التصنيف: شرح قانون العقوبات

  • إساءة الأمانة في عقود العارية

    إن المقصود بالعارية التي أشارت إليها المادة 656 هي عارية الاستعمال وليس عارية الاستهلاك أو القرض.

    و عارية الاستعمال هي عقد يلتزم بمقتضاه المعير أن يسلم المستعير شيئاً ليستعمله بلا عوض لمدة معينة أو في غرض معين على أن يرده عيناً بعد الاستعمال ( المادة 602 من القانون المدني ).

     ورد الشيء عينة أو بذاته في عارية الاستعمال يفيد أن هذا الشيء غير قابل للاستهلاك، فإذا استولى عليه المستعير يعتبر مسيئاً للائتمان.

     أما إذا كان هذا الشيء قابلا للاستهلاك أو مما ترد قيمته أو مثله فإن تسليمه للمستعير لا يعد عارية استعمال بل عارية استهلاك أو قرض لا تقوم بها جريمة إساءة الائتمان لأنهما ليسا من عقودها.

    وعقد القرض مرادف لعارية الاستهلاك لأن تسليم الشيء بناء عليه يتضمن نقلا للحيازة التامة، فاستهلاك ذلك الشيء لا يعد جريمة ولو لم يرد مثله وكان المقترض سيء النية معتزماً عدم الرد وقت تسليم الشيء.

    و عارية الاستعمال ترد على مال قيمي لا يهلك بالاستعمال، وتظل ملكية المعير له قائماً، بينما ترد عارية الاستهلاك على مال مثلي تنتقل ملكيته إلى المستعير، ويلتزم هذا بأن يرد مقداراً يماثله نوعاً وصفة.

    بيد أنه وإن كان الأصل أن عارية الاستعمال ترد على مال قيمي، فليس هناك ما يحول دون ورودها على مال مثلي إذا انصرفت إرادة المتعاقدين إلى الالتزام بالرد عينة.

    ومثال ذلك أن يعير شخص لأخر نقودا نادرة لعرضها في معرض، أو يعيره سندات لحاملها كي يستعملها المستعير في ضمان دين معين، على أن يرها عيناً، فإذا رفض المستعير الرد اعتبر مسيئا للائتمان.

     ويرتكب المستعير إساءة الائتمان عندما يستغل وجود الشيء في حيازته فيستولي عليه ناكرة ملكية المعير له ومخ بالتزامه برده بالذات.

     أما إخلاله بأي التزام أخر غير الاستيلاء على الشيء فلا تقوم به جريمة إساءة الائتمان، إذ لا يكفي لقيامها إهماله أو تقصيره في المحافظة عليه مما أدى لهلاکه، أو خروجه في استعماله له عن الوجه المنصوص عليه في العقد أو المستفاد من العرف.

    وغني عن البيان أنه لا قيام الإساءة الائتمان إلا إذا كان موضوع عارية الاستعمال منقولا فاستولى عليه المستعير .

     أما إذا كان موضوع العارية عقارا فإن الاستيلاء عليه لا يشكل إساءة ائتمان، بل نزاعا مدنية، يستطيع مالك العقار أن يسترد عقاره بدعوى استرداد الحيازة

  • اساءة الامانة في عقود الرهن

    إن المقصود بالرهن الذي أشارت إليه المادة 656 هو الرهن الحيازي الذي يضع به المدين منقولا في حيازة دائنه، أو حيازة شخص ثالث اتفق عليه المتعاقدان، ضمانا للدين.

    وهو يختلف عن الرهن التأميني الذي لا يقع إلا على عقار ولا يتضمن نقلا للحيازة إلى الدائن المرتهن.

    ويرتكب الدائن المرتهن إساءة الائتمان عندما يستغل وجود الشيء المنقول المرهون في حيازته فيستولي عليه مدعية ملكيته له و ناکرا ملكية المدين الراهن له.

     وعدم وفاء الراهن لدينه للمرتهن لا يبيح للأخير الاستيلاء على المال المرهون والتصرف به، فإن فعل فهو مسيء اللائتمان.

     ذلك أن سلطة المرتهن مقتصرة على حبس الشيء لحين استيفاء دينه بالتراضي، فإن لم يحصل فله أن يستوفي حقه من ثمن هذا الشيء، عن طريق مراجعة القضاء، بالتقدم والأولوية على أي دائن آخر للراهن .

     وذلك يعني أنه لا يجوز له التصرف بالمرهون أو تملكه ما لم يراجع القضاء، أما إذا استولى على المال المرهون دون الرجوع للقضاء قام في حقه جرم إساءة الائتمان.

     يبني على ذلك أن أي إخلال بشروط العقد من قبل المرتهن، لا يتضمن نكراناً لملكية الراهن للمال، لا تقوم به جريمة إساءة الائتمان، كما لو استعمل الشيء المرهون بدون موافقة الراهن، أو أساء استعماله إذا كان هناك موافقة، أو قصر في المحافظة عليه مما أدى لهلاکه.

    والأصل أن يقع الرهن الحيازي على المنقول، إلا أن ذلك لا يحول دون وقوعه أيضاً على العقار .

     ويمكننا تصور إساءة الائتمان في حالة الرهن الحيازي على عقار إذا قام المرتهن بالاستيلاء على بعض أجزاء هذا العقار سواء المخصصة لخدمته أو المتصلة به، تلك الأجزاء التي تعتبر موضوعا للتسليم الذي تقوم به جريمة إساءة الائتمان باعتبارها منقولات وفق مفهوم القانون الجزائي الواسع للمنقول.

    والأصل في الرهن الحيازي أن يكون المال المرهون مملوكاً للمدين.

     إلا أنه يجوز أن يكون المرهون ملكا لغير المدين، فيقدم شخص ما يملكه ضماناً لدين شخص أخر.

    فإذا قام المرتهن بالاستيلاء على هذا المال قام في حقه جرم إساءة الائتمان.

     وقد يتفق المتعاقدان على أن تكون حيازة المرهون لشخص ثالث، ففي هذه الحالة يرتكب الشخص الثالث إساءة الائتمان إذا اختلس المال المرهون باعتباره وديعة لديه، أما المرتهن فلا يتصور ارتكابه لإساءة الائتمان في هذه الحالة، باعتبار أن المال ليس في حيازته.

    والأصل أن يكون محل الرهن ما قيمياً حتى يتصور الالتزام برده عيناً.

    ولكن يجوز أن يكون محله مالا مثلياً إذا اتجهت نية الطرفين إلى اعتباره قيمياً ورده عيناً، فتقوم جريمة إساءة الائتمان بحق المرتهن إذا استولى على هذا المال المثلي.

     وتطبيقا لهذا يرتكب إساءة ائتمان رب العمل الذي يختلس النقود التي دفعها إليه مستخدموا المحل على سبيل التأمين عند دخولهم الخدمة لضمان حسن قيامهم بالعمل، متى كان من المتفق عليه رد الضمان بعينه و عدم التصرف فيه.

  • إساءة الأمانة في عقود المقاولة والنقل والخدمات المجانية

    تستخلص هذه العقود الثلاثة من العبارة التي أوردها المشرع في المادة 656 بقوله أن الشيء قد سلم “لإجراء عمل القاء أجرة أو بدون أجرة، كما تستخلص أيضاً من العبارة الواردة في المادة 657، بقوله أن الشيء المثلي أو النقود قد سلم العمل معين”.

     فالمقاول والناقل ومن تعهد بخدمة مجانية يتسلمون شيئاً مملوكاً لغيرهم لكي يقوموا حياله بعمل معين، فإذا استغل أحدهم وجود الشيء في حيازته فاستولى عليه قام في حقه جرم إساءة الائتمان.

     والمقاولة أو إجارة الصناعة هي عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً، أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الأخر (المادة 612 من القانون المدني).

    أما عقد النقل فهو صورة من صور عقد المقاولة يتميز عن سائر صوره بنوع الخدمة التي يتعهد الناقل بتقديمها، والتي تتمثل بتأمين انتقال شخص أو شيء من موضع إلى أخر .

     أما عقد الخدمات المجانية فهو لا يختلف بشيء عن عقد المقاولة سوى بغياب البدل أو الأجر. فبهذا العقد يقوم أحد طرفيه بعمل أو خدمة لصالح الطرف الأخر دون أن يتقاضى أجراً مقابله  وبهذه العقود الثلاثة يستلم أحد الطرفين من الأخر شيئا على سبيل الحيازة الناقصة، فإذا حول حيازته لهذا الشيء إلى حيازة تامة قامت بحقه جريمة إساءة الائتمان.

     فالطحان الذي يتسلم غلالاً لطحنها، والخياط الذي يتسلم قماشاً اليخيطه ثوباً، والنجار الذي يتسلم خشباً ليصنعه أثاثاً، إذا اختلس هؤلاء ما سلم إليهم، تقوم في حقهم جريمة إساءة الائتمان.

    ويسأل أيضاً عن إساءة الائتمان الناقل الذي يتسلم طردا لنقله إلى مكان معين، فيستولي عليه. كما يسأل عن هذه الجريمة الصديق الذي يتطوع لإصلاح شيء لصديقه أو لتصنيعه أو لنقله إلى شخص أخر إذا اختلس ما سلم إليه.

    ومن المسلم به أن الشرط الأساسي لارتكاب إساءة الائتمان في هذه العقود هو أن تكون الأشياء قد سلمت على سبيل الحيازة الناقصة، أي من أجل القيام بالعمل ثم ردها عيناً، سواء في صورتها الأصلية أو بعد أن يدخل التعديل عليها.

     وتطبيقاً لذلك إذا تسلم النجار أخشابا ليصنع منها أثاثاً، وتسلم معها مبلغاً من النقود كأجر معجل له، وإذا تسلم الخياط قطعة قماش ليخيطها بنطالاً، وتسلم معها مبلغاً من النقود كأجر معجل.

    فإساءة الائتمان تقوم في حق النجار والخياط إذا لم يرد الأخشاب أو قطعة القماش بعينها، لأن عقد المقاولة يلزمه بردها، إما مصنعة أثاثاً أو بنطالاً، وإما بذاتها دون تصنيع.

     أما إذا رد الأخشاب أو قطعة القماش دون تصنيع ولم يرد المبلغ الذي تسلمه، فلا تقوم الجريمة في حقه، لأن النقود سلمت إليه تسليما ناقلاً للحيازة التامة، أي لتصبح ملكاً له باعتبارها أجرة معجلة، ولا يغير من صفتها هذه أن يكون الغرض من تسليمها إنفاقها في غرض معين ، كأن يكون النجار أو الخياط قد استلم المبلغ ليكون له أجرأ معجلاً وليتمكن من شراء بعض المواد التي تدخل في صناعة الأثاث أو الخياطة، كالطلاء أو المسامير أو نوع معين من الخيوط وما إلى ذلك.

     وغني عن البيان أن إساءة الائتمان لا تقوم بحق من يخل بأي التزام أخر من الالتزامات التي تولدها هذه العقود الثلاثة، ولكن تقوم في حق من يخل بالتزام الرد عيناً أو مثلا، فلا يكفي في قيامها إهمال المستلم أو تقصيره في المحافظة على الشيء ولو أدى لهلاکه.

    فما دام لا ينكر ملكية المسلم للشيء، وذلك بالاستيلاء عليه أو اختلاسه، فلا جريمة

  • ماهي صور النشاط الجرمي في جرم اساءة الاًمانة؟

    النشاط الجرمي في إساءة الائتمان

    يتجسد النشاط الجرمي في إساءة الائتمان بالاستيلاء على الحيازة التامة للشيء الذي سبق تسليمه على سبيل الحيازة الناقصة بناء على وجه من وجوه الأمانة.

    وهذا الاستيلاء يتحقق بأحد الأفعال التي نصت عليها المواد 656-657، تلك الأفعال التي تكشف عن تغيير نية الفاعل من حائز حيازة ناقصة إلى حائز حيازة تامة، بأن تتجه نيته إلى ضم الشيء إلى ملكه، أو الظهور عليه بمظهر المالك.

    يتضح من ذلك أن جوهر النشاط الجرمي في إساءة الائتمان هو إرادة تغيير نوع الحيازة من ناقصة إلى تامة، هذه الإرادة التي يكشفها أحد الأفعال المذكورة بالنصوص السابقة.

     وعند انتفاء الاستيلاء بالمعنى السابق تنتفي إساءة الائتمان.

     وتطبيقاً لذلك لا يعد مسيئاً للائتمان من يتأخر في رد الشيء المسلم له في الوقت المحدد، أو من يهلك لديه الشيء نتيجة إهمال أو سرقة أو حادث مفاجئ كالحريق.

    فما دام الأمين لا يجحد حق ملكية المالك للشيء، ولا يدعي ملكيته له، فلا يسأل عن إساءة ائتمان إذا أخل بأي التزام أخر من التزامات عقد الأمانة.

     بيد أنه إذا ثبت بالدليل القاطع أن نية الأمين قد اتجهت إلى إضاعة الشيء على مالكه قامت الجريمة في حقه.

    ويجدر التنويه هنا إلى أن طبيعة النشاط الجرمي لا تختلف سواء كان المال قيمياً أو مثلياً، فهو دائما نشاط مادي يعبر عن إرادة تغيير الحيازة الناقصة إلى حيازة تامة، بصرف النظر عن الصورة التي يبرز من خلالها هذا النشاط.

     بيد أنه في المال القيمي، أي الذي يجب رده بالذات، فإن استيلاء الأمين عليه بأحد الأفعال المحددة في المادة 656، تقوم إساءة الائتمان في حقه إذا توفر الركن المعنوي، بدون أي شرط أخر.

     أما إذا كان المال مثلياً، أي الذي يمكن رد مثله أو نوعه، فإن إساءة الائتمان لا تقوم بمجرد الاستيلاء على هذا المال و الظهور عليه بمظهر المالك، وإنما يشترط أن ينذر المجني عليه الفاعل أولا بضرورة رد مثل ما استلمه، ثم لا يبرئ ذمته بعد الإنذار.

     وهذا ما اشترطه صراحة نص المادة 657 بعبارة ” ولم يبرئ ذمته رغم الإنذار “.

    نستخلص من ذلك أنه بدون الإنذار لا تقوم جريمة إساءة الائتمان في الأموال المثلية .

    فالنص اعتبر الإنذار ركناً في صورة إساءة الائتمان بالأشياء المثلية يتوجب على المجني عليه القيام به حتى تثبت بعده بصورة قاطعة تغيير نية الأمين من مجرد حائز حيازة ناقصة إلى حائز حيازة تامة، ومالك للمال المالي الذي سلم إليه على وجه الأمانة.

    صور النشاط الجرمي لإساءة الائتمان

    أما صور النشاط الجرمي لإساءة الائتمان التي ذكرها المشرع فهي، كما أشرنا، كتم الشيء المسلم على سبيل الأمانة أو اختلاسه أو إتلافه أو تمزيقه (المادة 656)، أو التصرف به (المادة 657).

    ونحدد فيما يلي مدلول هذه الصور .

    أولاً- الكتم :

    الكتم يعني إنكار الأمين وجود الشيء في حيازته توصلا إلى التخلص من التزامه برده و احتفاظه به لنفسه.

    فهو إذن نشاط سلبي يتمثل في جحود الأمين حق المالك للمال الذي يحوزه حيازة ناقصة.

     وإذا كان الكتم لغويا يتم عادة بالإخفاء، إلا أن هذا ليس بشرط لازم، إذ قد لا يخفيه بل يدعي ملكيته، وبالتالي فإن المعنى القانوني للكتم أوسع من معناه اللغوي. وقد يلجأ الأمين إمعاناً منه في التضليل إلى ادعاء سرقة أو ضياع المال المؤتمن عليه.

     وبناء على ذلك يستوي في قيام الكتم إنكار الحيازة للشيء أصلاً عن طريق إنكار التسليم أو العقد، أو عدم إنكارها والادعاء پملكية هذا الشيء .

     كما يستوي في قيام الكتم الادعاء كذبا برد المال أو ضياعه أو سرقته.

    ثانياً- الاختلاس

    الاختلاس يتحقق بكل فعل لا يخرج به الأمين الشيء من حيازته متى كشف عن نية تغيير الحيازة من ناقصة إلى تامة.

    فعندما يقوم الأمين، تجاه الشيء المؤتمن عليه، بفعل يدخل ضمن سلطات المالك، يعتبر مختلسة له .

    ومثال ذلك أن يتسلم الخياط من الزبون قطعة قماش ليخيطها له بنطالا فيخيطها ثوب أو قميصاً لنفسه.

    أو أن يؤتمن شخص على شيء فيعرضه للبيع، أو أن يؤتمن شخص على سند فيطالب لنفسه بالحق المثبت فيه.

     ويتفق الاختلاس مع الكتم في أن الأمين، في الحالتين، لا يخرج المال المؤتمن عليه من حيازته. ويختلف عنه بأنه لا يكتفي فيه بمجرد إنكار وجود الشيء لديه، بل هو يستعمله أو ينتفع به في صورة تكشف عن اعتباره نفسه في ذات مرکز مالكه، أو سالكاً إزاءه مسلك المالك.

    ثالثاً: الإتلاف

    من قيمته أو هو صورة من صور التصرف المادي بالشيء يتمثل بتعييب الشيء أو تغيير هيئته المادية، مما ينقص على الأقل تقل منفعته وأوجه استخدام المالك له.

    يتضح من ذلك أن جوهر النشاط الجرمي في إساءة الائتمان هو إرادة تغيير نوع الحيازة من ناقصة إلى تامة، هذه الإرادة التي يكشفها أحد الأفعال المذكورة بالنصوص السابقة.

    وعند انتفاء الاستيلاء بالمعنى السابق تنتفي إساءة الائتمان.

    وتطبيقا لذلك لا يعد مسيئاً للائتمان من يتأخر في رد الشيء المسلم له في الوقت المحدد، أو من يهلك لديه الشيء نتيجة إهمال أو سرقة أو حادث مفاجئ كالحريق.

     فما دام الأمين لا يجحد حق ملكية المالك للشيء، ولا يدعي ملكيته له، فلا يسأل عن إساءة ائتمان إذا أخل بأي التزام أخر من التزامات عقد الأمانة.

    بيد أنه إذا ثبت بالدليل القاطع أن نية الأمين قد اتجهت إلى إضاعة الشيء على مالكه قامت الجريمة في حقه.

    ويجدر التنويه هنا إلى أن طبيعة النشاط الجرمي لا تختلف سواء كان المال قيمياً أو مثلياً، فهو دائما نشاط مادي يعبر عن إرادة تغيير الحيازة الناقصة إلى حيازة تامة، بصرف النظر عن الصورة التي يبرز من خلالها هذا النشاط.

     بيد أنه في المال القيمي، أي الذي يجب رده بالذات، فإن استيلاء الأمين عليه بأحد الأفعال المحددة في المادة 656، تقوم إساءة الائتمان في حقه إذا توفر الركن المعنوي، بدون أي شرط أخر.

     أما إذا كان المال مثلياً، أي الذي يمكن رد مثله أو نوعه، فإن إساءة الائتمان لا تقوم بمجرد الاستيلاء على هذا المال و الظهور عليه بمظهر المالك، وإنما يشترط أن ينذر المجني عليه الفاعل أولا بضرورة رد مثل ما استلمه، ثم لا يبرئ ذمته بعد الإنذار.

    والإتلاف هو إحدى سلطات مالك الشيء، فإذا صدر عن الحائز حيازة ناقصة، فهو يجحد ملكية مالك المال ويظهر إزاء الشيء بمظهر المالك.

    ومن أمثلة الإتلاف: نزع جزء من آلة ائتمن الشخص عليها، أو محوه من لوحة ائتمن عليها لتوقيع راسمها، أو نزعه لبعض صفحات كتاب أو مخطوط ائتمن عليه.

    رابعاً – التمزيق

    هو أيضا صورة من صور التصرف المادي بالشيء يتمثل بإعدام ذاتية الشيء وفقده كيانه على نحو يفقده صلاحية تأدية المنفعة التي أعد لها، فتنعدم تبعا لذلك قيمته المالية.

     والتمزيق كالإتلاف سلوك لا يدخل إلا ضمن سلطات المالك، فإذا صدر عن حائز حيازة ناقصة فهو ينكر ملكية مالك المال، معتبراً نفسه كالمالك.

     و الواضح من خلال ترجمة عبارة التمزيق عن الأصل الفرنسي عدم دقتها.

    فالتمزيق عبارة توحي أن المحل الواقع عليه هو شيء ورقي، كسند أو مخطوط أو كتاب، فهذه الأشياء هي التي تمزق وتتمزق.

     إلا أن الترجمة الأدق للأصل الفرنسي لهذه الكلمة يعني ” تدمير أو إعدام ” للشيء سواء كان ورقيا أم لا.

    وتطبيقاً لهذا المعنى يدخل ضمن مفهوم التمزيق: أن يؤتمن شخص على سند فيمزقه، أي يجزئ مادته قطعاً صغيرة، أو يؤتمن على كتب أو مخطوطات هامة فيحرقها، أو يؤتمن على آلة فيعدمها، أو على طعام فيلتهمه، أو على حيوان فيقتله.

     

    خامساً – التصرف بالمثليات

    أشارت المادة 656 إلى هذا الفعل بقولها ” كل تصرف بمبلغ من المال أو بأشياء أخرى من المثليات “.

    ويقصد بالتصرف بالمثليات التصرف القانوني والتصرف المادي بها .

     و التصرف القانوني يتمثل بتخويل الغير حقا عينيا على الشيء وإخراجه في الوقت ذاته من حيازة المدعى عليه.

     وتطبيقاً لذلك إذا كان الشيء من غير النقود فالتصرف القانوني به يكون ببيعه أو المقايضة عليه أو هبته.

     أما إذا كان الشيء نقوداً فالتصرف به يكون بإنفاقه أو بإقراضه.

     أما التصرف المادي فيتمثل بإفناء مادة الشيء إما باستهلاكه، كأن يكون طعاماً فيأكله، وإما بتعريضه للهلاك، كأن يكون الشيء غلالا فيصنع منها لعائلته خبزاً ويأكلوه، أو يتركها للطيور وتلتقطها.

  • النتيجة الجرمية في إساءة الائتمان

    إن النتيجة الجرمية، كعنصر من عناصر الركن المادي لإساءة الائتمان، تتمثل بالضرر الذي يترتب على النشاط الجرمي فيها. فلا بد من توافر الضرر لاكتمال عناصر الركن المادي .

    وقد أشارت المواد 656-657 إلى ضرورة حصول الضرر فيها عندما حددت إحدى عقوبتي الجريمة بأنها الغرامية التي تتراوح بين ربع قيمة الردود والعطل والضرر وبين نصفها…” (المادة 656).

     والغرامة “حتى ربع قيمة الردود والعطل والضرر… (المادة 657).

     

    والضرر في إساءة الائتمان هو الضرر بمفهومه العام، فهو في جوهره اعتداء على حق أو مصلحة يحميها القانون، سواء تمثل هذا الاعتداء في تفويت کسب أو تحقيق خسارة.

     استناداً لذلك فإن الضرر في إساءة الائتمان يجب أن يفهم بأوسع معانيه: فيستوي فيه أن يكون مادياً أو معنوياً، حقيقياً أو احتمالياً، جسيماً أو يسيراً، يصيب مالك الشيء أو غيره ممن لهم على الشيء حقوق.

     كما يستوي فيه أن يكون المتضرر شخصا طبيعية أو اعتباري، معينة أو غير معين.

     كما يستوي فيه أن يكون المدعى عليه قد حصل على كسب من فعله أم لم يحصل  والضرر المادي الذي يصيب الذمة المالية للمجني عليه يساويه الضرر المعنوي الذي يصيب السمعة والمكانة. وتطبيقاً لذلك يعتبر مسئولاً عن إساءة الائتمان العامل بشركة لتوزيع الحليب الذي يضيف ماء إليه ويسلمه للزبائن، ويحتفظ لنفسه بثمن الكمية الزائدة، لأن الشركة وإن لم يصبها ضرر مادي، باعتبار أنه يرد إليها ثمن كمية الحليب الذي تم تسليمه، فقد يصيبها ضرر معنوي يتمثل في فقدانها لثقة زبائنها إذا اكتشفوا هذا الغش .

     ولا يشترط أن يصيب المجني عليه ضرر بالفعل أو حال، بل يكفي أن يكون هذا الضرر محتملا .

     ومن أمثلة الضرر المحتمل أن يتسلم وكيل مبلغا من المال ليدفعه سدادا لرسم أو أجر لعمل فينجز ما أسند إليه بغير مقابل أو بمقابل أقل، ولكن بطريقة غير مشروعة، ثم يحتفظ بما تبقى لنفسه.

    فالضرر هنا وإن لم يكن حالا إلا أنه محتمل، فقد يتعرض الموكل مستقبلا للمطالبة بالمبلغ كله أو بالفرق، وقد يطالب فضلا عن ذلك بالتعويض.

    ويستوي في تحقق الضرر کون قيمة الشيء محل إساءة الائتمان كبيراً أو ضئيللاً.

    إضافة إلى ذلك فإنه لا عبرة بشخصية المتضرر من الجريمة، فقد يكون المالك نفسه، وهو الأصل، ولكن قد يطال الضرر أيضا الحائز حيازة ناقصة.

    فالعبرة في هذه الحالة بصفة الأمين لا بصفة المالك. فكما تصيب إساءة الائتمان بالضرر مالك المال باعتبارها تشكل اعتداء على حق الملكية، إلا أنها قد تصيب بالضرر من كانوا يحوزون المال حيازة قانونية ثم استأمنوا الفاعل عليه فأساء الأمانة.

    ومثال ذلك المودع لديه والمرتهن والوكيل إذا أجروا ما في يدهم إلى غير هم، فاختلس المستأجر المال أو تصرف به.

    فالضرر هنا يصيب هؤلاء الأشخاص فضلا عن المالك.

    وتقوم جريمة إساءة الائتمان سواء كان المتضرر شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً كشركة أو مؤسسة أو مستشفى، معيناً أو غير معين.

    وتطبيقاً لذلك فإن من يجمع تبرعات لصالح منكوبي كارثة ثم يستولي عليها لنفسه يرتكب إساءة  الائتمان بالرغم من أن الأشخاص، طبيعيين أو معنويين، الذين سوف توزع عليهم هذه المعونات لم يحددوا أو يعينوا  بعد، ذلك أنه يكفي وجود أشخاص أياً كانوا سيصيبهم الضرر من جراء فعل المدعى عليه .

    وعندما يتوفر الضرر بالصور السابقة الذكر يتوفر عنصر النتيجة الجرمية في إساءة الائتمان بصرف النظر عما إذا  حقق المدعى عليه كسب من وراء فعله أم لا.

    وما يؤكد ذلك أن المشرع قد حدد بعض صور النشاط الجرمي التي قد لا ينال الفاعل فيها أي مكسب، كصورتي الإتلاف والتمزيق .

     وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن الضرر بمفهومه العام المشار إليه لا يتحقق في إساءة الائتمان بالنقود والأشياء المثلية بمجرد التصرف بها ما لم يترافق مع هذا التصرف إرادة الاستمرار في تغيير الحيازة من ناقصة إلى تامة، والإصرار على هذا الاستمرار.

     لذلك اشترطت المادة 657 توجيه الإنذار لرد مثل المال أو نوعه.

     بالتالي ما دام ممكناً لمستلم المال المثلي أو النقود أن يرد مثله أو نوعه في أي وقت، فإن الضرر، أي الاعتداء على الملكية، لا يظهر إلا بعد توجيه الإنذار وعدم رد مثل المال أو نوعه.

     فعبارة “عدم إبراء ذمته رغم الإنذار ” تشير إلى هذا المعني بوضوح.

    والإنذار هو إخطار يوجهه مالك المال إلى المؤتمن عليه، عن طريق الكاتب بالعدل، يطالبه به بإبراء ذمته خلال فترة معينة.

     إذن لا تتحقق النتيجة الجرمية، في إساءة الائتمان في الأشياء المثلية إلا في حالة عدم إبراء المدعى عليه ذمته بعد توجيه الإنذار إليه..

     وإبراء الذمة في الأشياء المثلية يكون بإعادة مثل المال أو نوعه، وهذا ما دعا محكمة النقض السورية إلى اعتبار ” الإنذار ركن من أركان جريمة إساءة الائتمان وليس وسيلة من وسائل إثباتها.

    فالمشرع اشترط أن يسبق الإدعاء بهذه الجريمة إنذار ليتدبر المؤتمن أمره ويبرئ ذمته بتسليم المال أو الشيء الذي أؤتمن عليه أو مثيلا له  يستخلص من ذلك أن النتيجة الجرمية في صورة إساءة الائتمان بالأشياء المثلية لا تظهر بمجرد الامتناع عن التسليم أو التصرف بالمال الذي أؤتمن عليه والذي يبقى بإمكانه إعادة منله، وإنما تتحقق بالامتناع عن إبراء الذمة بعد الإنذار .

  • الركن المعنوي لجرم إساءة الأمانة

    تطلب المشرع القصد الجرمي في الصورة العامة الإساءة الائتمان الواردة في المادة 656 بعبارة ” كل من أقدم قصداً على كتم أو اختلاس …”.

    وهذا يعني أنه لا بد لقيامها من توفر القصد الجرمي لدى مرتكبها، ولا يمكن أن تقع غير مقصودة مهما بلغت جسامة الخطأ الذي وقع به الشخص.

    أما المادة 657 فلقد تضمنت تعبيرا يفهم منه أن الأمين تصرف في المال المثلي أو النقود المسلمة إليه لعمل معين ” وهو يعلم أو كان يجب أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة مثلها…”.

    والتصرف بالمال مع العلم بعدم القدرة على رد مثله يفيد القصد الجرمي. أما إذا كان يجب عليه أن يعلم بأنه لا يستطيع رد من المال الذي تسلمه ولم يتخذ الاحتياطات اللازمة وقصر في بذل الجهد الذي يحول دون الامتناع عن رد مثل هذا المال فإنه يكون قد توفر لديه الخطأ، الذي يعتبر كافياً لتوافر الركن المعنوي في جريمة إساءة الائتمان في الأشياء المثلية .

     تخلص من ذلك أن الصورة العامة لإساءة الائتمان الواردة في المادة 656 لا تقوم إلا إذا اتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجرمي. أما الصورة الخاصة بإساءة الائتمان بالأشياء المثلية الواردة في المادة 657 فتقوم سواء اتخذ فيها الركن المعنوي صورة القصد الجرمي أو الخطأ.

     مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأصل في جريمة إساءة الائتمان أن تكون مقصودة، وليست صورتها غير المقصودة سوى صورة ثانوية بل و استثنائية .

    الركن المعنوي للصورة العامة لإساءة الائتمان المادة 656

    صرحت المادة 656 بتطلب القصد الجرمي، كما أسلفنا، بقولها ” كل من أقدم قصدا…”.

    وعلى الرغم من أنها لم تشر إلا إلى القصد العام، إلا أنه من المسلم به أنه يشترط توافر القصد الخاص إضافة للقصد العام.

     ويتمثل هذا القصد الخاص في نية تملك المال محل الأمانة. إذن لا بد من توافر عناصر القصد العام إلى جانب نية التملك المكونة للركن الخاص .

     

    أولاً- القصد العام

    لا بد لقيام القصد العام من توفر عنصري العلم والإرادة.

    1- العلم:

    يجب أن ينصب العلم على كافة أركان الجريمة.

    وبناء عليه يجب أن يعلم الفاعل أن المال مملوكة للغير، وأنه يحوزه حيازة ناقصة لحساب مالكه.

     وينتفي ،تبعاً لذلك، القصد الجرمي لانتفاء العلم إذا كان المال محل الأمانة قد اختلط بمال الأمين فتصرف به دون أن يعلم أنه المال محل الأمانة.

     كما ينتفي إذا اعتقد الأمين أنه يحوز المال حيازة تامة، ومثالها حالة الوارث الذي يتصرف بشيء من أشياء التركة التي آلت إليه معتقدا انتقال ملكيته له، ثم يتبين أن هذا الشيء كان يحوزة المورث على سبيل العارية أو الوديعة.

    2- الإرادة:

     يجب أن تتجه الإرادة إلى الفعل والنتيجة. أي أن تتجه إرادة الفاعل إلى إتيان فعل الكتم أو الاختلاس أو الإتلاف أو التمزيق عن علم بطبيعته، وان تتجه إلى إنزال الضرر، بمفهومه العام كاعتداء على الملكية، بالمجني عليه أو غيره. وباعتبار أن القصد الاحتمالي يتساوى مع القصد المباشر، فإنه يكفي لتوافر القصد أن يتوقع الفاعل نتيجة فعله ويقبل بها، أي يتوقع احتمال الضرر فيقبل به.

     وتطبيقاً لذلك إذا توقع الفاعل هلاك الشيء نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين، فقبل بالمخاطرة، فيسأل عن إساءة ائتمان مقصودة استنادا لقصده الاحتمالي.

    أما إذا أدى إهمال الأمين أو عدم احتياطه إلى هلاك الشيء المؤتمن عليه، أو قام الأمين باستعمال الشيء بصورة منافية لما أعد له فهلك، ولكن دون أن تتجه إرادته إلى إهلاكه، أو تقبل بذلك، فإن القصد ينتفي لديه.

     وينتفي القصد أيضا لانتقاء الإرادة إذا سرق الشيء من الأمين ولو بإهماله، أو ضاع نتيجة قوة قاهرة أو حادث مفاجئ.

     

    ثانياً- القصد الخاص

    يتمثل القصد الخاص في إساءة الائتمان بنية تملك المال محل الأمانة.

     ونية التملك تعني الاستيلاء على المال أو السلوك إزاءه مسلك المالك، بتحويل الحيازة من ناقصة إلى تامة بأحد الأفعال الكاشفة لهذه النية، التي ذكرها نص المادة 656 من كتم أو اختلاس أو إتلاف أو تمزيق.

     فنية التملك تتضمن نكران الحق ملكية المالك للشيء محل الأمانة .

    تطبيقا لذلك فإن كان عدم رد محل الأمانة غير مقترن بهذه النية ، تنتفي الجريمة لانتفاء القصد الخاص.

    ومن أمثلة ذلك أن يؤخر المستعير أو المستأجر رد الشيء إلى مالكه ليطيل مدة انتفاعه به، فالإرادة متجهة هنا إلى الإخلال بالالتزام التعاقدي وليس إلى تملك المال .

     ومتى توفر القصد الجرمي بصورتيه العام والخاص، قامت جريمة إساءة الائتمان بصرف النظر عن الباعث على ارتكابها .

     كأن يكون الإثراء على حساب الغير أو الإضرار بالغير في حالة الإتلاف والتمزيق، أو لإعانة محتاج أو مساعدة مشروع خيري.

    فهذه البواعث لا تدخل في تكوين الركن المعنوي، وإن كانت تؤخذ بعين الاعتبار عن تقدير العقاب.

     

    الركن المعنوي لجريمة إساءة الائتمان الخاصة بالأشياء المثلية (المادة 657)

    عندما يكون المال محل الأمانة مالاً مثلياً فإن الركن المعنوي لإساءة الائتمان قد يتخذ صورة القصد الجرمي، وقد يتخذ صورة الخطأ.

     وهو ما يستفاد من نص المادة 657، بعبارة وهو يعلم أو كان يجب عليه أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة ملها”. ويتوافر القصد الجرمي، بصورة القصد الاحتمالي، إذا كان الأمين يعلم حين يتصرف بالمثليات أو بالنقود المؤتمن عليها أنه لا يستطيع إعادة مثلها فيتوقع تبعا لذلك الضرر الذي سوف ينزل بالمجني عليه فيقبل به.

    وعلى ذلك يتحقق الركن المعنوي في صورة القصد إذا كان الشيء المسلم للأمين نقوداً فتصرف بها مع علمه بأنه لن يتمكن من رد مثل هذا المبلغ.

    فهنا يتوفر الركن المعنوي إذا توفرت بقية عناصره، أي العلم بأن المال مملوك للغير وأنه في حيازته الناقصة، وأن تتجه إرادته إلى التصرف بالمال وإلى إنزال الضرر بالمجني عليه أو بغيره.

     والمثال على هذه الصورة أن ينفق الوكيل النقود التي سلمها له الموكل ليقوم لصالحه بعمل معين، عالماً بإعساره وبأنه لن يتوفر لديه مال لإيفاء الموكل حقه ويتوقع تبعاً لذلك عجزه عن إبراء ذمته تجاهه فتتجه إرادته إلى ذلك نكاية فيه أو يقبل بذلك لأنه لا تعنيه مصالح موكله ولا يعبأ بفقده ثقته فيه.

    أما إذا تصرف الوكيل بالنقود وهو لا يعلم بأن تصرفه هذا سيترتب عليه عدم تمكنه من رد مثله، بل حسب أن هناك صفقة ستدر عليه ربحاً وفيراً يمكنه من رد مثل النقود إلا أنه لم يبذل جهداً كافياً في تقدير أرباح تلك الصفقة لعدم إدراكه وإلمامه بقواعد السوق بصورة كافية فكان أن امتنع عن رد مثل النقود التي تسلمها من موكله بسبب تقصيره هذا وما كان يجب عليه بذله من جهد في سبيل تفادي تلك النتيجة، فإن جريمة إساءة الائتمان تقوم في حقه ويتخذ الركن المعنوي فيها صورة الخطأ.

  • ماهي حالات تشديد عقوبة إساءة الائتمان؟

    جاء في المادة 658 من قانون العقوبات ما يلي:

     “1- تشدد وفقا لمنطوق المادة 247 العقوبات المنصوص عليه في المادتين 656 و 657 إذا ارتكب الجرم أحد الأشخاص المذكورين أدناه بالأموال المسلمة إليهم أو المناط أمرها بهم وهم:

    أ- مدير مؤسسة خيرية وكل شخص مسئول عن أموالها

     ب- وصي القاصر وفاقد الأهلية أو ممثله

     ج- منفذ الوصية أو عقد الزواج

    د- كل محام أو كاتب عدل أو وكيل أعمال مفوض

    هـ –  كل مستخدم أو خادم مأجور

     و- كل شخص مستناب من السلطة الإدارة أموال تخص الدولة أو الأفراد أو لحراستها

     2- ويمكن أن يمنع المجرم منعا باتاً عن ممارسة العمل الذي ارتكب بسببه الجرم”.

    من الواضح أن علة التشديد تتمثل في أن كلا من الصفات التي استلزمها المشرع لهذا التشديد ينطوي على قدر من الثقة لا يتوافر في المؤتمن على المال في مجال الجريمة العادية.

     ومن شأن هذه الثقة أن تسهل لصاحبها إساءة الائتمان، وأن تكشف تبعا لهذا عن شدة خطورته الإجرامية.

    ويشترط لتشديد العقوبة أن تقوم في الأصل جريمة إساءة الائتمان بأركانها التي سبق شرحها، ثم تتوافر بذات الوقت في مرتكبها إحدى الصفات الست التي أوردها المشرع على سبيل الحصر في النص.

    كما يشترط أن يكون التسليم المولد للمركز الائتماني قد تم استناداً إلى إحدى الصفات المذكورة. وتطبيقا لذلك، إذا كان المال قد سلم، مثلا، المحام بصفته الشخصية كصديق أو قريب وليس بصفته كمحام، فتصرف به، فالجريمة إساءة ائتمان بسيطة وليست مشددة.

    أما الصفات التي شدد العقاب في حال توفرها، فهي كما جاءت في النص:

    أ- مدير مؤسسة خيرية وكل شخص مسئول عن أموالها.

    والمؤسسات الخيرية هي التي لا تستهدف تحقيق الربح من نشاطاتها، أيا كان الغرض الخيري الذي تسعى لتحقيقه، سواء كان اجتماعي أو علمي أو ديني، والتشديد يطال في هذه الحالة مدير تلك المؤسسة وأي شخص أخر مسئول عن أموالها، كأمين الصندوق ومدير الحسابات، وبصفة عامة كل شخص مسئول عن تحصيل إيراداتها أو الاحتفاظ بها أو التصرف فيها وفقا للأغراض المحددة لها.

    ب- وصی القاصر وفاقد الأهلية أو ممثله.

     والتشديد يشمل هنا كل من ينوب عن فاقد الأهلية أو ناقصها أيا كان سبب فقدان الأهلية أو نقصه. کولي القاصر أو وصية والقيم على المجنون أو المعتوه، وأيا كان مصدر الإنابة، سواء كان القانون أو القضاء أو الإرادة.

    ج- منفذ الوصية أو عقد الزواج.

     هنا يتناول التشديد الشخص الذي يتسلم مالا من الموصي بمقتضی عقد الوصية ليسلمه إلى الموصى له بعد وفاة الموصي، فيستولي عليه.

     ويتناول أيضا الشخص الذي يعود إليه الإشراف على إرساء العلاقات المالية بين الزوجين في الإطار الذي يحدده عقد الزواج، أي المشرف على أن تكون في حيازة أحد الزوجين أو كليهما أموال معينة قد تكون مملوكة للزوج الأخر.

    فهذا الشخص تقتضي مهمته أن يحوز هذه الأموال ليسلمها إلى أحد الزوجين الذي ينبغي أن تكون في يده وفقا لشروط عقد الزواج، فهو يرتكب إساءة ائتمان إذا استولى عليها لنفسه.

    د- كل محام أو كاتب عدل أو وكيل أعمال مفوض .

     فهؤلاء إذا استلموا أموالا استنادا إلى صفاتهم هذه کي يسلموها لأصحاب الحق فيها أو ليستخدموها لمصلحة صاحب الحق، فيستولوا عليها لأنفسهم، يشدد العقاب عليهم.

    هـ – كل مستخدم أو خادم مأجور.

     لهذين التعبيرين ذات المدلول الذي سبق وشرحناه بالنسبة للسرقة.

     والجامع بينهما انقطاعهما لعمل لحساب شخص، طبيعي أو معنوي، وتقاضيهما أجرا لقاء ذلك العمل.

     أما الفارق بينهما فهو طبيعة عمل كل منهما، فهو ذهني بالنسبة للمستخدم، كأمين السر أو المحاسب، ومادي بالنسبة للخادم يتمثل بانقطاع شخص للقيام بالأعمال المادية التي يحتاج إليها شخص أخر في حياته اليومية، سواء كان ملحقا ببيته، كالخادمة والبواب، أم بشخصه كالسائق. وتقوم جريمة إساءة الائتمان المشددة بحق المستخدم أو الخادم إذا تسلم أي منهما بمقتضى صفته هذه مالاً منقولاً من مخدومه على سبيل الأمانة، فيستولي عليه لنفسه.

    و – كل شخص مستناب من السلطة لإدارة أموال تخص الدولة أو الأفراد أو لحراستها.

    هذا الظرف المشدد يشمل أي شخص تكلفه السلطة أو تعهد إليه بإدارة أموالها المنقولة أو أموال الأفراد المنقولة أو لحراسة أي من هذه الأموال .

    والفرض هنا أن الأموال تسلم لأحد الأشخاص لإدارتها كوكيل أو لحراستها كوديع، أي على سبيل الحيازة الناقصة، فيستولي عليها لنفسه.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أنه كي يتوفر هذا الظرف يشترط أن لا يكون الشخص موظفاً عاماً ولا مكلفا بخدمة عامة يتسلم مالا بحكم وظيفته، أي أن تسلمه للمال هو أحد الاختصاصات التي ترتبط بوظيفته، فهنا يصبح استيلاء هذا الشخص على الأموال مشکلا لجريمة الاختلاس وليس جريمة إساءة الائتمان.

     إذن يجب توافر هذا الظرف أن يكون الشخص الذي كلفته الدولة بإدارة أو بحراسة الأموال فردا عادياً أو موظفاً عاما ليس من اختصاصه إدارة أموال الدولة أو الأفراد أو حراستها، ولكن كلف بذلك على وجه رسمي.

     والمثال على هذه الحالة أن تسلم الدولة إلى مقاول مواد أولية ليستعين بها في تنفيذ مشروع لحسابها فيستولي عليها، أو أن تعود إلى أحد الأشخاص بتحصيل أموال بعض المواطنين السوريين المستحقة من قبل دولة أجنبية فيحصلها ويستولي عليها لنفسه.

    – أما عقوبة إساءة الائتمان المشددة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص فلقد أحال المشرع إلى المادة 247 من قانون العقوبات مقدار التشديد الذي ترتفع إليه العقوبات المنصوص عليها في المادتين 656 و 657.

    وهذا يعني أن تزاد عقوبة الحبس من الثلث إلى النصف وأن تضاعف الغرامة.

     أي يزاد على الحد الأدنى للعقوبة ثلثه وعلى الحد الأعلى نصفه.

    فعقوبة المادة 656 و هي من شهرين إلى سنتين تصبح بعد التشديد من شهرين وعشرين يوماً حتى الثلاث سنوات مع مضاعفة الغرامة.

    أما عقوبة المادة 657 و هي الحبس حتى سنة فتصبح بعد التشديد الحبس حتى سنة ونصف وتضاعف الغرامة.

    بالإضافة إلى ذلك فإنه يجوز أن يمنع المدعى عليه منعا باتا من ممارسة العمل الذي ارتكب بسببه أو بمناسبته الجرم.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1