الوسم: محامي سوري في برلين

  • شرط أن يكون المال مملوكاً للغير في جريمة السرقة

    القاعدة أن الإنسان لا يسرق ماله.

     فالسرقة هي اعتداء على الملكية، وهذا الاعتداء لا يمكن تصوره إلا إذا أصاب مالا غير مملوك للسارق.

     إلا أنه لا يكفي لقيام السرقة أن ينصب الاعتداء على مال غير مملوك للسارق، بل يجب أن يكون المال مملوكة للغير وقت الاستيلاء عليه.

    وبذلك يتحلل هذا الشرط إلى عنصرين: عدم ملكية السارق للشيء، وملكية الغير للشيء.

    أولا- أن يكون المال غير مملوك للسارق.

    السرقة جريمة من جرائم الاعتداء على المال بقصد تملكه.

    فلا يتصور إذن حصولها من مالك. ويبني على هذا أن من يستولي على ماله لا يكون سارقاً ولو اعتقد أن المال يملكه غيره.

     فإذا تسلل شخص إلى منزل عائلته وسرق منه مالاً مملوكاً لأبيه فإنه لا يعد سارقاً إذا تبين بعد ذلك أن الأب كان قد توفي وقت الاستيلاء على المال، وأن هذا الابن هو وارثه الوحيد.

    وإذا كان المال المملوك للمدعى عليه في حيازة غيره فاسترده خفية أو عنوة فلا تقوم بفعله سرقة.

    وعلى ذلك فالمؤجر الذي يستولي على الشيء المؤجر قبل انتهاء مدة عقد الأجار لا يعد سارقا ولو كان المستأجر قد أدى الأجرة كاملة.

    وينطبق هذا الحكم على المعير والمودع أيضا.

     فهؤلاء لا يعتبرون سارقين إذا استردوا أموالهم من حائزيها ولو كانت لهؤلاء الحائزين تجاه المالك حقوق تخولهم الاحتفاظ بحيازة المال، فهم يستولون على ما يملكون.

    وإذا كان الاستيلاء على المال في الحالات السابقة لا يعد سرقة، فمن باب أولى أن تأخذ نفس الحكم فرضية انتزاع المالك ماله ممن سبق له سرقته منه، لأن سرقة المال لا تجرد صاحبه حق ملكيته وإن سلبته حيازته.

     وعلى ذلك فالمالك حين يسترد ماله ممن سرقه لا يعد سارقاً لأنه يستعيد بفعله مالا يملكه ولا يستولي على مال مملوك للغير.

     إلا أن الأمر يختلف عند إقدام شخص على سرقة مال مسروق ممن سرقه.

    فهذا الشخص يعتبر بدوره سارقاً، لأن في فعله اعتداء على ملكية مالكه الشرعي، ولا عبرة بكون حائزه غير ذي حق، فالمجني عليه هو المالك..

    وتطبيقا لذات الحكم فإن من يستولي على أشياء غير مرخص للأفراد بحيازتها، كالمخدرات، يعتبر سارقا لها.

     فبالرغم من أن القانون لا يعترف بملكية حائزها لها، فهي محل الملكية عامة هي ملكية الدولة لها، إذ أن مصادرتها حتمية، ومن ثم فالفعل يشكل اعتداء لا شك فيه على هذه الملكية .

     إلا أنه إذا كان الفاعل لا يعاقب على الاستيلاء على ماله، فهذا لا يعفيه من المسئولية عن الأفعال التي قد يرتكبها في سبيل الحصول على ماله إذا كانت تشكل جرائم أخرى.

     فهو يؤاخذ على الإكراه أو العنف الذي يصاحب الفعل، أو على انتهاكه حرمة ملك الغير في سبيل الحصول على المال وهكذا.

    و إذا ثبت عدم ملكية المدعى عليه الشيء الذي استولى عليه فإنه يعد سارقاً له ولو كانت له حقوق تجاه مالك الشيء فقام بالاستيلاء على المال مقابل تلك الحقوق.

    فالدائن الذي يستولي على مال مملوك لمدينة وفاء لدينه يعتبر سارق ولو كان ما أخذه يساوي قيمة الدين .

    وكذلك المؤجر الذي يستولي على محصول الأرض المؤجرة أو بعض منقولات المستأجر مقابل الأجرة، والعامل في مصنع الذي يستولي على أدوات من المصنع نظير ما بقي له من أجر لدى صاحب العمل. والسبب في ذلك أن القانون قد نظم طرقا وإجراءات خاصة لاستيفاء الحقوق، وعلى صاحب الحق اللجوء إلى هذه الطرق لاستیفاء حقه.

    ويطبق هذا الحكم أيضا ولو كان الفاعل مالكا بطريق الاشتراك مع غيره.

    و على ذلك يعتبر سارقاً الشريك الذي يستولي على جزء من البضائع من الشركة أو على أي شيء من أشياء الشركة.

    والسبب في ذلك أن الشريك ليس بمالك للشيء المشترك ملكية خالصة حتى يقال أنه استولى على ملكه، وإنما  يشارك الشريك الأخر في كل جزئية من جزئيات المال المشترك.

    أما في ما يتعلق بالملكية الشائعة بالميراث، أي حالة مجموعة من الورثة يملكون على الشيوع مال المورث، فإن قيام أحد الورثة، قبل القسمة، بالاستيلاء أو التصرف بشيء من أشياء التركة الشائعة يعتبر سرقة برأي الفقه الجزائي استنادا لذات الحجة المتعلقة بالشراكة.

     فالوريث على الشيوع ليس بمالك للشيء ملكية خالصة، وإنما يشاركه الورثة الأخرين في ملكية كل جزئية من جزئيات المال المشاع.

    بيد أن المشرع السوري، والاجتهاد القضائي في سورية، يعتبر هذا التصرف إساءة للائتمان وليس سرقة.

     فلقد نصت المادة 850 من القانون المدني على أن يعاقب بعقوبة إساءة الائتمان كل من استولی غشاً على شيء من أشياء التركة ولو كان وارثا”.

    ومن التطبيقات القضائية بهذا الخصوص ما جاء في حكم محكمة النقض “أن السرقة هي أخذ مال الغير المنقول بدون رضاه، ولذلك فإن أخذ الوارث شيئا من أموال التركة لا يوصف بأنه سرقة لأنه أخذ مال غيره بصورة شائعة، والشبهة في ذلك تفسر لمصلحته، وهذا ما أشارت إليه المادة 850 من القانون المدني إذا اعتبرت الاستيلاء بطريق الغش على شيء من التركة إساءة للأمانة”.

    أما الشيء المتنازع عليه، فإذا كانت ملكية المال المدعى بسرقته متنازعا عليها بين المدعى عليه والمدعي، فإن اعتبار المدعى عليه سارقا أم لا يتوقف على الفصل في مسألة الملكية.

     فإن قضي باعتبار المدعى عليه مالكه الوحيد فلا سرقة في فعله لأنه لم يعتدي على ملكية غيره، أما إذا قضي باعتبار الشيء ملكا للمدعي وحده أو قضي باعتباره مشتركة بينهما فهو سارق له لأنه اعتدى على ملكية غير.

  • ركن رجريمة السرقة بأن يكون محل السرقة منقولاً

    جاء في المادة 621 من قانون العقوبات أن السرقة هي “أخذ مال الغير المنقول…“.

     فالسرقة لا تقع على عقار.

    فمن يستولي على عقار غيره بنية تملكه يعتبر مرتكبا لجرم غصب العقار حسب المادة 723 من قانون العقوبات وليس مرتكبا لجرم السرقة.

     وبالرغم من أن التمييز بين المنقول والعقار هي من موضوعات القانون المدني، فإن للمنقول في القانون الجزائي معنى قد يختلف عن معناه في القانون المدني.

     فللمنقول في القانون المدني صورتان:

    فهو إما منقول بطبيعته، ويتمثل بكل شيء مادي يقبل الحركة والنقل من مكانه دون تعرضه للتلف.

    وإما منقول بحسب المال، ويتمثل بالعقار الذي سيصبح منقولا، كالأشجار المعدة للقطع والمباني المهيأة للهدم والمحاصيل الزراعية التي مالها الحصاد.

    أما العقار في المفهوم المدني فهو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف. ويدخل في هذا المفهوم، إضافة للعقار بطبيعته كقطعة أرض أو بناء أو مسكن، العقار بالاتصال، وهو المنقول بطبيعته الذي يتصل بالعقار اتصالاً مادياً فيحمل اسمه ويأخذ حكمه، كأبواب المنازل ونوافذها .

     و العقار بالتخصيص، وهو المنقول بطبيعته الذي سخر لخدمة العقار کالات المصنع.

     أما القانون الجزائي، فإن كان يتبنى الفكرة الأساسية التي يقوم عليها المفهوم المدني في التمييز بين المنقول والعقار ، إلا أنه لا يتقبل جميع نتائجها، ويرفض جانبا منها.

    ففي المفهوم الجزائي يعتبر منقولاً قابلاً للسرقة كل مال يمكن تغيير موضعه، أي يقبل الحركة والنقل من مكانه سواء أصابه تلف أم لم يصبه.

    وهذا يعني، بخلاف المفهوم المدني، أن الشيء يعتبر منقوة ولو كان جزءا من العقار إذا انفصل عنه لأي سبب كان.

    وتطبيقا لذلك يعتبر منقولاً صالحاً كمحل لجرم السرقة في المفهوم الجزائي:

     1- المنقول بطبيعته، وهو كل شيء ممكن رفعه من مكانه وجعله في مكان آخر، كالنقود والملابس والأثاث والسيارات والوثائق والسندات والمخطوطات … الخ

     2- العقار بالتخصيص، وهو المنقول بطبيعته الذي سخر لخدمة العقار، كالات الزراعة والماشية التابعة للأرض والات المصانع وماكينات المصاعد الكهربائية.

     3- العقار بالاتصال، وهو المنقول بطبيعته الذي يتصل بالعقار اتصالاً مادياً متى انفصل عن العقار الثابت فيصبح بذلك من المنقولات، كالنوافذ والأبواب والمواسير والأشجار.

     فمن يضبط مثلا وهو يحاول نزع نافذة أو اقتلاع شجرة بقصد تملكها يعتبر شارعاً في جرم السرقة.

    نستخلص من ذلك أن المنقول في المفهوم الجزائي هو كل شيء يمكن نقله من مكانه بأية وسيلة سواء أدى هذا النقل إلى تلف أم لا، وسواء أدى إلى تغيير هيئته أم لا.

     وبذلك لا يخرج من نطاق المنقولات سوی العقار بطبيعته، وهو المال الثابت في مكانه الذي لا يمكن تصور نقله من مكانه كقطة أرض أو منزل في بناء قائم.

  • ركن جريمة السرقة بأن يكون محل السرقة ذو طبيعة مادية

    إن مفهوم السرقة يتضمن الاستيلاء على الحيازة الكاملة لشيء له صفة المنقول ونقله من مكانه.

    وهذا المفهوم لا يستوي إلا إذا كان هذا الشيء مادياً.

     والشيء المادي هو “كل ما يشغل حيزا من فراغ هذا الكون ويستطيع الإنسان أن يدركه ببعض حواسه”.

     أو هو “كل ماله كيان ذاتي مستقل في العالم الخارجي، أو هو كل ماله طول و عرض وسمك بصرف النظر عن حجمه أو وزنه أو هيئته “.

     إذن فمناط الصفة المادية للشيء هو إمكان السيطرة المادية عليه وصلاحيته للتملك.

    نستخلص من ذلك نتيجتين:

     – الأولى:

    أن الأشياء المعنوية، أي غير المادية، لا تصلح محلا للسرقة، كالحقوق والأفكار والألحان والمخترعات والشعر، لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس وليس لها كيان مادي يمكن الاستيلاء عليه.

     بيد أن هذه الأشياء تتحول إلى منقولات مادية صالحة لتكون محلا للسرقة إذا أفرغت في وعاء مادي، کسند أو كتاب أو نوتة موسيقية أو براءة اختراع، لأن السرقة هنا تقع على المادة التي دون بها الحق أو الكتاب الذي وضعت به الأفكار أو النوتة التي تتضمن اللحن الموسيقي أو براءة الاختراع. أما الحقوق في حد ذاتها والأفكار والألحان والمخترعات فليس لها كيان مادي يصلح ليكون محلا للسرقة .

    – الثانية:

    يستوي في أن يكون هذا الشيء المادي الذي يأخذ صفة المنقول جسم صلب أو سائلا أو غازية، فهو ذو کیان مادي وان اختلفت مادته. والأشياء الصلبة لا يمكن حصرها، فمنها النقود والمواشي والآلات…الخ.

     أما الأشياء السائلة، كالماء والزيت والكحول والبترول، فهي سوائل مادية يمكن إحرازها و تملكها، ويخضع الاستيلاء عليها لوصف السرقة.

    وعلى ذلك يعتبر سارقاً من يسحب الماء من أرض جاره وينقلها إلى أرضه.

     كما يعتبر سارقاً من يستولي على كمية من مياه الشرب أكثر مما حسبه العداد باستعماله طريقة من طرق الغش لأخذ الماء.

     كأن يضع ماسورة قبل العداد الذي وضعته الشركة دون أن يجعل الماء يمر بالعداد، أو يجعله يمر بالعداد ولكنه تلاعب في حركته بإبطاء تلك الحركة عن السير العادي.

    أما إذا ترك العداد يحسب مقدار كمية المياه المستهلكة بطريقة عادية ثم قام بعد ذلك بتغيير الرقم الحقيقي المبين بالعداد إلى رقم أقل منه فإنه لا يعد مرتكبا لجريمة السرقة، لأن كمية المياه وقت أخذها إنما أخذت واستهلكت بطريقة نظامية، لأن العداد كان يحسبها في أثناء الأخذ بصورة صحيحة، فلم تؤخذ بدون رضاء الشركة، إذ يستفاد هذا الرضا من مرور المياه بالعداد مرورة طبيعية، وإن كان يعتبر سلوكه هذا غشا عقدية غير مشروع في مقدار دین الشركة على مدينها، أو يعتبر غشا قد يصل إلى حد الاحتيال إذا توافرت شروطه، ولكنه ليس سرقة.

    أما الأشياء الغازية، فبالرغم من أنها لا تدرك بالعين المجردة، إلا أنها تأخذ حكم الأشياء الصلبة والسائلة، لأنه يمكن حيازتها ونقلها وتملكها من خلال ما تعبأ فيه من أنابيب أو قوارير لاستخدامها في الأغراض الاقتصادية.

     ويدخل ضمن هذا المفهوم الطاقة الكهربائية والمغناطيسية التي تعمل على نقل الصوت عبر الأسلاك التلفونية والطاقة النووية.

     فهي طاقات تخضع للسيطرة كغيرها من الأشياء المادية، فهي تعبأ وتنقل وتجاز وتقاس ويتحكم فيها سواء بالاستهلاك أو عدمه، و تصلح محلا لحق التملك، وبالتاي محلا لجرم السرقة.

    وقد نص المشرع السوري صراحة في المادة 621 فقرة 2 من قانون العقوبات على أن “القوة المحرزة تنزل منزلة الأشياء المنقولة في تطبيق القوانين الجزائية”.

     وبذلك أدخل المشرع الكهرباء والغاز والبخار في قائمة الأموال التي تصلح محلا لجرم السرقة.

     وعلى ذلك يعتبر سرقة الحصول خلسة على التيار الكهربائي بمد سلك من الخط الرئيسي أو بوضع سلك بطرفي العداد يمر منه التيار دون تسجيله في العداد، باعتبار أن الكهرباء في هذه الحالة لم تسلم رضائياً وفق الشروط التي وضعتها شركة الكهرباء.

     أما التلاعب بالعداد بعد الاستحصال على الكهرباء أصوة بتخفيض الكمية المسجلة فيشكل غشا في كمية البضاعة المتعاقد عليها، أو احتيالاً إذا توافرت شروطه وليس سرقة.

    ويعتبر مرتكبا لجرم السرقة ايضا، وليس جرم استعمال اشياء الغير دون وجه حق، من يستولي على الخط الهاتفي لجاره، سواء تعطل خط الجار المجني عليه أم لم يتعطل.

     فالخط الهاتفي له قيمة مالية تتمثل في تكاليف الاشتراك والمكالمات التلفونية المستهلكة، وقام المتهم بتملك قيمة المكالمات الهاتفية التي استعملها وهو يعلم بأنه غير مالك للخط الهاتفي، ودون رضاء صاحب الخط المجني عليه.

  • ركن جريمة السرقة بأن يكون محل السرقة مالاً

    يشترط أن يكون الشيء محل الأخذ مالاً.

    والمال هو كل شيء يصلح لأن يكون محلا لحق الملكية، ما لم يكن خارجا عن التعامل بطبيعته، أي لا يقبل بطبيعته أن يكون محلا لحق الملكية .

    و الشيء الذي يخرج بطبيعته عن العامل هو الشيء المباح كمياه البحار والأنهار، و الهواء في الجو، والسمك في الماء والطيور في الهواء.

    بيد أنه إذا تحددت هذه الأشياء، فإنها تصلح محلا للاستئثار بها، فتصبح أموالاً.

     كما لو احتجز شخص كمية من ماء البحر في وعاء لغاية ينتفع بها، وتعرض هذا الوعاء للأخذ، يعتبر الفعل سرقة.

    – هل يصلح الإنسان محلاً لجرم السرقة؟

    إن الإنسان ليس مالا ولا يقبل بطبيعته أن يكون محلا لحق الملكية، فهو صاحب الحق وليس محله. و على ذلك فإن خطف فتاة أو طفل لا يعد سرقة بل جريمة خطف.

    كما أن حقوق الإنسان المرتبطة بشخصه، کشرفه وحريته، لا تصلح محلا للسرقة. فمن يسلب أخر حريته لا يعد سارقا لها، وإن كان يرتكب جريمة أخرى بنظر القانون. .

     وإذا كان الإنسان لا يعتبر مالا بحكم القانون، فإن الأشياء المنفصلة عنه والمتجردة من صفة الأدمية، كشعره أو دمه أو أسنانه، تصبح مالاً صالحاً لأن يكون محلاً لجرم السرقة.

     فالمرأة يمكنها أن تقص شعرها وأن تبيعه أو تتعامل به بأي طريقة بوصفه مالاً.

    فإذا تعرض للأخذ دون رضاها اعتبر الفعل سرقة.

     ويأخذ حكم الأشياء المنفصلة عن الجسم، الأطراف والأعضاء الصناعية التي يستخدمها الإنسان بدلا من أطرافه وأعضائه الطبيعية.

    فهي لا تعد جزءا من الإنسان بالرغم من أدائها لوظائف الأعضاء الطبيعية. لذلك تظل معتبرة على أصلها ما صالحاً لأن يكون محلا للسرقة.

    كمن يأخذ طقم أسنان صناعية لغيره، أو شعر مستعارة تضعه امرأة على رأسها.

     وإذا مات الشخص تزول عنه صفة الإنسان وتصبح جثته بمجرد موته مالا إذا أودعت في متحف بسبب قيمتها التاريخية أو العلمية.

    فالاستيلاء على مومياء من متحف يعتبر سرقة كون الجثة مملوكة للمتحف.

     إلا أن الإشكالية تظهر في الاستيلاء على جثة ميت من المقبرة.

     فجثث الأموات في المدافن لا تكون مملوكة لأحد، والاستيلاء عليها لا يعد سرقة، وإن كان القانون يحميها بنصوص خاصة، كجريمة انتهاك حرمة ميت.

    – هل تصلح الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون محلاً لجرم السرقة؟

     إن الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون هي الأشياء التي ينكر عليها القانون المدني صفة المال، وبالتالي يحظر التعامل بها كالمخدرات والنقود المزيفة والأسلحة غير المرخصة.

    إلا أن موقف القانون الجزائي في هذه الحالة يختلف عن موقف القانون المدني.

     فقانون العقوبات في السرقة يدخل هذه الأشياء ضمن طائفة الأموال، وبالتالي تصلح محلاً للسرقة.

     وعليه فإن أخذ مخدرات دون رضاء حائزها يعد سرقة.

     ويفسر الاختلاف بين نظرتي القانون المدني وقانون العقوبات أن الأول ينظم التعامل بين الأفراد فينفي صفة المال عما لا يجيز التعامل فيه.

     أما قانون العقوبات فيحمي الحق لذاته ولو كان الفرد لا يصلح لاكتسابه و إنما كانت الدولة وحدها هي ذات الصلاحية لذلك، بل ولو كان من غير الجائز التعامل فيه بحكم القانون. فمصير هذه الأشياء هو المصادرة أي صيرورتها ملكا للدولة.

     بالنتيجة ما لا يعد مالاً في القانون المدني قد يعد كذلك في قانون العقوبات.

     – والمال يصلح لأن يكون محلاً للأخذ في جريمة السرقة سواء كان سند حيازته مشروعاً أو غير مشروع.

     فسواء كان المال لدى المالك أو لدى حائز له حيازة ناقصة كالمستعير أو المستأجر، أو كان لدى سارق له، فإن أخذه بدون رضاء مالكه أو حائزه يعتبر سرقة، لأن المال المسروق له مالك، فضلا عن توافر صفة المال فيه.

    – والمال لابد أن تكون له قيمة، أي متقوماً .

     أما إذا لم تكن له أية قيمة فتنتفي عنه صفة المال، ولا يصلح بالتالي محلا للسرقة. كما هو حال أحجار الطريق أو أعقاب السجاير أو قشر البيض.

     وما دام المال متقوماً فلا أهمية بعد ذلك لقيمته كبرت أم صغرت.

     فتفاهة الشيء المسروق لا تأثير لها في قيام السرقة ما دام هو في نظر القانون مالاً.

    علما أن المشرع السوري جعل من تفاهة المال المسروق سبباً لتخفيف عقوبة السرقة.

    بيد أن هذه القيمة لا يشترط أن تكون مادية، أي مالية يعبر عنها بمبلغ من النقود، وإنما يكفي أن يكون للشيء قيمة معنوية أو عاطفية لدى صاحبه.

    فالخطابات الشخصية والصور والتذكارات، كخصلة شعر شخص عزيز، تصلح أن تكون محلاً للسرقة طالما أن لها قيمة معنوية أو عاطفية في نظر صاحبها .

     فالعبرة في ثبوت القيمة للشيء من عدمها هي بتقدير صاحبه، فالشیء قيمته أساساً من نظرة صاحبه إليه.

     ولا بد ن يراعى عما إذا كان الشيء ذا قيمة أو عديم القيمة التاريخ أو الوقت الذي تم به فعل الأخذ. فهذا الوقت هو الذي يعتد به.

     فإذا لم يكن للشيء أية قيمة عند أخذه ثم أصبح بعد ذلك ذو قيمة، لأي سبب كان، فهذا التحول لا يغير من طبيعة الأمر شيئاً ولا يجعل الاستيلاء عليه سرقة.

  • نقاط الاتفاق والاختلاف بين جرائم السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة.

    تتفق هذه الجرائم في ما بينها في كثير من الوجوه، حتى أنها تكاد تختلط مع بعضها في بعض الأحيان. هذا التقارب هو السبب الذي دفع بالتشريعات القديمة، كالقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم، إلى دمج هذه الجرائم في جريمة واحدة هي اغتيال مال الغير .

     فهذه الجرائم تتفق في ما بينها في الموضوع وفي القصد من ارتكابها. فموضوعها أو محل الجريمة فيها هو المال المملوك للغير. وقصد الفاعل فيها يتمثل بنية تملك المال، أي نيته أن يحل محل المالك في ما له من سلطات على المال.

    إلا أنه بالرغم من تماثل هذه الجرائم في الموضوع والقصد، فإنها تختلف مع ذلك في الوسيلة التي يلجأ إليها الفاعل للحصول على مال الغير.

     ففي السرقة ينتزع السارق حيازة المال بغير رضاء صاحبه خلسة أو عنوة.

    وفي الاحتيال يحصل المحتال على المال من صاحبه باختياره، وإنما تحت تأثير طرق احتيالية.

     وفي إساءة الائتمان، أيضا يكون المال في حيازة مسيء الأمانة باختيار صاحبه، استنادا إلى عقد من عقود الائتمان كالعارية والوديعة والإجارة والرهن….

    تلك العقود التي تعطي للفاعل الحق بحيازة المال حيازة مؤقتة، فيخون الثقة ويغير نيته في حيازة الشيء من حيازة مؤقتة إلى حيازة دائمة تامة، أي بقصد تملك المال. كالمستعير الذي يدعي ملكيته للشيء المعار، و مستأجر المنقول الذي يدعي ملكية المنقول المؤجر … الخ

  • تعريف الجرائم الواقعة على الأموال وأنواعها وتقسيمها

    تعريف الجرائم الواقعة على الأموال

    يقصد بالجرائم الواقعة على الأموال تلك الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الحقوق ذات القيمة المالية.

     ويدخل في نطاق هذه الحقوق كل حق ذي قيمة اقتصادية أيا كانت ،ومكونة لأحد عناصر الذمة المالية. أو الأفعال التي تنال بالاعتداء العناصر المكونة للذمة المالية للأشخاص .

     أو مجموعة الجرائم التي تنقص أو تعدل العناصر الإيجابية للذمة المالية أو تزيد من عناصرها السلبية عن طريق زيادة ديون المجني عليه.

     والذمة المالية تعني ما للشخص من حقوق وما عليه من التزامات مالية، وتكون الحقوق الجانب الإيجابي من الذمة، أما الالتزامات فتكون جانبها السلبي.

    والحقوق المالية ثلاثة أنواع:

     حقوق عينية و تتمثل في سلطة لصاحب الحق تنصب مباشرة على الشيء موضوع حقه وأهمها حق الملكية، وأغلب الحقوق العينية تتفرع عنه كحق الانتفاع وحق الارتفاق.

    وحقوق شخصية أو دائنية وتتمثل في علاقة بين صاحب الحق وغيره يتوجب فيها على ذلك الغير أداء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عنه، كالعلاقة بين الدائن والمدين، فالدائن له حق شخصي لدى المدين بعدم إشهار إفلاسه احتيالية، وعدم الغش في التعامل وعدم التعامل بالربا.

    وأخيرا حقوق معنوية موضوعها نتاج الفكر أو العلامات المميزة لنوع من الإنتاج الصناعي أو النشاط التجاري. وهذه الحقوق تخول أصحابها أن ينسب لهم وحدهم إنتاجهم وتكفل كذلك حماية استغلالهم المالي له.

    وهناك نصوص خاصة تحمي الملكية الأدبية والصناعية والفنية، كتقليد العلامات التجارية والصناعية.

    وقد يكون محل هذه الأنواع الثلاثة من الحقوق عقارا أو منقولا أو شيئا معنويا.

     نستخلص من هذه التعاريف النتائج التالية:

    1- إن الجرائم الواقعة على الأموال تنطوي على عدوان، وهذا العدوان قد يتمثل في إلحاق ضرر فعلي بالمال، وقد يقتصر على تعريضه للخطر.

    2- لا يقتصر نطاق الجرائم الواقعة على الأموال على الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الجانب الإيجابي من الذمة المالية، أي ما للشخص من حقوق، ولكنها تشمل أيضا الجرائم التي تنال الجانب السلبي للذمة فتزيد دون حق من الديون الملتزم بها المجني عليه كالمراباة و بعض صور الغش في كمية أو نوع البضاعة.

    3- باعتبار أن الذمة المالية هي المحل المادي للجرائم الواقعة على الأموال فذلك يستدعي استبعاد الجرائم الواقعة على الأشخاص من نطاق الجرائم الواقعة على الأموال وإن ترتب عليها، بشكل غير مباشر، مساس بالذمة المالية للمجني عليه.

     فجريمة الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة أو إلى تعطيل عن العمل لمدة معينة تؤثر على الذمة المالية للمجني عليه إذا أقعدته عن العمل والكسب ومع ذلك فهي لا تدخل ضمن نطاق الجرائم الواقعة على الأموال.

    4- إن المجني عليه في جرائم الاعتداء على الأموال هو أحد الأشخاص طبيعياً كان أم معنوياً. و بذلك يخرج من مجالها الجرائم الواقعة على الذمة المالية للأشخاص المعنوية العامة كالدولة مثلا.

     فجريمة الاختلاس، بالرغم من كونها سرقة، إلا أنها لا تدخل ضمن نطاق الجرائم الواقعة على الأموال بل ضمن الجرائم الواقعة على الإدارة العامة، باعتبار أن المجرم يحمل صفة الموظف المؤتمن على الأموال من قبل الدولة.

     فهنا يغلب المشرع مفهوم المساس بالوظيفة العامة على مفهوم الاعتداء على المال.

    5- يخرج من مجال الجرائم الواقعة على الأموال الأفعال التي يتخذ الخطر الناجم عنها صورة الخطر الشامل وإن وقعت على مال من الأموال التي تشكل أحد العناصر الإيجابية للذمة المالية. كالحريق الذي يغلب المشرع فيه معنی الخطر الشامل على فكرة الاعتداء على المال فيخرجه من نطاق الجرائم الواقعة على الأموال.

     

    تقسيم الجرائم الواقعة على الأموال

    هناك عدة معايير تقسم على أساسها هذه الفصيلة من الجرائم.

    المعيار الأول

    ويستند إلى طبيعة الحق المعتدى عليه: عيني – شخصي – معنوي. واستنادا لأنواع الحقوق الثلاثة

    هذه يمكن تقسيم هذه الجرائم إلى طائفة تقع على الحقوق العينية، كالسرقة والاحتيال وإساءة الأمانة والهدم والتخريب و غصب العقار.

    وأخرى على الحقوق الشخصية، كالإفلاس الاحتيالي والغش إضرارا بالدائن والمراباة. وثالثة على الحقوق المعنوية، كجرائم الاعتداء على الملكية الأدبية والفنية، كتقليد العلامات التجارية والصناعية.

    المعيار الثاني

    ويستند إلى طبيعة محل الجريمة المادي، فتقسم الجرائم إلى جرائم لا تقع إلا على أموال منقولة كالسرقة وإساءة الائتمان، وجرائم لا تقع إلا على أموال عقارية، كغصب العقار. وجرائم تقع على الأموال المنقولة والعقارية، كالاحتيال.

     المعيار الثالث

    فيستند إلى الدافع أو الباعث الذي يحرك الفاعل. فتقسم الجرائم، من جهة، إلى جرائم استيلاء أو إثراء إذا كان الدافع لارتكابها الحصول على مغنم مالي. فجرائم الإثراء هي الجرائم التي تزيد في الجانب الإيجابي الذمة مقترفها عندما تتجه إرادته إلى تملك مال يملكه غيره، فتزيد الأموال التي يحوزها أو تزداد مغانمة المالية.

    والسرقة والاحتيال وإساءة الائتمان تعتبر من هذه الفئة.

     إذ يسعی مقترفها إلى تملك المال الذي يسرقه أو يتسلمه احتيالا أو يخون في شأنه الأمانة. وتقسم، من جهة أخرى، إلى جرائم إتلاف أو إضرار إذا كان الدافع لارتكابها هو مجرد إفقار المجني عليه من خلال إنقاص ما يحوز من مال أو هبوط قيمته فحسب دون أن يسعى إلى مغنم مالي مقابل، أي إلى زيادة ما يحوزه مرتكب الجرم من أموال .

    ومن جرائم الإضرار الهدم والتخريب والحريق والتعدي على المزروعات والحيوانات والآلات الزراعية. ومثالها قيام شخص بتسميم ماشية جارد، أو إتلاف محصولات أرضه أو حرقها.

    – وفي تصدينا لفصيلة الجرائم الواقعة على الأموال سنقتصر على شرح جرائم السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان، أي جرائم الإثراء، وذلك لفرط أهميتها وكثرة تعقيداتها وبلوغ الخلاف أشده فيها.

    وتجدر الإشارة إلى أن المشرع ألحق بهذه الجرائم في قانون العقوبات جرائم أخرى تتشابه معها في علة التجريم أو في بعض الأحكام.

     فألحق بالسرقة غصب العقار و استعمال أشياء الغير بدون وجه حق. وألحق بالاحتيال المراباة و الشيك بدون رصيد و الغش بالمهاجرة. وألحق بإساءة الائتمان رفض رد اللقطة.

  • العلاقة السببية بين الخطأ والوفاة أو الإيذاء

    العلاقة السببية بين الخطأ والوفاة أو الإيذاء

    کي تترتب مسئولية شخص عن قتل أو إيذاء خطأ لا يكفي أن تحصل هذه النتيجة الضارة، وأن يرتكب هذا الشخص الخطأ.

    بل لا بد أن يكون الخطأ هو الذي سبب النتيجة. وبعبارة أخرى لا بد من توفر رابطة سبية بين خطأ الشخص وموت الضحية أو إيذاءه.

    ولقد سبق لنا إيضاح أسس السببية التي اعتمدها المشرع السوري في المادة 203 من قانون العقوبات بمناسبة الحديث عن جرم القتل المقصود، وما قيل هناك يصح هنا.

    وحسبنا أن نشير هنا أنه لا يكفي ثبوت الخطأ من الفاعل لترتب مسئوليته عن النتيجة مهما بلغت درجة جسامة هذا الخطأ، بل لابد من إثبات أن هذا الخطأ هو الذي نشأت عنه الوفاة أو الإيذاء.

    فلو أن شخصاً يقود سيارته بسرعة تتجاوز الحد المسموح، أو يقود وهو سكران، أو بدون رخصة قيادة، فكلها أفعال خاطئة، ثم جاء شخص وألقى بنفسه تحت عجلات السيارة ومات ، فتصرف السائق الخاطئ وحده لا يكفي لمساءلته عن وفاة الشخص ما دام لم يثبت أن هذه التصرفات الخاطئة هي التي تسببت بالحادث.

    وعليه لا توجد علاقة بين خطأ السائق وموت الضحية، أي تنتفي رابطة السببية بين الخطأ والنتيجة الضارة، وبانتفائها تنتفي مسئولية السائق عن القتل الخطأ، ويسأل فقط عن مخالفته لأنظمة المرور.

    وتطبيقا لقواعد السيبية في التشريع السوري، فإن هذه الرابطة تتوفر عندما يكون الموت أو الإيذاء قد نتج عن خطأ الفاعل ولو كان ثمة عوامل أخرى تضافرت مع الخطأ في إحداث النتيجة، مادام الموت أو الإيذاء لا يمكن تصور حدوثه لولا خطأ الفاعل.

    وهذا تطبيقاً لنظرية تعادل الأسباب التي أخذ بها المشرع السوري في الفقرة الأولى من المادة 203.

    فلو أن شخصاً ارتكب خطأ أدى لجرح شخص مصاب بمرض السكر، فساهم الجرح مع الخطأ في موت الضحية. أو قاد الفاعل سيارته مسرعا في شارع مزدحم فصدم شخصا قطع الطريق من غير المكان المخصص للمشاة، أو قاد سيارته ليلا وهو في حالة سكر قصدم سيارة أخرى تسير بدون أضواء.

    ففي هذه الفرضيات حتى ولو نتج الضرر عن السبب الأخر مباشرة، إلا أن ذلك لا يقطع الرابطة السببية بين خطأ الفاعل والنتيجة.

    بيد أنه تطبيقا للمادة 554 من قانون العقوبات إذا نشأ الموت أو الإيذاء نتيجة خطأ الفاعل ونتيجة أسباب أخرى تضافرت مع الخطأ، وكانت مستقلة عن خطأ الفاعل ومجهولة كليا منه، فيمكن تخفيض عقوبة الفاعل بالمقدار المبين بالمادة 199 من قانون العقوبات.

    ونلاحظ هنا أن حكم هذه المادة جاء بتخفيف للعقاب فقط، وأن هذه الأسباب الأخرى التي تضافرت مع الخطأ أبقت مسئولية الفاعل عن النتيجة، وبالتالي تبقى العلاقة السيبية متوفرة بين الخطأ والنتيجة في هذه الفرضية.

    ولو استرجعنا المثال السابق حول جرح الشخص المصاب بمرض السكر، فلو أن الفاعل كان يجهل مرض المجني عليه لأمكن تطبيق نص المادة 554 عليه وتخفيف عقوبته.

    إلا أن الأمر يختلف إذا تضافر مع خطأ الفاعل عامل آخر جاء لاحقا للسلوك الخاطئ و مستقلا عنه و غير مألوف في ظروف ارتكاب الفعل وكاف بحد ذاته لإحداث النتيجة.

    فهذا السبب يقطع الرابطة السبية بين الخطأ والنتيجة، ويسأل المخطئ فقط عن سلوكه الخاطئ .وهذا تطبيق لنظرية السيبية الملائمة التي أقرها المشرع في الفقرة الثانية من المادة 203. وتطبيقا لذلك لا تعتبر السببية قائمة في حال كان الشخص يركب فوق أكياس تحملها سيارة نقل وعند اقتراب السيارة من جسر وعلى وشك المرور من تحته وقف ذلك الشخص فاصطدم بحافة الجسر وتوفي.

    فرغم سلوك السائق الخاطئ فهو لا يعتبر مسئولاً عن الوفاة نتدخل عامل غير مألوف، وهو وقوف المجني عليه، الذي أدى إلى تحقق النتيجة، والذي قطع الرابطة السببية بين سلوك السائق الخاطئ ووفاة المجني عليه. ولا يشترط أن تكون الوفاة أو الإيذاء ناتجة مباشرة عن خطأ الفاعل. لذلك يسال عن قتل غير مقصود من تسبب بخطئه في جرح المجني عليه إذا مات هذا الأخير أثناء عملية جراحية كان من المفيد إجراؤها لتقليل العجز الناتج عن الجرم في وظيفة العضو المصاب ,

    كما لا يشترط أن يكون الشخص المسئول هو الذي أحدث القتل أو الإيذاء بنفسه، بل يكفي أن يكون هو المتسبب فيه بخطئه وإن حصل القتل بفعل غيره. ومثاله الأب الذي يترك سلاحه في المنزل دون أن يخفيه، أو الذي يعطي سلاحه لطفله ليلعب به ظانا أنه قد أفرغه من الذخيرة، فيؤدي ذلك إلى انطلاق رصاصة قاتلة من السلاح. فالأب يسأل عن القتل الخطأ وإن لم يكن لسلوكه صلة مادية بالوفاة.

     

1