التصنيف: شرح قانون العقوبات

  • جرم الاحتيال و أركانه وعقوبته في القانون السوري

    الاحتيال

    لم يعرف المشرع السوري الاحتيال كما عرف السرقة، وإنما اكتفى بنص المادة 641 من قانون العقوبات بذكر الوسائل أو الطرق التي يقع بها، بمعنى أن الاستيلاء على المال لا يعتبر احتيالا إلا إذا حصل بإحدى هذه الوسائل حصرا.

     ويعرف الفقه الاحتيال بأنه “الاستيلاء بطريق الحيلة أو الخداع على مال مملوك للغير بنية تملكه”.

     إذن يتمثل الاحتيال بلجوء الفاعل إلى الحيلة والخداع، تجاه المجني عليه، مستخدما إحدى الطرق التي حددها المشرع، فيقع المجني عليه في الغلط فيسلمه ما معتقد بأن مصلحة له ستتحقق من خلال هذا التسليم.

    فغاية أو هدف الاحتيال هو الاستيلاء على مال، ومن ثم لا يقوم الاحتيال إذا كانت غاية الفاعل بخداع المجني عليه الحصول على شيء لا يعتبر مالا، كما لو استهدف الفاعل بخداعه لفتاة النيل من عرضها أو حملها على قبول الزواج به.

    أما نص المادة 641 من قانون العقوبات فجاء كما يلي

     “1- كل من حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو أستادا تتضمن تعهدا أو إبراء فاستولى عليها احتيالا:

    إما باستعمال الدسائس.

    أو بتلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.

    أو بظرف مهد له المجرم أو ظرف استفاد منه.

    أو بتصرفه بأموال منقولة أو غير منقولة وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف بها.

    أو باستعماله اسم مستعار أو صفة كاذبة.

    عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مائة إلى خمسمائة ليرة.

     2- يطبق العقاب نفسه في محاولة ارتكاب هذا الجرم”.

    بتحليل هذا النص يتضح أنه يتضمن بيانا لأركان الاحتيال، وتحديد حصرية لوسائله أو طرقه، والأموال التي يقع عليها، والعقوبة التي تفرض على مرتكبه، وهي ذاتها التي تفرض على الشروع فيه.

     

    الاحتيال والسرقة

    تتفق جريمة الاحتيال مع جريمة السرقة في أن كلاهما تنطويان على اعتداء على ملكية الغير، وأن هدف الاعتداء هو تملك المال المستولى عليه.

    بيد أن الفارق بينهما يظهر في محل الجريمة وفي النشاط الجرمي.

    فمحل جريمة السرقة لا يكون إلا ما منقولا، أما محل جريمة الاحتيال فقد يكون ما منقوط أو عقارة (علما بأن الاحتيال في التشريع المصري يطلق عليه وصف النصب، و محله لا يكون إلا مالاً منقولاً) نص المادة 336 من قانون العقوبات.

    أما النشاط الجرمي فيتمثل في السرقة بفعل الاستيلاء على المنقول عن طريق أخذه خلسة أو عنوة دون رضاء حائز .

    بينما يتمثل النشاط الجرمي في الاحتيال بفعل الخداع الذي يؤثر على إرادة المجني عليه فيوقعه في غلط يدفعه إلى تسليم المال إلى المحتال.

    إذن، في الاحتيال يتسلم المحتال المال من المجني عليه بإرادته ورضاه، إلا أن هذه الإرادة مشوبة بغلط نتيجة لخداع المحتال.

     

    الاحتيال والتدليس

    يقترب الاحتيال أيضاً من مفهوم التدليس في القانون المدني فكلاهما يتضمن نشاطا غايته إيقاع شخص في الغلط. بيد أن هذا الاقتراب يتوقف عند هذا الحد.

     فالتدليس في المفهوم المدني يتمثل بقيام شخص بالغش والكذب على أخر اليحمله على إبرام عقد أو على إجراء تصرف قانوني بوجه عام، سواء أكان من شأنه إنشاء حق عيني أو شخصي أو تعديله أو نقله أو انقضاءه.

     فدائرة التدليس تتسع لتشمل كل تصرف قانوني، وهو يقوم بمجرد الكذب العادي أو مجرد الكتمان أو السكوت قصدأ كسلوك سلبي.

    والتدليس مجرد عيب من عيوب الرضا يستتبع بطلان العقد أو التصرف، ويوجب التعويض.

    أما الاحتيال فغايته الاستيلاء على مال الغير بالذات بإحدى الطرق التي حددها المشرع، و هو لا يقوم بمجرد الكذب العادي أو مجرد السكوت بل لا بد أن يكون مدعمة بمناورات احتيالية.

    فدائرة الاحتيال إذن تقتصر على التصرفات التي تتيح للفاعل الاستيلاء على المال وتملكه.

    فهو إذن وسيلة للاعتداء على الملكية.

    واستنادا لمفهوم الاحتيال الوارد في المادة 641، فإن دراسته تقتضي منا تفصيل أركانه، ومن ثم بیان عقابه.

     – أركان جريمة الاحتيال – عقاب جريمة الاحتيال

     

    أركان جريمة الاحتيال

    تقوم جريمة الاحتيال على ثلاثة أركان: ركن محل الجريمة، وركن مادي، وركن معنوي.

    أما ركن المحل فهو الموضوع الذي ينصب عليه النشاط الجرمي، والمتمثل بالمال المنقول أو العقار المملوك للمجني عليه، والركن المادي يتكون من فعل خداع يترتب عليه نتيجة وهي تسليم مال، وعلاقة سببية بين الأمرين.

     أما الركن المعنوي فقوامه القصد الجرمي الذي يتميز باشتماله على قصد خاص، متمثلا بنية تملك المال، إضافة للقصد العام.

    استنادا لذلك سنقسم الدراسة إلى ما يلي: – ركن المحل – الركن المادي – الركن المعنوي

    عقوبة جرم الاحتيال في القانون السوري

    حدد المشرع في المادة 641 من قانون العقوبات عقوبة الاحتيال البسيط، ثم نص في المادة 642 على طرفين مشددين ينبني عليهما مضاعفة عقوبة الاحتيال البسيط والعقاب في الحالتين ذو وصف جنحي. بالإضافة لهذا العقاب فقد نص المشرع في المادة 655 من قانون العقوبات على عقوبة إضافية أو فرعية تتمثل بنشر الحكم الصادر بالإدانة.

    عقاب الاحتيال البسيط

    تضمنت المادة 641 عقوبة الاحتيال البسيط وهي الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائة إلى خمسمائة ليرة.

    والجريمة على هذا الأساس جنحة، والجمع بين الحبس والغرامة، مبدئيا وجوبي.

    إلا أن ذلك لا يحول دون إمكانية الحكم بالغرامة فقط أو تحويل العقوبة الجنحية إلى عقوبة تكديرية إذا وجدت المحكمة في القضية أسبايا مخففة تقديرية، وذلك استنادا لنص المادة 244 من قانون العقوبات .

    إضافة لعقوبة الحبس والغرامة التي نصت عليهما المادة 641، أجازت المادة 655 من قانون العقوبات للقاضي أن يأمر في حالة تكرار الاحتيال بعقوبة إضافية، وهي نشر حكم الإدانة في جريدة أو جريدتين يعينهما القاضي .

    وقد سوى المشرع، في الفقرة الثانية من المادة 641، في العقوبة بين جريمة الاحتيال التامة وجريمة الشروع فيها.

     

    عقاب الاحتيال المشدد

    نصت المادة 642 من قانون العقوبات على طرفين مشددين للاحتيال، بقولها: تضاعف العقوبة إذا ارتكب الجرم في إحدى الحالات الآتية:

    أ- بحجة تأمين وظيفة أو عمل في إدارة عمومية.

    ب- بفعل شخص يلتمس من العامة ما لإصدار أسهم أو سندات أو غيرها من الوثائق لشركة أو لمشروع ما”.

    والأثر الذي يترتب على توافر أحد هذين الطرفين هو مضاعفة عقوبة الحبس والغرامة، وينصرف الأمر إلى الحدين الأدنى والأعلى معا، فتصبح العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى أربع سنوات والغرامة من مائتي ليرة إلى ألف ليرة.

    وبالنظر إلى هذه العقوبة تبقى جريمة الاحتيال محتفظة بالطابع الجنحي، بالرغم من الخروج فيها على القواعد العامة في مدة الحبس عما هو مقرر في الجنح، ويبرر هذا الخروج نص المشرع صراحة على ذلك.

    فقد نصت المادة 51 من قانون العقوبات على أن

    ” تتراوح مدة الحبس بين عشرة أيام وثلاث سنوات إلا إذا انطوى القانون على نص خاص “.

  • تخفيف عقوبة السرقة بسبب تفاهة المال المسروق أو إعادته

    لقد راعى المشرع أيضا في منح العذر المخفف التوازن بين الضرر الذي أصاب المجني عليه في السرقة وبين العقاب، معتبراً أن الضرر الذي يصيب المجني عليه ضئيلا إذا كانت قيمة المال المسروق ضئيلة.

     كما أن إعادة المال المسروق في وقت محدد يستتبع إزالة الضرر الذي أحدثته السرقة، وهذا يستتبع بالنتيجة تخفيف العقاب على السارق.

     وقد أورد المشرع هذه الحالة من التخفيف في المادة 662 كما يلي:

     “1- تخفض إلى النصف العقوبات الجنحية المعينة في المواد التي تؤلف الفصل الأول والثاني والثالث إذا كان الضرر الناتج عنها أو النفع الذي قصد الفاعل اجتلابه منها تافهين أو إذا كان الضرر قد أزيل كله قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة.

     2- أما إذا حصل الرد أو أزيل الضرر أثناء نظر الدعوى ولكن قبل أي حكم بالأساس ولو غير مبرم فيخفض ربع العقوبة”.

    بتحليل هذا النص نلاحظ أن تخفيف العقاب الوارد فيها لا يقتصر فقط على السرقة بل يشمل أيضا الاحتيال وإساءة الائتمان.

    والتخفيف فيها قاصر على الجنح فقط. وبالنسبة للسرقة فهو يشمل الجنح سواء كانت السرقة البسيطة أم السرقات المخففة أم السرقات المشددة تشديدة جنحية الواردة في المواد 628 – 629، وبذلك يستبعد التخفيف في جنايات السرقة.

    والتخفيف هنا يتناول حالتين:

     الأولى:

     إذا كان الضرر الناتج عن الجريمة أو النفع الذي قصد الفاعل الحصول عليه تافها، وهذا يعني كون المال المسروق تافه القيمة.

    ويعود لقاضي الموضوع تقدير ذلك.

    وفي هذه الحالة تخفض العقوبة إلى النصف.

     والتخفيف يشمل الحد الأدنى والحد الأعلى للعقوبة على السواء.

     الثانية:

     إذا كان النفع أو الضرر غير تافهين، فنكون أمام الاحتمالات التالية:

     – إذا لم يقم السارق برد المسروق عيناً أو قيمته نقداً، فلا تخفيف في هذه الحالة.

     – إذا رد السارق المال المسروق أو قيمته نقدا قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة تخفض العقوبة إلى النصف.

     – إذا رد المال المسروق أو قيمته نقدا أثناء نظر الدعوى وقبل أي حكم في الأساس، ولو غير مبرم، يخفض ربع العقوبة فقط.

     – إذا رد المال أو قيمته نقدا بعد صدور حكم في الأساس، ولو غير مبرم، فلا تخفف العقوبة.

  • تخفيف عقوبة السرقة بسبب صلة القربی

    جاء النص على هذا العذر المشترك بين السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان في المادة 660 كما يلي:

    ” إن مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في الفصول السابقة يقضى عليهم بالعقوبة المنصوص عليها في القانون مخفضاً منها الثلثان إذا كان المجني عليهم من أصولهم أو فروعهم أو أزواجهم أو من ذوي الولاية الشرعية أو الفعلية عليهم ويعفون من العقاب إذا أزالوا الضرر الذي أحدثوه”

     بتحليل هذا النص نلاحظ أن المشرع راعی مابين أفراد الأسرة الواحدة من روابط، وارتأى ضرورة الحفاظ على صلات الود والمحبة بين أفرادها، تلك الروابط التي تمزقها الملاحقة الجزائية ومن ثم العقوبة أكثر مما تمزقها السرقة ذاتها.

     لذلك اعتبر المشرع السرقة بين الأصول والفروع والأزواج وذوي الولاية الشرعية أو الفعلية عذرة يخفف العقوبة المحددة للسرقة إلى ثلثها.

     وفي حالة إزالة الضرر الذي حدث، أي إعادة المال المسروق أو قيمته نقدا عند استحالة رده عينا، يستفيد الفاعل من عذر محل من العقاب.

     وقد اعتبرت محكمة النقض السورية أن إسقاط القريب لدعواه موجباً للإعفاء من العقوبة كما توجبه إزالة الضرر الذي أحدثه الجرم”.

    وقد وسع المشرع من نطاق عذر القرابة فجعله شاملاً لجميع جرائم السرقة الجنحية والجنائية.

    وإذا قام المجرم، الذي استفاد من عذر محل أو مخفف، بتكرار السرقة خلال خمس سنوات من تاريخ ارتكابه للسرقة الأولى فيبقى مستفيداً من العذر المخفف إذا أعاد المال المسروق أو قيمته نقدا، ولكن لا يستفيد من ذات التخفيف السابق بل يخفف عنه ثلث العقوبة فقط.

     إلا أنه لو أعاد المال المسروق فلا يستفيد هنا من العذر المحل.

     وقد قضت محكمة النقض السورية بأن

    ” اعتياد الابن على سرقة أموال أبيه يحرمه من حق الإعفاء من العقوبة”.

    ويشترط للاستفادة من عذر القرابة أن يكون المال المسروق مملوكاً لمن تتوافر فيهم صفات القرابة التي حددها النص.

     فإذا كانت ملكية هذا المال مشتركة بين أحدهم وشخص أخر من غير المذكورين في النص فلا يطبق العذر .

     و العبرة بحقيقة ملكية المال لا بما يتوهم السارق على سبيل الخطأ.

    فإذا اعتقد الزوج أن المال الذي سرقه غير مملوك لزوجته مثلا ثم تبين أنه مملوكاً لها استفاد من العذر .

    وعذر القرابة له طابع شخصي يقتصر فقط على من تتوافر فيه إحدى صفات القرابة المحددة بالنص، فلا يسري بالنسبة لغيرهم من المساهمين في الجريمة شركاء كانوا أم متدخلين أم محرضين.

     أما الأشخاص الذين يستفيدون من العذر فلقد حددهم النص بالأصول والفروع والأزواج وذوي الولاية الشرعية أو الفعلية.

    وقد ورد ذكر هؤلاء الأشخاص على سبيل الحصر، بالتالي فالعذر لا يشمل السرقة بين الأخوة والأخوات أو الأعمام والعمات أو الأخوال والخالات.

    أما الأصول والفروع فيشمل جميع الأصول وإن علو وجميع الفروع وإن نزلوا.

     أما الأزواج فيشمل الزوج والزوجة أثناء قيام الرابطة الزوجية.

    والطلاق الرجعي لا يقطع هذه الرابطة حتى تنتهي العدة.

    أما الطلاق البائن فيقطعها.

     بالتالي فسرقة أحد الزوجين للأخر يشمله العذر إذا تمت السرقة أثناء قيام رابطة الزوجية، أو إذا وقعت أثناء عدة الطلاق الرجعي.

    أما إذا أصبح الطلاق بائناً فلا مجال للاستفادة من العذر.

    أما ذوي الولاية الشرعية فتشمل الولاية والوصاية في حال غياب الولي الشرعي وهو الأب أو الجد العصبي.

     أما الولاية الفعلية فمثالها زوج الأم على أولادها من زوج سابق إذا كانوا يعيشون تحت رعايته.

    وتجدر الملاحظة أن المشرع علق حق الملاحقة في جنح السرقة بين الأقارب على شكوى الفريق المتضرر في المادة 661، بقولها

     “لا تلاحق إلا بناء على شكوى الفريق المتضرر… الجنح المنصوص عليها في المواد 660 و …”

    وهذا يعني خروجاً على الأصل العام الذي يقضي بتخويل النيابة العامة السلطة في تحريك هذه الدعوى بمجرد علمها باقتراف الجريمة وتقديرها ملائمة ذلك دون انتظار شكوى أو طلب أو إذن.

    وتعليقها على شكوى يعني أنه لا يجوز للنيابة العامة تحريكها ما لم تتلقى شكوى من الفريق المتضرر.

    وبمجرد تقديم الشكوى تستعيد النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى العامة .

    وإن إسقاط المتضرر لدعواه يسقط دعوى الحق العام، وإذا تأخر الإسقاط إلى ما بعد الحكم فهو يوقف تنفيذ العقوبة.

  • جرم سرقة المزروعات المتصلة أو المنفصلة عن الأرض

    سرقة المزروعات المنفصلة عن الأرض

    جاء النص على هذه السرقة في المادة 631 كما يلي:

    “1- كل من يسرق ما كان محصودة أو مقلوعة من المزروعات وسائر محصولات الأرض النافعة أو كدساً من الحصيد يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة مائة ليرة.

     2- وإذا تعدد السارقون أو وقعت السرقة نقلا على العربات أو الدواب يكون الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة مائة ليرة.

    بتحليل هذا النص نلاحظ أن موضوع السرقة فيه عبارة عن محصولات الأرض النافعة المحصودة أو المقلوعة، أي المنفصلة عن الأرض.

    وقد أشار النص إلى ظرفي تشديد لهذه السرقة.

    – والمحصولات المحصودة أو المقلوعة تعني كل ما تنتجه الأرض تلقائياً أو بفعل الإنسان، بشرط أن يكون نافعاً.

    ونفع هذه المحصولات غير مقيد بمجال معين، فقد يكون المحصول غذاء للإنسان أو الحيوان، وقد يستعمل في صناعة أو تجارة، أما إذا كانت غير نافعة كالأشواك وأوراق الشجر التي سقطت على الأرض فينتفي عنها وصف المال ولا يعاقب على أخذها.

     وكل ما هو مطلوب أن تقع السرقة على المحصول النافع في حالته الطبيعية في الحقل بعد الحصاد أو القلع مباشرة، أي يشترط انفصاله عن الأرض.

     وما إشارة المشرع إلى عبارة ” كدسة من الحصيد ” إلا من قبيل التأكيد على أن هذه المحصولات يجب أن تكون منفصلة عن الأرض.

    وما يميز كدس الحصيد عن غيرها من المحصولات المنفصلة عن الأرض هو أنها صنفت أقسام وربطت وحدات كل قسم على حدة.

    ويفترض لتطبيق نص الفقرة الأولى من المادة 631 أن تتعرض هذه المحصولات إلى السرقة من قبل شخص واحد، عندئذ يعاقب فاعلها بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة.

    – أما إذا تعدد فاعلى هذه السرقة أو استعان السارق الواحد بالعربات أو الدواب لنقل المسروقات تصبح العقوبة، وفق الفقرة الثانية من المادة 631، الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة.

     ويفسر هذا التشديد بكون التعدد و استعمال العربات أو الدواب يفيد أن كمية المحصولات المسروقة كبيرة مما اقتضى اشتراك أكثر من شخص في السرقة، أو اقتضی استخدام العربات أو الدواب لنقلها، مما يجعل هذه السرقة على قدر من الخطورة يبرر تشدید عقابها.

    سرقة المزروعات المتصلة بالأرض.

    جاء النص على هذه السرقة في المادة 632 كما يلي:

     إذا كانت المزروعات وسائر محصولات الأرض التي ينتفع بها لم تقلع و سرقت من الحقل بالزنابيل أو الأكياس أو الأوعية المماثلة أو بنقلها على العربات أو الدواب أو سرقت بفعل عدة أشخاص مجتمعين كانت العقوبة الحبس من شهرين إلى سنة”.

    بتحليل هذا النص نلاحظ أن موضوع السرقة فيه هو محصولات الأرض النافعة التي لم تحصد أو تقلع، أي المحصولات التي ما زالت بالحقل متصلة بالأرض.

    ويفترض النص الإيقاع العقوبة على السرقة أن ترتكب إما من شخص واحد بواسطة الزنابيل، أي السلال، أو الأكياس أو أي شيء مماثل، أو ينقلها بالعربات أو الدواب.

     وإما أن ترتكب هذه السرقة من قبل عدة أشخاص مجتمعين، سواء استخدموا الوسائل السابقة أم لا.

     والذي يجمع بين الصورتين هو أن كمية المال المسروق كبيرة، مما اضطر السارق لاستخدام الوسائل المذكورة، أو مما جعل مجموعة أشخاص يقومون بالاستيلاء عليها.

    وعند تحقق إحدى هاتين الصورتين يكون العقاب الحبس من شهرين إلى سنة.

    بيد أن هذه العقوبة تفترض وقوع السرقة في مكان لا يعتبر بذاته ظرفاً مشدداً للسرقة.

     فلو أن الحقل كان محاطاً بسياج أو مسورة بجدار وله باب مقفل، أو كان ملحقا بمسكن، لاعتبرت السرقة من داخله مشدداً تشديداً جنائياً، لأن الاعتداء فيها قد تم على مكان مقفل مصان بالجدران، أو على حرمة المسكن وملحقاته.

    سرقة المحاصيل المتصلة بالأرض ذات القيمة الزهيدة

    جاء النص على هذه الصورة الأخيرة في المادة 633 كما يلي:

     من سرق شيئا من محصولات الأرض أو ثمارها التي لم يتناولها المالك ولم يجنها وكانت قيمتها أقل من ليرة يعاقب بغرامة لا تتجاوز المائة ليرة.

    بتحليل هذا النص نلاحظ أن موضوع السرقة فيه يتمثل بمحصولات زراعية تطلب فيها المشرع شرطين: أن المالك الم يجنها بعد، وأن قيمتها أقل من ليرة.

     فلو أن شخصا قطف تفاحة أو برتقالة من أرض يملكها غيره، وكانت قيمة الثمرة لا تتجاوز الليرة الواحدة لتحقق الجرم الوارد في هذا النص.

    والملاحظ أن هذا الجرم هو أخف السرقات عقاباً، وهي السرقة الوحيدة التي تعتبر مخالفة عقابها الغرامة فقط، وهو الجرم الوحيد من جرائم السرقة الذي لم يفرض له المشرع عقوبة سالبة للحرية نظرا لتفاهة المال المسروق.

  • جرم سرقة الحيوانات والآلات والمواد الزراعية

    أورد المشرع هذه السرقة في المادة 630 كما يلي:

    “كل من يسرق الخيل أو الدواب المعدة للحمل أو الجر أو الركوب وسائر المواشي الكبيرة أو الصغيرة أو آلات الزراعة يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مائة إلى ثلاثمائة ليرة، وكل من يسرق ما أعد للبيع من الحطب أو خشب البناء المقطوع والحجارة من المقالع أو السمك من الشبك أو العلق من البرك أو الطيور من القن أو النحل من الخلايا يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من مائة ليرة إلى مائتي ليرة.

    وبتحليل هذا النص نستخلص أنه يتناول نوعين من السرقات، لكل نوع عقوبة محددة:

    الأول: ويتناول سرقة الحيوانات أو آلات الزراعة.

     وفيها يعاقب الفاعل بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة، إذا أقدم على سرقة الدواب والمواشي سواء كانت في حراسة أحد أم لا، وسواء كانت وقت سرقتها في مكان مملوك لصاحبها أم لا، ما لم يكن هذا المكان من شأنه تشدید عقاب السرقة أيا كانت.

     فلقد سبق و أشرنا إلى أن الات الزراعة والماشية تعتبر من المنقولات المسخرة لخدمة العقار في مفهوم القانون الجزائي، أي عقارات بالتخصيص.

     وبالتالي فإن سرقتها من مكان مقفل محاط بالجدران، أو من مسكن ينطبق عليه وصف السرقة المشددة.

     أما ألات الزراعة فهي تشمل أي أداة تستخدم في زراعة الأرض، سواء للفلاحة أو للحصاد وما إلى ذلك، يدوية كانت أم ميكانيكية، صغيرة كانت أم كبيرة، كالفئوس والمحاريث يدوية أم ميكانيكية.

    الثاني: ويتناول سرقة بعض الأشياء من الأماكن التي تستخرج منها،

    وفيها يعاقب الفاعل بالحبس من شهر إلى سنة والغرامة، إذا أقدم على سرقة الحطب المعد للبيع وخشب البناء المقطوع والحجارة من المقالع والسمك من الشبك والعلق من البرك (العلق هو نوع من الديدان تعيش في البرك، له فوائد طبية، باستخدامه أحيانا في امتصاص الدم الفاسد. و الطيور من القن والنحل من الخلايا.

    ويلاحظ على هذه الأشياء أنها مملوكة لأشخاص معينين، وليست مباحة.

    فأغلب هذه الأشياء وإن كانت في الأصل أشياء مباحة إلا أنها أصبحت ما يصلح محلاً لجرم السرقة بمجرد حيازتها من أحد الأشخاص.

  • جرم السرقة بشن غارة على أموال لا تخصه

    ورد النص على هذا الظرف المشدد في الفقرة الثانية من المادة 627، التي عاقبت بالأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث إلى خمس عشرة سنة:

    «2- كل من اشترك مع آخرين في شن غارة على أموال لا تخصه فنهبها أو أتلفها .»

    وقد وضع المشرع هذا التشديد لقمع الغارات المتعارف عليها منذ زمن بعيد في بعض المناطق السورية وبشكل خاص عند البدو، حيث تتمثل هذه الحالة بهجوم مسلح يقوم به مجموعة أشخاص على ممتلكات جماعة أو فرد، ليلا أو نهارا، فينهبون أي يسرقون علناً تلك الممتلكات.

    والملاحظ في هذا النص أنه لا يشترط للتشديد سوى ظرف التعدد مع حمل السلاح، فعبارة كل من اشترك مع آخرين، تفيد لزوم التعدد، أما عبارة شن الغارة فتعني الهجوم المسلح.

    وبالتالي كان الأولى بالمشرع عدم إيراد هذا الظرف الخاص والاكتفاء بالظروف المشددة الأخرى، لاسيما تعدد الفاعلين والعنف، فلقد لجأ المشرع بإيراد هذا النص إلى استخدام مصطلحات غير حقوقية كعبارة «الغارة» ومزج بين مفهوم السرقة ومفهوم الإتلاف بالرغم من اعتباره للإتلاف جرم مستقلا معاقب عليه في المواد 716 – 720 من ق. م .

  • جرم السرقة أثناء الكوارث والاضطرابات والحرب

    جاء النص على هذه السرقة المشددة في الفقرة الأولى من المادة 627، كما يلي:

    يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة:

     1- كل من ارتكب سرقة في حالة العصيان أو الاضطرابات أو الحرب أو غرق سفينة أو أية نائبة أخرى”.

    إن علة تشديد السرقة في هذه الحالة تتمثل، من جهة، في سهولة ارتكاب الجريمة في الظروف المذكورة بالنص، نظراً لانشغال الناس بالكارثة الحاصلة و عدم حماية أموالهم بالشكل المعتاد في الأحوال العادية، ومن جهة أخرى، في الروح الإجرامية الدنيئة لدى الشخص الذي يستغل مصائب الناس فيقدم على سرقة أموالهم بدل أن يساهم كغيره في مواجهة الكارثة.

    والملاحظ من النص أن التشديد مناطه الوحيد هو ارتكاب السرقة خلال زمن معين يتميز بظروف خاصة استثنائية  تجعل السرقة أشد خطورة.

     ولم يشترط النص أي ظرف أخر للتشديد، كالوسيلة المستخدمة أو صفة السارق مثلا.

     ويجب التحقق هذا الظرف المشدد أن يكون هناك ظرف استثنائي أو كارثة عامة، أورد المشرع أمثلة عنها، كحالة العصيان أو الاضطرابات أو الحرب أو غرق سفينة، ثم أردف ذلك بالعبارة العامة أو أي نائبة أخرى”، مثل الزلازل والفيضانات والبراكين والحرائق والأوبئة، وأن ترتكب السرقة أثناء الكارثة حتى يمكن القول أن السارق قد انتهز هذا الوضع الاستثنائي لارتكاب جريمته.

    ولقد حددت محكمة النقض السورية مفهوم الذائبة في قرار لها، فقضت بأن

     ” مفهوم النائية يعني تعرض مجموعة كبيرة من المواطنين لحادث يلفتهم عن الاهتمام بحماية أموالهم ولا يجوز التوسع بحيث يشمل الحوادث الفرعية”.

     بالتالي لا مجال للتوسع بمضمون النص الذي أتي على ذكر كوارث عامة لها صفة الشمول بأثرها البالغ على المجتمع الذي تقع فيه، ولا مجال لشمول هذا النص على الحوادث الفردية ذات الأثر المحدود.

    وتطبيقا لذلك فإن السرقة المرتكبة أثناء ثورة بركان أو خلال فيضان أو سيول جارفة أو إيان انتشار وباء تعتبر سرقات مرتكبة إبان نائبة عامة.

     وقد اعتبرت محكمة النقض السورية أن

     «وقوع السرقة في زمن إعلان الإدارة العرفية أو حالة الطوارئ لا يكفي لتطبيق هذا الظرف المشدد، لأن إعلان حالة الطوارئ لا يجعل البلاد في حالة  نائية عامة” .

    ولقد حدد المشرع عقوبة السرقة المرتكبة أثناء الكوارث بالأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث إلى خمس عشرة سنة.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1