقت ، فيكون شرطا فاسدا فيلغو الشرط ويصح التمليك كما أن التمليك في البيع لا يؤقت فكذلك التمليك في الهبة.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.