الوسم: أفضل محامي هجرة في نيويورك

  • جرم سرقة الحيوانات والآلات والمواد الزراعية

    أورد المشرع هذه السرقة في المادة 630 كما يلي:

    “كل من يسرق الخيل أو الدواب المعدة للحمل أو الجر أو الركوب وسائر المواشي الكبيرة أو الصغيرة أو آلات الزراعة يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مائة إلى ثلاثمائة ليرة، وكل من يسرق ما أعد للبيع من الحطب أو خشب البناء المقطوع والحجارة من المقالع أو السمك من الشبك أو العلق من البرك أو الطيور من القن أو النحل من الخلايا يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من مائة ليرة إلى مائتي ليرة.

    وبتحليل هذا النص نستخلص أنه يتناول نوعين من السرقات، لكل نوع عقوبة محددة:

    الأول: ويتناول سرقة الحيوانات أو آلات الزراعة.

     وفيها يعاقب الفاعل بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة، إذا أقدم على سرقة الدواب والمواشي سواء كانت في حراسة أحد أم لا، وسواء كانت وقت سرقتها في مكان مملوك لصاحبها أم لا، ما لم يكن هذا المكان من شأنه تشدید عقاب السرقة أيا كانت.

     فلقد سبق و أشرنا إلى أن الات الزراعة والماشية تعتبر من المنقولات المسخرة لخدمة العقار في مفهوم القانون الجزائي، أي عقارات بالتخصيص.

     وبالتالي فإن سرقتها من مكان مقفل محاط بالجدران، أو من مسكن ينطبق عليه وصف السرقة المشددة.

     أما ألات الزراعة فهي تشمل أي أداة تستخدم في زراعة الأرض، سواء للفلاحة أو للحصاد وما إلى ذلك، يدوية كانت أم ميكانيكية، صغيرة كانت أم كبيرة، كالفئوس والمحاريث يدوية أم ميكانيكية.

    الثاني: ويتناول سرقة بعض الأشياء من الأماكن التي تستخرج منها،

    وفيها يعاقب الفاعل بالحبس من شهر إلى سنة والغرامة، إذا أقدم على سرقة الحطب المعد للبيع وخشب البناء المقطوع والحجارة من المقالع والسمك من الشبك والعلق من البرك (العلق هو نوع من الديدان تعيش في البرك، له فوائد طبية، باستخدامه أحيانا في امتصاص الدم الفاسد. و الطيور من القن والنحل من الخلايا.

    ويلاحظ على هذه الأشياء أنها مملوكة لأشخاص معينين، وليست مباحة.

    فأغلب هذه الأشياء وإن كانت في الأصل أشياء مباحة إلا أنها أصبحت ما يصلح محلاً لجرم السرقة بمجرد حيازتها من أحد الأشخاص.

  • السرقة البسيطة في القانون السوري

    جاء النص على السرقة البسيطة في المادة 634 ق. ع كما يلي:

    “1- كل سرقة أخرى غير معينة في هذا الفصل تستوجب عقوبة الحبس مع الشغل من شهر إلى سنة والغرامة حتى مائتي ليرة.

     2- ولا تنقص مدة الحبس مع الشغل عن ستة أشهر إذا كانت السرقة واقعة على الطاقة الكهربائية، ولا تطبق على الجرائم المعاقب عليها في هذه الفقرة الأسباب المخففة التقديرية وأحكام وقف التنفيذ …

    بتحليل هذا النص نستخلص النتائج التالية:

    1- إن هذا النص يتناول السرقة التي استكملت أركانها ولم يقترن بها أي ظرف مشدد أو مخفف. – إن المشرع قرر للسرقة البسيطة عقوبتي الحبس والغرامة معا، ولم يعط القاضي سلطة الخيار بينهما، وإن كان يتمتع بسلطة تقديرية بمر او حة عقوبتي الحبس والغرامة بين حديهما الأدنى والأعلى .

    2- إن الشروع في ارتكاب السرقة البسيطة معاقب عليه بصریح نص المادة 638 يتناول العقاب محاولة ارتكاب الجنح المنصوص عليها في هذا الفصل”.

     أي كل الجنح المنصوص عليها في فصل السرقة بما فيها السرقة البسطة.

    3- يمكن إضافة للعقوبة الحكم بوضع السارق تحت الحرية المراقبة أو بمنعه من الإقامة في مكان محدد كتدبير احترازي، وذلك بصریح نص المادة 639 ق.ع. ونصها

     “يمكن أن يوضع تحت الحرية المراقبة أو يمنع من الإقامة كل من حكم عليه بعقوبة مانعة للحرية من أجل سرقة أو محاولة سرقة.

     وهذا النص يشمل كل صور السرقة، جنائية أو جنحية، سواء كانت تامة أو مشروعا بها، بشرط أن يكون قد حكم على السارق بعقوبة مانعة للحرية.

    إذا يستبعد توقيعهما في جنح السرقة التي يحكم من أجلها بالغرامة فقط، كالسرقة المنصوص عليها في المادة 633 ق.ع.

     4- أشار المشرع صراحة إلى الطاقة الكهربائية، بخلاف كثير من التشريعات، وبذلك حسم الخلاف الذي كان محتدماً حول اعتبار الكهرباء مالاً منقولاً مادياً قابلاً ليكون محلاً لجرم السرقة.

  • الركن المادي في جريمة السرقة

     

    إن الركن المادي لجريمة السرقة يتجسد، كما عرفته المادة 621 من قانون العقوبات، بالأخذ دون الرضاء.

    وككل الجرائم لا بد أن يتوافر في الركن المادي ثلاثة عناصر:

     النشاط الجرمي – النتيجة – العلاقة السببية التي تربط بين النشاط والنتيجة.

    والنشاط الجرمي في السرقة يتمثل بفعل الأخذ دون الرضاء، أما النتيجة فتتمثل بتبديل الحيازة، بخروج الشيء المسروق من حيازة المجني عليه ودخوله في حيازة السارق أو غيره.

    ويجب أخيراً أن ترتبط النتيجة بالسلوك برابطة سببية، معناها أن يكون انتقال الحيازة سيبه سلوك الفاعل.

    وتتميز السرقة عن غيرها من الجرائم بتداخل واندماج النشاط الجرمي مع النتيجة في التطبيق، بحيث يجتمع في الفعل النتيجة والعلاقة السببية.

    فعندما ترتكب السرقة تامة بالأخذ دون الرضا فإن نتيجتها، وهي تبديل الحيازة، تتحقق مع الفعل وتندمج فيه، بحيث تصبح دراسة الفعل هي دراسة للنتيجة والعلاقة السببية بذات الوقت، بحيث لا يصبح هناك مبرر لدراسة كل عنصر من عناصر الركن المادي بشكل منفصل.

    ولا تتضح أهمية الفصل بين الفعل والنتيجة إلا عندما تتوقف السرقة في مرحلة الشروع، فيكون لدينا الفعل الذي لم تتحقق نتيجته، فيصبح من الضرورة الفصل بينهما في الدراسة.

     و المشرع لم يحدد بنص المادة 621 المقصود بكلمة الأخذ التي يمكن تعريفها بأنها الاستيلاء على الحيازة التامة لمال منقول بدون رضاء مالكه أو حائزه.

    نستخلص من هذا التعريف أن الأخذ لا يقوم إلا إذا توافر عنصران:

    عنصر مادي يتمثل بالاستيلاء على الحيازة.

     وعنصر معنوي يتمثل بعدم رضاء مالك المنقول أو حائزه عن الفعل  .

    الأخذ (الاستيلاء على الحيازة)

    يتوافر الأخذ عندما يقوم الفاعل بنشاط مادي ينقل به المال إلى حيازته، بغض النظر عن الطريقة التي اتبعها، سواء بالخطف أو النقل أو النزع أو السلب.

    المهم في ذلك أن يتم الاستيلاء على المنقول بنشاط الفاعل، ولكن ليس من الضروري أن يكون هذا الاستيلاء بيده.

     فيعد سارقاً من يدرب قرداً على النشل ويطبقها القرد فعلا.

     كما يعد سارقاً من يطلب من نادل في مطعم أن يناوله معطفاً موضوع على مقعد موهما إياه أنه صاحبه، فيناوله النادل المعطف بحسن نية، فيستولي عليه ويفر به.

    كذلك يكفي أن يهيئ السارق أسباب انتقال الحيازة إليه، كمن يحول مجرى مياه جاره إلى أرضه، بإزالة عقبة أو عائق، حتى تتحدر إليها عند ورودها.

    بيد أنه يشترط لاعتبار الفاعل سارقاً أن ينقل الشيء إلى حيازته، أما إذا أعدمه في مكانه، بإحراقه مثلا أو أطلقه، كما لو كان طائراً في قفص وفتح له الباب فطار، فلا يعد الفاعل سارقاً. والاستيلاء الذي يقوم به الأخذ هو الاستيلاء على الحيازة التامة.

     والحيازة التامة تعطي صاحبها على الشيء المحاز كافة سلطات المالك على ملکه، بغض النظر إذا كانت مستندة إلى حق مشروع الملكية، أو غير مشروع كالسرقة.

     وللحيازة التامة عنصران: عنصر مادي ويعني السيطرة المادية على الشيء، وعنصر معنوي معناه إرادة الحائز التصرف بالشيء تصرف المالك.

    إذن، فالاستيلاء الذي يقوم به الأخذ، ويلاحق بموجبه الفاعل عن جرم السرقة هو الاستيلاء على الحيازة التامة بعنصریها المادي والمعنوي.

    أي أن يستولي الفاعل مادياً على الشيء، مريداً إنهاء حيازة صاحبه عليه و إنشاء حيازة جديدة له أو لغيره، متصرفاً بالمال تصرف المالك.

     أما إذا كان الاستيلاء على الحيازة الناقصة، مريدا استعمال الشيء فقط، وإعادته لمالكه، فلا تقوم بذلك السرقة، لأن الفاعل لم ينكر ملكية صاحب المال.

     ومن هذا القبيل أيضا الاستيلاء على اليد العارضة، فمن يستولي على مال منقول بهدف معاينته أو فحصه ويعيده مباشرة لصاحبه، لا يعتبر سارقة أيضا.

     يستخلص من تحديد الأخذ استنادا لهذا المفهوم نتيجتان:

    الأولى: أن الأخذ لا يتوافر إذا كان الشيء في حيازة المدعى عليه بشكل مسبق.

     الثانية: أن التسليم ينفي الأخذ.

    أولا- الحيازة المسبقة للمدعى عليه.

    فعندما يكون الشيء المنقول في حيازة المدعى عليه ابتداء، ويمتنع عن رده إلى مالكه أو حائزه، متصرفاً به تصرف المالك، فلا يعد سارقاً له لأنه لم يحصل منه أخذ.

     فالبائع الذي يرفض تسليم المبيع إلى المشتري بعد قبضه للمنه، لا يعد سارقا له، لأنه لم يخرج من حيازته أصلاً ويأخذه من المشتري خفية أو عنوة.

    أما لو سلمه المبيع ثم قام بالاستيلاء عليه بعد ذلك، فهنا يكون قد فقد حيازته للشيء بتسليمه، فيعد سارقا له.

    وكأمثلة أخرى لهذه الحالة، إذا كان الشيء المنقول في حيازة شخص ونازعه الغير على ملكيته، وحكم لهذا الغير بأحقيته بملكيته، فرفض تسليمه، فلا يعد سارقاً له لأنه ظل محتفظاً بحيازة الشيء أثناء المنازعة على الملكية، فانتفي بذلك الركن المادي للسرقة المتمثل بالأخذ. أو إذا كان الشخص يحوز الشيء بناء على عقد ائتماني، كالإيجار أو العارية، وانتهت مدة العقد، فوجب عليه رد المال للمؤجر أو المعير، فرفض رده ناكر ملكيته له، ومتصرفا به تصرف المالك، فهذا لا يعد سارقاً أيضا لأنه لم يتنازل عن الحيازة أصلاً ثم يستولي على الشيء بعد ذلك كي يعد سارقاً.

     ففي هذا المثال يعتبر الفاعل مرتكباً لجرم إساءة الائتمان.

    ثانيا – التسليم النافي للأخذ.

    إن تسليم الشيء المنقول يمنع توافر عنصر الركن المادي، المتمثل بالأخذ.

     فالتسليم يتعارض مع فكرة سلب الحيازة أو الاستيلاء عليها. والتسليم المسبق ينفي الأخذ سواء كان حر، أو كان مبنية على غلط، أو كان مشوبة بالغش والخداع. إلا أنه ليس كل تسليم ينفي الأخذ، بل لا بد أن يتوافر به ثلاثة شروط مجتمعة.

    شروط التسليم النافي للأخذ

    لا بد أن يتوافر في التسليم النافي للأخذ الشروط التالية: الصفة – الإرادة الحرة المميزة – التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة.

    1- الصفة.

    كي ينفي التسليم الأخذ يجب أن يكون حاصلا من شخص له صفة على الشيء فينقل بموجب هذه الصفة حيازة المال، وشرط الصفة يتوافر بمالك الشيء أو حائز.

     ففي المثال السابق عن النادل والمعطف، فصحيح أن النادل سلم المعطف إلى الزبون السارق، إلا أن هذا التسليم لا ينفي الأخذ باعتبار أن النادل ليس بذي صفة على هذا المعطف، فهو ليس إلا أداة استخدمها الزبون في سرقة المعطف بدل أن يأخذه بيده مباشرة.

     إلا أن الأمر يختلف إذا كان هذا النادل قد تسلم المعطف من صاحبه على سبيل الأمانة، فيصبح ذا صفة على المعطف، وهو ما يجري عليه العمل ببعض المطاعم الراقية، ويدعى (الفيستيير – vestiere)، حيث يسلم الزبون معطفه للفيستيير فيسلمه الأخير کرتاً مرقماً يستطيع بموجبه استلام معطفه عند مغادرة المكان.

    فلو أخطأ الفيستيير وسلم المعطف الزبون آخر غير صاحبه، فهذا الزبون لا يعتبر سارقاً للمعطف إذا اكتشف الأمر وسكت عنه، لأنه استلمه من صاحب صفة عليه، وهذا التسليم ينفي الأخذ.

    2- الإرادة الحرة المميزة

    يجب أن يكون التسليم النافي للأخذ صادرة عن شخص ذي صفة باختياره وبإرادته الحرة، ومدرك للآثار القانونية للعمل الذي يقوم به. فلا عبر بتسليم المكره والصبي غير المميز والمجنون والمعتوه.

     فالتسليم في هذه الأحوال هو تسليم أني لا يعتد به. فمن تسلم منقولا من مكره أو مجنون واستولى عليه متصرفا به تصرف المالك يعتبر سارقاً.

    3- التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة

    إن التسليم الذي ينفي ركن الأخذ في جريمة السرقة هو الذي ينقل الحيازة كاملة بقصد التخلي نهائيا عن حيازة الشيء، أو هو التسليم الذي ينقل الحيازة الناقصة، وهي الحيازة على سبيل الأمانة بموجب إحدى العقود الائتمانية.

    أما مجرد التسليم المادي الذي لا ينقل حيازة، تامة أو ناقصة، وتكون به يد المستلم على الشيء يد عارضة فلا ينفي الأخذ. والحيازة التامة، كما أسلفنا ، تعطى صاحبها على الشيء المحاز ممارسة كافة سلطات المالك على ملکه، بغض النظر إذا كانت مستندة إلى حق مشروع كالملكية، أو غير مشروع كالسرقة .

    وللحيازة التامة عنصران: عنصر مادي ويعني السيطرة المادية على الشيء، و عنصر معنوي ويعني إرادة الحائز التصرف بالشيء تصرف المالك.

    أما الحيازة الناقصة فتكون للشخص الذي يتوفر في حيازته للشيء العنصر المادي فقط، أي السيطرة على الشيء، دون عنصرها المعنوي.

     وهي الحيازة على سبيل الأمانة بموجب إحدى العقود الائتمانية كالوديعة و العارية والإيجار والرهن…

     والحائز على سبيل الأمانة إنما يحوز الشيء لحساب مالكه بناء على عقد يلتزم برد الشيء عند نهاية مدته، مما يستبعد معه أي إدعاء من جانبه بملكية الشيء .

    أما اليد العارضة فلا تعتبر نوعا من الحيازة، بل هي مجرد وضع يد مادي على الشيء دون أن يكون لواضع اليد أي حق أو سلطة على الشيء .

     و الحيازة تبقى لمن سلم الشيء، أما المستلم فيكون اتصاله بالشيء اتصلا مادية بحتاً، أي يكون الشيء عرضاً بين يديه ويتوجب عليه أن يرده بعد وقت يسير ، ويخضع دوما لرقابة من له الحق على الشيء.

     ومن أمثلتها حالة الجمال الذي يحمل للمسافر حقيبته في المطار أو في محطة القطار تحت بصره ورقابته، والخادمة في المنزل بالنسبة لمحتوياته، والعامل في المصنع بالنسبة للأدوات التي يستخدمها أثناء عمله، ومن هذا  القبيل أيضا من يتناول شيئا لمعاينته أو لتفحصه أو لتقدير ثمنه، كمالك السيارة الذي يسلمها إلى آخر لفحصها وتجريبها تمهيدا لشرائها، وصاحب محل المجوهرات الذي يسلم قطعة ذهبية لزبون أو زبونة ليعاينها قبل شرائها.

    إلا أن التسليم لا يشترط أن يكون حقيقياً كما في الأمثلة السابقة، بل قد يكون التسليم حكمياً، من هذا القبيل الأدوات التي يقدمها صاحب المطعم للزبائن و الفندق للنزلاء ومتاع المنزل بالنسبة للضيوف، ففي هذه الحالات جميعا إذا  استولى صاحب اليد العارضية على الشيء يعتبر سارقاً له.

    وتطبيقا لما سبق شرحه، لو أن مالكة لمنقول سلمه إلى شخص آخر، فإن الاحتمالات التي نواجهها تكون كالتالي:

    – إذا كان التسليم بقصد التخلي النهائي عن المنقول، فهو تسليم ناقل للحيازة التامة، بالتالي فالمستلم لا يعد سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك.

     – إذا كان التسليم بقصد الإعارة أو الوديعة أو الإيجار، فهو تسليم ناقل للحيازة الناقصة، إذا فالمستلم لا يعد سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك، بل مسيئا للأمانة.

    – إذا كان التسليم بقصد المعاينة أو الفحص أو تقدير قيمة الشيء أو القيام بعمل معين تحت إشراف ورقابة المسلم, أو كان التسليم حكمياً، كحالة متاع المنزل بالنسبة للضيوف، وأدوات المطعم والفندق بالنسبة للزبائن والنزلاء، فهو تسليم يد عارضة، بالتالي إذا استولى المستلم على الشيء مريداً التصرف به تصرف المالك، يعتبر سارقا له، لأن تسليم اليد العارضة لا يعتبر تسليماً ناقلاً للحيازة التامة أو الناقصة.

     باختصار، فإن التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة ينفي ركن الأخذ، إذا ينفي جرم السرقة. أما تسليم اليد العارضة فيقوم به ركن الأخذ، وبالتالي جرم السرقة.

    – وبالرغم من وضوح فكرة اليد العارضة، فإن تطبيقها في بعض الحالات يثير التساؤل حول حكمها.

     كحالة تسليح شيء بداخله شيء آخر يجهله المسلم، وحالة متاع المنزل بالنسبة للزوجين والأولاد.

     – من صور الحالة الأولى أن يسلم زبون معطفه لصاحب محل تنظيف الثياب، فيكتشف صاحب المحل وجود مبلغ من المال، أو خاتم ثمين، في جيب المعطف، فيستولى عليه، فهل يعتبر سارقا له؟

    ما من شكك في أن تسليم الزبون لمعطفه هو تسلیم ناقل للحيازة الناقصة، فإذا استولى صاحب المحل على المعطف عد مسيئا للائتمان.

     إلا أن هذا التسليم الناقل للحيازة الناقصة يتناول المعطف فقط، باعتبار أن صاحبه يجهل وجود المبلغ أو الخاتم بداخله، بالتالي فلا وجود للتسليم أصلا بالنسبة لهما، باعتبار أن من خصائص التسليم أنه إرادي.

    إلا أن عدم وجود التسليم لا يعني أن الاستيلاء عليهما يشكل جرم السرقة، فصاحب المحل لم يقم بأي نشاط إيجابي ينقل به حيازة الشيء من صاحبه إلى حيازته أو حيازة غيره، بل دخل الشيء في حيازته بصورة طارئة نتيجة عدم علم صاحب المعطف بوجود المبلغ أو الخاتم بداخله.

     فحكم هذه الحالة يطاله نص المادة 659 الخاص بالأشياء الضائعة أو المفقودة، السالفة الذكر، وهي من الجرائم الملحقة بإساءة الائتمان، كل من استملك أو اختلس …..أي شيء منقول دخل في حيازته…… أو بصورة طارئة أو بقوة قاهرة عوقب بالحبس……

    أما بالنسبة لحالة متاع المنزل، فما من شك بأن يد الابن على المنقولات المملوكة لوالده يد عارضة، فإذا استولى على أي شيء منها عد سارقا له، إلا إذا سلم إليه على سبيل الأمانة .

     أما عن حالة الزوجين، فإذا كان المال خاصة بأحدهما، كالنقود، واستولى عليه الأخر عد سارق له .

    أما إذا كان المال في حيازته على سبيل الأمانة، فاستولى عليه متصرفاً به تصرف المالك، عد مسيئا للائتمان، وإذا كان المال مملوكة للزوجين معا وفي حيازتهما معا في نفس الوقت، فيعتبر كل منهما في هذه الحالة أمينة على حصة الأخر من المال، فإذا استولى عليه وتصرف به تصرف المالك اعتبر مسيئا للائتمان.

    – ومتى كان التسليم ناقلاً للحيازة الكاملة أو الناقصة فإنه ينفي السرقة لانتفاء ركن الأخذ ولو بني على غلط، أو كان نتيجة غش أو خداع.

    أ- التسليم الناشئ عن غلط.

    يخلط الشخص عندما يتوهم أو يعتقد بما يخالف الحقيقة والواقع. والتسليم الناشئ عن غلط قد يكون في ذات الشيء أو في قيمته أو كميته أو في شخص المستلم.

    ومن أمثلة الغلط في ذات الشيء أن يرد کواء إلى زبون عنده معطف غير معطفه ظان أنه له فيأخذه الزبون مع علمه بالغلط الذي وقع به الكواء.

     أو يرد مصلح الساعات لزبون ساعة زبون آخر فيأخذها الزبون مع علمه بالغلط الذي وقع به المسلم.

    ومن قبيل الغلط في قيمة الشيء أو كميته أن يسلم المشتري للبائع ورقة من فئة الخمسمائة ليرة ظنا منه أنها من فئة المائة ليرة فيأخذها البائع وهو يعلم بما وقع به المشتري من غلط.

    أو أن يسلم المدين لدائنه أكثر من الدين المستحق عليه متوهم أن ما سلمه هو قيمة الدين، فيستلم الدائن المبلغ وهو عالم بالغلط الذي وقع به المدين.

    ومن أمثلة الغلط في شخص المستلم أن يسلم شخص بضاعة لأخر معتقدا أنه صاحب الحق فيها، أو أن يوفي المدين بدين عليه إلى شخص يظنه دائنه، فيستلم الشخص البضاعة أو الدين ويسكت عن الغلط الذي وقع به المسلم.

    ففي هذه الأمثلة عندما يمتنع المستلم عن رد الشيء، ويتصرف به تصرف المالك، فلا يعد سارقا، لأن التسليم هنا ينفي الأخذ، فهو قد تم عن إدراك واختيار من ذي صفة وناقلا للحيازة.

    وليس من شك في أن القانون المدني يجيز لمن وقع في غلط من هذا النوع أن يبطل التصرف إذا كان الطرف الأخر عالما بالغلط، ولكن ما يعنينا هو موقف القانون الجزائي بهذا الخصوص.

     ولقد حسم المشرع السوري هذه المسألة باعتباره الفاعل مرتكبا للجريمة الواردة في المادة 659 من قانون العقوبات، وهي من الجرائم الملحقة بإساءة الائتمان، كما أسلفنا، ونصها

     “1- كل من استملك أو اختلس، أو رفض أن يرد، أو كتم لقطة، أو أي شيء منقول دخل في حيازته غلط، أو بصورة طارئة، أو بقوة قاهرة، يعاقب بالحبس حتى سنة وبغرامة….

    ب- التسليم الناشئ عن غش أو خداع

    لاحظنا في التسليم الناشئ عن غلط أن موقف المستلم يكون فيه سلبياً.

     فالمسلم هو الذي يقع بالغلط من تلقاء نفسه. أما في حالة التسليم الناشئ عن غش أو خداع فموقف المستلم هنا مختلف، فلا يقتصر على موقف سلبي منه بعلمه بالغلط والسكوت عنه، وإنما يقوم بإيقاع المستلم في الغلط، بالكذب عليه و غشه، مما يدفعه إلى تسليمه المال.

    وهذا الغلط بدوره قد ينصب على ذات الشيء أو على قيمته أو كمیته أو على شخص المستلم. والتسليم الناشئ عن الغش يأخذ حكم التسليم الناشئ عن الغلط بكونهما ينفيا الأخذ، ولا يعد المستلم فيهما سارقاً، لأن إرادة المسلم، بغض النظر عما شابها من عيب، قد اتجهت فعلا إلى نقل الحيازة.

     وقد يقتصر الغش في هذه الحالة على مجرد التدليس وفق المفهوم المدني، الذي يعطي المتضرر منه الحق بإيطال التصرف أو العقد أمام القضاء المدني.

    وقد يتجاوز الغش المفهوم المدني إذا ترافق مع وسائل احتيالية أوقعت المسلم بالغلط ودفعته إلى تسليم المال، فهنا نكون أمام جريمة احتيال إذا توافرت سائر أركانها.

     إذاً المعيار الذي يمكن اعتماده هنا هو درجة الغش.

    فإذا  كان الغش يسيراً فقد لا تقوم به جريمة، أما إذا كان جسيما، فهو يشكل جرم الاحتيال  ومن قبيل ذلك أن يستولي الشخص على مال غيره مقابل إيداع شيء لديه على سبيل الرهن ثم يتضح فيما بعد أن ما أودعه عديم القيمة.

    أو أن يشتري الشخص سلعة ويدفع ثمنها بورقة مالية لم تعد قابلة للتداول قانوناً موهماً البائع بأنها ورقة نقد متداولة.

     أو يعرض الشخص على أخر سلعة تافهة موهما إياه بأنها ذات قيمة كبيرة، ويطلب ثمناً كبيراً زاعما أن الصفقة في مصلحة الشخص الأخر ويستولي بذلك على مال قيمته أضعاف قيمة السلعة.

     ففي جميع هذه الحالات يكون هناك تسليما نافية للأخذ، ولكن الفعل قد يشكل جرم احتيال إذا توافرت سائر أركانه الأخرى.

     

    عدم الرضا

    إضافة لوجوب توفر الأخذ المتمثل بالاستيلاء على الحيازة التامة، لا بد لاكتمال عناصر الأخذ، أن يتم الاستيلاء دون رضاء المالك أو الحائز للمال.

     وهذا ما أفصح عنه نص المادة 621 بتعريفه للسرقة “بأخذ مال الغير المنقول دون رضاه “. وبتوافر هذين العنصرين يكتمل الركن المادي للسرقة.

    أما إذا تحقق العنصر الأول، أي الاستيلاء على المال، ولكن برضاء المالك أو الحائز ، فينتفي بذلك الأخذ، ولا تقوم بالتالي جريمة السرقة .

    ورضاء المالك كاف لانتفاء السرقة سواء كان المال في حيازته أو في حيازة غيره.

    أما إذا كان المال في حيازة غير المالك، فإن رضاء كل من المالك أو الحائز على حدة يكفي لانتفاء الأخذ.

     فلو أن مستأجرة المنقول قام بتسليمه الشخص أخر، دون رضاء المالك، فلا يعد من استلمه سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك.

     ولكنه قد يسأل مع المستأجر عن جريمة إساءة الائتمان.

     أما لو قام المالك بتسليم المنقول المؤجر إلى شخص آخر، دون رضاء المستأجر، فلا يعد من استلمه سارقا له، ولا يستطيع المستأجر العودة على المؤجر إلا بدعوى مدنية، كتنفيذ العقد أو فسخ العقد، دون إمكانية ملاحقة المالك و المستلم بدعوى جزائية، ما دام المالك قد تصرف بملكه، ولكنه يكون قد خالف شروط عقد الإيجار.

    أما إذا كان المال في يد عارضة فلا عبرة بالرضا الصادر عن صاحبها . فاليد العارضة لا تعطي صاحبها أي حق أو سلطة على الشيء، فإذا قام بالاستيلاء على الشيء عد سارقاً له، وإذا سلم الشيء لشخص أخر، يعتبر الشخص الأخر سارقاً أيضا، إذا كان يعلم بطبيعة حيازته للمال .

    فالحمال في المطار أو في محطة القطار تعتبر بده عارضة على الحقيبة التي يسلمه إياها المسافر، بالتالي لا يعتد برضائه بتسليم الحقيقية لشخص أخر، لأن الرضا يكون في هذه الحالة لصاحب الحقيبة.

    وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة 621 أشار إلى عدم الرضا وليس عدم العلم.

    نستنتج من ذلك أن لا تلازم بين عدم الرضا و عدم العلم .

    فالمطلوب عدم الرضا ولو كان المجني عليه يعلم بفعل الأخذ.

     وهذه الحالة تتوفر في السرقة بالإكراه، أو عند عدم اعتراض المجني عليه واستدراجه للسارق ليتمكن من القبض عليه متلبساً .

     ففي هذه الحالات يعتبر الفاعل سارقا، بالرغم من علم المجني عليه بالسرقة، وذلك لانتفاء رضاءه. وعلى العكس من ذلك فقد يأخذ الفاعل المال دون علم صاحبه، ولكن ظروف الحال تثبت أنه كان راض عن أخذه، فلا تقوم بذلك السرقة.

     فصاحب الدار لا يرى ضيوفه وهم يأكلون من ثمار حديقته ولكن ظروف الحال يستدل منها على موافقته.

    والأب لا يبصر ولده وهو يستولي على بعض ماله، ولكن طبيعة العلاقة بينهما تدل على أن الأب راض بفعل ابنه في حدود معينة.

    والرضا ينتج أثره في نفي السرقة ولو كان الفاعل لا يعلم به.

     فعدم الرضا من المالك أو الحائز هو أحد عناصر الركن المادي الذي ينتج أثره دون اشتراط علم الفاعل به.

     فقد يقدم شخص على الاستيلاء على مال مملوك للغير، ويكون هذا الغير راضيا بذلك، فلا يعتبر الفعل سرقة إلا بنظر الفاعل.

    ويستوي في عدم الرضا أن يكون صريحاً أو ضمنياً. ويمكن استخلاص عدم الرضا الصريح من تمسك المجني عليه بالمال ومقاومته للسارق.

    أما عدم الرضا الضمني فيمكن استخلاصه من ظروف وملابسات الواقعة، كعدم المقاومة نتيجة خوف المجني عليه من أن يلحق السارق به الأذى، أو وجود المال في خزنة محكمة الإغلاق، احتاج السارق لفتحها استخدام أدوات مخصوصة.

    وغني عن البيان أن الرضا النافي للأخذ يشترط فيه أن يصدر من ذي صفة وهو المالك أو الحائز حيازة ناقصة، وأن يكون صادرة عن إرادة مميزة حرة، كما أشرنا سابقا في التسليم النافي للأخذ، فلا قيمة للرضا الصادر عن مجنون أو معتوه أو صبي غير مميز أو مكره. والعبرة في توافر الرضا النافي للأخذ هو وقت فعل الأخذ، أما إذا كان لاحقا للفعل فهو لا ينفيه، ولا يمنع من قيام السرقة. فلو أقدم شخص على سرقة مال مملوك للغير دون رضاه، ثم صفح عنه، أو رضي أن يحتفظ بالمال المسروق، فهذا لا ينفي عن الفعل وصف السرقة.

  • ركن رجريمة السرقة بأن يكون محل السرقة منقولاً

    جاء في المادة 621 من قانون العقوبات أن السرقة هي “أخذ مال الغير المنقول…“.

     فالسرقة لا تقع على عقار.

    فمن يستولي على عقار غيره بنية تملكه يعتبر مرتكبا لجرم غصب العقار حسب المادة 723 من قانون العقوبات وليس مرتكبا لجرم السرقة.

     وبالرغم من أن التمييز بين المنقول والعقار هي من موضوعات القانون المدني، فإن للمنقول في القانون الجزائي معنى قد يختلف عن معناه في القانون المدني.

     فللمنقول في القانون المدني صورتان:

    فهو إما منقول بطبيعته، ويتمثل بكل شيء مادي يقبل الحركة والنقل من مكانه دون تعرضه للتلف.

    وإما منقول بحسب المال، ويتمثل بالعقار الذي سيصبح منقولا، كالأشجار المعدة للقطع والمباني المهيأة للهدم والمحاصيل الزراعية التي مالها الحصاد.

    أما العقار في المفهوم المدني فهو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف. ويدخل في هذا المفهوم، إضافة للعقار بطبيعته كقطعة أرض أو بناء أو مسكن، العقار بالاتصال، وهو المنقول بطبيعته الذي يتصل بالعقار اتصالاً مادياً فيحمل اسمه ويأخذ حكمه، كأبواب المنازل ونوافذها .

     و العقار بالتخصيص، وهو المنقول بطبيعته الذي سخر لخدمة العقار کالات المصنع.

     أما القانون الجزائي، فإن كان يتبنى الفكرة الأساسية التي يقوم عليها المفهوم المدني في التمييز بين المنقول والعقار ، إلا أنه لا يتقبل جميع نتائجها، ويرفض جانبا منها.

    ففي المفهوم الجزائي يعتبر منقولاً قابلاً للسرقة كل مال يمكن تغيير موضعه، أي يقبل الحركة والنقل من مكانه سواء أصابه تلف أم لم يصبه.

    وهذا يعني، بخلاف المفهوم المدني، أن الشيء يعتبر منقوة ولو كان جزءا من العقار إذا انفصل عنه لأي سبب كان.

    وتطبيقا لذلك يعتبر منقولاً صالحاً كمحل لجرم السرقة في المفهوم الجزائي:

     1- المنقول بطبيعته، وهو كل شيء ممكن رفعه من مكانه وجعله في مكان آخر، كالنقود والملابس والأثاث والسيارات والوثائق والسندات والمخطوطات … الخ

     2- العقار بالتخصيص، وهو المنقول بطبيعته الذي سخر لخدمة العقار، كالات الزراعة والماشية التابعة للأرض والات المصانع وماكينات المصاعد الكهربائية.

     3- العقار بالاتصال، وهو المنقول بطبيعته الذي يتصل بالعقار اتصالاً مادياً متى انفصل عن العقار الثابت فيصبح بذلك من المنقولات، كالنوافذ والأبواب والمواسير والأشجار.

     فمن يضبط مثلا وهو يحاول نزع نافذة أو اقتلاع شجرة بقصد تملكها يعتبر شارعاً في جرم السرقة.

    نستخلص من ذلك أن المنقول في المفهوم الجزائي هو كل شيء يمكن نقله من مكانه بأية وسيلة سواء أدى هذا النقل إلى تلف أم لا، وسواء أدى إلى تغيير هيئته أم لا.

     وبذلك لا يخرج من نطاق المنقولات سوی العقار بطبيعته، وهو المال الثابت في مكانه الذي لا يمكن تصور نقله من مكانه كقطة أرض أو منزل في بناء قائم.

  • ركن جريمة السرقة بأن يكون محل السرقة ذو طبيعة مادية

    إن مفهوم السرقة يتضمن الاستيلاء على الحيازة الكاملة لشيء له صفة المنقول ونقله من مكانه.

    وهذا المفهوم لا يستوي إلا إذا كان هذا الشيء مادياً.

     والشيء المادي هو “كل ما يشغل حيزا من فراغ هذا الكون ويستطيع الإنسان أن يدركه ببعض حواسه”.

     أو هو “كل ماله كيان ذاتي مستقل في العالم الخارجي، أو هو كل ماله طول و عرض وسمك بصرف النظر عن حجمه أو وزنه أو هيئته “.

     إذن فمناط الصفة المادية للشيء هو إمكان السيطرة المادية عليه وصلاحيته للتملك.

    نستخلص من ذلك نتيجتين:

     – الأولى:

    أن الأشياء المعنوية، أي غير المادية، لا تصلح محلا للسرقة، كالحقوق والأفكار والألحان والمخترعات والشعر، لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس وليس لها كيان مادي يمكن الاستيلاء عليه.

     بيد أن هذه الأشياء تتحول إلى منقولات مادية صالحة لتكون محلا للسرقة إذا أفرغت في وعاء مادي، کسند أو كتاب أو نوتة موسيقية أو براءة اختراع، لأن السرقة هنا تقع على المادة التي دون بها الحق أو الكتاب الذي وضعت به الأفكار أو النوتة التي تتضمن اللحن الموسيقي أو براءة الاختراع. أما الحقوق في حد ذاتها والأفكار والألحان والمخترعات فليس لها كيان مادي يصلح ليكون محلا للسرقة .

    – الثانية:

    يستوي في أن يكون هذا الشيء المادي الذي يأخذ صفة المنقول جسم صلب أو سائلا أو غازية، فهو ذو کیان مادي وان اختلفت مادته. والأشياء الصلبة لا يمكن حصرها، فمنها النقود والمواشي والآلات…الخ.

     أما الأشياء السائلة، كالماء والزيت والكحول والبترول، فهي سوائل مادية يمكن إحرازها و تملكها، ويخضع الاستيلاء عليها لوصف السرقة.

    وعلى ذلك يعتبر سارقاً من يسحب الماء من أرض جاره وينقلها إلى أرضه.

     كما يعتبر سارقاً من يستولي على كمية من مياه الشرب أكثر مما حسبه العداد باستعماله طريقة من طرق الغش لأخذ الماء.

     كأن يضع ماسورة قبل العداد الذي وضعته الشركة دون أن يجعل الماء يمر بالعداد، أو يجعله يمر بالعداد ولكنه تلاعب في حركته بإبطاء تلك الحركة عن السير العادي.

    أما إذا ترك العداد يحسب مقدار كمية المياه المستهلكة بطريقة عادية ثم قام بعد ذلك بتغيير الرقم الحقيقي المبين بالعداد إلى رقم أقل منه فإنه لا يعد مرتكبا لجريمة السرقة، لأن كمية المياه وقت أخذها إنما أخذت واستهلكت بطريقة نظامية، لأن العداد كان يحسبها في أثناء الأخذ بصورة صحيحة، فلم تؤخذ بدون رضاء الشركة، إذ يستفاد هذا الرضا من مرور المياه بالعداد مرورة طبيعية، وإن كان يعتبر سلوكه هذا غشا عقدية غير مشروع في مقدار دین الشركة على مدينها، أو يعتبر غشا قد يصل إلى حد الاحتيال إذا توافرت شروطه، ولكنه ليس سرقة.

    أما الأشياء الغازية، فبالرغم من أنها لا تدرك بالعين المجردة، إلا أنها تأخذ حكم الأشياء الصلبة والسائلة، لأنه يمكن حيازتها ونقلها وتملكها من خلال ما تعبأ فيه من أنابيب أو قوارير لاستخدامها في الأغراض الاقتصادية.

     ويدخل ضمن هذا المفهوم الطاقة الكهربائية والمغناطيسية التي تعمل على نقل الصوت عبر الأسلاك التلفونية والطاقة النووية.

     فهي طاقات تخضع للسيطرة كغيرها من الأشياء المادية، فهي تعبأ وتنقل وتجاز وتقاس ويتحكم فيها سواء بالاستهلاك أو عدمه، و تصلح محلا لحق التملك، وبالتاي محلا لجرم السرقة.

    وقد نص المشرع السوري صراحة في المادة 621 فقرة 2 من قانون العقوبات على أن “القوة المحرزة تنزل منزلة الأشياء المنقولة في تطبيق القوانين الجزائية”.

     وبذلك أدخل المشرع الكهرباء والغاز والبخار في قائمة الأموال التي تصلح محلا لجرم السرقة.

     وعلى ذلك يعتبر سرقة الحصول خلسة على التيار الكهربائي بمد سلك من الخط الرئيسي أو بوضع سلك بطرفي العداد يمر منه التيار دون تسجيله في العداد، باعتبار أن الكهرباء في هذه الحالة لم تسلم رضائياً وفق الشروط التي وضعتها شركة الكهرباء.

     أما التلاعب بالعداد بعد الاستحصال على الكهرباء أصوة بتخفيض الكمية المسجلة فيشكل غشا في كمية البضاعة المتعاقد عليها، أو احتيالاً إذا توافرت شروطه وليس سرقة.

    ويعتبر مرتكبا لجرم السرقة ايضا، وليس جرم استعمال اشياء الغير دون وجه حق، من يستولي على الخط الهاتفي لجاره، سواء تعطل خط الجار المجني عليه أم لم يتعطل.

     فالخط الهاتفي له قيمة مالية تتمثل في تكاليف الاشتراك والمكالمات التلفونية المستهلكة، وقام المتهم بتملك قيمة المكالمات الهاتفية التي استعملها وهو يعلم بأنه غير مالك للخط الهاتفي، ودون رضاء صاحب الخط المجني عليه.

  • تعريف الجرائم الواقعة على الأموال وأنواعها وتقسيمها

    تعريف الجرائم الواقعة على الأموال

    يقصد بالجرائم الواقعة على الأموال تلك الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الحقوق ذات القيمة المالية.

     ويدخل في نطاق هذه الحقوق كل حق ذي قيمة اقتصادية أيا كانت ،ومكونة لأحد عناصر الذمة المالية. أو الأفعال التي تنال بالاعتداء العناصر المكونة للذمة المالية للأشخاص .

     أو مجموعة الجرائم التي تنقص أو تعدل العناصر الإيجابية للذمة المالية أو تزيد من عناصرها السلبية عن طريق زيادة ديون المجني عليه.

     والذمة المالية تعني ما للشخص من حقوق وما عليه من التزامات مالية، وتكون الحقوق الجانب الإيجابي من الذمة، أما الالتزامات فتكون جانبها السلبي.

    والحقوق المالية ثلاثة أنواع:

     حقوق عينية و تتمثل في سلطة لصاحب الحق تنصب مباشرة على الشيء موضوع حقه وأهمها حق الملكية، وأغلب الحقوق العينية تتفرع عنه كحق الانتفاع وحق الارتفاق.

    وحقوق شخصية أو دائنية وتتمثل في علاقة بين صاحب الحق وغيره يتوجب فيها على ذلك الغير أداء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عنه، كالعلاقة بين الدائن والمدين، فالدائن له حق شخصي لدى المدين بعدم إشهار إفلاسه احتيالية، وعدم الغش في التعامل وعدم التعامل بالربا.

    وأخيرا حقوق معنوية موضوعها نتاج الفكر أو العلامات المميزة لنوع من الإنتاج الصناعي أو النشاط التجاري. وهذه الحقوق تخول أصحابها أن ينسب لهم وحدهم إنتاجهم وتكفل كذلك حماية استغلالهم المالي له.

    وهناك نصوص خاصة تحمي الملكية الأدبية والصناعية والفنية، كتقليد العلامات التجارية والصناعية.

    وقد يكون محل هذه الأنواع الثلاثة من الحقوق عقارا أو منقولا أو شيئا معنويا.

     نستخلص من هذه التعاريف النتائج التالية:

    1- إن الجرائم الواقعة على الأموال تنطوي على عدوان، وهذا العدوان قد يتمثل في إلحاق ضرر فعلي بالمال، وقد يقتصر على تعريضه للخطر.

    2- لا يقتصر نطاق الجرائم الواقعة على الأموال على الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الجانب الإيجابي من الذمة المالية، أي ما للشخص من حقوق، ولكنها تشمل أيضا الجرائم التي تنال الجانب السلبي للذمة فتزيد دون حق من الديون الملتزم بها المجني عليه كالمراباة و بعض صور الغش في كمية أو نوع البضاعة.

    3- باعتبار أن الذمة المالية هي المحل المادي للجرائم الواقعة على الأموال فذلك يستدعي استبعاد الجرائم الواقعة على الأشخاص من نطاق الجرائم الواقعة على الأموال وإن ترتب عليها، بشكل غير مباشر، مساس بالذمة المالية للمجني عليه.

     فجريمة الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة أو إلى تعطيل عن العمل لمدة معينة تؤثر على الذمة المالية للمجني عليه إذا أقعدته عن العمل والكسب ومع ذلك فهي لا تدخل ضمن نطاق الجرائم الواقعة على الأموال.

    4- إن المجني عليه في جرائم الاعتداء على الأموال هو أحد الأشخاص طبيعياً كان أم معنوياً. و بذلك يخرج من مجالها الجرائم الواقعة على الذمة المالية للأشخاص المعنوية العامة كالدولة مثلا.

     فجريمة الاختلاس، بالرغم من كونها سرقة، إلا أنها لا تدخل ضمن نطاق الجرائم الواقعة على الأموال بل ضمن الجرائم الواقعة على الإدارة العامة، باعتبار أن المجرم يحمل صفة الموظف المؤتمن على الأموال من قبل الدولة.

     فهنا يغلب المشرع مفهوم المساس بالوظيفة العامة على مفهوم الاعتداء على المال.

    5- يخرج من مجال الجرائم الواقعة على الأموال الأفعال التي يتخذ الخطر الناجم عنها صورة الخطر الشامل وإن وقعت على مال من الأموال التي تشكل أحد العناصر الإيجابية للذمة المالية. كالحريق الذي يغلب المشرع فيه معنی الخطر الشامل على فكرة الاعتداء على المال فيخرجه من نطاق الجرائم الواقعة على الأموال.

     

    تقسيم الجرائم الواقعة على الأموال

    هناك عدة معايير تقسم على أساسها هذه الفصيلة من الجرائم.

    المعيار الأول

    ويستند إلى طبيعة الحق المعتدى عليه: عيني – شخصي – معنوي. واستنادا لأنواع الحقوق الثلاثة

    هذه يمكن تقسيم هذه الجرائم إلى طائفة تقع على الحقوق العينية، كالسرقة والاحتيال وإساءة الأمانة والهدم والتخريب و غصب العقار.

    وأخرى على الحقوق الشخصية، كالإفلاس الاحتيالي والغش إضرارا بالدائن والمراباة. وثالثة على الحقوق المعنوية، كجرائم الاعتداء على الملكية الأدبية والفنية، كتقليد العلامات التجارية والصناعية.

    المعيار الثاني

    ويستند إلى طبيعة محل الجريمة المادي، فتقسم الجرائم إلى جرائم لا تقع إلا على أموال منقولة كالسرقة وإساءة الائتمان، وجرائم لا تقع إلا على أموال عقارية، كغصب العقار. وجرائم تقع على الأموال المنقولة والعقارية، كالاحتيال.

     المعيار الثالث

    فيستند إلى الدافع أو الباعث الذي يحرك الفاعل. فتقسم الجرائم، من جهة، إلى جرائم استيلاء أو إثراء إذا كان الدافع لارتكابها الحصول على مغنم مالي. فجرائم الإثراء هي الجرائم التي تزيد في الجانب الإيجابي الذمة مقترفها عندما تتجه إرادته إلى تملك مال يملكه غيره، فتزيد الأموال التي يحوزها أو تزداد مغانمة المالية.

    والسرقة والاحتيال وإساءة الائتمان تعتبر من هذه الفئة.

     إذ يسعی مقترفها إلى تملك المال الذي يسرقه أو يتسلمه احتيالا أو يخون في شأنه الأمانة. وتقسم، من جهة أخرى، إلى جرائم إتلاف أو إضرار إذا كان الدافع لارتكابها هو مجرد إفقار المجني عليه من خلال إنقاص ما يحوز من مال أو هبوط قيمته فحسب دون أن يسعى إلى مغنم مالي مقابل، أي إلى زيادة ما يحوزه مرتكب الجرم من أموال .

    ومن جرائم الإضرار الهدم والتخريب والحريق والتعدي على المزروعات والحيوانات والآلات الزراعية. ومثالها قيام شخص بتسميم ماشية جارد، أو إتلاف محصولات أرضه أو حرقها.

    – وفي تصدينا لفصيلة الجرائم الواقعة على الأموال سنقتصر على شرح جرائم السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان، أي جرائم الإثراء، وذلك لفرط أهميتها وكثرة تعقيداتها وبلوغ الخلاف أشده فيها.

    وتجدر الإشارة إلى أن المشرع ألحق بهذه الجرائم في قانون العقوبات جرائم أخرى تتشابه معها في علة التجريم أو في بعض الأحكام.

     فألحق بالسرقة غصب العقار و استعمال أشياء الغير بدون وجه حق. وألحق بالاحتيال المراباة و الشيك بدون رصيد و الغش بالمهاجرة. وألحق بإساءة الائتمان رفض رد اللقطة.

  • جريمة القتل أو الايذاء من غير قصد

    القتل والإيذاء عن غير قصد

    قليلة هي الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات إذا ارتكبت عن غير قصد. والقتل والإيذاء تعتبر من أهمها.

    فهذه الجرائم يعتمد المشرع اتجاهها سياسة العقاب ليس استناداً إلى قصد جرمي وإنما استناداً إلى خطأ وقع به الفاعل أدى إلى موت الضحية أو إيذائها.

    والحكمة في تجريم القتل والإيذاء خطأ تكمن في رغبة المشرع بصيانة أرواح الناس وسلامتهم البدنية، ولو كان الفعل في الحالتين ناتج عن خطأ لا عن قصد.

    ولضرورة كون السياسة التي يعتمدها المشرع في العقاب عادلة، يجب أن يميز في العقاب بين القتل والإيذاء قصدأ والقتل والإيذاء خطأ بجعل المسئولية الناتجة عن الخطأ أخف بكثير من تلك الناتجة عن القصد.

     وتجدر الإشارة إلى أن جرائم القتل والإيذاء خطأ تتحد مع بعضها في أركان الجريمة، سواء منها الركن المفترض وهو الإنسان الحي، أو الركن المادي المتمثل في سلوك الفاعل، أو في الركن المعنوي وهو الخطأ الذي يتجسد بإحدى صور ثلاث:

     الإهمال – قلة الاحتراز – عدم مراعاة الشرائع والأنظمة.

    إلا أن الفرق بين القتل والإيذاء خطأ يظهر في جسامة النتيجة الجرمية المتولدة عن هذا الخطأ، فبينما تتمثل هذه النتيجة في القتل بالوفاة، نراها في الإيذاء تتمثل بمجرد المساس بصحة المجني عليه أو بسلامته الجسدية.

    هذا التوافق بين القتل والإيذاء الخطأ هو ما دفع المشرع السوري إلى تناول أحكامهما معا و على التوالي في المواد 550 إلى 553 من قانون العقوبات.

    حيث تناول أو جرم القتل في المادة 550 كما يلي:

    “من سبب موت إنسان عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”.

    ثم تصدى للإيذاء غير المقصود في المادة 551 على الشكل التالي:

    1- إذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا إيذاء كالذي نصت عليه المواد 542 -544 كان العقاب من شهرين إلى سنة.

     2- يعاقب على كل إيذاء آخر غير مقصود بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بغرامة لا تتجاوز المائة ليرة.

     3- وتعلق الملاحقة على شكوى المجني عليه إذا لم ينجم عن الإيذاء مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تجاوز العشرة أيام ويكون لتنازل الشاكي عن حقه نفس المفاعيل المبينة في المادتين 540 – 541″.

    ونتيجة لكثرة حوادث القتل والإيذاء الخطأ الناجمة عن استعمال السيارات أورد المشرع نص المادة 552 كما يلي:

    “كل سائق مركبة تسبب بحادث ولو مادي، ولم يقف من فوراُ، أو لم يعني بالمجني عليه، أو حاول التملص من التبعة بالهرب يعاقب بالحبس التكديري وبغرامة لا تتجاوز الخمسين ليرة”.

    ثم أورد المشرع في نص المادة 553 ظرفاً مشدداً للقتل والإيذاء غير المقصودين كما يلي:

    “يزاد على العقوبات المذكورة في المادتين 550 و 551 نصفها إذا اقترف المجرم أحد الأفعال الواردة في المادة السابقة”.

    يتبين من مراجعة نص المادتين 550 و 551 أن أركان جريمتي القتل والإيذاء خطأ واحدة، وكل ما في الأمر أن المشرع وضعهما في نصين مختلفين بسبب اختلاف النتيجة في كل منهما، فهي في الأولى الوفاة وفي الأخرى المساس بسلامة الضحية البدنية

     وهذه الأركان هي: الركن المفترض – الركن المادي – الركن المعنوي.

    والركن المفترض يقتضي وقوع فعل الاعتداء على إنسان حي. ولقد سبق التصدي لهذا الركن في معرض الحديث عن أركان القتل المقصود وما يصح قوله هناك يصح قوله هنا.

    والركن المادي له ثلاثة عناصر:

     نشاط الفاعل سواء تمثل بصورة إيجابية أو سلبية. والنتيجة الضارة الناجمة عن هذا النشاط وهي الوفاة أو الإصابة. والرابطة السببية بين النشاط و النتيجة.

     أما الركن المعنوي فيتمثل في الخطأ. والخطأ هذا هو انعكاس لنشاط الفاعل، أي أن ثمة تلازم بين نشاط الفاعل وخطئه، فهذا الخطأ يكمن في النشاط الذي يأتيه الفاعل”.

    فسائق السيارة عندما يقود بسرعة يرتكب نشاطاً محرماً هو السرعة وهذا النشاط بحد ذاته يؤلف الخطأ وينطوي على الركن المعنوي.

    وبناء على هذا التلازم بين النشاط والخطا سيتم تناول النشاط الجرمي والركن المعنوي معا تحت عنوان الخطا، متطرقين ضمنها للأشخاص المسئولين، إضافة للنتيجة المعاقب عليها والعلاقة السببية بين الخطأ والنتيجة. ثم نتطرق إلى درجات القتل والإيذاء الخطأ أي أوصافهما القانونية المختلفة.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1