الوسم: محامي يترافع لوجه الله

  • استعمال الدسائس في جرم الاحتيال مع أمثلة عنها

    لم يعرف المشرع السوري عبارة استعمال الدسائس المعتبرة أكثر وسائل الاحتيال استخداما من قبل المحتالين.

     ويبدو أن المقصود فيها هو استعمال أساليب المكر والحيلة لإضفاء مظهر الحقيقة على كذب يدعيه المحتال بغاية إيقاع المجني عليه بالغلط ودفعه إلى تسليمه مالاً.

    إذن فإن استعمال الدسائس يفترض وجود كذب مدعم بالمكر والحيلة كمظاهر خارجية مستقلة عن الكذب.

     والمثال على ذلك أن يعرض المحتال على المجني عليه آنية نحاسية ويبيعه إياها على أنها آنية ذهبية أثرية.

    فهنا يكذب المحتال ويدعم كذبه بمظهر خارجي، هو مظهر الأنية البراق.

    نستخلص من ذلك أن الدسائس تقوم على عنصرين: الكذب والمظاهر الخارجية التي تدعمه.

    وإذا كان فعل الخداع المشكل النشاط الجرمي للاحتيال قوامه الكذب، كما سبق و أسلفنا، فالجديد الذي يضاف هنا أن الكذب المجرد لا يكفي لقيام الدسائس، بل يشترط فيه لكي يرقى إلى مرتبة الدسائس أن يكون مؤيدا بمظاهر خارجية تضفي عليه الثقة فيصدقه المجني عليه.

    1- الكذب.

     الكذب هو تحريف أو تغيير للحقيقة ينصب على واقعة، أو هو الإخبار بأمر يخالف الواقع.

     و يستوي في هذا المجال أن يكون الكذب شفويا أو مكتوبة، بل يمكن أن يكون الكذب بالإشارة متى كان لها دلالة معروفة فهمها المجني عليه فوقع بناء عليها بالغلط.

     كما لو ادعى مشعوذ قدرته على استحضار الأرواح فأتي بمجموعة من الإشارات والحركات لتأكيد مزاعمه، فنتج عنها وقوع المجني عليه في الغلط، فسلمه مالا لاستحضار روح میت عزيز عليه.

    واستنادا لذلك يمكن تصور أن يكون الشخص الأصم مجني عليه بالاحتيال متى كانت الإيماءات أو الإشارات التي استخدمها المحتال مفهومه له وخدعته ودفعته إلى الوقوع في الغلط الذي سلم بموجبه مالا للمحتال.

     كما يستوي أن يكون الكذب كلياً أو جزئياً.

     فمن يدعي بوجود شركة لديه، وأنها تحقق أرباحاً كبيرة، يعتبر إدعاؤد كاذبة، إذا كانت لديه فعلا شركة إلا أنها لا تحقق أرباحا كبيرة، أو كانت خاسرة.

    وإذا كان الكذب المجرد، وهو نشاط إيجابي، لا يكفي لقيام الدسائس، فالكتمان، وهو موقف سلبي محض، لا يكفي من باب أولى لقيام الدسائس .

     والكتمان يعني أن يمتنع شخص عن تنبيه أخر إلى حقيقة واقعة كان يتوهمها على خلاف حقيقتها، أي أن يمتنع عن إخراجه من غلط وقع فيه.

    وتطبيقا لذلك إذا كتم البائع عن المشتري العيوب الخفية في الشيء المبيع وتوصل بذلك إلى إبرام العقد وحصل على ثمن يزيد بكثير عما يستحق، فلا تقوم الدسائس، ولا يعاقب ما دام لم يفعل شيئا سوى الكتمان.

     إذن فالكذب المجرد، والكتمان، لا يكفيان لتجسيم وسيلة استعمال الدسائس.

     وتطبيقا لذلك، فالتاجر الذي لم ينبه المتعامل معه أنه مفلس، والمدين الذي يدعي لدائنه أنه سيفي بالدين، فيسلمه الدائن سند الدين، فيستولي عليه، والشاب الذي يعد فتاة كذباً بالزواج بها، فيحصل منها على بعض المال.

     ومن يدعي القدرة على استرجاع مسروقات أو على التعيين في وظيفة أو الشفاء من مرض نظير مال يدفع إليه.

     ففي هذه الفرضيات جميعاً لا تقوم الدسائس طالما اقتصر الوضع بها على مجرد الكتمان أو الكذب غير المدعوم بعنصر خارجي عنه.

    والمسألة التي تطرح هنا تتعلق بالكذب المجرد الصادر عن شخص يحمل صفة تدعو للثقة.

    فإذا كانت القاعدة أن الكذب المجرد لا يكفي لوحده لقيام الدسائس، فهل صدور هذا الكذب من شخص له صفة خاصة تحمل الغير على الثقة فيه، وتجعله يصدق في سهولة ما يصدر عنه يطبق عليه ذات القاعدة، أم أن ذلك يشكل استثناء من القاعدة، واعتبار الكذب المجرد في هذه الحالة كافية لقيام الدسائس؟

    فلو أن صاحب منصب سياسي قدم طلباً لمصلحة الضرائب لتخفيض الضريبة المفروضة على أرضه الزراعية زاعماً أن محصولات الأرض قد أتلفها الصقيع، فصدر قرار بتخفيض الضريبة.

     أو رجل دين يوهم رجلا عجوزا أنه ارتكب معاصي كثيرة، وإن الصلاة وحدها يمكن أن تنقذه من جهنم، فأخذ منه مبلغا من المال كي يصلي له.

     أو الطبيب الذي يتسلم من شركة أتعاباً عن علاج مصابين في حوادث عمل لديها، في حين أن الذي كان يقوم بزيارة المصابين وعلاجهم هو ممرض عنده.

    فما قام به هؤلاء الأشخاص ليس سوى كذب مجرد، إلا أن صفاتهم تحمل الغير على الثقة بهم وتصديقهم، وبذلك فإن استعانة الشخص بصفته أو مركزه فإن ذلك يعزز أقواله ويخرجها من دائرة الكذب المجرد ليدخلها في دائرة الكذب المؤيد بمظاهر خارجية.

    بالنتيجة نخلص إلى القول أن هذه الصفة تؤدي ما يؤديه المظهر الخارجي المدعم للكذب .

    2- المظاهر الخارجية.

     قلنا أن القاعدة تقضي بأن الكذب وحده لا يكفي لتوفر الدسائس وإنما يجب أن يدعم بمظاهر خارجية من شأنها خداع المجني عليه وجعله يصدق الكذب.

    والمظاهر الخارجية التي تدعم الكذب في استعمال الدسائس يجب أن لا تتمثل بتدخل شخص ثالث، لأن هذه الحالة تدخل ضمن الوسيلة الثانية من وسائل الاحتيال وهي تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.

    كما يجب أن لا تتمثل تلك المظاهر بشيء يعتبر ظرفا مهد له المحتال أو أفاد منه، لأن هذه الحالة تدخل ضمن الوسيلة الثالثة من وسائل الاحتيال.

    نستخلص من ذلك أنه يجب لتوفر الدسائس أن يتمثل المظهر الخارجي بشيء مادي أيا كانت ماهيته أو مادته، أو بشخص الفاعل نفسه دون سواه، بأن يخلق حول نفسه نمط خاص في الحياة يدعم به كذبه.

     والمظاهر الخارجية بالمعنى السابق يصعب حصرها وتحديدها، وهي تتنوع باختلاف البيئات والأشخاص، وتتطور وتتجدد تبعا لتطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

    ومن أمثلة المظاهر الخارجية المتمثلة بشيء مادي:

     – إبراز المدين حافظة نقود محشوة بأوراق غير نقدية لإيهام الدائن بأنه مستعد للوفاء بما عليه له، فيسلمه الدائن سند الدين فيمزقه.

    – عرض أنية نحاسية مطلية بالذهب على شخص وإيهامه بأنها أثرية ومن الذهب الخالص، فيصدق المجني عليه ذلك ويدفع له مبلغا كبيرا ثمنا لها.

    – النشر في الصحف لمزاعم كاذبة تتعلق بالحصول على شقق سكنية، وفتح باب الاكتتاب عليها، واستلام الأموال من المكتتبين.

     – إدعاء البائع لمحل تجاري أن به بضائع كثيرة تساوي الثمن الذي يعرض بيعه به، مؤيدة زعمه بأوراق غير مطابقة للحقيقة.

     – إبراز أوراق مزورة منسوبة إلى الغير، حقيقيا كان هذا الغير أو وهميا، تفيد بملاءة الشخص، والحصول استنادا لها على صفقة لم تكن لتتم لولاها.

     – إبراز فواتير كاذبة إلى شركة تأمين لقب تعويض عن حادث حقيقي.

     – استخدام سائق تكسي عدادا مزورة يحسب أجرة أكثر من الأجرة الحقيقية.

    – إيهام المجرم للمجني عليه بقدرته على تعينه في شركة ما، وحصوله منه على مبلغ مالي لقاء ذلك، بعد تأیید كذبه بأوراق تشهد باطلا بأنها صادرة عن هذه الشركة وبأن له بمقتضاها سلطة تعين موظفين فيها.

    ومن أمثلة المظاهر الخارجية المتمثلة في شخص الفاعل نفسه دون سواه:

     – إيهام المجني عليه بالقدرة على شفاءه من مرض عضال ألم به عن طريق الاتصال بالجن، وافتعاله التحدث مع الجن بأسمائهم، وإطلاق البخور، والحصول على مبلغ من المال مقابل ذلك.

    وبشكل عام، تندرج ضمن هذا المفهوم كل أفعال الشعوذة و الدجل لخداع الناس بالمقدرة على تحضير

     الأرواح، أو العثور على المسروقات أو المفقودين، أو لجلب الحب أو البغض، وما إلى ذلك من حيل تنطلي على كثير من بسطاء العقول، وتؤدي إلى الاستيلاء على أموالهم من قبل المشعوذين.

    – اتخاذ المحتال مظهر أهل الورع والصلاح بإطالة اللحية وبكثرة التردد على أماكن العبادة ليوهم الناس باستطاعته قضاء حوائجهم عن طريق دعواته وصلواته والتضرع للخالق لقاء مال يدفعونه له.

    – اتخاذ المحتال مظهر رجل ثري، من حيث المسكن والملبس والتنقل بأغلى السيارات، ليوهم الناس بأنه تاجر كبير، ثم يطلب منهم أموالا كي يستثمرها لهم في تجارته.

  • جرم الاحتيال و أركانه وعقوبته في القانون السوري

    الاحتيال

    لم يعرف المشرع السوري الاحتيال كما عرف السرقة، وإنما اكتفى بنص المادة 641 من قانون العقوبات بذكر الوسائل أو الطرق التي يقع بها، بمعنى أن الاستيلاء على المال لا يعتبر احتيالا إلا إذا حصل بإحدى هذه الوسائل حصرا.

     ويعرف الفقه الاحتيال بأنه “الاستيلاء بطريق الحيلة أو الخداع على مال مملوك للغير بنية تملكه”.

     إذن يتمثل الاحتيال بلجوء الفاعل إلى الحيلة والخداع، تجاه المجني عليه، مستخدما إحدى الطرق التي حددها المشرع، فيقع المجني عليه في الغلط فيسلمه ما معتقد بأن مصلحة له ستتحقق من خلال هذا التسليم.

    فغاية أو هدف الاحتيال هو الاستيلاء على مال، ومن ثم لا يقوم الاحتيال إذا كانت غاية الفاعل بخداع المجني عليه الحصول على شيء لا يعتبر مالا، كما لو استهدف الفاعل بخداعه لفتاة النيل من عرضها أو حملها على قبول الزواج به.

    أما نص المادة 641 من قانون العقوبات فجاء كما يلي

     “1- كل من حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو أستادا تتضمن تعهدا أو إبراء فاستولى عليها احتيالا:

    إما باستعمال الدسائس.

    أو بتلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.

    أو بظرف مهد له المجرم أو ظرف استفاد منه.

    أو بتصرفه بأموال منقولة أو غير منقولة وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف بها.

    أو باستعماله اسم مستعار أو صفة كاذبة.

    عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مائة إلى خمسمائة ليرة.

     2- يطبق العقاب نفسه في محاولة ارتكاب هذا الجرم”.

    بتحليل هذا النص يتضح أنه يتضمن بيانا لأركان الاحتيال، وتحديد حصرية لوسائله أو طرقه، والأموال التي يقع عليها، والعقوبة التي تفرض على مرتكبه، وهي ذاتها التي تفرض على الشروع فيه.

     

    الاحتيال والسرقة

    تتفق جريمة الاحتيال مع جريمة السرقة في أن كلاهما تنطويان على اعتداء على ملكية الغير، وأن هدف الاعتداء هو تملك المال المستولى عليه.

    بيد أن الفارق بينهما يظهر في محل الجريمة وفي النشاط الجرمي.

    فمحل جريمة السرقة لا يكون إلا ما منقولا، أما محل جريمة الاحتيال فقد يكون ما منقوط أو عقارة (علما بأن الاحتيال في التشريع المصري يطلق عليه وصف النصب، و محله لا يكون إلا مالاً منقولاً) نص المادة 336 من قانون العقوبات.

    أما النشاط الجرمي فيتمثل في السرقة بفعل الاستيلاء على المنقول عن طريق أخذه خلسة أو عنوة دون رضاء حائز .

    بينما يتمثل النشاط الجرمي في الاحتيال بفعل الخداع الذي يؤثر على إرادة المجني عليه فيوقعه في غلط يدفعه إلى تسليم المال إلى المحتال.

    إذن، في الاحتيال يتسلم المحتال المال من المجني عليه بإرادته ورضاه، إلا أن هذه الإرادة مشوبة بغلط نتيجة لخداع المحتال.

     

    الاحتيال والتدليس

    يقترب الاحتيال أيضاً من مفهوم التدليس في القانون المدني فكلاهما يتضمن نشاطا غايته إيقاع شخص في الغلط. بيد أن هذا الاقتراب يتوقف عند هذا الحد.

     فالتدليس في المفهوم المدني يتمثل بقيام شخص بالغش والكذب على أخر اليحمله على إبرام عقد أو على إجراء تصرف قانوني بوجه عام، سواء أكان من شأنه إنشاء حق عيني أو شخصي أو تعديله أو نقله أو انقضاءه.

     فدائرة التدليس تتسع لتشمل كل تصرف قانوني، وهو يقوم بمجرد الكذب العادي أو مجرد الكتمان أو السكوت قصدأ كسلوك سلبي.

    والتدليس مجرد عيب من عيوب الرضا يستتبع بطلان العقد أو التصرف، ويوجب التعويض.

    أما الاحتيال فغايته الاستيلاء على مال الغير بالذات بإحدى الطرق التي حددها المشرع، و هو لا يقوم بمجرد الكذب العادي أو مجرد السكوت بل لا بد أن يكون مدعمة بمناورات احتيالية.

    فدائرة الاحتيال إذن تقتصر على التصرفات التي تتيح للفاعل الاستيلاء على المال وتملكه.

    فهو إذن وسيلة للاعتداء على الملكية.

    واستنادا لمفهوم الاحتيال الوارد في المادة 641، فإن دراسته تقتضي منا تفصيل أركانه، ومن ثم بیان عقابه.

     – أركان جريمة الاحتيال – عقاب جريمة الاحتيال

     

    أركان جريمة الاحتيال

    تقوم جريمة الاحتيال على ثلاثة أركان: ركن محل الجريمة، وركن مادي، وركن معنوي.

    أما ركن المحل فهو الموضوع الذي ينصب عليه النشاط الجرمي، والمتمثل بالمال المنقول أو العقار المملوك للمجني عليه، والركن المادي يتكون من فعل خداع يترتب عليه نتيجة وهي تسليم مال، وعلاقة سببية بين الأمرين.

     أما الركن المعنوي فقوامه القصد الجرمي الذي يتميز باشتماله على قصد خاص، متمثلا بنية تملك المال، إضافة للقصد العام.

    استنادا لذلك سنقسم الدراسة إلى ما يلي: – ركن المحل – الركن المادي – الركن المعنوي

    عقوبة جرم الاحتيال في القانون السوري

    حدد المشرع في المادة 641 من قانون العقوبات عقوبة الاحتيال البسيط، ثم نص في المادة 642 على طرفين مشددين ينبني عليهما مضاعفة عقوبة الاحتيال البسيط والعقاب في الحالتين ذو وصف جنحي. بالإضافة لهذا العقاب فقد نص المشرع في المادة 655 من قانون العقوبات على عقوبة إضافية أو فرعية تتمثل بنشر الحكم الصادر بالإدانة.

    عقاب الاحتيال البسيط

    تضمنت المادة 641 عقوبة الاحتيال البسيط وهي الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائة إلى خمسمائة ليرة.

    والجريمة على هذا الأساس جنحة، والجمع بين الحبس والغرامة، مبدئيا وجوبي.

    إلا أن ذلك لا يحول دون إمكانية الحكم بالغرامة فقط أو تحويل العقوبة الجنحية إلى عقوبة تكديرية إذا وجدت المحكمة في القضية أسبايا مخففة تقديرية، وذلك استنادا لنص المادة 244 من قانون العقوبات .

    إضافة لعقوبة الحبس والغرامة التي نصت عليهما المادة 641، أجازت المادة 655 من قانون العقوبات للقاضي أن يأمر في حالة تكرار الاحتيال بعقوبة إضافية، وهي نشر حكم الإدانة في جريدة أو جريدتين يعينهما القاضي .

    وقد سوى المشرع، في الفقرة الثانية من المادة 641، في العقوبة بين جريمة الاحتيال التامة وجريمة الشروع فيها.

     

    عقاب الاحتيال المشدد

    نصت المادة 642 من قانون العقوبات على طرفين مشددين للاحتيال، بقولها: تضاعف العقوبة إذا ارتكب الجرم في إحدى الحالات الآتية:

    أ- بحجة تأمين وظيفة أو عمل في إدارة عمومية.

    ب- بفعل شخص يلتمس من العامة ما لإصدار أسهم أو سندات أو غيرها من الوثائق لشركة أو لمشروع ما”.

    والأثر الذي يترتب على توافر أحد هذين الطرفين هو مضاعفة عقوبة الحبس والغرامة، وينصرف الأمر إلى الحدين الأدنى والأعلى معا، فتصبح العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى أربع سنوات والغرامة من مائتي ليرة إلى ألف ليرة.

    وبالنظر إلى هذه العقوبة تبقى جريمة الاحتيال محتفظة بالطابع الجنحي، بالرغم من الخروج فيها على القواعد العامة في مدة الحبس عما هو مقرر في الجنح، ويبرر هذا الخروج نص المشرع صراحة على ذلك.

    فقد نصت المادة 51 من قانون العقوبات على أن

    ” تتراوح مدة الحبس بين عشرة أيام وثلاث سنوات إلا إذا انطوى القانون على نص خاص “.

  • تخفيف عقوبة السرقة بسبب تفاهة المال المسروق أو إعادته

    لقد راعى المشرع أيضا في منح العذر المخفف التوازن بين الضرر الذي أصاب المجني عليه في السرقة وبين العقاب، معتبراً أن الضرر الذي يصيب المجني عليه ضئيلا إذا كانت قيمة المال المسروق ضئيلة.

     كما أن إعادة المال المسروق في وقت محدد يستتبع إزالة الضرر الذي أحدثته السرقة، وهذا يستتبع بالنتيجة تخفيف العقاب على السارق.

     وقد أورد المشرع هذه الحالة من التخفيف في المادة 662 كما يلي:

     “1- تخفض إلى النصف العقوبات الجنحية المعينة في المواد التي تؤلف الفصل الأول والثاني والثالث إذا كان الضرر الناتج عنها أو النفع الذي قصد الفاعل اجتلابه منها تافهين أو إذا كان الضرر قد أزيل كله قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة.

     2- أما إذا حصل الرد أو أزيل الضرر أثناء نظر الدعوى ولكن قبل أي حكم بالأساس ولو غير مبرم فيخفض ربع العقوبة”.

    بتحليل هذا النص نلاحظ أن تخفيف العقاب الوارد فيها لا يقتصر فقط على السرقة بل يشمل أيضا الاحتيال وإساءة الائتمان.

    والتخفيف فيها قاصر على الجنح فقط. وبالنسبة للسرقة فهو يشمل الجنح سواء كانت السرقة البسيطة أم السرقات المخففة أم السرقات المشددة تشديدة جنحية الواردة في المواد 628 – 629، وبذلك يستبعد التخفيف في جنايات السرقة.

    والتخفيف هنا يتناول حالتين:

     الأولى:

     إذا كان الضرر الناتج عن الجريمة أو النفع الذي قصد الفاعل الحصول عليه تافها، وهذا يعني كون المال المسروق تافه القيمة.

    ويعود لقاضي الموضوع تقدير ذلك.

    وفي هذه الحالة تخفض العقوبة إلى النصف.

     والتخفيف يشمل الحد الأدنى والحد الأعلى للعقوبة على السواء.

     الثانية:

     إذا كان النفع أو الضرر غير تافهين، فنكون أمام الاحتمالات التالية:

     – إذا لم يقم السارق برد المسروق عيناً أو قيمته نقداً، فلا تخفيف في هذه الحالة.

     – إذا رد السارق المال المسروق أو قيمته نقدا قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة تخفض العقوبة إلى النصف.

     – إذا رد المال المسروق أو قيمته نقدا أثناء نظر الدعوى وقبل أي حكم في الأساس، ولو غير مبرم، يخفض ربع العقوبة فقط.

     – إذا رد المال أو قيمته نقدا بعد صدور حكم في الأساس، ولو غير مبرم، فلا تخفف العقوبة.

  • تخفيف عقوبة السرقة بسبب صلة القربی

    جاء النص على هذا العذر المشترك بين السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان في المادة 660 كما يلي:

    ” إن مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في الفصول السابقة يقضى عليهم بالعقوبة المنصوص عليها في القانون مخفضاً منها الثلثان إذا كان المجني عليهم من أصولهم أو فروعهم أو أزواجهم أو من ذوي الولاية الشرعية أو الفعلية عليهم ويعفون من العقاب إذا أزالوا الضرر الذي أحدثوه”

     بتحليل هذا النص نلاحظ أن المشرع راعی مابين أفراد الأسرة الواحدة من روابط، وارتأى ضرورة الحفاظ على صلات الود والمحبة بين أفرادها، تلك الروابط التي تمزقها الملاحقة الجزائية ومن ثم العقوبة أكثر مما تمزقها السرقة ذاتها.

     لذلك اعتبر المشرع السرقة بين الأصول والفروع والأزواج وذوي الولاية الشرعية أو الفعلية عذرة يخفف العقوبة المحددة للسرقة إلى ثلثها.

     وفي حالة إزالة الضرر الذي حدث، أي إعادة المال المسروق أو قيمته نقدا عند استحالة رده عينا، يستفيد الفاعل من عذر محل من العقاب.

     وقد اعتبرت محكمة النقض السورية أن إسقاط القريب لدعواه موجباً للإعفاء من العقوبة كما توجبه إزالة الضرر الذي أحدثه الجرم”.

    وقد وسع المشرع من نطاق عذر القرابة فجعله شاملاً لجميع جرائم السرقة الجنحية والجنائية.

    وإذا قام المجرم، الذي استفاد من عذر محل أو مخفف، بتكرار السرقة خلال خمس سنوات من تاريخ ارتكابه للسرقة الأولى فيبقى مستفيداً من العذر المخفف إذا أعاد المال المسروق أو قيمته نقدا، ولكن لا يستفيد من ذات التخفيف السابق بل يخفف عنه ثلث العقوبة فقط.

     إلا أنه لو أعاد المال المسروق فلا يستفيد هنا من العذر المحل.

     وقد قضت محكمة النقض السورية بأن

    ” اعتياد الابن على سرقة أموال أبيه يحرمه من حق الإعفاء من العقوبة”.

    ويشترط للاستفادة من عذر القرابة أن يكون المال المسروق مملوكاً لمن تتوافر فيهم صفات القرابة التي حددها النص.

     فإذا كانت ملكية هذا المال مشتركة بين أحدهم وشخص أخر من غير المذكورين في النص فلا يطبق العذر .

     و العبرة بحقيقة ملكية المال لا بما يتوهم السارق على سبيل الخطأ.

    فإذا اعتقد الزوج أن المال الذي سرقه غير مملوك لزوجته مثلا ثم تبين أنه مملوكاً لها استفاد من العذر .

    وعذر القرابة له طابع شخصي يقتصر فقط على من تتوافر فيه إحدى صفات القرابة المحددة بالنص، فلا يسري بالنسبة لغيرهم من المساهمين في الجريمة شركاء كانوا أم متدخلين أم محرضين.

     أما الأشخاص الذين يستفيدون من العذر فلقد حددهم النص بالأصول والفروع والأزواج وذوي الولاية الشرعية أو الفعلية.

    وقد ورد ذكر هؤلاء الأشخاص على سبيل الحصر، بالتالي فالعذر لا يشمل السرقة بين الأخوة والأخوات أو الأعمام والعمات أو الأخوال والخالات.

    أما الأصول والفروع فيشمل جميع الأصول وإن علو وجميع الفروع وإن نزلوا.

     أما الأزواج فيشمل الزوج والزوجة أثناء قيام الرابطة الزوجية.

    والطلاق الرجعي لا يقطع هذه الرابطة حتى تنتهي العدة.

    أما الطلاق البائن فيقطعها.

     بالتالي فسرقة أحد الزوجين للأخر يشمله العذر إذا تمت السرقة أثناء قيام رابطة الزوجية، أو إذا وقعت أثناء عدة الطلاق الرجعي.

    أما إذا أصبح الطلاق بائناً فلا مجال للاستفادة من العذر.

    أما ذوي الولاية الشرعية فتشمل الولاية والوصاية في حال غياب الولي الشرعي وهو الأب أو الجد العصبي.

     أما الولاية الفعلية فمثالها زوج الأم على أولادها من زوج سابق إذا كانوا يعيشون تحت رعايته.

    وتجدر الملاحظة أن المشرع علق حق الملاحقة في جنح السرقة بين الأقارب على شكوى الفريق المتضرر في المادة 661، بقولها

     “لا تلاحق إلا بناء على شكوى الفريق المتضرر… الجنح المنصوص عليها في المواد 660 و …”

    وهذا يعني خروجاً على الأصل العام الذي يقضي بتخويل النيابة العامة السلطة في تحريك هذه الدعوى بمجرد علمها باقتراف الجريمة وتقديرها ملائمة ذلك دون انتظار شكوى أو طلب أو إذن.

    وتعليقها على شكوى يعني أنه لا يجوز للنيابة العامة تحريكها ما لم تتلقى شكوى من الفريق المتضرر.

    وبمجرد تقديم الشكوى تستعيد النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى العامة .

    وإن إسقاط المتضرر لدعواه يسقط دعوى الحق العام، وإذا تأخر الإسقاط إلى ما بعد الحكم فهو يوقف تنفيذ العقوبة.

  • جرم سرقة المزروعات المتصلة أو المنفصلة عن الأرض

    سرقة المزروعات المنفصلة عن الأرض

    جاء النص على هذه السرقة في المادة 631 كما يلي:

    “1- كل من يسرق ما كان محصودة أو مقلوعة من المزروعات وسائر محصولات الأرض النافعة أو كدساً من الحصيد يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة مائة ليرة.

     2- وإذا تعدد السارقون أو وقعت السرقة نقلا على العربات أو الدواب يكون الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة مائة ليرة.

    بتحليل هذا النص نلاحظ أن موضوع السرقة فيه عبارة عن محصولات الأرض النافعة المحصودة أو المقلوعة، أي المنفصلة عن الأرض.

    وقد أشار النص إلى ظرفي تشديد لهذه السرقة.

    – والمحصولات المحصودة أو المقلوعة تعني كل ما تنتجه الأرض تلقائياً أو بفعل الإنسان، بشرط أن يكون نافعاً.

    ونفع هذه المحصولات غير مقيد بمجال معين، فقد يكون المحصول غذاء للإنسان أو الحيوان، وقد يستعمل في صناعة أو تجارة، أما إذا كانت غير نافعة كالأشواك وأوراق الشجر التي سقطت على الأرض فينتفي عنها وصف المال ولا يعاقب على أخذها.

     وكل ما هو مطلوب أن تقع السرقة على المحصول النافع في حالته الطبيعية في الحقل بعد الحصاد أو القلع مباشرة، أي يشترط انفصاله عن الأرض.

     وما إشارة المشرع إلى عبارة ” كدسة من الحصيد ” إلا من قبيل التأكيد على أن هذه المحصولات يجب أن تكون منفصلة عن الأرض.

    وما يميز كدس الحصيد عن غيرها من المحصولات المنفصلة عن الأرض هو أنها صنفت أقسام وربطت وحدات كل قسم على حدة.

    ويفترض لتطبيق نص الفقرة الأولى من المادة 631 أن تتعرض هذه المحصولات إلى السرقة من قبل شخص واحد، عندئذ يعاقب فاعلها بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة.

    – أما إذا تعدد فاعلى هذه السرقة أو استعان السارق الواحد بالعربات أو الدواب لنقل المسروقات تصبح العقوبة، وفق الفقرة الثانية من المادة 631، الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة.

     ويفسر هذا التشديد بكون التعدد و استعمال العربات أو الدواب يفيد أن كمية المحصولات المسروقة كبيرة مما اقتضى اشتراك أكثر من شخص في السرقة، أو اقتضی استخدام العربات أو الدواب لنقلها، مما يجعل هذه السرقة على قدر من الخطورة يبرر تشدید عقابها.

    سرقة المزروعات المتصلة بالأرض.

    جاء النص على هذه السرقة في المادة 632 كما يلي:

     إذا كانت المزروعات وسائر محصولات الأرض التي ينتفع بها لم تقلع و سرقت من الحقل بالزنابيل أو الأكياس أو الأوعية المماثلة أو بنقلها على العربات أو الدواب أو سرقت بفعل عدة أشخاص مجتمعين كانت العقوبة الحبس من شهرين إلى سنة”.

    بتحليل هذا النص نلاحظ أن موضوع السرقة فيه هو محصولات الأرض النافعة التي لم تحصد أو تقلع، أي المحصولات التي ما زالت بالحقل متصلة بالأرض.

    ويفترض النص الإيقاع العقوبة على السرقة أن ترتكب إما من شخص واحد بواسطة الزنابيل، أي السلال، أو الأكياس أو أي شيء مماثل، أو ينقلها بالعربات أو الدواب.

     وإما أن ترتكب هذه السرقة من قبل عدة أشخاص مجتمعين، سواء استخدموا الوسائل السابقة أم لا.

     والذي يجمع بين الصورتين هو أن كمية المال المسروق كبيرة، مما اضطر السارق لاستخدام الوسائل المذكورة، أو مما جعل مجموعة أشخاص يقومون بالاستيلاء عليها.

    وعند تحقق إحدى هاتين الصورتين يكون العقاب الحبس من شهرين إلى سنة.

    بيد أن هذه العقوبة تفترض وقوع السرقة في مكان لا يعتبر بذاته ظرفاً مشدداً للسرقة.

     فلو أن الحقل كان محاطاً بسياج أو مسورة بجدار وله باب مقفل، أو كان ملحقا بمسكن، لاعتبرت السرقة من داخله مشدداً تشديداً جنائياً، لأن الاعتداء فيها قد تم على مكان مقفل مصان بالجدران، أو على حرمة المسكن وملحقاته.

    سرقة المحاصيل المتصلة بالأرض ذات القيمة الزهيدة

    جاء النص على هذه الصورة الأخيرة في المادة 633 كما يلي:

     من سرق شيئا من محصولات الأرض أو ثمارها التي لم يتناولها المالك ولم يجنها وكانت قيمتها أقل من ليرة يعاقب بغرامة لا تتجاوز المائة ليرة.

    بتحليل هذا النص نلاحظ أن موضوع السرقة فيه يتمثل بمحصولات زراعية تطلب فيها المشرع شرطين: أن المالك الم يجنها بعد، وأن قيمتها أقل من ليرة.

     فلو أن شخصا قطف تفاحة أو برتقالة من أرض يملكها غيره، وكانت قيمة الثمرة لا تتجاوز الليرة الواحدة لتحقق الجرم الوارد في هذا النص.

    والملاحظ أن هذا الجرم هو أخف السرقات عقاباً، وهي السرقة الوحيدة التي تعتبر مخالفة عقابها الغرامة فقط، وهو الجرم الوحيد من جرائم السرقة الذي لم يفرض له المشرع عقوبة سالبة للحرية نظرا لتفاهة المال المسروق.

  • جرم سرقة السيارات في القانون السوري – المادة 625 عقوبات

    نص المشرع على سرقة السيارات في المادة 625، المحدثة بموجب القانون رقم 18 تاریخ

    1975/11/29 ، كما يلي:

    “1- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة من (2000 إلى 5000) ليرة سورية كل من أقدم بأي طريقة ومن أي مكان على سرقة أي سيارة من السيارات المعرفة في الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون السير رقم 19 تاریخ 1974/3/30.

    2- أ- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة من 1500 إلى 3000 ليرة سورية كل من أخذ أو استعمل دون حق وسائل النقل المبينة في البند الأول من هذه المادة إذا لم يكن قاصدا سرقتها.

    ب- تخفض العقوبة المنصوص عليها في الفقرة (أ) من البند (2) من هذه المادة إلى الحبس مع الشغل سنة واحدة على الأقل والغرامة من 500 إلى 5000 ليرة سورية إذا أعاد الفاعل ما أخذه أو استعمله إلى صاحبه أو مكان أخذه خلال ثلاثة أيام على الأكثر من تاريخ الفعل دون إحداث تلف فيه…”.

    وتبدو علة تدخل المشرع بإحداث هذا النص المشدد من خلال رغبته في التصدي بشدة لهذا النوع من الجرائم الذي يتميز بسهولة الاستيلاء على السيارة، وسهولة الهرب من مكان الجريمة بذات المحل المسروق، والإمكانية تجزئة السيارة وتفكيكها وبيعها قطعاً لإخفاء الجريمة.

    وقد أحال نص الفقرة الأولى من هذه المادة في تعريف السيارة إلى قانون السير رقم 19 لعام 1974.

    إلا أن صدور قانون السير والمركبات رقم 31 لعام 2004، المعدل بالمرسوم التشريعي رقم 11 لعام 2008، يقتضي منا تبني تعريف السيارة الوارد به بالرغم من التطابق شبه التام بين التعريفين.

     وقد عرفت المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 11 في فقرتها الثالثة السيارة بأنها:

    “مركبة مزودة بمحرك ألي تسير بوساطته معدة لنقل الأشخاص أو الأشياء أو كليهما، أو مزودة بالات ذات استعمال خاص.

    وبذلك يخرج من مفهوم السيارة العربات التي يجرها الدواب والدراجات النارية والعربات ذات العجلات الثلاث.

    والملاحظ من نص المادة 625 مكرر أن المشرع عاقب في كل فقرة من فقراتها على نوع من الجرائم تطال السيارات، النوع الأول وهو جرم سرقة السيارة، والنوع الثاني وهو جرم استعمال سيارة الغير دون قصد سرقتها.

    وقد قضت محكمة النقض السورية في معرض التمييز بين الجرمين بأن

    “مناط التفريق بينهما هو أن جريمة سرقة السيارة تتعلق بالاعتداء على ملكية السيارة، لأن السرقة هي الأساس في التجريم، وهي كما عرفتها المادة 621  عقوبات أخذ مال الغير دون رضاه وبنية امتلاكه، وأما الحيازة فإنها تأتي عرضاً وهي غير مقصودة لذاتها، وإنما من أجل استطاعة الاعتداء على الملكية… في حين أن جريمة استعمال سيارة الغير تتعلق بالاعتداء على الحيازة فقط وتأتي بصورة فعل تستخدم به السيارة في أداء خدمة أو انتفاع بها دون أن يؤدي ذلك إلى نية التملك. فأخذ السيارة دون رضا صاحبها يقتضي النظر فيه إلى نية الفاعل عند أخذها لتقدير ما إذا كان ينوي التصرف بها كمالك أو كمستعير فقط، ويأتي في ضوء ذلك تقرير التكييف القانوني للجريمة .

    وتطبيقاً لذلك إذا كان الاستيلاء على السيارة يستهدف تفكيكها والاستفادة من قيمة أجزائها، أو تغيير معالمها ولوحتها ليصار إلى بيعها كما هي، فالفعل يعتبر سرقة، لأن التصرف بهذه الصور يتضمن نية الفاعل التصرف بالمال المسروق تصرف المالك، ويعاقب الفاعل بموجب الفقرة الأولى من المادة 625 مكرر بالأشغال الشاقة من خمس إلى خمس عشرة سنة وبالغرامة من 2000 إلى 5000 ليرة سورية.

    أما إذا كان الاستيلاء على السيارة يستهدف استعمالها فقط، سواء لقضاء حاجة بها أو للقيام بنزهة، أو استخدامها لارتكاب جريمة بواسطتها، كما لو استخدمها لنقل شحنة أسلحة أو مواد مهربة، ولم يكن استيلاءه عليها يتضمن نية التصرف بها تصرف المالك، بل اتجهت النية إلى مجرد استعمال السيارة لغرض ما ومن ثم إعادتها إلى المكان الذي أخذت منه أو تركها في مكان آخر، فالفعل لا يعتبر سرقة، بل جريمة استعمال أشياء الغير بدون وجه حق، وهي من الجرائم الملحقة بالسرقة والمعاقب عليها في المادة 637 من قانون العقوبات بعقوبة جنحية الوصف، ونصها كل من استعمل بدون حق شيئا يخص غيره بصورة تلحق به ضرراً ولم يكن قاصدا اختلاس الشيء عوقب بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة مائة ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين” .

     إلا أنه نظرا لخطورة الاستيلاء على السيارة وسهولتها فلقد أفرد لها المشرع نص الفقرة الثانية من المادة 625 مكرر وعاقب عليها بالأشغال الشاقة من ثلاث إلى خمس عشرة سنة وبالغرامة من 1500 إلى 3000 ليرة سورية.

     وتخفف هذه العقوبة إلى الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة إذا أعاد الفاعل طوعاً السيارة سليمة إلى صاحبها أو إلى المكان الذي أخذها منه خلال ثلاثة أيام من تاريخ أخذها  .

    ويشترط لتوافر ظرف تشدید سرقة السيارة أن تقع السرقة على السيارة بكاملها لا على أجزائها الله، وتطبيقا لذلك لا يتوفر الظرف المشدد على سرقة إطارات السيارة أو على المسجلة أو على أي شيء بداخلها.

     فظرف التشديد يتناول سرقة السيارة ذاتها ولا يشمل ما تحمله من بضائع أو أشخاص أو أموال.

     كما يشترط أن تكون السيارة صالحة للاستخدام والسير بها.

     أما إذا كانت غير صالحة للاستعمال البتة فلا تشديد، لانتفاء الحكمة منه.

    وتجدر الشارة هنا إلى أن الحيازة المشروعة للسيارة واستعمالها بغير الوجه المصرح به ينفي عن الفاعل جرم السرقة وجرم استعمال السيارة دون حق.

     وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض السورية بأنه

    “لا يعد مرتكبا لإحدى الجريمتين المنصوص عنهما في المادة 625 مكرر من يحوز السيارة بصورة مشروعة، ولكنه استعملها على غير الوجه المصرح له به، أو بعد انقضاء المدة التي كان مصرح له بالاستعمال خلالها، أو في غير ذلك من الأحوال، ويعتبر الخلاف مدنيا بين الطرفين ” .

    ويطبق هذا الحكم على فرضية وجود السيارة في ورشة التصليح، وقيام صاحب الورشة باستخدامها في مواصلاته الخاصة أو لارتكاب جريمة من خلالها .

    فانتفاء جرم السرقة واضح لعدم قصد تملك السيارة.

     أما انتفاء جرم استعمال سيارة الغير دون حق فمرده إلى أن هذه الجريمة هي جريمة اعتداء على الحيازة لعدم توفر نية التملك بها، وهذا الاعتداء على الحيازة يتعين فيه أن يكون بغير حق.

    وعليه إذا تمت الحيازة في صورة مشروعة غير أن استعمالها جرى على غير الوجه المصرح به فلا جريمة، إذ لا يتصور اعتداء على الحيازة ممن له الحيازة.

  • جرم السرقة في مكان مقفل – المادة 625 عقوبات

    ورد النص على هذه السرقة في المادة 625 كالتالي:

     يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من أقدم على السرقة في الأماكن المقفلة المصانة بالجدران مأهولة كانت أم لا، سواء بواسطة الخلع أو التسلق في الداخل أو الخارج أو باستعمال المفاتيح المصنعة أو أية أداة مخصوصة أو بالدخول إلى الأماكن المذكورة بغير الطريقة المألوفة في دخولها “.

    لقد شدد المشرع بهذا النص عقاب السرقة الواقعة في أحد الأماكن المقفلة المحاطة بالجدران سواء أكانت مأهولة أم لا، أي سواء أعدت للسكن أم لا .

     نخلص من ذلك إلى أن المكان المغلق المصان بالجدران قد يكون مسكناً وقد لا يكون .

    وقد حدد النص وسائل الدخول إلى هذا المكان بالخلع أو التسلق أو باستخدام مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة أو بأية طريقة غير مألوفة للدخول.

    نخلص من ذلك أن تشديد العقاب الوارد في هذا النص بوسيلة الدخول إلى هذا المكان يستلزم توافر شرطين:

    الأول يتعلق بالمكان، والثاني يتعلق بوسيلة الدخول الى هذا الكان

    وعلة تشديد العقاب في هذه الصورة تتمثل في أن المجني عليه فيها جدير بالحماية كونه لم يفرط في ماله  بل استودعه في مكان مغلق ومصان، كما أن السرقة في هذه الأمكنة تكشف عن خطورة السارق  لأنه يبذل مجهود كبيرة لينفذ سرقته، ويقبل باحتمال لجوئه للعنف إذا صادف تواجد المجني عليه أو غيره في المكان وقاومه.

    الشرط الأول – المكان المقفل المصان بالجدران

    هذا المكان يشمل الأماكن المسقوفة المحاطة بالجدران من جميع أطرافها، أيا كانت المادة التي بنيت منها هذه الجدران حجرة أم خشبة أم معدن، ويمكن إغلاق نوافذها وأبوابها، كالمحلات التجارية ومخازن السلع والمقاهي و دور السينما و الشركات والمؤسسات وما إلى ذلك.

    كما يشمل أيضاً كل مكان مسور بحائط أو بحاجز يحيط بكامل المكان، ويبلغ من الإحكام والارتفاع درجة تجعل اجتيازه أمراً غير يسير، سواء وجد به باب أم لا.

    وفي حالة وجوده يشترط أن يكون صالحاً لأن يغلق.

    ومثالها البستان المحاط بسور، أو المزرعة قيد البناء التي أحاط مالكها حديقتها بسور کامل.

    ويدخل ضمن هذا المفهوم أيضا السور الذي يحيط بمنزل أو بمخزن أو بمحل تجاري أو بأرض فارغة يستخدمها مالكها في إيداع محصوله الزراعي.

     وعليه لا يعتبر سورة يستأهل الحماية الجزائية بتشديد العقاب الأسلاك الشائكة المحيطة بالمكان المسروق أو السور الذي يحيط بیستان أو بمزرعة إن كان ارتفاعه لا يتجاوز عدة سنتيمترات، أو كان قد تهدم جزء منه بحيث يكون اجتيازه سهلا، ولا يشكل عقبة حقيقية تجاه السارق.

    الشرط الثاني – وسائل دخول المكان

    لقد حدد المشرع وسائل دخول المكان المقفل المحاط بالجدران بالخلع أو التسلق أو استعمال مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة.

    وهذه الوسائل لم تحدد على سبيل الحصر بل على سبيل التمثيل، لأن المشرع ختم هذه الوسائل بالعبارة العامة أو بالدخول لهذه الأماكن بغير الطريقة المألوفة”.

     ولقد سبق لنا تحديد مدلول الخلع والمفاتيح المصنعة والأدوات المخصوصة في معرض شرح جناية السطو على المساكن الواردة في المادة 622، فنحيل عليها.

     ونقصر الشرح هنا على مدلول التسلق، وطرق الدخول غير المألوفة.

    1- التسلق.

    يتمثل التسلق باجتياز السارق لعائق، خارجي أو داخلي، ثم الهبوط منه. كتسلق جدار أو سور أو شجرة أو ماسورة وسيان أن يكون التسلق للدخول أو الخروج، بشرط أن يكون هدفه السرقة، وأن يتم بدون استخدام العنف.

    والتسلق قد يكون باستخدام سلم أو بالصعود على السور أو القفز من سطح مجاور أو فوق حاجز أو بالدخول إلى المكان من النافذة.

    والتسلق يفيد معنى الجهد، أي أن يكون العائق مرتفعاً بعض الشيء ليتحقق معنى التسلق.

     أما إذا كان منخفضاً لدرجة يمكن اجتيازه دون تسلقه، أو إذا كان بالجدار أو بالسور فتحة يمكن الدخول منها بيسر، فلا تسلق هنا.

    2- طرق الدخول غير المألوفة.

    عرفت محكمة النقض السورية الدخول بوسيلة غير مألوفة عن طريق مقابلته بالدخول بالوسائل المألوفة بقولها إن الدخول المألوف إلى مكان ما هو الذي يمارسه الناس بدون صعوبة ومن الموضع المخصص له في ذلك المكان.

    وكل دخول آخر يتم على خلاف ذلك يعتبر دخولاً غير مألوف ” .

     وبناء عليها يعتبر دخولا غير مألوف الدخول إلى الغرفة من النافذة، أو دخول المحل من النافذة التي تصله بمنزل صاحبه ، أو دخول المسكن عن طريق الصعود على الخرابة المجاورة، أو تسلق السارق على أكتاف شریکه إلى شرفة المنزل ومنها إلى النافذة المفتوحة ثم الدخول إلى المنزل والسرقة منه.

     ويشترط لتحقق وسيلة الطريق غير المألوف أن يكون قصد الفاعل من اللجوء إليه هو السرقة من المكان، أما إذا دخل إلى المكان أو المسكن لغرض آخر غير السرقة فلا يتوافر ظرف التشديد، كأن يدخل للاعتداء على صاحب المكان أو لملاقاة امرأة أو لإتلاف شيء داخله.

    – عند تحقق شروط هذه المادة يعاقب السارق بالأشغال الشاقة من ثلاث إلى خمس عشرة سنة.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1