التصنيف: شرح قانون العقوبات

  • ركن جريمة السرقة بأن يكون محل السرقة ذو طبيعة مادية

    إن مفهوم السرقة يتضمن الاستيلاء على الحيازة الكاملة لشيء له صفة المنقول ونقله من مكانه.

    وهذا المفهوم لا يستوي إلا إذا كان هذا الشيء مادياً.

     والشيء المادي هو “كل ما يشغل حيزا من فراغ هذا الكون ويستطيع الإنسان أن يدركه ببعض حواسه”.

     أو هو “كل ماله كيان ذاتي مستقل في العالم الخارجي، أو هو كل ماله طول و عرض وسمك بصرف النظر عن حجمه أو وزنه أو هيئته “.

     إذن فمناط الصفة المادية للشيء هو إمكان السيطرة المادية عليه وصلاحيته للتملك.

    نستخلص من ذلك نتيجتين:

     – الأولى:

    أن الأشياء المعنوية، أي غير المادية، لا تصلح محلا للسرقة، كالحقوق والأفكار والألحان والمخترعات والشعر، لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس وليس لها كيان مادي يمكن الاستيلاء عليه.

     بيد أن هذه الأشياء تتحول إلى منقولات مادية صالحة لتكون محلا للسرقة إذا أفرغت في وعاء مادي، کسند أو كتاب أو نوتة موسيقية أو براءة اختراع، لأن السرقة هنا تقع على المادة التي دون بها الحق أو الكتاب الذي وضعت به الأفكار أو النوتة التي تتضمن اللحن الموسيقي أو براءة الاختراع. أما الحقوق في حد ذاتها والأفكار والألحان والمخترعات فليس لها كيان مادي يصلح ليكون محلا للسرقة .

    – الثانية:

    يستوي في أن يكون هذا الشيء المادي الذي يأخذ صفة المنقول جسم صلب أو سائلا أو غازية، فهو ذو کیان مادي وان اختلفت مادته. والأشياء الصلبة لا يمكن حصرها، فمنها النقود والمواشي والآلات…الخ.

     أما الأشياء السائلة، كالماء والزيت والكحول والبترول، فهي سوائل مادية يمكن إحرازها و تملكها، ويخضع الاستيلاء عليها لوصف السرقة.

    وعلى ذلك يعتبر سارقاً من يسحب الماء من أرض جاره وينقلها إلى أرضه.

     كما يعتبر سارقاً من يستولي على كمية من مياه الشرب أكثر مما حسبه العداد باستعماله طريقة من طرق الغش لأخذ الماء.

     كأن يضع ماسورة قبل العداد الذي وضعته الشركة دون أن يجعل الماء يمر بالعداد، أو يجعله يمر بالعداد ولكنه تلاعب في حركته بإبطاء تلك الحركة عن السير العادي.

    أما إذا ترك العداد يحسب مقدار كمية المياه المستهلكة بطريقة عادية ثم قام بعد ذلك بتغيير الرقم الحقيقي المبين بالعداد إلى رقم أقل منه فإنه لا يعد مرتكبا لجريمة السرقة، لأن كمية المياه وقت أخذها إنما أخذت واستهلكت بطريقة نظامية، لأن العداد كان يحسبها في أثناء الأخذ بصورة صحيحة، فلم تؤخذ بدون رضاء الشركة، إذ يستفاد هذا الرضا من مرور المياه بالعداد مرورة طبيعية، وإن كان يعتبر سلوكه هذا غشا عقدية غير مشروع في مقدار دین الشركة على مدينها، أو يعتبر غشا قد يصل إلى حد الاحتيال إذا توافرت شروطه، ولكنه ليس سرقة.

    أما الأشياء الغازية، فبالرغم من أنها لا تدرك بالعين المجردة، إلا أنها تأخذ حكم الأشياء الصلبة والسائلة، لأنه يمكن حيازتها ونقلها وتملكها من خلال ما تعبأ فيه من أنابيب أو قوارير لاستخدامها في الأغراض الاقتصادية.

     ويدخل ضمن هذا المفهوم الطاقة الكهربائية والمغناطيسية التي تعمل على نقل الصوت عبر الأسلاك التلفونية والطاقة النووية.

     فهي طاقات تخضع للسيطرة كغيرها من الأشياء المادية، فهي تعبأ وتنقل وتجاز وتقاس ويتحكم فيها سواء بالاستهلاك أو عدمه، و تصلح محلا لحق التملك، وبالتاي محلا لجرم السرقة.

    وقد نص المشرع السوري صراحة في المادة 621 فقرة 2 من قانون العقوبات على أن “القوة المحرزة تنزل منزلة الأشياء المنقولة في تطبيق القوانين الجزائية”.

     وبذلك أدخل المشرع الكهرباء والغاز والبخار في قائمة الأموال التي تصلح محلا لجرم السرقة.

     وعلى ذلك يعتبر سرقة الحصول خلسة على التيار الكهربائي بمد سلك من الخط الرئيسي أو بوضع سلك بطرفي العداد يمر منه التيار دون تسجيله في العداد، باعتبار أن الكهرباء في هذه الحالة لم تسلم رضائياً وفق الشروط التي وضعتها شركة الكهرباء.

     أما التلاعب بالعداد بعد الاستحصال على الكهرباء أصوة بتخفيض الكمية المسجلة فيشكل غشا في كمية البضاعة المتعاقد عليها، أو احتيالاً إذا توافرت شروطه وليس سرقة.

    ويعتبر مرتكبا لجرم السرقة ايضا، وليس جرم استعمال اشياء الغير دون وجه حق، من يستولي على الخط الهاتفي لجاره، سواء تعطل خط الجار المجني عليه أم لم يتعطل.

     فالخط الهاتفي له قيمة مالية تتمثل في تكاليف الاشتراك والمكالمات التلفونية المستهلكة، وقام المتهم بتملك قيمة المكالمات الهاتفية التي استعملها وهو يعلم بأنه غير مالك للخط الهاتفي، ودون رضاء صاحب الخط المجني عليه.

  • ركن جريمة السرقة بأن يكون محل السرقة مالاً

    يشترط أن يكون الشيء محل الأخذ مالاً.

    والمال هو كل شيء يصلح لأن يكون محلا لحق الملكية، ما لم يكن خارجا عن التعامل بطبيعته، أي لا يقبل بطبيعته أن يكون محلا لحق الملكية .

    و الشيء الذي يخرج بطبيعته عن العامل هو الشيء المباح كمياه البحار والأنهار، و الهواء في الجو، والسمك في الماء والطيور في الهواء.

    بيد أنه إذا تحددت هذه الأشياء، فإنها تصلح محلا للاستئثار بها، فتصبح أموالاً.

     كما لو احتجز شخص كمية من ماء البحر في وعاء لغاية ينتفع بها، وتعرض هذا الوعاء للأخذ، يعتبر الفعل سرقة.

    – هل يصلح الإنسان محلاً لجرم السرقة؟

    إن الإنسان ليس مالا ولا يقبل بطبيعته أن يكون محلا لحق الملكية، فهو صاحب الحق وليس محله. و على ذلك فإن خطف فتاة أو طفل لا يعد سرقة بل جريمة خطف.

    كما أن حقوق الإنسان المرتبطة بشخصه، کشرفه وحريته، لا تصلح محلا للسرقة. فمن يسلب أخر حريته لا يعد سارقا لها، وإن كان يرتكب جريمة أخرى بنظر القانون. .

     وإذا كان الإنسان لا يعتبر مالا بحكم القانون، فإن الأشياء المنفصلة عنه والمتجردة من صفة الأدمية، كشعره أو دمه أو أسنانه، تصبح مالاً صالحاً لأن يكون محلاً لجرم السرقة.

     فالمرأة يمكنها أن تقص شعرها وأن تبيعه أو تتعامل به بأي طريقة بوصفه مالاً.

    فإذا تعرض للأخذ دون رضاها اعتبر الفعل سرقة.

     ويأخذ حكم الأشياء المنفصلة عن الجسم، الأطراف والأعضاء الصناعية التي يستخدمها الإنسان بدلا من أطرافه وأعضائه الطبيعية.

    فهي لا تعد جزءا من الإنسان بالرغم من أدائها لوظائف الأعضاء الطبيعية. لذلك تظل معتبرة على أصلها ما صالحاً لأن يكون محلا للسرقة.

    كمن يأخذ طقم أسنان صناعية لغيره، أو شعر مستعارة تضعه امرأة على رأسها.

     وإذا مات الشخص تزول عنه صفة الإنسان وتصبح جثته بمجرد موته مالا إذا أودعت في متحف بسبب قيمتها التاريخية أو العلمية.

    فالاستيلاء على مومياء من متحف يعتبر سرقة كون الجثة مملوكة للمتحف.

     إلا أن الإشكالية تظهر في الاستيلاء على جثة ميت من المقبرة.

     فجثث الأموات في المدافن لا تكون مملوكة لأحد، والاستيلاء عليها لا يعد سرقة، وإن كان القانون يحميها بنصوص خاصة، كجريمة انتهاك حرمة ميت.

    – هل تصلح الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون محلاً لجرم السرقة؟

     إن الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون هي الأشياء التي ينكر عليها القانون المدني صفة المال، وبالتالي يحظر التعامل بها كالمخدرات والنقود المزيفة والأسلحة غير المرخصة.

    إلا أن موقف القانون الجزائي في هذه الحالة يختلف عن موقف القانون المدني.

     فقانون العقوبات في السرقة يدخل هذه الأشياء ضمن طائفة الأموال، وبالتالي تصلح محلاً للسرقة.

     وعليه فإن أخذ مخدرات دون رضاء حائزها يعد سرقة.

     ويفسر الاختلاف بين نظرتي القانون المدني وقانون العقوبات أن الأول ينظم التعامل بين الأفراد فينفي صفة المال عما لا يجيز التعامل فيه.

     أما قانون العقوبات فيحمي الحق لذاته ولو كان الفرد لا يصلح لاكتسابه و إنما كانت الدولة وحدها هي ذات الصلاحية لذلك، بل ولو كان من غير الجائز التعامل فيه بحكم القانون. فمصير هذه الأشياء هو المصادرة أي صيرورتها ملكا للدولة.

     بالنتيجة ما لا يعد مالاً في القانون المدني قد يعد كذلك في قانون العقوبات.

     – والمال يصلح لأن يكون محلاً للأخذ في جريمة السرقة سواء كان سند حيازته مشروعاً أو غير مشروع.

     فسواء كان المال لدى المالك أو لدى حائز له حيازة ناقصة كالمستعير أو المستأجر، أو كان لدى سارق له، فإن أخذه بدون رضاء مالكه أو حائزه يعتبر سرقة، لأن المال المسروق له مالك، فضلا عن توافر صفة المال فيه.

    – والمال لابد أن تكون له قيمة، أي متقوماً .

     أما إذا لم تكن له أية قيمة فتنتفي عنه صفة المال، ولا يصلح بالتالي محلا للسرقة. كما هو حال أحجار الطريق أو أعقاب السجاير أو قشر البيض.

     وما دام المال متقوماً فلا أهمية بعد ذلك لقيمته كبرت أم صغرت.

     فتفاهة الشيء المسروق لا تأثير لها في قيام السرقة ما دام هو في نظر القانون مالاً.

    علما أن المشرع السوري جعل من تفاهة المال المسروق سبباً لتخفيف عقوبة السرقة.

    بيد أن هذه القيمة لا يشترط أن تكون مادية، أي مالية يعبر عنها بمبلغ من النقود، وإنما يكفي أن يكون للشيء قيمة معنوية أو عاطفية لدى صاحبه.

    فالخطابات الشخصية والصور والتذكارات، كخصلة شعر شخص عزيز، تصلح أن تكون محلاً للسرقة طالما أن لها قيمة معنوية أو عاطفية في نظر صاحبها .

     فالعبرة في ثبوت القيمة للشيء من عدمها هي بتقدير صاحبه، فالشیء قيمته أساساً من نظرة صاحبه إليه.

     ولا بد ن يراعى عما إذا كان الشيء ذا قيمة أو عديم القيمة التاريخ أو الوقت الذي تم به فعل الأخذ. فهذا الوقت هو الذي يعتد به.

     فإذا لم يكن للشيء أية قيمة عند أخذه ثم أصبح بعد ذلك ذو قيمة، لأي سبب كان، فهذا التحول لا يغير من طبيعة الأمر شيئاً ولا يجعل الاستيلاء عليه سرقة.

  • نقاط الاتفاق والاختلاف بين جرائم السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة.

    تتفق هذه الجرائم في ما بينها في كثير من الوجوه، حتى أنها تكاد تختلط مع بعضها في بعض الأحيان. هذا التقارب هو السبب الذي دفع بالتشريعات القديمة، كالقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم، إلى دمج هذه الجرائم في جريمة واحدة هي اغتيال مال الغير .

     فهذه الجرائم تتفق في ما بينها في الموضوع وفي القصد من ارتكابها. فموضوعها أو محل الجريمة فيها هو المال المملوك للغير. وقصد الفاعل فيها يتمثل بنية تملك المال، أي نيته أن يحل محل المالك في ما له من سلطات على المال.

    إلا أنه بالرغم من تماثل هذه الجرائم في الموضوع والقصد، فإنها تختلف مع ذلك في الوسيلة التي يلجأ إليها الفاعل للحصول على مال الغير.

     ففي السرقة ينتزع السارق حيازة المال بغير رضاء صاحبه خلسة أو عنوة.

    وفي الاحتيال يحصل المحتال على المال من صاحبه باختياره، وإنما تحت تأثير طرق احتيالية.

     وفي إساءة الائتمان، أيضا يكون المال في حيازة مسيء الأمانة باختيار صاحبه، استنادا إلى عقد من عقود الائتمان كالعارية والوديعة والإجارة والرهن….

    تلك العقود التي تعطي للفاعل الحق بحيازة المال حيازة مؤقتة، فيخون الثقة ويغير نيته في حيازة الشيء من حيازة مؤقتة إلى حيازة دائمة تامة، أي بقصد تملك المال. كالمستعير الذي يدعي ملكيته للشيء المعار، و مستأجر المنقول الذي يدعي ملكية المنقول المؤجر … الخ

  • تعريف الجرائم الواقعة على الأموال وأنواعها وتقسيمها

    تعريف الجرائم الواقعة على الأموال

    يقصد بالجرائم الواقعة على الأموال تلك الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الحقوق ذات القيمة المالية.

     ويدخل في نطاق هذه الحقوق كل حق ذي قيمة اقتصادية أيا كانت ،ومكونة لأحد عناصر الذمة المالية. أو الأفعال التي تنال بالاعتداء العناصر المكونة للذمة المالية للأشخاص .

     أو مجموعة الجرائم التي تنقص أو تعدل العناصر الإيجابية للذمة المالية أو تزيد من عناصرها السلبية عن طريق زيادة ديون المجني عليه.

     والذمة المالية تعني ما للشخص من حقوق وما عليه من التزامات مالية، وتكون الحقوق الجانب الإيجابي من الذمة، أما الالتزامات فتكون جانبها السلبي.

    والحقوق المالية ثلاثة أنواع:

     حقوق عينية و تتمثل في سلطة لصاحب الحق تنصب مباشرة على الشيء موضوع حقه وأهمها حق الملكية، وأغلب الحقوق العينية تتفرع عنه كحق الانتفاع وحق الارتفاق.

    وحقوق شخصية أو دائنية وتتمثل في علاقة بين صاحب الحق وغيره يتوجب فيها على ذلك الغير أداء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عنه، كالعلاقة بين الدائن والمدين، فالدائن له حق شخصي لدى المدين بعدم إشهار إفلاسه احتيالية، وعدم الغش في التعامل وعدم التعامل بالربا.

    وأخيرا حقوق معنوية موضوعها نتاج الفكر أو العلامات المميزة لنوع من الإنتاج الصناعي أو النشاط التجاري. وهذه الحقوق تخول أصحابها أن ينسب لهم وحدهم إنتاجهم وتكفل كذلك حماية استغلالهم المالي له.

    وهناك نصوص خاصة تحمي الملكية الأدبية والصناعية والفنية، كتقليد العلامات التجارية والصناعية.

    وقد يكون محل هذه الأنواع الثلاثة من الحقوق عقارا أو منقولا أو شيئا معنويا.

     نستخلص من هذه التعاريف النتائج التالية:

    1- إن الجرائم الواقعة على الأموال تنطوي على عدوان، وهذا العدوان قد يتمثل في إلحاق ضرر فعلي بالمال، وقد يقتصر على تعريضه للخطر.

    2- لا يقتصر نطاق الجرائم الواقعة على الأموال على الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الجانب الإيجابي من الذمة المالية، أي ما للشخص من حقوق، ولكنها تشمل أيضا الجرائم التي تنال الجانب السلبي للذمة فتزيد دون حق من الديون الملتزم بها المجني عليه كالمراباة و بعض صور الغش في كمية أو نوع البضاعة.

    3- باعتبار أن الذمة المالية هي المحل المادي للجرائم الواقعة على الأموال فذلك يستدعي استبعاد الجرائم الواقعة على الأشخاص من نطاق الجرائم الواقعة على الأموال وإن ترتب عليها، بشكل غير مباشر، مساس بالذمة المالية للمجني عليه.

     فجريمة الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة أو إلى تعطيل عن العمل لمدة معينة تؤثر على الذمة المالية للمجني عليه إذا أقعدته عن العمل والكسب ومع ذلك فهي لا تدخل ضمن نطاق الجرائم الواقعة على الأموال.

    4- إن المجني عليه في جرائم الاعتداء على الأموال هو أحد الأشخاص طبيعياً كان أم معنوياً. و بذلك يخرج من مجالها الجرائم الواقعة على الذمة المالية للأشخاص المعنوية العامة كالدولة مثلا.

     فجريمة الاختلاس، بالرغم من كونها سرقة، إلا أنها لا تدخل ضمن نطاق الجرائم الواقعة على الأموال بل ضمن الجرائم الواقعة على الإدارة العامة، باعتبار أن المجرم يحمل صفة الموظف المؤتمن على الأموال من قبل الدولة.

     فهنا يغلب المشرع مفهوم المساس بالوظيفة العامة على مفهوم الاعتداء على المال.

    5- يخرج من مجال الجرائم الواقعة على الأموال الأفعال التي يتخذ الخطر الناجم عنها صورة الخطر الشامل وإن وقعت على مال من الأموال التي تشكل أحد العناصر الإيجابية للذمة المالية. كالحريق الذي يغلب المشرع فيه معنی الخطر الشامل على فكرة الاعتداء على المال فيخرجه من نطاق الجرائم الواقعة على الأموال.

     

    تقسيم الجرائم الواقعة على الأموال

    هناك عدة معايير تقسم على أساسها هذه الفصيلة من الجرائم.

    المعيار الأول

    ويستند إلى طبيعة الحق المعتدى عليه: عيني – شخصي – معنوي. واستنادا لأنواع الحقوق الثلاثة

    هذه يمكن تقسيم هذه الجرائم إلى طائفة تقع على الحقوق العينية، كالسرقة والاحتيال وإساءة الأمانة والهدم والتخريب و غصب العقار.

    وأخرى على الحقوق الشخصية، كالإفلاس الاحتيالي والغش إضرارا بالدائن والمراباة. وثالثة على الحقوق المعنوية، كجرائم الاعتداء على الملكية الأدبية والفنية، كتقليد العلامات التجارية والصناعية.

    المعيار الثاني

    ويستند إلى طبيعة محل الجريمة المادي، فتقسم الجرائم إلى جرائم لا تقع إلا على أموال منقولة كالسرقة وإساءة الائتمان، وجرائم لا تقع إلا على أموال عقارية، كغصب العقار. وجرائم تقع على الأموال المنقولة والعقارية، كالاحتيال.

     المعيار الثالث

    فيستند إلى الدافع أو الباعث الذي يحرك الفاعل. فتقسم الجرائم، من جهة، إلى جرائم استيلاء أو إثراء إذا كان الدافع لارتكابها الحصول على مغنم مالي. فجرائم الإثراء هي الجرائم التي تزيد في الجانب الإيجابي الذمة مقترفها عندما تتجه إرادته إلى تملك مال يملكه غيره، فتزيد الأموال التي يحوزها أو تزداد مغانمة المالية.

    والسرقة والاحتيال وإساءة الائتمان تعتبر من هذه الفئة.

     إذ يسعی مقترفها إلى تملك المال الذي يسرقه أو يتسلمه احتيالا أو يخون في شأنه الأمانة. وتقسم، من جهة أخرى، إلى جرائم إتلاف أو إضرار إذا كان الدافع لارتكابها هو مجرد إفقار المجني عليه من خلال إنقاص ما يحوز من مال أو هبوط قيمته فحسب دون أن يسعى إلى مغنم مالي مقابل، أي إلى زيادة ما يحوزه مرتكب الجرم من أموال .

    ومن جرائم الإضرار الهدم والتخريب والحريق والتعدي على المزروعات والحيوانات والآلات الزراعية. ومثالها قيام شخص بتسميم ماشية جارد، أو إتلاف محصولات أرضه أو حرقها.

    – وفي تصدينا لفصيلة الجرائم الواقعة على الأموال سنقتصر على شرح جرائم السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان، أي جرائم الإثراء، وذلك لفرط أهميتها وكثرة تعقيداتها وبلوغ الخلاف أشده فيها.

    وتجدر الإشارة إلى أن المشرع ألحق بهذه الجرائم في قانون العقوبات جرائم أخرى تتشابه معها في علة التجريم أو في بعض الأحكام.

     فألحق بالسرقة غصب العقار و استعمال أشياء الغير بدون وجه حق. وألحق بالاحتيال المراباة و الشيك بدون رصيد و الغش بالمهاجرة. وألحق بإساءة الائتمان رفض رد اللقطة.

  • العلاقة السببية بين الخطأ والوفاة أو الإيذاء

    العلاقة السببية بين الخطأ والوفاة أو الإيذاء

    کي تترتب مسئولية شخص عن قتل أو إيذاء خطأ لا يكفي أن تحصل هذه النتيجة الضارة، وأن يرتكب هذا الشخص الخطأ.

    بل لا بد أن يكون الخطأ هو الذي سبب النتيجة. وبعبارة أخرى لا بد من توفر رابطة سبية بين خطأ الشخص وموت الضحية أو إيذاءه.

    ولقد سبق لنا إيضاح أسس السببية التي اعتمدها المشرع السوري في المادة 203 من قانون العقوبات بمناسبة الحديث عن جرم القتل المقصود، وما قيل هناك يصح هنا.

    وحسبنا أن نشير هنا أنه لا يكفي ثبوت الخطأ من الفاعل لترتب مسئوليته عن النتيجة مهما بلغت درجة جسامة هذا الخطأ، بل لابد من إثبات أن هذا الخطأ هو الذي نشأت عنه الوفاة أو الإيذاء.

    فلو أن شخصاً يقود سيارته بسرعة تتجاوز الحد المسموح، أو يقود وهو سكران، أو بدون رخصة قيادة، فكلها أفعال خاطئة، ثم جاء شخص وألقى بنفسه تحت عجلات السيارة ومات ، فتصرف السائق الخاطئ وحده لا يكفي لمساءلته عن وفاة الشخص ما دام لم يثبت أن هذه التصرفات الخاطئة هي التي تسببت بالحادث.

    وعليه لا توجد علاقة بين خطأ السائق وموت الضحية، أي تنتفي رابطة السببية بين الخطأ والنتيجة الضارة، وبانتفائها تنتفي مسئولية السائق عن القتل الخطأ، ويسأل فقط عن مخالفته لأنظمة المرور.

    وتطبيقا لقواعد السيبية في التشريع السوري، فإن هذه الرابطة تتوفر عندما يكون الموت أو الإيذاء قد نتج عن خطأ الفاعل ولو كان ثمة عوامل أخرى تضافرت مع الخطأ في إحداث النتيجة، مادام الموت أو الإيذاء لا يمكن تصور حدوثه لولا خطأ الفاعل.

    وهذا تطبيقاً لنظرية تعادل الأسباب التي أخذ بها المشرع السوري في الفقرة الأولى من المادة 203.

    فلو أن شخصاً ارتكب خطأ أدى لجرح شخص مصاب بمرض السكر، فساهم الجرح مع الخطأ في موت الضحية. أو قاد الفاعل سيارته مسرعا في شارع مزدحم فصدم شخصا قطع الطريق من غير المكان المخصص للمشاة، أو قاد سيارته ليلا وهو في حالة سكر قصدم سيارة أخرى تسير بدون أضواء.

    ففي هذه الفرضيات حتى ولو نتج الضرر عن السبب الأخر مباشرة، إلا أن ذلك لا يقطع الرابطة السببية بين خطأ الفاعل والنتيجة.

    بيد أنه تطبيقا للمادة 554 من قانون العقوبات إذا نشأ الموت أو الإيذاء نتيجة خطأ الفاعل ونتيجة أسباب أخرى تضافرت مع الخطأ، وكانت مستقلة عن خطأ الفاعل ومجهولة كليا منه، فيمكن تخفيض عقوبة الفاعل بالمقدار المبين بالمادة 199 من قانون العقوبات.

    ونلاحظ هنا أن حكم هذه المادة جاء بتخفيف للعقاب فقط، وأن هذه الأسباب الأخرى التي تضافرت مع الخطأ أبقت مسئولية الفاعل عن النتيجة، وبالتالي تبقى العلاقة السيبية متوفرة بين الخطأ والنتيجة في هذه الفرضية.

    ولو استرجعنا المثال السابق حول جرح الشخص المصاب بمرض السكر، فلو أن الفاعل كان يجهل مرض المجني عليه لأمكن تطبيق نص المادة 554 عليه وتخفيف عقوبته.

    إلا أن الأمر يختلف إذا تضافر مع خطأ الفاعل عامل آخر جاء لاحقا للسلوك الخاطئ و مستقلا عنه و غير مألوف في ظروف ارتكاب الفعل وكاف بحد ذاته لإحداث النتيجة.

    فهذا السبب يقطع الرابطة السبية بين الخطأ والنتيجة، ويسأل المخطئ فقط عن سلوكه الخاطئ .وهذا تطبيق لنظرية السيبية الملائمة التي أقرها المشرع في الفقرة الثانية من المادة 203. وتطبيقا لذلك لا تعتبر السببية قائمة في حال كان الشخص يركب فوق أكياس تحملها سيارة نقل وعند اقتراب السيارة من جسر وعلى وشك المرور من تحته وقف ذلك الشخص فاصطدم بحافة الجسر وتوفي.

    فرغم سلوك السائق الخاطئ فهو لا يعتبر مسئولاً عن الوفاة نتدخل عامل غير مألوف، وهو وقوف المجني عليه، الذي أدى إلى تحقق النتيجة، والذي قطع الرابطة السببية بين سلوك السائق الخاطئ ووفاة المجني عليه. ولا يشترط أن تكون الوفاة أو الإيذاء ناتجة مباشرة عن خطأ الفاعل. لذلك يسال عن قتل غير مقصود من تسبب بخطئه في جرح المجني عليه إذا مات هذا الأخير أثناء عملية جراحية كان من المفيد إجراؤها لتقليل العجز الناتج عن الجرم في وظيفة العضو المصاب ,

    كما لا يشترط أن يكون الشخص المسئول هو الذي أحدث القتل أو الإيذاء بنفسه، بل يكفي أن يكون هو المتسبب فيه بخطئه وإن حصل القتل بفعل غيره. ومثاله الأب الذي يترك سلاحه في المنزل دون أن يخفيه، أو الذي يعطي سلاحه لطفله ليلعب به ظانا أنه قد أفرغه من الذخيرة، فيؤدي ذلك إلى انطلاق رصاصة قاتلة من السلاح. فالأب يسأل عن القتل الخطأ وإن لم يكن لسلوكه صلة مادية بالوفاة.

     

  • النتيجة الجرمية في الايذاء والقتل غير المقصود

    النتيجة الجرمية

    لا بد في الجرائم غير المقصودة أن يؤدي الخطأ لنتيجة ضارة كي تترتب المسئولية الجزائية والمدنية. بينما النتيجة الضارة غير واجبة دائما في الجرائم المقصودة.

    فقد يترتب على الفعل المقصود مسئولية جزائية دون أن يكون هناك ضرر يعد سبباً للتعويض المدني، كما هو الحال في التحريض على ارتكاب جريمة الذي لم يؤدي إلى نتيجة أو لم يلقى قبولا من الشخص المحرض فهو لم يلحق ضررا بالمجني عليه

    وتتمثل النتيجة الضارة في المادة 550 و 551 بالوفاة أو الإيذاء.

    وإذا لم تقع هذه النتيجة الضارة فلا سبيل لتطبيق هاتين المادتين مهما كانت درجة الخطأ المعزوة للفاعل.

    وكلما كانت النتيجة الضارة الناشئة عن الخطأ جسيمة كلما كانت العقوبة أشد.

    فعندما يفضي الخطأ إلى وفاة المجني عليه يطبق على الفاعل العقاب الوارد في المادة 550.

    أما إذا كان الضرر لم يصل إلى الوفاة، بل لمجرد المساس بسلامة المجني عليه الجسدية طبق على الفاعل العقاب الوارد في المادة 551.

    ولقد تدرج المشرع في العقاب الوارد في هذه المادة استنادا إلى خطورة الإصابة اللاحقة بالمجني عليه، كما سنرى لاحقاً.

    والركن المادي لجرم القتل أو الإيذاء عن غير قصد لا يختلف عن الركن المادي لجرم القتل أو الإيذاء قصداً.

    فالعقاب واجب على كل فعل أو امتناع عن فعل يؤدي إلى إزهاق روح إنسان أو إلى مجرد المساس بسلامته البدنية.

    ولا عبرة للوسيلة التي استخدمت في القتل أو الإيذاء فيستوي أن يكون سلاحا قاتلا بطبيعته أو غير قاتل .

    كما يستوي أن يكون الفعل ضرباً أو جرحا ًأو عضأ أو رضاً أو نقل عدوى. كما لو تسبب أحدهم بعدم احتياطه في نقل عدوى مرض إلى آخر، فمات الشخص أو تأذى.

    ويستوي أن تنتج الوفاة أو الإيذاء عن وسيلة مادية أو عن وسيلة معنوية.

    فكما يصلح أي فعل مادي ركنة للقتل أو الإيذاء المقصود و غير المقصود، كإطلاق النار أو الضرب أو الطعن، يصلح أيضا الفعل المعنوي من ترهيب أو ترعيب أو تخويف أو نبأ مفجع، لقيام الركن المادي في القتل والإيذاء المقصود وغير المقصود.

    ولنضرب على ذلك المثال التالي:

    بفرض أن شخصاً يهوى تربية العقارب أو الأفاعي ويحتفظ بإحداها في منزله دون أن يضعها في قفص.

    ونسي وأعطى مفاتيح المنزل لصديقه الذي ما أن دخل المنزل حتى فوجئ بعقرب أو أفعى بوجهه، فوقع مغشياً عليه من هول الصدمة، وأصيب بنزيف حاد أدى لوفاته.

    فالخطأ الذي وقع به صاحب المنزل بعدم الاحتياط بوضع الحيوان في قفص هو الذي أدى إلى مفاجأة المجني عليه والصدمة التي أصابته وأدت لوفاته.

    وهذا ما يرتب عليه المسئولية الجزائية والمدنية عن النتيجة الحاصلة، وملاحقته عن جرم القتل غير المقصود.

     

  • أنواع الخطأ في جريمة القتل والايذاء غير المقصود

    أنواع الخطأ

    أولاً – وحدة الخطأ الجزائي والخطأ المدني.

    تنص المادة 164 من القانون المدني بأن:

    كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”.

     والخطأ في القانون المدني أيا كانت درجة جسامته كاف لنشوء المسئولية التقصيرية ( غير العقدية ).

    أما الخطأ في القانون الجزائي فلقد حدده المشرع حصرا في ثلاث صور: الإهمال – قلة الاحتراز – عدم مراعاة القوانين والأنظمة.

    والمسألة التي تثار هنا:

    هل يعتمد في نطاق المسئولية الجزائية ذات القاعدة المطبقة في القانون المدني بالنسبة للمسئولية المدنية، معتبرين الفاعل مسئولا عن القتل أو الإيذاء لمجرد ارتكابه خطأ، أم يشترط أن يكون الخطأ الجزائي على درجة معينة من الجسامة؟

    في الحقيقة أن الخطأ الجزائي لا يختلف عن الخطأ المدني، وأي خطأ يرتب المسئولية المدنية يرتب في نفس الوقت المسئولية الجزائية.

     وليس في التشريع السوري ما يشير صراحة أو ضمنا إلى استلزام درجة معينة من الخطأ.

     وصور الخطأ الواردة في قانون العقوبات، وإن كان ظاهرها فيه معنى الحصر والتخصيص، فهي بالواقع تتسع لتشمل كل خطأ أيا كانت صورته وأيا كانت درجته.

    وقانون العقوبات لا يعلق العقاب على درجة جسامة الخطأ وإنما على حصول نتيجة معينة يرى فيها من الجسامة ما يستدعي تجريمها .

     و الفرق بين القانون المدني وقانون العقوبات منحصر في أن القانون المدني يعتبر الضرر أيا كانت صورته، أما قانون العقوبات فلا يهتم إلا بأنواع معينة من النتائج الضارة غير المقصودة أوردها على سبيل الحصر، أي الجرائم التي يعاقب عليها بصورتها غير المقصودة.

     أما الخطأ فلا يتغير في المسئوليتين الجزائية والمدنية، لذا يجب أن يعاقب على الخطأ مهما كانت درجته ومهما خفت جسامته.

    وتجدر الإشارة إلى أنه إذا لم يكن لدرجة الخطأ من اعتبار في قيام المسئولية عن الجريمة غير المقصودة فإن لها قيمتها عند تقدير العقوبة.فالقاضي في حدود سلطته التقديرية في مراوحة العقوبة بين حديها الأدنى والأعلى أن يدخل درجة الخطأ في حسابه، فيعاقب مثلا على الخطأ الواعي بأشد مما يعاقب به على الخطأ غير الواعية.

    ثانياً- الخطأ الشخصي والخطأ المفترض

    إن السؤال الذي يثار هنا يتمثل بالشكل التالي:

    مادام هناك وحدة بين الخطة الجزائي و الخطأ المدني فهل يعني ذلك بالضرورة أنه إذا حكم بالبراءة في الدعوى الجزائية لانتفاء الخطأ الجزائي تنتفي بالتالي إمكانية الحكم للمتضرر بالتعويض لانتفاء الخطأ المدني؟

    إن الإجابة على ذلك تقتضي التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المفترض في مجال المسئولية المدنية.

     فالتسوية بين المسئولية الجزائية والمسئولية المدنية لا تكون إلا في صورة الخطأ الشخصي، والقانون الجزائي لا يرتب المسئولية الجزائية إلا على أساس الخطأ الشخصي، ولا يسأل الإنسان عن عمله ما لم يثبت عليه ارتكاب خطأ شخصي.

     ففي هذه الحالة يستوي الخطأ الجزائي والخطأ المدني، فإذا حكمت المحكمة ببراءة المدعى عليه، ولم يثبت عليه خطأ شخصية، انتفت إمكانية الحكم عليه بالتعويض المتضرر.

    بيد أن المسئولية في الحقوق المدنية لا تبنى فقط على أساس الخطأ الشخصي، بل تبني أيضا على أساس الخطأ المفترض.

     وهي المسئولية الملقاة على عاتق حارس الحيوانات أو الجوامد، کالأبنية والآلات الميكانيكية وسائر الأشياء التي تتطلب حراستها عناية خاصة، بالتعويض عما يحدثه الحيوان أو تحدثه هذه الأشياء أو ما ينشأ عن انهدام البناء من أضرار.

     فالمسئولية المدنية هنا مفترضة قانوناً ولا يستطيع الشخص التخلص منها إلا إذا استطاع إثبات أن الحادث أو الضرر قد وقع لسبب أجنبي لا يد له فيه.

    إذن عندما يفترض القانون المدني الخطأ فلا مجال للقول بوحدة الخطأ الجزائي والمدني، لأن القانون الجزائي ليس فيه خطأ مفترض، ولا تبنى المسئولية الجزائية إلا على أساس الخطأ الشخصي.

     بالنتيجة نستخلص أنه في الحالات التي يفترض القانون المدني الخطأ لا يكون هناك تناقض بين الحكم الجزائي بالبراءة والحكم المدني بالتعويض استنادا على المسئولية المفترضة.

     والعلة في ذلك أن أساس الحكمين يختلف، فبينما لا يجد القاضي الجزائي خطأ شخصية ليحكم بالتعويض، يجد القاضي المدني خطأ مفترضا لم يثبت المدعى عليه عكسه.

    وقد قلنا القاضي المدني لأن المحاكم الجزائية لا تختص بنظر دعوى التعويض عندئذ، إذ هي لا تختص إلا بنظر الدعوى المدنية المتفرعة عن الجريمة.

    وتطبيقاً لذلك يمكن صدور حكم ببراءة صاحب السيارة لانتفاء الخطأ لديه، ثم يقضى عليه بتعويض مدني استنادا للمادة 179 من القانون المدني، وهي المادة التي تجعل حارس الألة مسئولا عما تحدثه من ضرر ما لم يثبت أن وقوع الضرر كان لسبب أجنبي لا يد له فيه.

    ثالثاً- الخطأ العادي والخطأ المهني

    إن الخطأ العادي هو الخطأ العام الذي يرجع إلى مخالفة واجب الحيطة والحذر في الأمور المتعلقة بجميع الناس.

    أما الخطأ المهني فهو الذي يرتكبه من يزاول مهنة من المهن، کالأطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين.

     هناك اتجاه فقهي وتشريعي يعول على التمييز، في معرض الخطأ المهني، بين الخطأ اليسير والخطأ الجسيم. بتقرير المسئولية في الأخير وانتفاءها في الأول.

    وغالبا ما يطرح هذا الموضوع في شأن مسئولية الأطباء، حيث يرى هذا الاتجاه أن الطبيب يسأل جزائيا عند ارتكابه خطأ مهني جسیما يؤدي إلى وفاة المريض أو إيذائه.

    أما إذا كان هذا الخطأ يسيرة، أي قليل الأهمية والضرر، فتنتفي مسئولية الطبيب.

     وحجة هذا الاتجاه هي ضرورة إعطاء الأطباء حرية في عملهم ومنحهم طمأنينة وضمانة تكفل لهم متابعة المكتشفات الحديثة والاستفادة منها، وعدم مساءلتهم عن الأخطاء إذا كانت بسيطة حتى لا تضعف همتهم، ولا تقعدهم الخشية من المسئولية عن متابعة تطورات البحث العلمي.

    أما معيار الخطأ الجسيم فهو غير محدد، ويمكننا القول بأنه الخطأ غير المعتاد الناتج عن الجهل الفاضح أو التهور الزايد أو القيام بالعمل في حالة المرض أو في حالة السكر.

    ومثالها أن يجري الطبيب عملا جراحية دقيقة وهو في حالة سكر.

     إلا أن الاتجاه الغالب اليوم تشريعا وقضاء وفقه يقوم على أساس عدم التفرقة بين الخطأ اليسير والخطأ الجسيم، و اعتبار أن مسئولية الأطباء تخضع للقواعد العامة، فتبنى على أي خطأ مهما كان نوعه، سواء كان خطأ مهنيا أم غير مهني، جسيمة أم يسيرا، فلا ينبغي أن يتمتع الطبيب بأي استثناء ، فبمجرد أن تتوفر في سلوكه عناصر الخطأ يعتبر مسئولا عن النتيجة الحاصلة، ووجود الخطأ يعود تقديره للقضاء مستعينا برأي الخبرة المختصة.

    رابعاً- مساهمة أكثر من شخص في الخطأ

    عندما تقع الوفاة أو الإيذاء نتيجة خطأ الفاعل وحده، تتشكل لدينا الصورة العادية لجريمة القتل والإيذاء خطأ، ويعتبر المخطئ هنا فاعلا للجريمة، ويسأل عن النتيجة الحاصلة من موت أو إيذاء.

    إلا أن الوفاة أو الإيذاء قد ينشأ أحيانا نتيجة عدة أخطاء يرتكبها أكثر من شخص، وقد يشارك المجني عليه أيضأ بخطئه في حصول النتيجة الجرمية.

     ففي هذه الفرضيات يثور التساؤل عن مسئولية هؤلاء الأشخاص.

    فبفرض أنك أعرت سيارتك إلى صديقك وأنت تعلم عدم حيازته لرخصة قيادة، أو ضعف بصره الشديد، فيصدم الصديق أحد الأشخاص فيقتله أو يؤذيه.

     فتكون أنت وصديقك مسئولان كفاعل وشريك عن جريمة القتل أو الإيذاء الخطأ، لأن كل منكما قد شارك بخطئه في حصول النتيجة الضارة.

     ولا يمكن القول أن خطأ الصديق ينفي المسئولية عن خطأك ، فكل منكما ساهم بخطئه في ارتكاب الجريمة.

     وبفرض أن الوفاة قد نتجت عن سلوك شخص عديم الأهلية، ولكن نتيجة خطأ ارتكبه شخص أهل للمسئولية، فلا عبرة بتاتا هذا الكون القاتل مجنونة أو طفلا غير مميز، ويبقى الشخص الأخر مسئولاً كفاعل أو شريك لجرم القتل الخطأ، ما دام قد ثبت أنه ارتكب خطأ أدى بالنتيجة لحصول الوفاة.

    والمثال على هذه الفرضية يتمثل بترك رب الأسرة لسلاحه في مكان مكشوف، دون أن يحتاط ويخفيه، فيجده ابنه الصغير ويعبث به فتنطلق منه رصاصة قائلة تصيبه أو تصيب أحد أفراد الأسرة.

    أو تسليمه سلاحه لطفله ليعبث به ظانا أنه فارغ من الطاقات في حين أنه نسي إفراغ الرصاصة الأخيرة من مخزن المسدس فتنطلق هذه الرصاصة وتقتل أحدهم.

     فالأب في الحالتين يعتبر مسئولاً عن قتل غير مقصود نتيجة لخطأه، ولو لم يكن لنشاطه صلة مادية مباشرة بالنتيجة الضارة، ما دام إهماله في إخفاء السلاح أو تسليمه لطفله هو الذي أدى بالنتيجة لاستعمال السلاح من قبل الطفل وحصول الوفاة.

    – والمسألة التي تثار في هذا الصدد تتعلق بقواعد المساهمة الجرمية.

     فلقد رأينا أن مفهوم الخطأ في القتل والإيذاء لا يتناول فقط الفاعل المادي للجريمة غير المقصودة، بل يشمل إضافة إليه أشخاص لم يقوموا بتلك الأفعال المادية، بل ارتكبوا أخطاء ساهمت بشكل غير مباشر في حصول الوفاة أو الإيذاء. واستنادا لذلك أمكننا اعتبار مرتكب الفعل المادي والمساهم المخطئ بمثابة فاعلين وشركاء في الجريمة.

    وهناك اتجاه فقهي حاول التمييز، بهذا الصدد، استنادا إلى طبيعة الدور الذي قام به الشخص المخطئ ليصل بالنتيجة إلى القول بإمكانية وجود متدخل في الجرائم غير المقصودة إذا كان الدور الذي قام به هذا الشخص ثانويا.

     وهناك اتجاه فقهي أخر، وهو ما نؤيده، يرى عدم إمكانية تصور التدخل في الجرائم غير المقصودة لأن طبيعة هذه الجرائم لا تسمح بوجود تدخل فيها.

    فالتدخل في جريمة يتطلب توافر قصد مساعدة الفاعل على تنفيذ الجريمة، والقصد الجرمي يعتبر ركنا من أركان التدخل.

    ولما كان القصد الجرمي منتفية في الجريمة غير المقصودة، فهو منعدم بالنسبة للفاعل الأصلي، فلا يتصور توافرة، تبعا لذلك لدى المتدخل.

     فإما أن يثبت أن الشخص ساهم بخطئه في إحداث الموت أو الإيذاء، عندئذ يعتبر فاعلا أو شريكاً لا متدخلا، مهما كان الدور الذي قام به رئيسيا أم ثانوية.

     وإما أن لا يثبت أنه قام بما يمكن اعتباره مساهمة في الخطأ المفضي إلى الموت أو الإيذاء، و عندئذ لا يغدو فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً، وتنعدم مسئوليته استنادا لذلك.

    من هنا يمكننا القول أن كل مساهمة في خطأ ينشأ عنه موت أو إيذاء يعتبر المساهم بموجبه فاعلاً أو شريكاً وليس متدخلاً.

    ولا وجه للتمييز بين الدور الذي قام به المخطئ رئيسياً كان أم ثانوياً.

    فما دام خطأه قد ساهم بإزهاق الروح أو الإيذاء فهو يعتبر فاعلاً أو شريكاً لا متدخلاً.

    – وقد يساهم المجني عليه في الخطأ فتقع الوفاة أو الإيذاء نتيجة تضافر خطأه مع خطأ الفاعل. والقاعدة في ذلك أنه لا مقاصة بين الأخطاء في التشريع الجزائي، ويظل كل خطأ مستقلاً عن الأخر، ويبقى الفاعل مسئولا عن النتيجة مهما بلغت ضألة نسبة الخطأ لديه.

    فسائق السيارة الذي يقود سيارته بسرعة عادية ويصدم شخصا خالف نظام السير بقطع الطريق من مكان غير مخصص للمشاة فيقتله، يعتبر مسئولا عن قتله إذا توافرت في فعله عناصر الخطأ، لأن من واجبه تفادي المشاة حتى ولو خالفوا نظام السير.

     وبالرغم من أن خطأ المجني عليه لا يخلي الفاعل من المسئولية الجزائية فهو يكون محل اعتبار عند تقدير العقوبة والتعويض، فكلما كانت نسبة خطأ المجني عليه كبيرة كان القاضي أن يخفف عقاب الفاعل والتعويض المدني الذي يفرضه عليه.

     إلا أنه إذا كان المجني عليه قد تسبب بخطئه وحده في حصول النتيجة، ولم يثبت على الفاعل أي خطأ فلا مسئولية جزائية عليه.

    – وقد تقع الوفاة أو الإيذاء نتيجة لخطأ شخصين،

    بحيث يصيب كل منهما الآخر. والقاعدة في ذلك أنه يجب التمييز بين المسئولية المدنية والمسئولية الجزائية.

    أما المسئولية المدنية فتوزع بينهما استنادا لنسبة خطأ كل منهما.

    فعند وقوع تصادم بين سيارتين، مؤدية لإيذاء كلا السائقين، وحدد خطأ الأول بثمانين بالمائة والثاني بعشرين بالمائة، ينظر القاضي عند تحديد التعويض إلى هذه النسبة ويفرض تعويضا على صاحب النسبة الأعلى أكثر من صاحب النسبة الأدني.

    أما المسئولية الجزائية فهي لا توزع كونها لا تقبل التجزئة، فيبقى كل منهما مسئولا جزائيا عن إصابة الأخر ويلاحق استنادا إلى خطورة الإصابة اللاحقة بالأخر وليس استنادا إلى نسبة الخطأ الذي ارتكبه كل منهما.

     ففي المثال السابق عن تصادم السيارتين، إذا أدى التصادم إلى إصابة السائق الأول بالعمى، أما السائق الأخر فكانت إصابته خفيفة ولم تؤدي إلى أبي تعطيل عن العمل، إلا أن الخبرة حددت نسبة خطأ الأول بثمانين بالمائة ونسبة خطأ الثاني بعشرين بالمائة فقط.

     فيخضع الأول إلى الوصف القانوني الأخف حسب الفقرة الثانية من المادة 551 رغم تحمله النسبة الأعلى من المسئولية عن حادث التصادم، في حين يتحمل الأخر الوصف الأشد حسب الفقرة الأولى من المادة 551 رغم محدودية وضالة مسئوليته عن الحادث.

    إلا أنه بالرغم من وجوب تمسك القاضي بالوصف القانوني المترتب على خطورة الإصابة اللاحقة بالشخص الأخر بالرغم من نسبة خطأه الكبير في التسبب بالحادث، إلا أن ذلك يؤخذ عملية بعين الاعتبار عند تحديد العقوبة بين حديها الأدنى والأعلى، أو عند منح الفاعل الأسباب المخففة التقديرية أو وقف التنفيذ.

    وتجدر الملاحظة أن مسألة اشتراك الفاعل في المسئولية مع المجني عليه نفسه أو مع الغير تفترض مساهمة خطأ المتضرر أو الغير مع خطأ الفاعل في إحداث النتيجة.

     أما إذا انعدم الخطأ من قبل الفاعل، وأمكن نسبة المسئولية بأكملها إلى خطأ المجني عليه أو الغير، فهذا تنتفي مسئولية الفاعل الجزائية والمدنية معاً، وتتعذر ملاحقته إلا فيما يتعلق بالمسئولية المدنية المفترضة كما سبق و أسلفنا.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1