Blog

  • متى يضع قاضي التحقيق يده على الدعوى في القضاء السوري

    متى يضع قاضي التحقيق يده على الدعوى في القضاء السوري

    متى يضع قاضي التحقيق يده على الدعوى في القضاء السوري

    نصت المادة (54) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:

    “ليس لقاضي التحقيق في غير الجرم المشهود أن يباشر تحقيقاً أو أن يصدر مذكرة قضائية قبل أن تقام الدعوى لديه”

    يتبين من المادة (54) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن قاضي التحقيق لا يملك حق مباشرة الإجراءات التحقيقية إلا إذا دخلت الدعوى في حوزته بشكل قانوني، وتدخل الدعوى في حوزة قاضي التحقيق في خمس حالات:

    أولا- الجرائم المشهودة

    نصت المادة (52) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن:

    “1- لقاضي التحقيق عند وقوع الجرائم المشهودة أن يباشر جميع المعاملات التي هي من اختصاص النائب العام.

    2- عن إجراء وله أيضا أن يطلب حضور النائب العام ولكن دون أن يتوقف المعاملات المذكورة”.

    يتضح من هذه المادة أنه في حالة الجرم المشهود يتصل قاضي التحقيق بالدعوى مباشرة،  دون أن ينتظر إقامة الدعوى العامة أمامه من قبل النيابة العامة أو المدعي الشخصي، لأنه يجمع في شخصه، في هذه الحالة، بين سلطة النيابة العامة وسلطة التحقيق ويمارس الوظيفتين معاً.

    ويتصل قاضي التحقيق بالدعوى سواء كانت الجريمة المشهودة من نوع الجناية أم الجنحة.

     أي لابد من أن يكون قد ضبط الجريمة بنفسه في إحدى حالات الجرم المشهود المحددة في المادة (28) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

    وفي غير هذه الحالات، لا تعد الجريمة مشهودة بالنسبة إليه.

    ثانيا- ادعاء النيابة العامة

     نصت المادة 51 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:

    “1- إذا كان الفعل جناية أودع النائب العام التحقيقات التي أجراها أو التي أحال إليه أوراقها موظفو الضابطة العدلية إلى قاضي التحقيق.

     1- أما إذا كان الفعل جنحة فله أن يحيل الأوراق إلى قاضي التحقيق أو إلى المحكمة مباشرة حسب مقتضيات الحال.

     2- وفي جميع الأحوال يشفع الاحالة بادعائه ويطلب ما يراه لازماً “.

    فالنيابة العامة هي الجهة المختصة بإقامة الدعوى العامة، فإن كانت الجريمة جناية أقامت الدعوى بها بصورة إلزامية أمام قاضي التحقيق.

     وإذا كانت الجريمة جنحة وكان فاعلها معروفة فهي بالخيار في إقامتها أمام محكمة الدرجة الأولى المختصة أو أمام قاضي التحقيق.

     أما إذا كان فاعل الجنحة غير معروف وتتطلب معرفته إجراء تحقيقية أوسع بمعرفة قاضي التحقيق، فحينئذ تحيل النيابة العامة الأوراق إلى قاضي التحقيق مع ادعائها وطلباتها.

    ثالثاً- الادعاء الشخصي

    نصت المادة (57) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه :

     “لكل شخص يعد نفسه متضررة من جراء جناية أو جنحة أن يقدم شكوى يتخذ فيها صفة الادعاء الشخصي إلى قاضي التحقيق المختص وفقا لأحكام المادة (3) من هذا القانون”.

    يتبين من هذه المادة أن المشرع أعطى المضرور من جراء جناية أو جنحة أن يتقدم بشكوى يتخذ فيها صفة الادعاء الشخصي ويطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب الجريمة إلى قاضي التحقيق المختص.

    وفي هذه الحال يضع قاضي التحقيق يده على الدعويين العامة والمدنية.

    ومتى وضع قاضي التحقيق يده على الدعوى بناء على الادعاء الشخصي تحركت الدعوى الجزائية بقوة القانون حتى لو رأت النيابة العامة غير ذلك طالما كان الادعاء الشخصي المباشر جائزة قانوناَ.

    رابعا- إحالة القضية بتعيين المرجع

    قد يحدث أن يتنازع قاضيان للتحقيق تنازعة إيجابية أو سلبية، بأن يدعي كلاهما الاختصاص أو عدم الاختصاص بالتحقيق، وفي هذه الحالة يعرض الأمر على الجهة المختصة بتعيين المرجع، حيث تتولى تحديد أي القاضيين هو المختص.

     ويكون قرارها بهذا الشأن ملزمة القاضي الذي عينته فلا يجوز له أن يعترض على هذا القرار أو يمتنع عن تنفيذه، ويجب عليه أن يجري التحقيق في الدعوى المحالة إليه.

    خامسا- إحالة القضية بطريق نقل الدعوى

    قد يكون قاضي التحقيق مختصاً أصلاً في التحقيق في الدعوى العامة، ومع ذلك فقد تقتضي المحافظة على الأمن العام أو تبديد الشبهات، أي وجود ما يسمى بالارتياب المشروع، عندما تثير وقائع الحال الشبهة في نزاهة قاضي التحقيق أن تقرر الغرفة الجزائية في محكمة النقض بناء على طلب النائب العام لديها نقل الدعوى التي يحقق فيها قاضي التحقيق إلى قاضي تحقيق أخر.

    كما يمكن نقل الدعوى بناء على طلب المدعى عليه أو المدعي الشخصي في حالة الارتياب المشروع.

  • اختصاص قاضي التحقيق السوري ( النوعي – الشخصي – المكاني )

    اختصاص قاضي التحقيق السوري ( النوعي – الشخصي – المكاني )

    قاضي-التحقيق-واختصاصه-في-القانون-السوري

    أولاً : تعريق قاضي التحقيق

    لم يضع قانون أصول المحاكمات الجزائية تعريف خاص بقاضي التحقيق ولم يتطلب القانون شروط معينة في القضاة الذين يمارسون وظيفة التحقيق.

    وقد اكتفت المادة (60) من قانون السلطة القضائية بالقول:

    “يتولى التحقيق قضاة يمارسون الوظائف المعهودة إليهم بموجب القوانين النافذة”.

    ولكن يمكن القول إن القاضي التحقيق دورة مزدوجة، فهو من ناحية يرمي إلى جمع الأدلة والتثبت منها، وهذا يستلزم إجراء المعاينة والاستعانة بالخبراء وسماع الشهود واستجواب المدعي عليه، كما يتميز دوره من ناحية ثانية في إمكانية اتخاذ القرارات في المطاليب والدفوع المقدمة إليه، وفي إيقاف التعقبات أو منع المحاكمة لعدم كفاية الأدلة، أو الإحالة إلى المحكمة إذا ارتأى أن الفعل يؤلف جرمأ أو قام دليل كاف على اتهام المدعى عليه بالجريمة.

    اختصاص قاضي التحقيق

    إن مراعاة قواعد الاختصاص في الأمور الجزائية هي من النظام العام، وعلى قاضي التحقيق البحث فيها من تلقاء ذاته ولو لم يثره أحد من الخصوم.

     لذلك ينبغي على قاضي التحقيق قبل البدء بإجراء أي عمل تحقيقي أن يتثبت من اختصاصه. فإذا تبين له أنه غير مختص، عمد إلى إصدار قراره بذلك وتخلي عن التحقيق، وأودع الأوراق قاضي التحقيق المختص، وإلا كان كل إجراء يقوم به باطلا. وقد نصت المادة (65) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:

     “إذا رفعت الشكوى إلى قاضي تحقيق غير مختص، أودعها قاضي التحقيق المختص”.

    لذلك لابد من أن يكون قاضي التحقيق مختصة من نواح ثلاث:

    1- الاختصاص النوعي

    جاء في المادة (51) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أنه إذا كان الفعل جناية، أودع النائب العام التحقيقات التي أجراها أو التي أحال إليه أوراقها موظفو الضابطة العدلية إلى قاضي التحقيق.

     أما إذا كان الفعل جنحة، فله أن يحيل الأوراق إلى قاضي التحقيق أو إلى المحكمة مباشرة حسب مقتضيات الحال.

    أي إن قاضي التحقيق له صلاحية التحقيق في جميع جرائم الجنايات والجنح، ولا يجوز له أن يحقق في المخالفات إلا إذا كانت المخالفة تلازم جنحة أو جناية وترتبط بها.

     لكن إذا أقيمت الدعوى أمام قاضي التحقيق بجنحة، ثم اتضح أن الجرم عبارة عن مخالفة، فيحيل عندئذ قاضي التحقيق المدعى عليه إلى محكمة الصلح الجزائية المختصة ويأمر بإطلاق سراحه إن كان موقوفاً.

    ب- الاختصاص الشخصي

    يتناول اختصاص قاضي التحقيق الشخصي جميع الجرائم التي يرتكبها الأشخاص الذين يقطنون فوق أرجاء الجمهورية العربية السورية، والمعاقب عليها في القانون السوري، باستثناء من يتمتع منهم بحصانات وامتیازات بالنسبة لإقامة الدعوى ضدهم وفق الطرق العادية.

    وإذا تناول ادعاء النيابة أحدا منهم امتنع على قاضي التحقيق القيام بأي إجراء ضدهم.

     وكل إجراء يصدر ضدهم يعد باطلاً لصدوره عن غير ذي صفة.

    وهؤلاء هم: رئيس الجمهورية، والوزراء والنواب، وموظفو السلك الدبلوماسي والقضاة والعسكريون.

    ج- الاختصاص المكاني

    حددت المادة (3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، قواعد الاختصاص المكاني في الدعوى الجزائية على الشكل التالي:

     1- تقام الدعوى العامة على المدعى عليه أمام المرجع القضائي المختص التابع له مكان وقوع الجريمة أو موطن المدعى عليه أو مكان إلقاء القبض عليه.

     2- في حالة الشروع تعد الجريمة أنها وقعت في كل مكان وقع فيه عمل من أعمال التنفيذ.

    وفي الجرائم المستمرة يعد مكاناً للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار.

    وفي جرائم الاعتياد والجرائم المتتابعة يعد مكانا للجريمة كل مكان يقع فيه أحد الأفعال الداخلة فيها.

    3- أما بالنسبة إلى الجرائم التي تقع خارج سورية و يطبق عليها القانون السوري، فإنه إذا لم يكن لمرتكبها محل إقامة في سورية ولم يلق القبض عليه فيها، فإن الدعوى العامة تقام عليه أمام المرجع القضائي في العاصمة (دمشق).

    فالاختصاص المكاني لقاضي التحقيق يحدد إما بالنسبة إلى مكان وقوع الجريمة، أو بالنسبة إلى محل إقامة المدعى عليه، أو بالنسبة إلى مكان إلقاء القبض عليه، ولا تفضيل لمكان على أخر إلا في أسبقية إقامة الدعوى العامة. وقواعد الاختصاص المحلي هي من النظام العام وتجوز إثارتها في جميع مراحل الدعوى.

  • صفات التحقيق الابتدائي في القانون السوري

    صفات التحقيق الابتدائي في القانون السوري

     

     

     صفات-التحقيق-الابتدائي

     يتميز التحقيق الابتدائي بثلاث صفات هي: سرية التحقيق، السرعة في إنجاز التحقيق، وتدوين المحاضر.

    أ- سرية التحقيق

    نصت المادة 70 في فقرتيها 1و2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ما يلي:

    “1 – للمدعى عليه والمسؤول بالمال والمدعي الشخصي ووكلائهم الحق في حضور جميع أعمال التحقيق ما عدا سماع الشهود.

    2- ولا يحق للأشخاص المذكورين في الفقرة الأولى، بحال تخلفهم عن الحضور، بعد دعوتهم حسب الأصول، أن يطلعوا على التحقيقات التي جرت في غيابهم”.

    يتبين من هاتين الفقرتين، أن التحقيق الابتدائي سري بالنسبة لعامة الناس، لكنه علني بالنسبة للخصوم ووكلائهم.

     فلا يجوز حضور الجمهور جلسات التحقيق ولا الاطلاع على محاضر الجلسات.

    كما منع المشرع نشر أية وثيقة من وثائق التحقيق الجنائي أو الجنحي قبل تلاوتها في جلسة علنية وعاقب عليها بغرامة تصل إلى مئة ليرة، وذلك تجنبا لتأثير وسائل الإعلام في سير التحقيق سواء أكان ذلك في مصلحة المتهم أم ضد مصلحته، بالإضافة إلى حماية المتهم من سوء السمعة في حال ثبتت براعته خلال التحقيق.

     وينتفي مبدأ السرية بالنسبة إلى الخصوم في الدعوى وهم المدعي الشخصي والمدعى عليه والمسؤول بالمال ووكلاؤهم الذين لهم الحق في حضور جميع أعمال التحقيق ما عدا سماع الشهود.

    وقد فرض المشرع هذا القيد بالنسبة إلى أقوال الشهود، حتى يتمكن هؤلاء من الادلاء بأقوالهم دون حرج، على أن يوجه قاضي التحقيق دعوة إلى الخصوم والوكلاء حسب الأصول لحضور أعمال التحقيق، فإذا تخلف هؤلاء بعد ذلك عن الحضور ، فيجري التحقيق بمعزل عنهم، وليس لهم في هذه الحالة أن يطلعوا على التحقيقات التي جرت في غيابهم.

    غير أن من حق قاضي التحقيق أن يجري التحقيق بمعزل عن الخصوم في حالتين، الاستعجال أو متى رأى ضرورة لإظهار الحقيقة، وقراره في هذا الشأن لا يقبل المراجعة، إنما يجب عليه عند انتهائه من التحقيق المقرر على هذا الوجه أن يطلع عليه ذوي العلاقة.

    لذلك يمكن القول إن مبدأ سرية التحقيق يجب أن يكون مطلقا بالنسبة لجمهور الناس كافة، وتبقى السرية قائمة إلى أن تتم إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، فيحل محله عندئذ مبدأ علانية المحاكمة.

    ب- السرعة في إنجاز التحقيق

    يجب أن تتسم إجراءات التحقيق الابتدائي بالسرعة من أجل تحديد هوية الفاعل واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل معاقبته والمحافظة على معالم الجريمة وأثارها، وحتی لا يبقى المتهم موقوفا مده طويلة من الزمن في حال كان بريئاً.

    والنصوص القانونية التي تسبغ على الإجراءات التحقيقية صفة السرعة متعددة، منها مثلاً عندما أوجب المشرع أن تبلغ قرارات قاضي التحقيق للخصوم خلال أربع وعشرين ساعة من تاريخ صدورها، وعندما حدد مهلة تقديم الاستئناف إلى قاضي الإحالة بأربع وعشرين ساعة.

    كذلك عندما ألزم قاضي التحقيق بأن يودع النائب العام معاملات التحقيق لدى انتهائه منها ليعطي النائب العام مطالبته فيها خلال ثلاثة أيام على الأكثر، وعندما خص الجريمة المشهودة بإجراءات خاصة تتسم بالسرعة .

    لكن مع ذلك لا يجوز أن تفهم قاعدة السرعة في الإجراءات التحقيقية، على أنها تعني العجلة في فصل الدعوى، وإنما تعني السرعة في اتخاذ الإجراء، والدقة والتأني في مباشرتها.

    ج- تدوين المحاضر :

     من أهم ضمانات التحقيق الابتدائي، إثبات جميع إجراءاته خطية، حتى تكون هذه الإجراءات أساسأ صالحة للاستدلال والإثبات، ولما توفره من وضوح للإجراءات المتخذة وتحديد الأثار المترتبة عليها، وذلك تسهيلا لعمل المحكمة للفصل في موضوع الدعوى فيما بعد.

    فيصطحب قاضي التحقيق عندما ينتقل إلى موقع الجريمة كاتب دائرته أو مستنابة عنه ويعطي النائب العام علما بانتقاله لمرافقته.

    ويستمع بحضور كاتبه إلى كل شاهد على حدة.

     وتدون إفادة كل شاهد في محضر يتضمن الأسئلة الموجهة إليه وأجوبته عليها.

     وتتلى على الشاهد إفادته فيصادق عليها ويوقع على كل صفحة منها ويضع بصمة إصبعه عليها إن كان أمي، واذا تمنع أو تعذر الأمر عليه يشار إلى ذلك في المحضر.

    يذكر في أخر المحضر عدد الصفحات التي تضمنت إفادة الشاهد ويوقع على كل صفحة منه قاضي التحقيق وكاتبه.

    وتتبع الأصول نفسها بشأن إفادات المدعي والمدعى عليه والخبراء.

    عند انتهاء التحقيق ينظم جدول بأسماء الأشخاص المستمعين وتاریخ سماعهم وعدد صفحات محاضر إفاداتهم.

     أي لابد من ذكر تاريخ كل إجراء تحقیقی کتاریخ سماع الشاهد أو استجواب المدعى عليه، حتى يكون للإجراء آثاره، مثل قطع التقادم أو بدء سريان ميعاد الطعن.

    ويتم التدوين بأن يملي قاضي التحقيق على الكاتب ما يجب تدوينه في الضبط بصوت مسموع من قبل الحضور، ليكونوا على بينة مما يدون على لسانهم من أقوال وايضاحات، ويكون لهذا المحضر قوة ثبوتية لا يجوز الطعن فيها إلا بالتزوير.

     لذلك اشترط المشرع عدم حصول أي حك في محضر التحقيق ولا أن يتخلل سطوره تحشية، فإذا اقتضى الأمر شطب أو إضافة كلمة وجب على قاضي التحقيق والكاتب والشخص المستجوب أن يوقعوا ويصادقوا على الشطب والإضافة في هامش المحضر وذلك تحت طائلة تغريم الكاتب خمسين ليرة سورية وتعرض قاضي التحقيق للمؤاخذة المسلكية، وتعد لاغية كل تحشية أو شطب أو إضافة.

    والسؤال الذي يمكن طرحه هنا في حال قيام قاضي التحقيق بتدوين المحضر بنفسه هو: هل يؤدي ذلك إلى البطلان؟.

    نحن مع الرأي الذي يقول، إن البطلان النسبي يسري في مثل هذه الحالة، فتبطل الإجراءات إذا دفع بها صاحب المصلحة قبل ختام المحاكمة أمام محكمة الأساس.

     

  • المبادئ الأساسية في التحقيق الابتدائي في القانون السوري

    المبادئ الأساسية في التحقيق الابتدائي في القانون السوري

    التحقيق الابتدائي والمبادئ الأساسية له في القانون السوري

    تعريف التحقيق الابتدائي

    يطلق تعبير التحقيق الابتدائي على البحث الذي يقوم به قاضي التحقيق وقاضي الإحالة لجمع الأدلة التي تثبت قيام الجريمة، وتقدير قيمتها، للتأكد مما إذا كانت كافية أو غير كافية لإثبات هذه الجريمة، وقوعاً وفاعلاً .

     أي هو مرحلة وسط تلي مرحلة التحقيق الأولي وتسبق مرحلة المحاكمة.

    لذلك يمكن تعريف التحقيق الابتدائي بأنه مجموعة من الإجراءات التي تسبق المحاكمة وتهدف إلى جمع الأدلة بشأن وقوع فعل يعاقب عليه القانون وملابسات وقوعه ومرتكبه وفحص الجوانب المختلفة لشخصية الجاني ثم تقدیر ذلك كله لتحديد كفايته لإحالة المتهم للمحاكمة.

     أي يهيئ التحقيق الابتدائي ملف الدعوى العامة كي يتسني لقضاء الحكم أن يقول كلمته في تلك الدعوى.

    فالهدف الأساسي من التحقيق الابتدائي الوصول إلى الحقيقة عن طريق تمحيص الأدلة والتأكد من كفايتها حول نسبة الجريمة إلى المدعى عليه. فأهمية التحقيق الابتدائي تكمن في كونه يعمل على اكتشاف الأدلة المتعلقة بالجريمة في الوقت المعاصر لها، أي قبل أن تتشوه أو تتلاشى، كما يعمل على الموازنة بين هذه الأدلة لاستبعاد الدليل الضعيف وتكوين رأي أولي حولها ليكفل إحالة الحالات التي تتوافر فيها أدلة كافية إلى المحاكم، حتى لا يمثل أمام المحكمة إلا من توافرت ضده أدلة كافية لاتهامه مستندة إلى أسس قانونية وواقعية متينة.

    وقد أثبتت الوقائع أن التحقيق الابتدائي يلعب دورا أساسياً في تقرير مصير الدعوى الجزائية، لأن قضاة الموضوع يعتمدون عليه كثيرة، ولو كانوا غير ملزمين به، الأن ضغط العمل عليهم لا يتيح لهم أن يقوموا بأنفسهم دوماً بإجرائه أو بالتوسع فيه.

    لذلك وصف التحقيق بأنه (ابتدائي)، لأنه يهدف إلى التمهيد لمرحلة المحاكمة عن طريق تجميع العناصر التي تتيح لسلطة الحكم الفصل في الدعوى، فقضاء التحقيق ليس من شأنه أن يفصل في الدعوى العامة بالبراءة أو بالإدانة.

    ومن أجل ذلك كله، لابد للسلطة المختصة بالتحقيق الابتدائي من أن تتخذ بعض الإجراءات التي تمس حقوق الأفراد وحرياتهم من أجل الكشف عن الحقيقة مع توفير الضمانات الكافية للمدعى عليه ليتمكن من الدفاع عن نفسه.

    لذلك لابد من تقسيم هذا الجزء إلى ثلاثة أجزاء نتعرف فيها على:

    أولا: المبادئ الأساسية في التحقيق الابتدائي.

    ثانيا: قاضي التحقيق.

     ثالثا: قاضي الإحالة.

    المبادئ الأساسية في التحقيق الابتدائي

    تقسم المبادئ الأساسية في التحقيق الابتدائي الى:

    1- الفصل بين التحقيق الابتدائي والادعاء.

     2- الفصل بين التحقيق الابتدائي والحكم.

     3- صفات التحقيق الابتدائي

    الفصل بين التحقيق الابتدائي والادعاء

     الأصل أن الادعاء من اختصاص النيابة العامة وهو إقامة الدعوى العامة على مرتكب الجريمة واحالته إلى الهيئات القضائية المختصة.

     أما التحقيق الابتدائي فهو ما يتخذ من إجراءات تهدف إلى جمع الأدلة التي تؤيد وجود الجريمة والقيام بالتحريات التي تفيد في إسناد الجريمة إلى المتهم بارتكابها.

     فالتحقيق الابتدائي يقوم في جوهره على التنقيب عن أدلة الدعوى سواء أكانت لمصلحة المتهم أو في غير مصلحته واتخاذ قرار بمدى كفايتها لإحالته إلى المحاكمة.

     وبذلك يظهر أن سلطة الادعاء تقف موقف الخصومة من المتهم، بينما تمثل سلطة التحقيق حكمة محايدة بين الادعاء والمتهم.

    لذلك كان لابد من إسناد مهمة التحقيق الابتدائي إلى سلطة تتصف بالحياد والنزاهة والكفاءة، أي أن تتوافر فيها صفات تبعث على الاطمئنان لتحقيق العدالة فيما يتعلق بالمتهم، إلى جانب اهتمامها بالتنقيب عن أدلة الاتهام.

    فالفصل بين سلطتي التحقيق والادعاء، يكفل للأفراد تحقيق العدالة، لأن مثل هذا  الفصل يمنع النيابة العامة من أن تجمع بين هاتين السلطتين التي تجعل منها عندئذ خصمة وحكمة في الوقت ذاته.

    الفصل بين سلطة التحقيق الابتدائي والحكم

     نصت المادة 56 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:

     “لا يجوز القاضي التحقيق أن ينظر أو يحكم في الدعوى التي حقق فيها”.

     وهذا المنع يسري أيضا على قاضي الإحالة، لأنه يعد من قضاة التحقيق ولا يحق له أن ينظر أو يحكم في الدعوى التي حقق فيها.

    يتبين من هذه المادة أن المشرع حرص عندما شرع هذه القاعدة على إعطاء سلطة التحقيق استقلاله في عملها عن قضاء الحكم.

    والهدف هو تحقيق العدالة، فلا يجوز لمن قام بالتحقيق في قضية معينة أن يتولى الفصل فيها، لأنه قد يتأثر بما تكون لديه من قناعة أثناء التحقيق في الدعوى.

    فالهدف من وراء هذا الفصل بين سلطتي التحقيق الابتدائي والحكم هو ضرورة ابتعاد قاضي الحكم عن تكوين رأي مسبق في الدعوى التي حقق فيها.

    فالقاضي المحقق الذي قرر إحالة المتهم إلى المحكمة، يكون مقتنعا بجرميته، فإذا جلس لمحاكمته كقاضي حكم، فمن الجائز أن يتشبث برأيه الأولي ويستمر في الاتجاه ذاته وإن ظهر له خطأ هذا الرأي، لذلك فإنه من الأفضل القضاء الحكم أن لا يحكمه أي رأي مسبق في الدعوى المطروحة أمامه حتى يستطيع الحكم فيها بصورة مجردة وبحياد تام.

     ولكن التساؤل الذي يمكن أن يطرح هو ما هي الأعمال التحقيقية التي تمنع القاضي إذا قام بها من أن يحكم في الدعوى، أي ما هي الأعمال التي تعد كافية لتكوين رأي للقاضي في الدعوى؟.

    يكفي أن يكون المحقق قد أقدم على عمل تحقيقي بالمعنى الحقيقي، فإذا قام بجزء من تحقيق في الدعوى سواء أكان ذلك داخلاً في عمله أو قام به بطريق الإنابة، كما لو استجوب المدعى عليه، أو قرر توقيفه، أو سمع شاهدأ، أو قرر لزوم محاكمة المدعي عليه… الخ فهذه الأعمال كلها تعد أعمالاً تحقيقية جوهرية تسمح له بتكوين رأي واضح في القضية.

  • البينة الخطية في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    البينة الخطية في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

     البينة-الخطية

    قدمة عن البينة الخطية

    البينة الخطية هي ما يعرف بالدليل الكتابي أو المحررات.

     فالمحرر ورقة تحمل بيانات في شأن واقعة ذات أهمية في إثبات ارتكاب الجريمة ونسبتها إلى المتهم.

    إن البينة الخطية هي الأوراق والضبوط التي تكون مطبوعة أو محررة باليد.

     والبينة الخطية التي تصلح أن تكون دليلاً في الإثبات، قد تنطوي على جسم الجريمة وقد تكون مجرد دليل عليها. فالوثيقة المزورة، وخطاب التهديد، والبلاغ الكاذب، يشكل كل منها جسم الجريمة، أما اعتراف المدعى عليه بما أسند إليه ضمن وثيقة خطية، رسمية كانت أو غير رسمية، فإنه يشكل دليلا على أنه هو الذي ارتكب الفعل الجرمي.

     وسواء انطوى الدليل الكتابي على جسم الجريمة، أم على اعتراف المدعى عليه، فإن هذا الدليل، لا يعد حه مطلقة لا يجوز إثبات عكس ما جاء فيه، وإنما يعد دليلاً يمكن دحضه، شأنه في ذلك شأن باقي الأدلة الأخرى التي توافرت في الدعوى .

    فالأصل أن البينة الخطية ليست لها حجية خاصة في الإثبات.

    والدليل الكتابي بكل صوره والمحررات، ولو كانت رسمية، تخضع لمطلق تقدير القاضي، شأنها شأن أي دليل أخر عند الإثبات في الدعوى الجزائية.

    فللقاضي أن يأخذ بما جاء في الورقة المكتوبة المعروضة أمامه، أو أن يطرحه ويلتفت عنه إن هو لم يقتنع به.

    فالأمر منوط دوما بما تمليه عليه قناعته الذاتية، فلا يجوز إلزام المحكمة بأن تقضي بما يخالف قناعتها التي كونتها من مجموع الأدلة التي قدمت في الدعوى وتناقش بها الخصوم.

    لكن المشرع جعل لبعض الأدلة الكتابية قوة إثبات خاصة بها، وذلك استثناء من قاعدة أن الإثبات في الدعوى الجزائية يخضع لمطلق تقدير محكمة الموضوع ولقناعتها الذاتية.

     أي جعل لها قوة ملزمة إلى أن يتقرر إثبات عكسها أو تزويرها.

    – الضبوط وقيمتها الإثباتية:

    لابد من التمييز بين ثلاثة أنواع من الضبوط :

    النوع الأول : الضبوط التي ينظمها أعضاء الضابطة العدلية ومساعدو النائب العام في الجنح والمخالفات المكلفون باستثباتها، حيث يعمل بها حتى يثبت عكس ما جاء فيها.

     ويشترط لإثبات العكس أن تكون البينة كتابية أو بواسطة الشهود.

    النوع الثاني : الضبوط التي يوجب القانون اعتبارها والعمل بها حتى ثبوت تزويرها، طالما توافرت فيها الشروط القانونية، كالضبوط التي تنظمها ضابطة الحراج والجمارك، ومحاضر جلسات المحاكم ونصوص الأحكام.

    ولكي يكون لهذين النوعين من الضبوط قوة إثباتية يجب حسب المادة 179 من قانون أصول

    المحاكمات الجزائية أن تتوفر فيهما الشروط الآتية:

    أ- أن يكون الضبط قد نظم ضمن حدود اختصاص الموظف وأثناء قيامه بمهام وظيفته.

    ب- أن يكون الموظف قد شهد الواقعة بنفسه أو سمعها شخصياً.

    ج- أن يكون الضبط صحيحة في الشكل.

    أما الضبوط التي لا تستوفي شروطها القانونية، فتعد من قبيل المعلومات العادية.

    النوع الثالث: الضبوط العادية التي لا تعدو أن تكون (معلومات عادية).

    والمشرع لم يحدد طبيعة هذه الضبوط، ولكن يدخل فيها تلك الضبوط التي ينظمها أعضاء الضابطة العدلية في الجنايات، وضبوط أفراد الشرطة الذين لم يمنحهم المشرع صفة الضابطة العدلية، وضبوط الموظفين التي ينظمونها في الجنايات والجنح والمخالفات التي يطلعون عليها أثناء إجراء وظيفتهم، والضبوط التي ينظمها أعضاء الضابطة العدلية في الجرائم التي لا يدخل استثباتها في اختصاصهم.

  • القرائن في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    القرائن في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    القرائن

    مقدمة حول القرائن

    القرينة هي وسيلة إثبات غير مباشرة، وهي تختلف عن سائر وسائل الإثبات التي درسناها کالاعتراف والشهادة والخبرة والبينة الخطية، فهذه كلها وسائل إثبات مباشرة لأنها تقع على ذات الواقعة المراد إثباتها، في حين أن القرينة هي دليل غير مباشر لأنها لا تقع على ذات الواقعة المراد إثباتها، بل على واقعة أخرى تتصل بها وتفيد في الدلالة عليها.

    لذلك يمكن القول إن الإثبات بالقرائن في الدعوى العامة عبارة عن استنتاج يستخلص من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة، بحيث تقوم بين الواقعتين صلة تؤدي إلى معرفة مرتكب الجريمة ونسبتها إليه.

    وكلما قويت الصلة بين الواقعة التي دلت عليها القرينة مباشرة، أي الواقعة المعلومة، وبين الواقعة الأصلية المراد إثباتها وهي الواقعة المجهولة، كانت القرينة صالحة لاعتبارها دليلاً على هذه الواقعة.

    وتأتي أهمية القرائن في الدعوى العامة من أن بعض الوقائع يستحيل أن يرد عليها إثبات مباشر، ومن ثم يمكن عن طريق القرائن التوصل إلى إثبات هذه الوقائع لصلتها بوقائع أخرى ذات صلة منطقية.

    فالقرائن، بوصفها وسيلة من وسائل الإثبات، هي الشواهد التي إذا أضيفت إلى بعضها البعض، يمكن للمحكمة أن تستخلص منها دليلاً مقبولاً تقتنع به.

    مثال على ذلك أنه إذا كان من الثابت أن المدعى عليه استدرج المجني عليه إلى منزله ودعاه إلى العشاء، وبعد تناول المجني عليه للعشاء بنصف ساعة، بدأت تظهر عليه أعراض التسمم، وحين تم تفتيش غرفة المدعى عليه، شوهدت آثار المادة السامة في الأواني.

     فاستدراج المدعى عليه للمجني عليه ودعوته إلى العشاء، وظهور أعراض التسمم عليه، ثم وجود آثار المادة السامة، كلها قرائن تؤدي إلى استنتاج منطقي بأن المدعى عليه هو الذي دس السم للمجني عليه، وإن لم يشهد أحد بأنه هو الذي دسه إليه.

    وكما أن القرينة يمكن أن تكون ضد المتهم، فيمكن بالقرينة أيضا التوصل إلى تبرئة المتهم،

    فوجوده في مكان بعيد جداً عن مكان الجريمة وقت وقوعها قرينة على عدم ارتكابه لهذه الجريمة، لأنه يستحيل عقلاً ومنطقاَ أن يقوم بارتكاب جريمة سرقة مثلاً بينما ثبت أن المتهم كان في تلك اللحظة مسافرة ويبعد آلاف الأميال عن مكان وقوع الجريمة.

    وبما أن الإثبات بالقرينة يقوم على الاستنتاج المنطقي، فقلما تكفي قرينة واحدة لإثبات الواقعة

    التي يجري التحقيق في شأنها.  وإنما يلزم تضافر قرائن عدة تقوى كل قرينة منها بغيرها فتسندها .

    والقرائن على نوعين: إما قرائن قانونية أو قضائية.

    أ- القرائن القانونية

    وردت في القانون على سبيل الحصر، لذلك لا يجوز للقاضي أن يضيف إليها أو يقيس عليها.

    وهذه القرائن تغني من تقررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات، أي تعفي من عبء الإثبات. فالإثبات في بعض الأحيان مسألة صعبة جدا قد لا يستطيع أحد الأطراف تحمل عبئه.

     وهي على نوعين: قرائن قانونية قاطعة، وقرائن قانونية بسيطة.

    أما القرائن القانونية القاطعة فهي القرائن التي لا تقبل إثبات عكسها، كقرينة انعدام التمييز لدي الصغير الذي لم يتم العاشرة من عمره، وقرينة صحة الأحكام المبرمة التي هي عنوان الحقيقة، وقرينة العلم بالقانون بمجرد نشره في الجريدة الرسمية، فلا يجوز الدفع بالجهل به.

    أما القرائن القانونية البسيطة، فهي التي تقبل إثبات العكس، وتظل قائمة إلى أن يقوم الدليل على عكسها، ومنها مشاهدة الجاني حاملا أسلحة أو تبدو عليه آثار معينة تعد قرينة على أنه مساهم في الجريمة، لكنها قرينة بسيطة يستطيع الجاني إثبات عكسها.

    ب – القرائن القضائية

    القرينة القضائية هي التي يستنتجها القاضي باجتهاده من خلال وقائع الدعوى المعروضة عن طريق إعماله الممكنات العقلية، وهذه القرائن كثيرة ولا يمكن حصرها، وقد ثرك تقديرها للقاضي يستنبطها من ظروف الوقائع المعروضة أمامه بعد التحليل والربط فيما بينها بما يقتضيه المنطق والتعليق العلمي،

    وللقاضي أن يعتمد عليها وحدها مادام الرأي الذي يستخلصه منها سائغة، ولكنها ليست ملزمة للقاضي.

    مثال ذلك وجود الدماء على ملابس المتهم، وقد ثبت أن هذه الدماء هي نفس فصيلة دم المجني عليه.

     ومن أمثلتها أيضا ضبط ورقة مع المتهم فيها رائحة الأفيون بوصفها قرينة على ارتكابه جريمة حيازة مخدر، أو مشاهدة عدة أشخاص يسيرون في الطريق مع من يحمل المسروقات ودخولهم معه في منزل واختفاؤهم فيه كقرينة على تدخلهم في السرقة، ووجود بصمة إصبع المدعى عليه أو أثار قدميه في مكان الجريمة كقرينة على مساهمته فيها.

    لذلك يمكن القول إن القرينة القضائية هي كل استنتاج لواقعة مجهولة من واقعة معلومة، بحيث يكون الاستنتاج ضروريا بحكم استخدام العقل والمنطق.

    ولا يخضع القاضي لرقابة محكمة النقض في تقديره للواقعة التي جعلها قرينة من حيث ثبوتها أو انتفاؤها، فذلك من صلاحيات محكمة الموضوع.

    وليس في القانون ما يمنع من بناء الحكم على القرائن وحدها، لكن القاضي يخضع لرقابة محكمة النقض فيما يستخلصه من الوقائع الثابتة من دلالات، وما يترتب عليها من أثر في إثبات الواقعة التي يبني عليها حكمه، إذ يجب على القاضي أن يبني حكمه على الجزم واليقين لا على الظن والتخمين.

     فالقرائن القضائية تصلح دليلاً كاملاً للإثبات، فيجوز للقاضي أن يستمد من القرائن قناعته الشخصية التي يعتمد عليها في الحكم.

    فالقناعة الشخصية يمكن أن تتولد من شذرات متفرقة من الظروف والحوادث تشكل بمجموعها سلسلة من القرائن الموجبة للقناعة.

    لكن يجب عند الأخذ بالقرينة أن يتم ذلك بحذر شديد مع بيان الأسلوب المنطقي الذي توصلت إليه المحكمة في اعتمادها القرينة، لأن القرينة، وإن كانت تصلح لأن تكون دليلاً، إلا أنها تعد من أدنى البينات.

  • الخبرة في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

    الخبرة في الدعاوى الجزائية كوسيلة للإثبات

     

    الخبرة

    مقدمة حول الخبرة

    ازدادات أهمية الخبرة في العصر الحاضر نتيجة لتقدم العلوم وتشعبها.

     وقد انعكس ذلك على العلوم الجنائية وما يتصل بها. فعند وقوع جريمة، لابد من الكشف عن أدلتها المادية التي تساعد على كشف حقيقة الجريمة ومعرفة مرتكبيها وكيفية ارتكابها.

    لذلك لابد من فحص هذه الأدلة المادية لبيان مدى قيمتها في إثبات الجريمة أو نفيها. وكثيراً ما يتطلب فحص هذه الأدلة المادية وتقويمها معرفة عالية وخبرة فنية لا يملك مثلها القاضي، مما يضطره إلى الاستعانة بشخص اختصاصي أو فني لبيان حقيقتها .

    فموضوع الخبرة يتضمن إبداء رأي علمي أو فني من شخص صاحب اختصاص في شأن واقعة لها أهمية في الدعوى الجزائية، فلا يستطيع القاضي البت فيها لأنه لا يتوافر لديه مثل هذا الاختصاص، كفحص الحالة العقلية للمتهم لتقدير أهليته الجزائية، أو فحص الجثة لتعيين سبب الوفاة،  أو فحص الخطوط في جريمة التزوير.

    ولم يشر المشرع إلى أحكام خاصة تتعلق بأصول الخبرة أمام القضاء الجزائی، فوردت بعض الأحكام المتفرقة في قانون أصول المحاكمات الجزائية في المواد 39 و 40و41، في معرض حديثه عن وظائف النيابة العامة في حالات الجرم المشهود.

    وهذا يدل على عدم رغبة المشرع واضع القانون في تقييد القضاة الجزائيين بأمور شكلية ما دام أمر الثبوت وعدمه في الأصل متروكة لضمائرهم وقناعتهم.

    أ- اللجوء إلى الخبرة

    السؤال الذي لابد من طرحه هو هل القاضي ملزم بالاستعانة بالخبرة؟.

     الأصل في هذه المسألة أن الأمر جوازي بالنسبة إلى قاضي الموضوع، فهو الذي له سلطة تقديرية في أن ينتدب خبيراً أو لا، كما له أن يرفض طلب انتداب خبير خاصة عندما يتعلق الأمر بوصف أمور واضحة فيقرر بنفسه الحقيقة التي يقتنع بها من المشاهدات والأدلة الأخرى.

     فهو الخبير الأعلى في كل ما يستطيع أن يفصل فيه بنفسه، ولهذا فهو غير ملزم بانتداب خبير في الدعوى ما دامت الواقعة قد وضحت لديه، وما دامت ظروف الحادثة أو أوراق الدعوى تشير بذاتها إلى الرأي الواجب الأخذ به أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى ويكون فصله في ذلك فصلاً في أمر موضوعي لا إشراف لمحكمة النقض عليه. وإذا رفض طلب اللجوء إلى الخبرة، لابد من أن يكون رفضه معللاً.

     فالاستعانة بالخبراء أمر متروك السلطة القاضي التقديرية التي لا تقع تحت رقابة محكمة النقض.

    أما إذا كان الأمر يتعلق بمسألة فنية بحتة، فإن القاضي يصبح ملزمة باللجوء إلى الخبرة. وقد حكمت محكمة النقض :

     (بأنه ليس للمحكمة أن تفصل في أمور فنية وعلمية لا يستوي في معرفتها ذوو الاختصاص مع غيرهم بل عليها أن تستعين بالخبراء في كل علم لتحقيق ما هو داخل ضمن خبرتهم).

    واللجوء إلى الخبرة جائز في كل مراحل الدعوى ، فيحق لموظفي الضابطة العدلية الاستعانة بالخبرة عند قيامهم بوظائفهم في التحقيق الأولي، وكذلك في التحقيق الابتدائي. كما إن للمحكمة أن تستعين بالخبرة في مرحلة المحاكمة.

    ب – موضوع الخبرة

    الخبرة في حقيقتها هي شهادة من الخبير في أمور تحصلت له معرفتها عن طريق علمه أو فنه أو صنعته أو تجربته.

    والخبرة في القضايا الجزائية كثيرة ومعقدة ويدخل ضمنها: تشريح جثث المتوفين لتحديد سبب الوفاة، وتحليل السموم، و بيان الجروح والرضوض والكدمات الموجودة على أجسام الأشخاص وتقدير أعمارهم، والكشف عن التزوير والتزييف، وأخذ صور البصمات التي تركها الجناة في مكان الحادث، وتصوير مكان الحادث وتنظيم مخطط له، وأخذ صور للمتهمين وبصماتهم بقصد معرفة هوياتهم، وتحليل المواد المخدرة والآثار والبقع التي تركها الجناة في موقع الحادث، والكشف عن الأسلحة النارية..الخ .

    ج- تقدير قيمة الخبرة

    عندما يقدم الخبير تقريره فيما يطلب منه إبداء الرأي فيه فإنه يصبح من بين الأدلة المطروحة للمناقشة أمام المحكمة، ويكون محط لتقديرها .

     فتقدير التقرير يخضع للسلطة التقديرية للقاضي حسب مبدأ القناعة الشخصية.

    كما يعود إلى تقدير المحكمة وقناعتها أن تطرح من هذا التقرير ما لا تطمئن إلى صحته، كما لها أن تأخذ بما يرتاح إليه ضميرها واعتمدت عليه في قناعتها، على أن تعلل قرارها في ذلك تعليلاً سائغاً.

     فتقرير الخبير غير ملزم للمحكمة بل هو من جملة الأدلة المعروضة لديها تابع للمناقشة والتمحيص، غير أن عدم الأخذ به أي رفضه يجب أن يستند إلى دليل أقوى منه، مع بيان أسباب رفضه .

    والمحكمة لا تأخذ إلا بالخبرة القضائية التي تمت تحت إشراف القاضي أو من ينتدبه من القضاة بعد أداء الخبير اليمين القانونية.

    وعندما تتعلق الخبرة بأمر فني لا تستطيع المحكمة تقديره بنفسها عليها أن تستند في هذا الرفض إلى خبرة فنية تنفي ما جاء في الخبرة الأولى حتى يتسنى لها أن ترجع إلى إحدى الخبرتين.

    وعلى الرغم من السلطات التقديرية المخولة للقاضي الجزائي للأخذ بالتقرير أو رفضه، فإن حكمه يجب أن يعتمد على العلم والمنطق لتقدير قيمة تقرير الخبرة ولكي ينسجم مع الأدلة الأخرى المتوافرة في الدعوى.

     ولابد من أن يكون تقرير الخبير موضع ثقة عند القاضي الجزائي لأن هذا الأخير هو الذي عينه وراقبه في مهمته، ويرد في الأساس على مسائل فنية وعلمية ليست من مجال اختصاصه.

    ومهما يكن من أمر، فإن سلطته التقديرية ليست تحكمية وتخضع للأسس المنطقية التي تعين على التوصل إلى حكم عادل في موضوع الدعوى.