الوسم: اشطر محامي في حمص

  •  تمييز الالتزام بالمشورة القانونية عما يشتبه به من التزامات قانونية

    قد يشتبه الالتزام بالمشورة القانونية بغيره من الالتزامات المتشابهة ، كالالتزام المشورة نفسها باعتبارها التزام تبعي أو واجب المشورة ، والالتزام بالأعلام و بالتحذير ،

    والفقه في هذا الصدد منقسم بين اتجاهين يذهب الأول إلى عد هذه الالتزامات ، التزاماً واحداً ويعتبر هذا الألفاظ اي المشورة والأعلام والتحذير مترادفات لمعنى واحد فمن الصعب وضع حدود فاصلة بين هذه الالتزامات فهي مرتبطة برابط مشترك وهو حماية الدائن سواء كان ذلك عن طريق المشورة او التحذير او الأعلام ، في حين يذهب الاتجاه الأخر من الفقه إلى ذاتية واستقلالية كل التزام من هذه الالتزامات عن الأخر ،

    لذلك يتعين علينا البحث في التفرقة بين الالتزام بتقديم المشورة القانونية وغيرها من الالتزامات المشابهة ، وهذه التفرقة تكون بين الالتزامات السابقة والالتزام بالمشورة باعتباره التزام أصلي في عقد تقديم المشورة القانونية نتناول ما تقدم في ثلاثة فروع وحسب الاتي

    : الفرع الأول : التمييز بين الالتزام بتقديم الاستشارة القانونية بطبيعتها وبين واجب المشورة .

    الفرع الثاني : التمييز بين الالتزام بتقديم المشورة القانونية والالتزام بالأعلام .

    الفرع الثالث : التمييز بين الالتزام بتقديم الاستشارة القانونية والالتزام بالتحذير .

    الفرع الأول التمييز بين الالتزام بتقديم الاستشارة القانونية بطبيعتها وبين واجب المشورة

    تبين لنا عند تعريف عقد تقديم المشورة القانونية، إن المشورة القانونية هي المحل الأساسي لهذا العقد ، والتي تعرف بأنها الرأي القانوني الذي يدل على ما يجب فعله ، وهذا الرأي يرشد طالبه إلى ما يجب أن يفعله في المسألة القانونية التي يطلب الرأي فيها.

    إن تعریف عقد تقديم المشورة القانونية ليس بالضرورة أن يكون ملازمة لتعريف الالتزام بتقديم المشورة ، ذلك لأن الالتزام بتقديم الاستشارة القانونية يجد مصدره في عقد تقديم الاستشارة القانونية ذاته كالتزام اصلي ، وقد يجد مصدره في أي عقد أخر ، وعندئذ يكون الالتزام بتقديم المشورة القانونية التزام تابع أو يطلق عليه واجب المشورة ،

    ومثال ذلك عقد المحامي مع موكله فانه يرتب في ذمة المحامي إضافة للدفاع عن موكله التزام تبعي بالمشورة القانونية ، حيث إن المحامي ملزم بتقديم الاستشارة القانونية كالتزام تبعي للعقد الأصلي المتمثل بعقد الدفاع عن موكله.

    وعلى ذلك فهناك فارق بين الالتزام بتقديم المشورة القانونية باعتباره التزام أصلية ينشأ بموجب عقد تقديم المشورة القانونية وبين واجب المشورة ، ويبرز هذا الاختلاف من حيث مصدر هذين الالتزامين ومن حيث الأجر.

    1- من حيث مصدر هذين الالتزامين :

    فمن حيث مصدر هذين الالتزامين ، فأن الالتزام بالمشورة القانونية باعتباره التزاماً اصلياً في عقد تقديم المشورة يجد مصدره في هذا العقد ذاته ، بحيث لا يعد المدين منفذا لالتزامه إلا بأداء المشورة محل العقد ويطلق على هذا العقد ، بعقد المشورة بطبيعته ، وهو العقد الذي يبرم مع المستشار المهني الذي يمتهن مهنه معينه ويقدم مشورة تتصل بتخصصه ،

    وأمثله هذا العقد كثيرة ولها تطبيقات متعددة سواء كانت في المجال القانوني أو المالي أو في مجال التشييد والبناء أو في المجال الطبي وغيره ،

    أما الالتزام بتقديم الاستشارة بوصفه تابعأ أو واجب المشورة ، قد يجد مصدره في العقد بأتفاق الطرفين أو بحسب طبيعة العقد ،

    وقد يجد مصدره في القوانين الخاصة المتعلقة بحماية المستهلك ، حيث إن المستهلك بحاجة ماسة إلى استعمال و استغلال التقنية الحديثة التي لا تتوفر ملكية استغلالها وفهمها إلا لطائفه معينه ، وهم الفنيون والمهنيون ، لذلك وجب على هؤلاء التزاماً بالمشورة والنصيحة لمن يتعاقد معهم ، يدلون بها على كيفية استعمال واستغلال هذه التقنية.

    ومما تجدر الاشارة اليه أن نصوص القانون تقرر حماية للمستهلكين في مواجهة المهنيين عمومأ على أساس عدم التعادل في المراكز التعاقدية بين المستهلكين من ناحية والمهنيين من ناحية أخرى سواء كان هذا التعادل راجع إلى التفاوت الفني أو إلى المركز الاقتصادي ،

    وعلى هذا فالالتزام بتقديم الاستشارة باعتباره التزاماً تابعاً موجوداً في كثير من العقود ، والذي يفرضه القضاء تحقيقا للعدالة ولإيجاد توازن في العلاقة التعاقدية ، بيد أنه يجب أن نلاحظ أن الالتزام بالمشورة باعتباره تابعأ يحده أحيانا الالتزام بضمان السلامة ، حيث عادة ما يلجأ القضاء لتقرير حماية المتعاقدين استنادا للالتزام بالمشورة باعتباره التزامأ تابعة كوسيلة بيد القضاء يحقق بها حمايه للمتعاقدين وبصفة خاصة في العلاقة بين المهنيين والمستهلك .

    ۲ – من حيث الأجر :

    أما من حيث الأجر . فعنصر الأجر الذي يحصل عليه المستشار ، هو الذي يميز بين عقد تقديم الاستشارة بطبيعته ، والذي ينشأ ألتزاما اصلية بالمشورة ، وبين الالتزام بتقديم المشورة باعتباره التزام تبعية .

    فالمستشار الذي يقدم المشورة لقاء أجر يحصل عليه من المستفيد ، يكون التزامه التزامأ أصلياً ورئيساً، أما في العقود التي يقدم فيها المستشار المشورة مجانا وبدون مقابل ، أو أن المستشار يكون قد حصل على الأجر مسبقاً لقاء قيامه بتنفيذ الالتزام الأصلي ، أو كونه مقابل المشورة منضمة ضمن الالتزام الأصلي ، ففي جميع هذه الفروض يكون الالتزام بتقديم المشورة التزاما تابعأ.

    ومما تجدر الإشارة أليه أن الالتزام بالمشورة باعتباره التزاما اصلية في عقد الاستشارة قد يخلف التزاما تابعة بالمشورة كما هو الحال في مجال أنظمة المعلومات ، بينما واجب المشورة أو الالتزام المشورة بوصفه التزاما تابع غير مرتبط بوجود عقد تقديم المشورة. 

    وخلاصة القول فأن الفرق بين الالتزام بالمشورة بوصفه التزام أصلية وبين الالتزام بالمشورة بوصفه التزاما تبعية يكمن في النقاط الأتية :

    ١ – الالتزام بتقديم المشورة في عقد تقديم المشورة القانونية التزام أصلي وهو محل الأداء الرئيسي في العقد فلا يصح العقد من دون تقديم المشورة وذلك لتخلف ركن من أركان هذا العقد وهو ركن المحل المتمثل بالمشورة ، أما الالتزام بالمشورة التبعي أو واجب المشورة فأنه التزام تابع ، ومحل العقد الرئيسي أداء قانوني أخر غير تقديم المشورة.

    ۲ – إن أساس الالتزام بالمشورة باعتباره التزام تابع يجد مصدره في قوانين حماية المستهلك وذلك لإيجاد نوع من التوازن بين المتعاقدين ، بينما أساس الالتزام بالمشورة باعتباره التزامأ اصلية هو عقد تقديم المشورة القانونية.

    3 – يعد الأجر من العناصر الرئيسية للتمييز بين الالتزامين ، فالأجر الذي يحصل عليه المستشار هو الذي يميز عقد تقديم المشورة بطبيعته عن مجرد الالتزام بالمشورة باعتباره التزام تبعي.

    4 – ويمكن أن نميز بين الالتزام بالمشورة باعتباره التزام أصلية ، وبين الالتزام بالمشورة بأعتباره التزام تبعي وذلك بوصف الأخير واجب المشورة ، فواجب المشورة التزام تابع والالتزام بالمشورة مصدره عقد تقديم المشورة القانونية ، وهذا التمييز يمتاز بأنه يوضح الفروق في استخدام التعبيرات والألفاظ ،

    ففي الحالتين لدينا التزام بتقديم المشورة ، الأول يكون أصلية والثاني يكون تبعية ولكي نمييز بينهما بما لا يحقق خلطأ في الألفاظ يكون ذلك بأن نوصف الالتزام بتقديم المشورة القانونية أو عقود تقديم المشورة بطبيعتها ، ونصف الالتزام عندما يكون تابع ، بأنه واجب المشورة .

    الفرع الثاني التمييز بين الالتزام بتقديم المشورة القانونية والالتزام بالأعلام

    اذا كان الأعلام في الاصطلاح الصحفي محدداً ومضبوطأ  كونه المحل الخصب له فأن الأمر ليس كذلك في الاصطلاح القانوني ، فهو مصطلح دخيل على القاموس القانوني ،

    ومثلما يلقي كل ابتكار قانوني جديد جدة فقهية ، فأن الالتزام بالأعلام لم يسلم من هذا الجدل الفقهي ، لا سيما فيما يتعلق بالأساس القانوني ، الطبيعة القانونية ، النطاق القانوني ، لا بل حتى حول مسميات هذا الالتزام ولن نخوض في هذا الجدال الفقهي للأعلام وذلك لخروج الموضوع عن نطاق البحث ونكتفي بالإشارة إلى نقاط الالتقاء والافتراق بينه وبين الالتزام بالمشورة القانونية ، بداية يعرف الالتزام بالأعلام بأنه

    (( التزام ملقى على عاتق المدين يفرض عليه أن يعلم الدائن بكل المعلومات والبيانات التي تكون لازمة له لتكوين رضاء حر مستنير ، وتكون الازمة كذلك لضمان حسن تنفيذ العقد ))).

    ومن هذا التعريف يتبين لنا أن الالتزام بالأعلام يوجد في مرحلة تكون العقد ، كما يوجد في مرحلة تنفيذ العقد .

    ولا يخفى من أن هنالك صعوبة في التمييز بين الالتزام بالأعلام والالتزام بالمشورة القانونية ، حيث حصر هذا الاختلاف في درجة المعلومات المنقولة ، أكثر من طبيعة الالتزام ومضمونه ، إذ أن الاختلاف هو فكرية أكثر مما هو عملية ، ورغم ما قيل بشأن صعوبة التمييز بين الالتزامين إلا أنه يمكن التمييز بين الالتزامين في النقاط الأتية:

    اولا: من حيث الأشخاص:

    إن المدين بالالتزام بالأعلام بصفة خاصة كل ممتهن متخصص وبصفة عامة هو كل بائع يملك من المعلومات ما يؤثر في الانتفاع بالمال المبيع، سواء كان محترفا أم غير محترف  ولا يلزم أن يكون هناك اتفاق بعكس الالتزام بالمشورة القانونية في عقد تقدیم المشورة القانونية فلا يلزم إلا المستشار القانوني الذي تم الاتفاق معه.

    أما الدائن بالالتزام بالأعلام والمشورة القانونية فهو عاد غیر متخصص ، إلا أن الفرق بين الاثنين هو كون المبادرة في طلب المشورة عادة ما تكون من قبل الدائن ، في حين المبادرة في الالتزام بالأعلام تكون من قبل المدين ، وتعطى عفوية دون أن يطلبها الدائن .

    ثانيا : من حيث الطبيعة

    فأن الالتزام بالأعلام يعد التزاماً عاماً سابقة على التعاقد ، يتمثل في أحاطة الدائن بكافة البيانات والمعلومات اللازمة لتكوين رضا حر ومستنير ، سواء تعلقت هذه البيانات والمعلومات بمحل الشيء الذي يرد عليه التعاقد أو بأطراف التعاقد انفسهم” ،

    كذلك قد يكون التزاماً عقدياً وذلك لضمان تنفيذ العقد بحسن نية ، أما الالتزام بتقديم المشورة القانونية الناشئ عن عقد تقديم المشورة القانونية ، فهو التزام عقدي ، أي ليس التزاما سابق وإنما هو التزام اصلي ، وهو محل العقد ذاته ولا يعد المستشار القانوني منفذا لالتزامه إلا بأداء المشورة القانونية، فالالتزام بالأعلام باعتباره التزاما تعاقدية يختلف عن الالتزام بالمشورة القانونية باعتباره التزام أصلية في عقد تقديم المشورة القانونية ، فالالتزام بالأعلام التعاقدي هو التزام تابع لالتزامات أخرى يوجب على المدين أن يعلم المتعاقد معه بكل البيانات والمعلومات التي من شأنها أن تضمن تنفيذ العقد بحسن نيه ، في حين نجد كما بينا سابقا أن الالتزام بالمشورة القانونية في عقد تقديم المشورة القانونية هو التزام أصلي فهو محل العقد والأداء الرئيسي فيه.

    ثالثا : من حيث مجال التطبيق:

    إن الالتزام بالأعلام يجد محله في تكوين العقد أي قبل أبرام العقد ، في حين إن الالتزام بتقديم المشورة القانونية يجد مكانه في مرحلة تنفيذ العقد بأعتبار أن المحل الرئيسي والأساسي للعقد هو تقديم المشورة القانونية ، وهذا لا يتحقق إلا بتنفيذ المدين لالتزامه بتقديم المشورة القانونية محل العقد) .

    رابعا : من حيث المضمون

    إن الالتزام بالأعلام يتميز عن الالتزام بالمشورة القانونية في مضمون كل منهما ، فالمدين بالأعلام يتوجب عليه أن يحيط المتعاقد الأخر بكل مخاطر العمل الذي يراد أجراؤه ومزاياه ويوضح له المعلومات كافة لكي يجري خياره على ضوئها ولا يتوجب عليه أن يقترح أو أن يفضل حل معين دون الأخر ،

    ومن هنا تظهر الحدود الفاصلة بين الالتزام بالأعلام والمشورة القانونية في أن الالتزام بالأعلام صفة موضوعية لا تتصل بشخص المستفيد ، بل تتناول خصائص ووقائع تتصل مباشرة بالمال موضوع التعاقد ، أما المشورة القانونية فلها طابع شخصي لأنها تأخذ بالاعتبار الثقة في شخص المستشار القانوني فهو يقود خيارات المستفيد ويوجهه ويحثه على اتخاذ قرار في موضوع المشورة القانونية ، فالملتزم بالأعلام يقتصر على مجرد أعلام الدائن دون التعدي إلى تحديد الخيار الأفضل.

    هذا وقد يخلط البعض بين الالتزام بالأعلام وبين الالتزام بالمشورة التبعي أي واجب المشورة؟

    للتميز بين الالتزامين ذهب البعض من الفقه إلى القول بأن الاختلاف بين الالتزام بالأعلام والمشورة في هذا الصدد هو اختلاف في درجة المعلومة المنقولة ، على أساس أن كل من الالتزام بالأعلام والمشورة هنا ينطوي على أعلام المتعاقد الأخر بكل البيانات اللازمة الحسن تنفيذ العقد ، وأن احدهم يتقدم على الأخر في الدرجة فقط ، فالأعلام يأتي أولا وبعده المشورة.

    غير أننا نرى أنه ينبغي النظر إلى المدين عند التفرقة بين الالتزام بالأعلام والمشورة ، فالمدين بالأعلام لا يعلم ولا يعرف رغبات وحاجيات الدائن بالضبط ، في حين أن المدين في عقد تقديم المشورة القانونية المتمثل بالمستشار القانوني يكون عالما بدوافع وبواعث المتعاقد معه.

    واستنادا لما تقدم يمكننا القول أنه من المتصور أن ينشأ عن عقد تقديم المشورة القانونية التزام تابع بالأعلام ، حيث يجب على المستشار القانوني أن يعلم المستفيد بكل البيانات والمعلومات التي من شأنه أن تجعل تنفيذ عقد تقديم المشورة القانونية يتم بحسن نية .

    ومن جهة أخرى فأن الالتزام بالأعلام يتواجد باستقلالية عن الالتزام بالمشورة ولا يعادله فالمشورة تشمل الأعلام وتتجاوزه ، ونقطة التقاء الأعلام بالمشورة هي الإفصاح عن المعلومات التي تشكل أسباب طلب المشورة ، وبقدر معرفة الطرف المدين بالالتزام بالأعلام أو المشورة ، بحاجات المستفيد وأهدافه ، نقترب من المشورة أكثر من الأعلام ، وعلى الرغم من الاختلافات السابقة فأن بعض الفقه الفرنسي يذهب إلى عدم التفريق بين الالتزامين والبعض الأخر يستعمل المصطلحين حين يقصد الالتزام بالمشورة؟.

    الفرع الثالث التمييز بين الالتزام بتقديم المشورة القانونية والالتزام بالتحذير

    الالتزام بالتحذير هو الالتزام الذي يتضمن لفت انتباه المتعاقد من مخاطر محتملة سواء أكانت مادية أم قانونية ، فلا يكتفي أن يقوم المدين في العقد بإحاطة الدائن بطريقة الاستخدام الصحيح والتي تكفل له الانتفاع بمحل التعاقد أي كان ، بل يجب عليه فضلا عن ذلك ، أن يبرز له كافة الاحتياطات التي يجب عليه أن يتخذها وأن يحذره بكل وضوح من مغبة عدم اتخاذ هذه الاحتياطات .

    إذ يرى البعض أن الالتزام بالتحذير هو التزام وسط بين الالتزام بالأعلام والالتزام بالمشورة فهو اقوى من مجرد أعلام لكنه لا يصل إلى درجة المشورة ، فالالتزام بالتحذير هو ابعد من أن يكون مجرد أخبار أو أعلام إذ يفترض مخاطر معينة يجب التحذير منها إلا أنه لا يرقى إلى الالتزام بالمشورة.

    فلم يكتفي الفقه بمجرد الزام الطرف الأخر بالإفصاح عن البيانات اللازمة ، وإنما تشدد في وجوب التحذير ووضع شروط حتى يعد المنتج أو الصانع أو البائع موفيأ بالتزامه بالتحذير، وحتى يكون المدين بالتحذير موفيأ بالتزامه فأنه ينبغي أن يكون تحذيره وافية ، ومفهومة ولصيقة بالمنتج.

    ولا يقتصر التحذير على المخاطر المادية فحسب بل يتصور وجوده كذلك أذا كانت هناك مخاطر قانونية تترتب على تصرفات المستفيد ، فيتعين على المتعاقد معه أن يلفت أنتباهه ويحذره من المخاطر التي قد تترتب على تصرف معين كالمستشار القانوني الذي يحذر المستفيد ن مغبة فوات ميعاد الطعن في حكم أو قرار ما.

    أما كون الالتزام بالتحذير التزام سابق على التعاقد ، فأن التميز بينه وبين الالتزام بالمشورة يكون على أساس مجال ونطاق عمل كل منهما ، فالالتزام بالتحذير يهدف إلى لفت انتباه المتعاقد إلى خطورة الشيء المبيع ، فمحل العقد الأصلي ليس هو التحذير وانما هو نقل الملكية ، ويثار الالتزام بالتحذير في المرحلة السابقة على أبرام العقد . أما الالتزام بالمشورة فيعتبر محل الأداء الأساسي في عقد تقديم المشورة القانونية ، ولا يعد المدين منفذا لالتزامه إلا بتأدية المشورة ، ومن ثم فأنه يثار في مرحلة تنفيذ العقد.

    مما تقدم يتضح لنا إن الخطر هو مناط الالتزام بالتحذير ، وأن الالتزام بالمشورة هو التزام مشدد بالتحذير أي إن المشورة تضم كل من الالتزام بالتحذير و الالتزام بالأعلام ، وأن الالتزام بالتحذير يضم الالتزام بالأعلام وعليه فأن الالتزام بالتحذير هو التزام وسط بين الالتزام بالأعلام والمشورة ، فالتحذير يعد أقل درجة من المشورة ، فهو لا يتضمن توجيه المتعاقد بشأن الهدف الذي يبتغيه ، بعكس الالتزام بالمشورة فأنه يتوجب على المستشار أضافة للأعلام والتحذير تقديم النصائح الدقيقة للمستفيد.

  • الطبيعة القانونية لالتزامات المستشار القانوني العقدية

    تنقسم الالتزامات من حيث الواجب الملقى على عاتق المدين الى قسمين وهى الالتزام بتحقيق نتيجة أو كما يسمى الالتزام بغاية ، وهو الذي يجب على المدين فيه أن يدرك غاية معينة ،

    أي أن يحقق نتيجة معينة مثل التزام البائع بنقل ملكية المبيع فالواجب الملقى على عاتق البائع في هذا الالتزام هو نقل ملكية المبيع إلى الدائن ،

    أما النوع الثاني من الالتزامات فهو الالتزام ببذل عناية ، ويسمى أحيانة الالتزام بوسيلة ، والواجب الملقى على عاتق المدين في هذا الالتزام هو بذل عناية في تنفيذ التزامه دون أن يكون مطالبة بأدراك النتيجة التي يأمل الدائن الوصول اليها .

    وفي هذا الصدد وضع الفقه عدة معايير للتمييز بين الالتزام بتحقيق نتيجة والالتزام ببذل عناية ، والذي تعد فيه الإرادة والقانون الفيصل لهذا التميز بين الالتزامين، إلا أن الفقه اختلف في تحديد هذا المعيار في حالة غموض الإرادة وخلو نص القانون من بیان نوع الالتزام ، وأنقسم إلى اتجاهين:

    ١- الاتجاه الأول ( الاتجاه الشخصي) :

     ذهب هذا الاتجاه من الفقه إلى الركون إلى الموقف الشخصي للمتعاقدين بغض النظر عن خصوصية الالتزام ، ويسمى بالاتجاه الشخصي لأنه يعتمد على تحليل ظروف المتعاقد الشخصية ، ويتم ذلك عن طريق الأخذ بنظر الاعتبار مهنة المدين أو حقوق المتضرر أو مدى التعاون المتبادل بين اطراف العقد أو من خلال مركز المدين في بعض المهن ومدى تمتعه بالاستقلالية في عملة.

     ٢- الاتجاه الثاني ( الموضوعي ):

    فوفقا لهذا الاتجاه يعين معيار التميز بين الالتزامين بالركون إلى نوع المشاكل التي يثيرها تنفيذ الالتزام ، ويتم ذلك من خلال الاعتماد على معيار القبول بالمخاطر ، أو معيار الاحتمال في تحديد التميز بين الالتزامين ويسمى هذا الاتجاه بالاتجاه الموضوعي لأنه يأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الالتزام وحدها دون الالتفاف إلى الظروف الخاصة بالمتعاقدين.

    هذا وتتنازع طبيعة التزامات المستشار القانوني في هذا العقد فكرتان تذهب الأولى إلى القول بأن مضمون هذا العقد يغلب عليه طابع الالتزام بتحقيق نتيجة ، في حين تذهب الثانية إلى عد مضمون هذا العقد يغلب عليه طابع الالتزام ببذل عناية ،

    وبناء على ذلك فأننا نقسم هذا المطلب إلى الفرعيين الآتيين:

     الفرع الأول : التزام المستشار القانوني التزام بتحقيق نتيجة .

    الفرع الثاني : التزام المستشار القانوني التزام ببذل عناية

    الفرع الأول

    التزام المستشار القانوني بتحقيق نتيجة

     إن التزام المستشار القانوني بتحقيق نتيجة ينبع من خصوصية الالتزامات الملقاة على عاتق اطراف عقد تقديم الاستشارة القانونية ، وهذا بدوره أوجد على ساحة هذا العقد مفاهيم جديدة للنتيجة المراد تحقيقها ، والتي تختلف عن الالتزام بتحقيق نتيجة في العقود التقليدية ،

    فمفهوم الالتزام في سائر العقود بصفة عامة يتمثل بتنفيذ بنود العقد ، أما في عقد تقديم الاستشارة القانونية فأن النتيجة التي يتعهد بها المستشار القانوني ليست تقديم الاستشارة القانونية فحسب وإنما يجب أن تكون الاستشارة القانونية محتوية على حلول ناجعة للمشكلة موضوع الاستشارة القانونية.

    وهذه المفاهيم ظهرت نتيجة عجز قاعدة ضمان العيوب الخفية في اطار عقد تقديم الاستشارة القانونية ،

    ففي الحالة التي يكتشف فيها المستفيد إن الاستشارة القانونية لم تكن ناجحة وغير صحيحة فلا يستطيع الاستناد إلى قاعدة العيوب الخفية لاقتصار هذه القاعدة على الالتزامات المادية فقط دون الالتزامات ذات الأداءات الذهنية ،

    وللإحاطة بمفهوم تحقيق النتيجة في نطاق عقد تقديم الاستشارة القانونية على وفق ما تم عرضه أعلاه فأننا نقسم هذا الفرع الى الفقرتين الآتيين :

    أولاً : عرض فكرة التزام المستشار القانوني بتحقيق نتيجة:

    پری جانب من الفقه إن التزام المستشار القانوني بتقديم الاستشارة القانونية هو التزام بتحقيق نتيجة.

    وتبعا لذلك يفترض أن المستشار القانوني يعد مخطئة بمجرد عدم تحقيق النتيجة ودعم هذه الاتجاه رأيه بالحجج الأتية :

    1- من حيث الاستقلالية .

    حيث يتمتع المستشار القانوني في أدائه للمشورة القانونية بالاستقلالية ، ولا يتدخل المستفيد في عمله ما دام المستشار القانوني لم يخرج عن القواعد التي تقررها المهنة ،

    ولما كانت هذه الاستقلالية تجعل من الصعب على المستفيد الإحاطة بالاستشارة التي قد تصدر من المستشار القانوني ،

    لذلك فأنه من مقتضيات العدالة أن نجعل التزام المستشار القانوني التزام بتحقيق نتيجة ، لأنه بخلاف ذلك سنحمل المستفيد تبعيةالأخطاء الصادرة من المستشار القانوني ، وان الزام هذا الأخير بتحقيق نتيجة تجعله يدرك أهمية الاستقلالية الممنوحة له وخطورتها .

     ۲ – نية المتعاقدين .

     أن المستفيد لم يبرم عقد تقديم الاستشارة القانونية إلا لاعتقاده بإمكانية الاستفادة من الاستشارة القانونية وتحقيق الأهداف المرجوة من الاستشارة القانونية، وكذلك المستشار القانوني لم يوافق على التعاقد مع المستفيد إلا لثقته بقدرته على تحقيق النتيجة المرجوه من قبل المستفيد ، ومن استجلاء نية المتعاقدين يمكننا القول بأن الأصل في التزامات المستشار القانوني هو تحقيق النتيجة.

     ۳ – خبرة المستشار القانوني المهنية وتخصصه .

     خبرة المستشار القانوني وتخصصه لها الدور البارز في تدعيم هذا الرأي حيث انه يفترض به الدقة الفائقة في ضمان تحقيق النتيجة وتحتل هذه الحجة مركز الصدارة في الحجج التي قيلت لتبرير طبيعة التزام المستشار القانوني بكونه التزاما بنتيجة.

     4 – مصلحة المستشار القانوني .

     تتحقق مصلحة المستشار القانوني نفسه من خلال الإقرار بهذه الطبيعة لالتزامه في عقد تقديم الاستشارة القانونية ، إذ أن هذا الإقرار يعني تأكيد الثقة الكاملة التي منحها المستفيد لشخصه وهذا ينمي صفة الحرص عند المستشار القانوني في معاملاته المستقبلية مما يساعد على تدعيم سمعته المهنية عموماً وميزاته الشخصية خصوصاً.

     ه – المستفيد ينتظر من المستشار القانوني تحقيق نتيجة.

    علاقة المستفيد بالمستشار القانوني شبهها البعض بأنها بمثابة علاقة الطبيب الممارس بأستاذه ومن ثم ينتظر منه تحقيق نتيجة ، فخبرة المستشار القانوني تحتم عليه أن يحل جميع المشاكل المطروحة أمامه ، وهو بهذا الصدد يلتزم بنتيجة.

    وعلى الرغم من المبررات التي قيلت بصدد تأييد هذ الاتجاه إلا أنها لم تحول دون إعادة تقويمه وتوجيه سهام النقد اليه ، وهذا محور دراستنا في الفقرة القادمة.

    ثانياً : تقويم فكرة التزام المستشار القانوني بتحقيق نتيجة:

    إن فكرة التزام المستشار القانوني بتحقيق نتيجة لم تسلم من سهام النقد ، حيث أن المبررات التي قال بها انصار هذا الاتجاه قابلة للتجريح والنقد من جوانب عده :

    1- من قال باستقلالية المستشار القانوني في أعداده للمشورة القانونية كمبرر للقول بأن التزامه ، التزام بتحقيق نتيجة ،

    يرد عليه بأنه لا علاقة مباشرة بين استقلالية المستشار القانوني وعدم قدرة المستفيد على رصد الأخطاء الصادرة من المستشار القانوني ،

    فتحقيق النتيجة التي نحن بصددها يتعدى مفهوم تقديم الاستشارة ، ويتضمن معنى الالتزام بضمان فاعلية الاستشارة ، وبالتالي فأن القول بالاستقلالية بالمعنى السابق يصح اذا كنا نأخذ بالمعنی التقليدي للالتزام.

     ۲ – لم يحدد انصار هذا الاتجاه إلى أي مدى يلتزم المستشار القانوني بضمان الاستشارة القانونية حيث انهم خلطوا بين مرحلتين فيما يتعلق بالاستشارة القانونية الأولى الخاصة ببذل الاستشارة القانونية واعطائها للمستفيد ،

    أي العمل المادي المتمثل في نصح المستشار القانوني اللمستفيد ، والثانية المتعلقة بتنفيذ الاستشارة القانونية من جانب المستفيد ،

    فظاهر حال هذا الاتجاه يدعو إلى جعل الأمر متروكة إلى تقدير المستفيد ، وهذا الأمر قد يؤدي إلى تعسف المستفيد في استعماله لحقه في تحديد هذا النتيجة.

    ٣ – اعتماد المستشار القانوني على خبرته وتخصصه وملكته الذهنية في إبدائه للمشورة القانونية والتي يعدها من ذهب في هذا الاتجاه حجة في تأييد وجهة نظرهم ، تعد سبباً لنقض وجهت النظر هذه وذلك لان المستشار القانوني لا يلتزم إلا بتقديم ما يراه مناسبة للمستفيد من وجهة نظره الخاصة والمستندة إلى إمكانياته وتخصصه ،

    كذلك استقرار الفقه القانوني على أن التزام العديد من المهنيين المتخصصين وخاصة الذين يقوم عملهم على الأداء الذهني ، مبني على أساس بذل عناية وليس تحقيق نتيجة.

     4 – الركون إلى نية المتعاقدين في عد التزام المستشار القانوني التزام بتحقيق نتيجة امر يبتعد عن الصواب ، وذلك لأنه ليس من السهل الكشف عن هدف المستفيد من أبرام عقد تقديم الاستشارة القانونية مع المستشار القانوني في الصورة التي يخفي فيها المستفيد بعض أهدافه ، وكذلك الأمر بالنسبة للمستشار القانوني حيث يعتقد الأخير عند دخوله في هذه الرابطة العقدية بقدرته على أداء الاستشارة القانونية المتلائمة مع حاجة المستفيد دون أن يتعدى ذلك استنتاجه ويقينه بقدرته على تحقيق النتيجة التي يبغاها المستفيد.

     5 – إن تميز الالتزامات الناشئة في ذمة المستشار القانوني – كالالتزام بالاستشارة والالتزام بالسرية – تقودنا إلى تحديد طبيعة التزامه بأنه ليس التزام بتحقيق نتيجة ،

    وذلك لأن هذه الحداثة واللاتقليدية في التزامات المستشار القانوني معناها عدم افتراض خطئه بمجرد عدم تحقيق النتيجة ، وإنما يجب أن يتم أثبات صدور خطأ في تنفيذ هذه الالتزامات ،

    وكذلك إن مصلحة المستشار تقتضي نقل عبء أثبات وجود خطأ في عمله منه إلى المستفيد ، حيث أن التزام المستشار القانوني بتحقيق نتيجة سيجعله يتخوف ويتريث عند أبرامه لأي عقد مشورة مما يؤثر سلبة في سمعته المهنية.

    واستنادا لما تقدم فأن الفقه يقرر أن التزام المستشار القانوني هو التزام ببذل عناية ، وذلك لأن فاعلية الاستشارة القانونية المقدمة من قبل المستشار القانوني تتوقف على إرادة المستفيد الذي يكون له مطلق الحرية في أن يأخذ بالاستشارة القانونية من عدمه.

    عليه فأن المستشار القانوني لا يضمن تحقيق النتيجة التي تتوقف على إرادة المستفيد ، فضلا عن استقرار الفقه القانوني على أن التزام العديد من المهنيين المتخصصين وخاصة الذين يقوم عملهم على الأداء الذهني ، مبني على أساس بذل عناية وليس تحقيق نتيجة .

    الفرع الثاني

    التزام المستشار القانوني التزام ببذل عناية

     وأمام الانتقادات التي تعرضت لها فكرة التزام المستشار القانوني بتحقيق نتيجة ، لذا ذهب جانب من الفقه إلى أن التزام المستشار القانوني يعد التزام ببذل عناية ،

    ولمحاولة معرفة مدى ملائمة هذا الاتجاه لطبيعة التزامات المستشار القانوني العقدية فأننا نقسم هذا الفرع إلى الفقرتين الآتيين:

    أولاً : عرض فكرة التزام المستشار القانوني ببذل عناية:

    و يرى هذا الاتجاه أن المستشار القانوني لا يكلف إلا ببذل ما تفرضه عليه أصول مهنته وقواعدها دون أن يلتزم بتحقيق النتيجة التي يرجوها المستفيد؟

    ، وهو ببذله لهذا الجهد يجب أن لا يقل عما يبذله الشخص المهني المعتاد ، ويستند انصار هذا الاتجاه إلى العديد من الحجج التي تبرر الأخذ بهذا الرأي وهي :

    1 – إن القول بغير التزام المستشار القانوني هو التزام ببذل عناية ، والقول بغير ذلك يعد إجحافا بحق المستشار القانوني الذي سيكون ملتزم بتحقيق نتيجة يستطيع المستفيد أن يؤثر في تحقيقها من خلال الرغبة في عدم تنفيذ محتوي الاستشارة القانونية ،

    أي أن تحقيق النتيجة ليس بيد المستشار القانوني بل هو امر يعود إلى الطريقة التي يضع فيها المستفيد الاستشارة القانونية موضع التنفيذ.

     ۲ – طبيعة التزام المستشار بتقديم الاستشارة القانونية الذي هو أداء ذات طبيعة ذهنية ، تسمح لأن يؤسس المستشار القانوني التزامه على أساس أنه التزام ببذل عناية لأن نتاجه الفكري مبناه ما يراه المستشار القانوني انه صحيح وليس ما كان محققأ لأهداف وطموحات المستفيد في المستقبل.

     3 – إن المستشار القانوني يعتمد على معلومات وخبرات سابقة ، وهذه بدورها تجعله اكثر حرصاً على عدم تأكيد نتائج استشارته لكون المعلومات والخبرات تشهد تطورا سريعا في مفهومها وأبعادها ومدى تأثير هذا التطور على تنفيذ استشارته.

     4 – استقر الفقه القانوني على أن التزام العديد من المهنيين المتخصصين مبني على أساس بذل عناية وليس تحقيق نتيجة وخصوصا في المهن التي تعتمد على الطابع الذهني ،

    كالتزام المحامي مع موكله ، ولا يوجد ما يمنع من نقل الحكم إلى التزام المستشار القانوني باعتباره مهنية يعتمد عمله على نتاج ذهنه وقريحة فكره ، هذا من جانب وكذلك فأن تقديم الاستشارة القانونية هي عمل من أعمال المحاماة وهذا ما نصت عليه المادة/ 1/۲۲ من قانون المحاماة العراقي بنصها (( لا يجوز لغير المحامين المسجلين في جدول المحامين أبداء الاستشارة القانونية ……)).

    بالرغم من وجاهة هذه المبررات واقترابها من طبيعة التزام المستشار القانوني ، إلا أنها لم تسلم من إعادة تقويمها وهذا ما س————

    ثانياً : تقويم فكرة التزام المستشار القانوني ببذل عناية:

    لم يسلم الفقه بهذا التحليل لتحديد طبيعة التزامات المستشار القانوني من حيث أن التزام المستشار القانوني بتنفيذ العقد يتميز بتنوع اداءاته ،

    وهذا الأداءات اذا كان بعضها يمكن أن يكون التزام ببذل عناية كالالتزام بضمان فاعلية الاستشارة القانونية لحل المشكلة موضوع الاستشارة القانونية ،

    فان ثمة اداعات أخرى لا يمكن أن توصف إلا بأنها التزام بتحقيق نتيجة كالتزام المستشار القانوني بتقديم الاستشارة القانونية التي تكون معبرة عن التخصص المهني للمستشار القانوني.

    ومع كل ما تقدم فأنه لا يمكننا أن نسلم بالرأي القائل بأن التزامات المستشار القانوني هي التزامات بتحقيق نتيجة وذلك لأنه لا يمكن قبول فكرة تحديد طبيعة التزام المستشار القانوني بالنظر إلى الفعل المادي المتمثل في عملية النصح في حد ذاتها ، بغض النظر عن مضمونها ، فلا يمكن قبول أن مقصد المستفيد من الاستشارة القانونية هو الحصول على الأوراق التي تحتوي هذه الاستشارة ،

    وبغض النظر عن ماهية هذه الاستشارة ، إذ أن المستفيد ما الجأ إلى المستشار القانوني إلا مطالباً إياه بأفضل الحلول التي تعينه على اتخاذ قراره في ضوء معرفة المستشار القانوني وخبرته ،

    فالنتيجة التي يتعهد بها المستشار القانوني ليست عملا ماديا يتمثل في تقديم أوراق متضمنة على حلول لو طبقت في الواقع لحققت للمستفيد رغباته ،

    حتى يمكن القول بغير ذلك وعليه فأنه عند البحث في تحديد طبيعة التزام المستشار القانوني يتعين النظر إلى طبيعة المهمة والعمل الملتزم به لا إلى العمل المادي الذي يقوم به،

    وفي ضوء ذلك لا يمكن التسليم بالإطلاق إلى أن التزامات المستشار القانوني التزامات بتحقيق نتيجة ، فقد ترد الاستشارة القانونية على حقائق ومسلمات ، كالإشارة إلى المستفيد بتقديم طعن خلال فترة معينة ، وهنا يكون التزام المستشار القانوني التزام بتحقيق نتيجة ،

    أما اذا كانت المشورة القانونية ترد على مسائل محل خلاف وجدل ومثار نقاش بين القضاء أو الفقه القانوني بحيث لا يقطع بصحة رأي دون الأخر فلا شك أن التزام المستشار القانوني هو التزام ببذل عناية.

    و مما تقدم نخلص إلى إن التزامات المستشار القانوني تكون بالنظر إلى طبيعة المشورة وما تنصب عليه المشورة القانونية من عمل ،

    فأذا كانت المشورة القانونية تنصب على مسألة خلافية مثار نقاش وجدل وتتعدد فيها الأراء ، فأن التزام المستشار القانوني حيالها يكون التزام ببذل عناية اذا راعي في تنفيذها الأصول الفنية المرعية والقواعد المعمول بها فأنه لا يضمن بعد ذلك للمستفيد تحقيق النتيجة ،

    أما اذا كانت المشورة القانونية ترد على حقائق ومسلمات لا مثار للخلاف بشأنها ومتفق عليها من قبل القضاء والفقه فلا شك إن التزامات المستشار القانوني حيالها تكون التزامات بتحقيق نتيجة .

  • الخصائص الخاصة لعقد تقديم الاستشارة القانونية

    تبرز خصوصية عقد تقديم الاستشارة القانونية في كل مرحلة من مراحلة ، ابتداءاً من تكوينه ومروراً بتنفيذه وانتهاء بانقضائه .

    فعند تكوينه نجد خصوصيته في ركون المستفيد إلى المهني المتخصص ، مستنداً في اختيار هذا المهني إلى الاعتبار الشخصي في أبرام عقد تقديم الاستشارة القانونية ، وعند التنفيذ تضفي على طرفيه التزامات غير تقليدية ، وهي الالتزامات التي تسمى بالمهنية ، وعند انقضائه نجد خصوصية هذا العقد في دفع أطرافه إلى عدم الأخذ بالحلول التقليدية فيما يتعلق بفسخ العقد والذي يتجلى في بقاء بعض الالتزامات حتى بعد انقضاء العقد ومثالها الالتزام بالسرية الذي يوصف بأنه التزام مؤبد .

    ولكل ما تقدم فأننا نقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع على النحو الآتي :

    الفرع الأول : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد مهني

     الفرع الثاني : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد يقوم على الاعتبار الشخصي

     الفرع الثالث : عقد تقديم الاستشارة عقد منشیء لالتزامات خاصة

    الفرع الأول : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد مهني

    عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد مهني عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد يبرم مع مهني متخصص في مجال القانون ويقدم أداء يحتاج اليه المستفيد ،

    وعليه فأن المستشار القانوني يعد ممارسة لمهنة حرة ومن ثم يصبح عقده مع المستفيد عقد مهني فهذا العقد تعتمد فيه الالتزامات الجوهرية ( كالالتزام بتقديم الاستشارة والالتزام بالسرية ) وحتى الثانوية على الأداء الذهني لأحد أطرافه أي أن للعقل الأثر البارز في هذا العقد.

    ولا يوجد عمل إيجابي بدون أن يكون للعقل دور فيه ، وأن كان دور العقل في بعض الأعمال يبدو ضئيلاً فأن هذا الدور يتسع ويتعاظم في العقود التي يبرمها أصحاب المهن الحرة ، ومن الأمثلة على العقود المهنية ، العقود المبرمة مع المحامي و المهندس المعماري والطبيب ، حيث إن هذه العقود تعتمد على نتاج ذهن المهني وقريحته.

    فعقد المستشار القانوني مع المستفيد عقد مهني يمارس فيه المستشار مهنته على وجه الاستقلال ، كونه يتمتع بمهارات فنية خاصة ويمتلك معارف متميزة يقدمها للمستفيد على وجه الاستقلال ، وهذا الاستقلال يتحقق للمستفيد المتعاقد مع المستشار أيضا.

    ومن الجدير بالذكر إن عقد تقديم الاستشارة القانونية يلتقي مع طائفة العقود المهنية من عدة جوانب ، فمن جانب تقترب الالتزامات الملقاة على عاتق المستشار القانوني من طبيعة الاداءات التي يتعهد بها أصحاب المهن الحرة من حيث الاعتماد على الأداء الذهني والعقلي في تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد ،

    ومن جانب ثاني فأن المستشار بمقتضی عقد تقدیم الاستشارة لا يلتزم سوى ببذل عنايته في سبيل توصيل المستفيد إلى الهدف الذي يبتغيه من الاستشارة ، فالتزامه ليس بنتيجة بل بوسيلة ، ولا يوجب عليه سوى بذل جهدأ معينة أو عناية التحقيق الهدف الذي يسعى اليه المستفيد وهو الاستفادة من الاستشارة ، فالمستشار باعتباره مهنياً ملتزم باحترام العناية التي وعد بها وأن يؤدي عمله على نحو يكفل به تأكيد ووجود مبدأ  الاستقلال .

    وهذا عين التزام المهني في عقود أصحاب المهن حيث لا يلتزم في الأصل إلا ببذل عناية ، ومن جانب ثالث فان البعض يعد عقد تقديم الاستشارة القانونية من عقود المقاولة)، وهو بهذا يقترب من عقود المهن الحرة التي تعد صور من صور عقد المقاولة ، وهذا ما سيتم بحثه بالتفصيل في مواضيع قادمة.

     الفرع الثاني : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد يقوم على الاعتبار الشخصي

    عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد يقوم على الاعتبار الشخصي على الرغم من تنوع واختلاف الخدمات ذات الطبيعة الذهنية والعقلية ، إلا انه يوجد عدد من السمات المشتركة بين هذه الخدمات على اختلاف أنواعها ، وأهم هذه السمات أنها تقوم على الاعتبار الشخصي .

    ويعد عقد تقديم الاستشارة القانونية من العقود القائمة على الاعتبار الشخصي ، كالسمعة والكفاءة العلمية والأمانة وما قام به المستشار القانوني من أعمال أكسبته تجربه وخبرة كافية.

    وهذه الخبرة والتجربة بدورها تجعل من شخصية المستشار موضع اعتبار خاص في العقد ، فالمستفيد ينظر إلى المستشار القانوني نظرة العارف والعالم بكل ما يتصل بموضوع الاستشارة القانونية، وأنه ينظر أليه على انه سيجد عنده الحل الأفضل لما يواجهه من مشکلات ، فالمستفيد ينظر للمحامي باعتباره المدافع عن الحقوق والحريات ، لذلك يحرص المستفيد عندما يروم التعاقد على التحقق من توفر هذه المؤهلات الشخصية للمستشار القانوني ، ولا يتعاقد إلا مع من يجد أنه مؤهل لتقديم الاستشارة القانونية ، ولهذا كان عقد تقديم الاستشارة القانونية من عقود الاعتبار الشخصي ، ويترتب على كون شخصية المستشار القانوني محل اعتبار في عقد تقديم الاستشارة القانونية ، أن يكون المستشار القانوني شخصا طبيعياً دائماً .

    ويرى البعض أن هذا القول غير دقيق ، وذلك لأن الثقة المتولدة عند المستفيد تبقى تلازم شخص المستشار القانوني ولا فرق في ذلك بين كونه شخصأ طبيعاً أو معنوياً .

    ففي حالة تقديم الاستشارة القانونية عن طريق المكاتب الاستشارية أو عن طريق شركة التقديم الاستشارة القانونية مثلا فأن العلاقة والرابطة الشخصية تقوم في هذه الحالة بين المستفيد من جهة وبين من يمثله الشخص المعنوي أمام الغير من جهة أخرى ، أي إن الثقة الممنوحة للشخص المعنوي تتمثل في شخص مديره الذي يمثله قانونا أمام الغير .

    والحقيقة أن الأشخاص الذين يملكون المعرفة التي يملكها المستشار القانوني كثيرون ، ولكن اختيار مستشار قانوني محدد يعني وجود ثقه ، ليس فقط في المعلومات والمعرفة التي يملكها أنما أيضا في شخصه وسلوكياته ، هذا وتعتبر مهنة تقديم الاستشارة القانونية من المهن الحرة ، أذ أصبحت كلمة مشورة أو استشارة موضوعة للعديد من المهن الحرة كالمحامين المستشارين ، المهندسين المستشارين ، المستشارين الماليين وغيرها من المهن التي لا تقع تحت دائرة الحصر ، إضافة إلى أن التطور العصري وسع من دائرة الالتزام بتقديم الاستشارة إلى عدة مهن متنوعة لتشمل أنواع الخدمات الفكرية كافة ، كالعقود التي تبرم بين البنك والعملاء وعقود الامتياز التجاري – الفرنشايز – وحتى انه امتد ليشمل كل بائع أو مؤجر ألة تقنية أو كل مقدم خدمة فنية ، حيث يلتزم هؤلاء بالتزام بالاستشارة تجاه عملاءهم حول كيفية استعمال هذه الآلات المتطورة التي يضعونها تحت أيديهم.

    ومما تجدر ملاحظته أن عقد تقديم الاستشارة القانونية قد يشتبه مع غيره من العقود في خصيصاً الاعتبار الشخصي ، ويكمن تميزه عن هذه العقود في إن عقد تقديم الاستشارة القانونية لا يقوم إلا على الاعتبار الشخصي في حين أن العقود الأخرى تعتبر أن الاعتبار الشخصي أصلاً يمكن أثبات خلافه ولا يقدح في صحة هذه العقود عدم توفر هذا الاعتقاد لدى أطرافها في حين نجد أن انتفاء هذه الصفة في عقد تقديم الاستشارة القانونية ينفي عنه صفة العقد على الاتفاق الواقع بين أطرافه وهذا ما نصت عليه المادة / ۲/۸۸۸ من القانون المدني العراقي بنصها

    ((وتعتبر دائمة شخصية المقاول محل اعتبار في التعاقد اذا أبرام التعاقد مع فنان أو مهندس معماري أو مع غيرهم ممن يزاولون مهنا حرة أخرى …….. )) .

    ومن الجدير بالذكر إن من أثار اعتبار عقد تقديم الاستشارة القانونية من عقود الاعتبار الشخصي ، أنه في حالة موت المستشار القانوني أو فقد أهليته فأن العقد المبرم بينه وبين المستفيد ينقضي ولا ينتقل العقد إلى ورثته وذلك لأن الثقة التي منحها المستفيد للطرف الآخر – المستشار القانوني – منحها لشخصه فلا يتصور أن تنتقل بعد ذلك إلى ورثته بدليل نص المادة / 1/۸۸۸ من القانون المدني العراقي على

    (( تنتهي المقاولة بموت المقاول اذا كانت مؤهلاته الشخصية محل اعتبار في التعاقد …….)).

    أما المستفيد فلا يؤثر موته أو فقده لأهليته على العقد ، بل يبقى قائمة بين المستشار وورثة المستفيد الذين يحلون محله في العقد طبقا للقواعد العامة .

    ويشار تساؤل في هذا الصدد ما اذا كان الورثة يمارسون النشاط ذاته الذي كان يمارسه المستشار القانوني فهل ينتقل العقد في هذا الصدد إلى الورثة ؟

    يقرر الفقه في الجواب على هذا التساؤل أن الثقة والأمانة التي أعطاها المستفيد للمستشار القانوني لا تسمح بانتقال العقد إلى الورثة ،

    فاذا كان الورثة يمارسون نفس نشاط المستشار القانوني ورغب المستفيد في أن يستمر العمل مع الورثة ، فأن عليه أن يبرم عقد جديد مع الورثة ،

    ويعد هذا العقد الجديد بمثابة منح ثقة للورثة بموجبها يستطيعون تقديم الاستشارة القانونية ، فاستمرار تلك الثقة التي كانت للمورث وانقطعت بالوفاة ، منوطة بشرطين ، الأول اذا رغب المستفيد في الاستمرار والثاني أن يبرم عقد جديد مع الورثة ، ومن ذلك كله يمكن القول أن الأصل في عقد تقديم الاستشارة القانونية أنه لا ينتقل للورثة بوفاة المستشار القانوني ، إلا أنه يرد استثناء على ذلك في انه أذا رغب المستفيد في الاستمرار أن يبرم عقد جديد مع الورثة.

    وهنا نتسأل هل يترتب على الاعتبار الشخصي شيء آخر ؟

    يترتب أيضا على الاعتبار الشخصي في عقد تقديم الاستشارة القانونية أن الحق في الزبائن لا ينتقل في حالة البيع أو الوفاة ،

    فالحق في الزبائن يعد عنصراً جوهرياً من عناصر المحل التجاري يمكن تقويمه ويقبل الانتقال أما في عقود الاعتبار الشخصي فأنه لا يتصور انتقالهم لأن شخصية المستشار محل اعتبار بالنسبة لهم ،

    ومثال ذلك أذا باع المحامي مكتبه فأن الحق في زبائنه لا ينتقل إلى المشتري الجديد للمكتب لأن شخصية المحامي في التعامل مع الزبائن محل اعتبار .

     الفرع الثالث : عقد تقديم الاستشارة عقد منشیء لالتزامات خاصة

    عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد منشئ لالتزامات خاصة تبينا لنا فيما سبق أن عقد تقديم الاستشارة هو عقد ملزم للجانبين بمعنى أنه ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين.

    فهناك طائفة من الالتزامات تقع على عاتق المستشار ، ويقابلها في ذات الوقت طائفة أخرى من الالتزامات ملقاة على عاتق المستفيد ، وهذه الالتزامات بعضها ما هو تقليدي تلتقي بها جميع العقود كالالتزام بدفع المقابل والالتزام بتسليم الاستشارة .

    والبعض الآخر توصف بأنها التزامات خاصة ويطلق عليها البعض التزامات غير تقليدية ، كالالتزام بالسرية ، والالتزام بالتعاون ، وان الطبيعة الخاصة لهذه العقود تتمثل في نواح عدة فتبدأ بمرحلة التفاوض وتمر بتكوين العقد وتنتهي بتنفيذ هذا العقد ، والبعض من هذه الالتزامات يبقى قائمة حتى بعد انتهاء العقد مالم يتم الاتفاق على خلاف ذلك ، كالالتزام بالمحافظة على سرية المعلومات التي اطلع عليها المستشار.

    من جهة أخرى فأن هذه الالتزامات بقيت إلى وقت قريب واجبات أخلاقية تقتضيها مبادئ الشرف وأمانة المهنة ولا ترقى إلى مستوى التزامات قانونية .

    إلا أن الفقه القانوني ذهب مؤخرة إلى عد هذه الالتزامات كأثر مباشر عن هذا العقد ، وهذا التطور جاء نتيجة لارتباط هذه الالتزامات بعقد حديث نسبية يعتمد على الأداء الذهني والفكري للمستشار إضافة للثقة الراسخة والمتجسدة بشخصه.

    وهذا يقودنا إلى القول أن دمج هذه الالتزامات التقليدية والغير تقليدية أو الخاصة في عقد تقديم الاستشارة القانونية أضفى ميزة جديده على هذا العقد حيث سيكون المصدر المباشر لهذا الالتزامات بدلا من البحث في مصادر أخرى خارج اطار الرابطة العقدية

  • تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين البحري

    1- تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين البحري:

    تنص المادة (387) من قانون التجارة البحرية على ما يلي:

    1 – تنقضي بمضي سنتين كل دعوى ناشئة عن عقد التأمين البحري:

    ومما تجدر ملاحظته هنا بأن المشرع قد قصر مدة التقادم في عقود التأمين البحرية وذلك لضرورة سرعة إنهاء المعاملات المتعلقة بالأمور التجارية وتسهيل المعاملات و انتقال وتدوير رأس المال في المجتمع الاقتصادي وخوفا على ضياع وسائل الإثبات.

    ومن أهم الدعاوى التي تنشأ عن عقد التأمين البحري هي دعاوى المؤمن له ضد المؤمن ودعاوى الغير ضد المؤمن وضد المؤمن له. فمن الدعاوى التي تحمي حقوق أو مصالح المؤمن له: دعوى المطالبة بمبلغ التأمين عند استحقاقه بوقوع الحادث أو دعوى البطلان أو الفسخ أو التعويض . 

    ومن الدعاوى التي تحمي حقوق ومصالح المؤمن: دعوى المطالبة بالأقساط ودعاوى البطلان أو الفسخ أيا كان سببه ودعوى استرداد ما دفع بغير وجه حق ودعوى التعويض .

    أما دعوى المضرور ضد المسؤول المؤمن له) في التأمين من المسؤولية أو دعوى المؤمن له على المسؤول عن وقوع الخطر المؤمن منه، فإنها تخضع إلى ما قرره القانون لهم من حق خاص في المادة (173) من القانون المدني التي تقضي بسقوط دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بمضي ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه.

    أو بمرور خمس عشرة سنة من وقوع العمل غير المشروع أي المدتين تقضي أولاً.

    ويقول القضاء في هذا الشأن أن حق المضرور ينشأ قبل المؤمن له من وقت وقوع الحادث الذي ترتبت عليه مسؤولية المؤمن له مستقلا عن حق المؤمن له قبل المؤمن لأن المضرور يستمد حقه مباشرة بموجب النص القانوني من العمل غير المشروع الذي أنشأ حقه قبل المؤمن له وبذلك يستطيع المضرور أن يرفع دعواه المباشرة، على المؤمن من وقت وقوع الفعل الذي سبب له الضرر، مما يترتب عليه أن مدة الثلاث سنوات المقررة لتقادم هذه الدعوى تسري من هذا الوقت، وهي في هذا تختلف عن دعوى المؤمن له قبل المؤمن التي لا يبدأ سريان تقادمها إلا من وقت مطالبة المضرور للمؤمن له بالتعويض.

    أما فيما يتعلق بدعوى الحلول التي يرفعها المؤمن ضد المسؤول عن الحادث الذي كان بسبب وفائه بالتعويض للمؤمن له. فهنا نميز بين حالتين:

    أ- إذا كان المؤمن يستعمل حق المؤمن له في الرجوع على المسؤول: فتخضع دعوى الحلول لتقادم حق المؤمن له ذاته في تعويض المسؤولية بحسب طبيعة نشوء هذا الحق، حيث أنه نشأ هذا الحق عن الفعل الضار فإن دعوى الحلول لا تستند إلى عقد التأمين.

    ب – أما إذا كانت دعوى الحلول يباشرها أحد المؤمنين في حالة تعدد المؤمنين أو أكثر فإن الدعوى تعد ناشئة عن عقد التأمين وتخضع للتقادم الذي تقرره المادة 387 من قانون التجارة البحرية.

    2- بدء سريان التقادم:

    وضحت الفقرة الثانية من المادة 387 من قانون التجارة البحرية حالات بداية مدة التقادم تبعا للواقعة المنشئة لدعوى التقادم وذلك على النحو التالي:

    1- إذا كانت الدعوى قائمة على أساس المطالبة بقسط التأمين وهي عادة الدعوى التي يرفعها المؤمن له، فإن مدة السنتين اللازمة لتقادم هذه الدعوى تبدأ من تاريخ استحقاق قسط التأمين.

    2 – تبدأ مدة التقادم بمضي سنتين من تاريخ وقوع الحادث الذي تنشأ عنه الدعوى فيما يتعلق بدعوى المطالبة بتعويض الأضرار التي تلحق بالسفينة، ذلك أن التزام المؤمن بالتعويض لا يستحق إلا بتحقق الخطر على نحو يشمله التأمين ولا يكفي وقوع الخطر بل لا بد من العلم به أيضا.

    3 – تبدأ مدة التقادم فيما يتعلق بدعوى المطالبة بتعويض الأضرار التي تلحق بالبضائع من تاريخ وصول السفينة إلى ميناء الوصول أو التاريخ الذي كان يجب أن تصل فيه فيما لو لم تصل لسبب من الأسباب، وهذا التاريخ يمكن معرفته من وكيل السفينة في ميناء الوصول بعد تسلم سندات الشحن، فإن كان الحادث الذي نجم عنه هلاك أو تلف البضاعة المؤمن عليها قد حدث بعد وصول السفينة لميناء الوصول أو بعد التاريخ الذي كان يجب أن تصل فيه، فإن التقادم يبدأ من تاریخ وقوع الحادث.

    4 – في حال نجم عن الحادث البحري ترك السفينة أو البضاعة للمؤمن، فإن دعوى المطالبة بتسوية الأضرار بطريق الترك تبدأ مدة تقادمها من تاريخ وقوع الحادث الذي سبب الترك، فإذا كان عقد التأمين يحتوي على مهلة لاقامة دعوى الترك، فإن التقادم يسري من تاريخ انقضاء هذه المهلة.

    5 – في حال كانت الدعوى هي مطالبة المؤمن له بالتعويض عما ساهم به الخسارة المشتركة أو عما دفعه بموجب دعوى المطالبة بمكافأة الإنقاذ المستحقة، فتقادم هذه الدعوى التي تقام قبل المؤمن يبدأ من تاريخ وفاء المؤمن له بما استحق عليه سواء في الخسارة المشتركة أو في مكافأة المساعدة.

    6 – تبدأ مدة تقادم دعوى المؤمن له في مواجهة المؤمن لمطالبته بما رجع الغير عليه من التاريخ الذي يقيم فيه الغير الدعوى على المؤمن له بالوفاء بما يطالب به الغير، مما يعني أن تقادم السنتين لا يبدأ بالسريان إلا من اليوم الذي يستعمل فيه هذا الغير دعواه في الرجوع على المؤمن له.

    والذي نلاحظه هنا أن المشرع قد اشترط لبدء سريان مدة التقادم وجود دعوى للمطالبة من قبل الغير تجاه المؤمن له، فهو لم يأخذ ببدء سريان التقادم من وقت مطالبة المضرور للمؤمن له بالتعويض. إذ أن هذه المطالبة قد لا تقترن بدعوى وإنما قد تتم بطرق ودية أو سلمية أو بطرق أخرى غير الدعوى.

    7 – تنقضي بمضي سنتين دعوى استرداد المبالغ المدفوعة بغير وجه حق (سواء أكان من رفعها هو المؤمن أم المؤمن له)، وتبدأ مدة التقادم في هذه الحالة من تاريخ علم من دفع هذه المبالغ بحقه في الاسترداد.

    3- انقطاع التقادم:

    سكت المشرع السوري في قانون التجارة البحرية عن بيان أحكام وقف التقادم بل اكتفى بذكر بعض الحكام المتعلقة بانقطاع التقادم في الفقرة الرابعة من المادة (387) وعليه سنعود إلى أحكام وقف التقادم التي جاء بها القانون المدني في المادة (379) التي نصت على ما يأتي:

    1- لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبية وكذلك لا يسري التقادم فيما بين الأصيل والنائب.

    2 – ولا يسري التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق كل من لا تتوافر فيه الأهلية أو في حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جناية إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً.

    وأمر تقدير موانع وقف التقادم يعود إلى قاضي الموضوع. ويعتقد أن الكذب وكتمان المعلومات التي يجب أن يقدمها المؤمن له للمؤمن مانعة يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه، إلا بعد العلم بذلك مما يوقف التقادم خلال مدة جهله بتلك المعلومات، ومتی أوقف سريان التقادم بسبب أو لآخر فإن المدة التي وقف سريان التقادم في خلالها لا تحسب ضمن مدة التقادم وتحسب المدة السابقة والمدة اللاحقة.

    وبخصوص حالات انقطاع التقادم في قانون التجارة البحرية فلقد نصت الفقرة الرابعة من المادة 387 على انقطاع سريان التقادم بالمطالبة إذا قام المدعى بمطالبة المدعى عليه بموجب كتاب سجل، يضاف إلى ذلك أن التقادم ينقطع إذا تمت بين الطرفين مفاوضات لتسوية الخلاف ودية أو إذا تم انتداب خبير المعاينة الحادث وتقدير الأضرار الناجمة عنه.

    هذا بالإضافة إلى الأسباب المقررة قانوناً.

    وبالعودة إلى القانون المدني، نجد تلك الأسباب هي:

    أ- المطالبة القضائية وما في حكمها من رفع الدعوى أمام المحكمة ولو كانت غير مختصة مكانية أو نوعية وهذا ما أكدته محكمة النقض في قراراتها إذ قالت:

    “إن رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة يقطع التقادم في كل الأحوال حتى ولو كان لا ولاية للمحكمة بالنظر في النزاع”  والسبب في ذلك بأن المدعي يكون قد أظهر نيته المحققة في أنه يريد تقاضي هذا الحق قضائية وبالتالي يجزم بوجود الحق الذي يراد اقتضاؤه.

    ولكن يجب الملاحظة في أن التظلم المرفوع إلى سلطة إدارية لا يكفي لقطع التقادم.

    ب – التنبيه: وقد فسرت محكمة النقض التنبيه الذي يقطع التقادم بقولها: (إن التنبيه الذي يقطع التقادم والوارد ذكره في المادة 380 من القانون المدني إنما يعني الإخطار التنفيذي وإن مجرد مراجعة الدائن لدائرة التنفيذ وإيداعه سنده لديها لا يؤدي إلى انقطاع التقادم إذا لم يبلغ المدين الإخطار التنفيذي أصولا قبل شطب المعاملة) .

    ج – الحجز يقطع التقادم سواء أكان حجزة تنفيذية أم حجزة احتياطية. وعلى هذا قالت محكمة النقض: “إن الحجز الذي يقطع تقادم الأحكام هو الحجز التنفيذي أما الحجز الاحتياطي فإنه يعتبر قاطعة للتقادم بالنسبة للدعوى “.

    لذلك فإجراءات الحجز تقطع التقادم باعتبارها من الإجراءات التنفيذية الذي يستخدمها صاحب الحق للمطالبة بحقه ومنع المدين من تهريب أمواله المنقولة وغير المنقولة التي تعد جميعها ضمانة للدين استنادا إلى أحكام المادة (305) من القانون المدني السوري.

    والحجز يمكن أن يكون احتياطية أو تنفيذية وفي كلتا الحالتين ينقطع التقادم بالحجز بنوعيه، فالحجز الاحتياطي لا يسبقه التنبيه المنصوص عليه في الفقرة السابقة ومن ثم لا ينقطع التقادم إلا بتاريخ توقيع الحجز الاحتياطي بالذات.

    وأما الحجز التنفيذي فيسبقه التنبيه الذي يقطع التقادم ومن ثم يأتي بعده الحجز التنفيذي الذي يتم تنفيذه في السجل العقاري وإن تسجيل الحجز التنفيذي في السجل العقاري يعتبر قطعة للتقادم من جديد وذلك اعتبارا من تاريخ تسجيل الحجز في السجل العقاري.

    د – الطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو في توزيع وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه في إحدى الدعاوى كما لو تدخل في دعوى مرفوعة من قبل مطالبة بالحق لنفسه أو أبدى طلباً عارضاً في دعوى مرفوعة ضد مدينه.

    هـ – إقرار المدين بحق الدائن: صراحة أو ضمنا كما لو وضع المدين تحت يد الدائن مالا مرهونة رهنا حيازياً تأميناً لوفاء دينه فكلاهما يصلح لقطع التقادم.

    حيث قضت محكمة النقض أن: “الإقرار القضائي الضمني بالمسؤولية يكفي لقطع التقادم “.

    ويترتب على انقطاع التقادم سقوط المدة السابقة .

    و – سريان تقادم جديد يبدأ من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع وتكون مدته هي مدة التقادم الأول.

    وفي حال خكم بالدين وحاز الحكم قوة القضية المقضية كانت مدة التقادم الجديد وفقا للقواعد العامة خمسة عشر سنة، وكذلك الحال إذا كان هناك دين مما يتقادم بسنة واحدة وانقطع تقادمه بإقرار المدين( الفقرة الثانية من المادة 382 من القانون المدني).

  • الأخطار المشمولة بالتأمين والأخطار المستبعدة من التأمين البحري

    المؤمن لا يضمن كل المخاطر البحرية التي تتعرض لها البضائع أو السفن خلال الرحلة البحرية، لأنه قد تكون هناك مخاطر مضمونة وأخرى مستثناة لا تدخل في عقد التأمين.

    المخاطر المضمونة بعقد التأمين البحري

    إن المخاطر المضمونة تنقسم إلى قسمين :

    القسم الأول : المخاطر المضمونة بدون حاجة إلى النص عليها في عقد التأمين.

    القسم الثاني : المخاطر المضمونة بمقتضى نصخاص في العقد.

    أولاً- المخاطر المضمونة بدون حاجة إلى النص عليها في عقد التأمين:

    المخاطر المشمولة بالضمان دون النص عليها في عقد التأمين عددتها المادة 329 من قانون التجارة البحرية القديم حيث نصت على أن

    “الضامن يتحمل مخاطر كل هلاك وضرر يلحق بالأشياء المضمونة من عاصفة وغرق وتنشيب على البر وتصادم وإرساء جبري وتغيير جبري للطريق والسفر وللسفينة والطرح في البحر والحريق والانفجار والنهب والضرر الذي يسببه البحارة قصدأ والسرقة وعموما كل الطوارئ والحوادث البحرية…

    وهذا ما تلافته المادة (373) من قانون التجارة البحرية لعام 2006 حيث نصت على أنه يسأل المؤمن عن الأضرار المادية التي تلحق الأشياء المؤمن عليها بسبب وقوع خطر بحري أو حادث يعتبر قوة قاهرة، كما يسأل كذلك :

    1- عن مساهمة الأموال المؤمن عليها في الخسارات البحرية المشتركة ما لم تكن ناشئة عن خطر مستثنى من التأمين. عن المصاريف التي تنفق بسبب خطر مؤمن منه لحماية الأموال المؤمن عليها من ضرر مادي أو للحد منه” 

    2- وحسنا فعل قانون التجارة البحرية الجديد في أنه حمل المؤمن المسؤولية عن جميع الأضرار المادية التي تلحق بالأشياء المؤمن عليها والتي تكون نتيجة لوقوع أي خطر بحري أو أي حادث يعتبر قوة قاهرة بدون حصر أو تحديد.

    كما قضت المادة (374) من القانون التجارة البحرية أنه :

    “1 – يسأل المؤمن عن الضرر المادي الذي يلحق الأشياء المؤمن عليها بفعل أو بخطأ المؤمن له أو تابعية البريين ما لم يثبت المؤمن أن الضرر ناشئ عن خطأ عمدي أو خطأ جسيم من جانب المؤمن له أو عن إهماله في بذل العناية المعقولة اللازمة لحماية الأشياء المؤمن عليها.

    2- كما يسأل المؤمن عن الضرر المادي الذي يلحق الأشياء المؤمن عليها بفعل أو خطأ الربان أو البحارة دون إخلال بما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 391″.

    وتنص الفقرة الثانية من المادة 391 على أنه 

    “2 – ولا يسأل (المؤمن) عن الأضرار الناشئة عما يصدر عن الربان من أخطاء متعمدة”.

    ويبقى المؤمن مسؤولاً عن الأضرار الناشئة عن الأخطار المؤمن منها في حالة الاضطرار إلى تغيير الطريق أو الرحلة أو السفينة التي تقوم بنقل البضائع أو أي تغيير آخر يقرره الربان دون تدخل المجهز أو المؤمن له (الفقرة الأولى من المادة 375 من قانون التجارة البحرية).

    أما إذا لم يكن تغيير الرحلة أو الطريق اضطرارية ظل المؤمن مسؤولاً عن الحوادث التي وقعت في الجزء من الطريق المتفق عليه، أو الطريق المعتاد في حالة عدم وجود اتفاق (الفقرة الثانية من المادة 375 من قانون التجارة البحرية).

    وهكذا فإنه عند وقوع الأخطار البحرية يتعرض المؤمن له إلى أضرار يمكن أن تقسم إلى ثلاث فئات : 1- الأضرار التي تصيب السفينة أو البائع (خسائر الأضرار).

    2- النفقات التي يتعرض لها لتلافي الأخطار أو التخفيف من نتائجها (خسائر النفقات).

    3- العطل والضرر الذي يترتب عليه تجاه الغير. وهذه الأخطار البحرية التي تنتج عنها الأضرار يسأل عنها المؤمن دائما إلا ما استثناء القانون أو الاتفاق بين المؤمن والمؤمن له.

    ثانياً- المخاطر المشمولة بالتأمين بمقتضى نص خاص في العقد :

    نصت المادة 376 من قانون التجارة البحرية على أن “أخطار الحرب الأهلية، أو الخارجية، وأعمال القرصنة، والاضطرابات، والثورات، والاضطراب، والإغلاق، وأعمال التخريب، والإرهاب، والأضرار الناشئة عن تفجيرات أو إشعاعات ذرية أيا كان سببها، وكذلك الاستيلاء والمنع الصادر من سلطة عامة في أي دولة”.

    ليست على عاتق المؤمن ولا يشملها التأمين إلا إذا اتفق على خلاف ذلك.

    وكذلك هي الحال بالنسبة للأضرار التي تحدثها الأشياء المؤمن عليها للأموال الأخرى أو للأشخاص فيما عدا ما نصت عليه المادة 392 من قانون التجارة البحرية.

    وإذا اتفق على تأمين أخطار الحرب، شمل هذا التأمين الأضرار التي تلحق بالأشياء المؤمن عليها بسبب الأعمال العدائية، والانتقامية، والأسر، والاستيلاء، والإيقاف، والإكراه، إذا وقعت بفعل الحكومات أو السلطات سواء كانت معترف بها أم غير معترف بها، أو بسبب انفجار الألغام ومعدات الحرب الأخرى ولو لم تكن الحرب قد أعلنت أو كانت قد انتهت” (المادة 377 من قانون التجارة البحرية).

    وهكذا إذا عقد المؤمن له عقد التأمين على بضائعه أو سفنه ضد جميع الأخطار البحرية فإن هذا التأمين لا يشمل الأخطار الحربية.

    وإذا أراد المؤمن له تغطية هذه الأخطار توجب عليه إجراء عقد تأمين خاص ضد الأخطار الحربية سواء أتم ذلك في عقد التأمين الأول، أم بوثيقة مستقلة ولدى نفس المؤمن الأول أو لدى مؤمن آخر غيره.

    ولا يعد التأمين الثاني باطلا بسبب وروده على نفس الأشياء المؤمن عليها لأن كل تأمين يضمن أخطارة لا يضمنها التأمين الآخر.

    وهذا لا يؤدي بالنتيجة إلى إثراء المؤمن له على حساب المؤمنين لأن المؤمن له لن يحصل في حالة الهلاك أو وقوع الضرر إلا على مبلغ تأمين واحد.

    إما من المؤمن الذي يضمن الأخطار البحرية إذا كان الخطر بحرية، أو من المؤمن الذي يضمن الأخطار الحربية إذا كان الضرر ناجمة عن خطر حربي.

    وفي حال هلك الشيء المؤمن عليه، وكان مؤمنين عليه ضد الأخطار البحرية فقط، دون معرفة الخطر الذي سبب هذا الهلاك هل هو بحري أو حربي، فإن المشرع قد أقام قرينة لصالح المؤمن له، إذا افترض أن كل ضرر حاصل يعتبر ناشئاً عن المخاطر البحرية حتى يثبت المؤمن العكس أي أن يثبت أن الشيء المؤمن عليه قد هلك أو تعيب بسبب خطر حربي (المادة 378 من قانون التجارة البحرية).

    الأخطار المستبعدة من التأمين:

     الأخطار المستبعدة من التأمين هي :

    خطأ المؤمن له – غش الربان – العيب الخاص الشيء المؤمن عليه.

    أولاً: أفعال وأخطاء المؤمن له:

    نصت الفقرة الأولى من المادة 335 من قانون التجارة البحرية القديم على أن

    “الضامن غير مسؤول عن الهلاك والضرر الصادرين عن أخطاء مقصودة أو غير حرية بالمعذرة ارتكبها المضمون أو ممثلوه. وكل اتفاق مخالف يعتبر باطلا”.

    بينما نصت المادة (374) من قانون التجارة البحرية لعام 2006 على أنه:

    “1 – يسأل المؤمن عن الضرر المادي الذي يلحق الأشياء المؤمن عليها بفعل أو بخطأ المؤمن له أو تابعيه البريين ما لم يثبت المؤمن أن الضرر ناشئ عن خطأ عمدي أو خطأ جسيم من جانب المؤمن له أو عن إهماله في بذل العناية المعقولة اللازمة لحماية الأشياء المؤمن عليها”.

    ويتضح لنا من تلك النصوص أن المؤمن لا يضمن الضرر الناشئ عن الأخطاء العمدية أو الجسيمة التي يرتكبها المؤمن له أو ممثلوه.

    وذلك لأن عقد التأمين عقد احتمالي يقوم على احتمال وقوع الخطر أو عدم تحققه، فلا يسوغ للمؤمن له أن يتسبب عمدة أو بخطئه الجسيم في تحقق الخطر الذي يعطيه الحق في التعويض. أما أخطاء المؤمن له اليسيرة غير المتعمدة فيكون المؤمن مسؤولا عن الأضرار الناشئة عنها.

    ويعد خطأ جسيماً من المؤمن له عدم تغليف البضاعة فتتلف، وترك المجهز سفينة تبحر وهي غير صالحة للملاحة.

    ولا يجوز الاتفاق على ضمان المؤمن للأخطاء العمدية أو الجسيمة التي تقع من المؤمن له لمنافاة ذلك للنظام العام. فلقد جاء في المادة (218) من القانون المدني في باب آثار الالتزام على أنه: “2يجوز الاتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي إلا ما ينشأ عن غشه أو عن خطأ الجسيم ومع ذلك يجوز للمدين أن يشترط عدم مسؤوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه”.

    ثانياً: أخطاء الربان:

    نصت الفقرة الثانية من المادة 335 من قانون التجارة البحرية على أنه :

    “لا يكون ضامن جرم السفينة مسؤولاً عن نتائج غش الربان وخداعه إذا كان قد عينه مجهز السفينة”.

    وإذا كانت المادة 329 من قانون التجارة البحرية تذكر الأخطاء التي تقع من البحارة ضمن الأخطار المضمونة، إلا أن المادة (336) تستثني من هذا الحكم وتقضي بإعفاء المؤمن :

    1 – من أعمال الغش والخداع التي يقترفها الربان ومن جميع الحوادث أيا كان مصدرها سواء أكانت ناتجة عن خرق الحصار وعن التهريب وعن التجارة الممنوعة أو السرية وذلك ما لم يكن الربان قد غير بدون رضاء مجهز السفينة أو ممثله واستبدل به آخر.

    2 – كل النتائج التي تترتب على السفينة من أي عمل يقوم به الربان أو البحارة على البر.

    وكذلك نصت الفقرة الثانية من المادة 374 من قانون التجارة البحرية لعام 2006 على أن :

    “2 – كما يسال المؤمن عن الضرر المادي الذي يلحق الأشياء المؤمن عليها بفعل أو خطأ الربان أو البحارة دون إخلال بما تقضي به الفقرة الثانية من المادة (391) التي تنص أنه :

    “ولا يسأل عن الأضرار الناشئة عما يصدر عن الربان من أخطاء متعمدة”.

    ومن هذه النصوص جميعاً يتبين أنه إذا كان المؤمن ضامن بوجه عام للأخطاء التي تصدر من الربان والبحارة، إلا أن مؤمن السفينة غير مسؤول عن الأضرار التي تصدر من الربان وتدليسه، أما مؤمن البضائع فيظل مسؤولاً عن الأضرار اللاحقة بها والناشئة عن غش الربان وتدليسه، وذلك لأن الربان ليس تابعاً للشاحن بل هو تابع للمجهز.

    ويلاحظ أن المؤمن على السفينة لا يكون مسؤولا عن نتائج غش الربان وتدليسه إذا كان الربان قد اختاره مجهز السفينة.

    أما إذا كان الربان قد استبدل به غيره بدون رضاء مجهز السفينة أو ممثله، فيظل المؤمن مسؤولاً عن نتائج الغش والتدليس.

    ثالثاً: العيب الذاتي في الشيء المؤمن عليه:

    ويقصد بالعيب الذاتي في الشيء المؤمن عليه الطبيعة الخاصة أو الحساسية الشديدة للشيء المؤمن عليه والتي تجعل قابليته للهلاك أو التلف سريعاً، ومثال ذلك:

    “قابلية بعض المعادن الشديدة للصدأ فيما لو تعرضت للرطوبة”.

    ومن ثم يتطلب حفظها والعناية بها توافر أجهزة معينة واتخاذ إجراءات ضرورية للمحافظة عليها.

    وذلك مثل نقل المواد الغذائية كاللحوم والأسماك والفواكه وأيضا السكر والحبوب إضافة إلى مواد أخرى كالجلود. ونظرا لطبيعتها الخاصة فإن العيب الذاتي يعتبر أحد الاستثناءات التي وردت في المادة (55) من القانون البحري الإنكليزي لسنة 1906 على النحو الآتي:

    “ما لم تنص الوثيقة على غير ذلك، فإن المؤمن غير مسؤول عن نتيجة التلف والبلى Wear and tear، والكسر العادي والرشح، العيب الذاتي أو طبيعة الشيء المؤمن عليه…”.

    ولذلك فقد صدرت وثيقة التأمين (تأمين على البضائع المكونة من فول الصويا ضد أخطار رحلتها من أندونيسيا إلى بلجيكا وحصرت تلك الأخطار في الحرارة والعرق والاحتراق. وكان من المعروف أن شحن فول الصويا صيفاً يفسدها إذا تجاوزت نسبة الرطوبة 14% وعند شحنها فعلا كانت نسبة الرطوبة تتراوح بين 12 إلى 13% ما عرضها لخطر التلف، وفعلا تلفت الحمولة ورفض المؤمن تحمل المسؤولية على أساس العيب الذاتي فيها فحكمت المحكمة بمسؤوليته، لأن نص الوثيقة أفاد غير ذلك.

    وفي قضية أخرى كان موضوعها تأمين لحم خنزير معلب، ضد جميع الأخطار بما فيها العيب الذاتي، حكمت المحكمة أنه بالنظر إلى الطبيعة الخاصة للشيء المؤمن عليه الذي كان مبسترة وليس معقماً تعقيماً كلياً فإنه من غير المعقول أن يقبل المؤمن المسؤولية عن الخسارة الناجمة عن العيب الذاتي الذي يتوقع أن يتطور في أي لحظة في المستقبل فهو بالضرورة يحمل بذور هلاکه بنفسه.

    وفي قضية أخرى أيضا غرضت على القضاء الإنكليزي، كان المدعون مؤمنين على شحنة من مادة كيميائية تدخل في تركيب الديناميت وتسمى Kieselguhr في رحلة من شمال أفريقيا إلى لندن، ووصلت الشحنة تالفة، بسبب انفجار الأكياس المعبأة فيها نتيجة “العيب الذاتي” لهذه الشحنة. وكان التأمين وفقا الشرط (كل الأخطار)، وطالب المدعون المؤمن بالتعويض عن هذا الضرر، فدفع المؤمن بالنص الوارد في شرط التأمين (كل الأخطار) باستبعاد ما يترتب على العيب الذاتي من أضرار، من نطاق الضمان وبأن المادة 2/55/ج من قانون التأمين البحري، تقضي بعدم ضمان الأضرار الناتجة عن العيب الذاتي. ولكن المدعين تمسكوا بعدم انطباق نص المادة 2/55/ج من القانون، لأنها تجيز الاتفاق على عكس الحكم الوارد فيها، وأن الشرط الوارد في وثيقة التأمين يضمن كل الأضرار أيا كان سبب وقوعها.

    وقضت محكمة Queen’s Bench بعدم مسؤولية المؤمن عن تعويض هذا الضرر، إذ أنه وإن كانت وثيقة التأمين تضمن كل الأضرار أيا كان سبب حدوثها، وفقا لشرط (كل الأخطار)، فإن هذا الشرط يستبعد صراحة الأضرار المترتبة على العيب الذاتي.

    ونص قانون التجارة البحرية السوري لعام 2006 في المادة 379 منه على أنه لا يسأل المؤمن عما

    يلي:

    1- الأضرار المادية الناشئة عن عيب ذاتي في البضائع المؤمن عليها أو عن عدم كفاية تغليفها أو

    حزمها”. وأضافت هذه المادة حالات أخرى لا يسأل فيها المؤمن عن الشيء المؤمن عليه ولخصتها الفقرة الثانية من المادة 379 وهي :

    “2- النقص الطبيعي الذي يطرأ على البضائع أثناء الطريق”.

    فهناك بضائع تتعرض للنقص أثناء نقلها من مكان لآخر، وهذا النقص ينجم عن طبيعة البضاعة ذاتها،

    كما لو كانت سوائل تتبخر أو حبوبة سائبة تتعرض للبعثرة أثناء الرحلة البحرية أو أثناء شحنها.

    ونظراً لطبيعة هذه البضاعة فقد أعفت الفقرة الرابعة من المادة الرابعة من معاهدة بروكسل الخاصة بسندات الشحن لعام 1934 الناقل من العجز في الحجم أو الوزن أو العيب الخاص بها إذا لم يتجاوز هذا العجز نسبة مئوية تحددها الأعراف التجارية، فإذا تجاوز العجز هذه النسبة أعفي الناقل من النسبة المسموح بها فقط، والتزم بتعويض صاحب البضاعة عن الباقي.

    3- الأضرار المادية الناشئة عن الغرامات والمصادرة والوضع تحت الحراسة والاستيلاء والتدابير الصحية والتعقيم واختراق الحصار وأعمال التهريب وممارسة تجارة ممنوعة.

    يشترط في عقد التأمين أن يكون محله مصلحة مشروعة الفقرة 1 من المادة 273 من قانون التجارة البحرية، بل إن التأمين من الأضرار يقع باطلاً إذا لم يستند إلى مصلحة مشروعة ومعنى ذلك أن يكون التأمين وارداً على نشاط مشروع للمؤمن له وغير مخالف للنظام العام أو الآداب وعليه إذا أبرم شخص عقد التأمين لحماية نشاطه غير المشروع كالاتجار في المخدرات ومن ثم صودرت هذه الأشياء الممنوعة والمؤمن عليها، فإنه لا يحق للمؤمن له أن يرجع على المؤمن بأي شيء، وعلى المؤمن أن يرد للمؤمن له ما تقاضاه من أقساط وذلك لبطلان العقد ولمخالفته النظام العام.

    4- التعويضات المستحقة بسبب الحجز والكفالة المقدمة لرفع الحجز:

    أي إذا حجزت السفينة أو البائع المؤمن عليها بسبب من الأسباب لتنفيذ حكم قضائي ولمخالفة قوانين سارية المفعول فإن التعويضات المستحقة بسبب الحجز والكفالة التي تقدم من أجل رفع الحجز لا يسأل عنها المؤمن.

    ومثال ذلك : أن تقوم السفينة بحمل بضائع دون أن تظهرها في بيان الحمولة مخالفة بذلك القوانين الجمركية لبلد الوصول، الأمر الذي يعرضها للحجز من قبل هذه السلطات وإلى دفع كفالة مالية قبل السماح لها بالمغادرة تمهيدا لإصدار حكم قضائي عليها.

    5 – الأضرار التي لا تعتبر تلف مادي يلحق مباشرة بالأشياء المؤمن عليها:

    كالبطالة والتأخير وفروق الأسعار والعقبات التي تؤثر في العملية التجارية التي يجريها المؤمن له.

  • خصائص عقد التأمين البحري

    كما أسلفنا عقد التأمين البحري هو عقد يجب أن يتوافر لانعقاده الأهلية والرضا والمحل والسبب كما أن له خصائص تميزه عن غيره من العقود.

    أولاً- خصائص عقد التأمين البحري

    1- عقد التأمين البحري عقد رضائي:

    عقد التأمين البحري عقد رضائي بمعنى أنه ينعقد بمجرد أن يتبادل المؤمن والمؤمن له التعبير عن إرادتين متطابقتين.

    ويشترط لصحة إرادة الطرفين خلوهما من عيوب الإرادة كالإكراه أو الغلط أو التدليس.

    وقد اشترط المشرع كتابة عقد التأمين لضرورة اثباته، والكتابة هنا هي شرط اثبات وليست شرط انعقاد.

    وقد جاء نص المادة /355/ ف1 من قانون التجارة البحرية صريحة في في ذلك فنص أنه:

    “لا يجوز إثبات عقد التأمين البحري إلا بالكتابة”.

    2- عقد التأمين البحري عقد ملزم لطرفيه:

    إن عقد التأمين البحري هو عقد ملزم لطرفيه، فالتزام المؤمن له بدفع القسط يقابله قيام المؤمن بالتزامه بدفع التعويض عند تحقق الخطر المؤمن منه.

    3- عقد التأمين البحري عقد تعویض:

    التأمين البحري هو عقد تعويض فهو يهدف إلى جبر الضرر الذي يلحق المؤمن له من جراء تحقق الخطر، وهو ليس وسيلة لإثراء المؤمن له على حساب المؤمن، وفي ذلك تنص المادة /354/ من قانون 174 التجارة البحرية بأنه :

    “يعتبر عقد التأمين البحري عقد تعويض. ولا يجوز أن يرتب عليه إفادة المؤمن له من تحقق الخطر بما يزيد عن القدر الحقيقي للضرر. ويبطل كل اتفاق يخالف ذلك”.

    ويترتب على صفة التعويض في عقد التأمين البحري عدة نتائج أهمها:

    1- يجب أن يكون من شأن تحقق الخطر إلحاق ضرر بالمؤمن له، وإلا انتفت مصلحته في التأمين،

    ومن ثم يعد عقد التأمين باطلا. (المادة 359 من قانون التجارة البحرية).

    2- لا يمكن جبر الضرر أكثر من مرة، وذلك عن طريق تعدد التأمينات لدى أكثر من مؤمن، بحيث يستوفي المؤمن له من المؤمنين تعويضا في حدود الضرر الذي لحق به، وبما لا يزيد عن قيمة الشيء محل التأمين (المادة 285 من قانون التجارة البحرية).

    3- لا يجوز أن يزيد التعويض عن قيمة الشيء الهالك المؤمن عليه، فإذا أكر في وثيقة التأمين قيمة الشيء أكثر من قيمته الحقيقية وانتفى الغش والتدليس اعتبر العقد صحيحة في حدود قيمة الشيءالفعلية (المادة 284 ف2، المادة 370 ف1 من قانون التجارة البحرية).

    4- ينتج عن كون عقد التأمين عقد تعويض أن التأمين البحري لا يرد إلا على الأموال دون الأشخاص.

    4- التأمين البحري عقد إذعان

    عقد التأمين البحري لا يبرم بناء على مناقشة حرة من الطرفين لشروطه، بل إن شركات التأمين عادة تفرض على المؤمن لهم شروطها في وثيقة مطبوعة، ولا يملك هؤلاء إلا قبولها دون أية مناقشة، ولهذا كان عقد التأمين من عقود الإذعان وكانت الحرية التعاقدية فيه محددة.

    5- عقد التأمين البحري عقد احتمالي (غرر):

    عقد التأمين عقد احتمالي بالنسبة إلى طرفيه. إذ هو يرد على أمر غير محق الوقوع وهو احتمال تحقق الخطر المؤمن منه.

    والعقد الاحتمالي أو عقد الغرر : هو عقد لا يعرف فيه وقت انعقاده مقدارة أو مدى الغنم أو الغرم الذي سيصيبه المتعاقدان.

    وهو كما عرفه الدكتور السنهوري بأنه:

    “هو العقد الذي لا يستطيع كلا المتعاقدين أو أحدهما أن يعرف لحظة إبرام العقد مدى ما سيدفع ومدى ما سيحصل عليه من العقد، ولا يتحدد ذلك إلا في المستقبل تبعا الحدوث أمر غير محقق الحصول أو غير معروف وقت حصوله”.

    وهو ما ينطبق على عقد التأمين حيث يوجد فيه عنصر الاحتمال في العلاقة ما بين المؤمن والمؤمن له بمعنی احتمال الكسب والخسارة للطرفين، فلا يعرف وقت إبرام العقد ما إذا كان الخطر المؤمن منه يستحق أم لا.

    كالتأمين ضد المخاطر البحرية التي تعد مخاطر غير محققة الوقوع، وقد تسفر عن أن المؤمن له يدفع الأقساط المطلوبة منه دون أن يقع الخطر المؤمن منه، وبالتالي لا يلتزم المؤمن بأداء شيء للمؤمن له، أما إذا وقع الخطر فإن المؤمن يدفع للمؤمن له مبالغ تفوق ما يكون المؤمن له قد دفعه بشكل أقساط، فالخطر أو الضرر يلعب دورا هاما في تحقيق الغرم أو الغنم لطرف العقد.

    ولما كان التأمين يقوم على أمر غير محقق هو احتمال تحقق الخطر، فإن هذا الخطر يصبح ركنة من أركان العقد يرتبط به وجودا وعدمة، وتبعا لذلك يجب أن يكون المال المؤمن عليه معرضة للخطر والا كان العقد باطلا لانعدام محله.

    6- عقد التأمين البحري عقد تجاري :

    علت المادة (6) من قانون التجارة رقم 33 لعام 2007 بعض الأعمال تجارية ومن بين ما ذكرته التأمين بأنواعه المختلفة”.

    والتأمين البحري هو أحد أنواع التأمين وطبقا للمادة السادسة يعد من الأعمال التجارية وذلك من جانب المؤمن، لأن شركات التأمين والتي تقوم في هذا العقد بدور (المؤمن) إنما تهدف دائماً من وراء إبرام عمليات التأمين إلى تحقيق الربح.

    أما بالنسبة للمؤمن له، فقد يكون تاجرة ويبرم عقد التأمين البحري لأمور تتعلق بتجارته.

    وقد لا يكون المؤمن له تاجرة، وإنما قام بالتأمين لأعمال مدينة، كما لو أبرم التأمين على سفينة نزهة، أو على أمتعة مرسلة من جهة ما لأغراض غير تجارية. وطبقا لأحكام القواعد العامة فإن العقد هنا يتصف بالنسبة إلى المؤمن له بالصفة المدنية وهنا يكون لعقد التأمين الصفة المختلطة.

    وبالتالي فإن التأمين البحري هو دائماً عملاً تجارياً بالنسبة إلى المؤمن الذي يسعى لتحقيق الربح من قيامه بعمليات التأمين.

    أما بالنسبة للمؤمن له فإنه لا يكون تجارية إلا إذا كان تاجرا يقوم بهذا العمل لحاجات تجارته فيكون عملا تجارية بالتبعية تطبيقاً لنظرية الأعمال التجارية بالتبعية، وإذا لم يكن لحاجات العمل تجاري كان مدنية.

    7- عقد التأمين البحري من عقود حسن النية:

    مبدأ حسن النية من المبادئ التي تسري على جميع العقود، وقد أشارت نصوص القانون المدني في أكثر من موضع إلى ضرورة توفر حسن النية في العقود. فالمادة /149/ من القانون المدني توجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، بل إن المادة

    2/149 من القانون المدني أشارت بأنه

    “لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام”.

    وعليه يجب توافر حسن النية في العقد من لحظة الإنشاء وخلال تنفيذه. وينبني على هذا الاعتبار، التزام المؤمن له أن يقدم إلى المؤمن بيانات صحيحة وواضحة ودقيقة عن الخطر المؤمن منه، وكل كتمان في هذا الشأن يؤدي لإبطال العقد.

    كما يلتزم المؤمن له بأن يتخذ كل الاحتياطات المناسبة لمنع تحقق الخطر أو للتخفيف من آثاره الضارة عند تحققه أو للمحافظة على حقوقه تجاه الغير إذا وقع الحادث بفعله.

    8- عقد التأمين عقد مستمر:

    عقد التأمين البحري من العقود المستمرة من حيث الزمان، ذلك أن العقد المستمر زماني: هو العقد الذي يكون التزام أحد الطرفين أو كليهما عبارة عن عدة أداءات مستمرة، ولما كان عقد التأمين كذلك، فهو يعد من العقود المستمرة لأنه من العقود التي تنفذ خلال مدة زمنية يتفق عليها الأطراف ومن ثم كان الزمن عنصرة جوهرية في تنفيذ الالتزامات الناشئة عنه.

    ويبدو هذا واضحاً من التزامات كل من طرفيه، فالمؤمن له يلتزم بدفع الأقساط في فترات منتظمة خلال مدة العقد.

    ويقابل ذلك التزام المؤمن بضمان الخطر المؤمن منه طيلة فترة التأمين المتفق عليه.

    وكون عقد التأمين البحري عقد مستمر فهذا مؤداه إلى أنه إذا تخلف أحد الطرفين عن أداء التزاماته فإن العقدوقف أو يفسخ بدون أثر رجعي.

    ثانياً- خصائص وثيقة التأمين العائمة (وثيقة الاشتراك)

    الوثيقة العائمة (Floating Policy) يقصد بها – كما ذكرنا بأنها العقد الذي يتفق فيه على أن يضمن المؤمن كل البضائع التي يشحنها المؤمن له أو تشحن خلال فترة معينة وفي حدود مبلغ معين، ويطلق عليها اسم الوثيقة العائمة نظراً لأنها لا تتضمن منذ إبرامها تحديدا للبضاعة التي تغطيها، فهي تضع الشروط العامة للتأمين دون تفاصيل الشحنات التي يراد تغطيتها بالتأمين، حيث أن هذه التفاصيل لا تكون معلومة لدى المؤمن له عند إبرام عقد التأمين، ولذلك يتوجب على المؤمن له القيام بإعلان أو تصريح للمؤمن عن الشحنات الفردية بالسرعة اللازمة.

    وهكذا لا يحتاج المؤمن له إلى تنظيم عقد مستقل بكل صفقة يشحنها أو يتلقاها وإنما يكفي أن يكون ثمنها ضمن حدود السقف المحدد للوثيقة العائمة وأن يكون الشحن قد تم أثناء فترة نفاذ هذه الوثيقة، ولذلك سميت هذه الوثيقة أيضا بوثيقة اشتراك، لأن المؤمن له يعتبر بمثابة مشترك لدى المؤمن.

    وبذلك تتميز الوثيقة العائمة بالخصائص التالية:

    أولاً: عدم تحديد البضائع المغطاة تحديدا دقيقا وقت العقد.

    ثانياً: تكرار عمليات الشحن وتعددها.

    ثالثاً: أن المؤمن يضمن وبصفة حتمية كل البضاعة التي تشحن في الظروف المتفق عليها مقدمة دون حاجة إلى إجراء جديد من أحد الطرفين. هذا وقد أوجب المشرع في المادة (407) قانون تجارة بحرية بأن تشتمل وثيقة التأمين العائمة على ما يأتي :

    1- الشروط العامة المشتركة بين جميع الشحنات، وأقساط التأمين، وكذلك الحد الأعلى للمبلغ الذي يتعهد المؤمن بدفعه عن كل شحنة (المادة 1/407 من قانون التجارة البحرية).

    2- الشروط الخاصة بالبضائع المؤمن عليها والرحلات والسفن، فتعينه بملاحق تصدر بمناسبة كل شحنة على حدة (المادة 407 /1).

    وتعرضت الفقرة الثانية من المادة (407) تجارة بحرية، للشحنات التي تشملها وثيقة التأمين العائمة والتي يلزم المؤمن بقبول التأمين عليها، وقد فرقت بين نوعين منها:

    أ- الشحنات التي تتم لحساب المؤمن له شخصية أو تنفيذا لعقد يلزمه لإجراء التأمين، وهذه الشحنات يشملها التأمين تلقائية من وقت تعرضها للخطر المؤمن منه بشرط أن يقدم المؤمن له إخطارا عنها في الميعاد المحدد بالعقد (المادة 407 / 2).

    ب- الشحنات التي تتم لحساب الغير ويكون للمؤمن له مصلحة فيها بوصفه وكيلا بالعمولة، أو أمينة على البضائع أو غير ذلك من الصفات، وهذه الشحنات لا يسري عليها التأمين إلا من وقت إخطار المؤمن له للمؤمن عن الشحنات التي تتم بموجب الوثيقة العائمة.

    وهنا تثار مسألة إذا تم الإخطار ولكن بعد وقوع الخطر المؤمن منه ولكن ضمن المدة المحددة في الوثيقة.

    فنجد أن المادة 409 من قانون التجارة البحرية قد عالجت هذه المسألة وذلك عن طريق إلزام المؤمن له بإخطار المؤمن خلال خمسة أيام من تاريخ تسلمه للبضائع بوجود تلف أو عيب في البضاعة وإلا افترض المشرع بأن المؤمن قد تسلمها سليمة خالية من العيوب وهذه القرينة هي قرينة قابلة لإثبات العكس.

    وحسناً فعل المشرع السوري بوضع جزاء رادع للمؤمن له في حالة مخالفته الالتزام بإخطار المؤمن بالشحنات التي يعقدها، فسمح للمحكمة بناء على طلب المؤمن فسخ العقد دون مهلة مع استيفاء المؤمن – على سبيل التعويض – أقساط التأمين الخاصة للشحنات التي يخطر بها المادة 1/408) من قانون التجارة البحرية.

  • التقادم في التأمين

    يشكل التقادم المسقط وسيلة للتحلل من الالتزامات وانقضاء الدين بمرور فترة معينة من الزمن. وقد وضع المشرع السوري أحكامة خاصة للتقادم المسقط فيما يتعلق بالمنازعات التي تنشأ بشكل أو بآخر من عقد التأمين. فقد نصت المادة 718 من القانون المدني السوري على مايلي:

    “1- تسقط بالتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بانقضاء ثلاث سنوات من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها هذه الدعاوی.

    2 – ومع ذلك لا تسري هذه المدة :

    أ- في حالة إخفاء بيانات متعلقة بالخطر المؤمن منه، أو تقديم بيانات غير صحيحة أو غير دقيقة عن هذا الخطر إلا من اليوم الذي علم فيه المؤمن بذلك.

    ب – في حالة وقوع الحادث المؤمن منه إلا من اليوم الذي علم فيه ذوو الشأن بوقوعه”.

    كما جاء المشرع السوري بنص خاص بمدة تقادم حق المتضرر في الرجوع على شركة التأمين بموجب الدعوى المباشرة. فقد نص قانون السير الجديد على أنه:

    ” تسقط دعوى المتضرر تجاه شركة التأمين بمرور الزمن بعد انقضاء ثلاث سنوات على تاريخ وقوع الحادث إذا لم يقطع هذا التقادم بالمراجعة الإدارية أو القضائية”.

    وقد جاء هذا النص حسمة لاختلاف في الاجتهاد القضائي حول تطبيق أحكام التقادم عن العمل غير المشروع وبالتالي تطبق المادة 173 من القانون المدني، وبموجبها تنقضي دعوى المتضرر بثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه. وهو حق التأمين ولا تطبق عليه أحكام المادة 718 من القانون المدني (.

    وذهب رأي آخر إلى أن حق المتضرر قبل شركة التأمين يقوم على أساس المسؤولية العقدية، وهو نشأ عن عقد التأمين، وإن إعطاء الحق المباشر قبلها لا يغير من طبيعة هذا الحق لذلك تطبق عليه أحكام المادة 718 من القانون المدني .

    من خلال هذه النصوص نجد أنه قد يعترض إعمال التقادم الخاص بعقد التأمين بعض الصعوبات التي تتعلق بنطاق تطبيقه، وكيفية حساب مدته وأسباب وقفه وانقطاعه.

    نطاق تطبيق التقادم

    من نص المادة 718 نجد أن التقادم يطبق على الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين. ولابد في هذا المجال من التمييز بين الدعاوى التي تجد سبب نشوئها في عقد التأمين وأخرى ترتبط بشكل أو بآخر بعقد التأمين إلا أنها لا تجد سبب نشوئها في عقد التأمين.

    • الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين:

    تسري مدة التقادم القصير الواردة في المادة 718 من القانون المدني السوري على سائر الدعاوی الناشئة عن عقد التأمين سواء تلك المتعلقة بصحته أو تنفيذه.

    ولا نميز في هذا المجال حول شكل مشروع التأمين أو نوع عقد التأمين. كما تسري مدة التقادم على الدعاوى الناشئة عن العقد سواء أكانت دعاوی المؤمن أم دعاوى شركة التأمين.

    ويمكننا أن نذكر على سبيل المثال الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين وهي:

    دعاوى شركة التأمين في المطالبة بالأقساط المستحقة قبل المؤمن.

    دعاوى المؤمن تجاه شركة التأمين المتعلقة بالمطالبة بمبلغ التأمين بعد وقوع الكارثة (سواء أكان المؤمن طالب التأمين أم المستفيد)

    دعاوى شركة التأمين ببطلان عقد التأمين أو فسخه أيا كان سبب الفسخ، سواء كان إخلال المؤمن بالتزامه من دفع الأقساط المستحقة، أم كان تقرير ما يستجد من الظروف ويكون من شأنه أن يزيد الخطر أم كان غير ذلك من الأسباب.

    دعاوى المؤمن المتعلقة ببطلان عقد التأمين أو فسخه .

    دعاوى المسؤولية التي يرفعها المؤمن على شركة التأمين لسوء تنفيذها للتفويض الممنوح لها بإدارة دعوى المسؤولية تجاه الغير.

    الدعاوى المتعلقة برجوع شركة التأمين، بعد أن دفعت تعويضاً للغير، على المؤمن الذي سقط حقه بالتأمين . 

    • الدعاوى التي لا تعتبر ناشئة عن عقد التأمين:

    لا تسري مدة التقادم الخاصة بعقد التأمين على الدعاوى التي لا تنشأ عنه، بل تخضع للتقادم الخاص بها.

    ونجد هذه الدعاوى بشكل أساسي، في الدعاوى التي يكون أحد أطرافها من الغير بالنسبة العقد التأمين. ونذكر هذه الدعاوى على سبيل المثال لا الحصر وهي:

    1-دعوى المسؤولية التي يرفعها المتضرر على المسؤول، إذا كان هذا الأخير قد أمن نفسه من هذه المسؤولية. 

    2-الدعوى المباشرة التي يرفعها المتضرر على شركة التأمين، في حالة التأمين من المسؤولية.

    وهنا يطبق، بشكل ضيق، النص الوارد في قانون السير الجديد والذي جاء بحكم خاص منه يقضي بتقادم دعوى المتضرر تجاه شركة التأمين بمرور الزمن بعد انقضاء ثلاث سنوات على تاريخ وقوع الحادث.

    وتطبيق هذا النص يقتصر على التأمين الإلزامي للمركبات الآلية، ولا ينسحب أثره على باقي دعاوى المسؤولية. وقد ذهب القانون الفرنسي في اتجاه آخر لحماية المتضرر من حوادث السير، وجاء بنص المادة 38 من قانون بادنتير لعام 1985 حول تعويض المتضررين من حوادث السير، لأن دعاوى المسؤولية المدنية غير التعاقدية تتقادم بمرور عشر سنوات بدءا من تاريخ ظهور الضرر أو تفاقمه.

    3-دعوى المؤمن على الغير المسؤول عن الخطر المؤمن، كدعوى المؤمن على السارق في حالة التأمين من السرقة، وعلى من تسبب في الحريق في حالة التأمين من الحريق

    4– دعوى الحلول، عندما تحل شركة التأمين محل المؤمن في الرجوع على الغير المسؤول عن الحادث المؤمن .

    5– دعوى الدائن المرتهن أو الدائن صاحب الامتياز بماله من حق على مبلغ التأمين، لأن هذه الدعوى تستند إلى القانون لا إلى عقد التأمين . 

    6 – دعوی سمسار التأمين للمطالبة بسمسرته لأن هذه الدعوى تنشأ عن عقد السمسرة لا عن عقد التأمين .

    ونشير إلى أنه، تطبق على الدعاوى سالفة الذكر، مدد التقادم الخاصة بكل منها، سواء أكانت مدة التقادم المدني أم التجاري أم الجزائي.

     

    مدة التقادم

    إن التعرض لمدة التقادم الثلاثي للدعاوى الناشئة عن عقد التأمين، يقتضي تحديد كيفية حساب هذه المدة (المبحث الأول) ومبدأ سريانها من جهة، وتحديد طبيعة هذا التقادم من جهة أخرى (المبحث الثاني).

    كيفية حساب مدة التقادم ومبدأ سريانها

    أولا- المبدأ:

    تحسب مدة التقادم بدءا من اليوم التالي لليوم الذي حدثت فيه الواقعة التي تولدت فيها الدعوى، وتنتهي في اليوم الأخير الذي تتكامل فيه مدة التقادم ثلاث سنوات.

    وهكذا فإن مدة التقادم بالنسبة للدعوى الوفاء ببيل التأمين يتحدد بدؤها من موعد استحقاق القسط. وكذلك بالنسبة لدعوى الفسخ، فإن الواقعة التي تسمح لأحد الطرفين طلب وضع نهاية العقد هي التي تؤخذ كنقطة لبدء التقادم.

    وكذلك الأمر بالنسبة لتسوية الكارثة، فمبدئية، الواقعة التي تحقق فيها الخطر المؤمن وأدت إلى أداء مبلغ التأمين من قبل شركة التأمين تعد نقطة بدء التقادم.

    ثانياً – الاستثناءات:

    يخضع مبدأ التقادم بدءا من تاريخ الواقعة التي نشأت منها دعوى التأمين إلى استثناعين هما:

    1 – حالة إخفاء بيانات متعلقة بالخطر المؤمن أو تقديم بيانات غير صحيحة أو غير دقيقة عن هذا الخطر.

    وقد سبق أن ذكرنا أنه في حالة التصريح غير الصحيح عن الخطر، فإنه يتولد عن ذلك أن من حق شركة التأمين أن ترفع على المؤمن دعوى إبطال أو دعوی زيادة في القسط، وتسقط أي من الدعوتين بثلاث سنوات .

    ويبدأ سريان هذه المدة، لا من وقت إخفاء البيانات أو تقديم البيانات غير الصحيحة، بل من وقت علم شركة التأمين بالإخفاء أو بعدم صحة البيانات أو دقتها. ذلك أن قبل علم شركة التأمين لا يمكن أن تتكون لديها فكرة إقامة الدعوى، فيجب إذا إرجاء سريان مدة التقادم إلى الوقت الذي يتم فيه هذا العلم. ويقع على شركة التأمين بحث إثبات أنها كانت لا تعلم بالواقعة التي تولت عنها الدعوى، وعليها أيضا أن تثبت الوقت الذي علمت فيه بهذه الواقعة حتى يبدأ سريان التقادم من هذا الوقت.

    2 – في حالة وقوع الحادث المؤمن:

    إذا تحقق الخطر المؤمن ووقعت الكارثة، فإن مدة التقادم لا تبدأ إلا بدءا من اليوم الذي علم فيه صاحب المصلحة بوقوع الكارثة، شرط أن يثبت أنه كان يجهل وقوعها حتى ذلك اليوم.

    ويطبق هذا الحكم عندما يرتكب المؤمن خطأ في التصريح عن الكارثة والذي ينجم عنه سقوط حقه في مبلغ التعويض، فإذا لم تكتشف شركة التأمين خطأ المؤمن في التصريح عن الكارثة إلا بعد تعويض المتضرر، فإن مدة التقادم دعواها في الرجوع على المؤمن لا تبدأ إلا من اليوم التالي لاكتشافها لهذا الخطأ، وليس من يوم دفعها للمتضرر تعويضاً.

    على أنه قد يجهل صاحب المصلحة وجود عقد التأمين نفسه، كالمستفيد من عقد التأمين على الحياة في حالة الوفاة، فإن التقادم لا يبدأ بالنسبة إليه إلا بدءا من تاريخ علمه – بوجود عقد التأمين الذي ينشأ عنه التزام شركة التأمين بالتعويض.

    فالتقادم لا يسري بالنسبة للمستفيد طالما أنه يجهل وجود عقد التأمين نفسه الذي استمد حقه منه .

     

    طبيعة التقادم

    يقوم هذا التقادم على أساس سقوط الحق برفع الدعوى وليس على أساس قرينة الوفاء. حيث يستطيع المدين أن يدفع، بعد مرور مدة الثلاث سنوات، دعوى الدائن بالتقادم.

    ولا تتحقق آثار التقادم بشكل تلقائي أو بحكم القانون ولا يستطيع القاضي أن يثيره من تلقاء نفسه بل لا بد للمدين أو لخلفه أن يتمسك به.

    ويمكن التمسك بالتقادم الثلاثي في مراحل الدعوى كافة ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، على أنه لا يجوز التمسك به، لأول مرة أمام محكمة النقض.

    وفي جميع الأحوال لا يستطيع المدين التمسك به، إذا تبين من ظروف الحال أنه تنازل عن حقه في التمسك بالتقادم. وإذا تمسك المدين بالتقادم ودفع دعوى الدائن به فإنه يبقى على عاتقه التزام طبيعي يمكن أن ينفذه بشكل إرادي.

    وبما أن سقوط حق المدين في رفع دعوى ناشئة عن عقد التأمين لا تقوم على أساس قرينة الوفاء، وإنما على أمور تستند إلى النظام العام، لذلك لا يمكن للدائن وبخاصة بالنسبة لشركة التأمين في ما يتعلق بدفع القسط، أن توجه اليمين إلى المدين ولا يتأثر هذا التقادم بإقرار المدين بدينه . 

    ويجب أن نشير إلى أنه لا يجوز التنازل عن التقادم قبل ثبوت الحق فيه، كما لا يجوز الاتفاق على أن يتم التقادم في مدة تختلف عن المدة التي عينها القانون، حتى ولو كان ذلك لمصلحة المؤمن، ذلك وفقا للقواعد العامة المتعلقة بالتقادم، سواء أكان ذلك الاتفاق يقضي بإطالة مدة التقادم أم تقصيره .

     

    وقف التقادم وانقطاعه

    لم يأت القانون المدني بقواعد خاصة بوقف التقادم أو انقطاعه في الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين، لذلك تطبق القواعد العامة المتعلقة بوقف التقادم وانقطاعه.

    أولاً- وقف التقادم

    نصت الفقرة الأولى من المادة 379 من القانون المدني في هذا الصدد على أنه:

    “1- لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبية، وكذلك لا يسري التقادم فيما بين الأصيل والنائب”.

    2- ولا يسري التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من لا تتوفر فيه الأهلية أو من حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جنائية، إذا لم يكن له نائب يمثله قانونا”.

    من خلال هذا النص نجد أنه يتوقف سريان التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه. ومثال ذلك يتوقف سريان التقادم حتى يعلم الدائن بالواقعة التي تولدت عنها الدعوى، وكذلك بالنسبة للحرب والقوة القاهرة فإنها تعد مانعة يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه فيقف التقادم. كذلك إذا طالبت شركة التأمين المؤمن بدفع القسط المستحق، فنازع المؤمن في صحة عقد التأمين، فأقامت شركة التأمين دعوى تطالب فيها بصحة العقد ودفع القسط المستحق، فإن هذه الدعوى تقف سريان التقادم بالنسبة للأقساط التالية لتوقف استحقاق هذه الأقساط على الحكم بالدعوى.

    كذلك يقف سريان دعوى المؤمن على شركة التأمين، في التأمين من المسؤولية، عندما تتولى شركة التأمين إدارة دعوى المسؤولية المرفوعة على المؤمن من المتضرر، فإنه يتعذر على المؤمن أن يرجع على الشركة أثناء توليها إدارة هذه الدعوى .

    ولما كانت مدة التقادم، بالنسبة للدعاوى الناشئة عن عقد التأمين، ثلاث سنوات فإنه طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 379 من القانون المدني لا يتوقف سريان التقادم لعدم توافر الأهلية.

    فالنص يقضي بوقف التقادم، إذا كانت مدته تزيد على خمس سنوات، لعدم توفر الأهلية. بشرط أن يكون للدائن الذي لم تتوافر فيه الأهلية نائب يمثله قانوناً.

    فإذا كان له نائب يمثله قانونا، أو كانت مدة التقادم لا تزيد على خمس سنوات سواء أكان للدائن نائب أم لم يكن، فإن التقادم لا يتوقف.

    ثانياً- انقطاع التقادم

    1- حالاته:

    ينقطع سريان التقادم بالنسبة للدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بأي من الأسباب التي ينقطع بها التقادم طبقا للقواعد العامة، فينقطع بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، وبالتنبيه، وبالحجز، وبالطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو في توزيع، وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه أثناء السير في إحدى الدعاوی (م 380 مدني).

    كما ينقطع التقادم إذا أقر المدين بحق الدائن إقرارة صريحة أو ضمنية (م 381 مدني)، كأن تقر شركة التأمين بحق المؤمن في التعويض بأن تقدم له دفعة على الحساب إلى أن تحسب مقدار مبلغ التأمين بأكمله .

    ويضاف إلى ذلك بعض الحالات الخاصة بعقد التأمين والتي تؤدي إلى انقطاع التقادم. منها تعيين وقوع خبير عقب وقوع الكارثة سواء أكان التعيين قضائية أم ودية، فإنه يؤدي إلى انقطاع التقادم، ولكن فقط في علاقة شركة التأمين بالمؤمن .

    ونشير إلى أن تعيين الخبير يقطع التقادم وليس إيداع تقريره.

    ويجب أن نلاحظ إلى أنه ينقطع التقادم على حق المتضرر تجاه شركة التأمين، في حالة التأمين الإلزامي للمركبات الآلية، بالمراجعة الإدارية إضافة إلى المطالبة القضائية وهذا ما نص قانون السير. ويقصد بالمراجعة الإدارية مراجعة شركة التأمين دون غيرها، إذ لا يعقل مثلا مراجعة العامل المتضرر من جراء استعمال مركبة مؤمنة لمجموعة الإدارة التي يعمل لديها، قاطعة التقادم الساري بحقه قبل شركة التأمين.

    ويجب أن تكون المراجعة الإدارية خطية ومسجلة في سجلات شركة التأمين وذات رقم وتاريخ محددين لإمكان إثباتها والاحتجاج بها.

    2- آثاره:

    إذا انقطع التقادم فإن مدة تقادم جديد وهي ثلاث سنوات تبدأ بالسريان اعتبارا من انتهاء الحادثة أو الحالة التي ترتب عليها انقطاع التقادم. وبالتالي لا تحسب المدة التي مضت من الفترة الأولى للتقادم، ذلك أن التقادم الثلاثي للدعاوى الناشئة عن عقد التأمين لا يقوم على قرينه الوفاء .

    فهو يستند إلى قواعد النظام العام.

     

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1