التصنيف: جزائي

قانون العقوبات السوري

  • الركن المادي في جريمة السرقة

     

    إن الركن المادي لجريمة السرقة يتجسد، كما عرفته المادة 621 من قانون العقوبات، بالأخذ دون الرضاء.

    وككل الجرائم لا بد أن يتوافر في الركن المادي ثلاثة عناصر:

     النشاط الجرمي – النتيجة – العلاقة السببية التي تربط بين النشاط والنتيجة.

    والنشاط الجرمي في السرقة يتمثل بفعل الأخذ دون الرضاء، أما النتيجة فتتمثل بتبديل الحيازة، بخروج الشيء المسروق من حيازة المجني عليه ودخوله في حيازة السارق أو غيره.

    ويجب أخيراً أن ترتبط النتيجة بالسلوك برابطة سببية، معناها أن يكون انتقال الحيازة سيبه سلوك الفاعل.

    وتتميز السرقة عن غيرها من الجرائم بتداخل واندماج النشاط الجرمي مع النتيجة في التطبيق، بحيث يجتمع في الفعل النتيجة والعلاقة السببية.

    فعندما ترتكب السرقة تامة بالأخذ دون الرضا فإن نتيجتها، وهي تبديل الحيازة، تتحقق مع الفعل وتندمج فيه، بحيث تصبح دراسة الفعل هي دراسة للنتيجة والعلاقة السببية بذات الوقت، بحيث لا يصبح هناك مبرر لدراسة كل عنصر من عناصر الركن المادي بشكل منفصل.

    ولا تتضح أهمية الفصل بين الفعل والنتيجة إلا عندما تتوقف السرقة في مرحلة الشروع، فيكون لدينا الفعل الذي لم تتحقق نتيجته، فيصبح من الضرورة الفصل بينهما في الدراسة.

     و المشرع لم يحدد بنص المادة 621 المقصود بكلمة الأخذ التي يمكن تعريفها بأنها الاستيلاء على الحيازة التامة لمال منقول بدون رضاء مالكه أو حائزه.

    نستخلص من هذا التعريف أن الأخذ لا يقوم إلا إذا توافر عنصران:

    عنصر مادي يتمثل بالاستيلاء على الحيازة.

     وعنصر معنوي يتمثل بعدم رضاء مالك المنقول أو حائزه عن الفعل  .

    الأخذ (الاستيلاء على الحيازة)

    يتوافر الأخذ عندما يقوم الفاعل بنشاط مادي ينقل به المال إلى حيازته، بغض النظر عن الطريقة التي اتبعها، سواء بالخطف أو النقل أو النزع أو السلب.

    المهم في ذلك أن يتم الاستيلاء على المنقول بنشاط الفاعل، ولكن ليس من الضروري أن يكون هذا الاستيلاء بيده.

     فيعد سارقاً من يدرب قرداً على النشل ويطبقها القرد فعلا.

     كما يعد سارقاً من يطلب من نادل في مطعم أن يناوله معطفاً موضوع على مقعد موهما إياه أنه صاحبه، فيناوله النادل المعطف بحسن نية، فيستولي عليه ويفر به.

    كذلك يكفي أن يهيئ السارق أسباب انتقال الحيازة إليه، كمن يحول مجرى مياه جاره إلى أرضه، بإزالة عقبة أو عائق، حتى تتحدر إليها عند ورودها.

    بيد أنه يشترط لاعتبار الفاعل سارقاً أن ينقل الشيء إلى حيازته، أما إذا أعدمه في مكانه، بإحراقه مثلا أو أطلقه، كما لو كان طائراً في قفص وفتح له الباب فطار، فلا يعد الفاعل سارقاً. والاستيلاء الذي يقوم به الأخذ هو الاستيلاء على الحيازة التامة.

     والحيازة التامة تعطي صاحبها على الشيء المحاز كافة سلطات المالك على ملکه، بغض النظر إذا كانت مستندة إلى حق مشروع الملكية، أو غير مشروع كالسرقة.

     وللحيازة التامة عنصران: عنصر مادي ويعني السيطرة المادية على الشيء، وعنصر معنوي معناه إرادة الحائز التصرف بالشيء تصرف المالك.

    إذن، فالاستيلاء الذي يقوم به الأخذ، ويلاحق بموجبه الفاعل عن جرم السرقة هو الاستيلاء على الحيازة التامة بعنصریها المادي والمعنوي.

    أي أن يستولي الفاعل مادياً على الشيء، مريداً إنهاء حيازة صاحبه عليه و إنشاء حيازة جديدة له أو لغيره، متصرفاً بالمال تصرف المالك.

     أما إذا كان الاستيلاء على الحيازة الناقصة، مريدا استعمال الشيء فقط، وإعادته لمالكه، فلا تقوم بذلك السرقة، لأن الفاعل لم ينكر ملكية صاحب المال.

     ومن هذا القبيل أيضا الاستيلاء على اليد العارضة، فمن يستولي على مال منقول بهدف معاينته أو فحصه ويعيده مباشرة لصاحبه، لا يعتبر سارقة أيضا.

     يستخلص من تحديد الأخذ استنادا لهذا المفهوم نتيجتان:

    الأولى: أن الأخذ لا يتوافر إذا كان الشيء في حيازة المدعى عليه بشكل مسبق.

     الثانية: أن التسليم ينفي الأخذ.

    أولا- الحيازة المسبقة للمدعى عليه.

    فعندما يكون الشيء المنقول في حيازة المدعى عليه ابتداء، ويمتنع عن رده إلى مالكه أو حائزه، متصرفاً به تصرف المالك، فلا يعد سارقاً له لأنه لم يحصل منه أخذ.

     فالبائع الذي يرفض تسليم المبيع إلى المشتري بعد قبضه للمنه، لا يعد سارقا له، لأنه لم يخرج من حيازته أصلاً ويأخذه من المشتري خفية أو عنوة.

    أما لو سلمه المبيع ثم قام بالاستيلاء عليه بعد ذلك، فهنا يكون قد فقد حيازته للشيء بتسليمه، فيعد سارقا له.

    وكأمثلة أخرى لهذه الحالة، إذا كان الشيء المنقول في حيازة شخص ونازعه الغير على ملكيته، وحكم لهذا الغير بأحقيته بملكيته، فرفض تسليمه، فلا يعد سارقاً له لأنه ظل محتفظاً بحيازة الشيء أثناء المنازعة على الملكية، فانتفي بذلك الركن المادي للسرقة المتمثل بالأخذ. أو إذا كان الشخص يحوز الشيء بناء على عقد ائتماني، كالإيجار أو العارية، وانتهت مدة العقد، فوجب عليه رد المال للمؤجر أو المعير، فرفض رده ناكر ملكيته له، ومتصرفا به تصرف المالك، فهذا لا يعد سارقاً أيضا لأنه لم يتنازل عن الحيازة أصلاً ثم يستولي على الشيء بعد ذلك كي يعد سارقاً.

     ففي هذا المثال يعتبر الفاعل مرتكباً لجرم إساءة الائتمان.

    ثانيا – التسليم النافي للأخذ.

    إن تسليم الشيء المنقول يمنع توافر عنصر الركن المادي، المتمثل بالأخذ.

     فالتسليم يتعارض مع فكرة سلب الحيازة أو الاستيلاء عليها. والتسليم المسبق ينفي الأخذ سواء كان حر، أو كان مبنية على غلط، أو كان مشوبة بالغش والخداع. إلا أنه ليس كل تسليم ينفي الأخذ، بل لا بد أن يتوافر به ثلاثة شروط مجتمعة.

    شروط التسليم النافي للأخذ

    لا بد أن يتوافر في التسليم النافي للأخذ الشروط التالية: الصفة – الإرادة الحرة المميزة – التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة.

    1- الصفة.

    كي ينفي التسليم الأخذ يجب أن يكون حاصلا من شخص له صفة على الشيء فينقل بموجب هذه الصفة حيازة المال، وشرط الصفة يتوافر بمالك الشيء أو حائز.

     ففي المثال السابق عن النادل والمعطف، فصحيح أن النادل سلم المعطف إلى الزبون السارق، إلا أن هذا التسليم لا ينفي الأخذ باعتبار أن النادل ليس بذي صفة على هذا المعطف، فهو ليس إلا أداة استخدمها الزبون في سرقة المعطف بدل أن يأخذه بيده مباشرة.

     إلا أن الأمر يختلف إذا كان هذا النادل قد تسلم المعطف من صاحبه على سبيل الأمانة، فيصبح ذا صفة على المعطف، وهو ما يجري عليه العمل ببعض المطاعم الراقية، ويدعى (الفيستيير – vestiere)، حيث يسلم الزبون معطفه للفيستيير فيسلمه الأخير کرتاً مرقماً يستطيع بموجبه استلام معطفه عند مغادرة المكان.

    فلو أخطأ الفيستيير وسلم المعطف الزبون آخر غير صاحبه، فهذا الزبون لا يعتبر سارقاً للمعطف إذا اكتشف الأمر وسكت عنه، لأنه استلمه من صاحب صفة عليه، وهذا التسليم ينفي الأخذ.

    2- الإرادة الحرة المميزة

    يجب أن يكون التسليم النافي للأخذ صادرة عن شخص ذي صفة باختياره وبإرادته الحرة، ومدرك للآثار القانونية للعمل الذي يقوم به. فلا عبر بتسليم المكره والصبي غير المميز والمجنون والمعتوه.

     فالتسليم في هذه الأحوال هو تسليم أني لا يعتد به. فمن تسلم منقولا من مكره أو مجنون واستولى عليه متصرفا به تصرف المالك يعتبر سارقاً.

    3- التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة

    إن التسليم الذي ينفي ركن الأخذ في جريمة السرقة هو الذي ينقل الحيازة كاملة بقصد التخلي نهائيا عن حيازة الشيء، أو هو التسليم الذي ينقل الحيازة الناقصة، وهي الحيازة على سبيل الأمانة بموجب إحدى العقود الائتمانية.

    أما مجرد التسليم المادي الذي لا ينقل حيازة، تامة أو ناقصة، وتكون به يد المستلم على الشيء يد عارضة فلا ينفي الأخذ. والحيازة التامة، كما أسلفنا ، تعطى صاحبها على الشيء المحاز ممارسة كافة سلطات المالك على ملکه، بغض النظر إذا كانت مستندة إلى حق مشروع كالملكية، أو غير مشروع كالسرقة .

    وللحيازة التامة عنصران: عنصر مادي ويعني السيطرة المادية على الشيء، و عنصر معنوي ويعني إرادة الحائز التصرف بالشيء تصرف المالك.

    أما الحيازة الناقصة فتكون للشخص الذي يتوفر في حيازته للشيء العنصر المادي فقط، أي السيطرة على الشيء، دون عنصرها المعنوي.

     وهي الحيازة على سبيل الأمانة بموجب إحدى العقود الائتمانية كالوديعة و العارية والإيجار والرهن…

     والحائز على سبيل الأمانة إنما يحوز الشيء لحساب مالكه بناء على عقد يلتزم برد الشيء عند نهاية مدته، مما يستبعد معه أي إدعاء من جانبه بملكية الشيء .

    أما اليد العارضة فلا تعتبر نوعا من الحيازة، بل هي مجرد وضع يد مادي على الشيء دون أن يكون لواضع اليد أي حق أو سلطة على الشيء .

     و الحيازة تبقى لمن سلم الشيء، أما المستلم فيكون اتصاله بالشيء اتصلا مادية بحتاً، أي يكون الشيء عرضاً بين يديه ويتوجب عليه أن يرده بعد وقت يسير ، ويخضع دوما لرقابة من له الحق على الشيء.

     ومن أمثلتها حالة الجمال الذي يحمل للمسافر حقيبته في المطار أو في محطة القطار تحت بصره ورقابته، والخادمة في المنزل بالنسبة لمحتوياته، والعامل في المصنع بالنسبة للأدوات التي يستخدمها أثناء عمله، ومن هذا  القبيل أيضا من يتناول شيئا لمعاينته أو لتفحصه أو لتقدير ثمنه، كمالك السيارة الذي يسلمها إلى آخر لفحصها وتجريبها تمهيدا لشرائها، وصاحب محل المجوهرات الذي يسلم قطعة ذهبية لزبون أو زبونة ليعاينها قبل شرائها.

    إلا أن التسليم لا يشترط أن يكون حقيقياً كما في الأمثلة السابقة، بل قد يكون التسليم حكمياً، من هذا القبيل الأدوات التي يقدمها صاحب المطعم للزبائن و الفندق للنزلاء ومتاع المنزل بالنسبة للضيوف، ففي هذه الحالات جميعا إذا  استولى صاحب اليد العارضية على الشيء يعتبر سارقاً له.

    وتطبيقا لما سبق شرحه، لو أن مالكة لمنقول سلمه إلى شخص آخر، فإن الاحتمالات التي نواجهها تكون كالتالي:

    – إذا كان التسليم بقصد التخلي النهائي عن المنقول، فهو تسليم ناقل للحيازة التامة، بالتالي فالمستلم لا يعد سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك.

     – إذا كان التسليم بقصد الإعارة أو الوديعة أو الإيجار، فهو تسليم ناقل للحيازة الناقصة، إذا فالمستلم لا يعد سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك، بل مسيئا للأمانة.

    – إذا كان التسليم بقصد المعاينة أو الفحص أو تقدير قيمة الشيء أو القيام بعمل معين تحت إشراف ورقابة المسلم, أو كان التسليم حكمياً، كحالة متاع المنزل بالنسبة للضيوف، وأدوات المطعم والفندق بالنسبة للزبائن والنزلاء، فهو تسليم يد عارضة، بالتالي إذا استولى المستلم على الشيء مريداً التصرف به تصرف المالك، يعتبر سارقا له، لأن تسليم اليد العارضة لا يعتبر تسليماً ناقلاً للحيازة التامة أو الناقصة.

     باختصار، فإن التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة ينفي ركن الأخذ، إذا ينفي جرم السرقة. أما تسليم اليد العارضة فيقوم به ركن الأخذ، وبالتالي جرم السرقة.

    – وبالرغم من وضوح فكرة اليد العارضة، فإن تطبيقها في بعض الحالات يثير التساؤل حول حكمها.

     كحالة تسليح شيء بداخله شيء آخر يجهله المسلم، وحالة متاع المنزل بالنسبة للزوجين والأولاد.

     – من صور الحالة الأولى أن يسلم زبون معطفه لصاحب محل تنظيف الثياب، فيكتشف صاحب المحل وجود مبلغ من المال، أو خاتم ثمين، في جيب المعطف، فيستولى عليه، فهل يعتبر سارقا له؟

    ما من شكك في أن تسليم الزبون لمعطفه هو تسلیم ناقل للحيازة الناقصة، فإذا استولى صاحب المحل على المعطف عد مسيئا للائتمان.

     إلا أن هذا التسليم الناقل للحيازة الناقصة يتناول المعطف فقط، باعتبار أن صاحبه يجهل وجود المبلغ أو الخاتم بداخله، بالتالي فلا وجود للتسليم أصلا بالنسبة لهما، باعتبار أن من خصائص التسليم أنه إرادي.

    إلا أن عدم وجود التسليم لا يعني أن الاستيلاء عليهما يشكل جرم السرقة، فصاحب المحل لم يقم بأي نشاط إيجابي ينقل به حيازة الشيء من صاحبه إلى حيازته أو حيازة غيره، بل دخل الشيء في حيازته بصورة طارئة نتيجة عدم علم صاحب المعطف بوجود المبلغ أو الخاتم بداخله.

     فحكم هذه الحالة يطاله نص المادة 659 الخاص بالأشياء الضائعة أو المفقودة، السالفة الذكر، وهي من الجرائم الملحقة بإساءة الائتمان، كل من استملك أو اختلس …..أي شيء منقول دخل في حيازته…… أو بصورة طارئة أو بقوة قاهرة عوقب بالحبس……

    أما بالنسبة لحالة متاع المنزل، فما من شك بأن يد الابن على المنقولات المملوكة لوالده يد عارضة، فإذا استولى على أي شيء منها عد سارقا له، إلا إذا سلم إليه على سبيل الأمانة .

     أما عن حالة الزوجين، فإذا كان المال خاصة بأحدهما، كالنقود، واستولى عليه الأخر عد سارق له .

    أما إذا كان المال في حيازته على سبيل الأمانة، فاستولى عليه متصرفاً به تصرف المالك، عد مسيئا للائتمان، وإذا كان المال مملوكة للزوجين معا وفي حيازتهما معا في نفس الوقت، فيعتبر كل منهما في هذه الحالة أمينة على حصة الأخر من المال، فإذا استولى عليه وتصرف به تصرف المالك اعتبر مسيئا للائتمان.

    – ومتى كان التسليم ناقلاً للحيازة الكاملة أو الناقصة فإنه ينفي السرقة لانتفاء ركن الأخذ ولو بني على غلط، أو كان نتيجة غش أو خداع.

    أ- التسليم الناشئ عن غلط.

    يخلط الشخص عندما يتوهم أو يعتقد بما يخالف الحقيقة والواقع. والتسليم الناشئ عن غلط قد يكون في ذات الشيء أو في قيمته أو كميته أو في شخص المستلم.

    ومن أمثلة الغلط في ذات الشيء أن يرد کواء إلى زبون عنده معطف غير معطفه ظان أنه له فيأخذه الزبون مع علمه بالغلط الذي وقع به الكواء.

     أو يرد مصلح الساعات لزبون ساعة زبون آخر فيأخذها الزبون مع علمه بالغلط الذي وقع به المسلم.

    ومن قبيل الغلط في قيمة الشيء أو كميته أن يسلم المشتري للبائع ورقة من فئة الخمسمائة ليرة ظنا منه أنها من فئة المائة ليرة فيأخذها البائع وهو يعلم بما وقع به المشتري من غلط.

    أو أن يسلم المدين لدائنه أكثر من الدين المستحق عليه متوهم أن ما سلمه هو قيمة الدين، فيستلم الدائن المبلغ وهو عالم بالغلط الذي وقع به المدين.

    ومن أمثلة الغلط في شخص المستلم أن يسلم شخص بضاعة لأخر معتقدا أنه صاحب الحق فيها، أو أن يوفي المدين بدين عليه إلى شخص يظنه دائنه، فيستلم الشخص البضاعة أو الدين ويسكت عن الغلط الذي وقع به المسلم.

    ففي هذه الأمثلة عندما يمتنع المستلم عن رد الشيء، ويتصرف به تصرف المالك، فلا يعد سارقا، لأن التسليم هنا ينفي الأخذ، فهو قد تم عن إدراك واختيار من ذي صفة وناقلا للحيازة.

    وليس من شك في أن القانون المدني يجيز لمن وقع في غلط من هذا النوع أن يبطل التصرف إذا كان الطرف الأخر عالما بالغلط، ولكن ما يعنينا هو موقف القانون الجزائي بهذا الخصوص.

     ولقد حسم المشرع السوري هذه المسألة باعتباره الفاعل مرتكبا للجريمة الواردة في المادة 659 من قانون العقوبات، وهي من الجرائم الملحقة بإساءة الائتمان، كما أسلفنا، ونصها

     “1- كل من استملك أو اختلس، أو رفض أن يرد، أو كتم لقطة، أو أي شيء منقول دخل في حيازته غلط، أو بصورة طارئة، أو بقوة قاهرة، يعاقب بالحبس حتى سنة وبغرامة….

    ب- التسليم الناشئ عن غش أو خداع

    لاحظنا في التسليم الناشئ عن غلط أن موقف المستلم يكون فيه سلبياً.

     فالمسلم هو الذي يقع بالغلط من تلقاء نفسه. أما في حالة التسليم الناشئ عن غش أو خداع فموقف المستلم هنا مختلف، فلا يقتصر على موقف سلبي منه بعلمه بالغلط والسكوت عنه، وإنما يقوم بإيقاع المستلم في الغلط، بالكذب عليه و غشه، مما يدفعه إلى تسليمه المال.

    وهذا الغلط بدوره قد ينصب على ذات الشيء أو على قيمته أو كمیته أو على شخص المستلم. والتسليم الناشئ عن الغش يأخذ حكم التسليم الناشئ عن الغلط بكونهما ينفيا الأخذ، ولا يعد المستلم فيهما سارقاً، لأن إرادة المسلم، بغض النظر عما شابها من عيب، قد اتجهت فعلا إلى نقل الحيازة.

     وقد يقتصر الغش في هذه الحالة على مجرد التدليس وفق المفهوم المدني، الذي يعطي المتضرر منه الحق بإيطال التصرف أو العقد أمام القضاء المدني.

    وقد يتجاوز الغش المفهوم المدني إذا ترافق مع وسائل احتيالية أوقعت المسلم بالغلط ودفعته إلى تسليم المال، فهنا نكون أمام جريمة احتيال إذا توافرت سائر أركانها.

     إذاً المعيار الذي يمكن اعتماده هنا هو درجة الغش.

    فإذا  كان الغش يسيراً فقد لا تقوم به جريمة، أما إذا كان جسيما، فهو يشكل جرم الاحتيال  ومن قبيل ذلك أن يستولي الشخص على مال غيره مقابل إيداع شيء لديه على سبيل الرهن ثم يتضح فيما بعد أن ما أودعه عديم القيمة.

    أو أن يشتري الشخص سلعة ويدفع ثمنها بورقة مالية لم تعد قابلة للتداول قانوناً موهماً البائع بأنها ورقة نقد متداولة.

     أو يعرض الشخص على أخر سلعة تافهة موهما إياه بأنها ذات قيمة كبيرة، ويطلب ثمناً كبيراً زاعما أن الصفقة في مصلحة الشخص الأخر ويستولي بذلك على مال قيمته أضعاف قيمة السلعة.

     ففي جميع هذه الحالات يكون هناك تسليما نافية للأخذ، ولكن الفعل قد يشكل جرم احتيال إذا توافرت سائر أركانه الأخرى.

     

    عدم الرضا

    إضافة لوجوب توفر الأخذ المتمثل بالاستيلاء على الحيازة التامة، لا بد لاكتمال عناصر الأخذ، أن يتم الاستيلاء دون رضاء المالك أو الحائز للمال.

     وهذا ما أفصح عنه نص المادة 621 بتعريفه للسرقة “بأخذ مال الغير المنقول دون رضاه “. وبتوافر هذين العنصرين يكتمل الركن المادي للسرقة.

    أما إذا تحقق العنصر الأول، أي الاستيلاء على المال، ولكن برضاء المالك أو الحائز ، فينتفي بذلك الأخذ، ولا تقوم بالتالي جريمة السرقة .

    ورضاء المالك كاف لانتفاء السرقة سواء كان المال في حيازته أو في حيازة غيره.

    أما إذا كان المال في حيازة غير المالك، فإن رضاء كل من المالك أو الحائز على حدة يكفي لانتفاء الأخذ.

     فلو أن مستأجرة المنقول قام بتسليمه الشخص أخر، دون رضاء المالك، فلا يعد من استلمه سارقا له إذا تصرف به تصرف المالك.

     ولكنه قد يسأل مع المستأجر عن جريمة إساءة الائتمان.

     أما لو قام المالك بتسليم المنقول المؤجر إلى شخص آخر، دون رضاء المستأجر، فلا يعد من استلمه سارقا له، ولا يستطيع المستأجر العودة على المؤجر إلا بدعوى مدنية، كتنفيذ العقد أو فسخ العقد، دون إمكانية ملاحقة المالك و المستلم بدعوى جزائية، ما دام المالك قد تصرف بملكه، ولكنه يكون قد خالف شروط عقد الإيجار.

    أما إذا كان المال في يد عارضة فلا عبرة بالرضا الصادر عن صاحبها . فاليد العارضة لا تعطي صاحبها أي حق أو سلطة على الشيء، فإذا قام بالاستيلاء على الشيء عد سارقاً له، وإذا سلم الشيء لشخص أخر، يعتبر الشخص الأخر سارقاً أيضا، إذا كان يعلم بطبيعة حيازته للمال .

    فالحمال في المطار أو في محطة القطار تعتبر بده عارضة على الحقيبة التي يسلمه إياها المسافر، بالتالي لا يعتد برضائه بتسليم الحقيقية لشخص أخر، لأن الرضا يكون في هذه الحالة لصاحب الحقيبة.

    وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة 621 أشار إلى عدم الرضا وليس عدم العلم.

    نستنتج من ذلك أن لا تلازم بين عدم الرضا و عدم العلم .

    فالمطلوب عدم الرضا ولو كان المجني عليه يعلم بفعل الأخذ.

     وهذه الحالة تتوفر في السرقة بالإكراه، أو عند عدم اعتراض المجني عليه واستدراجه للسارق ليتمكن من القبض عليه متلبساً .

     ففي هذه الحالات يعتبر الفاعل سارقا، بالرغم من علم المجني عليه بالسرقة، وذلك لانتفاء رضاءه. وعلى العكس من ذلك فقد يأخذ الفاعل المال دون علم صاحبه، ولكن ظروف الحال تثبت أنه كان راض عن أخذه، فلا تقوم بذلك السرقة.

     فصاحب الدار لا يرى ضيوفه وهم يأكلون من ثمار حديقته ولكن ظروف الحال يستدل منها على موافقته.

    والأب لا يبصر ولده وهو يستولي على بعض ماله، ولكن طبيعة العلاقة بينهما تدل على أن الأب راض بفعل ابنه في حدود معينة.

    والرضا ينتج أثره في نفي السرقة ولو كان الفاعل لا يعلم به.

     فعدم الرضا من المالك أو الحائز هو أحد عناصر الركن المادي الذي ينتج أثره دون اشتراط علم الفاعل به.

     فقد يقدم شخص على الاستيلاء على مال مملوك للغير، ويكون هذا الغير راضيا بذلك، فلا يعتبر الفعل سرقة إلا بنظر الفاعل.

    ويستوي في عدم الرضا أن يكون صريحاً أو ضمنياً. ويمكن استخلاص عدم الرضا الصريح من تمسك المجني عليه بالمال ومقاومته للسارق.

    أما عدم الرضا الضمني فيمكن استخلاصه من ظروف وملابسات الواقعة، كعدم المقاومة نتيجة خوف المجني عليه من أن يلحق السارق به الأذى، أو وجود المال في خزنة محكمة الإغلاق، احتاج السارق لفتحها استخدام أدوات مخصوصة.

    وغني عن البيان أن الرضا النافي للأخذ يشترط فيه أن يصدر من ذي صفة وهو المالك أو الحائز حيازة ناقصة، وأن يكون صادرة عن إرادة مميزة حرة، كما أشرنا سابقا في التسليم النافي للأخذ، فلا قيمة للرضا الصادر عن مجنون أو معتوه أو صبي غير مميز أو مكره. والعبرة في توافر الرضا النافي للأخذ هو وقت فعل الأخذ، أما إذا كان لاحقا للفعل فهو لا ينفيه، ولا يمنع من قيام السرقة. فلو أقدم شخص على سرقة مال مملوك للغير دون رضاه، ثم صفح عنه، أو رضي أن يحتفظ بالمال المسروق، فهذا لا ينفي عن الفعل وصف السرقة.

  • هل يشكل الاستيلاء على الأشياء المباحة أو المتروكة أو الضائعة جرم السرقة؟

    لا يكفي لاعتبار الشخص سارقاً أن يكون الشيء المسروق غير مملوك له، وإنما يجب فضلا عن ذلك أن يكون الشيء مملوكاً لشخص أخر عند الاستيلاء عليه.

     يبني على هذا أن الأشياء التي لا مالك لها لا تكون محلا للسرقة، وهي الأشياء المباحة والمتروكة.

    أما الأشياء التي خرجت من حيازة أصحابها ماديا ولكنها بقيت في ملكيتهم تكون محلاً للسرقة، وهي الأشياء المفقودة أو الضائعة.

    1- الأشياء المباحة والمتروكة

    – الشيء المباح هو الشيء الذي لا مالك له، ولم يكن في وقت مملوك لأحد، والاستيلاء عليه سبب من أسباب کسب الملكية يقره القانون ويرتب عليه آثاره. فالماء والكلأ، والحيوان في الغاب أو الصحراء، والسمك في الماء، والطير في الهواء، كلها أشياء مباحة إذا سبقت إليها يد إنسان فحازها ملكها، فإذا استولى عليها شخص أخر منه كان فعله سرقة.

    ولكن الطيور المستأنسة والحيوانات الأليفة لا يسري عليها هذا الحكم، فهي لا تعتبر مالاً مباحاً ولو خرجت من يد صاحبها، لأن حق الملكية يلازمها، وإنما يسري عليها حكم الأشياء المفقودة أو الضائعة.

    وكذلك لا تعتبر أموالاً مباحة المال العام أو الخاص المملوك للدولة، مثل الشوارع والساحات والحدائق العامة والأبنية الحكومية والآثار.

     فهذه جميعها تصلح محلا لجرم السرقة. كمن يستولي على إحدى الأوابد التاريخية.

     – أما الأشياء المتروكة، فهي المنقولات التي يتخلى عنها مالكها بقصد النزول عن ملكيته. مثالها ما يفرغه المتعهدون من الأتربة أو بقايا تعهدات البناء، أو الأشياء التي يلقيها أصحابها في الحاويات، أو يضعونها أمام منازلهم كي يتلقفها أشخاص بحاجة إليها، كأدوات منزلية أو كهربائية أو ملبوسات أو بقايا طعام.

     فهذه أشياء لا يشكل أخذها سرقة، باعتبار أن مالكها قد تخلى تماما عن ملكيته لها، وأصبحت بحكم الأشياء المباحة التي لا مالك لها.

    2- الأشياء الضائعة والكنز

    إن الاختلاف واضح بين الأشياء المياحة والمتروكة وبين الأشياء الضائعة أو المفقودة.

     فالأولى لا مالك لها، بينما  الثانية فملكيتها ثابتة لصاحبها . فضياع المال لا ينهي ملكية من ضاع منه، فهو فقد حيازته المادية للمال مع بقائه قانونا مالكة له.

    ويبني على ذلك أن مالك المال المفقود له الحق قانوناً باسترداد ماله ممن يوجد بين يديه ولو كان قد اشتراه من الغير بحسن نية.

    لكن هل يعتبر من التقط مالاً مفقوداً واحتفظ به سارقا له؟

    في الواقع إن السرقة هي اعتداء على الملكية وعلى الحيازة.

     فقد يسرق المال ليس من يد مالكه بل من يد حائزه فقط، كما لو سرق المال المؤجر أو المعار أو المودع…

    والسرقة تفترض نشاطاً إيجابياً من السارق ينقل بواسطته المال من حيازة إلى حيازة.

    أي ينهي حيازة الحائز وينشئ للمال حيازة جديدة.

     ففيما يتعلق بالمال المفقود، أو اللقطة كما يطلق عليها المشرع السوري، فإن ملتقط المال لم يقم بأي نشاط إيجابي ينهي به حيازة المالك وينشأ لنفسه أو لغيره حيازة جديدة كي يعتبر سارقاً. والشيء المفقود لم يعد في حيازة أحد، ومن ثم لا يتحقق بالاستيلاء عليه الاعتداء على حيازة الغير الذي تفترضه السرقة.

     وما قلناه يصح أن يقال أيضاً في الكنز، فالكنز، الذي لم تثبت ملكيته لأحد، هو ملك مشترك بين مالك العقار الذي وجد به، ومكتشفه ولو لم يكن مالكة للأرض المدفون بها الكنز، والدولة.

    وعليه فمن يكتشف کنزا فيستولي عليه كاملا، فهو بذلك يعتدي على ملكية غيره، ولكنه لا يعتدي على حيازة غيره، فالكنز ليس في حيازة أحد.

     لذلك أخرج المشرع السوري هاتين الصورتين من الاستيلاء على مال الغير من نطاق السرقة، واعتبرها جريمة خاصة ملحقة بإساءة الائتمان وليست إساءة ائتمان، وفق المادة 659 من قانون العقوبات التي تنص على أن:

    “1- كل من استملك أو اختلس أو رفض أن يرد أو كتم لقطة أو أي شيء منقول دخل في حيازته غلطاً أو بصورة طارئة أو بقوة قاهرة، يعاقب بالحبس حتى سنة وبغرامة….

    2- تسري أحكام هذه المادة على من أصاب کنزاً بما يتعلق بالنصيب العائد لغيره”.

  • شرط أن يكون المال مملوكاً للغير في جريمة السرقة

    القاعدة أن الإنسان لا يسرق ماله.

     فالسرقة هي اعتداء على الملكية، وهذا الاعتداء لا يمكن تصوره إلا إذا أصاب مالا غير مملوك للسارق.

     إلا أنه لا يكفي لقيام السرقة أن ينصب الاعتداء على مال غير مملوك للسارق، بل يجب أن يكون المال مملوكة للغير وقت الاستيلاء عليه.

    وبذلك يتحلل هذا الشرط إلى عنصرين: عدم ملكية السارق للشيء، وملكية الغير للشيء.

    أولا- أن يكون المال غير مملوك للسارق.

    السرقة جريمة من جرائم الاعتداء على المال بقصد تملكه.

    فلا يتصور إذن حصولها من مالك. ويبني على هذا أن من يستولي على ماله لا يكون سارقاً ولو اعتقد أن المال يملكه غيره.

     فإذا تسلل شخص إلى منزل عائلته وسرق منه مالاً مملوكاً لأبيه فإنه لا يعد سارقاً إذا تبين بعد ذلك أن الأب كان قد توفي وقت الاستيلاء على المال، وأن هذا الابن هو وارثه الوحيد.

    وإذا كان المال المملوك للمدعى عليه في حيازة غيره فاسترده خفية أو عنوة فلا تقوم بفعله سرقة.

    وعلى ذلك فالمؤجر الذي يستولي على الشيء المؤجر قبل انتهاء مدة عقد الأجار لا يعد سارقا ولو كان المستأجر قد أدى الأجرة كاملة.

    وينطبق هذا الحكم على المعير والمودع أيضا.

     فهؤلاء لا يعتبرون سارقين إذا استردوا أموالهم من حائزيها ولو كانت لهؤلاء الحائزين تجاه المالك حقوق تخولهم الاحتفاظ بحيازة المال، فهم يستولون على ما يملكون.

    وإذا كان الاستيلاء على المال في الحالات السابقة لا يعد سرقة، فمن باب أولى أن تأخذ نفس الحكم فرضية انتزاع المالك ماله ممن سبق له سرقته منه، لأن سرقة المال لا تجرد صاحبه حق ملكيته وإن سلبته حيازته.

     وعلى ذلك فالمالك حين يسترد ماله ممن سرقه لا يعد سارقاً لأنه يستعيد بفعله مالا يملكه ولا يستولي على مال مملوك للغير.

     إلا أن الأمر يختلف عند إقدام شخص على سرقة مال مسروق ممن سرقه.

    فهذا الشخص يعتبر بدوره سارقاً، لأن في فعله اعتداء على ملكية مالكه الشرعي، ولا عبرة بكون حائزه غير ذي حق، فالمجني عليه هو المالك..

    وتطبيقا لذات الحكم فإن من يستولي على أشياء غير مرخص للأفراد بحيازتها، كالمخدرات، يعتبر سارقا لها.

     فبالرغم من أن القانون لا يعترف بملكية حائزها لها، فهي محل الملكية عامة هي ملكية الدولة لها، إذ أن مصادرتها حتمية، ومن ثم فالفعل يشكل اعتداء لا شك فيه على هذه الملكية .

     إلا أنه إذا كان الفاعل لا يعاقب على الاستيلاء على ماله، فهذا لا يعفيه من المسئولية عن الأفعال التي قد يرتكبها في سبيل الحصول على ماله إذا كانت تشكل جرائم أخرى.

     فهو يؤاخذ على الإكراه أو العنف الذي يصاحب الفعل، أو على انتهاكه حرمة ملك الغير في سبيل الحصول على المال وهكذا.

    و إذا ثبت عدم ملكية المدعى عليه الشيء الذي استولى عليه فإنه يعد سارقاً له ولو كانت له حقوق تجاه مالك الشيء فقام بالاستيلاء على المال مقابل تلك الحقوق.

    فالدائن الذي يستولي على مال مملوك لمدينة وفاء لدينه يعتبر سارق ولو كان ما أخذه يساوي قيمة الدين .

    وكذلك المؤجر الذي يستولي على محصول الأرض المؤجرة أو بعض منقولات المستأجر مقابل الأجرة، والعامل في مصنع الذي يستولي على أدوات من المصنع نظير ما بقي له من أجر لدى صاحب العمل. والسبب في ذلك أن القانون قد نظم طرقا وإجراءات خاصة لاستيفاء الحقوق، وعلى صاحب الحق اللجوء إلى هذه الطرق لاستیفاء حقه.

    ويطبق هذا الحكم أيضا ولو كان الفاعل مالكا بطريق الاشتراك مع غيره.

    و على ذلك يعتبر سارقاً الشريك الذي يستولي على جزء من البضائع من الشركة أو على أي شيء من أشياء الشركة.

    والسبب في ذلك أن الشريك ليس بمالك للشيء المشترك ملكية خالصة حتى يقال أنه استولى على ملكه، وإنما  يشارك الشريك الأخر في كل جزئية من جزئيات المال المشترك.

    أما في ما يتعلق بالملكية الشائعة بالميراث، أي حالة مجموعة من الورثة يملكون على الشيوع مال المورث، فإن قيام أحد الورثة، قبل القسمة، بالاستيلاء أو التصرف بشيء من أشياء التركة الشائعة يعتبر سرقة برأي الفقه الجزائي استنادا لذات الحجة المتعلقة بالشراكة.

     فالوريث على الشيوع ليس بمالك للشيء ملكية خالصة، وإنما يشاركه الورثة الأخرين في ملكية كل جزئية من جزئيات المال المشاع.

    بيد أن المشرع السوري، والاجتهاد القضائي في سورية، يعتبر هذا التصرف إساءة للائتمان وليس سرقة.

     فلقد نصت المادة 850 من القانون المدني على أن يعاقب بعقوبة إساءة الائتمان كل من استولی غشاً على شيء من أشياء التركة ولو كان وارثا”.

    ومن التطبيقات القضائية بهذا الخصوص ما جاء في حكم محكمة النقض “أن السرقة هي أخذ مال الغير المنقول بدون رضاه، ولذلك فإن أخذ الوارث شيئا من أموال التركة لا يوصف بأنه سرقة لأنه أخذ مال غيره بصورة شائعة، والشبهة في ذلك تفسر لمصلحته، وهذا ما أشارت إليه المادة 850 من القانون المدني إذا اعتبرت الاستيلاء بطريق الغش على شيء من التركة إساءة للأمانة”.

    أما الشيء المتنازع عليه، فإذا كانت ملكية المال المدعى بسرقته متنازعا عليها بين المدعى عليه والمدعي، فإن اعتبار المدعى عليه سارقا أم لا يتوقف على الفصل في مسألة الملكية.

     فإن قضي باعتبار المدعى عليه مالكه الوحيد فلا سرقة في فعله لأنه لم يعتدي على ملكية غيره، أما إذا قضي باعتبار الشيء ملكا للمدعي وحده أو قضي باعتباره مشتركة بينهما فهو سارق له لأنه اعتدى على ملكية غير.

  • ركن رجريمة السرقة بأن يكون محل السرقة منقولاً

    جاء في المادة 621 من قانون العقوبات أن السرقة هي “أخذ مال الغير المنقول…“.

     فالسرقة لا تقع على عقار.

    فمن يستولي على عقار غيره بنية تملكه يعتبر مرتكبا لجرم غصب العقار حسب المادة 723 من قانون العقوبات وليس مرتكبا لجرم السرقة.

     وبالرغم من أن التمييز بين المنقول والعقار هي من موضوعات القانون المدني، فإن للمنقول في القانون الجزائي معنى قد يختلف عن معناه في القانون المدني.

     فللمنقول في القانون المدني صورتان:

    فهو إما منقول بطبيعته، ويتمثل بكل شيء مادي يقبل الحركة والنقل من مكانه دون تعرضه للتلف.

    وإما منقول بحسب المال، ويتمثل بالعقار الذي سيصبح منقولا، كالأشجار المعدة للقطع والمباني المهيأة للهدم والمحاصيل الزراعية التي مالها الحصاد.

    أما العقار في المفهوم المدني فهو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف. ويدخل في هذا المفهوم، إضافة للعقار بطبيعته كقطعة أرض أو بناء أو مسكن، العقار بالاتصال، وهو المنقول بطبيعته الذي يتصل بالعقار اتصالاً مادياً فيحمل اسمه ويأخذ حكمه، كأبواب المنازل ونوافذها .

     و العقار بالتخصيص، وهو المنقول بطبيعته الذي سخر لخدمة العقار کالات المصنع.

     أما القانون الجزائي، فإن كان يتبنى الفكرة الأساسية التي يقوم عليها المفهوم المدني في التمييز بين المنقول والعقار ، إلا أنه لا يتقبل جميع نتائجها، ويرفض جانبا منها.

    ففي المفهوم الجزائي يعتبر منقولاً قابلاً للسرقة كل مال يمكن تغيير موضعه، أي يقبل الحركة والنقل من مكانه سواء أصابه تلف أم لم يصبه.

    وهذا يعني، بخلاف المفهوم المدني، أن الشيء يعتبر منقوة ولو كان جزءا من العقار إذا انفصل عنه لأي سبب كان.

    وتطبيقا لذلك يعتبر منقولاً صالحاً كمحل لجرم السرقة في المفهوم الجزائي:

     1- المنقول بطبيعته، وهو كل شيء ممكن رفعه من مكانه وجعله في مكان آخر، كالنقود والملابس والأثاث والسيارات والوثائق والسندات والمخطوطات … الخ

     2- العقار بالتخصيص، وهو المنقول بطبيعته الذي سخر لخدمة العقار، كالات الزراعة والماشية التابعة للأرض والات المصانع وماكينات المصاعد الكهربائية.

     3- العقار بالاتصال، وهو المنقول بطبيعته الذي يتصل بالعقار اتصالاً مادياً متى انفصل عن العقار الثابت فيصبح بذلك من المنقولات، كالنوافذ والأبواب والمواسير والأشجار.

     فمن يضبط مثلا وهو يحاول نزع نافذة أو اقتلاع شجرة بقصد تملكها يعتبر شارعاً في جرم السرقة.

    نستخلص من ذلك أن المنقول في المفهوم الجزائي هو كل شيء يمكن نقله من مكانه بأية وسيلة سواء أدى هذا النقل إلى تلف أم لا، وسواء أدى إلى تغيير هيئته أم لا.

     وبذلك لا يخرج من نطاق المنقولات سوی العقار بطبيعته، وهو المال الثابت في مكانه الذي لا يمكن تصور نقله من مكانه كقطة أرض أو منزل في بناء قائم.

  • ركن جريمة السرقة بأن يكون محل السرقة ذو طبيعة مادية

    إن مفهوم السرقة يتضمن الاستيلاء على الحيازة الكاملة لشيء له صفة المنقول ونقله من مكانه.

    وهذا المفهوم لا يستوي إلا إذا كان هذا الشيء مادياً.

     والشيء المادي هو “كل ما يشغل حيزا من فراغ هذا الكون ويستطيع الإنسان أن يدركه ببعض حواسه”.

     أو هو “كل ماله كيان ذاتي مستقل في العالم الخارجي، أو هو كل ماله طول و عرض وسمك بصرف النظر عن حجمه أو وزنه أو هيئته “.

     إذن فمناط الصفة المادية للشيء هو إمكان السيطرة المادية عليه وصلاحيته للتملك.

    نستخلص من ذلك نتيجتين:

     – الأولى:

    أن الأشياء المعنوية، أي غير المادية، لا تصلح محلا للسرقة، كالحقوق والأفكار والألحان والمخترعات والشعر، لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس وليس لها كيان مادي يمكن الاستيلاء عليه.

     بيد أن هذه الأشياء تتحول إلى منقولات مادية صالحة لتكون محلا للسرقة إذا أفرغت في وعاء مادي، کسند أو كتاب أو نوتة موسيقية أو براءة اختراع، لأن السرقة هنا تقع على المادة التي دون بها الحق أو الكتاب الذي وضعت به الأفكار أو النوتة التي تتضمن اللحن الموسيقي أو براءة الاختراع. أما الحقوق في حد ذاتها والأفكار والألحان والمخترعات فليس لها كيان مادي يصلح ليكون محلا للسرقة .

    – الثانية:

    يستوي في أن يكون هذا الشيء المادي الذي يأخذ صفة المنقول جسم صلب أو سائلا أو غازية، فهو ذو کیان مادي وان اختلفت مادته. والأشياء الصلبة لا يمكن حصرها، فمنها النقود والمواشي والآلات…الخ.

     أما الأشياء السائلة، كالماء والزيت والكحول والبترول، فهي سوائل مادية يمكن إحرازها و تملكها، ويخضع الاستيلاء عليها لوصف السرقة.

    وعلى ذلك يعتبر سارقاً من يسحب الماء من أرض جاره وينقلها إلى أرضه.

     كما يعتبر سارقاً من يستولي على كمية من مياه الشرب أكثر مما حسبه العداد باستعماله طريقة من طرق الغش لأخذ الماء.

     كأن يضع ماسورة قبل العداد الذي وضعته الشركة دون أن يجعل الماء يمر بالعداد، أو يجعله يمر بالعداد ولكنه تلاعب في حركته بإبطاء تلك الحركة عن السير العادي.

    أما إذا ترك العداد يحسب مقدار كمية المياه المستهلكة بطريقة عادية ثم قام بعد ذلك بتغيير الرقم الحقيقي المبين بالعداد إلى رقم أقل منه فإنه لا يعد مرتكبا لجريمة السرقة، لأن كمية المياه وقت أخذها إنما أخذت واستهلكت بطريقة نظامية، لأن العداد كان يحسبها في أثناء الأخذ بصورة صحيحة، فلم تؤخذ بدون رضاء الشركة، إذ يستفاد هذا الرضا من مرور المياه بالعداد مرورة طبيعية، وإن كان يعتبر سلوكه هذا غشا عقدية غير مشروع في مقدار دین الشركة على مدينها، أو يعتبر غشا قد يصل إلى حد الاحتيال إذا توافرت شروطه، ولكنه ليس سرقة.

    أما الأشياء الغازية، فبالرغم من أنها لا تدرك بالعين المجردة، إلا أنها تأخذ حكم الأشياء الصلبة والسائلة، لأنه يمكن حيازتها ونقلها وتملكها من خلال ما تعبأ فيه من أنابيب أو قوارير لاستخدامها في الأغراض الاقتصادية.

     ويدخل ضمن هذا المفهوم الطاقة الكهربائية والمغناطيسية التي تعمل على نقل الصوت عبر الأسلاك التلفونية والطاقة النووية.

     فهي طاقات تخضع للسيطرة كغيرها من الأشياء المادية، فهي تعبأ وتنقل وتجاز وتقاس ويتحكم فيها سواء بالاستهلاك أو عدمه، و تصلح محلا لحق التملك، وبالتاي محلا لجرم السرقة.

    وقد نص المشرع السوري صراحة في المادة 621 فقرة 2 من قانون العقوبات على أن “القوة المحرزة تنزل منزلة الأشياء المنقولة في تطبيق القوانين الجزائية”.

     وبذلك أدخل المشرع الكهرباء والغاز والبخار في قائمة الأموال التي تصلح محلا لجرم السرقة.

     وعلى ذلك يعتبر سرقة الحصول خلسة على التيار الكهربائي بمد سلك من الخط الرئيسي أو بوضع سلك بطرفي العداد يمر منه التيار دون تسجيله في العداد، باعتبار أن الكهرباء في هذه الحالة لم تسلم رضائياً وفق الشروط التي وضعتها شركة الكهرباء.

     أما التلاعب بالعداد بعد الاستحصال على الكهرباء أصوة بتخفيض الكمية المسجلة فيشكل غشا في كمية البضاعة المتعاقد عليها، أو احتيالاً إذا توافرت شروطه وليس سرقة.

    ويعتبر مرتكبا لجرم السرقة ايضا، وليس جرم استعمال اشياء الغير دون وجه حق، من يستولي على الخط الهاتفي لجاره، سواء تعطل خط الجار المجني عليه أم لم يتعطل.

     فالخط الهاتفي له قيمة مالية تتمثل في تكاليف الاشتراك والمكالمات التلفونية المستهلكة، وقام المتهم بتملك قيمة المكالمات الهاتفية التي استعملها وهو يعلم بأنه غير مالك للخط الهاتفي، ودون رضاء صاحب الخط المجني عليه.

  • ركن جريمة السرقة بأن يكون محل السرقة مالاً

    يشترط أن يكون الشيء محل الأخذ مالاً.

    والمال هو كل شيء يصلح لأن يكون محلا لحق الملكية، ما لم يكن خارجا عن التعامل بطبيعته، أي لا يقبل بطبيعته أن يكون محلا لحق الملكية .

    و الشيء الذي يخرج بطبيعته عن العامل هو الشيء المباح كمياه البحار والأنهار، و الهواء في الجو، والسمك في الماء والطيور في الهواء.

    بيد أنه إذا تحددت هذه الأشياء، فإنها تصلح محلا للاستئثار بها، فتصبح أموالاً.

     كما لو احتجز شخص كمية من ماء البحر في وعاء لغاية ينتفع بها، وتعرض هذا الوعاء للأخذ، يعتبر الفعل سرقة.

    – هل يصلح الإنسان محلاً لجرم السرقة؟

    إن الإنسان ليس مالا ولا يقبل بطبيعته أن يكون محلا لحق الملكية، فهو صاحب الحق وليس محله. و على ذلك فإن خطف فتاة أو طفل لا يعد سرقة بل جريمة خطف.

    كما أن حقوق الإنسان المرتبطة بشخصه، کشرفه وحريته، لا تصلح محلا للسرقة. فمن يسلب أخر حريته لا يعد سارقا لها، وإن كان يرتكب جريمة أخرى بنظر القانون. .

     وإذا كان الإنسان لا يعتبر مالا بحكم القانون، فإن الأشياء المنفصلة عنه والمتجردة من صفة الأدمية، كشعره أو دمه أو أسنانه، تصبح مالاً صالحاً لأن يكون محلاً لجرم السرقة.

     فالمرأة يمكنها أن تقص شعرها وأن تبيعه أو تتعامل به بأي طريقة بوصفه مالاً.

    فإذا تعرض للأخذ دون رضاها اعتبر الفعل سرقة.

     ويأخذ حكم الأشياء المنفصلة عن الجسم، الأطراف والأعضاء الصناعية التي يستخدمها الإنسان بدلا من أطرافه وأعضائه الطبيعية.

    فهي لا تعد جزءا من الإنسان بالرغم من أدائها لوظائف الأعضاء الطبيعية. لذلك تظل معتبرة على أصلها ما صالحاً لأن يكون محلا للسرقة.

    كمن يأخذ طقم أسنان صناعية لغيره، أو شعر مستعارة تضعه امرأة على رأسها.

     وإذا مات الشخص تزول عنه صفة الإنسان وتصبح جثته بمجرد موته مالا إذا أودعت في متحف بسبب قيمتها التاريخية أو العلمية.

    فالاستيلاء على مومياء من متحف يعتبر سرقة كون الجثة مملوكة للمتحف.

     إلا أن الإشكالية تظهر في الاستيلاء على جثة ميت من المقبرة.

     فجثث الأموات في المدافن لا تكون مملوكة لأحد، والاستيلاء عليها لا يعد سرقة، وإن كان القانون يحميها بنصوص خاصة، كجريمة انتهاك حرمة ميت.

    – هل تصلح الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون محلاً لجرم السرقة؟

     إن الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون هي الأشياء التي ينكر عليها القانون المدني صفة المال، وبالتالي يحظر التعامل بها كالمخدرات والنقود المزيفة والأسلحة غير المرخصة.

    إلا أن موقف القانون الجزائي في هذه الحالة يختلف عن موقف القانون المدني.

     فقانون العقوبات في السرقة يدخل هذه الأشياء ضمن طائفة الأموال، وبالتالي تصلح محلاً للسرقة.

     وعليه فإن أخذ مخدرات دون رضاء حائزها يعد سرقة.

     ويفسر الاختلاف بين نظرتي القانون المدني وقانون العقوبات أن الأول ينظم التعامل بين الأفراد فينفي صفة المال عما لا يجيز التعامل فيه.

     أما قانون العقوبات فيحمي الحق لذاته ولو كان الفرد لا يصلح لاكتسابه و إنما كانت الدولة وحدها هي ذات الصلاحية لذلك، بل ولو كان من غير الجائز التعامل فيه بحكم القانون. فمصير هذه الأشياء هو المصادرة أي صيرورتها ملكا للدولة.

     بالنتيجة ما لا يعد مالاً في القانون المدني قد يعد كذلك في قانون العقوبات.

     – والمال يصلح لأن يكون محلاً للأخذ في جريمة السرقة سواء كان سند حيازته مشروعاً أو غير مشروع.

     فسواء كان المال لدى المالك أو لدى حائز له حيازة ناقصة كالمستعير أو المستأجر، أو كان لدى سارق له، فإن أخذه بدون رضاء مالكه أو حائزه يعتبر سرقة، لأن المال المسروق له مالك، فضلا عن توافر صفة المال فيه.

    – والمال لابد أن تكون له قيمة، أي متقوماً .

     أما إذا لم تكن له أية قيمة فتنتفي عنه صفة المال، ولا يصلح بالتالي محلا للسرقة. كما هو حال أحجار الطريق أو أعقاب السجاير أو قشر البيض.

     وما دام المال متقوماً فلا أهمية بعد ذلك لقيمته كبرت أم صغرت.

     فتفاهة الشيء المسروق لا تأثير لها في قيام السرقة ما دام هو في نظر القانون مالاً.

    علما أن المشرع السوري جعل من تفاهة المال المسروق سبباً لتخفيف عقوبة السرقة.

    بيد أن هذه القيمة لا يشترط أن تكون مادية، أي مالية يعبر عنها بمبلغ من النقود، وإنما يكفي أن يكون للشيء قيمة معنوية أو عاطفية لدى صاحبه.

    فالخطابات الشخصية والصور والتذكارات، كخصلة شعر شخص عزيز، تصلح أن تكون محلاً للسرقة طالما أن لها قيمة معنوية أو عاطفية في نظر صاحبها .

     فالعبرة في ثبوت القيمة للشيء من عدمها هي بتقدير صاحبه، فالشیء قيمته أساساً من نظرة صاحبه إليه.

     ولا بد ن يراعى عما إذا كان الشيء ذا قيمة أو عديم القيمة التاريخ أو الوقت الذي تم به فعل الأخذ. فهذا الوقت هو الذي يعتد به.

     فإذا لم يكن للشيء أية قيمة عند أخذه ثم أصبح بعد ذلك ذو قيمة، لأي سبب كان، فهذا التحول لا يغير من طبيعة الأمر شيئاً ولا يجعل الاستيلاء عليه سرقة.

  • نقاط الاتفاق والاختلاف بين جرائم السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة.

    تتفق هذه الجرائم في ما بينها في كثير من الوجوه، حتى أنها تكاد تختلط مع بعضها في بعض الأحيان. هذا التقارب هو السبب الذي دفع بالتشريعات القديمة، كالقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم، إلى دمج هذه الجرائم في جريمة واحدة هي اغتيال مال الغير .

     فهذه الجرائم تتفق في ما بينها في الموضوع وفي القصد من ارتكابها. فموضوعها أو محل الجريمة فيها هو المال المملوك للغير. وقصد الفاعل فيها يتمثل بنية تملك المال، أي نيته أن يحل محل المالك في ما له من سلطات على المال.

    إلا أنه بالرغم من تماثل هذه الجرائم في الموضوع والقصد، فإنها تختلف مع ذلك في الوسيلة التي يلجأ إليها الفاعل للحصول على مال الغير.

     ففي السرقة ينتزع السارق حيازة المال بغير رضاء صاحبه خلسة أو عنوة.

    وفي الاحتيال يحصل المحتال على المال من صاحبه باختياره، وإنما تحت تأثير طرق احتيالية.

     وفي إساءة الائتمان، أيضا يكون المال في حيازة مسيء الأمانة باختيار صاحبه، استنادا إلى عقد من عقود الائتمان كالعارية والوديعة والإجارة والرهن….

    تلك العقود التي تعطي للفاعل الحق بحيازة المال حيازة مؤقتة، فيخون الثقة ويغير نيته في حيازة الشيء من حيازة مؤقتة إلى حيازة دائمة تامة، أي بقصد تملك المال. كالمستعير الذي يدعي ملكيته للشيء المعار، و مستأجر المنقول الذي يدعي ملكية المنقول المؤجر … الخ