التصنيف: شرح قانون العقوبات

  • ماهي جريمة القتل البسيط وماهي أركانها؟

    القتل البسيط

     

    قلنا أن القتل المقصود يكون بسيطاً، ويطبق على فاعله العقاب المنصوص عليه في المادة 533، إذا لم يقترن بظرف من ظروف التشديد الواردة في المواد 534 – 535، أو بظرف من ظروف التخفيف الواردة في المواد 537-538 – 539 والقتل المقصود بكافة صوره هو جنائي الوصف، يتراوح العقاب فيه بين الثلاث سنوات كحد أدنى، والإعدام كحد أعلى.

    أما أركان القتل المقصود فهي واحدة أيضا في كافة صوره، البسيط أو المشدد أو المخفف، وهي ثلاثة:

    الركن المفترض: وهو خاص بمحل جريمة القتل، الذي يجب أن يكون إنسان على قيد الحياة أثناء وقوع الفعل عليه.

    الركن المادي: وهو فعل الاعتداء الواقع على الضحية، والذي تنشأ عنه الوفاة.

     الركن المعنوي: وهو القصد الجرمي الواجب توافره لدى الفاعل، وهو قصد إزهاق الروح.

    هذه الأركان أفصحت عنها المادة 533 من قانون العقوبات بقولها:

    ” من قتل إنساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة.

     وهذا النص يشير، كما أسلفنا، إلى الجريمة الأساس في القتل، ويطبق عند وقوع القتل مجرداَ عن أي حالة من حالات التشديد أو التخفيف. وهو يتضمن الأركان الثلاثة التي يجب توافرها في القتل بكافة صوره، وهي المحل، والفعل، والقصد.

    هذه الأركان الثلاثة، وان كانت مستنبطة من نص المادة 333 التي تحدثت عن القتل البسيط، إلا أنها أركان مشتركة يوجب القانون توافرها في جميع صور القتل المقصود، ما كان منها بسيطاً أو مشدداً أو مخففاً.

     فعند وقوع قتل مقصود ينظر إلى اجتماع هذه الأركان الثلاثة، فإن اجتمعت فيه دون أن ينضم إليها ظرف من ظروف التشديد أو التخفيف، اعتبر القتل بسيطاً، وطبق على فاعله العقاب الوارد في المادة 533. فهذه الأركان كافية إذن لقيام جرم القتل البسيط.

    أما إذا انضم إلى هذه الأركان ظرف تشديد أو ظرف تخفيف، اعتبر القتل مشددا أو مخفف. بالتالي فهذه الأركان لا تعتبر كافية لوحدها لقيام القتل المشدد أو المخفف، بل لا بد أن يتوفر إضافة إليها أحد ظروف التشديد أو التخفيف.

     – وقد عرف الفقيه الفرنسي غارو Garaud القتل المقصود بأنه “إزهاق روح إنسان قصدأ وبغير حق بفعل إنسان أخر .

     وقد عرفته المادة 221- 1 من قانون العقوبات الفرنسي الصادر عام 1994 بأنه “فعل إعطاء الموت قصدا للغير “.

    اما قانون العقوبات المصري فلقد نص في المادة 234 على القتل المقصود بقوله “من قتل إنسان عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب….

     من خلال هذه التعاريف، وما ورد في نص المادة 533 من قانون العقوبات السوري، يمكن القول بأن القتل المقصود هو فعل يودي بحياة إنسان قصدا.

     وهو ككل جريمة ينصب على موضوع أو محل معين، و المحل فيه هو الإنسان الحي، وهو ما يشكل الركن المفترض لجرم القتل.

     ويتكون من فعل يفضي إلى وفاة الضحية، وهو ما يشكل الركن المادي.

     وأخيرا يتطلب قصدأ جرمية، أي أن تتجه إرادة الفاعل إلى إزهاق روح الضحية، وهو الركن المعنوي.

  • ماهي جريمة القتل و ما أنواعها في القانون السوري؟

    القتل في قانون العقوبات السوري

     

    قبل صدور قانون العقوبات السوري علم 1949، كان قانون الجزاء العثماني هو المطبق في البلاد التي كانت تحكمها الدولة العثمانية، ومنها سوريا.

    وقد اقتبس هذا القانون أسس القانون الفرنسي، في هذا المجال، مع مراعاة بعض أحكام الشريعة الإسلامية.

     ولقد اعتمد هذا القانون المعيار القديم في التمييز بين القتل المقصود ذو النية الآنية،  والقتل العمد ذو النية المبيتة، إلى جانب القتل الخطأ.

    وبصدور قانون العقوبات السوري انتهج به المشرع نهجاً حديثاً، بإتباعه لما سارت عليه أكثر التشريعات الجزائية حداثة، في ذلك الوقت، كقانون العقوبات السويسري الصادر عام 1937، وقانون العقوبات الإيطالي الصادر عام 1930، وبمراعاته لأحدث النظريات الجزائية في هذا المضمار.

     فإضافة إلى تقسيم جرائم القتل إلى زمرتين: مقصودة و غير مقصودة، فهو لم يعتمد التقسيم الثنائي التقليدي للقتل المقصود، بل قام بتقسيم جرائم القتل المقصود إلى ثلاثة أصناف، تختلف خطورة كل منها تبعا لنية الفاعل وظروف التنفيذ وصفة المجني عليه، مع بقاء أركانها الأساسية واحدة. وهي كما يلي:

    1- القتل البسيط:

    وهو الجرم الأساس في جرائم القتل، نصت عليه المادة 533 ق.ع. و هو القتل الذي لم يقترن بأي ظرف من ظروف التشديد أو التخفيف. و عقابه سن 15 إلى 20 سنة أشغال شاقة.

    2- القتل المشدد:

    ويكون في حالة اقتران جرم القتل البسيط مع إحدى حالات التشديد الواردة في المادة 334 ” کالسلب بالعنف وصفة الموظف والحدث… “، أو المادة 535 ” كالعمد وصفة الأصل والفرع… “. حيث يصيح العقاب فيها الأشغال الشاقة المؤبدة إذا اقترن القتل بإحدى ظروف التشديد الواردة في المادة 534، والإعدام إذا اقترن القتل بإحدى ظروف التشديد الواردة في المادة 535.

    3- القتل المخفف:

    ويكون في حالة اقتران جرم القتل البسيط مع إحدى حالات التخفيف الواردة في المواد 537 قتل الأم لوليدها اتقاء للعار”، و 538 “القتل إشفاقا”، و 539 “التحريض والمساعدة على الانتحار”.

    وهذه الحالات أو الظروف ارتأى المشرع أنها تدعو إلى الرأفة بالقاتل وتخفيف عقوبته بالنزول بها عن الحد الأدنى المحدد لجرم القتل البسيط.

     نستنتج مما سلف، بأنه عندما يقع جرم قتل في سورية، فينظر القاضي إلى احتمال اقترانه بأي حالة من حالات التشديد الواردة في المواد 534- 535، أو اقترانه بأي حالة من حالات التخفيف الواردة في المواد 537- 538 -539 على فاعله العقوبة وفي حال عدم اقتران القتل بأية حالة من هذه الحالات، فالجرم عندئذ قتل عادي أو بسيط، تطبق الواردة في المادة 533.

  • تعريف جريمة القتل مع مقدمة تاريخية

     

    تمهيد عن جريمة القتل :

    يقع القتل، بإزهاق روح إنسان بفعل إنسان آخر بأية وسيلة كانت.

    والقتل قد يكون مقصوداً إذا توافرت النية الجرمية لدى الجاني وقد يكون غير مقصود إذا لم تتوافر هذه النية لدى الجاني ولكن الوفاة تحققت نتيجة خطأ منه.

    تعتبر الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية القتل من أشد الجرائم وأعظمها خطرة، لأن القتل هو انتهاك لحرمة النفس الإنسانية التي خلقها الله و سواها وكرمها أفضل تكريم. فالشرائع السماوية تعتبر أن أعظم ما يغضب الرب هو إزهاق روح هذه النفس الإنسانية التي كرمها الله.

    والشرائع الوضعية، بعقابها على القتل، تحمي بذات الوقت، حق الإنسان المقدس في الحياة، وحق المجتمع في الحفاظ على سلامة وحياة أفراده.

    والقتل ظاهرة اجتماعية إنسانية قديمة قدم التاريخ نفسه، ولعله أول جرم ارتكب في تاريخ وجود الإنسان، عندما قتل قابيل أخاه هابيل.

    لذلك نرى أن أكثر الشرائع الوضعية، المغرقة في القدم، اهتمت بجرائم القتل، واعتبرتها مساساً وتعدياً على الحقوق الإلهية على البشر، باعتبار أن الآلهة هي التي تمنح حق الحياة وهي التي لها الحق بأخذها ؛ فكان القتل يحاط بنقمة الآلهة و البشر معاً، بإنزال أقسى العقوبات و أشدها تعذيباً على مرتكبه.

    ولقد عاقبت التشريعات والأعراف القديمة على القتل دون التفات إلى فعل القاتل، فيما إذا كان مقصودا أم غير مقصود.

    حيث كان الثأر والانتقام يطال الفاعل في كلتا الحالتين.

     ولكن مع الزمن أخذت المجتمعات تفرق بين الأفعال المقصودة، فتشدد عقابها، وبين الأفعال غير المقصودة، فتتساهل في جزاءاتها من حيث قبول التعويضات المالية.

    وكان الانتقام أو الثأر هو السائد لدى العرب في الجاهلية، دون تمييز بين كون القتل مقصوداً أو غير مقصود، ودون أن يكون هناك تعادل أو مساواة بين ما أصاب الضحية وبين الثأر. وعندما جاء الإسلام، نهی عن القتل، وسن القصاص من الفاعل في القتل العمد (المقصود) وفي الإيذاء، وذلك بالتساوي بين إصابة الصحية والجزاء الواقع عليها.

    ولقد ورد النهي والقصاص في آيات كثيرة من القرآن الكريم منها ما ورد في سورة الإسراء: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق..).

    وما جاء في سورة البقرة: (يا أيها الذين آمنوا کتب عليكم القصاص في القتلى…).

     وفي سورة المائدة أيضا: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن و السن بالسن والجروح قصاص …).

    وجاء في سورة النساء: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ).

    من هذه الآيات نستنتج أن القرآن الكريم قد فرق في القتل بين نوعين: القتل العمد، أي المقصود، ورتب له القصاص كجزاء، و القتل الخطأ، وجزاؤه الدية والكفارة.

    وقد ميز الفقه الإسلامي بين القتل العمد الذي تتجه به إرادة الفاعل إلى الفعل والنتيجة، وبين القتل شبه العمد الذي تتجه الإرادة فيه إلى الفعل دون النتيجة، وهو ما يقابل الإيذاء المفضي إلى الموت في التشريع الوضعي.

     و عقابه الدية المغلظة باعتبار أنه لا قصاص إلا في القتل العمد.

    والقصاص، كما أسلفنا، هو الجزاء الواقع في القتل والإيذاء، و المتساوي مع الإصابة اللاحقة بالضحية.

    ويطلق عليها تعبير القود في القتل العمد، فالقاتل يقتل، و العين بالعين والسن بالسن…. الخ. والكفارة هي جزاء ديني يتضمن التكفير عن الذنب، ويكون بإعتاق عبد أو التصدق بقيمته أو الصيام شهرين متتابعين. أما الدية فهي مبلغ من المال يتفق عليه الطرفين، يدفعه الجاني أو أهله إلى الضحية أو أهله، وذلك مقابل العفو عن المعتدي.

    تعريف جريمة القتل

    القتل، بوجه عام، هو اعتداء إنسان على إنسان ينتج عنه وفاته. فإذا انصرفت إرادة الفاعل إلى إزهاق روح الضحية كان القتل مقصوداً، أما إذا لم تتصرف هذه الإرادة إلى إحداث هذه النتيجة، بل وقعت الوفاة نتيجة خطأ من الفاعل، بصورة إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة الشرائع أو الأنظمة، كان القتل غير مقصود وفي حال وقوع القتل دون اقترانه بقصد جرمي أو بخطأ من الفاعل، بل نتيجة لظرف خارج عن إرادة الإنسان، فلا يكون جريمة ولا ينتج أية مسؤولية جزائية، وذلك لانعدام الركن المعنوي فيه، وهو ما يدعى بالقتل العرضي الذي يخرج من نطاق القانون الجزائي ويدخل في نطاق القضاء والقدر.

     وقد درجت أغلب التشريعات الجزائية القديمة على تقسيم القتل المقصود إلى نوعين: القتل عمدة، أي مع النية المبينة  أو مع سبق التصور والتصميم، والقتل قصدا، وهو الذي ينتج عن نية أنية. وكلاهما يستلزم إرادة أو نية إزهاق الروح.

  • المعيار الذي اعتمده المشرع السوري في تصنيف الجرائم

    المعيار الذي اعتمده المشرع السوري في تصنيف الجرائم في القسم الخاص 

     

    لقد اعتمد المشرع السوري، على غرار أغلب التشريعات الحديثة، المعيار العلمي في التصنيف أو التبويب.

    فلقد اعتمد على تصنيف الجرائم استنادا إلى التشابه فيما بينها في طبيعة المصلحة التي أراد المشرع حمايتها، أي في طبيعة الحق المعتدى عليه.

    وقد جاء هذا التصنيف سهلاً بعيداً عن التعقيد، نظرا لورود الجرائم المتشابهة فيما بينها في محل الجرم في فصائل مستقلة ومتفردة عن غيرها.

    وانطلاقاً من ذلك وضع المشرع فصيلة الجرائم الواقعة على الأشخاص، التي تضم الاعتداءات الواقعة على حياة الإنسان أو على سلامته البدنية “القتل والإيذاء”، وفصيلة الجرائم الواقعة على الأموال “السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان”.

     وفصيلة الجرائم الواقعة على أمن الدولة، وفصيلة الجرائم الواقعة على الأسرة، وعلى الأخلاق….الخ.

    وتجدر الإشارة إلى أن بعض التشريعات، كالتشريع المصري، لم يعتمد هذا الأسلوب العلمي البسيط في تبويب الجرائم، بل اعتمد الأسلوب الفرنسي القديم المستند على تصنيف وتبويب الجرائم استنادا إلى جسامة الجرم: جناية وجنحة. حيث جاءت في قانون العقوبات تحت عناوين في الجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية”، و “الجنايات والجنح التي تحصل لأحاد الناس”.

     

    الجرائم الواقعة على الأشخاص

     

    هناك اتجاه في الفقه الجزائي يرى أن فصيلة الجرائم الواقعة على الأشخاص تتسع لمجموعة من الجرائم، في مقدمتها القتل والإيذاء، ويلحق بها الجرائم الواقعة على الحرية، كالتوقيف غير المشروع والحرمان من الحرية، والجرائم الواقعة على الشرف والعرض، كالاغتصاب والزنا، باعتبارها جرائم تقع على الأشخاص.

    وهناك اتجاه آخر، تبنته أغلب التشريعات الحديثة، ومن بينها القانون السوري، يحصر الجرائم الواقعة على الأشخاص في دائرة القتل والإيذاء فقط.

    وهي دائرة معقولة، باعتبار أن هذه الجرائم تقع حصرا على حياة الإنسان أو سلامته الجسدية؛ بينما الاغتصاب والزنا والحرمان من الحرية والتوقيف غير المشروع تقع على شرف الإنسان أو حريته استنادا إلى التبويب الذي وضعه المشرع السوري.

     في ضوء ما تقدم ستكون خطة معالجتنا للجرائم الواقعة على الأشخاص، استنادا إلى خطة المشرع السوري، مقتصرة على جرائم القتل والإيذاء.

    وجرائم القتل والإيذاء ليست إلا صور متعددة الاعتداء يقع على جسم المجني عليه فيودي بحياته أو يصيبه بأذى، ولا تختلف عن بعضها إلا في الركن المعنوي أو في النتيجة التي تترتب على الاعتداء.

     (فهذه جرائم قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، والجرائم المقصودة تشترك في قصد المساس بسلامة جسم المجني عليه، ثم تختلف بحسب مدى القصد أو جسامة النتيجة. فإذا اقتصر قصد الفاعل على المساس بسلامة جسم المجني عليه كانت جريمته إيذاء تتنوع عقوبتها بحسب جسامة النتيجة التي تترتب على فعله.

    وقد يتجاوز قصد الفاعل مجرد المساس بسلامة جسم المجني عليه إلى الاعتداء على حياته، وعندئذ يرتكب الفاعل قتلا مقصود أو شروعا فيه إذا لم يمت المجني عليه نتيجة ظرف خارج عن إرادة الفاعل .

    أما الجرائم غير المقصودة فهي ما كان الأذى فيها غير مقصود وإنما متسببة عن خطأ، وهنا أيضا يتنوع العقاب بحسب جسامة النتيجة موتا أو مجرد إصابة.

     

    الجرائم الواقعة على الأموال

     

    تعريفها: 

    يقصد بالجرائم الواقعة على الأموال تلك الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الحقوق ذات القيمة المالية.

    ويدخل في نطاق هذه الحقوق كل حق ذي قيمة اقتصادية أيا كانت ،ومكوناً لأحد عناصر الذمة المالية.

     أو الأفعال التي تنال بالاعتداء العناصر المكونة للذمة المالية للأشخاص .

    أو مجموعة الجرائم التي تنقص أو تعدل العناصر الإيجابية للذمة المالية أو تزيد من عناصرها السلبية عن طريق زيادة ديون المجني عليه.

    والذمة المالية تعني ما للشخص من حقوق وما عليه من التزامات مالية، وتكون الحقوق الجانب الإيجابي من الذمة، أما الالتزامات فتكون جانبها السلبي.

    والحقوق المالية ثلاثة أنواع: حقوق عينية وتتمثل في سلطة لصاحب الحق تنصب مباشرة على الشيء موضوع حقه وأهمها حق الملكية، وأغلب الحقوق العينية تتفرع عنه كحق الانتفاع وحق الارتفاق. وحقوق شخصية أو دائنية وتتمثل في علاقة بين صاحب الحق وغيره يتوجب فيها على ذلك الغير أداء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عنه، كالعلاقة بين الدائن والمدين، فالدائن له حق شخصي لدى المدين بعدم إشهار إفلاسه احتيالية، وعدم الغش في التعامل وعدم التعامل بالربا.

    وأخيراً حقوق معنوية موضوعها نتاج الفكر أو العلامات المميزة لنوع من الإنتاج الصناعي أو النشاط التجاري. وهذه الحقوق تخول أصحابها أن ينسب لهم وحدهم إنتاجهم وتكفل كذلك حماية استغلالهم المالي له.

     وهناك نصوص خاصة تحمي الملكية الأدبية والصناعية والفنية، كتقليد العلامات التجارية والصناعية. وقد يكون محل هذه الأنواع الثلاثة من الحقوق عقارة أو منقولا أو شيئا معنويا.

    نستخلص من هذه التعاريف النتائج التالية:

    عدوان، وهذا العدوان قد يتمثل في إلحاق ضرر فعلی بالمال، وقد

    1- إن الجرائم الواقعة على الأموال تنطوي على يقتصر على تعريضه للخطر.

    2- لا يقتصر نطاق الجرائم الواقعة على الأموال على الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الجانب الإيجابي من الذمة المالية، أي ما للشخص من حقوق، ولكنها تشمل أيضا الجرائم التي تنال الجانب السلبي للذمة فتزيد دون حق من الديون الملتزم بها المجني عليه كالمراباة وبعض صور الغش في كمية أو نوع البضاعة.

    3- باعتبار أن الذمة المالية هي المحل المادي للجرائم الواقعة على الأموال فذلك يستدعي استبعاد الجرائم الواقعة على الأشخاص من نطاق الجرائم الواقعة على الأموال وإن ترتب عليها، بشكل غير مباشر، مساس بالذمة المالية للمجني عليه.

     فجريمة الإيذاء المفضي إلى إحداث عاهة دائمة أو إلى تعطيل عن العمل لمدة معينة تؤثر على الذمة المالية للمجني عليه إذا أقعدته عن العمل والكسب ومع ذلك فهي لا تدخل ضمن نطاق الجرائم الواقعة على الأموال.

    4- إن المجني عليه في جرائم الاعتداء على الأموال هو أحد الأشخاص طبيعياً كان أم معنوياً.

    وبذلك يخرج من مجالها الجرائم الواقعة على الذمة المالية للأشخاص المعنوية العامة كالدولة مثلا.

     فجريمة الاختلاس، بالرغم من كونها سرقة، إلا أنها لا تدخل ضمن نطاق الجرائم الواقعة على الأموال بل ضمن الجرائم الواقعة على الإدارة العامة، باعتبار أن المجرم يحمل صفة الموظف المؤتمن على الأموال من قبل الدولة فهذا يغلب المشرع مفهوم المساس بالوظيفة العامة على مفهوم الاعتداء على المال.

    5- يخرج من مجال الجرائم الواقعة على الأموال الأفعال التي يتخذ الخطر الناجم عنها صورة الخطر الشامل وإن وقعت على مال من الأموال التي تشكل أحد العناصر الإيجابية للذمة المالية.

     كالحريق الذي يغلب المشرع فيه معنی الخطر الشامل على فكرة الاعتداء على المال فيخرجه من نطاق الجرائم الواقعة على الأموال.

  • شرح جريمة الذم والقدح والتحقير في القانون السوري

    جريمة الذم والقدح والتحقير في القانون السوري

    تمهيد وتصنيف :

    يتناول هذا العنوان مواد قانون العقوبات التالية :

    أولاً : المواد المتعلقة بالتحقير وهي : 373-374

    ثانياً : المواد المتعلقة بالذم وهي : 375 – 376 – 377

    ثالثاً : المواد المتعلقة بالقدح وهي : 378

    أما المادة 379 فهي تتناول حالة مشتركة بين جريمتي الذم والقدح، تتعلق بجواز المحكمة الناظرة بالدعوى أن تأمر بنشر الحكم الصادر بجريمتي القدح والذم، لأسباب من ضمنها رد اعتبار الجهة الواقع عليها أحد أفعال القدح والذم.

    هذا ولا بد من الإشارة إلى أن ورود النصوص المتعلقة بالقدح والذم تحت باب ( الجرائم الواقعة على السلطة العامة ) فهو يعني حصر هذه المواد بوقوعها على أشخاص معينين يتمتعون بالسلطة العامة، كأفراد أو جهات رسمية.

    أما جرائم القدح والذم الواقعة على الأفراد فهي موضوعها أحكاماً أخرى من مواد قانون العقوبات وردت تحت عنوان ( الجرائم الواقعة على الحرية والشرف ) وجرى النص عليها بالمواد 568 – 569 – 570 – 571 – 572 منه.

    والدراسات العملية لجرائم القدح والذم سواء الواقعة على أفراد عاديين أم جهات رسمية أو أشخاص يتمتعون بالسلطة العامة، تثبت عدم الاختلاف في أركان هذه الجرائم إلا بشكل طفيف، بحيث أن المشرع جعل من وقوع هذه الأفعال على الأشخاص أو الجهات العامة ظرفاً مشدداً للفعل لا أكثر ولا أقل وبالتالي ينعكس هذا الظرف المشدد على مقدار العقوبة الواجبة.

    وسنتناول تباعاً هذه المواد فيما يلي من أبحاث.

    الفصل الثاني

    جريمة الذم

    تعريفها :

    عرفت المادة 375 من قانون العقوبات العام الذم في فقرتها الأولى بأنه:

    1-“الذم هو نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام، ينال من شرفه أو كرامته.

    2-…… ” .

    فالذم إذن هو إسناد واقعة محددة من شأنها أن تؤدي إلى احتقار من وقع عليه الفعل، وتنال من شرفه وكرامته كاتهام شخص بالسرقة أو التزوير، وغيرها من التهم التي تستوجب معاقبة المتهم.

    والشرف والكرامة هما شعور الفرد بما يلقاه من احترام قبل الغير، أثناء التعامل، ويمكن أن يكون لهما مدلول موضوعي، هو مكانة الفرد في المجتمع وما يتفرع عنها من حق تعامل المجتمع معه وفق ما تتطلبه هذه المكانة.

    والجهة التي تكون موضع الذم يجب أن تتوفر فيها أهلية مرتبطة بالمكانة الاجتماعية، ويمكن أن يكون المجني عليه شخصاً طبيعياً، أو شخصاً معنوياً أو هيئة عامة.

    فإذا كان الشخص طبيعياً، فلا عبرة في صلاحيته لوقوع الفعل عليه طبيعة سنة أو جنسه أو مهنته أو جنسيته لأن الشرف والكرامة هما حقان لأي فرد ولا يتوقفان على عامل ما، سوى كونه إنساناً ذو صلاحية لأداء وظيفته الاجتماعية.

    ويعترف القانون بالشرف والكرامة والاعتبار للشخصيات الاعتبارية، باعتبار أن لها وظيفة اجتماعية ذات أهمية خاصة يوليها القانون حماية كبيرة.

    والغاية من هذا النص القانوني هي حماية الشرف والكرامة والاعتبار لدى الشخص مما يمسه من أفعال خطيره من خلال إسناد وقائع قد تحتمل التصديق والاحتمال لدى السامع أو القارئ أو المشاهد، ولما تتخذه من علنية تؤدي إلى سقوط شرف واعتبار وكرامة المجني عليه لدى طائفة كبيرة من الناس وهو يؤدي إلى خطر جسيم ذو عواقب وخيمة لا حصر لها. كاختلال الثقة بالمجني عليه من قبل من يتعامل معه، وما يؤدي أخيراً هذا الجرم من إيلام نفس وشعور المجني عليه.

    أركان هذه الجريمة :

    1-الركن المادي :

    يتكون هذا الركن من نشاط يأتيه الجاني هو فعل الإسناد من خلال ما يعبر به لفكرة أو واقعه تنسب لذات المجني علي، والتعبير الذي يأتيه الجاني تختلف صورة ووسائله سواء بالقول أو الإشارة أو الصياح أو الكتابة أو المقالة أو الخطابة، أو بأية وسيلة أخرى ميكانيكية أو آلية لنقل فكرة الإسناد من فكر الجاني إلى فكر شخص آخر، وهذا النقل الفكري يمر بمرحلتين هما التعبير عن هذه الواقعة بأية وسيلة من وسائل الإفصاح ثم إذاعتها بشكل علني، وهذا الفعل يقوم به شخص واحد وإذا ما قام به اثنان أو أكثر فيعتبر كل منهما فاعلاً للجريمة.

    ووسائل التعبير متعددة ولا حصر لها وفعل الذم يقوم بأية واحدة منها كالكلام الشفوي أو المحررات سواء أكانت مطبوعة أو كتابة، أو رموزاً أو رسوماً، أو صرواً وما يدخل تحتها من أشكال كالسينما والتلفزيون وغير ذلك.

    ونسبة الأمر أو إسناد الواقعة المتضمنة ذماً قد يكون صريحاً وظاهراً وما من حاجة إلى بذل جهد لفهمه أو للدلالة عليه، وقد يكون ضمنياً خاصة إذا ما تستر الفاعل وراء ألفاظ فيها من وسائل الاستعارة أو الكتابة أو التورية، أو بشكل عبارات استفهام، وما إلى ذلك من الصيغ البيانية في أسلوب الكتابة والخطابة.

    كما قد يكون هذا الأمر المسند على سبيل اليقين، وقد يكون على سبيل الظن والشك والاحتمال وكلاهما يعتبر ذماًَ.

    ونسبة الأمر أو الإسناد هو الواقعة التي يسندها الفاعل إلى المجني عليه لينال بها من شرفه أو كرامته.

    أما المقصود بالواقعة فهي كل ما يتصور حدوثه ووقوعه سواء أكان حاصلاً وواقعاً أم من المحتمل وقوعه وحصوله.

    ومسألة تحديد المجني عليه، فإن القانون لا يتطلب ذكر اسمه كاملاً أو بياناته التفصيلية عن هويته وشخصيته وإنما يجوز أن يكون هذا التحديد نسبياً أي من شأن فئة من الناس سهولة التعرف على المجني عليه من خلال وقائع الإسناد الموجهة إليه الماسة بشرفه أو كرامته، إذ لو اشترط المشرع لوقوع هذا الجرم ضرورة ذكر كافة بيانات ومفردات هوية المجني عليه، لأفلت الفاعل من العقاب بإغفال إيراده لبعض هذه البيانات عمداً .

    وهذا المعيار في التحديد يعود النظر فيه إلى قاضي الموضوع ومدى تقديره.

    والواقعة المنسوبة إلى المجني عليه يفترض فيها أن تنال من شرفه أو كرامته فضلاً عن أنها واقعة مستوجبة العقاب. فحين يقول الجاني عن المجني عليه أنه سارق أو مختلس، فتكون هذه الواقعة معاقباً عليها ويكون تأثيرها على نفس المجني عليه خطيراً، حتى ولو استحال تنفيذ العقاب على ذات المجني عليه لقيام مانع من موانع العقاب مثلاً.

    وغني عن البيان أن هذا العقاب يشمل أيضاً العقاب التأديبي. والواقعة المسندة للمجني عليه تعتبر ذماً إذا تناولت حياته المهنية، كالقول عن محامٍ أنه فاشل ولم يسعى إلى معرفة مبادئ القانون في عمله المهني، وهذا المبدأ يختلط أحياناً مع ما يتطلبه البعض من ممارسة حق النقد المشروع ضمن أسس معرف بها، كمناقشة مستوى الخبرة لدى المحامي مثلاً، أو مقارنته مع زملائه من المحامين فهذا لا يعتبر ذماً ولا جرماً وإنما نقداً مباحاً إذا لم يخرج عن هذه الحدود، وقد قيل في هذا المجال ” إن القانون يحمي الاعتبار المهني، ولكنه لا يحمي المجد المهني “.

    2-وقوع الفعل علنية :

    يميز في هذا المجال ما بين الحالات التالية :

    *حالة الذم المنصوص عليه في المواد 375 – 376 – 377 وهي المندرجة تحت عنوان ( الجرائم الواقعة على السلطة العامة ) أي الواقعة على شخصية أو هيئة اعتبارية .

    فالذم بهذه الحالات يستلزم وقوعه علنية، أما وسائل العلنية فقد أحال نص المادة 376 من قانون العقوبات إلى نص المادة 208 منه التي تحدد حالات العلنية على سبيل المثال لا الحصر.

    فالفعل لا يقوم إلا بعمل أو حركة يحصلان في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل .

    أو بالكلام أو الصراخ عن طريق الجهر بهما أو نقلاً بالوسائل الآلية ويسمعها من لا دخل له بالفعل أو بالكتابة والرسوم والصور اليدوية أو الشمسية أو الأفلام، والشارات والتصاوير على اختلاف أنواعها، إذا ما عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر.

    ويمكن إرجاع هذه الوسائل الواردة على سبيل المثال بنص المادة المذكورة إلى حالات العلنية بالقول والعلنية بالفعل والعلنية بالكتابة .

    وعلنية القول تشمل الكلام أو الصراخ المباشر أو نقلهما بإحدى الوسائل الآلية كاللاسلكي أو الهاتف أو الإذاعة، والجهر يعني النطق بالكلام موضوع الذم بصوت مرتفع وعال يمكن عدد من الناس غير معنيين من سماعه .

    ولا فرق بين الجهر والصياح المباشر أو الاستعانة بإحدى الوسائل، طالما أن النتيجة قد تحققت وهي سماع القول من لا دخل له بالفعل وبدون تمييز في العدد.

    والعلنية بالقول تستمد صفتها هذه وتتحقق بطبيعة المكان الواقع فيه الجرم، لكي تقوم حالة علم الجمهور بالواقعة المسندة للمجني عليه موضوع الذم.

    ولكن حدوث واقعة الإسناد بالجهر بالقول في الأمكنة التي حددتها المادة 208 عقوبات لا يعني حكماً اقتصارها على هذه الحالات فقد سبق القول أن نص المادة المذكورة ورد بأساليب العلنية على سبيل المثال، وعلى القاضي إذن مسؤولية ملاحظة واستنتاج فعل الذم من واقع القضية والظروف المحيطة بها.

    وعلنية الفعل تحقق بعمل أو حركة يحصلان في محل عام أو كان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل. وهي قليلة الوقوع نظراً لأن هذه الجرم يتحقق غالباً بالقول أو الكتابة.

    وهناك إشارات باليد تعطي مدلولاً معيناً ومعروفة، بحيث أن الفعل يتحقق بثبوت إحداها. كما يمكن أن يتحقق هذا الفعل باتهام الشخص لآخر ارتكابه جرماً معيناً، عن طريق الإشارة إليه بإصبعه أمام جمع من الناس، إذا ما ثار التساؤل بينهم عمن قام بهذا الجرم.

    وعلنية الكتابة هي أوسع شمولاً نظراً لاتساع أساليبها وصورها ومدى تأثيرها على الجمهور، فهي تشمل الرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير، إذا ما عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو عرضت للبيع أو بيعت أو وزعت على شخص أو أكثر.

    وهذا النوع من الأفعال يشمل عرض الكتابة لمن يستطيع أن يراها بدون اشتراط عدد معين أو تمييز بين الجمهور وهذه الحالة تفترض عرضاً فعلياً للأنظار.

    ويشمل أيضاً بيع هذه الكتابة وفق مفهوم البيع القانوني الوارد في أحكام القانون المدني ، وبذلك يفترض بالبائع – الجاني – أن يسلم لأحد الجمهور المبيع – الكتابة المحتوية على واقعة الذم – كالتزام مفروض عليه بموجب الأحكام الناظمة للبيع، وبطريقة البيع هذه تتحقق العلنية.

    والتوزيع يحقق العلنية في مفهومه لمن يرغب من الجمهور بغير تمييز أيضاً، وهو يعني تسليم المادة الكتابية ونقل حيازتها إلى عدد من الأشخاص يفترض اطلاعهم على هذه المادة بما يحقق العلنية بهذه العملية .

    *حالة الذم المنصوص عليها في المواد 568 – 569 – 571 – 572، وهي المواد التي تعالج وقوع فعل الذم على أشخاص عاديين، فقد تضمنت الفقرة الثانية من المادة 568 ما مفاده أن الذم يمكن أن يقع بدون علنية وبالتالي فالعقوبة تختلف عن الذم الواقع علنية، ويقضي عندئذ بالغرامة فقط إذا لم يحصل جرم الذم علنية.

    وهذا الفعل لا يختلف عن سابقه الواقع علنية من حيث الركن المادي والأفعال والوقائع المسندة إلا بأنه يمكن حصوله بدون العلنية فيه.

    2-الركن المعنوي للذم :

    يتوجب توفر النية الجرمية لدى الفاعل، ويتعين عليه أن يعلم أن ما يسنده م وقائع للمجني عليه تمس شرفه أو كرامته، ويعلم أيضاً أن هذه الوقائع المسندة أو المنسوبة تستوجب معاقبة القانون عليها، والعلم بهذه الواقعة المعاقب عليها لا يتطلب العلم بنصوص قوانين العقوبات التي تستمد منها الواقعة هذه الصفة الجرمية، وإنما يكفي مجرد العلم أن هذه الواقعة تنطوي على مساس بحقوق أساسية للأفراد والمجتمع وتشكل جرائم معاقب عنها، ومن البداهة أن يعلمها الجاني وعلى جهة الإدعاء عبئ إثبات توفر القصد الجرمي لدى الفاعل، وإبراز كافة عناصر هذا الجرم من خلال وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها يستوجب على محكمة الموضوع عبؤه.

    *الذم المعاقب عليه بأحكام المادة 376 من قانون العقوبات :

    لا يختلف شرح هذه الجريمة وأركانها سوى أن هناك ظرفاً مشدداً لناحية العقوبة لأسباب واعتبارات أوردها المشرع منه صفة المجني عليه، ومنها أيضاً علاقة السببية ما بين وقوع فعل الذم من جهة وصلته بالوظيفة العامة من جهة أخرى.

    -فالذم الواقع على رئيس الدولة هو جريمة جنحوية الوصف وعقوبتها الحبس من سنة إلى ثلاثة سنوات والذم هنا قد يتناول حياة الرئيس الخاصة بصفته الإنسانية وقد يتناولها بصفتها العامة كمنصب سياسي وظيفي. وهذه المادة تحمي مركز رئيس الدولة وشخصيته من أن تنالها الألفاظ غير اللائقة نظراً لما يمثل ويجسد الدولة بكل معانيها، وهذه المادة أيضاً تضفي الاحترام الواجب له ولسلطته في إدارة البلاد.

    هذا مع ملاحظة أن منصب رئيس الدولة له حصانته المستمدة من صفته ومنصبه، والتي لا يجوز تناولها بما يسيء إليه شخصياً أو بمنصبه الرسمي.

    -والذم الواقع على موظف رسمي عام معاقب عليه بنص المادة 376 عقوبات عام وهو يفرق ما بين حالتين بالنسبة للعقاب وصفته ووظيفة الموظف.

    -فالموظف العادي الذي لا يمارس السلطة العامة تكون العقوبة المقررة لوقوع الذم عليه بالحبس حتى ثلاثة أشهر أ والغرامة مائة ليره يورية وهي عقوبة جنحوية الوصف.

    وهذا النص يتناول حماية شخص الموظف العام الذي يقوم بوظيفة عامة تجاه الجمهور، مع ما يلاقيه عمله من عقبات وصعوبات قد تنتج أموراً وإشكالات تؤثر على سير عمله ووظيفته، لذلك حماه المشرع بنص هذه المادة التي تشترط أيضاً أن يكون الشخص موظفاً وأن يكون فعل الذم واقع عليه بسبب ناشئ عن وظيفته أو أثناء ممارسته هذه الوظيفة.

    وهذا النص يفرق عملياً بين حياة وتصرفات الموظف الشخصية أو الحياتية، وتصرفاته أثناء عمله التي يحميها نص المادة سابقة الذكر، دون حياته وتصرفاته الشخصية التي لا علاقة لها بعمله.

    -والموظف الذي يمارس السلطة العامة تشدد العقوبة بحيث تصلإلىالحبس سنة وفق نص المادة 376 من قانون العقوبات العام.

    وفي معرض التفريق وبيان الاختلاف ما بين الموظف الذي يمارس السلطة العامة، والموظف الذي لا يمارسها.

    فقد ورد في اجتهاد ما يلي :

    ” إذا كان عمل الموظف مقتصراً على تنفيذ ما يلقى إليه من الأوامر فهو موظف بالمعنى المطلق، ولا يستطيع أن يمارس السلطة، ولا أن يصدر أمراً واجب التنفيذ كأفراد الشرطة وموظفي الدواوين ومثالهم، وإن شرطي المرور لا يعد ممارساً السلطة العامة، فالتحقير الموجه إليه ينطبق على أحكام الفقرة 1 من المادة 373 من قانون العقوبات.

    أما التحقير الموجه إلى موظف يمارس السلطة، كالمحافظ وأمين العاصمة وأمثالهما، فيكون منطبقاً على أحكام الفقرة 2 من المادة المذكورة”

    وبشكل عام فإن هذا الجرم المرتكب ورد تشديد العقاب عليه بسبب تتطلبه المصلحة العامة في أن تكفل للموظف الطمأنينة في عمله، وإبعاد كافة ما يعوق عمله من مؤثرات، وبالتالي تجعله في مأمن وهو يقوم بوظيفته بأحسن وأتم أداء.

    -والذم الواقع على المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة، معاقب عليه بعقوبة جنحية هي الحبس سنة.

    وبمثل ما يقتضيه القانون من حماية الأفراد العاديين والأشخاص الاعتبارية، فإنه يقوم بحماية كافة إدارات ومنشآت الدولة العامة وهيئاتها إضافة للجيش الوطني والمحاكم.

    وهذه الحماية لا تتناول شخصاً ما منتسب ومنتمي إلى إحدى هذه الجهات وإنما هو حماية لهذه الهيئة ذات الشخصية الاعتبارية المستقلة عن شخصية أفرادها.

    فالمحاكم هي الجهات المعنية بتطبيق العدالة وممارستها فلا يجوز النيل منها والتأثير عليها.

    والجيش هو مجموع القوى والأسلحة والمنشآت والثكنات والوحدات وهو يحمي الوطن عند وجود خطر ويمثل هيبة الدولة وسياجها المتين فلا يجوز توجيه إليه أحد ألفاظ الذم لما يجسد من هذه المعان وما يقوم به من مهام.

    والإدارات والهيئات المنظمة كلها وسائل من مفردات قيام الدولة وأسسها وبنيانها فلا يجوز التطاول عليها والنيل منها.

    الفصل الثالث

    جريمة القدح

    تعريفها :

    عرفت الفقرة الثانية من المادة 375 من قانون العقوبات القدح بأنه:

    2-“وكل لفظة ازدراء أو سباب أو تعبير أو رسم يشفان عن التحقير يعد قدحاً إذا لم ينطو على نسبة أنة ما. وذلك دون التعرض لأحكام المادة 373 التي تتضمن تعريف التحقير”

    والقدح هو اعتداء على اعتبار وكرامة وشرف الشخص بدون إسناد فعل أو واقعة معينة له.

    وقد نظم المشرع أحكامه وعاقب عليه نظراً لما ينطوي على هذا الفعل من ضرر مادي ومعنوي للمجني عليه وإيلام لنفسه وكرامته واعتباره.

    والقدح من حيث النتيجة مثل الذم فيه إخلال بشرف وكرامة المجني عليه لدى طائفة من الناس ويؤدي إلى اختلال الثقة بالمجني عليه من قبل من يتعامل معه، وقد يفضي إلى تبادل الاعتداء بين طرفي الجرم.

    أركان هذه الجريمة :

    1-الركن المادي :

    يقوم هذا الركن على نشاط يبديه الفاعل تجاه المجني عليه وهو كل ما من شأنه الحط من قيمة وكرامة الغير بالألفاظ أو السباب أو التعبير بدون أن يتضمن هذا النشاط إسناد واقعة محددة إلى شخص المجني عليه، ويجب أن يوجه هذا النشاط إلى شرفه واعتباره، ويتبدى ذلك بأنه تعبير يبديه الجاني بأية وسيلة سواء بالكتابة أو الكلام أو الإشارة، فالكتابة تستوي إذا كانت مطبوعة أو بخط اليد ويمكن أن تكون برموز وصور وأشكال، وقد تكون صريحة أو ضمنية، مباشرة أو غير مباشرة، وبكافة ما قد تم شرحه من أمور وشكليات متعلقة بالذم تنطبق على القدح.

    والقدح يتم بدون إسناد عيب معين للمجني عليه كأن يقال، إنه شخص بعيد عن الفضيلة والأخلاق.

    ويقوم الركن المادي بالقدح إذا تمنى الفاعل للمجني عليه أساليب الشر بدون تحديد، كأن يتمنى موته أو هلاكه.

    وأخذ المشرع المصري أبعد من ذلك فاعتبر ( الغزل ) صورة من صور القدح، إذ أن توجيه عبارات الغزل إلى أنثى هو قدح لها. سواء أكانت عباراته من قبيل الإطراء والتحبب أم كان فيها حث على سلوك فعل يخدش حياءها وشرها. وقد علل المشرع ذلك، لأن الغزل يعني تقبل الأنثى إطراء محاسنها ومفاتنها من أي شخص كان، وهو سلوك بحد ذاته ينافي سلوك الأنثى الشريفة التي لا تتقبل مثل هذا الابتذال

    ويتعين على القضاء إبراز هذه العبارات والدلالات لإبراز الركن المادي وقيامه في هذا الجرم دلالة واضحة.

    وفيما يتعلق بشخص من وقع عليه الفعل وهو المجني عليه فلم يفترض القانون تعيينه تعييناً تفصيلياً أو دقيقاً وإنما يكفي أن يكون هذا التحديد ما يمكن فئة من الناس التعرف عليه بدون لبس أو غموض من خلال الوقائع والأوصاف والألفاظ المسندة للمجني عليه، ويقع على قاضي الموضوع تحديد هذا المعيار ومدى توفره من خلال ظروف وملابسات كل دعوى على حده.

    2-وقوع الفعل علنية :

    العلنية شرط لازم لبعض حالات القدح أي أنها ركن لانعقادها، وهي شرط غير لازم في حالات أخرى، وسنبين هذه الحالات بما هو آتٍ:

    *-القـدح المنصوص عليه بالمادة 378 مـن قانـون العقوبات العـام، الواردة تحـت عنـوان ( الجرائم الواقعة على السلطة العامة ) أي الواقعة على شخصية أو هيئة اعتبارية.

    فالقدح بهذه المادة يتناول عدة حالات لا تقوم إلا علنية، ووسائل العلنية سبق الإشارة إليها في أحكام المادة 208 عقوبات عام التي وردت حالات العلنية فيها على سبيل المثال دون الحصر.

    وما استفضنا فيه من شروح تتعلق ببحث الذم ينطبق على هذه الحالة من أحكام ووقائع.

    *-القدح المنصوص عليه أحكام المادة 570 من قانون العقوبات العام، وهو القدح الذي يقع على أفراد عاديين ولا يستلزم شرط العلنية فيه، وقد سبق الإشارة إليه في بحث الذم.

    2-الركن المعنوي للقدح:

    يعتبر هذا الجرم من الجرائم العمدية فهو لا يقوم إلا بتوفر القصد الجرمي لدى الفاعل والقصد هنا قصد عام يندرج تحته عنصري العلم والإرادة فأما العلم فهو ثبوت علم الجاني أن ما يبديه من نشاط يحتوي ألفاظاً وعبارات وصور ورموز وكلمات وإشارات فيه مساس بكرامة وحياء وسمعة المجني عليه، ويقوم هذا العنصر متى ثبتت أن العبارات شائنة في حد ذاتها، وأما الإرادة فهي نية الفاعل وتوجهها إلى إحداث هذه الأفعال بالوسائل المشار إليها سابقاً.

    *-القدح المنصوص عليه بأحكام المادة 378 من قانون العقوبات العام: تستوجب هذه المادة ظرفاً مشدداً للعقاب، وهي تقع بمثل ما بيناه من أحكام أخرى سبق شرحها، والاختلاف كما اشرنا هو في حكم التشديد بسبب صفة المجني عليه، وعلاقة السببية ما بين وقوع فعل القدح من جهة وصلته بالوظيفة العامة من جهة أخرى.

    -فالقدح الواقع على رئيس الدولة عقوبته الحبس م شهر إلى سنة.

    -والقدح الواقع على المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة عقوبته الحبس حتى ستة أشهر.

    -والقدح الواقع على موظف ممن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته عقوبته الحبس حتى ستة أشهر.

    -والقدح الواقع على موظف ممن لا يمارسون السلطة العامة عقوبته الغرامة من خمس وعشرين إلى مائة ليرة سورية أو الحبس التكديري.

    وقد سبق شرح هذه الأحكام في بحث الذم، وبينا الفرق بين الموظف الذي يمارس سلطة عامة، والموظف الذي لا يمارس سلطة عامة، فيقتضي الرجوع إليها.

    الفصل الرابع

    الفرق بين الذم والقدح

    من يقوم بفعل الذم يسند إلى شخص المذموم واقعة معينة وينسب إليه أمراً محدداً ينال من شرفه أو كرامته، كمثل من عزا إلى أحد الناس فعل سرقة مال ما، أما القدح فيجوز بكل ما من شأنه المساس بقيمة الإنسان أو يحط من اعتباره عند غيره دون إسناد عيب معين إليه أو نسبة واقعة محددة، فمن يصف آخر بأنه محتال أو لص يعتبر فعله قدحاً لا ذماً، والفرق واضح فمن يذم فهو يعبر في ذمه عن أمر يعرفه أو يزعم معرفته عن الغير عن أمر يمكن أن يرجع إلى دائرة المعرفة في نفسه سواء أكانت هذه المعرفة مطابقة للحقيقة أم لا، أما من يقدح فهو يعبر عن شعوره تجاه هذا الغير بالحقد والبغض والازدراء.

    وهذان الوصفان للذم والقدح يتحققان بكل صيغة كلامية أو كتابية سواء وردت على سبيل التوكيد في الإسناد، أو رواية من الغير، أو بصورة تشكيكية أو بصيغة الاستفهام، ومن شأنها أن تعلق أذهان الناس بها ولو بشكل وقتي.

    ويستوي في الذم أو القدح أن يصرح الفاعل على أنه متحقق من أفعال الذم أ والقدح التي ينسبها إلى شخص بالذات وعالم به، أو أن يصرح به نقلاً عن الغير، أو يردده على سبيل الإشاعة.

    والقدح أو الذم يمكن أن يقع صراحة أو تلميحاً أو تعريضاً أو تورية أو تهكماً .

    وأخيراً فمتى كان يُفهم من العبارات أنها وُضعت للنيل من شخص ما، فإن هذا الفعل يكون معاقباً عليه

    الفصل الخامس

    في أسباب الإباحة

    هناك حالات تتعلق بجرائم النشر والمطبوعات والصحف ترد فيها أسباب الإباحة وبالتالي عند تحققها تعفي وتمنع من المسؤولية الجزائية بصدد هذه الجرائم.

    وسنعالج بعض هذه الحالات ومنها:

    أولاً : حق النقد :

    يعتبر حق النقد من الأمور المباحة المنصوص عليها بأحكام الدستور، فالنقد يحقق وسائل معينة للمجتمع، فهو يحقق المصلحة العامة فيه ووسيلة لتطوره من خلال الكشف عن الأخطاء والعيوب القائمة. والنقد يقع أحياناً على تصرفات بعض الأشخاص الذين يقومون بأعباء الوظيفة أو السلطة العامة.

    والتفرقة بين الشخص وبين تصرفاته هي التي تعين دائرة ومجال النقد، فالقانون لا يحمي التصرفات، ولذلك فإن النقد لا يكون مباحاً إلا إذا كان بحسن نية أي خالياً من قصد التحقير أو التشهير.

    والنقد هو تعليق على تصرف وقع فعلاً، أو هو حكم على واقعة ثابتة أو مسلمة أو لم يقع عليها الإنكار.

    وفي تعريف آخر، هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته، فإذا تجاوز النقد هذا الحد،وجب العقاب عليه باعتباره مرتكباً لجريمة قدح أو ذم إهانة على حسب الأحوال.

    وهناك حالات يعتبر فيها هذا الحق جائزاً ومباحاً ولا يثير أية شبهة فيه، فقد يتناول فكرة معينة أو مذهباً من المذاهب، فإذا ما وقع النقد على هذه الفكرة أو المذهب حصراً واقتصر عليه بدون أن يتعرض لأشخاص أو أفراد تبنوا هذا المذهب أو الفكر وارتبطوا به فالإباحة متوفرة لأن شخصية هؤلاء لم يطالها النقد ولم تكن محل بحث إطلاقاً.

    كما يكون النقد مباحاً إذا تناول تصرفاً لأحد الأشخاص واقتصر عليه دون شخصية من ينسب إليه هذا التصرف، ووضع حكماً يشمل نوعاً من التصرفات.

    والنقد يتناول مجالات عديدة ومتنوعة، فقد يكون نقداً سياسياً، يسمح نظام الإدارة في البلد به وخاصة بوجود نظام سياسي قائم على التعددية الحزبية، والنقد التاريخي فهو يتناول شخصيات لها دور تاريخي، كما يتناول النقد المجال العلمي أو الأدبي أو المهني.

    شروط النقد المباح :

    هناك شروط إذا توفرت في الأسلوب النقدي اعتبر النقد مباحاً وغير معاقب عليه ولا يرتب أية مسؤولية جزائية وهي:

    1-الواقعة الثابتة والمعتقد بصحتها:

    ابعتبار أن النقد هو حكم على واقعة ثابتة وغير مذكرة، فليس من النقد المباح أن يعمد الفاعل إلى تزييف الحقيقة أو تشويهها، لأن وظيفة النقد أصلاً هي تحقيق المصلحة العامة، فاختراع واقعة مزيفة ثم التعليق عليها لا يعتبر من النقد المباح، وهو يستوجب المسؤولية عليه وليس من النقد أيضاً إنشاء أو إعلان واقعة لا يجيز القانون إنشاءها أو إعلانها مطلقاً أو لا يجيز القانون إفشاءها أو إعلانها إلا إذا كانت متعلقة بطائفة معينة من الناس وكانت صحيحة. لأن من يكشف لناس واقعة أو أمر تشين صاحبها، فهو لا يكون ناقداً بما تحويه هذه الكلمة، وكشف المستور مما لا يعلمه الناس من وقائع تمس كرامة وسمعة أحد الأشخاص لا يمكن أن يكون مباحاً على الإطلاق، ولا يمكن أن يكون موضع حق لكل إنسان أن يتناوله.

    أما عبارة الواقعة المعتقد بصحتها، فتحقق عندما يذكر الفاعل واقعة غير صحيحة، أو يذكر تعليقاً أو رأياً عليها غير دقيق، فإذا ما ثبت أنه كان يعتقد بصحة هذه الواقعة أو صحة الرأي الذي أبداه، وكن في عرضه للواقعة وإبدائه للرأي، نتيجة ما قام به من تحري للأمور، فإن فعله مباحا، لأنه لا يطلب من الفاعل أن يضمن بصورة مطلقة صحة ما ذكر من وقائع أو آراء. لأنه لو طبق عليه هذا الأمر لكان من المستحيل عليه أن يذكر واقعة لا يراودها الشك في صحتها.

    وإنما يتطلب القانون منه فقط بذل ما يطلب منه من سعة، في ما قام به من دراسة وتقصي عن هذه الواقعة وكانت هذه الفكرة أو الرأي نتيجة جهد عقلي وفكري بذله الشخص فأبداه بحسن نية.

    وهذه التقديرات في بذل الجهد والتقصي والبحث وإعمال الفكر المطلوب تعود إلى قاضي الموضوع الناظر بالدعوى.

    وهذا النطاق الواجب تطلبه في البحث والتقصي والدراسة وبذل الجهد هو نسبي يختلف من واقعة لأخرى ومن شخص لأخر.

    2-الرأي والتعليق :

    يعتبر النقد من قبيل الرأي أو التعليق المستند إلى واقعة ثابتة، وهذا الرأي في غير صالح المنقود وحق النقد يخول الناقد إبداء رأيه في تصرف الشخص الذي ينقده، فيعيب التصرف.

    فيجب أن يتصل الرأي دائماً بالواقعة التي يستند إليها وملازماً لها، لتكون الواقعة من الرأي بمثابة الأسباب من الحكم تشهد بصحته أو خطئه، فإذا ذكر الرأي بدون ذكر الواقعة المقررة التي تسنده فلا يعتبر عندئذ نقداً.

    وخطأ الرأي لا يخرج به الناقد من دائرة الإباحة، ولا يحق للقاضي محاسبة الفاعل على أساس رأيه هو في الموضوع، الذي عالج المتهم الكتابة فيه أو التعليق عليه، إنما المهم هو اعتقاد الناقد صحة ما يرى وعدم تجاوزه فيما يقول فيه أو يكتب عنه دائرة وحدود المعقول المنتظر من مثله في مثل ظروفه.

    3-الواقعة أو الموضوع يهم الجمهور:

    وكما ذكرنا فالنقد يؤدي دوراً اجتماعياً هاماً لدى الجمهور أو في المجتمع فيجب أن يكون الموضوع أو الواقعة الذي يعالجه الناقد يهم الجمهور ويتعرف على قيمتها، فإذا كان لا شأن ولا علاقة للجمهور به أو لا يفيدهم فلا يجوز الخوض به علناً بحجة النقد إذا كان مؤذياً، إذ لا يستفيد الجمهور والمجتمع ما يتناوله النقد من حياة الشخص الخاصة، والذي يحرص القانون على صون هذه الحرية والحياة الخاصة للأفراد.

    وقد تهم الواقعة عدداً معنياً من الجمهور، ولو لم تتصل بالمصلحة العامة اتصالاً مباشراً، وإنما يكفي أن تنعكس آثارها على عدد غير محدود من الجمهور فيحق لكل شخص أن يتناولها بالنقد والتعليق والرأي مثل عمل أرباب المهن كالأطباء والمحامين ورجال الدين والعلماء والمهندسين والتجار، وأمثال هؤلاء يهم الجمهور، بحكم حاجة الجمهور إليهم وبحكم أن هؤلاء يعرضون أعمالهم، فيجوز نقد تصرفات معينة لهؤلاء ونقد سلوكهم أو خلقهم من خلال هذه التصرفات الثابتة، بحسن نية وبقصد تحقيق المصلحة العامة.

    والنقد الموجه إلى أمثال هؤلاء إذا وقف عند حد إنكار المزايا أو المواهب، فلا مسؤولية عليه، ولكنه إذا نفى عنهم صفة أو أكثر من الصفات الأساسية لمباشرة الحرفة أو المهنة، فيخرج عن نطاق النقد المباح لمساسه بالاعتبارات المهنية.

    وكل ما يمس المصلحة العامة يهم الجمهور، فيصح أن يكون موضوعاً لاستعمال حق النقد كل ما يتعلق بالدولة والحكومة والمصالح العامة، والشؤون الإدارية والمالية والاقتصادية والاجتماعية، وكل ما يتعلق بالعلوم والآداب والفنون والمعارف.

    هذا وإن الاعتبار السياسي للشخص مباح للمناقشة والبحث والشك، لن هذا الاعتبار وإن كان حقاً لصاحبه، إلا أن طبيعة النظام الديمقراطي بهذا المجال، تجعل من المستحيل حماية الاعتبار السياسي بجزاء جزائي عقابي، لأنه لو فرضت هذه الحماية لتعطلت نظم الحكم الديمقراطي التي يقتضي سيرها الطبيعي ممارسة هذا الحق.

    وخلاصة القول في هذا المجال : إن كل ما يدخل ميدان السياسة ومن يدخل فيها يجب أن يكون محل المراقبة والمراجعة والنقد والانتقاد، إذ المصالح التي تزدحم في هذا الميدان من الأهمية والخطورة بحيث لا يمكن السهر عليها وإعطاءها حقها من الحماية والالتفات،مع تقييد حرية الألسنة والأقلام.

    بعض أنواع النقد :

    1-النقد في الحملات الانتخابية:

    يعتبر نقد المرشحين للانتخاب من ثمرات النظام الديمقراطي، فالانتخابات هي الفرصة الكبرى التي يتيحها هذا النظام للمناقشة العامة في الأشياء والأشخاص وما يهم المجتمع.

    أما النقد المعاقب عليه بهذا المجال فهو ما يقع على أحد المرشحين بقصد التأثير في عمليات الانتخاب ويكون ذلك بكذب يتناوله الفاعل على أشخاص هؤلاء، فيجب توفر القصد الخاص لدى الفاعل في هذه الحالة وهي أن يعتمد الكذب لتحقيق نتيجة معينة هي التأثير في نتائج الانتخابات.

    ولكي تُطبق هذه الحالة يجب أن يكون من وقع عليه الفعل مرشحاً.

    2-النقد الأدبي والعلمي:

    ويوجه هذا النقد إلى مختلف الآداب والعلوم وهذا المجال واسع جداً وتبدو حرية الناقد هنا غير محددة ما دام يبتغي تحقيق المصلحة العامة وبشرط ألا يمتد هذا النقد إلى خلق صاحب الفن الأدبي أو العلمي فيما لا صلة له بهذا الفن.

    3-النقد التاريخي:

    الشخصيات التي يتناولها التاريخ منها الأحياء ومنها الأموات، فإذا ما تناولت الأحياء قيدت حرية المؤرخ أو الناقد بمراعاة حق هؤلاء الذين مثلوا أدوارهم في تلك الحوادث ي أن يصان اعتبارهم الشخصي والمهني وشرفهم.

    أما الوقائع والأحداث المتعلقة بأموات، فحرية المؤرخ أو الناقد واسعة. ولكن إن كان ماضي الميت وإن كان ملكاً للتاريخ، إلا أنه لا يجوز أن يكون نهباً للافتراء، أما الوقائع الصحيحة فهي من حق التاريخ الذي ينبغي ألا يحرسه موت الميت.

    ولكن هناك من يرى أن حق نشر الوقائع الصحيحة المتعلقة بالمتوفى ليست مطلقة لأن هناك من ماضيهم لا يمكن أن يدخل في نطاق وحيازة التاريخ.

    4-العبارة الملائمة :

    يتوجب لكي يكون الكلام نقداً مباحاً أن يصاغ في صيغة ملائمة للموضع والغرض مع مراعاة قدر من التناسب المعقول، فلا يجوز أن يختفي تحت ستار النقد ألفاظ وعبارات فيها الشتائم أو التجريح أو التشهير، …. ومعيار الصيغة أو العبارة الملائمة هو ثبوت مرونتها لتعبير الناقد عن فكرته أو رأيه أو شعوره بحيث أنه لو استعمل غير هذه الألفاظ أو العبارات لكانت فكرته غامضة وغير معبرة وفق ما يريد منها، أولاً تحظى بتأثير أو قبول أو إقناع.

    لذلك يجب إيجاد حالة من التناسب بين الألفاظ والعبارات من حيث ما تحويه من معانٍ، وبين الواقعة أو الفكرة موضوع النقد.

    فإذا كانت عبارة النقد شديدة أو عنيفة لا تسندها الوقائع، أو تسندها وقائع غير ثابتة، فإن تعرض صاحبها للمسؤولية الجزائية أو المدنية حسب ظروف القضية.

    ويقع على عاتق قاضي الموضوع مدى تقدير حالة التناسب أو الضرورة ما بين العبارة والواقعة، فلا يجوز وضع قاعدة عامة لهذا الموضوع.

    5-حسن النية لدى الناقد:

    إن سند الإباحة في النقد هو حسن النية لدى الفاعل،إذا ما نظرنا إلى الوظيفة والمهمة التي يؤديها بحسن نية، فهو يمكن المواطنين من إعلان ما يعتقدون أنه الخير أو الصح فيما يهم الجمهور أو يعرض عليهم من أمور. وحسن النية يتألف من أمرين، أولهما: خدمة الصواب والصح، والنقد إذا اتبعت أصوله وتوفرت شروطه، كان بحد ذاته يؤلف خدمة عامة للجمهور، وإنما ينتفي هذا العنصر أن يكون مدعي النقد قد اتخذه وسيلة لخدمة باعث شخصي صرف كالانتقام أو التشفي أو التشهير أو الابتزاز.

    والعنصر الثاني هو اعتقاد الناقد صحة الرأي الذي يبديه، لا صحة الواقعة التي يؤسس عليها هذا الرأي،فيجب أن تكون الواقعة ثابتة.

    وإذا ما تخلف أحد هذين العنصرين لا يمكن القول بوجود النقد المباح، وتقوم المسؤولية بناءً على ذلك.

    الأصل في كل ناقد توفر حسن النية لديه وهذا يفترض على من يدعي سوء النية في النقد إثبات هذا القصد.

    ويتضح سوء النية من علم الشخص بكذب الواقعة التي يقيم عليها نقده المزعوم، كما قد يتضح من عنف العبارات عنفاً غير معقول، ومن عدم تناسب شدتها مع الموضوع أو الواقعة التي يجري عليها التعليق أو النقد، كما ويستفاد القصد السيئ من كل قرينة أخرى أو ظرف ظاهر يدل عليه كمحاولة الناقد الحصول على مال أو منافع مادية ممن ينتقد وقبيل نشر نقده، مبتزاً إياه. أو وجود عداوات مستحكمة شخصية بين الناقد ومن وقع عليه النقد.

    ثانياً : حق نشر الأخبار:

    ما تؤديه الصحافة من دور كبير ف إعلام الأفراد بما يدور في المجتمع، فقد أباح المشرع في حالات معينة نشر الأخبار عن طريق الصحف والجرائد والمجلات والمطبوعات وغيرها، خاصة إذا كان ما تنشره يحمل الصفة الرسمية كالبيان الرسمي أو البلاغ أو الحكم القضائي ولو فضحت هذه المادة المنشورة أمراً شائناً لشخص ما، فلا تقوم جريمة فيما ينشر بشكل يطابق القانون وخاصة ما تقوم به الجريدة من نشر يكون ملزماً لها ويقع في نطاق أداء الواجب المفروض عليها قانوناً.

    وبناء على ما تقدم فإنه يجب توفر الشروط التالية ليعتبر نشر الأخبار مباحاً وهي:

    1-صحة الخبر:

    وهذه الصحة المطلوبة في الخبر المنشور تفيد المجتمع بكامله،إذ لو كان الخبر غير صحيح لتضرر المجتمع منه وفقد الغاية التي نشر من أجلها، وتتعدى صحة الخبر إلى صحة الواقعة التي يتضمنها بحد ذاتها، وصحيحة فيمن نسبت إليه، ويجب لهذه الواقعة أن تحقق مصلحة اجتماعية، ويخرج من نطاق ذلك نشر وقائع وأحداث تمس حياة البشر الخاصة لا تفيد المجتمع بأي شيء.

    2-موضوعية العرض:

    يقتضي هذا الشرط من كاتب أو ناشر الخبر أن يلتزم الموضوعية في الخبر فلا يدخل عليه أي كذب أو مبالغة أو يستعمل عبارات توحي للجمهور بأمور خلاف ما يتضمنه هذا الخبر وينعكس على فهمهم له بشكله الصحيح، مما يفقد نشر الخبر الغاية الاجتماعية من نشره.

    3-توفر حسن النية لدى الناشر:

    أي قيامة بالنشر أو الكتابة للخبر بما يحقق غايته وهدفه الاجتماعي ولا يكون يقصد الانتقام أو التشهير أو التشفي أي يجب ألا يقتصر النشر للخبر على تحقيق غايات وأهداف شخصية لدى الفاعل.

    ثالثاً: الذم الواقع على موظف المتعلق بالعمل الوظيفي وثبوت صحته:

    يعالج نص المادة 377 من قانون العقوبات حالة الإباحة في الذم الواقع على موظف، وكان موضوع الذم عملاً ذا علاقة بالوظيفة مع ثبوت صحته، ونص هذه المادة هو:

    “في ما خلا الذم الواقع على رئيس الدولة، يبرأ الظنين إذا كان موضوع الذم عملاً ذا علاقة بالوظيفة وثبتت صحته”.

    يستند هذا المبدأ في إباحة الذم بهذه الحالة على مبدأ وحماية الحق، فالفعل الذي يعاقب عليه القانون ويعتبره جرماً، يعتبره في الوقت نفسه قد صان حقاً آخر يرتفع ويسمو في قيمته الاجتماعية على الحق الذي أهدره، وبذلك يعتبر أنه الأولى بالراية والحفظ .

    فالموظف العام المكلف بالقيام بخدمة عامة يقوم بأعمال ذات صفة وأهمية اجتماعية كبيرة يؤديها للجمهور، ومن المصلحة الحقيقية أن تؤدي هذه الخدمة بوجهها الصحيح، فلا بد من إباحة ما يقع من كشف للأخطاء والأساليب المتبعة لتحقيق هذه الخدمة، لينبه الدولة إلى تفادي أخطاء وأخطار محتملة تنعكس على المجتمع، ولتمارس حقها في تأديب الموظف المسؤول عن الأفعال المخلة بالمصلحة أو الخدمة التي يؤديها، ويأتي رجحان تحقيق المصلحة الاجتماعية أهم من شرف واعتبار الموظف المخل بعمله خاصة وأن القيمة الاجتماعية لشرفه هبطت نتيجة قيامه بفعله المخل بالمصلحة العامة.

    ويمكن إرجاع الإباحة في نص المادة المذكور إلى شروط يجب تحققها فيها وهي:

    1-الصفة الوظيفية لمن وقع عليه الفعل:

    فيجب لمن وقع عليه فعل الذم أ ن يكون موظفاً عاماً، ولم يفرق المشرع بهذه الحالة بين الموظف الذي يمارس السلطة العامة، والموظف العادي الذي لا يمارسها، فأعطى نفس الحكم للاثنين. وإذا ما انتفت هذه الصفة الوظيفية لدى المجني عليه امتنع تطبيق نص هذه المادة بالإباحة المقررة للفاعل لانتفاء ركن أساسي من أركان الإباحة وفي معرض قيامه بها.

    2-وجود علاقة ما بين الذم الحاصل والعمل الوظيفي:

    وهذا الشرط يقضي بألا يتعدى الذم حدود أعمال الموظف التي لها علاقة بوظيفته، لأن للموظف أعمال غير متصلة بالوظيفة ولا علاقة لها بها، فلا تطالها أسباب الإباحة للذم الواقع عليها لأنه يعتبر عندئذ فرد عادي وليس موظفاً عاماً.

    التفريق بين شؤون وحياة الموظف الخاصة، وبين شؤون وأعمال وظيفته، قد يجد صعوبة بسبب ما تقوم بينهما من صلة أحياناً، فيجوز الذم بما يتناول هذا الجزء المشترك الذي يتعلق بأعمال الوظيفة ويقع على عاتق القضاء مهمة استخلاص واستنتاج وتقدير هذه الصلة ومداها.

    وتمتد أيضاً علة الإباحة بالذم على ما يقع من أفعال وأعمال تتعلق بوظيفته حتى ولو كانت خارج عمله ووظيفته.

    3-ثبوت وقائع الذم المسندة بحق الموظف:

    وهذا الإباحة في إثبات هذه الوقائع تعتبر استثناء من النصوص والمواد المتعلقة بالذم والقدح، وهذا الاشتراط في جواز إثبات الوقائع ما هو إلا تسهيل للسلطات في تحققها من قيام الموظف بواجبه أم لا وبالتالي تمارس رقابتها ودورها في تصحيح الأخطاء.⚖

    ويترتب على هذا المبدأ أن يقوم المدعي عليه الجاني بتقديم أدلة الإثبات إلى المحكمة المتوفرة لديه وعليه عبئ الإثبات، علماً أن إثبات وقائع الذم بهذه الحال جائز بكل وسائل الإثبات باعتبارها من الوقائع المادية.

    4-توافر حسن النية لدى الفاعل:

    فهو يقوم بهذا الفعل استناداً لمبدأ حسن النية لديه أي اعتقاده بصحة ما ينسبه من وقائع لهذا الموظف، مع قصده تحقيق المصلحة الاجتماعية العامة، من وراء فعله، دون قصد التشهير.

    ويستند مبدأ حسن النية لدى الفاعل على ما يبيحه القانون له في إعطائه الحق برقابة عمل الموظف وبيان الخلل والأخطاء فيه، والتنبيه إليه، وهو بذلك يحقق الغاية التي من أجلها أباح المشرع هذا الفعل.

    رابعاً : تأدية الشهادة في مجلس القضاء:

    هذا الواجب نص عليه المشرع وجعله سبباً من أسببا الإباحة معلناً أن الشاهد حينما يؤدي شهادته فيما إذا دُعي أمام القضاء فهو يُعين القضاء على استجلاء ووضوح بعض الأمور التي تساعد القضاء على معرفة الحقيقة والحكم من خلالها، فالشاهد يؤدي وظيفة اجتماعية تعود بالنفع العام على المجتمع وهذه الوظيفة المؤداة ترجح على مصلحة من تسند إليه الواقعة.

    أما الشروط المطلوب توفرها لإعمال سبب الإباحة فهي:

    1-تقرير صفة الشاهد:

    وذلك يعني أن يكون الشخص المباح له، قد كلف أداء الشهادة ودُعي عن طريق القضاء بصفة شاهد على واقعة ما. ولا فرق في القضاء أن يكون مدني أو جزائي أو إداري وبمختلف دوائره ودرجاته.

    2-التزام الشاهد عند أدائه الشهادة بحدود الواقعة المطلوب الشهادة عنها:

    وعدم الخروج عن الأهداف الاجتماعية التي يبتغيها في شهادته، فعليه الشهادة ضمن نطاق الدعوى وحدود الوقائع التي كلف الشهادة لأجلها ومن خلالها.

    3-توافر حسن النية لدى الشاهد:

    فإذا ما كان الشاهد يستعمل الحق الممنوح له بالإباحة فيجب توفر حسن النية لديه عند أدائه لهذا الحق، ويتجلى حسن النية في فهم الشاهد أن وظيفته من خلال شهادته هي معاونة القضاء على كشف الحقيقة، موضوع الإثبات بالشهادة.

    خامساً : حرية الدفاع والمرافعة أمام القضاء:

    تنص المادة 407 من قانون العقوبات العام على ما يلي:

    “لا تترتب أية دعوى ذم أو قدح على الخطب والكتابات التي تلفظ أو تبرز أمام المحاكم عن حسن نية، وفي حدود الدفاع القانوني”.

    هذه المادة تعتبر سبباً تبريرياً لما يبديه الخصم من مرافعات شفهية أو كتابية أمام القضاء فيما إذا تحقق فيها أحكام المادة 407 عقوبات.

    هذا وإن حق الدفاع، حق مقدس كفلته كافة دساتير العالم، وجعلت هذا الحق مصوناً في جميع مراحل الدعوى وأمام جميع المحاكم. ولا يمكن ممارسة هذا الحق إذا لم يكن كل طرف بالدعوى يشعر بكامل الحرية في دفاعه عن نفسه وعن حقوقه، وفي ذكر كل ما يؤدي دفاعه وبراءته أو ادعاءه تجاه ما هو موجه إليه بصورة عامة وتجاه حضوره في الدعوى.

    وهذه الإباحة وضعت للخصوم، منعاً من الخوف الذي من شأنه أن يضر بحقوقهم ويمنعهم كذلك من ذكر وقائع وأوصاف قد تكون نافعة لهم في دفاعهم عن أنفسهم ومؤيدة لأقوالهم، إذ أن وجود مثل هذا الخوف يؤدي إلى هدر الحقوق والتأثير على المجتمع الذي تتمثل مصالحه في حسن إقامة العدالة، وتمكين كل إنسان من الدفاع عن نفسه بصورة حرة.

    ونص المادة المذكورة مأخوذ من الفقرة الأخيرة من المادة 41 من قانون الصحافة الفرنسي.

    والدستور السوري كغيره أقر هذا المبدأ حينما ينص على ما يلي:

    ” حث التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون”.

    علماً أن هذه الحصانة تشمل الخصوم ومحاميهم والخبراء والشهود والقضاة.

    فالبعض قال بهذا الرأي معتبراً أن النص عام، والبعض الآخر يخالف هذا الرأي باعتبار أن النص لا يشملهم بلفظه.

    لكن الفقهاء متفقون على عدم معاقبة القضاة لأنهم يقومون بواجب أمر به القانون.

    وقضاة النيابة يعتبرون خصوم في الدعوى العامة، لذلك لا يسألون كالخصوم، لأنهم كالموظفين يقومون بأعباء واجب قانوني.

    ولكي نستطيع تطبيق نص المادة 407 عقوبات يجب توفر الشروط التالية:

    1-أن يكون القدح أو الذم صادراً عن نية حسنة، أي ألا يكون صاحبه قصد منه الإساءة للآخرين أو قصد تجريح الحقيقة، وهو أمر تستقل بتقديره المحكمة.

    2-أن يكون القدح أو الذم صادراً في حدود الدفاع القانوني، فإذا تعدى هذه الحدود، كان الفاعل مسؤولاً.

    3-أن يكون القدح أو الذم صادراً ضمن جلسة قانونية قائمة، فإذا لم تكن قد بدأت أو أن رئيس الجلسة رفعها للاستراحة أو التأجيل أو المذاكرة، ووجه أحد الخصوم كلاماً من نوع القدح أو الذم فإنه يعتبر مسؤولاً عن فعله ولا تطبق بحقه أحكام المادة 407 بالتالي فالمسؤولية الجزائية تطاله

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1