الوسم: محامي مجانا

  • ما المقصود بالمسؤولية المحدودة للشريك في الشركات محدودة المسؤولية؟

    المسؤولية المحدودة للشريك

    الأصل أن مسؤولية الشريك في الشركة المحدودة المسؤولية محدودة بحدود حصته في رأس المال، على أنه ترد بعض الاستثناءات على هذا المبدأ.

    مبدأ المسؤولية المحدودة

    يقوم هذا المبدأ على أساس أن مسؤولية الشريك في الشركة المحدودة المسؤولية محدودة بمقدار الحصة التي قدمها في رأس مال الشركة، فلا تمتد هذه المسؤولية لتطول أمواله الخاصة.

    وتحديد المسؤولية مبدأ مطلق سواء في العلاقة بين الشركاء بعضهم البعض الآخر، أو في علاقتهم مع الغير.

    وعلى ذلك متى أو في الشريك بحصته، انقطعت صلته بدائنيها، ولم يعد في استطاعتهم، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، أن يطالبوه بشيء.

    وطالما أن مسؤولية الشريك محدودة، فهو لا يتحمل مخاطر مشروع الشركة، ولا يكتسب صفة التاجر، ولا يؤدي شهر إفلاس الشركة إلى إفلاسه.

    الاستثناءات على مبدأ المسؤولية المحدودة

    إذا كان الأصل العام هو المسؤولية المحدودة للشريك فقد نص القانون على بعض الاستثناءات اعتبر فيها الشريك مسؤولاً على وجه التضامن عن ديون الشركة، وهي:

     أولا: إذا ثبت أن هناك خطأ جسيم في تقييم الحصة العينية المقدمة للشركة أو كان الشريك على علم بعدم صحة التقييم، فيكون الشريك مقدم الحصة مسؤولا بالتضامن مع الجهة التي قامت بتقييمها تجاه كل من يتضرر من هذا التقدير (مادة 3/59 شركات).

    ثانياً: إذا لم يذكر بوضوح بجانب اسم الشركة في كافة مطبوعاتها وإعلاناتها وعقودها عبارة “شركة محدودة المسؤولية مع بيان مقدار رأس مالها، وترتب على ذلك خداع الغير كان المديرون مسؤولين في أموالهم الخاصة وبالتضامن عن التزامات الشركة تجاه الغير الذي أبرم عقوداً مع الشركة دونه أن يتبين له الشكل القانوني للشركة أو رأسمالها. (مادة 57 شركات).

     ثالثا: إذا لم تراع إجراءات تأسيس الشركة وقضي ببطلانها، يكون الشركاء والمؤسسون مسؤولين بالتضامن تجاه الغير، ذلك أنها تصبح شركة فعلية.

  • كيف تتم إدارة شركة المحاصة؟

    لما كانت شركة المحاصة لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية، فلا يعين لها مدير يمثلها أمام الغير ويبرم التصرفات باسمها ولحسابها.

    وإنما يتم إدارتها طبقا لما تم الاتفاق عليه بين الشركاء في عقد الشركة، وتتحدد من خلاله إدارة هذه الشركة بالنسبة للغير وبالنسبة للشركاء.

    أولاً – بالنسبة للغير:

    قدمنا بأن أعمال شركة المحاصة يمارسها شريك ظاهر يتعامل مع الغير (مادة 1/51شركات).

    ويحدد عقد الشركة عادة أي من الشركاء يتولى إدارتها فيقوم بالعمل باسمه الشخصي ولحساب مجموع الشركاء، ولكنه يلتزم بمفرده تجاه الغير المتعاملين معه، فليس لهؤلاء مطالبة غيره من الشركاء ويتزاحمون في التنفيذ على أمواله مع دائنيه الشخصيين.

    وقد ينص العقد على أن يتعاقد كل شريك مع الغير باسمه الخاص.

    وعندها يكون هذا الشريك، المتعاقد مع الغير، وحده مسؤولاً تجاه الغير دون سائر الشركاء.

    وقد يتفق الشركاء على وجوب اشتراكهم في كل الأعمال التي تتم لحساب الشركة، فيوقعون جميعا على تعهداتها ويلتزمون تجاه الغير.

    ويكون التزامهم تجاه الغير، على وجه التضامن، إن كان موضوع عمل الشركة تجارياً، طبقا للقواعد العامة في افتراض التضامن في الالتزامات التجارية.

    ويترتب على قيام مدير شركة المحاصة بالأعمال التجارية اكتسابه صفة التاجر، إذا ثبت احترافه لهذا العمل.

    فيلزم بالتسجيل في سجل التجارة ويمسك الدفاتر التجارية، ويشهر إفلاسه إن توقف عن دفع ديونه التجارية.

    ثانياً – بالنسبة للشركاء:

    يحدد الشركاء في عقد الشركة الشريك الذي يتولى إدارتها وعلاقاتهم ببعضهم بعضاً، بما يتفق مصلحتهم.

    وإن أهم ما يتناوله عقد شركة المحاصة بالتنظيم هو كيفية توزيع الأرباح والخسائر المترتبة على أعمال الشركة.

    وقد تكون المساهمة في الخسائر مطلقة، وقد تكون محدودة بقيمة الحصة كما هي الحال في شركة التوصية.

    إنما يمتنع الاتفاق على إعفاء شريك من المساهمة في الخسائر أو حرمانه من المساهمة في الأرباح.

    وإذا سكت العقد عن تنظيم هذه العلاقة فيما بين الشركاء، طبقت القواعد العامة المنصوص عليها فيما يتعلق بإدارة الشركة وتوزيع الأرباح والخسائر.

    ويقع على عاتق المدير محاسبة شركائه بالعمليات التي قام بها، فيسدد لهم حصتهم من الأرباح التي حققها ويطالبهم بما ينوبهم من الخسائر التي تحملها.

  • الجرائم التقليدية على الشبكة العنكبوتية

    وضع المشرع القواعد المتعلقة بارتكاب الجرائم التقليدية باستخدام الشبكة، وبكيفية تطبيق القوانين الجزائية في المادة 28 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية التي نصت على ما يلي:

    ( أ- إذا انطبق نص في القوانين الجزائية النافذة على إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، ثطق العقوبة التي هي أشد.

    ب- يضاعف الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأي من الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية النافذة الأخرى في إحدى الحالتين التاليتين:

    1- إذا ارتكبت الجريمة باستخدام الشبكة أو وقعت على الشبكة.

    2- إذا وقعت الجريمة على جهاز حاسوبي أو منظومة معلوماتية، بقصد التأثير على عملها، أو على المعلومات أو البيانات المخزنة عليها).

    و سنتناول الأحكام التي جاءت بها هذه المادة على التتالي:

    أولاً:  تطبيق النصوص الجزائية:

    أشارت الفقرة (أ) من المادة 28 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية إلى أنه إذا انطبق نص في القوانين الجزائية النافذة على إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية فيجب تطبيق النص ذو العقوبة الأشد، والغاية من هذا النص واضحة، وهي رغبة المشرع في تطبيق العقوبة الأشد في حالة انطباق نصين على واقعة ما تتعلق بجرائم المعلوماتية، والمثال

    على ذلك هو أن المادة 29 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة سورية على كل من يقوم بالترويج لأي جريمة باستخدام الشبكة، وقد جاءت المادة 8 من قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم 19 تاریخ 2012/7/2 لتعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة جريمة ترويج الأعمال الإرهابية المرتكبة على موقع إلكتروني، ففي هذه الحالة يجب على المحكمة أن تطبق النص ذو العقوبة الأشد وهو نص المادة 8 من قانون مكافحة الإرهاب.\

    ثانياً: ارتكاب الجرائم التقليدية باستخدام الشبكة أو عليها:

    نصت الفقرة (ب) من المادة 28 على ما يلي:

    (يضاعف الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأي من الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية النافذة الأخرى في إحدى الحالتين التاليتين:

    1- إذا ارتكبت الجريمة باستخدام الشبكة أو وقعت على الشبكة.

    2- إذا وقعت الجريمة على جهاز حاسوبي أو منظومة معلوماتية، بقصد التأثير على عملها، أو على المعلومات أو البيانات المخزنة عليها).

    وقد تستخدم الشبكة وخاصة الانترنت لارتكاب الجرائم التقليدية المنصوص عليها في التشريعات النافذة، ومن أمثلة هذه الجرائم :

    – جريمة الذم المنصوص عليها بالمادة 568 من قانون العقوبات.

     – جريمة القدح المنصوص عليها بالمادة 570 من قانون العقوبات.

    – جريمة التعرض للآداب العامة المنصوص عليها بالمادة 517 من قانون العقوبات.

     – جريمة التعرض للأخلاق العامة المنصوص عليها بالمادة 518 من قانون العقوبات.

     – جريمة توزيع الصور والأفلام المخلة بالحياء المنصوص عليها بالمادة 519 من قانون العقوبات.

     – جريمة توجيه الكلام المخل بالحشمة المنصوص عليها بالمادة 506 من قانون العقوبات.

    – جريمة التهديد بجناية مثل القتل المنصوص عليها بالمادة 561 من قانون العقوبات.

     – جريمة إثارة النعرات المذهبية التي ترتكب بالكتابة أو الخطاب المنصوص عليها بالمادة 307 من قانون العقوبات.

    – جريمة الاستحصال على أسرار تتعلق بأمن الدولة المنصوص عليها بالمادة 272 من قانون العقوبات.

    – جريمة إذاعة أنباء كاذبة في الخارج من شأنها أن تنال من هيبة الدولة المنصوص عليها بالمادة 287 من قانون العقوبات.

    فجميع هذه الجرائم وغيرها يمكن أن ترتكب باستخدام الشبكة وخاصة الانترنت، والحقيقة أنه لابد من أن يكون الاستخدام الشبكة دور إيجابي في ارتكاب الجريمة، كأن يرتكب النشاط الجرمي بواسطة الشبكة أو أن يكون للشبكة دور على قدر من الأهمية في ارتكاب الجريمة، كإرسال عبارات التهديد بالقتل إلى المجني عليه عبر البريد الإلكتروني، أو نشر العبارات التي تثير النعرات الطائفية على موقع إلكتروني،

     أما إذا كان دور الشبكة ثانوياً، فلا يمكن القول بأن الجريمة ارتكبت باستخدام الشبكة، كاستخدام الشبكة لمجرد التواصل، والمثال على ذلك إرسال بريد إلكتروني من الجاني إلى المجني عليه لترتيب لقاء بينهما في مكان ما، ثم قيام الجاني بقتل المجني عليه، أو إجراء اتصال بينهما عبر الشبكة لتحديد مكان اللقاء، ففي مثل هذه الحالة لا تعتبر جريمة القتل بأنها ارتكبت باستخدام الشبكة، لأن الشبكة لم يكن لها أي دور إيجابي في ارتكاب الجريمة.

    ومن الأمثلة الواقعية على الدور الإيجابي للانترنت في جرائم القتل، أن رجلاً قتل زوجته التي كانت موضوعة تحت المراقبة في المستشفى، بأن دخل عبر الانترنت إلى شبكة المعلومات الخاصة بالمستشفى، ثم قام بتغيير المعلومات الطبية الخاصة بالمجني عليها المريضة .

    وغني عن البيان فإن الركن المعنوي المطلوب في الجرائم التقليدية التي ترتكب في العالم المادي لا يختلف فيما إذا ارتكبت هذه الجرائم عبر الشبكة، فالعلاقة الذهنية النفسية التي يكون عليها الفاعل ساعة ارتكاب الجريمة وهي جوهر الركن المعنوي لا تتأثر لكون الجريمة ارتكبت عبر الشبكة، فجميع القواعد المتعلقة بالقصد الجرمي وعناصره وأنواعه، والخطأ وعناصره وصوره يمكن تطبيقها على الركن المعنوي في الجرائم التقليدية التي ترتكب عبر الشبكة.

    وفي جرائم المعلوماتية عموما يمكن إثبات القصد الجرمي من خلال القرائن، فتفتيش حاسوب المشتبه به مثلا، ومعرفة المواقع التي قام بتصفحها والأشخاص الذين اتصل بهم، قد يفيد في إثبات قصده الجرمي.

     ومن الوقائع الحقيقية التي تم فيها اكتشاف نية المدعى عليه في إحدى جرائم القتل، بأنه لدى تفتیش حاسوب المدعى عليه تبين بأنه كان يبحث عن مصطلحات مثل “قتل، خنق، وفيات، حادث” قبل قيامه بقتل زوجته، فبفضل عملية البحث هذه تم إثبات نية العمد لديه، ورفع مستوى الجريمة إلى القتل من الدرجة الأولى.

     ثالثا: ارتكاب الجريمة على جهاز حاسوبي أو منظومة معلوماتية بقصد التأثير على عملها أو على المعلومات أو البيانات المخزنة عليها:

    والحقيقة أن غاية المشرع من هذه الفقرة هي وضع نص عقابي احتياطي يطال مختلف الجرائم التي تهدف إلى التأثير على عمل الأجهزة الحاسوبية أو المعلومات المخزنة بها في الحالات التي لم يفرض قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية عقاب عليها

  • ماهو ركن المحل في جرم اساءة الأمانة؟

    محل إساءة الائتمان

    إن محل إساءة الائتمان هو مال سلم من المجني عليه إلى المدعى عليه بناء على أحد عقود الائتمان، كي يحفظه له أو يستعمله في وجه معين، ولكنه استولى عليه خيانة لهذه الثقة.

     

    يتضح من ذلك أن محل جريمة إساءة الائتمان لا بد أن يتوفر فيه شرطان:

    . أن يكون مالاً مادياً منقولا مملوكاً للغير.

    . أن يكون قد سلم للفاعل على سبيل الأمانة.

    والشرط الأول كما هو واضح، أغلبه، مشترك بين إساءة الائتمان والسرقة والاحتيال، باستثناء كون محل الاحتيال يشمل العقار إضافة للمنقول. أما الشرط الثاني فتنفرد به إساءة الائتمان.

    أولاً : کون محل إساءة الائتمان مالاً مادياً منقولاً مملوكاً للغير

    أشار نصي المادتين 656 و 657 إلى محل إساءة الائتمان بأنه سند يتضمن تعهدا أو إبراء أو أي شيء منقول آخر، أو مبلغ من المال أو أي شيء آخر من المثليات.

    – فيشترط في المحل الذي يقع عليه التسليم أن يكون شيئا له صفة المال.

    والمال هو كل شيء يصلح لأن يكون محلا لحق الملكية، بصرف النظر عن طبيعة حيازته مشروعة أو غير مشروعة.

     فإذا أودع شخص لدى أخر مواد مخدرة أو أسلحة غير مرخص بها، فتصرف بها الوديع، فهو يرتكب بذلك إساءة ائتمان.

     فعلى الرغم من عدم مشروعية حيازة صاحب هذه الأشياء، فهي صالحة محلا لحيازة مشروعة من قبل الدولة، بالتالي يتحقق بتصرف مستلم المال على سبيل الأمانة الاعتداء على الملكية الذي تفترضة.

    – ويشترط في المال محل التسليم أن يكون ماديا، لأن الشيء المادي هو الذي يقبل الحيازة والتسليم والاستيلاء، ويستوي بعد ذلك أن يكون صلباًة أو سائلا أو غازياً.

    نستخلص من ذلك أن الأشياء المعنوية، كالأفكار والأسرار والمخترعات، لا تصلح محلاً لإساءة الائتمان، إلا إذا أودعت في وعاء مادي كسند أو وثيقة أو مخطوط.

     وتطبيقاً لذلك من أؤتمن على اكتشاف أو اختراع فقام ببيعه لا يسأل عن إساءة ائتمان إلا إذا كان هذا الاكتشاف أو الاختراع قد صب في وثيقة أو سند، وتصرف المؤتمن بهذا السند، فإنه يعد مسيئا للائتمان، لأن السند له طابع مادي..

    – ويشترط أن يكون المال منقولاً.

    والمنقول بالمفهوم الجزائي هو كل شيء يمكن نقله من مكانه حتى ولو أدى إلى تلفه.

    فيدخل ضمن هذا المفهوم المنقول بطبيعته و العقار بالتخصيص والعقار بالاتصال.

    وليس اشتراط المنقول في محل جريمة إساءة الائتمان يعني أن هذه الجريمة لا يمكن تصورها بالنسبة للعقار.

    بل على العكس فإساءة الائتمان متصورة في العقارات كما هي في المنقولات.

     إلا أن المشرع خص هذا الجرم بالمنقول فقط لأنه قدر أن مالك العقار لا يحتاج إلى الحماية التي تقدمها عقوبة هذه الجريمة، باعتبار أنه يستطيع تتبع ماله الذي لا يمكن إخفاءه عنه، أما مالك المنقول فهو الذي يحتاج إلى هذه الحماية.

     وتطبيقاً لذلك فإن مستأجر المنزل الذي يرفض الخروج منه بعد انتهاء مدة عقد الإيجار، ويعرضه للبيع مدعية تملكه، لا يعتبر مرتكبا لجرم إساءة الائتمان.

     إلا أن الحكم يختلف فيما لو قام هذا الشخص بانتزاع أبواب المنزل أو نوافذه و باعها، فهذا يعتبر مرتكباً لجرم إساءة الائتمان.

    – ويشترط أخيرا أن يكون المال مملوكاً للغير.

     فعلة التجريم في إساءة الائتمان هي الاعتداء على مال الغير، ولا يعتبر الشخص كذلك إذا تصرف بماله.

     وتطبيقاً لذلك إذا تسلم الوكيل مالاً من الموكل كأتعاب له نظير الجهد الذي سيقوم به لمصلحته بموجب عقد الوكالة، فتصرف الوكيل بهذا المال دون أن يبذل أي جهد لصالح الموكل، فإنه لا يعتبر مسيئاً للائتمان، ذلك أن المال سلم إليه تسليماً ناقلاً للحيازة التامة، أي سلم له ليكون ملكاً له، وقد صار كذلك، وإن كان مشترطاً عند تسليم المال أن يقابله مجهوداً من الوكيل .

    – و عندما تتوفر في محل الجريمة صفة المال المادي المنقول المملوك للغير فإنه يصلح لأن يكون محلا للتسليم الذي تقوم به جريمة إساءة الائتمان مهما كانت قيمته ضئيلة أو كبيرة، مادية أم معنوية، مال قيمي أم مال مثلي.

    ويقصد بالأموال القيمية الأموال المعينة بالذات، والتي لا يقوم بعضها مقام بعض في الوفاء ولا تبرأ ذمة المدين بها إلا بردها عيناً أو بالذات.

    مثل قطعة مجوهرات ذات صفات معينة، أو حصان ذو مواصفات معينة مما يستعمل في السباقات الرياضية.

    أما الأموال المثلية فهي الأموال المعينة بنوعها، والتي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء، وتبرأ  ذمة المدين بها إذا رد مثلها أو نوعها.

    ومثالها النقود والحبوب من صنف واحد.

    – وهنا نرى لزاماً علينا الإجابة على التساؤل الذي سبق وطرح في مقدمة هذا الباب، والمتعلق بالعلاقة بين نصي إساءة الائتمان.

    يرى بعض الفقه أن إساءة الائتمان لها صورتين:

     الصورة الأولى :

    نصت عليها المادة 656 وهي عندما يكون محل إساءة الائتمان مالا قيمية،

     أما الصورة الثانية

    التي نصت عليها المادة 657، فمحل إساءة الائتمان فيها المال المثلي.

     ويدعم هذا الرأي أن المادة 657 قد صرحت بأن محلها هو النقود أو أشياء أخرى من المثليات، مما يستفاد منه حصر نطاقها في المثليات، وبالتالي لا تطبق المادة 656 على إساءة الائتمان في شأن المثليات، ولا تطبق المادة 657 على إساءة الائتمان في شأن القيميات.

     ويرى اتجاه أخر في الفقه ، بحق، أن إساءة الائتمان لها صورتين نصت عليهما المادتان 656 و 657، و أن النص الأول هو النص الأصلي والعام و الشامل لجرم إساءة الائتمان، أما النص الثاني فيشير إلى صورة خاصة من إساءة الامانة اعتبرها المشرع أقل خطورة من الصورة العادية، ولذلك خصها بعقوبة أخف.

    وهذه الصورة تتعلق بالأشياء المثلية التي تسلم العمل معين”، أي على سبيل الوكالة أو المقاولة أو النقل أو الخدمات المجانية، باعتبار هذه العقود تفترض تسليم المال العمل معين.

     أما نص المادة 656 فيشمل محله الأموال القيمية والمثلية معا، عدا المثليات التي تسلم لعمل معين التي خصها المشرع بنص المادة 657.

     بناء على ذلك فإن تسليم مال مثلي بناء على عقد وديعة يدخل ضمن إطار المادة 656 باعتبار أن تسليم المال هنا ليس لعمل معين، وإنما لحفظه فقط.

    وهذا، في الحقيقة، ما يدعم الرأي القائل بأن نص المادة 656 لا يقتصر فقط على الأموال القيمية، بل يشمل أيضا الأشياء المثلية التي تسلم لأي غاية أخرى غير القيام بعمل معين. فلو سلمنا بالرأي المخالف القائل بأن المادة 656  تقتصر فقط على المال القيمي فإن ذلك سيؤدي إلى نتائج غير مقبولة، تتمثل بأن من تسلم مثليات بناء على عقد أخر من العقود المذكورة في المادة 656، كالوديعة أو العارية أو الإيجار، سينجو من العقاب، لأن نص المادة 656 لا يطاله كون المال مثلي، ولا يطاله أيضا نص المادة 657 لأنه لم يسلم إليه لعمل معين.

    ثانياً : کون محل إساءة الائتمان قد سلم للفاعل على سبيل الأمانة

    لا تقع جريمة إساءة الائتمان إلا إذا كان المال قد سبق تسليمه للفاعل. وهذا الشرط نصت عليه صراحة المادة 656  بعبارة “سلم إليه”، والمادة 657 بعبارة تسلمت إليه”.

     فالتسليم المسبق للمال ضرورة القيام هذه الجريمة.

     إلا أن هذا  التسليم المسبق للمال لا يكفي لوحده بل لا بد أن يتم بناء على أحد العقود الائتمانية المحددة حصرا بالنصوص.

     فالمادة 656 تطلبت أن يتم التسليم على وجه الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو على سبيل العارية أو الرهن أو الإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة.

    أما المادة 657 فتطلبت أن يتم تسليم المثليات العمل معين”.

     لذلك لا بد من تحليل ماهية التسليم في إساءة الائتمان، ثم دراسة العقود الائتمانية المحددة بالنصوص.

     

    أولاً- ضرورة التسليم وشروطه:

    لا بد لقيام جريمة إساءة الائتمان من سبق تسليم المال المنقول إلى الفاعل.

    ولا يختلف التسليم من حيث طبيعته في جريمة إساءة الائتمان عنه في جريمة السرقة.

    فالتسليم يحصل على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيء، ولهذا فقد يكون حقيقياً، فعلياً أو رمزياً، وقد يكون حكمياً، والعبرة في القانون بذات التسليم لا بشكله.

     لهذا يستوي في إساءة  الائتمان أن يكون المال قد سلم للفاعل تسليماً حقيقياً أو حكمياً.

     ويتمثل التسليم الحقيقي في حركة مادية يتخلى بها الحائز عن المال ويخرجه من يده إلى يد الحائز الجديد.

     وقد يكون التخلي عن المال فعليا بتسليمه بذاته، أو رمزيا بتسليم ما يشير إليه وما يمكن من الاستيلاء عليه.

     ومن أمثلة التسليم الرمزي تسليم الحائز الجديد مفاتيح المخزن أو الصندوق الذي يحتوي على المال المنقول المراد تسليمه.

    أما التسليم الحكمي فلا يقتضي نقل المال ولا ما يدل عليه من موضعه، وإنما يتم بتغيير النية وحدها .

     ويمكن تصور التسليم الحكمي في حالتين:

    الأولى: حين يكون المال موجودة بين يدي مالكه ثم يتصرف فيه للغير تصرفاً ناقلا للملكية، كالبيع مثلا، ويبقيه بالاتفاق مع المشتري في يده باعتباره مستأجرا له أو مودعا لديه.

     والحالة الثانية: أن يكون التسليم لليد العارضة فقط ثم يتفق الطرفان على تحويل اليد العارضة إلى حيازة ناقصة.

    والمثال على ذلك حالة الضيف الذي يتناول كتاباً من مكتبة مضيفه ليطلع عليه فيعجبه فيطلب استعارته، فيوافقه.

    – ولا يشترط في التسليم المنتج لإساءة الائتمان أن يقع الشخص الفاعل، بل يعتد به أيضأ إذا وقع لوكيله أو نائبه أو من يمثله عموماً.

    بالتالي تقوم جريمة إساءة الائتمان في حق الشخص الذي تصرف بمال استلمه شخصياً أو استلمه عنه نائبه.

     فالزوجة التي تسلمت ما أرسل إلى زوجها على وجه الوديعة أو العارية، ثم قام الزوج بالتصرف بهذا المال، يعتبر مسيئاً للائتمان لأن ما تصرف به سلم إليه في شخص نائبه أو من يمثله.

    – ويشترط في التسليم المعتد به في إساءة الائتمان ثلاثة شروط:

     أن يكون ناقلا للحيازة الناقصة، وأن يصدر من ذي صفة، وأن يكون مصحوبة بحرية الاختيار والإرادة.

    1- کون التسليم ناقلاً للحيازة الناقصة :

    والتسليم المقصود هنا هو التسليم بناء على أحد العقود الائتمانية المحددة بالنص، تلك العقود التي تفترض أن يتم بها التسليم الناقل للحيازة الناقصة فقط على المال المسلم، والذي لا يمنح المؤتمن سوى بعض السلطات على الشيء الحساب المسالك.

    وبناء على ذلك تنتقي إساءة الائتمان إذا كان المال قد سلم على سبيل الحيازة التامة أو اليد العارضة.

    ففي البيع أو المقايضة يتم تسليم المال على سبيل الحيازة التامة، أي على سبيل نقل الملكية إلى المستلم، فلا تقع الجريمة إذا تصرف المستلم بالمال، لأنه تصرف بما يملك.

    أما تسليم المال على سبيل اليد العارضة فلا يعطي للمستلم أكثر من اتصال مادي بحت على المال، فإذا تصرف بها فلا يعد سيئا للائتمان بل سارقا، لأن تسليم اليد العارضة لا ينفي الأخذ في السرقة.

    ومثاله الضيف والخادم والحمال، فإذا استولى أي من هؤلاء على مابين يديه فهو سارق وليس مسيء للائتمان، لأنه لم يؤتمن على ما  تسلمه.

    2- صدور التسليم من ذي صفة:

    يجب أن يتم التسليم ممن له صفة على المال .

     وهذه الصفة تكون لمن يحوز المال حيازة تامة أو ناقصة.

     والأصل أن يقع التسليم من مالك المال، وهذا التسليم لا يثور بشأنه أي خلاف.

     إلا أن التسليم قد يقع أيضا من سارق المال، فالسارق يحوز المال حيازة تامة، فإذا أودعه لدى أخر أو أعاره إليه أو أجره له، فتصرف هذا الشخص بالمال، يعتبر مسيئا للائتمان.

     وحائز المال حيازة ناقصة يعتبر ذا صفة في التسليم.

     فالمستأجر للمال الذي أعاره لشخص آخر أو أودعه لديه، فتصرف به الأخير، يعتبر مسيئاً للائتمان.

    أما إذا وقع التسليم من شخص ليس بذي صفة على المال، فإن تسليمه لا يعتد به قانوناً.

    كما هو الشأن بالتسليم الصادر من صاحب اليد العارضة، كالضيف والخادم والحمال.

    وكما رأينا سابقاً فهذا التسليم لا ينفي الأخذ في جريمة السرقة، وبالتالي من يستلم مالا من صاحب اليد العارضة فيتصرف به يعتبر سارقا له وليس مسيئا اللائتمان .

    وقد لا يتم التسليم من حائز المال حيازة تامة أو ناقصة، بل يتم بناء على أمر قضائي أو حكم القانون، كما هو الحال بالنسبة لاستلام الولي والوصي والقيم والحارس القضائي.

    ولا يختلف الحكم بالنسبة لهؤلاء عن حكم من تسلم المال من المالك أو الحائز.

    ولهذا يعد كل منهم مسيئا للائتمان إذا تصرف بالمال الذي تسلمه بموجب إحدى هذه الصفات.

    3- صدور التسليم عن اختيار وارادة:

    يجب أن يكون التسليم في إساءة الائتمان صادر عن شخص ذي صفة باختياره وبإرادته الحرة حتى يعتد بتسليمه قانوناً .

     فمن يتسلم مالاُ من مجنون أو مكره ثم يتصرف به يعتبر سارقاً له وليس مسيئا للائتمان.

     بيد أن هذه القاعدة غير مطلقة، فالإرادة المعيبة لنقص الأهلية، دون انعدامها، قد تنقل الحيازة وتمهد لارتكاب إساءة الائتمان.

     ويعتد بالتسليم الصادر عن شخص بإرادته الحرة المميزة حتى ولو تم التسليم نتيجة غلط من المسلم، في قيمة المال أو كميته أو في شخص المستلم، أو تم التسليم نتيجة غش وخداع من المستلم، لأن إرادة المسلم، بغض النظر عما شابها من عيب، قد اتجهت فعلا إلى التسليم.

     وقد سبق لنا شرح هذه الفكرة عند دراسة أحكام السرقة، وقلنا أن من يتسلم مالاً منقولاً نتيجة غلط وقع به المسلم، فتصرف به، يعتبر مرتكبا للجرم الوارد في المادة 659 من قانون

     

    العقوبات، وهو جرم ملحق بإساءة الائتمان. أما من تسلم مالاً منقولا بخداعه للمسلم، وتصرف به، فيعتبر مرتكب الجرم الاحتيال إذا توافرت بقية أركان الاحتيال.

    ثانياً – أن يتم التسليم بناء على أحد العقود المحددة قانوناً.

    يجب في التسليم المعتد به في إساءة الائتمان أن يكون مصدره عقدا من عقود الأمانة التي نص عليها المشرع على سبيل الحصر .

     وهي كما جاءت في المادة 656 ” الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو العارية أو الرهن أو لإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة “.

    أما المادة 657 فتطلبت أن يكون تسليم المثليات” لعمل معين .

    فإذا لم يكن العقد الذي حصل التسليم بمقتضاه من هذه العقود، كعقد البيع و عقد القرض وعقد الشركة مثلا، أو كان التسليم لم يحصل أصلا بناء على عقد، فإن التصرف بالمال لا يعد إساءة ائتمان.

     وعبارة “لإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة” الواردة في المادة 656 تشير إلى ثلاثة عقود يتسلم بها المدعى عليه المال للقيام بعمل معين وهي المقاولة والنقل وعقد الخدمات المجانية. أما تسليم المثليات في المادة 657 ” لعمل معين ” فتشير إلى ذات العقود الثلاثة السابقة إضافة لعقد الوكالة، لأن هذه العقود تفترض تسليم المال العمل معين.

  • الاحتيال عن طريق تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث مع أمثلة عنها

    هذه الوسيلة الثانية من وسائل الاحتيال التي عددتها المادة 641، وعبرت عنها بعبارة

     “تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.

     وكما أشرنا سابقا بأن الوسيلة الأولى، وهي استعمال الدسائس، تشكل النموذج العام للكذب المدعم بمظاهر خارجية، وهذا المظاهر يجب أن تتمثل بأشياء مادية أو بشخص الفاعل نفسه دون سواه.

    أما هذه الوسيلة الثانية فتشكل نموذجاً خاصاً للكذب المدعم بمظاهر خارجية، وهذه المظاهر لا تتمثل إلا بتدخل شخص ثالث.

    ولا ريب في أن الإنسان يتشكك عادة بالمزاعم الصادرة عن شخص واحد، ويزداد تشككه حين يكون من شأن تصديق هذه المزاعم تجريده من بعض ماله.

     إلا أن تدخل شخص أخر يؤيد مزاعم المحتال يجعل من هذه الإدعاءات أقرب إلى التصديق من قبل المجني عليه، لاسيما إذا كان هذا الشخص يبدو محايداً لا مصلحة له من تدخله، أو إذا كان ظاهر الحال يوحي بأنه ليس له مصلحة في الكذب، أو كان يبدو من تدخله الرغبة في الخير أو في تحقيق مصلحة المجني عليه على وجه الخصوص.

    ويشترط لاعتبار الاستعانة بشخص ثالث من وسائل الاحتيال شرطان :

    الأول:

    أن يكون المحتال هو الذي حمل الشخص الثالث على التدخل ودفعه إلى تأكيد أكاذيبه. أما إذا تدخل هذا الشخص تطوعا لتأييد هذه الأكاذيب، فإن هذا التدخل لا يشكل هذه الوسيلة الاحتيالية، ولا تقوم مسئولية الفاعل في هذه الحالة لأن فعله لم يخرج عن حدود الكذب المجرد الذي لا يرقى لمرتبة الوسائل الاحتيالية .

     وعندما يحمل المحتال شخص ثالثاً على التدخل لتأييد كذبه تقوم هذه الوسيلة الاحتيالية سواء أكان الشخص الثالث غريبة حسن النية أو كان شريكا للفاعل.

     وتطبيقاً لذلك إذا أيد شخصان كل منهما الآخر في أنه قادر على استحضار الأرواح ومخاطبة الجن، وأكد كل منهما صحة مزاعم الأخر في أنه قادر على ذلك، فإن هذا التأييد يعتبر من قبيل تدخل شخص ثالث، ويعتبر الشخصين فاعلين أصليين لجرم الاحتيال.

    أما إذا زعم أحدهما هذه القدرة و أيده الأخر مع علمه بكذبه، فالأول فاعل و الثاني شريك.

     أما إذا كان الشخص الثالث حسن النية، وكان هو الأخر مغشوشاً ومخدوعاً بكذب المحتال، فيقوم الجرم على الفاعل ولا يسأل الشخص الثالث.

    إلا أنه يشترط دائما لقيام هذه الوسيلة الاحتيالية أن يكون الشخص الثالث قد تدخل بسعي المحتال وتدبيره وإرادته لا من تلقاء نفسه بغير طلب أو اتفاق.

     والثاني:

    أن يضيف الشخص الثالث بتدخله إلى مزاعم المحتال شيئاً جديداً يجعل هذه المزاعم أكثر ثقة وأحرى بالقبول لدى المجني عليه.

    أما إذا كان هذا الشخص مجرد رسول يبلغ المجني عليه أكاذيب المحتال دون أن يضيف إليها شيئا من عنده، فلا تتوفر بتدخله هذه الوسيلة الاحتيالية لأن تدخله لم يشكل سوى ترديد الأكاذيب الفاعل، ولم يضف شيئا جديدة عليها. لكن الوضع يتغير وتتحقق هذه الوسيلة إذا تجاوز الرسول حدود مهمته وأضاف أقوالا صادرة عنه ولها ذاتيتها المستقلة عن أكاذيب المحتال، مما عزز ودعم هذه الأكاذيب وكان لها تأثير في تصديق المجني عليه لها ووقوعه في حبائل المحتال يتسليمه مالا بناء على هذا التدخل.

    نخلص من ذلك أنه لا بد لقيام هذه الوسيلة الاحتيالية من أن يكون تدخل الشخص الثالث قد حصل بسعي المحتال و تدبيره، وأن يكون هذا التدخل صادرة عن شخص المتدخل وليس مجرد ترديد الأكاذيب المحتال .

    ومتى توفر هذان الشرطان فلا أهمية بعد ذلك للطريقة التي تم بها تدخل الشخص الثالث، فقد تكون مباشرة في صورة القول الشفوي الذي يصدر عن هذا الشخص أثناء حديث المحتال مع المجني عليه، وقد تكون غير مباشرة في صورة الاتصال بالمجني عليه بأية وسيلة كانت بالكتابة أو بالهاتف أو بأية وسيلة اتصال أخرى .

     ويستوي في قيام هذه الوسيلة أن يكون الشخص الثالث مستخدمة لدى المحتال أو أن يكون وكيلا له، أو أن يكون وكيلا للمجني عليه، أو أن لا تكون له صلة بهما أصلاً.

     كما يستوي أن يكون الشخص الثالث حسن النية مخدوعا هو الأخر بأكاذيب المحتال، وسخره المحتال لمصلحته، أو أن يكون سيء النية تدخل إضرارا بالمجني عليه.

  • الركن المادي في جريمة السرقة

     

    إن الركن المادي لجريمة السرقة يتجسد، كما عرفته المادة 621 من قانون العقوبات، بالأخذ دون الرضاء.

    وككل الجرائم لا بد أن يتوافر في الركن المادي ثلاثة عناصر:

     النشاط الجرمي – النتيجة – العلاقة السببية التي تربط بين النشاط والنتيجة.

    والنشاط الجرمي في السرقة يتمثل بفعل الأخذ دون الرضاء، أما النتيجة فتتمثل بتبديل الحيازة، بخروج الشيء المسروق من حيازة المجني عليه ودخوله في حيازة السارق أو غيره.

    ويجب أخيراً أن ترتبط النتيجة بالسلوك برابطة سببية، معناها أن يكون انتقال الحيازة سيبه سلوك الفاعل.

    وتتميز السرقة عن غيرها من الجرائم بتداخل واندماج النشاط الجرمي مع النتيجة في التطبيق، بحيث يجتمع في الفعل النتيجة والعلاقة السببية.

    فعندما ترتكب السرقة تامة بالأخذ دون الرضا فإن نتيجتها، وهي تبديل الحيازة، تتحقق مع الفعل وتندمج فيه، بحيث تصبح دراسة الفعل هي دراسة للنتيجة والعلاقة السببية بذات الوقت، بحيث لا يصبح هناك مبرر لدراسة كل عنصر من عناصر الركن المادي بشكل منفصل.

    ولا تتضح أهمية الفصل بين الفعل والنتيجة إلا عندما تتوقف السرقة في مرحلة الشروع، فيكون لدينا الفعل الذي لم تتحقق نتيجته، فيصبح من الضرورة الفصل بينهما في الدراسة.

     و المشرع لم يحدد بنص المادة 621 المقصود بكلمة الأخذ التي يمكن تعريفها بأنها الاستيلاء على الحيازة التامة لمال منقول بدون رضاء مالكه أو حائزه.

    نستخلص من هذا التعريف أن الأخذ لا يقوم إلا إذا توافر عنصران:

    عنصر مادي يتمثل بالاستيلاء على الحيازة.

     وعنصر معنوي يتمثل بعدم رضاء مالك المنقول أو حائزه عن الفعل  .

    الأخذ (الاستيلاء على الحيازة)

    يتوافر الأخذ عندما يقوم الفاعل بنشاط مادي ينقل به المال إلى حيازته، بغض النظر عن الطريقة التي اتبعها، سواء بالخطف أو النقل أو النزع أو السلب.

    المهم في ذلك أن يتم الاستيلاء على المنقول بنشاط الفاعل، ولكن ليس من الضروري أن يكون هذا الاستيلاء بيده.

     فيعد سارقاً من يدرب قرداً على النشل ويطبقها القرد فعلا.

     كما يعد سارقاً من يطلب من نادل في مطعم أن يناوله معطفاً موضوع على مقعد موهما إياه أنه صاحبه، فيناوله النادل المعطف بحسن نية، فيستولي عليه ويفر به.

    كذلك يكفي أن يهيئ السارق أسباب انتقال الحيازة إليه، كمن يحول مجرى مياه جاره إلى أرضه، بإزالة عقبة أو عائق، حتى تتحدر إليها عند ورودها.

    بيد أنه يشترط لاعتبار الفاعل سارقاً أن ينقل الشيء إلى حيازته، أما إذا أعدمه في مكانه، بإحراقه مثلا أو أطلقه، كما لو كان طائراً في قفص وفتح له الباب فطار، فلا يعد الفاعل سارقاً. والاستيلاء الذي يقوم به الأخذ هو الاستيلاء على الحيازة التامة.

     والحيازة التامة تعطي صاحبها على الشيء المحاز كافة سلطات المالك على ملکه، بغض النظر إذا كانت مستندة إلى حق مشروع الملكية، أو غير مشروع كالسرقة.

     وللحيازة التامة عنصران: عنصر مادي ويعني السيطرة المادية على الشيء، وعنصر معنوي معناه إرادة الحائز التصرف بالشيء تصرف المالك.

    إذن، فالاستيلاء الذي يقوم به الأخذ، ويلاحق بموجبه الفاعل عن جرم السرقة هو الاستيلاء على الحيازة التامة بعنصریها المادي والمعنوي.

    أي أن يستولي الفاعل مادياً على الشيء، مريداً إنهاء حيازة صاحبه عليه و إنشاء حيازة جديدة له أو لغيره، متصرفاً بالمال تصرف المالك.

     أما إذا كان الاستيلاء على الحيازة الناقصة، مريدا استعمال الشيء فقط، وإعادته لمالكه، فلا تقوم بذلك السرقة، لأن الفاعل لم ينكر ملكية صاحب المال.

     ومن هذا القبيل أيضا الاستيلاء على اليد العارضة، فمن يستولي على مال منقول بهدف معاينته أو فحصه ويعيده مباشرة لصاحبه، لا يعتبر سارقة أيضا.

     يستخلص من تحديد الأخذ استنادا لهذا المفهوم نتيجتان:

    الأولى: أن الأخذ لا يتوافر إذا كان الشيء في حيازة المدعى عليه بشكل مسبق.

     الثانية: أن التسليم ينفي الأخذ.

    أولا- الحيازة المسبقة للمدعى عليه.

    فعندما يكون الشيء المنقول في حيازة المدعى عليه ابتداء، ويمتنع عن رده إلى مالكه أو حائزه، متصرفاً به تصرف المالك، فلا يعد سارقاً له لأنه لم يحصل منه أخذ.

     فالبائع الذي يرفض تسليم المبيع إلى المشتري بعد قبضه للمنه، لا يعد سارقا له، لأنه لم يخرج من حيازته أصلاً ويأخذه من المشتري خفية أو عنوة.

    أما لو سلمه المبيع ثم قام بالاستيلاء عليه بعد ذلك، فهنا يكون قد فقد حيازته للشيء بتسليمه، فيعد سارقا له.

    وكأمثلة أخرى لهذه الحالة، إذا كان الشيء المنقول في حيازة شخص ونازعه الغير على ملكيته، وحكم لهذا الغير بأحقيته بملكيته، فرفض تسليمه، فلا يعد سارقاً له لأنه ظل محتفظاً بحيازة الشيء أثناء المنازعة على الملكية، فانتفي بذلك الركن المادي للسرقة المتمثل بالأخذ. أو إذا كان الشخص يحوز الشيء بناء على عقد ائتماني، كالإيجار أو العارية، وانتهت مدة العقد، فوجب عليه رد المال للمؤجر أو المعير، فرفض رده ناكر ملكيته له، ومتصرفا به تصرف المالك، فهذا لا يعد سارقاً أيضا لأنه لم يتنازل عن الحيازة أصلاً ثم يستولي على الشيء بعد ذلك كي يعد سارقاً.

     ففي هذا المثال يعتبر الفاعل مرتكباً لجرم إساءة الائتمان.

    ثانيا – التسليم النافي للأخذ.

    إن تسليم الشيء المنقول يمنع توافر عنصر الركن المادي، المتمثل بالأخذ.

     فالتسليم يتعارض مع فكرة سلب الحيازة أو الاستيلاء عليها. والتسليم المسبق ينفي الأخذ سواء كان حر، أو كان مبنية على غلط، أو كان مشوبة بالغش والخداع. إلا أنه ليس كل تسليم ينفي الأخذ، بل لا بد أن يتوافر به ثلاثة شروط مجتمعة.

    شروط التسليم النافي للأخذ

    لا بد أن يتوافر في التسليم النافي للأخذ الشروط التالية: الصفة – الإرادة الحرة المميزة – التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة.

    1- الصفة.

    كي ينفي التسليم الأخذ يجب أن يكون حاصلا من شخص له صفة على الشيء فينقل بموجب هذه الصفة حيازة المال، وشرط الصفة يتوافر بمالك الشيء أو حائز.

     ففي المثال السابق عن النادل والمعطف، فصحيح أن النادل سلم المعطف إلى الزبون السارق، إلا أن هذا التسليم لا ينفي الأخذ باعتبار أن النادل ليس بذي صفة على هذا المعطف، فهو ليس إلا أداة استخدمها الزبون في سرقة المعطف بدل أن يأخذه بيده مباشرة.

     إلا أن الأمر يختلف إذا كان هذا النادل قد تسلم المعطف من صاحبه على سبيل الأمانة، فيصبح ذا صفة على المعطف، وهو ما يجري عليه العمل ببعض المطاعم الراقية، ويدعى (الفيستيير – vestiere)، حيث يسلم الزبون معطفه للفيستيير فيسلمه الأخير کرتاً مرقماً يستطيع بموجبه استلام معطفه عند مغادرة المكان.

    فلو أخطأ الفيستيير وسلم المعطف الزبون آخر غير صاحبه، فهذا الزبون لا يعتبر سارقاً للمعطف إذا اكتشف الأمر وسكت عنه، لأنه استلمه من صاحب صفة عليه، وهذا التسليم ينفي الأخذ.

    2- الإرادة الحرة المميزة

    يجب أن يكون التسليم النافي للأخذ صادرة عن شخص ذي صفة باختياره وبإرادته الحرة، ومدرك للآثار القانونية للعمل الذي يقوم به. فلا عبر بتسليم المكره والصبي غير المميز والمجنون والمعتوه.

     فالتسليم في هذه الأحوال هو تسليم أني لا يعتد به. فمن تسلم منقولا من مكره أو مجنون واستولى عليه متصرفا به تصرف المالك يعتبر سارقاً.

    3- التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة

    إن التسليم الذي ينفي ركن الأخذ في جريمة السرقة هو الذي ينقل الحيازة كاملة بقصد التخلي نهائيا عن حيازة الشيء، أو هو التسليم الذي ينقل الحيازة الناقصة، وهي الحيازة على سبيل الأمانة بموجب إحدى العقود الائتمانية.

    أما مجرد التسليم المادي الذي لا ينقل حيازة، تامة أو ناقصة، وتكون به يد المستلم على الشيء يد عارضة فلا ينفي الأخذ. والحيازة التامة، كما أسلفنا ، تعطى صاحبها على الشيء المحاز ممارسة كافة سلطات المالك على ملکه، بغض النظر إذا كانت مستندة إلى حق مشروع كالملكية، أو غير مشروع كالسرقة .

    وللحيازة التامة عنصران: عنصر مادي ويعني السيطرة المادية على الشيء، و عنصر معنوي ويعني إرادة الحائز التصرف بالشيء تصرف المالك.

    أما الحيازة الناقصة فتكون للشخص الذي يتوفر في حيازته للشيء العنصر المادي فقط، أي السيطرة على الشيء، دون عنصرها المعنوي.

     وهي الحيازة على سبيل الأمانة بموجب إحدى العقود الائتمانية كالوديعة و العارية والإيجار والرهن…

     والحائز على سبيل الأمانة إنما يحوز الشيء لحساب مالكه بناء على عقد يلتزم برد الشيء عند نهاية مدته، مما يستبعد معه أي إدعاء من جانبه بملكية الشيء .

    أما اليد العارضة فلا تعتبر نوعا من الحيازة، بل هي مجرد وضع يد مادي على الشيء دون أن يكون لواضع اليد أي حق أو سلطة على الشيء .

     و الحيازة تبقى لمن سلم الشيء، أما المستلم فيكون اتصاله بالشيء اتصلا مادية بحتاً، أي يكون الشيء عرضاً بين يديه ويتوجب عليه أن يرده بعد وقت يسير ، ويخضع دوما لرقابة من له الحق على الشيء.

     ومن أمثلتها حالة الجمال الذي يحمل للمسافر حقيبته في المطار أو في محطة القطار تحت بصره ورقابته، والخادمة في المنزل بالنسبة لمحتوياته، والعامل في المصنع بالنسبة للأدوات التي يستخدمها أثناء عمله، ومن هذا  القبيل أيضا من يتناول شيئا لمعاينته أو لتفحصه أو لتقدير ثمنه، كمالك السيارة الذي يسلمها إلى آخر لفحصها وتجريبها تمهيدا لشرائها، وصاحب محل المجوهرات الذي يسلم قطعة ذهبية لزبون أو زبونة ليعاينها قبل شرائها.

    إلا أن التسليم لا يشترط أن يكون حقيقياً كما في الأمثلة السابقة، بل قد يكون التسليم حكمياً، من هذا القبيل الأدوات التي يقدمها صاحب المطعم للزبائن و الفندق للنزلاء ومتاع المنزل بالنسبة للضيوف، ففي هذه الحالات جميعا إذا  استولى صاحب اليد العارضية على الشيء يعتبر سارقاً له.

    وتطبيقا لما سبق شرحه، لو أن مالكة لمنقول سلمه إلى شخص آخر، فإن الاحتمالات التي نواجهها تكون كالتالي:

    – إذا كان التسليم بقصد التخلي النهائي عن المنقول، فهو تسليم ناقل للحيازة التامة، بالتالي فالمستلم لا يعد سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك.

     – إذا كان التسليم بقصد الإعارة أو الوديعة أو الإيجار، فهو تسليم ناقل للحيازة الناقصة، إذا فالمستلم لا يعد سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك، بل مسيئا للأمانة.

    – إذا كان التسليم بقصد المعاينة أو الفحص أو تقدير قيمة الشيء أو القيام بعمل معين تحت إشراف ورقابة المسلم, أو كان التسليم حكمياً، كحالة متاع المنزل بالنسبة للضيوف، وأدوات المطعم والفندق بالنسبة للزبائن والنزلاء، فهو تسليم يد عارضة، بالتالي إذا استولى المستلم على الشيء مريداً التصرف به تصرف المالك، يعتبر سارقا له، لأن تسليم اليد العارضة لا يعتبر تسليماً ناقلاً للحيازة التامة أو الناقصة.

     باختصار، فإن التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة ينفي ركن الأخذ، إذا ينفي جرم السرقة. أما تسليم اليد العارضة فيقوم به ركن الأخذ، وبالتالي جرم السرقة.

    – وبالرغم من وضوح فكرة اليد العارضة، فإن تطبيقها في بعض الحالات يثير التساؤل حول حكمها.

     كحالة تسليح شيء بداخله شيء آخر يجهله المسلم، وحالة متاع المنزل بالنسبة للزوجين والأولاد.

     – من صور الحالة الأولى أن يسلم زبون معطفه لصاحب محل تنظيف الثياب، فيكتشف صاحب المحل وجود مبلغ من المال، أو خاتم ثمين، في جيب المعطف، فيستولى عليه، فهل يعتبر سارقا له؟

    ما من شكك في أن تسليم الزبون لمعطفه هو تسلیم ناقل للحيازة الناقصة، فإذا استولى صاحب المحل على المعطف عد مسيئا للائتمان.

     إلا أن هذا التسليم الناقل للحيازة الناقصة يتناول المعطف فقط، باعتبار أن صاحبه يجهل وجود المبلغ أو الخاتم بداخله، بالتالي فلا وجود للتسليم أصلا بالنسبة لهما، باعتبار أن من خصائص التسليم أنه إرادي.

    إلا أن عدم وجود التسليم لا يعني أن الاستيلاء عليهما يشكل جرم السرقة، فصاحب المحل لم يقم بأي نشاط إيجابي ينقل به حيازة الشيء من صاحبه إلى حيازته أو حيازة غيره، بل دخل الشيء في حيازته بصورة طارئة نتيجة عدم علم صاحب المعطف بوجود المبلغ أو الخاتم بداخله.

     فحكم هذه الحالة يطاله نص المادة 659 الخاص بالأشياء الضائعة أو المفقودة، السالفة الذكر، وهي من الجرائم الملحقة بإساءة الائتمان، كل من استملك أو اختلس …..أي شيء منقول دخل في حيازته…… أو بصورة طارئة أو بقوة قاهرة عوقب بالحبس……

    أما بالنسبة لحالة متاع المنزل، فما من شك بأن يد الابن على المنقولات المملوكة لوالده يد عارضة، فإذا استولى على أي شيء منها عد سارقا له، إلا إذا سلم إليه على سبيل الأمانة .

     أما عن حالة الزوجين، فإذا كان المال خاصة بأحدهما، كالنقود، واستولى عليه الأخر عد سارق له .

    أما إذا كان المال في حيازته على سبيل الأمانة، فاستولى عليه متصرفاً به تصرف المالك، عد مسيئا للائتمان، وإذا كان المال مملوكة للزوجين معا وفي حيازتهما معا في نفس الوقت، فيعتبر كل منهما في هذه الحالة أمينة على حصة الأخر من المال، فإذا استولى عليه وتصرف به تصرف المالك اعتبر مسيئا للائتمان.

    – ومتى كان التسليم ناقلاً للحيازة الكاملة أو الناقصة فإنه ينفي السرقة لانتفاء ركن الأخذ ولو بني على غلط، أو كان نتيجة غش أو خداع.

    أ- التسليم الناشئ عن غلط.

    يخلط الشخص عندما يتوهم أو يعتقد بما يخالف الحقيقة والواقع. والتسليم الناشئ عن غلط قد يكون في ذات الشيء أو في قيمته أو كميته أو في شخص المستلم.

    ومن أمثلة الغلط في ذات الشيء أن يرد کواء إلى زبون عنده معطف غير معطفه ظان أنه له فيأخذه الزبون مع علمه بالغلط الذي وقع به الكواء.

     أو يرد مصلح الساعات لزبون ساعة زبون آخر فيأخذها الزبون مع علمه بالغلط الذي وقع به المسلم.

    ومن قبيل الغلط في قيمة الشيء أو كميته أن يسلم المشتري للبائع ورقة من فئة الخمسمائة ليرة ظنا منه أنها من فئة المائة ليرة فيأخذها البائع وهو يعلم بما وقع به المشتري من غلط.

    أو أن يسلم المدين لدائنه أكثر من الدين المستحق عليه متوهم أن ما سلمه هو قيمة الدين، فيستلم الدائن المبلغ وهو عالم بالغلط الذي وقع به المدين.

    ومن أمثلة الغلط في شخص المستلم أن يسلم شخص بضاعة لأخر معتقدا أنه صاحب الحق فيها، أو أن يوفي المدين بدين عليه إلى شخص يظنه دائنه، فيستلم الشخص البضاعة أو الدين ويسكت عن الغلط الذي وقع به المسلم.

    ففي هذه الأمثلة عندما يمتنع المستلم عن رد الشيء، ويتصرف به تصرف المالك، فلا يعد سارقا، لأن التسليم هنا ينفي الأخذ، فهو قد تم عن إدراك واختيار من ذي صفة وناقلا للحيازة.

    وليس من شك في أن القانون المدني يجيز لمن وقع في غلط من هذا النوع أن يبطل التصرف إذا كان الطرف الأخر عالما بالغلط، ولكن ما يعنينا هو موقف القانون الجزائي بهذا الخصوص.

     ولقد حسم المشرع السوري هذه المسألة باعتباره الفاعل مرتكبا للجريمة الواردة في المادة 659 من قانون العقوبات، وهي من الجرائم الملحقة بإساءة الائتمان، كما أسلفنا، ونصها

     “1- كل من استملك أو اختلس، أو رفض أن يرد، أو كتم لقطة، أو أي شيء منقول دخل في حيازته غلط، أو بصورة طارئة، أو بقوة قاهرة، يعاقب بالحبس حتى سنة وبغرامة….

    ب- التسليم الناشئ عن غش أو خداع

    لاحظنا في التسليم الناشئ عن غلط أن موقف المستلم يكون فيه سلبياً.

     فالمسلم هو الذي يقع بالغلط من تلقاء نفسه. أما في حالة التسليم الناشئ عن غش أو خداع فموقف المستلم هنا مختلف، فلا يقتصر على موقف سلبي منه بعلمه بالغلط والسكوت عنه، وإنما يقوم بإيقاع المستلم في الغلط، بالكذب عليه و غشه، مما يدفعه إلى تسليمه المال.

    وهذا الغلط بدوره قد ينصب على ذات الشيء أو على قيمته أو كمیته أو على شخص المستلم. والتسليم الناشئ عن الغش يأخذ حكم التسليم الناشئ عن الغلط بكونهما ينفيا الأخذ، ولا يعد المستلم فيهما سارقاً، لأن إرادة المسلم، بغض النظر عما شابها من عيب، قد اتجهت فعلا إلى نقل الحيازة.

     وقد يقتصر الغش في هذه الحالة على مجرد التدليس وفق المفهوم المدني، الذي يعطي المتضرر منه الحق بإيطال التصرف أو العقد أمام القضاء المدني.

    وقد يتجاوز الغش المفهوم المدني إذا ترافق مع وسائل احتيالية أوقعت المسلم بالغلط ودفعته إلى تسليم المال، فهنا نكون أمام جريمة احتيال إذا توافرت سائر أركانها.

     إذاً المعيار الذي يمكن اعتماده هنا هو درجة الغش.

    فإذا  كان الغش يسيراً فقد لا تقوم به جريمة، أما إذا كان جسيما، فهو يشكل جرم الاحتيال  ومن قبيل ذلك أن يستولي الشخص على مال غيره مقابل إيداع شيء لديه على سبيل الرهن ثم يتضح فيما بعد أن ما أودعه عديم القيمة.

    أو أن يشتري الشخص سلعة ويدفع ثمنها بورقة مالية لم تعد قابلة للتداول قانوناً موهماً البائع بأنها ورقة نقد متداولة.

     أو يعرض الشخص على أخر سلعة تافهة موهما إياه بأنها ذات قيمة كبيرة، ويطلب ثمناً كبيراً زاعما أن الصفقة في مصلحة الشخص الأخر ويستولي بذلك على مال قيمته أضعاف قيمة السلعة.

     ففي جميع هذه الحالات يكون هناك تسليما نافية للأخذ، ولكن الفعل قد يشكل جرم احتيال إذا توافرت سائر أركانه الأخرى.

     

    عدم الرضا

    إضافة لوجوب توفر الأخذ المتمثل بالاستيلاء على الحيازة التامة، لا بد لاكتمال عناصر الأخذ، أن يتم الاستيلاء دون رضاء المالك أو الحائز للمال.

     وهذا ما أفصح عنه نص المادة 621 بتعريفه للسرقة “بأخذ مال الغير المنقول دون رضاه “. وبتوافر هذين العنصرين يكتمل الركن المادي للسرقة.

    أما إذا تحقق العنصر الأول، أي الاستيلاء على المال، ولكن برضاء المالك أو الحائز ، فينتفي بذلك الأخذ، ولا تقوم بالتالي جريمة السرقة .

    ورضاء المالك كاف لانتفاء السرقة سواء كان المال في حيازته أو في حيازة غيره.

    أما إذا كان المال في حيازة غير المالك، فإن رضاء كل من المالك أو الحائز على حدة يكفي لانتفاء الأخذ.

     فلو أن مستأجرة المنقول قام بتسليمه الشخص أخر، دون رضاء المالك، فلا يعد من استلمه سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك.

     ولكنه قد يسأل مع المستأجر عن جريمة إساءة الائتمان.

     أما لو قام المالك بتسليم المنقول المؤجر إلى شخص آخر، دون رضاء المستأجر، فلا يعد من استلمه سارقا له، ولا يستطيع المستأجر العودة على المؤجر إلا بدعوى مدنية، كتنفيذ العقد أو فسخ العقد، دون إمكانية ملاحقة المالك و المستلم بدعوى جزائية، ما دام المالك قد تصرف بملكه، ولكنه يكون قد خالف شروط عقد الإيجار.

    أما إذا كان المال في يد عارضة فلا عبرة بالرضا الصادر عن صاحبها . فاليد العارضة لا تعطي صاحبها أي حق أو سلطة على الشيء، فإذا قام بالاستيلاء على الشيء عد سارقاً له، وإذا سلم الشيء لشخص أخر، يعتبر الشخص الأخر سارقاً أيضا، إذا كان يعلم بطبيعة حيازته للمال .

    فالحمال في المطار أو في محطة القطار تعتبر بده عارضة على الحقيبة التي يسلمه إياها المسافر، بالتالي لا يعتد برضائه بتسليم الحقيقية لشخص أخر، لأن الرضا يكون في هذه الحالة لصاحب الحقيبة.

    وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة 621 أشار إلى عدم الرضا وليس عدم العلم.

    نستنتج من ذلك أن لا تلازم بين عدم الرضا و عدم العلم .

    فالمطلوب عدم الرضا ولو كان المجني عليه يعلم بفعل الأخذ.

     وهذه الحالة تتوفر في السرقة بالإكراه، أو عند عدم اعتراض المجني عليه واستدراجه للسارق ليتمكن من القبض عليه متلبساً .

     ففي هذه الحالات يعتبر الفاعل سارقا، بالرغم من علم المجني عليه بالسرقة، وذلك لانتفاء رضاءه. وعلى العكس من ذلك فقد يأخذ الفاعل المال دون علم صاحبه، ولكن ظروف الحال تثبت أنه كان راض عن أخذه، فلا تقوم بذلك السرقة.

     فصاحب الدار لا يرى ضيوفه وهم يأكلون من ثمار حديقته ولكن ظروف الحال يستدل منها على موافقته.

    والأب لا يبصر ولده وهو يستولي على بعض ماله، ولكن طبيعة العلاقة بينهما تدل على أن الأب راض بفعل ابنه في حدود معينة.

    والرضا ينتج أثره في نفي السرقة ولو كان الفاعل لا يعلم به.

     فعدم الرضا من المالك أو الحائز هو أحد عناصر الركن المادي الذي ينتج أثره دون اشتراط علم الفاعل به.

     فقد يقدم شخص على الاستيلاء على مال مملوك للغير، ويكون هذا الغير راضيا بذلك، فلا يعتبر الفعل سرقة إلا بنظر الفاعل.

    ويستوي في عدم الرضا أن يكون صريحاً أو ضمنياً. ويمكن استخلاص عدم الرضا الصريح من تمسك المجني عليه بالمال ومقاومته للسارق.

    أما عدم الرضا الضمني فيمكن استخلاصه من ظروف وملابسات الواقعة، كعدم المقاومة نتيجة خوف المجني عليه من أن يلحق السارق به الأذى، أو وجود المال في خزنة محكمة الإغلاق، احتاج السارق لفتحها استخدام أدوات مخصوصة.

    وغني عن البيان أن الرضا النافي للأخذ يشترط فيه أن يصدر من ذي صفة وهو المالك أو الحائز حيازة ناقصة، وأن يكون صادرة عن إرادة مميزة حرة، كما أشرنا سابقا في التسليم النافي للأخذ، فلا قيمة للرضا الصادر عن مجنون أو معتوه أو صبي غير مميز أو مكره. والعبرة في توافر الرضا النافي للأخذ هو وقت فعل الأخذ، أما إذا كان لاحقا للفعل فهو لا ينفيه، ولا يمنع من قيام السرقة. فلو أقدم شخص على سرقة مال مملوك للغير دون رضاه، ثم صفح عنه، أو رضي أن يحتفظ بالمال المسروق، فهذا لا ينفي عن الفعل وصف السرقة.

  • هل يشكل الاستيلاء على الأشياء المباحة أو المتروكة أو الضائعة جرم السرقة؟

    لا يكفي لاعتبار الشخص سارقاً أن يكون الشيء المسروق غير مملوك له، وإنما يجب فضلا عن ذلك أن يكون الشيء مملوكاً لشخص أخر عند الاستيلاء عليه.

     يبني على هذا أن الأشياء التي لا مالك لها لا تكون محلا للسرقة، وهي الأشياء المباحة والمتروكة.

    أما الأشياء التي خرجت من حيازة أصحابها ماديا ولكنها بقيت في ملكيتهم تكون محلاً للسرقة، وهي الأشياء المفقودة أو الضائعة.

    1- الأشياء المباحة والمتروكة

    – الشيء المباح هو الشيء الذي لا مالك له، ولم يكن في وقت مملوك لأحد، والاستيلاء عليه سبب من أسباب کسب الملكية يقره القانون ويرتب عليه آثاره. فالماء والكلأ، والحيوان في الغاب أو الصحراء، والسمك في الماء، والطير في الهواء، كلها أشياء مباحة إذا سبقت إليها يد إنسان فحازها ملكها، فإذا استولى عليها شخص أخر منه كان فعله سرقة.

    ولكن الطيور المستأنسة والحيوانات الأليفة لا يسري عليها هذا الحكم، فهي لا تعتبر مالاً مباحاً ولو خرجت من يد صاحبها، لأن حق الملكية يلازمها، وإنما يسري عليها حكم الأشياء المفقودة أو الضائعة.

    وكذلك لا تعتبر أموالاً مباحة المال العام أو الخاص المملوك للدولة، مثل الشوارع والساحات والحدائق العامة والأبنية الحكومية والآثار.

     فهذه جميعها تصلح محلا لجرم السرقة. كمن يستولي على إحدى الأوابد التاريخية.

     – أما الأشياء المتروكة، فهي المنقولات التي يتخلى عنها مالكها بقصد النزول عن ملكيته. مثالها ما يفرغه المتعهدون من الأتربة أو بقايا تعهدات البناء، أو الأشياء التي يلقيها أصحابها في الحاويات، أو يضعونها أمام منازلهم كي يتلقفها أشخاص بحاجة إليها، كأدوات منزلية أو كهربائية أو ملبوسات أو بقايا طعام.

     فهذه أشياء لا يشكل أخذها سرقة، باعتبار أن مالكها قد تخلى تماما عن ملكيته لها، وأصبحت بحكم الأشياء المباحة التي لا مالك لها.

    2- الأشياء الضائعة والكنز

    إن الاختلاف واضح بين الأشياء المياحة والمتروكة وبين الأشياء الضائعة أو المفقودة.

     فالأولى لا مالك لها، بينما  الثانية فملكيتها ثابتة لصاحبها . فضياع المال لا ينهي ملكية من ضاع منه، فهو فقد حيازته المادية للمال مع بقائه قانونا مالكة له.

    ويبني على ذلك أن مالك المال المفقود له الحق قانوناً باسترداد ماله ممن يوجد بين يديه ولو كان قد اشتراه من الغير بحسن نية.

    لكن هل يعتبر من التقط مالاً مفقوداً واحتفظ به سارقا له؟

    في الواقع إن السرقة هي اعتداء على الملكية وعلى الحيازة.

     فقد يسرق المال ليس من يد مالكه بل من يد حائزه فقط، كما لو سرق المال المؤجر أو المعار أو المودع…

    والسرقة تفترض نشاطاً إيجابياً من السارق ينقل بواسطته المال من حيازة إلى حيازة.

    أي ينهي حيازة الحائز وينشئ للمال حيازة جديدة.

     ففيما يتعلق بالمال المفقود، أو اللقطة كما يطلق عليها المشرع السوري، فإن ملتقط المال لم يقم بأي نشاط إيجابي ينهي به حيازة المالك وينشأ لنفسه أو لغيره حيازة جديدة كي يعتبر سارقاً. والشيء المفقود لم يعد في حيازة أحد، ومن ثم لا يتحقق بالاستيلاء عليه الاعتداء على حيازة الغير الذي تفترضه السرقة.

     وما قلناه يصح أن يقال أيضاً في الكنز، فالكنز، الذي لم تثبت ملكيته لأحد، هو ملك مشترك بين مالك العقار الذي وجد به، ومكتشفه ولو لم يكن مالكة للأرض المدفون بها الكنز، والدولة.

    وعليه فمن يكتشف کنزا فيستولي عليه كاملا، فهو بذلك يعتدي على ملكية غيره، ولكنه لا يعتدي على حيازة غيره، فالكنز ليس في حيازة أحد.

     لذلك أخرج المشرع السوري هاتين الصورتين من الاستيلاء على مال الغير من نطاق السرقة، واعتبرها جريمة خاصة ملحقة بإساءة الائتمان وليست إساءة ائتمان، وفق المادة 659 من قانون العقوبات التي تنص على أن:

    “1- كل من استملك أو اختلس أو رفض أن يرد أو كتم لقطة أو أي شيء منقول دخل في حيازته غلطاً أو بصورة طارئة أو بقوة قاهرة، يعاقب بالحبس حتى سنة وبغرامة….

    2- تسري أحكام هذه المادة على من أصاب کنزاً بما يتعلق بالنصيب العائد لغيره”.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1