التصنيف: شرح قانون العقوبات

  • ماهو القصد العام والقصد الخاص في جرم القتل؟

    القصد العام والقصد الخاص في جرم القتل

    إن القصد الجرمي العام، الذي يتطلبه القانون في كافة الجرائم المقصودة، يستلزم لتوافره عنصري العلم والإرادة.

    والعلم يجب أن ينصب، كما أسلفنا، على أركان الجريمة.

    والإرادة يجب أن تتجه إلى ارتكاب الفعل الجرمي وإلى تحقيق النتيجة التي تترتب على هذا الفعل.

    أما القصد الجرمي الخاص، ففيه يتطلب المشرع، لقيام الركن المعنوي، في بعض الجرائم، إضافة لتوافر القصد العام بعنصرية، أن تتصرف نية الفاعل إلى تحقيق غرض معين أو باعث معين.

     والمبدأ أنه لا عبرة للباعث أو الدافع على ارتكاب الجريمة في قيام الركن المعنوي فيها.

    إلا أن القانون قد يعتبر هذا الباعث أو الدافع عنصرا من عناصر التجريم، حين يشترط توافره، كقصد جرمي خاص، بحيث تنتفي الجريمة بانتفاء هذا القصد الخاص، أو على الأقل يتبدل النموذج القانوني للجريمة من وصف إلى أخر.

     وبخصوص جرم القتل، وبيان ما إذا كان يكتفي فيه بالقصد العام أم يشترط توافر قصداً جرمیاً خاصاً، لابد من العودة إلى تعريف جرم القتل الذي هو إزهاق روح إنسان حي.

     فهذه الجريمة إذن لا تتحقق إلا إذا انصب العلم والإرادة على الفعل المكون للجريمة وعلى نتيجته، أي الوفاة.

     فعندما تتجه إرادة الجاني إلى إزهاق روح المجني عليه تقوم جريمة القتل، فإن مات المجني عليه اعتبر الجرم قتلاً تاماً، وإن لم يمت وقفت الجريمة عند حد الشروع وباعتبار أنه لابد أن تنصرف الإرادة نحو إزهاق الروح، أي توفر نية القتل، فهل تعتبر هذه النية قصدا خاصا أم عام؟

    سبق و أشرنا أن القصد الخاص يتضمن ابتداء القصد العام.

     فإذا قلنا أن نية إزهاق الروح في القتل هي قصد خاص، فهذا الكلام لا يستقيم إطلاقاً، باعتبار أن هذه النية تدخل في مفهوم القصد العام ( إرادة الفعل والنتيجة ).

    فالقصد العام في القتل لا يتوافر إلا إذا انصب العلم والإرادة على النشاط الجرمي وعلى النتيجة، وبالتالي فإن نية القتل تدخل في عناصر القصد العام.

    وإذا قلنا بأن المساس بالسلامة الجسدية للمجني عليه هو القصد العام في القتل، وإرادة إزهاق الروح تشكل القصد الخاص فيه، فهذا الكلام لا يستقيم أيضا، باعتبار أن فعل المساس بالسلامة الجسدية، دون نية القتل، يكون القصد الجرمي العام لجرائم الإيذاء .

     إذن ما دام يلزم لتوافر القصد الجرمي العام اتجاه الإرادة، في آن واحد، إلى الاعتداء و إلى إحداث النتيجة، وهي إزهاق الروح، فلا داعي للحديث عن ضرورة توافر قصد خاص في جرم القتل، يتمثل في نية إزهاق الروح، تلك النية المطلوب توفرها أصلا لقيام القصد العام .

    إذن كي نتحدث عن قصد خاص في جرم القتل يجب أن تنصرف إرادة الفاعل إلى تحقيق غاية أبعد من الوفاة، أو أن يتجلى هذا القصد في صورة باعث أو دافع يحرك إرادة الفاعل نحو إزهاق روح الضحية.

     والقانون، كما أسلفنا لا يتطلب ذلك في الركن المعنوي لجرم القتل.

     ونية إزهاق الروح، كقصد جرمی عام، هو المطلوب توافره في جميع جرائم القتل المقصود، سواء كان بسيطاً أو مخففاً أو مشدداً.

     إلا أن القانون اشترط، إضافة لهذا القصد العام، توفر قصد جرمي خاص كي يقوم النموذج القانوني المطلوب لجرم القتل المخفف أو المشدد.

    والمثال على ذلك: القتل اتقاء للعار.

     فلقد عاقب المشرع بنص المادة 537 عقوبات الأم التي تقتل وليدها التي حملت به سفاحاً اتقاء للعار، بعقوبة أخف من عقوبة جرم القتل البسيط، أي اعتبر القتل مخففاً.

    وسبب التخفيف هنا توفر القصد الجرمي الخاص بهذه الجريمة، وهو اتقاء العار.

     أما إذا لم يتوفر هذا القصد الخاص، فتبقى الجريمة قتلاً بسيطاً، لقيام القصد العام.

     والمثال الآخر على اعتبار القتل مشددا إذا توفر القصد الخاص بالقتل تمهيدا لارتكاب جريمة أو تنفيذها أو تسهيل فرار فاعليها، مضمون المادة 335 من قانون العقوبات.

     فعند توفر هذه الغاية لدى القاتل اعتبر ذلك قصداً جرمياً خاصاً موجباً لاعتبار القتل مشدداً. و غياب هذا القصد الخاص يبدل النموذج القانوني للوصف الجرمي من قتل مشدد إلى قتل بسيط، وذلك لتوافر القصد الجرمي العام أصلا.

    – متى ينبغي توافر القصد الجرمي؟

    يجب أن يتوفر القصد الجرمي في كل الجرائم المقصودة ومنها القتل وقت ارتكاب الفعل. ولا عبرة بعد ذلك إذا توفر عند تحقيق النتيجة أم لا.

    فإذا ثبت أن الفاعل قد أراد إزهاق روح الضحية عند مباشرته لاعتدائه اعتبر القتل مقصودا، ولو تغيرت هذه النية عند حدوث النتيجة.

    والمسألة لا تثير أية صعوبة إذا حصلت النتيجة مباشرة بعد الاعتداء. كما لو أطلق الجاني النار على خصمه بنية قتله، فمات فورا.

     إلا أن المسألة تصبح أكثر تعقيدا إذا لم يمت المجني عليه فورا، وتغيرت نية الفاعل.

     فلو أن المجني عليه، في المثال السابق، لم يمت من الطاقة، وندم الفاعل على فعلته، وتغيرت نيته، وحاول إنقاذ ضحيته، إلا أن محاولته فشلت، وماتت الضحية بعد فترة من الزمن. فالمبدأ، كما قلنا، أنه يلاحق كقاتل قصدا ما دامت النية قد توفرت عند ارتكاب الفعل، بغض النظر عن تغيرها عند النتيجة.

    ولكن ما القول إذا نجحت مساعي الفاعل واستطاع إنقاذ حياة خصمه الذي أطلق عليه النار قاصدا قتله؟

     يطلق الفقه الجزائي على هذه الحالة تعبير “الندم الإيجابي”.

    وقد عالجها المشرع السوري في المادة 200 من قانون العقوبات.

    حيث أجاز للقاضي تخفيض العقوبة إلى حد ثلاث عقوبة الشروع التام في القتل.

    والمعروف أن عقوبة الشروع التام هي نصف عقوبة الجرم التام.

     إذن اعتبر المشرع السوري حالة الندم الإيجابي ظرفا مخففا للعقاب.

    ويثار في هذا المجال فرضية عدم توفر القصد الجرمي عند ارتكاب الفعل، وتوفره عند النتيجة الجرمية.

    وعدم توفر القصد الجرمي عند مباشرة النشاط يعني بالضرورة أن الفاعل ارتكب خطأ مفضية إلى إزهاق الروح، ثم تنتبه إلى خطأه قبل حدوث النتيجة، فتوفرت نية القتل في هذه اللحظة وظلت مستمرة حتى حصول الوفاة، دون أن يتدخل الفاعل ليتلافى حصولها.

    والمثال التقليدي الذي يذكره شراح القانون لهذه المسألة :

     حالة الصيدلي الذي يخطئ في تركيب الدواء للمريض، فيضع فيه مادة قاتلة عن غير قصد، ثم يتنبه إلى خطأه بعد تسليم الدواء للمريض، ويمتنع عن لفت نظره إلى هذا الخطأ، بالرغم من قدرته على ذلك، ولا يحاول إيقاف المريض عن تناول الدواء السام قاصداً من ذلك إزهاق روحه، فيتناوله المريض ويموت.

    والمبدأ في هذه الفرضية أن الفاعل لا يسأل إلا عن جريمة قتل غير مقصود، نتيجة للخطأ الذي وقع به، ولعدم توفر نية القتل عند مباشرة النشاط الخاطئ، وتوفرها عند النتيجة، ففي هذه الحالة لا تصلح هذه النية كر كن معنوي للقتل المقصود.

    إلا أن تطبيق هذا المبدأ مشروط بأن تكون الأمور قد خرجت عن سيطرة الفاعل، ولم يعد بإمكانه التدخل لتلافي حصول النتيجة.

     ففي هذه الحالة لا يبدل امتناعه عن التدخل الوصف الجرمي للفعل كقتل غير مقصود أما إذا كانت الأمور لا زالت تحت سيطرته، وكان بإمكانه التدخل لتلافي وقوع النتيجة، فيمتنع مع ذلك قاصد إزهاق روح الضحية، فيسأل عندئذ عن جريمة قتل مقصود.

     وتبرير ذلك أن مبدأ عدم الاعتداد بالنية عند النتيجة مرهون بثبوت انتهاء الفعل قبل ظهور القصد، إذ بغير ذلك يبقى القصد معاصرة للفعل .

     و معیار انتهاء الفعل هو زوال السيطرة الإرادية على الفعل وعلى آثاره الضارة. فما دام الفاعل مسيطرا على فعله وآثاره الضارة، يبقى الفعل مستمرا، أي لم ينته بعد، فإن ظهرت النية لديه عندئذ اعتبر فعله مقصودة، وذلك لأن النية عاصرت الفعل

  • ماهو القصد الاحتمالي والنتائج الاحتمالية في جريمة القتل؟

    القصد الاحتمالي والنتائج الاحتمالية

    يجب التمييز بين القصد الاحتمالي بالمعنى المقصود في المادة 190، وبين النتائج الاحتمالية التي خالف بها المشرع، ينصوص صريحة وحالات خاصة، المبدأ الذي أقره في المادة المذكورة، بإلقاء عبء هذه النتائج الاحتمالية على الفاعل لمجرد أنها حصلت من فعله ولو لم ينصرف إليها قصده أو يوجه إليها إرادته أو يقبلها، بل ولو لم يتوقعها إطلاقاً.

    والمثال على ذلك في جرم القتل ، نص المادة 536 من قانون العقوبات التي عاقبت على التسبب بموت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو العنف أو الشدة أو أي عمل آخر مقصود”.

    فلو ضرب أحدهم خصمه لكمة على وجهه قاصداً المساس بسلامته الجسدية، ولم يقصد قتله، فمات المجني عليه من آثر اللكمة.

     فالفاعل يسأل بحسب النص المذكور عن وفاة الشخص، بالرغم من عدم اتجاه إرادته إلى هذه النتيجة، التي اتجهت أصلاً إلى مجرد المساس بسلامته البدنية.

     فهذا الجرم ليس في واقع الأمر سوى قتل خطأ لو لم يجعل منه المشرع جر ماً خاصاً، معرباً عن رغبته في أن يكون الفاعل مسؤولاً عن النتيجة الحاصلة، الوفاة، التي تجاوزت قصده، وإن لم يكن يتوقع حدوثها حين إقدامه على الضرب.

    فالقانون اعتبر الضرب أو اللكم الذي أفضى إلى الوفاة يتضمن بذاته خطر وقوع هذه النتيجة، وقد كان على الفاعل أن يأخذ بعين الاعتبار احتمال وقوعها.

     لذلك يعاقب القانون هذا الشخص على هذه النتيجة الاحتمالية الضارة، لمجرد حصولها، وإن لم تكن متوقعة أو محتملة الوقوع في ظروف ارتكاب الفعل.

  • ماهو القصد المباشر والقصد الاحتمالي في جريمة القتل؟

    القصد المباشر والقصد الاحتمالي في القتل

    يكون القصد مباشراً عندما يقصد الفاعل النتيجة ويعمل على تحقيقها. فعندما يكون إزهاق الروح متوقعا من الجاني كنتيجة حتمية ولازمة لفعله، نكون بصدد القصد المباشر.

     وعلى هذا فمن يطلق النار على رأس خصمه لقتله، فيموت، يسأل عن قتل مقصود استنادا لقصده المباشر.

     فهو أراد النتيجة وعمل لتحقيقها. أما القصد الاحتمالي فيكون عندما يقصد الفاعل نتيجة معينة ويعمل لتحقيقها، ولكنه يتوقع حصول نتیجة أخرى غير النتيجة التي أرادها، وان كان قدر احتمال وقوعها، فيرضى بها، ويتحمل المخاطرة، في سبيل تحقيق غرضه الأساسي .

     فلو وضع الجاني السم في طعام خصمه بنية قتله، ولكنه توقع أن يأكل معه صديقه في ذلك اليوم فيموت، فلم يمنعه ذلك من المضي في نشاطه الإجرامي، راضيا بقتل الشخص الأخر، كنتيجة محتملة، قد تقع وقد لا تقع، في سبيل الوصول إلى قتل خصمه، كنتيجة لازمة وحتمية لفعله.

     يلاحظ بهذا المثال أن الجاني قد توفر لديه قصد مباشر بالنسبة لخصمه، وقصد احتمالي بالنسبة للصديق.

    والقصد الاحتمالي هنا بمثابة القصد المباشر، فيلاحق الفاعل عن قتل مقصود للخصم وللصديق إذا توفيا، وعن شروع في القتل إذا لم تتحقق النتيجة لظرف خارج عن إرادة الفاعل.

     إذن الفرق بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي هو أن الأول يفترض فيه توقع الفاعل حدوث النتيجة الجرمية على نحو يقيني كأثر أكيد ولازم لفعله.

     أما الثاني فيفترض فيه علم الفاعل بحدوث النتيجة الجرمية على نحو احتمالي، فمن المتوقع أن تقع ومن المتوقع أن لا تقع، ومع ذلك يمضي الفاعل في مشروعه الإجرامي، راضية بتحمل المخاطرة .

    وقد نصت المادة 188 من قانون العقوبات السوري على القصد الاحتمالي بقولها تعد الجريمة مقصودة وان تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقيل بالمخاطرة”.

    من هذا النص نلاحظ أن المشرع السوري ألحق القصد الاحتمالي بالقصد المباشر وساوى بينهما في المسئولية والعقاب، مادام الفاعل في القصد الاحتمالي قد توقع النتيجة فقيل بالمخاطرة، أي قبل بالنتيجة.

    إلا أن موقف المشرع السوري من القصد الاحتمالي يختلف في حالة إذا توقع الفاعل وقوع النتيجة الجرمية ولم يقبل بها، بل حسب أن بإمكانه تجنبها وتلافي وقوعها معتمدا على مهارته في تلافيها.

     ففي هذه الحالة تخرج الواقعة، بنظر المشرع السوري، تماما من نطاق القصد الجرمي، وتدخل في نطاق الخطأ، فيسأل الفاعل عن جريمة غير مقصودة، لأن الفاعل لم يرضى بحصول النتيجة مقدما، ولم تتجه إليها إرادته.

    وقد تناولت هذه الحالة المادة 190 من قانون العقوبات بقولها

    “تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين، وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها، وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها”.

    والمثال النموذجي على ذلك يتمثل بقائد السيارة الذي يسرع في مكان مزدحم بالناس، فيتوقع أن يدهس أحدهم، إلا أنه لا يقبل بهذه النتيجة، وإنما يعتمد على مهارته في القيادة، ويعمل كل جهده في تلافي هذه النتيجة، ومع ذلك يدهس أحدهم ويموت لسوء تقديره.

  • ماهو القصد الجرمي في جريمة القتل؟

    القصد الجرمي في القتل البسيط

    يقوم القصد الجرمي على عنصري العلم والإرادة.

    فالعلم يستلزم الإحاطة بجميع أركان الجريمة وعناصر كل ركن فيها.

     والإرادة يجب أن تتوجه إلى الفعل والى نتيجته.

    وعلى ذلك فإن الركن المعنوي في جريمة القتل المقصود يستلزم توافر عنصري العلم والإرادة وهي عناصر القصد العام التي يجب توافرها في كافة الجرائم المقصودة.

    أولا – العلم بأركان الجريمة.

    التوافر القصد الجرمي لدى متهم بجريمة قتل ينبغي أن يقوم الدليل على علمه بأن فعله موجه إلى إنسان حي.

    أما إذا  كان معتقداً أن فعله موجه إلى جثة ميت فينتفي القصد لديه.

    فالطبيب الذي يعتقد أنه يشرح جثة، فإذا بصاحبها لا يزال حياً، ويموت على أثر التشريح، ينتفي القصد الجرمي لديه، وان أمكن ملاحقته استنادا لخطئه  كما ينبغي أن يكون الجاني عالما أن من شأن فعله إزهاق روح المجني عليه، وبانتفاء العلم ينتفي القصد.

     فمن يطلق بندقية على أخر معتقداً أنها فارغة من المقذوف فإذا بها، عن جهل منه، محشوة فيموت المجني عليه.

    ومن يطلق النار في الهواء، لتفريق جماعة من المتشاجرين ، أو احتفالا بمناسبة، معتقدا أن ليس من شأن فعله إصابة أحد، فيصيب المقذوف أحدهم ويقتله.

    ينتفي القصد الجرمي في هذه الحالات، وان أمكن مساعلة الفاعل عن قتل غير مقصود استناداً لخطأه إذا توافرت شروطه.

    كما ينبغي أن يكون الجاني عالما بطبيعة النتيجة التي ستترتب على فعله ومتوقع حدوثها.

     فمن يعطي دواء مجهضة لامرأة حامل يجب أن يكون عالماً بأن تناولها الدواء سيؤدي إلى إجهاضها.

    ومن يطلق النار على خصمه في مقتل يجب أن يكون عالماً بأن فعله سيؤدي إلى وفاته.

     فهنا توفر القصد لثبوت العلم بطبيعة النتيجة التي ترتبت على الفعل.

     أما من أعطى أخر مادة سامة متوقعا أن سيستعملها كسماد لحديقته، فإذا به يتناولها ظنا منه أنها دواء، لا يعد القصد متوافرة لديه، لانتفاء علمه بطبيعة النتيجة التي ترتبت على فعله.

     

    ثانيا – إرادة الفعل والنتيجة

    إضافة لوجوب توفر العلم لدى الفاعل بالوقائع والظروف التي أحاطت بارتكاب الفعل وتحقق الوفاة، يجب أن تتجه إرادته إلى إتيان الفعل المكون للنشاط الإجرامي في القتل.

    أي أن يثبت أنه أراد الطعن أو التسميم أو الخنق أو إطلاق النار، أو غير ذلك من الأفعال.

     فلا يسأل عن قتل مقصود من يكره على هذه الأفعال، لأن إرادته لم تتجه حرة مختارة إليها .

    كما يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إحداث النتيجة الجرمية، أي إزهاق الروح.

     فلا يكفي لتوفر القصد الجرمي أن يكون الفاعل قد أراد فعل الاعتداء، وإنما لا بد أن يثبت أنه أراد بهذا الاعتداء إحداث الوفاة أيضا.

     أما إذا ثبت أن الإرادة اتجهت فقط إلى الاعتداء دون النتيجة، فقد يسأل الفاعل عن جرم الإيذاء المفضي إلى الموت إذا انصرفت إرادته إلى مجرد المساس بسلامة جسم المجني عليه، أوعن قتل غير مقصود إذا لم يقصد هذا المساس .

    وتثير إرادة إزهاق الروح مشكلة التمييز بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي، ومدى كفاية كل منهما ليقوم به قصد القتل.

  • ماهو الركن المعنوي في جريمة القتل؟

    إن جميع جرائم القتل المقصودة وغير المقصودة تتفق فيما بينها في ركن المحل والركن المادي.

     فجميعها تستلزم إنساناً حياً تعرض لاعتداء نجم عنه وفاته.

     إلا أن التمييز بين القتل المقصود والقتل غير المقصود يتوقف على الركن المعنوي.

     فلا بد لاعتبار القتل مقصوداً أن يتوفر لدى الفاعل القصد الجرمي، أي نية إحداث الوفاة، بصرف النظر عن حصول الوفاة فعلا أو عدم حصولها، فيبقى الفعل شروع في القتل .

     أما عند انتفاء نية إزهاق الروح، فقد يكون القتل غير مقصود، إذا توفرت إحدى صور الخطأ الثلاث: الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الشرائع و الأنظمة.

    وقد يكون القتال عرضياً، قضاءً وقدراً، عند انتفاء القصد والخطأ، فلا تترتب أية مسئولية جزائية فيه، كما لو ألقى أحدهم بنفسه تحت إطارات سيارة، ومات، ولم يثبت لدى قائد السيارة نية دهسه، أو أي صورة من صور الخطأ.

    إذن، عند وقوع اعتداء على إنسان حي يودي بحياته، فيجب البحث عن توفر القصد الجرمي من عدمه. فعندما يعتدي أحدهم على أخر مريدا إزهاق روحه، اعتبر القتل مقصوداً، إذا توفي الشخص، وشروعاً بالقتل إذا لم يمت الشخص .

     أما إذا وقع الاعتداء نتيجة خطأ ارتكبه الفاعل، بإحدي صوره الثلاث، اعتبر القتل غير مقصود.

     فالقصد الجرمي، إذن، يعتبر الركن الأساسي والمميز بين القتل المقصود وغير المقصود.

     والقتل المقصود قد يرتكب بصورته البسيطة،

    وقد يرتكب بصوره المشددة أو المخففة.

    و القتل البسيط، كما أسلفنا، هو القتل غير المترافق مع أية صورة من صور التشديد أو التخفيف.

  •  موقف المشرع السوري من العلاقة السببية في جريمة القتل؟

     موقف المشرع السوري من السببية

    لم يترك المشرع السوري مسألة السببية دون تقنين ، بل تبنى نصاً عاماً في قانون العقوبات هو المادة 203، أرسی به قواعد السببية في جميع الجرائم المقصودة وغير المقصودة، مقتبسة من نص المادة 41 من قانون العقوبات الإيطالي.

    وقد جاء نص المادة 203 تحت عنوان ” اجتماع الأسباب “. ونصها:

     “1- إن الصلة السببية بين الفعل و عدم الفعل من جهة وبين النتيجة الجرمية من جهة ثانية لا ينفيها اجتماع أسباب أخرى سابقة أو مقارنة أو لاحقة سواء جهلها الفاعل أو كانت مستقلة عن فعله.

    2- ويختلف الأمر إذا كان السبب اللاحق مستقلا وكافيا بذاته لإحداث النتيجة الجرمية. ولا يكون الفاعل في هذه الحالة عرضة إلا لعقوبة الفعل الذي ارتكبه”.

     ونظرا لأهمية مسألة السببية في جرائم القتل والإيذاء، فقد أورد المشرع في قانون العقوبات نصاً خاصاً يعالج مسألة السببية في هذه الجرائم، و هو نص المادة 544، الذي جاء تحت عنوان

    القتل والإيذاء الناجمين عن تعدد الأسباب، والقاضي بأنه إذا كان الموت والإيذاء المرتکبان عن قصد أو غير قصد نتيجة عدة أسباب جهلها الفاعل وكانت مستقلة عن فعله أمكن تخفيض العقوبة بالمقدار المبين في المادة 199″

    أي اعتبار الفعل شروعة وليس جرم تامة، وعقابه على هذا الأساس.

    وباستقراء نص الفقرة الأولى من المادة 203 نلاحظ أنها تتبنى نظرية تعادل الأسباب. إذ اعتبرت أن الفاعل يعتبر مسؤولاً عن النتيجة ولو تضافرت عوامل أخرى مع فعله في إحداثها، سواء كانت هذه العوامل سابقة أو مرافقة أو لاحقة لفعله، وسواء كانت مستقلة عن فعله أو ناتجة عنه، وسواء كان الفاعل يعلم بوجودها أم لا.

    فلا تأثير لكل ذلك على قيام رابطة السببية بين الفعل و النتيجة، وعلى مسؤولية الفاعل عن هذه النتيجة .

     إلا أن المشرع عاد في الفقرة الثانية ووضع استثناءاً، يتبين منه تبنيه لنظرية السبب الملائم في حالة تدخل عامل ما بين الفعل والنتيجة، فيقطع رابطة السببية بينهما، وينفي مسئولية الفاعل عن النتيجة الحاصلة، إذا توافرت به الشروط التالية:

    1- أن يكون لاحقاً لفعل الفاعل

     2- أن يكون مستقلا عنه

     3- أن يكون كافيا بذاته لإحداث النتيجة الجرمية.

    وإذا أردنا تبسيط المسألة يمكننا القول بأن العوامل التي تساهم مع فعل الفاعل في إحداث النتيجة قد تكون سابقة أو مرافقة أو لاحقة له.

     فإذا كانت سابقة أو مرافقة له فهي لا تقطع العلاقة السببية بين فعل الفاعل و النتيجة بأي شكل.

    أما إذا كان العامل قد أتي لاحقا للفعل، فإنه أيضا لا يقطع رابطة السببية بين الفعل والنتيجة إلا إذا كان مستقلاً عن الفعل، وكافياً لوحده لإحداث النتيجة.

     ففي هذه الحالة فقط تنقطع الرابطة، وتنتفي مسئولية الفاعل عن النتيجة الحاصلة، ويعاقب فقط عن الفعل الذي ارتكبه.

    فإذا تعرض أحدهم لطعنة بسكين، ثم جاء شخص ثالث و عاجله بطلقة من مسدس أودت بحياته.

     فهذا الطلق الناري عامل لاحق لفعل الطعن بالسكين ، و مستقل عنه، أي غير ناتج أو متولد عنه، وكاف لوحده لإحداث الوفاة.

     فالطاعن هنا لا يسأل عن الوفاة، بل تقتصر مساءلته على ما ارتكبه من فعل، وهو الجرح أو الإيذاء.

    وللتوضيح أكثر، لنفترض أن زید دس السم في طعام بكر، فأكله وشعر بأعراض التسمم فاتجه إلى المستشفى فدهسته سيارة في الطريق ومات على أثر ذلك.

    أو تم نقله بسيارة صديقه للمستشفى وفي الطريق انقلبت السيارة نتيجة السرعة ومات بكر.

    فهنا يختلف الحكم في الحالتين.

    ففي الحالة الأولى، أي الوفاة دهساً، يعتبر الدهس سبباً لاحقاً ومستقلاً وكافية لوحده لإحداث الوفاة.

    فيقطع العلاقة السببية بين فعل زيد ووفاة بكر.

     أما في الحالة الثانية، فهنا انقلاب السيارة بالرغم من أنه سبب لاحق وكاف بحد ذاته لإحداث الوفاة، إلا أنه ليس مستقلاً عن فعل زيد، بل متولد عنه، فلولا فعل زيد لما أسعفه الصديق بسيارته.

     ولذلك لا يعتبر انقلاب السيارة هنا سبباً مستقلاً، ولا يقطع الرابطة السببية بين فعل زيد ووفاة بكر.

    أما بخصوص النص الخاص الوارد في المادة 544، فالملاحظ أنه لم يدخل أي تعديل على النص العام، الوارد في المادة 203، بالنسبة للقواعد العامة للسييية السالف شرحها.

    بل اكتفي بتعين مقدار العقاب في حالة اقتران الفعل مع عوامل أخرى مستقلة عنه، سابقة أو مقارنة لوقوعه أو لاحقة له، إذا كانت غير كافية لإحداث النتيجة.

     ففي هذه الحالة، إذا ما ثبت جهل الفاعل للعوامل الأخرى، يبقى مسؤولاً عن النتيجة الحاصلة، ولكن يعاقب کشارع في ارتكاب الجريمة.

     أما إذا ثبت علمه بتلك العوامل فيعاقب على ارتكابه جرمة تامة تطبيقا للمبدأ العام ” تعادل الأسباب ” الوارد في الفقرة الأولى من المادة 203.

    وكل ما في الأمر أن الفاعل يستحق تخفيف العقاب لأن أسباب الوفاة أو الإيذاء كانت مجهولة لديه، و غير متولدة عن فعله.

     ففي المثال السابق عن جرح زيد لبكر، بفرض أن بكر مريض بالسكر ولم يلتئم جرحه لهذا السبب، فتفاقمت حالته، ومات على أثر ذلك.

     فعلاقة السببية بين الجرح والوفاة تبقى قائمة، تطبيقا للمبدأ العام ” تعادل الأسباب ” ، ويبقى زيد مسؤولاً عن الوفاة، حتى ولو لم يكن الجرح هو وحده السبب في الوفاة.

    ولكن عقابه يختلف مقداره استناداً لعلمه يمرض بكر أم لجهله به.

     فإذا كان يعلم مسبقاً بمرض بكر وأقدم على جرحه، فيعاقب عقاب القتل التام.

    أما إذا كان لا يعلم، فيعتبر شارعا في القتل.

  • ماهي نطرية السبب المباشر والسبب الملائم في جريمة القتل؟

    نظرية السبب المباشر

    هذه النظرية لا تعتبر جميع العوامل التي أسهمت في إحداث النتيجة متساوية، أو أنها تصلح جميعا لأن تكون أسباب قانونية في وقوع النتيجة الحاصلة.

     وإنما ترى أن الفعل لا يعد سببا للنتيجة الجرمية في نظر القانون إلا إذا كان يتصل بها اتصالا قريبة ومباشرة وفورية، أما إذا كان هذا الفعل بعيداً عن النتيجة فلا يمكن أن يعد سبباً لها، وان أسهم في إحداثها بصورة غير مباشرة.

    ولتحديد معيار الاتصال المباشر بالنتيجة، يمكن حصر السبب القانوني بالعامل الأخير الذي يسبق النتيجة الجرمية، أو بالسبب الأكثر تأثيراً من جملة العوامل الأخرى.

    والملاحظ في هذه النظرية أن تحديد السبب المباشر وغير المباشر، أو السبب الأكثر تأثيراً من بين العوامل المختلفة، يبدو بغاية الصعوبة ويحتاج هو أيضا إلى معيار.

    ولا ريب أن هذه النظرية تضيق كثيراً من نطاق السيبية، وتراعي جهة المتهم، بل أنها تؤدي إلى إفلات الفاعل الأصلي باعتباره غير مسؤول عن النتائج التي أدى إليها فعله بصورة يقينية إذا كانت نتائج غير مباشرة لهذا الفعل.

     

     نظرية السبب الملائم

    هذه النظرية تعتبر من أكثر النظريات شيوعاً وقبولا على صعيد التطبيق العملي في البحث عن علاقة السببية.

     ومنها استوحي المشرع السوري النص الذي عالج به مسألة السببية.

     وفق هذه النظرية يعتبر الشخص مسؤولاً عن النتيجة التي تترتب على فعله عادة بصورة مباشرة، ومسؤول فوق ذلك عن نتائج فعله إذا كانت هذه النتائج عادية ومألوفة بالنسبة للظروف والعوامل التي وقع فيها الفعل .

    أما إذا كانت هذه النتائج شاذة و غير مألوفة في ظروف ارتكاب الفعل، فتنقطع رابطة السيبية، وتنتفي بالتالي مسئولية الشخص عن النتيجة.

    فلو أن زيد جرح بكر بخنجر ، و أسعف إلى المستشفى، إلا أن الطبيب أهمل إهمالاً يسيراً في علاجه، فازدادت خطورة إصابته وتوفي على أثر ذلك.

    ففي هذه الحالة يعتبر زید مسؤولاً عن وفاة بكر، لأن إسعاف بكر إلى المستشفى، وتقصير الطبيب وخطأه اليسير من الأمور المألوفة و العادية في مثل هذه الحالة.

    أما لو انقلبت السيارة التي أسعف فيها بكر، أو شب حريق في المستشفى أثناء وجوده فيها، ومات، فهنا لا يسأل زید عن وفاة بكر، لأن انقلاب السيارة، أو حريق المستشفى من العوامل الشاذة وغير المألوفة في ظروف ارتكاب فعل الطعن بالخنجر.

     أما إذا كان جرح بكر طفيفة، وخطأ الطبيب جسيما لدرجة غير مألوفة في الحالات المماثلة، ومات بكر، فلا يمكن اعتبار زيد مسئولاً عن وفاته.

     لأن الخطأ الجسيم من الطبيب من العوامل غير المألوفة والشاذة في مثل هذه الحالة.

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1