الوسم: محامي مجاني في برلين

  • إساءة الأمانة في عقود العارية

    إن المقصود بالعارية التي أشارت إليها المادة 656 هي عارية الاستعمال وليس عارية الاستهلاك أو القرض.

    و عارية الاستعمال هي عقد يلتزم بمقتضاه المعير أن يسلم المستعير شيئاً ليستعمله بلا عوض لمدة معينة أو في غرض معين على أن يرده عيناً بعد الاستعمال ( المادة 602 من القانون المدني ).

     ورد الشيء عينة أو بذاته في عارية الاستعمال يفيد أن هذا الشيء غير قابل للاستهلاك، فإذا استولى عليه المستعير يعتبر مسيئاً للائتمان.

     أما إذا كان هذا الشيء قابلا للاستهلاك أو مما ترد قيمته أو مثله فإن تسليمه للمستعير لا يعد عارية استعمال بل عارية استهلاك أو قرض لا تقوم بها جريمة إساءة الائتمان لأنهما ليسا من عقودها.

    وعقد القرض مرادف لعارية الاستهلاك لأن تسليم الشيء بناء عليه يتضمن نقلا للحيازة التامة، فاستهلاك ذلك الشيء لا يعد جريمة ولو لم يرد مثله وكان المقترض سيء النية معتزماً عدم الرد وقت تسليم الشيء.

    و عارية الاستعمال ترد على مال قيمي لا يهلك بالاستعمال، وتظل ملكية المعير له قائماً، بينما ترد عارية الاستهلاك على مال مثلي تنتقل ملكيته إلى المستعير، ويلتزم هذا بأن يرد مقداراً يماثله نوعاً وصفة.

    بيد أنه وإن كان الأصل أن عارية الاستعمال ترد على مال قيمي، فليس هناك ما يحول دون ورودها على مال مثلي إذا انصرفت إرادة المتعاقدين إلى الالتزام بالرد عينة.

    ومثال ذلك أن يعير شخص لأخر نقودا نادرة لعرضها في معرض، أو يعيره سندات لحاملها كي يستعملها المستعير في ضمان دين معين، على أن يرها عيناً، فإذا رفض المستعير الرد اعتبر مسيئا للائتمان.

     ويرتكب المستعير إساءة الائتمان عندما يستغل وجود الشيء في حيازته فيستولي عليه ناكرة ملكية المعير له ومخ بالتزامه برده بالذات.

     أما إخلاله بأي التزام أخر غير الاستيلاء على الشيء فلا تقوم به جريمة إساءة الائتمان، إذ لا يكفي لقيامها إهماله أو تقصيره في المحافظة عليه مما أدى لهلاکه، أو خروجه في استعماله له عن الوجه المنصوص عليه في العقد أو المستفاد من العرف.

    وغني عن البيان أنه لا قيام الإساءة الائتمان إلا إذا كان موضوع عارية الاستعمال منقولا فاستولى عليه المستعير .

     أما إذا كان موضوع العارية عقارا فإن الاستيلاء عليه لا يشكل إساءة ائتمان، بل نزاعا مدنية، يستطيع مالك العقار أن يسترد عقاره بدعوى استرداد الحيازة

  • ركن ومحل جرم الاحتيال في القانون السوري

    ركن محل الاحتيال

    يتطلب الاحتيال موضوعاً أو محلاً هو ذلك المال المسلم للمدعى عليه نتيجة نشاطه الجرمي المتمثل بالحيلة والخداع.

    وقد عبرت الفقرة الأولى من المادة 641 عنه بقولها

     “مالا منقولا أو غير منقول أو أسنادا تتضمن تعهدا أو إبراء

     إذن فمحل جريمة الاحتيال هو المال.

     وهذا المال يجب أن يكون مادية مملوكة للغير سواء كان منقولا أم غير منقول.

    وبالرغم من أن جميع المحررات و السندات والوثائق تدخل ضمن مفهوم المال المنقول إلا أن المشرع نص صراحة على الأسناد المتضمنة تعهدا أو إبراء.

    والجدير ذكره أن المال محل جرم الاحتيال هو ذاته المال محل جرم السرقة، باستثناء فارق واحد بينهما ، و هو أن السرقة لا تقع إلا على منقول، بينما الاحتيال يقع، في القانون السوري، على المنقول والعقار.

     لذلك سنتعرض بإيجاز المفهوم المال في الاحتيال محيلين بالنسبة لتفصيلاته إلى ما سبق ذكره في جريمة السرقة.

    1- إذن يشترط في محل الاحتيال أن يكون مالاً، والمال هو كل شيء يصلح أن يكون محلاً لحق الملكية.

    والإنسان لا يمكن أن يكون محلاً لجرم الاحتيال.

     فمن يخدع فتاة ويحملها على التسليم في عرضها لا يرتكب جريمة احتيال .

     كما لا يرتكبها من يخطف أخر بالحيلة والخداع.

     فمحل هذه الجرائم ليس مالاً، وبالتالي يلاحق مرتكبيها عن جرائم أخرى قد تكون الاغتصاب أو الخطف أو الحرمان الحرية.

    ويشترط بطبيعة الحال أن يكون المال متقومة، سواء كانت قيمته كبيرة أو ضئيلة، مادية أو معنوية، كتذكار أو رسالة أو خصلة شعر أو أي شيء له مكانة وقيمة لدى حائزه.

    2- ويشترط في المال أن يكون ذو طبيعة مادية، أي قابلا للحيازة والتسليم والتملك الشخصي، بصرف النظر عن طبيعة مادته، صلبة أو سائلة أو غازية.

     فيخرج بالتالي من مفهوم المال الأشياء المعنوية، أي غير المادية، كالحقوق والأفكار والألحان والمخترعات و الشعر، لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس وليس لها كيان مادي يمكن الاستيلاء عليه.

     بيد أن هذه الأشياء تتحول إلى منقولات مادية صالحة لتكون محلا للاحتيال إذا أفرغت في وعاء مادي، كسند أو كتاب أو نوتة موسيقية أو براءة اختراع وتم الاستيلاء عليه بالخداع، لأن الاحتيال هنا يقع على المادة التي دون بها الحق أو الكتاب الذي وضعت به الأفكار أو النوتة التي تتضمن اللحن الموسيقى أو براءة الاختراع.

     أما الحقوق في حد ذاتها والأفكار والألحان والمخترعات فليس لها كيان مادي يصلح ليكون محلا للاحتيال.

    3- ويشترط أن يكون المال موضوع الاحتيال مملوكة للغير.

     بالتالي لا يقع الاحتيال في حالة من يستعمل الخداع الاسترداد ماله من يد سارقه، أو حالة المؤجر الذي ينتزع بالخداع من المستأجر الشيء الذي أجره له قبل انتهاء مدة العقد، ولو كان المستأجر قد أدي الأجرة عن المدة بأكملها.

    ولا يرتكب جريمة الاحتيال أيضا من يستولي على مال لا مالك له، مثل المال المباح أو المتروك.

    والمثال على ذلك أن يهم شخص بحيازة مال مباح فيتدخل شخص ويدعي ملكيته للمال ويؤيده شخص ثالث بذلك، فهو لا يرتكب الاحتيال لأن محله غير مملوك لأحد.

    إلا أن الحكم يختلف لو أن الشخص هذا حاز الشيء المتروك أو المباح فقام المحتال بخداعه وحصل عليه، فهنا تقوم جريمة الاحتيال لأن المال المباح أصبحت ملكيته لمن يحوزه، والتسليم هنا انصب على مال مملوك للغير.

    ويستوي أخيرا أن يكون محل الاحتيال ما منقوط أو غير منقول. وهذا ما يميز الاحتيال عن السرقة وعن إساءة الائتمان، اللتان لا تقعا إلا على مال منقول.

     وللمنقول في جريمة الاحتيال ذات المعنى الذي حددناه في جريمة السرقة، فنحيل إليه.

    وبالرغم من دخول الأسناد ضمن مفهوم المال المنقول، إلا أن المشرع ذكرها صراحة بعبارة “الأسناد التي تتضمن تعهدا أو إبراء”.

    والأسناد تعني الصكوك أو المحررات ذات القيمة المالية، أي كل ورقة تحمل تعهدا أو إبراء. والمراد بالتعهدات الموجبات على اختلاف موضوعاتها، ومثالها سند الدين.

     أما الإبراء فيراد به كل إنهاء الموجب أيا كان سبب هذا الإنهاء، ومثاله سند المخالصة، أي السند الذي يثبت الإبراء من الدين.

     ويبدو أن الحكمة من إيراد الأسناد بصورة مستقلة عن المنقول تتجلى بكون الاحتيال الذي يكون محله الأسناد يظهر في صورتين مختلفتين:

    الأولى: تتمثل بالحصول بطريق الخداع على السند ذاته المتضمن تعهدا أو إبراء.

     فللسند في هذه الحالة طبيعة مادية وله بالإضافة إلى ذلك قيمة مالية، فأمره لا يثير صعوبة تذكر، والاحتيال يقوم بهذه الحالة.

    الثانية: تتمثل بالحصول بطريق الخداع على التعهد أو الإبراء في سند موجود في حيازة المجني عليه، ودون أن يقتضي ذلك حصول المحتال على السند ذاته.

    والفرض هنا أن يستطيع المحتال أن يحصل على تعهد في ذمة الغير المصلحته أو أن يحصل على إبراء من تعهد في ذمته دون أن يقتضي ذلك حصوله على السند.

     والمثال على ذلك أن يحصل المحتال بالخداع على تسجيل اسمه في قائمة من يستحقون إعانة بطالة أو مرض أو تعويض عائلي، أو أن يحمل المجني عليه على أن يثبت في دفتره اسمه على أنه يستحق ما في ذمته، أو على أن يحذف من دفاتره مبلغا كان ثابتا في ذمته .

  • جرم سرقة الحيوانات والآلات والمواد الزراعية

    أورد المشرع هذه السرقة في المادة 630 كما يلي:

    “كل من يسرق الخيل أو الدواب المعدة للحمل أو الجر أو الركوب وسائر المواشي الكبيرة أو الصغيرة أو آلات الزراعة يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مائة إلى ثلاثمائة ليرة، وكل من يسرق ما أعد للبيع من الحطب أو خشب البناء المقطوع والحجارة من المقالع أو السمك من الشبك أو العلق من البرك أو الطيور من القن أو النحل من الخلايا يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من مائة ليرة إلى مائتي ليرة.

    وبتحليل هذا النص نستخلص أنه يتناول نوعين من السرقات، لكل نوع عقوبة محددة:

    الأول: ويتناول سرقة الحيوانات أو آلات الزراعة.

     وفيها يعاقب الفاعل بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة، إذا أقدم على سرقة الدواب والمواشي سواء كانت في حراسة أحد أم لا، وسواء كانت وقت سرقتها في مكان مملوك لصاحبها أم لا، ما لم يكن هذا المكان من شأنه تشدید عقاب السرقة أيا كانت.

     فلقد سبق و أشرنا إلى أن الات الزراعة والماشية تعتبر من المنقولات المسخرة لخدمة العقار في مفهوم القانون الجزائي، أي عقارات بالتخصيص.

     وبالتالي فإن سرقتها من مكان مقفل محاط بالجدران، أو من مسكن ينطبق عليه وصف السرقة المشددة.

     أما ألات الزراعة فهي تشمل أي أداة تستخدم في زراعة الأرض، سواء للفلاحة أو للحصاد وما إلى ذلك، يدوية كانت أم ميكانيكية، صغيرة كانت أم كبيرة، كالفئوس والمحاريث يدوية أم ميكانيكية.

    الثاني: ويتناول سرقة بعض الأشياء من الأماكن التي تستخرج منها،

    وفيها يعاقب الفاعل بالحبس من شهر إلى سنة والغرامة، إذا أقدم على سرقة الحطب المعد للبيع وخشب البناء المقطوع والحجارة من المقالع والسمك من الشبك والعلق من البرك (العلق هو نوع من الديدان تعيش في البرك، له فوائد طبية، باستخدامه أحيانا في امتصاص الدم الفاسد. و الطيور من القن والنحل من الخلايا.

    ويلاحظ على هذه الأشياء أنها مملوكة لأشخاص معينين، وليست مباحة.

    فأغلب هذه الأشياء وإن كانت في الأصل أشياء مباحة إلا أنها أصبحت ما يصلح محلاً لجرم السرقة بمجرد حيازتها من أحد الأشخاص.

  • ركن رجريمة السرقة بأن يكون محل السرقة منقولاً

    جاء في المادة 621 من قانون العقوبات أن السرقة هي “أخذ مال الغير المنقول…“.

     فالسرقة لا تقع على عقار.

    فمن يستولي على عقار غيره بنية تملكه يعتبر مرتكبا لجرم غصب العقار حسب المادة 723 من قانون العقوبات وليس مرتكبا لجرم السرقة.

     وبالرغم من أن التمييز بين المنقول والعقار هي من موضوعات القانون المدني، فإن للمنقول في القانون الجزائي معنى قد يختلف عن معناه في القانون المدني.

     فللمنقول في القانون المدني صورتان:

    فهو إما منقول بطبيعته، ويتمثل بكل شيء مادي يقبل الحركة والنقل من مكانه دون تعرضه للتلف.

    وإما منقول بحسب المال، ويتمثل بالعقار الذي سيصبح منقولا، كالأشجار المعدة للقطع والمباني المهيأة للهدم والمحاصيل الزراعية التي مالها الحصاد.

    أما العقار في المفهوم المدني فهو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف. ويدخل في هذا المفهوم، إضافة للعقار بطبيعته كقطعة أرض أو بناء أو مسكن، العقار بالاتصال، وهو المنقول بطبيعته الذي يتصل بالعقار اتصالاً مادياً فيحمل اسمه ويأخذ حكمه، كأبواب المنازل ونوافذها .

     و العقار بالتخصيص، وهو المنقول بطبيعته الذي سخر لخدمة العقار کالات المصنع.

     أما القانون الجزائي، فإن كان يتبنى الفكرة الأساسية التي يقوم عليها المفهوم المدني في التمييز بين المنقول والعقار ، إلا أنه لا يتقبل جميع نتائجها، ويرفض جانبا منها.

    ففي المفهوم الجزائي يعتبر منقولاً قابلاً للسرقة كل مال يمكن تغيير موضعه، أي يقبل الحركة والنقل من مكانه سواء أصابه تلف أم لم يصبه.

    وهذا يعني، بخلاف المفهوم المدني، أن الشيء يعتبر منقوة ولو كان جزءا من العقار إذا انفصل عنه لأي سبب كان.

    وتطبيقا لذلك يعتبر منقولاً صالحاً كمحل لجرم السرقة في المفهوم الجزائي:

     1- المنقول بطبيعته، وهو كل شيء ممكن رفعه من مكانه وجعله في مكان آخر، كالنقود والملابس والأثاث والسيارات والوثائق والسندات والمخطوطات … الخ

     2- العقار بالتخصيص، وهو المنقول بطبيعته الذي سخر لخدمة العقار، كالات الزراعة والماشية التابعة للأرض والات المصانع وماكينات المصاعد الكهربائية.

     3- العقار بالاتصال، وهو المنقول بطبيعته الذي يتصل بالعقار اتصالاً مادياً متى انفصل عن العقار الثابت فيصبح بذلك من المنقولات، كالنوافذ والأبواب والمواسير والأشجار.

     فمن يضبط مثلا وهو يحاول نزع نافذة أو اقتلاع شجرة بقصد تملكها يعتبر شارعاً في جرم السرقة.

    نستخلص من ذلك أن المنقول في المفهوم الجزائي هو كل شيء يمكن نقله من مكانه بأية وسيلة سواء أدى هذا النقل إلى تلف أم لا، وسواء أدى إلى تغيير هيئته أم لا.

     وبذلك لا يخرج من نطاق المنقولات سوی العقار بطبيعته، وهو المال الثابت في مكانه الذي لا يمكن تصور نقله من مكانه كقطة أرض أو منزل في بناء قائم.

  • ركن جريمة السرقة بأن يكون محل السرقة ذو طبيعة مادية

    إن مفهوم السرقة يتضمن الاستيلاء على الحيازة الكاملة لشيء له صفة المنقول ونقله من مكانه.

    وهذا المفهوم لا يستوي إلا إذا كان هذا الشيء مادياً.

     والشيء المادي هو “كل ما يشغل حيزا من فراغ هذا الكون ويستطيع الإنسان أن يدركه ببعض حواسه”.

     أو هو “كل ماله كيان ذاتي مستقل في العالم الخارجي، أو هو كل ماله طول و عرض وسمك بصرف النظر عن حجمه أو وزنه أو هيئته “.

     إذن فمناط الصفة المادية للشيء هو إمكان السيطرة المادية عليه وصلاحيته للتملك.

    نستخلص من ذلك نتيجتين:

     – الأولى:

    أن الأشياء المعنوية، أي غير المادية، لا تصلح محلا للسرقة، كالحقوق والأفكار والألحان والمخترعات والشعر، لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس وليس لها كيان مادي يمكن الاستيلاء عليه.

     بيد أن هذه الأشياء تتحول إلى منقولات مادية صالحة لتكون محلا للسرقة إذا أفرغت في وعاء مادي، کسند أو كتاب أو نوتة موسيقية أو براءة اختراع، لأن السرقة هنا تقع على المادة التي دون بها الحق أو الكتاب الذي وضعت به الأفكار أو النوتة التي تتضمن اللحن الموسيقي أو براءة الاختراع. أما الحقوق في حد ذاتها والأفكار والألحان والمخترعات فليس لها كيان مادي يصلح ليكون محلا للسرقة .

    – الثانية:

    يستوي في أن يكون هذا الشيء المادي الذي يأخذ صفة المنقول جسم صلب أو سائلا أو غازية، فهو ذو کیان مادي وان اختلفت مادته. والأشياء الصلبة لا يمكن حصرها، فمنها النقود والمواشي والآلات…الخ.

     أما الأشياء السائلة، كالماء والزيت والكحول والبترول، فهي سوائل مادية يمكن إحرازها و تملكها، ويخضع الاستيلاء عليها لوصف السرقة.

    وعلى ذلك يعتبر سارقاً من يسحب الماء من أرض جاره وينقلها إلى أرضه.

     كما يعتبر سارقاً من يستولي على كمية من مياه الشرب أكثر مما حسبه العداد باستعماله طريقة من طرق الغش لأخذ الماء.

     كأن يضع ماسورة قبل العداد الذي وضعته الشركة دون أن يجعل الماء يمر بالعداد، أو يجعله يمر بالعداد ولكنه تلاعب في حركته بإبطاء تلك الحركة عن السير العادي.

    أما إذا ترك العداد يحسب مقدار كمية المياه المستهلكة بطريقة عادية ثم قام بعد ذلك بتغيير الرقم الحقيقي المبين بالعداد إلى رقم أقل منه فإنه لا يعد مرتكبا لجريمة السرقة، لأن كمية المياه وقت أخذها إنما أخذت واستهلكت بطريقة نظامية، لأن العداد كان يحسبها في أثناء الأخذ بصورة صحيحة، فلم تؤخذ بدون رضاء الشركة، إذ يستفاد هذا الرضا من مرور المياه بالعداد مرورة طبيعية، وإن كان يعتبر سلوكه هذا غشا عقدية غير مشروع في مقدار دین الشركة على مدينها، أو يعتبر غشا قد يصل إلى حد الاحتيال إذا توافرت شروطه، ولكنه ليس سرقة.

    أما الأشياء الغازية، فبالرغم من أنها لا تدرك بالعين المجردة، إلا أنها تأخذ حكم الأشياء الصلبة والسائلة، لأنه يمكن حيازتها ونقلها وتملكها من خلال ما تعبأ فيه من أنابيب أو قوارير لاستخدامها في الأغراض الاقتصادية.

     ويدخل ضمن هذا المفهوم الطاقة الكهربائية والمغناطيسية التي تعمل على نقل الصوت عبر الأسلاك التلفونية والطاقة النووية.

     فهي طاقات تخضع للسيطرة كغيرها من الأشياء المادية، فهي تعبأ وتنقل وتجاز وتقاس ويتحكم فيها سواء بالاستهلاك أو عدمه، و تصلح محلا لحق التملك، وبالتاي محلا لجرم السرقة.

    وقد نص المشرع السوري صراحة في المادة 621 فقرة 2 من قانون العقوبات على أن “القوة المحرزة تنزل منزلة الأشياء المنقولة في تطبيق القوانين الجزائية”.

     وبذلك أدخل المشرع الكهرباء والغاز والبخار في قائمة الأموال التي تصلح محلا لجرم السرقة.

     وعلى ذلك يعتبر سرقة الحصول خلسة على التيار الكهربائي بمد سلك من الخط الرئيسي أو بوضع سلك بطرفي العداد يمر منه التيار دون تسجيله في العداد، باعتبار أن الكهرباء في هذه الحالة لم تسلم رضائياً وفق الشروط التي وضعتها شركة الكهرباء.

     أما التلاعب بالعداد بعد الاستحصال على الكهرباء أصوة بتخفيض الكمية المسجلة فيشكل غشا في كمية البضاعة المتعاقد عليها، أو احتيالاً إذا توافرت شروطه وليس سرقة.

    ويعتبر مرتكبا لجرم السرقة ايضا، وليس جرم استعمال اشياء الغير دون وجه حق، من يستولي على الخط الهاتفي لجاره، سواء تعطل خط الجار المجني عليه أم لم يتعطل.

     فالخط الهاتفي له قيمة مالية تتمثل في تكاليف الاشتراك والمكالمات التلفونية المستهلكة، وقام المتهم بتملك قيمة المكالمات الهاتفية التي استعملها وهو يعلم بأنه غير مالك للخط الهاتفي، ودون رضاء صاحب الخط المجني عليه.

  • نقاط الاتفاق والاختلاف بين جرائم السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة.

    تتفق هذه الجرائم في ما بينها في كثير من الوجوه، حتى أنها تكاد تختلط مع بعضها في بعض الأحيان. هذا التقارب هو السبب الذي دفع بالتشريعات القديمة، كالقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم، إلى دمج هذه الجرائم في جريمة واحدة هي اغتيال مال الغير .

     فهذه الجرائم تتفق في ما بينها في الموضوع وفي القصد من ارتكابها. فموضوعها أو محل الجريمة فيها هو المال المملوك للغير. وقصد الفاعل فيها يتمثل بنية تملك المال، أي نيته أن يحل محل المالك في ما له من سلطات على المال.

    إلا أنه بالرغم من تماثل هذه الجرائم في الموضوع والقصد، فإنها تختلف مع ذلك في الوسيلة التي يلجأ إليها الفاعل للحصول على مال الغير.

     ففي السرقة ينتزع السارق حيازة المال بغير رضاء صاحبه خلسة أو عنوة.

    وفي الاحتيال يحصل المحتال على المال من صاحبه باختياره، وإنما تحت تأثير طرق احتيالية.

     وفي إساءة الائتمان، أيضا يكون المال في حيازة مسيء الأمانة باختيار صاحبه، استنادا إلى عقد من عقود الائتمان كالعارية والوديعة والإجارة والرهن….

    تلك العقود التي تعطي للفاعل الحق بحيازة المال حيازة مؤقتة، فيخون الثقة ويغير نيته في حيازة الشيء من حيازة مؤقتة إلى حيازة دائمة تامة، أي بقصد تملك المال. كالمستعير الذي يدعي ملكيته للشيء المعار، و مستأجر المنقول الذي يدعي ملكية المنقول المؤجر … الخ

  • الخطأ في جريمة القتل والايذاء غير المقصود

    أولاً : تعريف الخطأ:

    يعتبر الإنسان مخطئاً، بالمعنى القانوني، عندما لا يتخذ في سلوكه الاحتياط الكافي الذي يجب على الشخص العادي الحريص اتخاذه لمنع ما يترتب على سلوكه من ضرر للغير.

    ولقد حدد المشرع السوري صور ومفهوم الخطأ وعناصره في المادتين 189 و 190 من قانون العقوبات.

    فالمادة 189 عددت صور الخطأ كما يلي يكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة”.

    أما المادة 190 فلقد حددت ماهية الخطأ وعناصره ومتى تكون الجريمة غير مقصودة، كما يلي

    “تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين، وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها، وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها”.

    ثانياً- عناصر الخطأ:

    يقوم الخطأ استنادا للنص التشريعي الوارد في المادة 190 على عنصرين أساسيين :

    1- الإخلال بواجب الحيطة والحذر المعتادین.

    2- عدم توقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين على الرغم من أنه كان بإمكانه أن يتوقعها، أو أنه توقعها وحسب أن بإمكانه أن يتجنبها.

    فالعنصر الأول يتمثل بإخلال الشخص بالواجب العام الملقى على عاتق كل إنسان أن يتوخى في سلوكه الحيطة والحذر کي لا يضر بالأخرين.

    فسائق السيارة عليه أن لا يسرع كي لا يصدم أحدا، ومن يحفر حفرة أمام داره عليه أن يضع عليها إشارة تنبه الأخرين کي لا يقعوا بها.

    فالسرعة من السائق وعدم وضع تتبيه للمارة على الحفرة هو إخلال بواجب الحيطة والحذر المطلوب من كل إنسان.

    ومعيار الحيطة والحذر يستند على أساس موضوعي لا شخصي.

    فليس المقصود منه الفاعل ذاته في سلوكه المعتاد، وإنما المقصود هو سلوك الشخص العادي، أي الشخص المجرد الذي يمثل جمهور الناس، الذي يتبع في تصرفاته القدر الكافي و المألوف من الحيطة، والذي يظل مقبولا من جميع الناس وصالحة للتطبيق في جميع الحالات.

    إلا أن هذا الأساس، أي سلوك الرجل العادي، ليس مطلقاً، وإنما يجب عند تقدير هذا السلوك أن يوضع الرجل العادي في ظل الظروف نفسها التي أحاطت بالمدعى عليه، سواء أكانت ظروف متعلقة بالزمان أو المكان أو بحالة المدعى عليه الجسدية أو النفسية كالمرض أو الخوف أو العمر، لكي يمكن الحكم على سلوكه.

    فالحيطة أو الحذر المطلوب من الإنسان المكتمل الإدراك يفوق ما هو مطلوب من الإنسان المسن أو الفتى المراهق.

    وقيادة سيارة في شارع مزدحم يقتضي حيطة وحذرا يفوق ما هو مطلوب عند قيادة هذا السيارة في شارع فارغ أو فرعي أو طريق سفر .

     فإذا قام الشخص بقيادة سيارته بسرعة في شارع مزدحم وصدم شخصاً فهو مسئول عن خطأ ارتكبه لأنه أخل بواجب الحيطة والحذر المطلوب من الشخص العادي و هو التسهل في هكذا ظروف.

    أما العنصر الثاني، فيتمثل بقيام علاقة نفسية بين الفاعل والنتيجة الجرمية المترتبة على فعله. فوجود الخطأ وبالتالي ترتب المسئولية مرتبط بهذه العلاقة وجود و عدم .

    و هذه العلاقة النفسية تظهر في صورتين أوضحتهما المادة 190 ق.ع.

    الأولى: عدم توقع الفاعل للنتيجة الناجمة عن السلوك الخاطئ رغم أنه كان باستطاعته أن يتوقعها، أو كان يجب عليه، على الأقل، أن يتوقعها .

    وهذه الصورة يطلق عليها الخطأ بلا تبصر أو الخطأ غير الواعي أو غير الشعوري .

    والمثال على الخطأ غير الواعي أن يخطئ الصياد هدفه ويصيب إنسانا أخر أو أحد الصيادين معه بدلا عن الطريدة.

    الثانية: توقع الفاعل النتيجة الناجمة عن سلوكه الخاطئ، إلا أنه لا يرضى بها ويسعى إلى عدم حدوثها معتمدا على كفاءته أو مهارته في تجنبها.

    وهذه الصورة يطلق عليها الخطأ بتبصر أو الخطأ الواعي أو الشعوري

    فلاعب السيرك الذي يطلق السكاكين باتجاه شريكته في اللعبة يتوقع أن تصيب إحداها شريكته إلا أنه لا يريد ولا يقبل هذه النتيجة بل يعتمد على مهارته في تجنب الإصابة.

    وتجدر الإشارة إلى أن الخطأ الواعي أو الشعوري يقترب كثيرا من القصد الاحتمالي المساوي للقصد المباشر، والتمييز بينهما دقيق للغاية.

     ففي حين أن الفاعل في الخطأ الواعي يتوقع النتيجة إلا أنه لا يرضى بها، ويعتمد على مهارته في تلافيها، نجد أن الفاعل في القصد الاحتمالي يتوقع النتيجة ويرضى بها مقدما إذا وقعت، فيقبل المخاطرة.

     كمن يضع السم لقتل غريمه ويتوقع أن تأكل زوجته معه فيرضى أن تموت هي الأخرى في سبيل تحقيق هدفه الأساسي في قتل غريمه.

    ثالثاً :صور الخطأ

    عدد المشرع في المادة 189 صور الخطأ وهي: الإهمال – قلة الاحتراز – عدم مراعاة القوانين والأنظمة.

    ثم كرر التعداد ذاته في المادة 550 التي عاقبت على القتل الخطأ.

    وعلى الرغم من أن المشرع قد أورد هذه الصور على سبيل الحصر إلا أنها في الحقيقة تخضع للتفسير الموسع والمرن كونها متداخلة مع بعضها بحيث يصعب التمييز أحيانا بين صورة وأخرى، ووضع حدود فاصلة حاسبة بينها.

     فهذه الصور، كما أسلفنا، كثيرا ما تتداخل فيما بينها ويحل بعضها محل بعض.

    فقد تنشأ الوفاة مثلا عن إهمال مرده قلة أحتراز، أو عن قلة احتراز مصدرها الإهمال.

     وقد ينطوي عدم مراعاة القوانين والأنظمة بحد ذاته على إهمال أو قلة احتراز .

     وليست الغاية التي ابتغاها المشرع من هذا التعداد سوى الإحاطة بكل أنواع الخطة التي يمكن تصورها.

    وسنحاول، مع ذلك، توضيح كل صورة على حدة.

    1– الإهمال :

     تنصرف هذه الصورة في الغالب إلى الحالة التي ينتج فيها الخطأ عن سلوك الإنسان السلبي أي عن الترك أو الامتناع.

    وفيه يغفل الشخص عن اتخاذ احتياط يوجبه الحذر، بحيث أنه لو كان اتخذه لما وقعت النتيجة الضارة من موت أو إيذاء.

    أي أن هذا الشخص يمتنع عن القيام بما ينبغي على الشخص العادي الذي يتواجد في الظروف نفسها القيام به.

    من أمثلة هذه الصورة:

    الشخص الذي يحفر حفرة قرب بيته ويهمل وضع ما يشير إليها، فيقع بها أحد الأشخاص ويموت أو يتعرض لأذى.

    أو سائق الحافلة الذي ينطلق بها دون التأكد من دخول الركاب وإغلاق الباب، مما يؤدي إلى سقوط أحد الركاب وموته.

     أو مالك البناء الذي لا يجري الصيانة اللازمة لترميمه، فيسقط أحد الأسقف على المستأجر ويموت.

    أو الشخص المكلف بالعناية بطفل أو عاجز أو مريض، فيهمل بهذه العناية، ويؤدي إلى موت هذا الشخص.

    أو الأب الذي يترك سلاحه المحشو بالرصاص في مكان ظاهر فيتلقفه أبنه ليلعب به فتخرج إحدى الرصاصات وتقتله.

     

    2- قلة الاحتراز:

    تصرف هذه الصورة في الغالب إلى الحالة التي ينتج فيها الخطأ عن سلوك الإنسان الإيجابي الذي يدل على الطيش أو عدم التبصر أو عدم تقدير العواقب .

    فالفاعل في هذه الصورة يدرك خطورة تصرفه أو سلوكه وما يترتب عليه من آثار ضارة، ورغم ذلك لا يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع حصوله.

    من أمثلة هذه الصورة:

    السائق الذي يقود بسرعة في مكان مزدحم فيدهس أحدهم. أو الشخص الذي يقود سيارته ليلا وهي مطفأة الأنوار فيصطدم أحد المارة.

    أو الشخص الذي يقود سيارة بالرغم من الضعف الشديد في قوة بصره مما يؤدي لدخوله في حائط أحد المنازل وانهيار الحائط على أحد السكان.

     أو الشخص الذي يشهر مسدسا محشوة بالرصاص بوجه صديقه مازحا، فتنطلق رصاصة وتصيبه إصابة قاتلة.

     وتندرج في هذه الصورة أيضا حالة الأم التي تنام مع رضيعها في سرير واحد فتنقلب عليه أثناء نومها وتقتله.

     وحالة الشخص الذي يسلم حيوانه الخطر إلى شخص غير قادر على السيطرة عليه، لصغر سن أو عدم دراية، فيؤدي فعله إلى إيذاء الشخص أو موته من قبل الحيوان.

    3- عدم مراعاة الشرائع والأنظمة.

     المقصود بالشرائع القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية، أما الأنظمة فهي القواعد الصادرة عن السلطة التنفيذية، أي الجهات الإدارية من وزارات ومحافظات وبلديات. والخطأ الجزائي يقع، والمسئولية الجزائية تقوم على النتيجة الجرمية الحاصلة من موت أو إيذاء، بمجرد مخالفة القوانين أو الأنظمة ولو لم يرتكب المخطئ إهمالا أو قلة احتراز.

     ومن أمثلة هذه الصورة:

     الشخص الذي يعير سيارته لصديقه مع علمه بعدم حصوله على رخصة قيادة، فيدهس هذا الصديق شخصا ويقتله.

     فصاحب السيارة يعتبر مخطئا لمخالفته قانون السير وبالتالي تترتب مسئوليته الجزائية مع صديقه عن وفاة الشخص.

    الشخص الذي يقود سيارته بسرعة تفوق السرعة المحددة بالقانون أو النظام، فهذا يرتكب هذا الشخص خطأ لمخالفته القوانين والأنظمة،

    فإذا أدت سرعته إلى صدم أحد المارة، فيسأل عن قتله أو إيذائه ولو الم يقع منه أي إهمال أو قلة احتراز.

     أو القيادة في اتجاه معاكس للسير فيؤدي ذلك إلى صدم أحد الأشخاص.

     ونلاحظ في المثالين الأخيرين أن عدم مراعاة القوانين والأنظمة ينطوي على جرمين:

    مخالفة قانون السير، وجرم القتل أو الإيذاء الخطأ الناجم عن مخالفة القوانين والأنظمة.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1