الوسم: استشارات مجانية قانونية

  • ماهي حالات تشديد عقوبة إساءة الائتمان؟

    جاء في المادة 658 من قانون العقوبات ما يلي:

     “1- تشدد وفقا لمنطوق المادة 247 العقوبات المنصوص عليه في المادتين 656 و 657 إذا ارتكب الجرم أحد الأشخاص المذكورين أدناه بالأموال المسلمة إليهم أو المناط أمرها بهم وهم:

    أ- مدير مؤسسة خيرية وكل شخص مسئول عن أموالها

     ب- وصي القاصر وفاقد الأهلية أو ممثله

     ج- منفذ الوصية أو عقد الزواج

    د- كل محام أو كاتب عدل أو وكيل أعمال مفوض

    هـ –  كل مستخدم أو خادم مأجور

     و- كل شخص مستناب من السلطة الإدارة أموال تخص الدولة أو الأفراد أو لحراستها

     2- ويمكن أن يمنع المجرم منعا باتاً عن ممارسة العمل الذي ارتكب بسببه الجرم”.

    من الواضح أن علة التشديد تتمثل في أن كلا من الصفات التي استلزمها المشرع لهذا التشديد ينطوي على قدر من الثقة لا يتوافر في المؤتمن على المال في مجال الجريمة العادية.

     ومن شأن هذه الثقة أن تسهل لصاحبها إساءة الائتمان، وأن تكشف تبعا لهذا عن شدة خطورته الإجرامية.

    ويشترط لتشديد العقوبة أن تقوم في الأصل جريمة إساءة الائتمان بأركانها التي سبق شرحها، ثم تتوافر بذات الوقت في مرتكبها إحدى الصفات الست التي أوردها المشرع على سبيل الحصر في النص.

    كما يشترط أن يكون التسليم المولد للمركز الائتماني قد تم استناداً إلى إحدى الصفات المذكورة. وتطبيقا لذلك، إذا كان المال قد سلم، مثلا، المحام بصفته الشخصية كصديق أو قريب وليس بصفته كمحام، فتصرف به، فالجريمة إساءة ائتمان بسيطة وليست مشددة.

    أما الصفات التي شدد العقاب في حال توفرها، فهي كما جاءت في النص:

    أ- مدير مؤسسة خيرية وكل شخص مسئول عن أموالها.

    والمؤسسات الخيرية هي التي لا تستهدف تحقيق الربح من نشاطاتها، أيا كان الغرض الخيري الذي تسعى لتحقيقه، سواء كان اجتماعي أو علمي أو ديني، والتشديد يطال في هذه الحالة مدير تلك المؤسسة وأي شخص أخر مسئول عن أموالها، كأمين الصندوق ومدير الحسابات، وبصفة عامة كل شخص مسئول عن تحصيل إيراداتها أو الاحتفاظ بها أو التصرف فيها وفقا للأغراض المحددة لها.

    ب- وصی القاصر وفاقد الأهلية أو ممثله.

     والتشديد يشمل هنا كل من ينوب عن فاقد الأهلية أو ناقصها أيا كان سبب فقدان الأهلية أو نقصه. کولي القاصر أو وصية والقيم على المجنون أو المعتوه، وأيا كان مصدر الإنابة، سواء كان القانون أو القضاء أو الإرادة.

    ج- منفذ الوصية أو عقد الزواج.

     هنا يتناول التشديد الشخص الذي يتسلم مالا من الموصي بمقتضی عقد الوصية ليسلمه إلى الموصى له بعد وفاة الموصي، فيستولي عليه.

     ويتناول أيضا الشخص الذي يعود إليه الإشراف على إرساء العلاقات المالية بين الزوجين في الإطار الذي يحدده عقد الزواج، أي المشرف على أن تكون في حيازة أحد الزوجين أو كليهما أموال معينة قد تكون مملوكة للزوج الأخر.

    فهذا الشخص تقتضي مهمته أن يحوز هذه الأموال ليسلمها إلى أحد الزوجين الذي ينبغي أن تكون في يده وفقا لشروط عقد الزواج، فهو يرتكب إساءة ائتمان إذا استولى عليها لنفسه.

    د- كل محام أو كاتب عدل أو وكيل أعمال مفوض .

     فهؤلاء إذا استلموا أموالا استنادا إلى صفاتهم هذه کي يسلموها لأصحاب الحق فيها أو ليستخدموها لمصلحة صاحب الحق، فيستولوا عليها لأنفسهم، يشدد العقاب عليهم.

    هـ – كل مستخدم أو خادم مأجور.

     لهذين التعبيرين ذات المدلول الذي سبق وشرحناه بالنسبة للسرقة.

     والجامع بينهما انقطاعهما لعمل لحساب شخص، طبيعي أو معنوي، وتقاضيهما أجرا لقاء ذلك العمل.

     أما الفارق بينهما فهو طبيعة عمل كل منهما، فهو ذهني بالنسبة للمستخدم، كأمين السر أو المحاسب، ومادي بالنسبة للخادم يتمثل بانقطاع شخص للقيام بالأعمال المادية التي يحتاج إليها شخص أخر في حياته اليومية، سواء كان ملحقا ببيته، كالخادمة والبواب، أم بشخصه كالسائق. وتقوم جريمة إساءة الائتمان المشددة بحق المستخدم أو الخادم إذا تسلم أي منهما بمقتضى صفته هذه مالاً منقولاً من مخدومه على سبيل الأمانة، فيستولي عليه لنفسه.

    و – كل شخص مستناب من السلطة لإدارة أموال تخص الدولة أو الأفراد أو لحراستها.

    هذا الظرف المشدد يشمل أي شخص تكلفه السلطة أو تعهد إليه بإدارة أموالها المنقولة أو أموال الأفراد المنقولة أو لحراسة أي من هذه الأموال .

    والفرض هنا أن الأموال تسلم لأحد الأشخاص لإدارتها كوكيل أو لحراستها كوديع، أي على سبيل الحيازة الناقصة، فيستولي عليها لنفسه.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أنه كي يتوفر هذا الظرف يشترط أن لا يكون الشخص موظفاً عاماً ولا مكلفا بخدمة عامة يتسلم مالا بحكم وظيفته، أي أن تسلمه للمال هو أحد الاختصاصات التي ترتبط بوظيفته، فهنا يصبح استيلاء هذا الشخص على الأموال مشکلا لجريمة الاختلاس وليس جريمة إساءة الائتمان.

     إذن يجب توافر هذا الظرف أن يكون الشخص الذي كلفته الدولة بإدارة أو بحراسة الأموال فردا عادياً أو موظفاً عاما ليس من اختصاصه إدارة أموال الدولة أو الأفراد أو حراستها، ولكن كلف بذلك على وجه رسمي.

     والمثال على هذه الحالة أن تسلم الدولة إلى مقاول مواد أولية ليستعين بها في تنفيذ مشروع لحسابها فيستولي عليها، أو أن تعود إلى أحد الأشخاص بتحصيل أموال بعض المواطنين السوريين المستحقة من قبل دولة أجنبية فيحصلها ويستولي عليها لنفسه.

    – أما عقوبة إساءة الائتمان المشددة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص فلقد أحال المشرع إلى المادة 247 من قانون العقوبات مقدار التشديد الذي ترتفع إليه العقوبات المنصوص عليها في المادتين 656 و 657.

    وهذا يعني أن تزاد عقوبة الحبس من الثلث إلى النصف وأن تضاعف الغرامة.

     أي يزاد على الحد الأدنى للعقوبة ثلثه وعلى الحد الأعلى نصفه.

    فعقوبة المادة 656 و هي من شهرين إلى سنتين تصبح بعد التشديد من شهرين وعشرين يوماً حتى الثلاث سنوات مع مضاعفة الغرامة.

    أما عقوبة المادة 657 و هي الحبس حتى سنة فتصبح بعد التشديد الحبس حتى سنة ونصف وتضاعف الغرامة.

    بالإضافة إلى ذلك فإنه يجوز أن يمنع المدعى عليه منعا باتا من ممارسة العمل الذي ارتكب بسببه أو بمناسبته الجرم.

  • الاحتيال عن طريق  استعمال اسم مستعار أو صفة كاذبة مع أمثلة

    هذه الوسيلة الخامسة والأخيرة من وسائل الاحتيال التي عددتها المادة 641.

     ولا يشترط المشرع لتوافرها سوى استخدام المحتال لاسم مستعار أو لصفة كاذية.

     أي أن الكذب بالاسم أو الصفة الذي يؤدي إلى حمل الغير على تسليم المال يعتبر كافيا لقيام هذه الوسيلة دون اشتراط تدعيم هذا الكذب بمظاهر خارجية .

     إلا أنه يشترط لتحقق الاحتيال بهذه الوسيلة أن لا يكون الادعاء واضح الكذب بحيث يتبين حقيقته الشخص العادي. فإذا ادعى شخص أنه تاجر كبير وطلب مالا من شخص ليستثمره له، وكان ملبسه ومظهره لا يتفقان بحال مع صفة التاجر، فإن فعل هذا الشخص لا يعتبر احتيالاً حتى ولو استطاع الحصول على مال من هذا الشخص.

     كما يشترط أيضاً أن يأتي الشخص فعلا إيجابياً بأن ينتحل الاسم أو الصفة الكاذبة، أما إذا ترك المجني يعتقد خطأ في صفة ليست له، أو كانت له وزالت عنه، وتمكن بذلك من الحصول على مال الغير فإن جريمة الاحتيال لا تقوم في حقه، ويبقى الخلاف بينه وبين المجني عليه عند قبض المال و عدم إنجاز ما وعد به أو تلكأ في إنجازه مدني الصفة لا عنصر جزائي فيه”.

    1- الاسم المستعار

    الاسم المستعار هو كل اسم غير الاسم الحقيقي للفاعل.

    وسواء كان ذلك الاسم الشخص حقيقي أو لشخص خيالي لا وجود له، وسواء كان الاسم كله كاذبة أو بعضه فقط، وسواء لقي التحريف الاسم الأول أو الثاني أو اللقب.

     فيعتبر مرتكباً للاحتيال بهذه الوسيلة من ينتحل اسم عائلة أو لقبها.

     إلا أن اسم الشهرة لا يعتبر من الأسماء المستعارة ولو اختلف إلى حد كبير عن الإسم الحقيقي للشخص، لأن اسم الشهرة هو اسم يثبت لصاحبه با لاستعمال، فهو إذن اسم غير مستعار.

     ولا ترتكب جريمة الاحتيال كذلك بهذه الوسيلة في حالة تشابه أو تطابق اسم المدعى عليه مع اسم شخصية معروفة، فانتحل هذه الشخصية وترتب على ذلك تسليمه مالا بناء على ذلك الاسم.

     فالفاعل هنا لم يستعمل اسماً مستعاراً، بل استعمل اسمه الحقيقي. إلا أن الفاعل هنا يسأل عن جريمة الاحتيال باستعمال الدسائس لأنه انتحل شخصية الغير ودعم كذبه بسظهر خارجي هو تطابق أو تشابه الأسماء.

    2- الصفة الكاذبة

    يراد بالصفة المركز الذي يشغله شخص بين الناس بمقتضى وظيفته أو مولده أو حرفته.

    ويتمثل استعمال الصفة الكاذبة بانتحال لقب أو وظيفة أو مهنة أو رتبة أو قرابة، أو أية صفة توحي بالثقة دون مطالبة مدعيها تقديم دليل يثبت صحتها .

     أما الصفات التي تتطلب تقديم ما يثبت تمتع الشخص بالصفة التي يدعيها فإن مجرد الادعاء الكاذب يحمل تلك الصفة لا تتحقق به وسيلة استعمال صفة كاذبة، ولا تقوم معه بالتالي جريمة الاحتيال.

    ولما كانت الصفات التي اعتاد الناس على عدم تطلب دليل يثبت صحتها عديدة لا تقبل الحصر، فنذكر منها صفة الطبيب والمحامي والمهندس والضابط والموظف والتاجر .

     فمن يدعي كذبة إحدى هذه الصفات وأمثالها ويحمل الغير على تسليمه مالاً يرتكب جريمة الاحتيال.

     أما الصفات التي تتطلب تقديم ما يثبت صحتها، فمثالها صفة الدائن والمالك وبلوغ سن الرشد. فمن يدعي كذباً أنه دائن ويطلب الوفاء بما يدعي من دين، أو يدعي أنه مالك لما يحوزه الغير وهو ليس كذلك، ويطلب تسليمه إليه، أو يدعي أنه راشد في حين أنه قاصر ليحمل الغير على التعاقد معه أو على إجراء تصرف قانوني يسلمه بموجبه ما، ففي هذه الفرضيات لا يرتكب مدعي الصفة جريمة الاحتيال إذا اعتقد الغير في ادعائه وسلمه ما، لأنه كان يجب على من سله المال أن يطالبه بتقديم الدليل الذي يثبت حمله لإحدى هذه الصفات.

    فهذه الصفات هي من النوع التي اعتاد الناس على تطلب دليل يثبت صحتها، فإذا قصر الشخص في ذلك فيكون قد قصر في حق نفسه.

    بيد أن هذه الادعاءات قد تندرج ضمن وسيلة استعمال الدسائس إذا أيدها الشخص بمظاهر خارجية.

    كما لو وضع القاصر لحية وشاربأ مستعاراً ليبدو أكبر سناً ويستطيع بذلك حمل الغير على تسليمه مالاً.

     أو أبرز مدعي صفة الدائن سندا مزورة مطالبة باستيفائه.

     أو أبرز المالك سنداً مزورة يثبت ملكيته للشيء الذي يطالب بتسليمه له.

     وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن الصفة تكون كاذبة إذا كانت غير ثابتة للشخص وقت ادعائها، سواء لأنها لم تثبت له أصلا، أو لم تثبت له بعد، أو كانت ثابتة له ثم زالت عنه.

  • السرقة التي يقوم بها العسكري

    ورد ظرف تشدید عقاب سرقة العسكري من مضيفه في الفقرة الأخيرة (د) من المادة 628 بقولها أن يكون السارق عسكرياً أو شبيهه و يسرق من أنزله عنده”.

    ولهذا الظرف المشدد أصل تاريخي حين كان العرف القديم جارياً بنزول العسكريين ضيوفاً لدى سكان المناطق التي يمرون بها أو يعسكرون فيها، فيلتزم المضيف بتقديم المأوى والمأكل والمشرب لضيوفه العسكريين.

    ومن الطبيعي تشدید عقاب العسكري الذي يخل بثقة المضيف فيقدم على سرقته.

     وبرأينا أن هذا الظرف لم يعد له ما يبرر وجوده في القانون نظرا لزوال العرف الذي كان يجري به.

     وهذا ما يتطلب تدخلا تشريعية بإلغاء الفقرة الأخيرة من المادة 628.

     بيد أن استمرار وجود هذا النص يدفعنا إلى تحليله.

    فلتوافر ظرف التشديد الوارد به يتطلب القانون توفر شرطين: صفة في السارق وصفة في المجني عليه.

    فالسارق يجب أن يكون أحد أفراد القوات المسلحة، برية أم بحرية أم جوية، أيا كان رتبته.

    أما كلمة “شبيهه” الواردة في النص فتعني الأشخاص غير العسكريين الملحقين بخدمة الجيش، كالأطباء والمهندسين والإداريين التابعين له.

    أما صفة المجني عليه، فهو الشخص الذي استضاف العسكري في منزله، أيا كانت صفته، عسكرياً كان أو مدنياً.

    ظرف التشديد يتوفر بمجرد استضافة هذا الشخص لأحد أفراد القوات المسلحة، أو شبيهه، في منزله، فيقدم العسكري على السرقة من منزل مضيفه.

  • ماهي عقوبة جريمة الحمل أو المساعدة على الانتحار وما أركانها؟

    الحمل أو المساعدة على الانتحار

    لم يعتبر المشرع الحديث، على خلاف التشريعات الجزائية القديمة، الانتحار جرماً معاقباً عليه.

     فالنظرة القانونية الحديثة تعتبر أن حياة الإنسان حق من حقوقه الشخصية، له التصرف فيها دون أن يحاسبه أحد.

     وإذا كان المشرع الحديث لا يعاقب الإنسان على قتل نفسه أو إيذائه إياها، فإن موقفه يختلف تجاه الشخص الذي يحمل الغير أو يساعده على قتل نفسه.

    بعض التشريعات، كالمصري، لا يعاقب هذا الشخص باعتبار أن الانتحار هو فعل مباح، فالتحريض والمساعدة على فعل مباح يعتبر مباحأ أيضاً  بعض التشريعات الأخري  تعتبر أفعال الحمل و المساعدة على الانتحار أفعالاً غير مشروعة، بالرغم من اعتبارها مباح، كان لا بد للمشرع من إيجاد نص خاص وصريح بالمعاقبة عليها.

    وهذا ما أخذ به المشرع السوري بنص المادة 539 من قانون العقوبات، كما يلي:

    “1- من حمل إنسانا بأي وسيلة كانت على الانتحار أو ساعده بطريقة من الطرق المذكورة في المادة 218 – الفقرات أ- ب – د – على قتل نفسه، عوقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر إذا تم الانتحار.

     2- وعوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين في حالة الشروع في الانتحار إذا نجم عنه إيذاء أو عجز دائم.

     3- وإذا كان الشخص المحمول أو المساعد على الانتحار حدثا دون الخامسة عشرة من عمره أو معتوها طبقت عقوبات التحريض على القتل أو التدخل فيه”.

     

    من استقراء هذا النص يمكننا استخلاص النتائج التالية:

    1- أن المشرع السوري لا يجرم الانتحار بحد ذاته، ولكنه يجرم الحمل أو المساعدة عليه.

     2- أن المشرع لا يعاقب على الحمل أو المساعدة على الانتحار إلا إذا حصلت النتيجة الجرمية الضارة، وهي وفاة المنتحر أو عجزه الدائم أو إيذاءه.

     أما إذا تم فعل الحمل أو المساعدة، وأقدم المنتحر فعلا على الانتحار، إلا أن مساعيه لم تفلح، فلم يمت، ولم يصب بعجز أو إيذاء، كأن يخطى في التنفيذ أو يتدخل شخص آخر فينقذه، فلا مجال الملاحقة من حمله أو ساعده على ذلك.

     3- لا عقاب على الشروع في الحمل أو المساعدة على الانتحار.

    لأنه لا بد للعقاب من تحقق النتيجة التي استوجبها المشرع، أي الوفاة أو العجز أو الإيذاء.

     4- يستبعد تطبيق أحكام المادة 539 إذا وقع الحمل على الانتحار أو المساعدة عليه على حدث دون الخامسة عشرة من عمره أو على معتوه.

    فالشخص الذي يقوم بهذه الأفعال في هذه الحالة يعتبر فاعلا معنويا لجريمة القتل، ويطبق عليه أحكام التحريض على القتل أو التدخل فيه، ويستبعد تطبيق المادة 539.

    أركان الجريمة

    لهذه الجريمة ركنين مادي و معنوي.

    أولا- الركن المادي :

    لابد أن يتوفر في الركن المادي لهذه الجريمة أربعة عناصر:

     – النشاط الجرمي الذي يتمثل في صورة الحمل على الانتحار أو صورة المساعدة عليه.

     – النتيجة الجرمية المتمثلة في الانتحار الفعلي أو حدوث إيذاء أو عجز دائم.

     – الرابطة السببية بين النشاط و النتيجة.

    – أن يكون المجني عليه أهلا للمسئولية الجزائية.

    1– النشاط الجرمي:

     ويتجلی كما أسلفنا بصورة الحمل على الانتحار، وصورة المساعدة عليه.

    الصورة الأولى – الحمل على الانتحار .

    إن الحمل على الانتحار يعني خلق فكرة قتل النفس لدى الشخص وحمله على تنفيذها.

    وحمل شخص بأي وسيلة، مادية كانت أم معنوية، على قتل نفسه، يعني وفق المدلول اللغوي تحريضه على الانتحار.

    إلا أن المشرع لم يستخدم عبارة التحريض، لأن هذه العبارة لا تطلق، حسب المادة 216 من قانون العقوبات إلا على من حمل أو حاول أن يحمل شخص أخر بأي وسيلة كانت على ارتكاب جريمة”.

    وباعتبار أن المشرع السوري لم يعتبر الانتحار بحد ذاته جريمة، لذلك فإن المدلول القانوني لكلمة تحريض لا ينطبق هذا على الفعل المذكور.

     إضافة إلى أن الأحكام العامة للتحريض، الواردة في المادة 217، تقضي بعقاب المحرض سواء أفضى التحريض إلى نتيجة أم لم يفض.

     بخلاف الجرم الوارد في المادة 539، حيث أن حصول النتيجة الجرمية شرط لازم للعقاب فيه. فمن يحمل إنسانا أو يساعده على الانتحار لا يعاقب إلا إذا تم الانتحار أو شرع به على الأقل.

    ولا بد أن يكون فعل الحمل هو السبب في وقوع الانتحار أو الشروع فيه، أي لا بد أن تتوافر الرابطة السببية بين الانتحار والحمل عليه، أي ثبوت أنه لولا الحمل لما أقدم المجني عليه على قتل نفسه أو على الشروع فيه على الأقل.

     فلو حاول زيد أن يحمل بكرة، بأي وسيلة، على الانتحار، إلا أن ذلك لم يفض إلى نتيجة، وبعد مدة أقدم بكر على قتل نفسه لسبب أخر، فهنا تنتفي الرابطة السببية بين الانتحار وبين فعل زيد، ولم يعد هناك مجال للتجريم والعقاب.

    الصورة الثانية – المساعدة على الانتحار.

    في هذه الصورة من صور الركن المادي للجريمة لا يقوم الفاعل بخلق فكرة الانتحار لدى الشخص، وإنما تكون هذه الفكرة موجودة لدى الشخص، بيد أنه يتردد في تنفيذها، فيقوم الجاني بمساعدته على ذلك.

     وهذه المساعدة لا يعاقب عليها الفاعل إلا إذا تمثلت بإحدى الحالات الثلاث التي نصت عليها الفقرات (أ – ب – د) (9) من المادة 218 من قانون العقوبات المتعلقة بالتدخل الجرمي، وهذه الحالات الثلاث هي:

    أ- إعطاء الإرشادات :

    ومثالها إرشاد المنتحر إلى طريقة سهلة وسريعة في قتل النفس، لا ينتج عنها ألما، باستخدام سلاح ناري كوسيلة أفضل و أسرع في إزهاق الروح من استخدام السم، أو من القفز من مكان شاهق، الذي قد يسبب آلام شديدة قبل حصول الوفاة.

     ب- تشديد العزيمة:

    هذه الحالة تفترض أن المنتحر قد اتخذ قراره بقتل نفسه، إلا أنه متردد، خائف، ومتهيب منه، فيكون دور الفاعل عندئذ تقوية عزيمته وتشجيعه على الإقدام على ذلك.

     كأن يسود الحياة في مخيلة تاجر مفلس مهدد بالسجن، ويقنعه بصعوبة خروجه من مأزقه، وتعهده بإعالة عائلته، فيقوي أعصابه ويحرره من رهبة الموت.

     د- المساعدة الفعلية:

    على خلاف الحالتين السابقتين حيث تكون المساعدة فيهما معنوية، ومقتصرة على المرحلة التي تسبق الانتحار.

    فهذه الحالة تتمثل بالمساعدة المادية التي يقدمها الفاعل عند البدء بمرحلة الإعداد للانتحار أو أثناء مرحلته التنفيذية.

    فهنا يقوم الفاعل بمساعدة المنتحر على الأفعال التي هيأت الانتحار أو سهلت أو أتمت ارتكابه.

    كإعطاء المنتحر الأداة التي سيقتل نفسه بها، أو إقفال المكان الذي سيقوم المجني عليه بقتل نفسه فيه كي لا تصل إليه النجدة إلا بعد فوات الأوان، أو إحداث جلبة وضوضاء في المكان كي لا ينتبه أحد إلى المنتحر أثناء قتل نفسه.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا بد في أفعال المساعدة هذه أن تبقى ذات طابع سلبي.

     أما إذا تحولت إلى أفعال ذات طابع ايجابي، فيختلف الوصف القانوني للجريمة من مساعدة على الانتحار إلى قتل مقصود.

    ومثالها أن يجبن المجني عليه عن قتل نفسه فيطلب من الفاعل المساعدة، فيقوم بقتله، بإطلاق النار عليه، أو خنقه، أو فتح ماسورة الغاز، أو دفعه من مكان مرتفع.

     فهذا نرى أن الفاعل قد تعدى دور المساعدة إلى دور التنفيذ المباشر.

    2- النتيجة الجرمية:

     يجب أن يؤدي ارتكاب إحدى صورتي الركن المادي إلى حدوث الوفاة فعلا، أو إلى حدوث إيذاء أو عجز دائم .وفي حال لم تتحقق مثل هذه النتيجة فلا عقاب .

    فحدوث النتيجة الجرمية الضارة التي أرادها الفاعل من وراء صورة الحمل أو صورة المساعدة، شرط أساسي من شروط المعاقبة وتطبيق أحكام المادة 539.

    فيفرض قيام شخص بحمل شخص أخر على قتل نفسه، وقدم له الوسيلة لذلك بعد إقناعه بها، إلا أن هذا الشخص تراجع عن تنفيذ الانتحار، بعد اقتناعه به، أو أنه أقدم فعلاً على الانتحار وتناول سماً لذلك، إلا أن الكمية كانت غير كافية إطلاقاً لإحداث الوفاة، أو حتى لتصيبه بعجز أو لتسبب له أذى، فلا عقاب في مثل هذه الحالات على الحمل أو المساعدة، وذلك لعدم تحقق النتيجة التي تطلبها النص القانوني صراحة.

    و تأكيداً لاعتبار المشرع حصول النتيجة الجرمية كشرط أساسي للعقاب، جعله من جسامة هذه النتيجة معيارا لتقدير العقوبة، دون الالتفات بذلك إلى خطورة الفعل الذاتية.

     فعند حصول الوفاة فعلا نتيجة الحمل أو المساعدة، تكون العقوبة جنائية الوصف تتراوح بين الثلاث والعشر سنوات اعتقال.

     أما إذا لم تحصل الوفاة، ونتج فقط عن الحمل أو المساعدة إيذاء أو عجز دائم، تكون العقوبة جنحية الوصف تتراوح بين الثلاثة أشهر والسنتين حبس.

    3- العلاقة السببية:

    لابد أن ترتبط النتيجة الجرمية الضارة بنشاط الفاعل ارتباط السيب بالمسبب.

    أي أن يكون الانتحار التام، أو الإيذاء أو العجز الدائم، ناتجة مباشرة عن فعل الحمل أو المساعدة، بحيث انه لولا قيام الفاعل بهذا النشاط لما قتل الشخص نفسه، أو شرع به على الأقل.

    4- أن لا يكون المجني عليه عديم المسؤولية:

     إن أهلية المنتحر هنا تعتبر عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة، أو شرطاً مسبقاً، وليست ركن من أركانها.

     باعتبار أن غياب أحد أركان الجريمة ينفي الجريمة أصلاً، أما وجوب توفر العنصر أو الشرط المسبق يفيد قيام الجريمة وفق النموذج القانوني المطلوب، وفي حال غيابه، ينتفي قيام الجرم وفق هذا النموذج.

    فلقيام النموذج القانوني لجريمة الحمل أو المساعدة على الانتحار لا بد أن يكون المجني عليه أهلاً للمسئولية الجزائية، وفي حال انتفاء مسئوليته، يستبعد تطبيق المادة 539، أي ينتفي النموذج القانوني المطلوب هنا ويصبح الفعل معاقبة عليه وفق نموذج أخر، هو القتل البسيط أو المشدد، باعتبار أن من حمل أو ساعد وفق هذا النموذج أصبح فاعلا معنويا للجريمة.

    وقد أشارت الفقرة 3 من المادة 539 إلى هذه الحالة بصراحة، بقولها “إذا كان الشخص

    المحمول أو المساعد على الانتحار حدثا دون الخامسة عشرة من عمره أو معتوها طبقت عقوبات التحريض على القتل أو التدخل فيه”.

    بالرغم من أن هذا النص يعتريه اللبس والغموض في صياغته، سواء فيما يتعلق بعبارة ” دون الخامسة عشرة ” أو عبارة “معتوها”، ولم تكن إرادة المشرع فيه واضحة، يمكننا القول أن هذا النص يشمل الأشخاص العديمي الأهلية كالمجانين و المعاتيه، إلى جانب الأحداث الذين لم يتموا الخامسة عشرة من أعمارهم، وهذا المعنى هو الأقرب إلى الصواب والى إرادة المشرع الحقيقية.

    بذلك نستطيع أن نستخلص أنه لابد لتطبيق المادة 539 أن يقع الحمل أو المساعدة على الانتحار على شخص أتم الخامسة عشرة من عمره، وكان أهلاً للمسئولية الجزائية.

    أما إذا كان هذا الشخص لم يتم الخامسة عشرة من عمره، أو أتمها إلا أنه كان مجنوناً أو معتوها، فيستبعد تطبيق نص المادة 539، ويطبق بحق الفاعل أحكام التحريض على القتل والتدخل فيه، ويصبح من حمل أو ساعد على الانتحار، محرضاً أو متدخلا في القتل، أو فاعلاً أصلياً لجرم القتل المقصود، ويعاقب كذلك حتى ولو لم يفض التحريض أو التدخل إلى نتيجة، تبعا لنظرية الفاعل المعنوي، باعتبار أن من يحرض شخصا غير أهل للمسئولية على ارتكاب جريمة يصبح فاعلا معنويا لهذا الجرم وليس محرضا عليه.

    ثانياً – الركن المعنوي

    لا بد لقيام هذه الجريمة من توفر القصد الجرمي العام لدى من حمل أو ساعد على الانتحار. أي أن يأتي فعله عن علم وإرادة. فيجب أن ينصب علمه وإدراكه على أنه يحمل شخصاً على الانتحار أو يساعده على ذلك، وأن تتجه إرادته إلى النتيجة الجرمية الضارة، أي الانتحار. فلو أعطی زید سماً لبكر ليضعه في طعام أو شراب عمر، إلا أن بكر تناوله ومات، لا يطبق على زيد الجرم الوارد في المادة 539، الحمل أو المساعدة على الانتحار، بل يطبق عليه أحكام التحريض أو التدخل في جرم القتل.

    وجريمة الحمل أو المساعدة على الانتحار لا يمكن أن تقع غير مقصودة، استنادا للخطأ، كما لو أهمل الفاعل أو لم يتخذ الحيطة أو الحذر فترك سلاحه في مكان ظاهر فتلقفه احدهم وانتحر به.

    ولا عبرة بالباعث الذي حدا بالفاعل إلى حمل شخص أو مساعدته على قتل نفسه في قيام القصد الجرمي. فالركن المعنوي يعتبر قائما عندما يتوفر القصد الجرمي بصرف النظر عن الباعث أو الدافع الذي يعتد به فقط في تقدير العقوبة، بتشديدها إذا كان دنيئاً أو سافلاً: كما لو ساعده على الانتحار طمعاً في ماله، وبتخفيفها إذا كان شريفاً: كما الو ساعده على الانتحار معتقدا بأن وفاته ستحقق فائدة كبيرة للبشرية أو لفئة محددة من الناس.

    – عند توفر أركان الجريمة، بالشكل السالف تفصيله، يعاقب الفاعل استنادا إلى خطورة النتيجة الجرمية الحاصلة.

    فإذا أدى نشاط الفاعل إلى وفاة المنتحر عوقب الفاعل بالاعتقال من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.

    أما إذا أدى نشاط الفاعل إلى عجز دائم أو إيذاء فقط، يعاقب الفاعل بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين. ولا ننسى أن حصول هذه النتيجة الجرمية شرط أساسي للعقاب، ففي حال انتقائها ينتفي العقاب، بالرغم من قيام الفاعل بالنشاط الجرمي من حمل أو مساعدة على الانتحار.

    وفي حال انصب الحمل أو المساعدة على حدث لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو على مجنون أو معتوه، فيستبعد تطبيق أحكام المادة 539، ويعاقب الشخص كفاعل معنوي لجريمة القتل سواء أدي حمله أو مساعدته إلى نتيجة أم لا.

  • جريمة قتل الأصل أو الفرع في القانون السوري

    قتل الأصل أو الفرع

    أطلقت بعض التشريعات العربية ظرف التشديد المستند إلى صلة القربي ليشمل إضافة للقرابة المباشرة بين الأصول والفروع، قرابة الحواشي والنسب، فشددت القتل الواقع على الأخوة والأخوات، والقتل الواقع على الزوج أو الزوجة .

    في حين أن تشريعات أخرى قصرت ظرف التشديد هذا على الجرم الواقع على الأصول دون الفروع .

     أما قانون العقوبات السوري فلقد اتخذ موقفاً وسط مشدداً عقاب القتل إلى الإعدام، في الفقرة الثالثة من المادة 435، إذا ارتكب على أحد أصول المجرم أو فروعه”.

     فهو، من جهة، قصر ظرف التشديد على القرابة المباشرة بين القاتل والمقتول، دون أن يشمل علاقة الزوجية والأخوة والأخوات.

     ومن جهة أخرى لم يقصر ظرف التشديد على القتل الواقع على الأصل دون الفرع، بل جاء النص شاملاً جميع الأصول وإن علوا، الأب والأم والجد والجدة وأبو أو أم الجد أو الجدة. وجميع الفروع ، الأبناء والأحفاد مهما نزلوا، ذكورا كانوا أو إناث.

    ولا ريب أن تشديد المشرع عقاب قاتل أصله أو فرعه إلى الإعدام مرده إلى صلة القربي التي تفترض أقوى الأواصر وأقدس القيم الإنسانية، بحنان الأصل على الفرع، وبر الفرع للأصل.

     ولا بد لتوفر هذا الظرف المشدد أن يكون هناك اعتداء مقصود منه إزهاق روح إنسان حي، سواء أفضى هذا الاعتداء إلى نتيجة أم بقي في حيز الشروع.

    وأن يكون هناك صلة القربی المحددة بالنص، وهي القرابة المباشرة، فلا يجوز القياس أو التوسع في التفسير ليشمل التشديد الأخ أو الأخت أو العم أو الخال، أو الأزواج فيما بينهم. وأن يتوفر أخيراً القصد الجرمي، الذي يجب أن يكون “مزدوجاً أو مضاعفاً “.

     فيجب أن يتوفر لدى الفاعل القصد الجرمي العام المطلوب توافره أصلاً لجرم القتل البسيط، وهو نية إزهاق روح إنسان حي، إضافة لوجوب اتجاه هذا القصد إلى الأصل أو الفرع.

    ويبني على ذلك مجموعة من النتائج:

     1- إذا حصلت الوفاة نتيجة الاعتداء الفاعل، بالرغم من انتفاء القصد العام، أي نية إزهاق الروح، فالجرم لا يعدو أن يكون سوى قتلا خطأ، أو إيذاء مفضي إلى الموت.

    وفي الحالتين تنتفي إمكانية تشديد العقاب، إذا كان الميت احد أصول الفاعل أو فروعه.

    2- إن أسباب التبرير وموانع العقاب تسري على جميع الجرائم، بما فيها القتل الواقع على الأصل أو الفرع.

     وعلى ذلك فلا تشديد ولا عقاب على من يقدم على قتل أصله أو فرعه دفاعاً عن النفس أو إنفاذاً لنص قانوني أو في حالة جنون أو قوة قاهرة.

     3- ينتفي هذا الظرف المشدد عند وقوع غلط في الشخصية.

    فلو أن أحدهم أطلق النار على شخص قاصدا قتله، معتقدا أنه خصمه، فإذا به يفاجأ أنه قتل أصله أو فرعه.

    فهنا توفر لدى هذا القاتل القصد الجرمي العام المتمثل بنية إزهاق روح إنسان حي، وانتفى لديه القصد المضاعف أو المزدوج، فهو لم يكن يريد أن يزهق روح أصله أو فرعه.

     4- كما ينتفي هذا الظرف المشدد عند وقوع غلط في الشخص أو خطأ في التصويب.

     فلو أراد الفاعل قتل خصمه فأخطأه فأصاب ابنه أو أبيه الذي كان واقفاً أو مارة بجانب خصمه.

     فلا تشديد أيضاً لانتقاء القصد المزدوج أو المضاعف.

    بالمقابل يتوفر هذا الظرف إذا توفر القصد المزدوج، في حالة اتجاه قصد الفاعل إلى إزهاق روح أصله أو فرعه، فأطلق عليه النار فأصاب شخصا أخر ومات نتيجة لذلك.

    لأن الجريمة التي تقع على غير الشخص المقصود بها يعاقب فاعلها كما لو كان اقترف الفعل بحق من كان يقصد .

     ويرى بعض الفقه، الذي نؤيده، أن نص المادة 205لا يجب أن يطبق في هذه الحالة بحرفيته، وإنما يجب تطبيقه الضمن إطار المبادئ العامة التي عالجت أحكام الغلط المادي وأثره في المسئولية الجزائية .

    لاسيما وأن المادة 223 من قانون العقوبات في فقرتها الثانية قضت بأنه

     “إذا وقع الغلط على أحد الظروف المشددة فإن المجرم لا يكون مسئولا عن هذا الظرف، و هو بعكس ذلك يستفيد من العذر الذي جهل وجوده”.

    يستخلص من ذلك أن الفاعل الذي قصد قتل أباه أو ابنه فأصاب شخص أخر وقتله، إنما يعاقب بالعقوبة المقررة للقتل المقصود، ولا سبيل للأخذ بالظرف المشدد المستند إلى صلة القربي.

    ويرى بعض الفقه أن الفاعل يلاحق في هذه الحالة عن قتل تام غير مشدد بالنسبة للضحية، و عن شروع في قتل مشدد بالنسبة لأصله أو فرعه.

     وهذا يشكل اجتماعاً معنوياً الجرائم، تطبق فيه عقوبة الجرم الأشد، و هي عقوبة القتل التام .

    والمسألة الأخيرة التي تثار في هذا الصدد تتعلق بتعدد المساهمين في جريمة قتل الأصل أو الفرع.

    فهل يشمل ظرف التشديد جميع المساهمين أم يقتصر فقط على الشخص الذي يتوافر فيه؟

     إن المادة 215 من قانون العقوبات قد وضعت حلاً عاماً لهذه المسألة.

     بمقتضاه إن الظروف المادية التي من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها أو الإعفاء منها تسري على جميع الشركاء في الجريمة والمتدخلين فيها.

    كما تسري عليهم أيضاً الظروف المشددة الشخصية والمزدوجة التي سهلت اقتراف الجريمة. وما عدا ذلك من الظروف فلا تطال إلا الشخص الذي تتعلق به.

     ولا ريب أن صلة القربي هي ظرف مشدد شخصي يقتصر مفعوله على الشخص الذي تتوافر فيه صلة القربي هذه دون غيره من الشركاء والمتدخلين، بشرط أن لا تكون هذه القرابة هي التي سهلت اقتراف الجريمة، فإن العقوبة المشددة تطال الجميع عندئذ.

  • القتل العمد في القانون السوري

    التشديد تبعاً لقصد الجاني (العمد la prénnéditation)

    إن التشديد المبني على العمد يستند على القصد المصمم عليه، أو النية المبينة لدى الفاعل. فالقاتل الذي يقدم على فعله قصداً بتصميم مسبق، أي بنية مبيتة، لهو أخطر من القائل الذي يقدم على فعله دون تصمیم مسبق، أي بنية آنية، وهي النية التي توجد لدي الفاعل وقت ارتكاب الجريمة.

     كما يحدث في جرائم المشاجرات أو الجرائم التي تحدث فجأة بغير تدبیر سابق، فيرتكبها الأشخاص تحت تأثير الانفعال والغضب. فخطورة القاتل الإجرامية تظهر بشكل واضح عندما يعد لتنفيذ جريمته بهدوء وروية وتصميم، واعيا لكل آثارها و عواقبها ومع ذلك يقدم على ارتكابها.

    والملاحظ أن المشرع السوري لم يعرف معنى العمد، الذي يطلق عليه في تشريعات أخرى عبارة سبق الإصرار.

     ويمكننا تعريف العمد بأنه

     (التروي والتدبر والتفكير الهادئ بالجريمة قبل الإقدام عليها وانتهاء ذلك بالتصميم على ارتكابها).

     أما الاجتهاد القضائي، فنستطيع تلمس تحديده لمعنى العمد من خلال بعض الأحكام الصادرة عنه.

    فلقد اعتبرت محكمة النقض السورية بأن العمد في جريمة القتل يستلزم حتماً أن يكون الجاني قد أتم تفكيره وعزمه في هدوء يسمح بترديد الفكر بين الإقدام والإحجام وترجيح أحدهما على الآخر، وأن يكون للجاني من الفرصة ما يسمح له بالتروي والتفكير المطمئن فيما هو مقدم عليه، وان يكون قد رتب ما عزم عليه وهيأ وسائله وهو هادئ البال .

     واعتبرت أيضا أن ” العمد “لا يتم إلا بعد أن يفكر المجرم فيما عزم عليه ويتدبر عواقبه ويصمم على ارتكابه ويهيئ أسبابه، بعد أن يكون لديه متسع من الوقت يكفي لإزالة حالة التوتر والانفعال، ثم يقدم عليه هادئ النفس مطمئن البال، فإذا لم يتيسر له التدبير والتفكير وارتكب الجرم تحت تأثير الغضب والهياج فلا يكون العمد متوفرة .

    نستخلص من ذلك أن العبرة في وجود العمد هو هدوء البال، بعد زوال الغضب، والتروي في ما للجريمة وما عليها، ثم تنفيذها بعد التصميم عليها.

     وهذا يفترض مضي فترة من الزمن قد تطول أو تقصر بين مرحلة التصميم ومرحلة التنفيذ، هذه الفترة لا بد منها ليتخلص الفاعل من الانفعال، الذي سببته الواقعة التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة، ويفكر ويتروى في جريمته ببال هادئ.

     وعلى هذا فالعمد يتألف من عنصرين:

     العنصر النفسي المتمثل في التفكير الهادئ والتروي في القتل،

     والعنصر الزمني المتمثل بتوافر التصميم على القتل قبل تنفيذه فعلا.

     والعنصر النفسي أهم من العنصر الزمني، بل إن هذا الأخير ليست له أهمية ذاتية، وإنما هو متطلب من أجل العنصر النفسي.

     فتوافر التفكير الهادئ والروية يقتضي مضي فترة كافية من الزمن، والتفكير الهادئ غير متصور عند اتخاذ قرار الجريمة وتنفيذها بمجرد أن تخطر فكرتها بيال الشخص، بل لا بد أن يستغرق التفكير الهادئ فترة من الزمن.

     بيد أن العنصر الزمني غير كاف في ذاته، فإذا ثبت مضي فترة من الزمن بين التفكير في الجريمة والتصميم عليها وتنفيذها، ولكن ثبت كذلك أنه لم يتوافر لدى الفاعل خلال هذا الوقت الهدوء في التفكير والسيطرة على النفس، بل ظل تحت تأثير الغضب والهياج الناتج عن الواقعة المسببة للقتل، فإن العمد لا يعد متوافراً.

     وبذلك قضت محكمة النقض السورية بأن

     ” العبرة في توافر العمد ليس بمضي الزمن لذاته بصرف النظر عن طوله أو قصره، بل العبرة فيما يقع في ذلك الزمن من هدوء ووعي وإدراك ومن تفكير وتدبير “ .

     بل أن أهمية العنصر الزمني قد تتناقص لأقصى حد إذا ثبت لدى القائل هدوء التفكير بالرغم من قصر المدة الفاصلة بين فكرة الجريمة والتصميم عليها ثم تنفيذها.

    وهذا يعني أن الضابط في تحديد هذا الزمن هو صلاحيته للتفكير الهادئ بالنظر إلى ظروف كل واقعة والى شخصية الفاعل.

     فالمدة المطلوبة لزوال حالة الهياج والغضب، ولتوافر الروية والتفكير الهادئ تختلف باختلاف الأشخاص والظروف، فقد تكون ساعة أو يوما أو أسبوعا أو شهرة أو سنة، وتقديرها يعود إلى قاضي الموضوع.

     وعند توافر العمد، بالمعنى الذي سبق شرحه، فلا عبرة بعد ذلك يكون القصد محدداً أو غير محدد، أو كان ثمة غلط في الشخص أو في الشخصية.

    فالعمد يعد متوافر سواء كان قصد القتل محددة بشخص معين أو غير محدد.

     فيكفي أن يصمم الفاعل على إزهاق روح أي إنسان يعترض سبيله أو يقابله.

     كما يعد العمد متوافرة ولو كان القتل معلقا على شرط أو متوقفا على حدوث أمر.

    فيسأل عن قتل عمد من صمم بعد تفكير هادئ على قتل مدینه إذا طالبه بدينه، أو من صممت على قتل زوجها إذا تزوج عليها.

    كما لا ينفي الغلط في الشخصية أو في الشخص توافر العمد. فيعتبر متعمداً من صمم على قتل شخص بعد تفكير وتروي فأودى فعله بحياة شخص أخر اعتقده غريمه، أو أصاب شخصا أخر غير غريمه لأنه لم يحسن توجيه فعله.

     والعمد يعد من الظروف المشددة الشخصية التي يقتصر أثرها على من توافرت به من المساهمين في الجريمة، ولا تشمل غيره من فاعل أو شريك أو متدخل.

    وباعتبار أن العمد (القصد أو النية المبينة) يعتبر من الأمور الداخلية، فإن الاستدلال عليه يكون من خلال الوقائع والظروف المادية الخارجية التي أحاطت بالجريمة، والتي تدل على ما كان يضمره الفاعل بداخله: كأن يعد عدته للقتل بشراء السلاح، ومراقبة غريمه، و أماكن تواجده، ووضع خطة لطمس معالم وأدلة الجريمة…

    واستخلاص العمد يعتبر من المسائل الموضوعية التي تدخل ضمن سلطة محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض، بشرط أن يكون هذا الاستخلاص مقبول عقلاً، ولا يتنافى مع مدلول العمد .

  •  ماسبب تشديد عقوبة قتل حدث دون الخامسة عشرة من عمره؟

     قتل حدث دون الخامسة عشرة من عمره

    إن الحكمة من تشديد العقاب في هذه الحالة تتجلى في حرص المشرع على حماية الأحداث الذين يتصفون بالضعف والعجز عن حماية أنفسهم.

     وان كنا نرى أن هذه الحكمة لا تقتصر فقط على الأحداث، بل تطال أيضا كل إنسان لا يقدر على الدفاع عن نفسه، الضعف أو عجز أو عاهة أو كبر سن.

     فكان أولى بالمشرع أن يمد شمول هذا النص لهؤلاء أيضا.

    والملاحظ أن المشرع لم يوفق باستخدامه لعبارة (دون الخامسة عشرة)، وكان الأولى به أن يستخدم عبارة (لم يتم الخامسة عشرة)، لا سيما وأنه قام بهذا التعديل بصدد الجرائم المتعلقة بالأخلاق والآداب كلها، حيث استعاض عن كلمة “دون” بكلمة لم يتم”.

     وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا بد لتطبيق نص التشديد هذا أن لا يكون القاتل أحد أصول الحدث، ففي هذه الحالة يطبق على القائل ظرف التشديد الوارد في المادة 535، قتل الأصول أو الفروع، وعقابه الإعدام.

     وأن لا يكون القتل مما ينطبق عليه ظرف التخفيف الوارد في المادة 337، قتل الأم لوليدها الذي حملت به سفاحاً، حيث يصبح العقاب الاعتقال من ثلاث إلى خمس عشرة سنة. ويفترض علم الجاني بسن الحدث، أي علمه بأن فعله يقع على حدث دون الخامسة عشرة من عمره، فإذا انتفى علمه انتفى تبعاً لذلك ظرف التشديد.

    والعلم بسن الحدث يثبت غالباً من مظهر الحدث لا سيما إذا كان بعيداً عن السن المذكورة.

     أما إذا كان مظهر الحدث يوحي بأنه تجاوز هذه السن، فلا بد من إثبات علم الجاني بسن الحدث بكافة طرق الإثبات، وإلا فلا مجال للتشديد لعدم ثبوت العلم.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1